الفصل الخامس

كيس بلاستيك

كان «بيومي» يُراقب وجه «تختخ» وهو مستغرقٌ في التفكير، مدَّ يده وأمسك بذراع «تختخ»، وقال له: هل صدَّقتني؟ إنني أقول الحق، ولا أعرف كيف دخلوا الفيلَّا وسرقوها!

ابتسم «تختخ»، وربتَ على ذراعه، وقال له: أنت رجلٌ طيب يا «بيومي»، لكنك أهملتَ حراستك للفيلَّا، فكيف يأتمنك الخواجة، فتترك الفيلَّا وتسافر؟!

قال «بيومي»: كانت مغلقةً كما قلتُ لك … والكلاب كانت موجودةً.

تختخ: كان المفروض أن تنتظر حتى يعود وتستأذنه.

قال «بيومي» بصوتٍ حزين: عندك حقٌّ، أنا أهملت.

ثم أضاف بعد لحظة: ماذا أفعل الآن؟! قالوا إنهم سوف يقدمونني للنيابة، وأعرف أن النيابة يعني المحكمة، والمحكمة يعني السجن … وأنا بريءٌ!

ولم يملك «بيومي» نفسه … فانخرط في البكاء، كان «تختخ» يتأمله، وهو يشعر بالشفقة والعطف على هذا الإنسان الطيب، فجأةً جاء صوت الشاويش «فرقع» يُنادي: أنت يا مُتشرِّد!

نظر له «تختخ» ولم يتحرك، فدخل إليه «فرقع» وصرخ فيه: سمعت ولا أطرش؟! إن شاء الله سوف تكون آخرتك السجن.

ابتسم «تختخ» دون أن يتحرَّك، وقال: يا حضرة الظابط …

ولم يكمل كلامه، حتى كان «فرقع» يصرخ فيه: وتدَّعي العَمى؟! شايف النجمة على كتفي؟! أنا يا متشرد الشاويش «علي» على سن ورمح! فِز، قُوم!

وقف «تختخ» في تكاسُلٍ، فصرخ فيه «فرقع»: بنشاط يا متشرد.

أمسكَ «بيومي» بيد «تختخ»، وهو يقول: تتركني وحدي يا «عجيبة»!

ابتسم له «تختخ»، وقال: سوف أعود إليك.

صرخ «فرقع»: هيَّا يا متشرد … واسمك «عجيبة»! حرامي يعني؟!

ثم دفع «تختخ» بعنفٍ وهو يقول: وقعتك سوداء … يبدو أنك شريكه!

خرج «تختخ» وخلفه «فرقع» الذي ظلَّ يدفعه في ظهره في اتجاه مكتب المفتش «سامي»، ثم فتح المكتب، وضرب رجله في الأرض وهو يؤدِّي التحية العسكرية قائلًا: المتشرد يا أفندم … اسمه «عجيبة».

قال المفتش «سامي»: دعه يا شاويش «علي».

ثم نظر إلى «تختخ» نظرةً جادَّةً، وقال: اقترب يا مُتشرِّد.

خرج الشاويش «فرقع»، فابتسم المفتش «سامي» وهو يقول: عرفتك يا عزيزي «توفيق» من أول لحظةٍ … فأنت تتنكَّر جيِّدًا، لكن هناك أشياء تفوت عليك، وأعرفك منها، وأنت مهما أتقنتَ التنكُّر، فهناك أشياء أعرفك منها، ولذلك أرسلت لك الطعام في الحجز؛ لأنني أعرف كيف تتصرف.

ملأت الدهشة وجه «تختخ»، وقال: وما هي الأشياء؟ أرجو أن تقولها لي، وإلا فإنني سوف أنكشف، ويُصبح التنكُّر لا قيمة له.

المفتش «سامي»: دعني أحتفظ بها لنفسي، حتى أستطيع معرفتك، ولن يستطيع غيري أن يكشفك إلا إذا كان يعرفك جيِّدًا … المهم، ماذا فعلتَ مع «بيومي»؟ وهل توصَّلتَ لشيء؟

«تختخ»: هناك خدعةٌ حدثت … و«بيومي» رجلٌ طيب وساذج، وهذا ما أوقعه في الخطأ، وأؤكد أن «بيومي» بريءٌ، وبراءته سوف تكون مهمة المغامرين.

صمت لحظةً، ثم قال: أرجو عدم تحويله للنيابة سريعًا، لو أبقيته عدة أيام، سوف نصل إلى براءته.

سأل المفتش «سامي»: وما هي الخدعة، وهل هذا يعني أنك توصَّلت لشيء؟

«تختخ»: أعتقد، لكن ليس بالتحديد، وأعدك بعد اجتماع المغامرين الليلة، أنني سوف أُخبرك بما توصَّلنا إليه، المهم الآن، هل توصَّل خبير البصمات لشيء، أقصد بصمات مختلفة؟

سامي: للأسف لا؛ كل البصمات لمستر «براون»، وزوجته السيدة «فرانسوا»، وتقرير الطب الشرعي كشف أن الكلبين قُتلا بالسم.

«تختخ»: أنا متأكدٌ من ذلك.

سامي: أنت تدهشني بهذه التأكيدات! وأنا في الانتظار.

انصرف «تختخ»، وما إن خرج حتى وجد الشاويش «فرقع» أمامه، فامتلأ وجهه بالدهشة، وهو يرى «تختخ» خارجًا دون أن يستدعيه المفتش «سامي»؛ ليعيده إلى الحجز، ولم ينسَ «تختخ» أن يمرَّ على «بيومي» في الحجز ليطمئنه، ويعده أنه سوف يعود إليه بسرعة.

أخذ طريقه إلى البيت مسرعًا، وما إن دخل حجرته، حتى ابتسم، لقد افتقد «زنجر»، وبسرعة، أزال الماكياج، وبدَّل ثيابه، ثم تحدَّث إلى «محب» على تليفونه المحمول، وعرف أن المغامرين في اجتماع عند «عاطف»؛ لأنهم توقَّعوا عودته آخِر النهار، وسمع نباح «زنجر» من خلال التليفون، بينما كان «محب» يتحدث، قد فهم أن الذي يتحدث على الطرف الآخَر هو صاحبه «تختخ»، وفي دقائق، كان «تختخ» يقطع الطريق بدرَّاجته إلى فيلَّا «عاطف»، وقبل أن يصل إلى هناك وصل إلى سَمْعه صوت نباح «زنجر» وكأنه يستقبله، وما إن وصل حتى استقبله المغامرون بحرارةٍ، فقد افتقدوه طول النهار، وأسرعت «لوزة» تسأل: أين كنت؟!

حكى لهم «تختخ» ما حدث من تنكُّره، ولقائه مع «بيومي»، وما حدث مع الشاويش «فرقع»؛ فانفجر المغامرون الخمسة في الضحك، ثم قال: تمامًا كما توقَّع «محب» و«نوسة»، هناك فعلًا خدعة.

سألت «لوزة» بسرعة: وما هي الخدعة؟

قبل أن يُجيب «تختخ» قال: يجب أن ننتقل إلى حجرة «عاطف»، حيث الكمبيوتر، إنه سوف يُسهِّل شرح ما فكرت فيه.

كان «زنجر» يتمسَّح طوال الوقت في قدمَي «تختخ»، فيمد «تختخ» يده ويربتُ عليه، وعندما تحركوا إلى حجرة «عاطف» داخل الفيلَّا، كان «زنجر» يتقافز حول «تختخ»؛ ليعلن عن سعادته بعودته.

جلسوا حول الكمبيوتر، فطلب «تختخ» من «عاطف» أن يستدعي موقعه الخاص على الإنترنت، فاستدعاه «عاطف» … ثم طلب منه استدعاء خريطة العالم، ثم من خريطة العالم خريطة أفريقيا، ثم خريطة مصر، ومن خريطة مصر خريطة محافظة القاهرة، ومنها حي المعادي، وظل يتجول في حي المعادي حتى وصل إلى فيلَّا «عاطف»، فابتسم المغامرون، لكن «تختخ» قال: طبعًا، إننا نُريد فيلَّا مستر «براون».

ابتسم «عاطف»، وظل يحرِّك فأرة الكمبيوتر، حتى ظهرت فيلَّا مستر «براون».

قالت «لوزة»: قبل الإنترنت، كان لا بد أن ننتقل إلى هناك.

ابتسمت «نوسة»، وقالت: وهذه مهمة العِلم، إنه يختصر الوقت، ويجعل حياتنا أكثر سهولة.

كانت فيلَّا مستر «براون» تظهر كاملة على الشاشة، فقال «تختخ»: أعطني مكانك يا «عاطف».

أخذ «تختخ» مكان «عاطف» أمام الكمبيوتر، ثم أخذ يحرِّك فأرة الكمبيوتر، حتى توقَّف أمام باب فيلَّا مستر «براون» المغلق، رفع «زنجر» أذنَيْه، ثم نبح نباحًا هادئًا.

ابتسم «تختخ»، وهو يقول: أعرف يا عزيزي «زنجر» أنك معنا على الخط.

ثم قال للمغامرين: البصمات التي رفعها خبير البصمات لم تكشف عن بصمةٍ غريبة؛ فالبصمات إما لمستر «براون»، أو السيدة «فرانسوا»، أو «بيومي».

سألت «لوزة» بسرعة: ماذا يعني هذا؟

«تختخ»: يعني أن النافذة التي دخل منها اللصوص فُتِحَت من الداخل، وأن الذي فتحها كان يلبس جوانتي، أو حتى كيسًا بلاستيكيًّا تخلَّص منه بعد أن تمَّت عملية السرقة.

قال «محب»، نعود للسؤال … كيف دخلوا إذا كانت نوافذ الفيلَّا كلها مغلقة … وكذلك بابها؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤