الفصل الرابع

حكاية «بيومي»

ما إن بدأ «بيومي» يحكي حكايته، حتى فُتِحَ باب الحجز، وظهر شرطيٌّ وفي يده لفة، نظر إلى «تختخ» ثم ألقى إليه باللفة، فتحها «تختخ»، فعرف أن المفتش «سامي» كشفه، كان في اللفة عدد من ساندويتشات الفول والطعمية، أخفى «تختخ» ابتسامته، وقال ﻟ «بيومي»: كُلْ، لعلَّك جائعٌ، ولم تذُق الأكل من أيام!

قال «بيومي» بحزن: منذ أمس لم أذُق طعم الأكل … يبدو أنك إنسان شهمٌ وطيِّب!

ثم أخذ يأكل بشهيةٍ، بينما «تختخ» يمضغ على مهله، وقال ﻟ «بيومي»: قلتَ إنك من الفيوم، فماذا جاء بك إلى القاهرة؟!

قال «بيومي» وهو يبلع لقمة: حكاية لا يصدقها أحد، جاء الخواجة إلى بحيرة قارون ليصطاد، فهو يهوى صيد الطيور … وكنت أعمل في قرية اسمها شكشوك، تقع على شاطئ بحيرة قارون … وساعدتُه وحقَّق يومها صيدًا طيِّبًا … ومنحَني مبلغًا من المال، ثم عرض عليَّ أن أعمل حارسًا عنده … فتردَّدتُ، وكان كلَّ مرة يأتي للصيد في موسم الشتاء يسأل عنِّي، فأظل معه، وآخِر مرة، سألني إن كنتُ أصحبه للقاهرة، كي أعمل عنده، فوافقتُ هذه المرة، وجئتُ منذ عشرة شهور، وكان عملي الأساسي هو الاهتمام بالطيور التي يُربيها، أُنظِّفُ تحتها، وأضع الأكل والماء، أما زوجتي، فكانت تساعد زوجته داخل الفيلَّا … وهو يعمل خبير بترول في منطقة يقول إنها في الصحراء الغربية، كان يغيب عشرة أيام، ويأتي أسبوعًا إلى المعادي، وفي هذه المرة، صحب زوجته، وقال إنه سيقضي إجازة في شرم الشيخ … وإنه سوف يغيب خمسة أيام … وأعطاني مفاتيح البوابة، ومفاتيح الفيلَّا حتى أراعي الطيور.

كان قد أكل معظم الساندويتشات، وعندما شبع قال ﻟ «تختخ»: أنت لم تأكل!

ابتسم «تختخ»، وقال له: سوف يأتيني طعام العشاء، فلا تشغل بالك.

وماذا حدث بعدها؟!

قال «بيومي»: زوجتي حامل، وأوشكَتْ على الولادة، فطَلبَت أن تُسافر إلى أهلي لتلد هناك، قلتُ في نفسي، ما دام الخواجة سيغيب هذه المرة، فأستطيع أن أُسافر إلى قريتنا وأعود … لكن عندما وصلنا قلت: فَلْأَبْقَ يومًا أو يومين، خصوصًا وقد وضعتُ كميات من الأكل والماء للطيور … وقلت أعود قبل الخواجة بيوم، وهذا ما حدث، لكن الخواجة عاد قبلي … وعندما عُدت وجدت الفيلَّا مسروقة، وقبضت عليَّ الشرطة، وأنا رهن التحقيق.

صمت لحظة، ثم قال ﻟ «تختخ» بصوتٍ مكسور: مظلوم … فكيف أسرق الرجل الذي يعطف علي، ويطعمني مما يأكل؟!

سأله «تختخ»، وهو يدَّعي أنه لا يعرف ما حدث: وهل كانت الفيلَّا مغلقةً، والبوابة؟

قال «بيومي» بتأكيد: أغلقتها كلها قبل أن أسافر، حتى الكلاب وضعتُ لها المزيد من الأكل حتى لا تجوع.

«تختخ»: وشبابيك الفيلَّا، هل كانت مغلقة؟

«بيومي»: أعرف أن الخواجة وزوجته عندما يخرجان من الفيلَّا لسهرة مثلًا، يقومان بالمرور على الشبابيك كلها ويغلقانها، زوجتي كانت تخبرني بأنهما يغلقان الشبابيك كلما خرجا من الفيلَّا ليلًا، حتى عندما كان أحدهما يطلب من زوجتي إغلاق النوافذ، فيمرَّان عليها؛ ليتأكدوا أنها مغلقة.

تختخ: قبل أن تسافر إلى القرية، هل لاحظتَ أحدًا يحوم حول الفيلَّا … ويمكن أن تشتبه فيه؟

فكَّر «بيومي» قليلًا، وقال: الذين يمرون بجوار الفيلَّا كثيرون، هل أمنعهم؟!

سأل «تختخ»: ألم يتحدث إليك أحدهم؟!

وكأن «تختخ» قد أضاء له الطريق، فقال: للحق، بعضهم كان يسألني عن روبابيكيا للبيع، ويوم سافرت، جاءني واحد اسمه «فودة»، قال إنه بلدياتي، من أبوكساه، وهي مدينة في الفيوم، كان يبحث عن عمل، وشكا لي تعبه وشقاه، صعُبْ عليَّ، فدعوته للشاي، كان الخواجة قد سافر هو وزوجته إلى شرم الشيخ، وجلس معي «فودة» طويلًا، حتى دعوته للغداء، أخذ يسألني عن شغلي، وعن الخواجة، والفيلَّا وما فيها، وطلب منِّي أن أُساعده حتى يعمل «جنايني» للفيلَّا، وما دمنا بلديات، فسوف يكون قلبنا على بعض، ثم صمت لحظة، وسأل «تختخ»: تظن أنه الحرامي؟

كان «بيومي» بتحدث ببساطةٍ شديدة، وكأنه صبيٌّ صغير لا يعرف شيئًا.

لم يستطع «تختخ» أن يتمالك نفسه، فانفجر ضاحكًا، بينما كان «بيومي» ينظر له في عدم فهم، ولذلك سأله: لماذا تضحك؟!

قال «تختخ»: أنت رجلٌ طيب يا «بيومي»، المهم، هل قلتَ ﻟ «فودة» شيئًا عمَّا في الفيلا؟

نظر «بيومي» إلى «تختخ» قليلًا، ثم سأله: ماذا تقصد؟!

ابتسم «تختخ»، وقال: أقصد هل حدَّثته عن الطيور الموجودة في الفيلَّا، وعن سفر الخواجة إلى شرم الشيخ؟

وكأن «بيومي» قد بدأ يفهم، فقال: نعم، وقلت له إنني سوف أُسافر البلد، وإن عليه أن يعود بعد أسبوع، ويكون الخواجة قد رجع من السفر؛ فقد كان «فودة» يريد أن يعمل «جنايني».

مرة أخرى، انفجر «تختخ» في الضحك، وبنفس السذاجة سأله «بيومي»: لماذا تضحك؟!

فقال «تختخ»: هل كان أحد مع فودة؟

«بيومي»: لا … كان وحده، لكن …

وتوقَّف «بيومي» عن الكلام، وبدا كأنه اكتشف شيئًا، فسأله «تختخ»: لكن ماذا؟

لم ينطق «بيومي»، ظلَّ صامتًا، وعيناه تنظران في وجه «تختخ» الذي ابتسم له.

فقال «بيومي»: أنت ابن حلال، كان لا بد أن تعمل مُخبرًا في الشرطة.

سأله «تختخ»: لماذا؟

«بيومي»: عندما حقَّقوا معي، أرعبوني، فنسيتُ كلَّ شيءٍ، وأخذتُ أتخبط في الكلام، وكأنني متهم بجد! لكنك تجعلني أتذكر ما حدث.

صمت لحظة، ثم سأل «تختخ»: أنا لم أعرفك … مَن أنت؟

ابتسم «تختخ»، وقال: اسمي «عجيبة» … وأنا على باب الله.

ثم ابتسم وأضاف: هل أجد عندك عملًا لي؟!

لأول مرة يضحك «بيومي» … ثم توجَّه بالحديث ﻟ «تختخ» قائلًا: أضحكتني يا أخ «عجيبة»، كفاية ما حدث مع فودة.

فسأله «تختخ»: هل تظن أنه الحرامي؟

صمت «بيومي» وكأنه يفكِّر ثم قال: أي أحد أتصور أنه حرامي الآن.

تنهَّد «تختخ»، وفكَّر قليلًا، ثم سأل «بيومي»: إذا كانت الفيلَّا مغلقةً، وكذلك البوابة، فكيف دخل اللصوص؟!

قال «بيومي» بسرعةٍ: يمكن أن يتسلَّقوا السور، وينزلوا الحديقة.

توقَّف لحظة عن الكلام ثم أضاف: لكنهم لا يستطيعون دخول الفيلَّا.

سأله «تختخ»: هل تعرف «فودة» إذا رأيته؟

ردَّ «بيومي» بحماس: طبعًا … أعرفه؛ فقد ظل معي طول النهار، وأخذته إلى داخل الفيلَّا، فلم يصدق أن الخواجة يُربِّي كل هذه العصافير.

سأله «تختخ»: هل سافرتَ في نفس اليوم الذي كان فيه «فودة» معك؟

«بيومي»: نعم … أوصلَني بنفسه إلى المحطة.

شرد «تختخ»، وقال في نفسه: «نوسة» عندها حق … هناك خدعةٌ ما حدثت! دخل بعدها اللصوص الفيلَّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤