الفصل الثالث

«تختخ» في الحجز

كان ظهور «بيومي» مفاجأةً حقيقية، فهو وحده الذي يستطيع أن يحلَّ لغز سرقة العصافير والمجوهرات، لكنه عندما رأى المفتش «سامي» امتلأ وجهه بالفزع … وسأل بصوتٍ مرتعش: هل عاد الخواجة؟! المفروض أن يعود غدًا!

سأله «سامي»: أنت حارس الفيلَّا؟

«بيومي»: نعم … أنا الحارس.

سامي: وأين كنت عندما سُرِقَت الفيلَّا؟

اتسعَت عينا «بيومي»، ثم لطم خدَّيه وبكى، وهو يقول: يا خراب بيتك يا «بيومي»، يا خراب بيتك!

صرخ فيه «سامي»: أين كنت؟

قال «بيومي» من بين دموعه: في البلد.

سامي: وكيف تترك الفيلَّا … وأنت مسئولٌ عن حراستها؟!

«بيومي»: زوجتي كانت ستلد … ولما سافر الخواجة إلى شرم الشيخ، وعرفتُ أنه لن يعود قبل خمسة أيام، أوصلتُ زوجتي إلى البلد.

سامي: وأين بلدك؟

«بيومي»: سنهور القبلية، محافظة الفيوم.

سامي: يعني ساعة في الذهاب إليها، وساعة في العودة، ثم تعود إلى الفيلَّا التي أنت مسئولٌ عنها.

«بيومي» وهو يبكي: منهم لله … لقد أمسكوا بي حتى أبقى بالبلد عدة أيام … وعدتُ قبل موعد الخواجة.

نظر المفتش «سامي» إلى الشاويش «فرقع»، وقال: هاته، ثم انصرف إلى الفيلَّا، فتبعه «تختخ»، و«محب»، وبعض جنود الشرطة الذين أتوا معه في السيارة، وقف فجأةً ونظر إليهم … وقال: أنت يا «رجب»، ابقَ عند باب الحديقة، وأنت يا «أمين» ومعك «جلال»، ابقيا عند باب الفيلَّا.

ثم دخل الفيلَّا، وخلفه «تختخ» و«محب»، في حين أمسك الشاويش «فرقع» بالحارس «بيومي»، وتبعهم، عندما دخل المفتش «سامي»، وقف وألقى نظرةً فاحصة على الصالة، كانت العصافير العائدة في أقفاصها ساكنةً، وكأنها تراقب ما يحدث، أشار «تختخ» إلى نقط الدم التي على الأرض، فانحنى المفتش «سامي»، ووضع يده عليها، وقال ﻟ «تختخ»: إنها نقطٌ حديثة … ثم أخذوا طريقهم إلى الطابق العلوي.

ما إن رأى مستر «براون» الحارس «بيومي» الذي كان يمسكه الشاويش «فرقع»، حتى صاح: اللص! وهجم عليه.

إلا أن «سامي» أمسك بمستر «براون» وهو يقول: سوف يعترف بكل شيءٍ.

بينما نظرت السيدة «فرانسوا» … وبحزنٍ شديد قالت ﻟ «بيومي»: لماذا يا «بيومي»؟! لقد كنَّا نعطف عليك … لماذا تخون المكان الذي تربي منه أولادك؟

بكى «بيومي»، وهو يقول: مظلوم يا سيدتي … مظلوم … لكن غلطان، وأستحقُّ السجن.

بدأ المفتش «سامي» يُجري تحقيقًا مع مستر «براون»، في نفس الوقت أخرج «تختخ» مفكرته، وبدأ يدوِّن ملاحظاتٍ مما يسمعه، ولما انتهى التحقيق، أخذ المفتش «سامي» الحارس «بيومي» إلى قسم الشرطة، لأنه أنكر أنه يعرف أي شيءٍ، ويؤكد أنه غلطان، لأنه غاب عن الفيلَّا، وعندما انصرف «سامي» ومعه الضابط، وخبير البصمات، انصرف «تختخ»، ومحب.

في الطريق قال «محب»: إنني أُصدق «بيومي»، صحيح هو رجلٌ غبيٌّ … لكنه بريءٌ من تهمة السرقة، وإلا ما كان قد عاد.

قال «تختخ»: مَن يدري؟! فربما تكون عودته نوعًا من صرف النظر عن اشتراكه فيما حدث.

•••

في الصباح، كان المغامرون يعقدون اجتماعًا في مكانهم المعتاد في فيلَّا «عاطف» … وبعد أن سمعوا تفاصيل الحكاية، قال «عاطف»: هناك شيءٌ غامضٌ … كيف دخل اللصوص الفيلَّا … إذا كان الباب سليمًا، وإذا كانت النافذة مغلقة كما أكد مستر «براون»، كيف دخل اللصوص إذن، هل خرموا السقف مثلًا ونزلوا منه؟!

قالت «لوزة»: محتمل.

ردَّت «نوسة»: مستحيل طبعًا؛ لأن فتْحَ منفذ في السقف يحتاج لمعدات … وهذا يُحدث أصواتًا تُلفت النظر، فالفيلَّات قريبة من بعضها.

محب: ينبغي أن نسأل حرَّاس الفيلَّات المجاورة … إن ذلك على الأقل يُعطينا مؤشرًا إن كانوا قد سمعوا أصواتًا ولو حتى صوت العصافير.

كان «تختخ» يفكر أكثر مما يسمع … ثم قال فجأةً: اسمعوني، أظن أن الحكاية فيها خدعة، فقد راقبتُ «بيومي» جيِّدًا عندما عاد، وأنا أتفق مع «محب» في أنه بريءٌ، حتى لو كان غبيًّا.

سألت «لوزة»: وما هي هذه الخدعة؟

«تختخ»: حتى الآن لا أدري … ولكني أظن أن «بيومي» يُخفي شيئًا … أو أنه يخشى أن يُصرِّح بما يخفيه.

قال «محب»: أقترح أن نُناقش الملاحظات التي دوَّنها «تختخ» في مفكِّرته، وأظن أننا عن طريق المناقشة سوف نُجدِّد أسلوب تحرُّكنا.

وافق الجميع على اقتراح «محب» … وفتح «تختخ» مفكِّرته، ثم قرأ ما دَوَّنه من ملاحظات … فقالت «نوسة»: بالنسبة لباب الفيلَّا غير المكسور، أعتقد أن الخدعة سوف تتعلَّق به، خصوصًا وقد اتفقنا أنه لا يمكن النزول من السطح.

فجأة وقف «تختخ»، وقال: استمروا في مناقشتكم، وسوف أصل إلى المفتش «سامي»، فهناك ما أفكِّرُ فيه.

•••

استمر المغامرون في مناقشتهم، بينما قفز «تختخ» على دراجته، فقفز «زنجر» خلفه، وفي القسم، عرف من المفتش «سامي» أن «بيومي» لم يعترف بشيءٍ، وأنه ظلَّ على كلامه، وهو أنه لا يعرف شيئًا، ابتسم المفتش «سامي»، وقال ﻟ «تختخ»: ماذا ستفعلون أمام هذا اللغز؟! فالذي يُحيِّرني إذا كان كلام «بيومي» صحيحًا هو: كيف دخل اللصوص الفيلَّا، خصوصًا ومستر «براون» يؤكِّد أنه أغلق كلَّ النوافذ قبل أن يسافر إلى شرم الشيخ هو وزوجته؟!

قال «تختخ»: في هذه الحالة هل ستقدمون «بيومي» للنيابة؟

المفتش «سامي»: طبعًا، غدًا سوف يكون في النيابة.

«تختخ»: هل يمكن أن تؤجِّل ذلك بعض الوقت؟

المفتش «سامي»: يمكن طبعًا … ولكن لماذا؟

ابتسم «تختخ» وقال: سوف أخبرك عندما أنتهي مما أفكر فيه.

وبسرعة قفز «تختخ» على دراجته، وخلفه «زنجر»، وأخذ طريقه إلى الفيلَّا، وعندما وصلها، اتصل بالمغامرين، وأخبرهم أنه سوف يتغيَّب عنهم اليوم، وربما حتى الغد، وأن عليهم أن يستمروا في حلِّ هذا اللغز، ثم بدأ وضع الماكياج، ويرسم جرحًا طويلًا في وجهه، ولبس بنطلونًا قديمًا به أكثر من رقعة، وقميصًا متَّسِخًا، ووضع على رأسه كابًا قديمًا، نظر إلى نفسه في المرآة، ثم ابتسم، لقد أصبح متشرِّدًا حقيقيًّا! وخرج من السلم الخلفي إلى الشارع، فتبعه «زنجر» … ربتَ عليه، ثم أشار إلى فيلَّا «عاطف»، وهو يقول: اذهب إلى المغامرين.

نظر له «زنجر» نظرةً متسائلة، وكأنه يُعاتبه، لأنه لا يصحبه معه.

ابتسم «تختخ»، وقبَّل «زنجر»، ثم رفع يده يودِّعه … فانطلق «زنجر» إلى فيلَّا «عاطف».

فكَّر «تختخ» قليلًا، وتساءل في نفسه: أين يوجد الشاويش «فرقع» الآن؟

وأجاب على تساؤله: لا بد أنه عند فيلَّا مستر «براون».

وبسرعةٍ أخذ طريقه إلى هناك.

كان الشاويش «فرقع» يمسك بدرَّاجته، وهو يمشي على قدمَيه حول فيلَّا مستر «براون» الذي كان يقف في شرفة الفيلَّا، اقترب «تختخ» من الفيلَّا حتى يراه «فرقع» … وما إن رآه حتى صرخ فيه: هيَّا … ابتعد من هنا!

ضحك «تختخ» ضحكة خشنة؛ فقد غيَّر صوته، ثم ابتعد حتى نهاية سور الحديقة … ثم انحرف، واختفى … في نفس الوقت، كان «فرقع» يمشي بجوار السُّور، ولكن في الاتجاه الآخَر … وعند نهاية السور، ظهر «تختخ» مرةً أخرى، وما إن رآه «فرقع» حتى صرخ فيه: ماذا تريد أيها المتشرد؟! وإذا لم تبتعد فسوف أقبض عليك.

جرى «تختخ» حتى اختفى مرةً أخرى … لكنه أيضًا دار حول الفيلَّا، في حين ركب «فرقع» دراجته، وظل يدور حول الفيلَّا هو الآخَر، كان «تختخ» يراقبه، وعندما وصل إلى نهاية السور، حتى ظهر «تختخ» يجري وكأنه يهرب من أحدٍ يُطارده … فاصطدم ﺑ «فرقع»، الذي وقع هو ودراجته على الأرض، ووقع «تختخ» فوقه، صرخ «فرقع» وتشبَّث به، وهو يقول: أعرفك، أنت تبع العصابة التي سرقَت الفيلَّا، لقد أرسلوك لتطمئن ماذا حدث، لقد وقعتَ في يدي يا لص!

وبصوته الخشن ادَّعى «تختخ» أنه يبكي، وهو يستعطف الشاويش «فرقع».

– أعتذر يا سيادة الشاويش، لم أكن أقصد، فقد كنت أجري هربًا من كلب يُطاردني، فاصطدمتُ بسيارتك.

قال «فرقع»: اعتذر في القسم … أمثالك لا بد أن يكونوا في السجن، هيَّا أمامي!

ادَّعى «تختخ» من جديد أنه يبكي، فقال «فرقع»: حتى لو قبَّلتَ حذائي … لن أتركك، هيَّا أمامي!

ومشى «تختخ» مع «فرقع»، وهو مستمرٌّ في استعطافه، و«فرقع» يضربه على ظهره، حتى وصلا لقسم الشرطة، وسحبه إلى حيث مكتب المفتش «سامي»، الذي ما إن رآه، حتى سأل «فرقع»: ماذا فعل هذا الولد؟

قال «فرقع»: كان يدور حول الفيلَّا المسروقة، فاشتبهتُ فيه، وقبضتُ عليه، فأنا أعرف هذه الأشكال.

المفتش «سامي»: ارمِه في الحجز، حتى نرى.

وجذَبَه «فرقع» بعنفٍ وهو يقول: هيا أمامي يا لص … عصافير؟! هه!

وظل يدفع «تختخ» بعنفٍ، في الوقت الذي كان «تختخ» يكتم ضحكته … فلا عرفه «فرقع»، ولا المفتش «سامي»، وكان هذا يُمثِّلُ نجاحًا لخطته التي رسمها.

فُتِحَ باب الحجز … وهو المكان الذي يُوضع فيه المُتَّهمون حتى يتم التحقيق معهم، ودُفِعَ «تختخ» داخله … ثم أُغلِقَ البابُ، وقف «تختخ» ينظر إلى الموجودين، كانوا خمسة، أربعة يتحدثون مع بعضهم بصوتٍ مرتفع، و«بيومي» يجلس على الأرض وحده، وقد وضع رأسه بين ذراعَيه، وهو يبكي.

رفع «بيومي» وجهه، ونظر إلى «تختخ»، ثم مسح دموعه، تقدَّم «تختخ» منه، وجلس على الأرض بجواره، وقال له بصوتٍ خشن: ما لك؟ ولماذا تبكي؟ يبدو أنك لست من القاهرة.

بكى «بيومي» من جديد وهو يقول: حكايتي حكاية! مظلوم أنا من الفيوم.

وبدأ «بيومي» يحكي حكايته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤