الفصل الثامن

لماذا لم تعُد «روز»؟!

اندهش المغامرون الخمسة لما فعله «زنجر»، وأطلق «تختخ» صفيرًا معيَّنًا يفهمه الكلب الأسود، إلا أن «زنجر» لم يعُد، فجأةً ارتفع نباح الكلب، فتجاوبت معه أصوات كلاب الحراسة في الفيلَّات المجاورة، وبدا وكأن هناك معركةً، قال «تختخ» وهو يستعد للانطلاق: انتظروا أي إشارةٍ إذا احتاج الأمر.

وغاب «تختخ» في الظلام، كان المغامرون يفكرون: هل هي عملية سرقة جديدة؟ أو أن أحد لصوص فيلَّا مستر «براون» قد عاد ليرى ماذا تمَّ بعد اكتشاف السرقة؛ فهناك قاعدة تقول: «إن المجرم يحوم دائمًا حول مكان جريمته.» ظلُّوا ينتظرون، وأطلق «محب» صفارة يعرفها المغامرون، فجاء الرد بصفارة أخرى أطلقها «تختخ»، فعرفوا أن المسألة لا تحتاج تحركهم.

بعد قليلٍ دخل «تختخ» بدراجته، وخلفه «زنجر»، وقد بدت على وجه «تختخ» بقايا ضحكة … أسرعت «لوزة» تسأل: ماذا حدث؟ هل كانت سرقة لكن اللص هرب؟

ولم يتمالك «تختخ» نفسه، فأطلق ضحكة صاخبة وهو يقول: أعتقد أنكم لن تستطيعوا حلَّ هذا اللغز.

قال «عاطف»: أظن أنه الشاويش «فرقع» … «زنجر» لا يثيره شيء قدر رؤيته للشاويش «فرقع».

ضحك «تختخ» وقال: إنه فعلًا الشاويش «فرقع»، آه لو رأيتموه وهو يصرخ في «زنجر»: انصرف … هيَّا انصرف!

ضحك المغامرون، وأكملوا الطريق إلى بيوتهم، بعد أن اتفقوا على اجتماع الغد.

•••

في الصباح، وعندما دقَّت الساعة العاشرة، كان المغامرون في مكان الاجتماع إلا «تختخ»، تساءلت «نوسة»: ليس من عادة «تختخ» أن يتأخر.

استغرق المغامرون في مناقشة ما جمعوه من أدلة، وسأل «عاطف»: هل عادت كل عصافير السيدة «فرانسوا»؟ أم أن الذي عاد بعضها فقط؟

محب: هذه مسألةٌ يجب أن نسأل فيها مستر «براون».

صمت لحظة، ثم قال: إن السؤال المهم الآن، هو لماذا لم تعُد الببغاء «روز»؟ لا بد أن وراء خطفها سرًّا!

قالت «نوسة»: الحقيقة أنني سألت نفسي هذا السؤال.

«لوزة»: وهل توصَّلتِ إلى إجابة؟

«نوسة»: أعتقد أنني وصلت إلى إجابة منطقيةٍ.

وأخذت «نوسة» تشرح وجهة نظرها، لكن فجأة تردَّد صوت «زنجر»، فعرف المغامرون أن «تختخ» في الطريق، ولم تمضِ لحظات حتى كان «زنجر» يدخل وحده، ملأت الدهشة وجوه المغامرين، فأين «تختخ» إذن؟! أخرج «محب» تليفونه المحمول، وطلب «تختخ»، وجاء صوتٌ أن التليفون قد يكون مغلقًا أو خارج نطاق الخدمة.

كان «زنجر» قد تمدَّد على الأرض، فقال «عاطف»: إن الطريقة التي يجلس بها «زنجر» تقول إن «تختخ» في مهمةٍ … وأنه لم يكن يحتاج «زنجر» فيها، وهذا يعطينا الفرصة لكي تكمل «نوسة» شرحها لإجابة السؤال.

بدأت «نوسة» تشرح وجهة نظرها، قالت إن «بيومي» أخبر «فودة» بأن «روز» تتكلم مثل البني آدم، ولم يصدق «فودة»، فصحبه «بيومي» إلى داخل الفيلَّا، ونادى «بيومي»: «فودة» … «فودة»، فنادت الببغاء «روز»: فودة … فودة، وهذا يعني أن «فودة» عرف أن «روز» قد حفظت اسمه … وربما حفظت اسم اللصَّين اللذين دخلا الفيلا خفية، يعني هناك شاهد يمكن أن يفضحهما، وربما لهذا السبب، تمَّ خطف العصافير و«روز». كان المغامرون يتابعون «نوسة» وهي تشرح وجهة نظرها، وعندما انتهت، أسرعت «لوزة» تقول: وجهة نظر جيِّدة … وأوافق عليها.

«عاطف»: تفسير منطقيٌّ فعلًا، وأظن أن المسألة لن تخرج عنه.

محب: هذا يعني أن العثور على الببغاء «روز» يمكن أن يكشف السرقة كلها، وخصوصًا المجوهرات الثمينة التي سرقوها بعد أن كسروا الدولاب.

دقَّت الساعة منتصف النهار، وأعاد «محب» طلب «تختخ» على التليفون، كان المغامرون يتابعون وجه «محب» وهو ينتظر الرد، فجأةً تغير وجه «محب»، فقد كان رنين التليفون يتردَّد دون أن يأتي رد، فقال: «محب»: شيء غريب … إن التليفون يرن … و«تختخ» لا يرد! أخشى أن يكون في مأزقٍ.

لكن فجأة، كان «تختخ» يدخل إلى مكان الاجتماع، وهو يحمل قفصًا صغيرًا به عصفوران، قفز «زنجر» بسرعة، وأخذ يتقافز حول «تختخ» وهو يرحِّب به، ألقى «تختخ» نفسه في أحد المقاعد، وهو يقول: كان يومًا شاقًّا.

سأل «محب»: أليست هذه عصافير السيدة «فرانسوا»؟

قال «تختخ» وهو يبتسم: نعم … لقد تحوَّلْتُ إلى تاجرِ عصافير!

أخذ «تختخ» يشرح لهم سر غيابه … فقد استيقظ مبكِّرًا، ونزل إلى وسط البلد، حيث محلات بيع طيور الزينة، وادَّعى أنه يبحث عن عصافير معينة … ودار على عدة محلَّات، لكنه لم يجد أحد عصافير السيدة «فرانسوا»، لكنه حصل على معلومات مهمة، فهناك سوق في مصر القديمة اسمها سوق الطيور … وفيها تُباع كل أنواع العصافير، والببغاوات، والقطط، والكلاب، وحتى السلاحف … وعرف أن السوق تنعقد يومين في الأسبوع، هما يوما الجمعة والأحد، فقد أسرع إلى السوق، ورأى عالَمًا مُدهِشًا من الطيور والحيوانات، فحتى الثعابين تُباع في هذه السوق، وفكَّر أن يستأذن مستر «براون» والسيدة «فرانسوا» في الحصول على عصفورين ينزل بهما السوق، بدعوى أنه يبيع عصافير ويشتري غيرها، فقد يظهر أحد عصافير مستر «براون» مع أحد البائعين … أو قد تظهر الببغاء «روز» التي يُعلِّق عليها أملًا في حل لغز اختفائها، عندما انتهى «تختخ» من كلامه سأله «عاطف»: وما هو الأمل الذي تُعلِّق عليه حلَّ اللغز؟

مرَّ «تختخ» بعينَيه على وجوه المغامرين يستشف منها ما فكَّروا فيه في غيابه، لكنه لم يرَ على وجه «نوسة» ما يكشف شيئًا، ولا على وجه «عاطف» أو «محب»، لكن «لوزة» لم تتمالك نفسها فابتسمت … في نفس اللحظة نبح «زنجر»، نظر إليه «تختخ» وابتسم، وكأن «زنجر» قد كشف الموقف، ابتسم «تختخ» وقال: لقد توصَّلتم إلى ما فكرتُ فيه؛ فالمغامرون دائمًا يفكرون بطريقةٍ واحدة.

قالت «لوزة»: وما هو الذي فكرتَ فيه؟

«تختخ» مبتسمًا: هو ما فكرتم فيه أنتم.

وعندما أخبرهم «تختخ» بما فكَّر فيه، كان هو نفسه الذي فكرت فيه «نوسة»، ولما أعلنوا له ذلك ابتسم وقال: أعرف أن أفكارنا تتجه دائمًا اتجاهًا واحدًا، وهذا ما يجعل المغامرين الخمسة مجموعةً مترابطةً.

بدأ المغامرون يضعون خطة تحرُّكهم، خصوصًا وأن محلات طيور الزينة منتشرة في أكثر من مكان، وعلى اتساع القاهرة الكبرى، فهناك محلات في المعادي، وفي مصر الجديدة، وفي وسط البلد، وفي شبرا … وأماكن أخرى.

وهذا يستدعي خطة بحث واسعة … ولذلك كان عليهم أن يُقسِّموا أنفسهم إلى ثلاث مجموعات … مجموعة تضم «عاطف» و«لوزة»، وتتحرك داخل المعادي، ومجموعة تضم «محب» و«نوسة»، وتتحرك وسط البلد … أما مصر الجديدة وشبرا، فسوف تكون من نصيب «تختخ»، على أن يجتمع المغامرون الخمسة آخِر النهار في مكان اجتماعهم، وهكذا انصرفوا؛ ليبدأ البحث عن اختفاء الببغاء «روز».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤