الفصل الأول

الرواية الجديدة واستراتيجيات التأويل

تندرج أعمال إدوار الخراط الروائية في ما يمكن أن نُسميه «الرواية الجديدة»، أو ما يُسميه الخراط نفسه «الحساسية الجديدة»؛ وهو تيارٌ من الكتابة الأدبية يتميَّز بسماتٍ معينة على مستوى ماهية النص الأدبي نفسه ولغته ووظيفته. «وتتميز الرواية الجديدة» عن ما يمكن تسميته «الرواية التقليدية»، وكذلك عن «الرواية الحديثة» تميُّزًا كاملًا تقريبًا، سواء من ناحية البناء النصِّي أو من ناحية اللغة الأدبية وتشكيلاتها والمبادئ الجمالية والفلسفية، أو من ناحية الوظيفة الأدبية والأهداف. وفي حقيقة الأمر، لا تتناسب التقسيمات الزمنية مع منطق تطور أي نوعٍ أدبيٍّ، غير أنه من المفيد الإشارة إلى أن هذه التجارب الروائية الجديدة ظهرت وانتشرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حتى فجر القرن الحادي والعشرين.١

ولكي تتضح تلك السمات المائزة للرواية الجديدة، من المهم إلقاء ضوء على السمات العامة للرواية التقليدية والرواية الحديثة.

(١) الرواية التقليدية وإعادة إنتاج العالم

ظهرت الرواية التقليدية في مرحلة نشأة النوع الروائي وبواكيره الأولى، نتيجة للاتصال العربي الحديث بالثقافة الأوروبية في بدايات عصر النهضة العربية، حين بدأ الوعي العربي يتجه إلى إدراك ضرورة البحث عن أشكالٍ أدبية نثرية جديدة مختلفة عن الأشكال العربية التراثية. وفي هذا السياق التاريخي، ظهرت مجموعة من الأعمال الأدبية النثرية التي نُطلِق عليها — الآن — وصف الرواية التقليدية. ويمكن إجمال إسهامات الرواية التقليدية، وما قامت به من دورٍ على المستوى الثقافي الأدبي، في أنها — أولًا — خلَّصت اللغة الأدبية من قيود السجع والبلاغة الشكلية المقصودة لذاتها، والاتجاه باللغة إلى محاولةٍ متواضعةٍ في الوصف والسرد والتحليل والتصوير، أي تحويل اللغة التراثية إلى لغة نثرية عادية قادرة، نسبيًّا، على وصف أي موقفٍ أدبيٍّ وسرده؛ وأنها — ثانيًا — خلقت جمهورًا جديدًا من القرَّاء بدأ يُدرك وجود نوعٍ أدبيٍّ غير تراثيٍّ قادر على التعبير عن احتياجاته المستجدة.٢
ويمكن إجمال السمات المائزة للرواية التقليدية على النحو الآتي: هيمنة الأفكار على العمل الأدبي؛ فالعمل الأدبي هنا ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو وسيلةٌ لنقل فكرةٍ محددةٍ يرمي إليها الكاتب، ويهدف من ورائها إلى توصيل عِبْرة أو موعظة أخلاقية غالبًا، بحيث يمكن القول إن هذه الفكرة كانت جاهزةً في ذهن الكاتب ومستقرة، ويتمثَّل دور الكاتب — عندئذٍ — في تجسيدها عبر لغةٍ أدبيةٍ روائية. ولذا، تقوم الرواية التقليدية — السائدة في مرحلة النشأة والبواكير الأولى — على فلسفة إعادة إنتاج الوعي الفكري والأخلاقي والقيمي السائد، الأمر الذي يترتب عليه اهتمام الكاتب بالوقائع والأحداث أكثر من اهتمامه برسم الشخصية الأدبية، فالشخصية الأدبية — هنا — ليست سوى وظيفة أو وسيلة إلى التعبير عن الفكرة. كما أن الحدث الروائي يتراكم بفعل المصادفة أو القضاء والقدر أو تدخلات الراوي المباشرة، وهي وسائل في الربط بين الأحداث الروائية غير تفاعلية؛ نظرًا إلى غلبة الاستطراد والانتقال المفاجئ عبر الأزمنة والأمكنة التي تبدو هي الأخرى عاجزة عن التفاعل مع العناصر الروائية الأخرى.٣
ويضطلع بمهمة السرد في الرواية التقليدية راوٍ عليمٌ بكل شيءٍ، يتدخل في معظم الأحيان بالتفسير أو التعليق أو مخاطبة القارئ مباشرةً. وهكذا، تصبح الشخصيات مجرد وسيلة للتعبير عن الفكرة المهيمنة على الكاتب، فتكاد الشخصية الأدبية تتلاشى أمام منطق الوعظ والإرشاد والتوجيه الأخلاقي والقيمي، إذ تتحدث بلغة الكاتب وتنقل فِكْره ورأيه. وعلى مستوى اللغة، تتصف لغة العمل الأدبي — في هذه الحالة — بالتقريرية أو البلاغة الشكلية وتَعلوها نبرةٌ خطابية حماسية. وكثيرًا ما يلجأ الكاتب إلى إقحام أبيات من الشعر العربي القديم أو الحديث النبوي أو الأقوال المأثورة في النسيج اللغوي للعمل الأدبي، حتى يدلَّ على ثقافته الواسعة وقدرته على إثبات صحة منطقه الفكري الأخلاقي بوسائل عديدة، بغضِّ النظر عن الحدث الروائي أو الشخصية الروائية. ولهذه الأسباب جميعًا، تأتي فصول الرواية أو مشاهدها غير مترابطةٍ، كما يأتي البناء غير متماسكٍ، ويعاني صدوعًا وثغرات عديدة.٤
ومن ثَمَّ، تغلب المهمة أو الوظيفة الأدبية على سائر عناصر العمل الأدبي، فيكثر الوعظ والتعليم والإرشاد. ومن ثَمَّ أيضًا، يمكن القول إن الرواية التقليدية نتاج رؤية تقليدية للفن والإنسان والعالم، إذ تُعيد على مستوى البناء العام والأدوات إنتاجَ الوعي السائد. كذلك تغلب على عمليات إنتاج المعنى والدلالة فيها الأحاديةُ والاستقرار والثبات التي تعبِّر جميعها عن قيمٍ مطلقة راسخة تحظى بقبول الجميع وذوق الحس المشترك؛ نظرًا إلى أن عمليات إنتاج المعنى تقوم — في حقيقة أمرها — على إعادة إنتاج القيم الثابتة وترسيخها.٥

الرواية الحديثة ويقين العالم

وأما الرواية الحديثة فتسعى إلى تحليل العلاقات الاجتماعية القائمة، أو الإسهام في خلق علاقاتٍ جديدةٍ، في محاولة منها لتخطِّي حدود الوعي السائد وتجاوزه إلى آفاقٍ واعدة. ولذا، لا تتمثَّل مهمة الرواية الحديثة في الوعظ والإرشاد كما هو حاصلٌ في الرواية التقليدية، بل تتمثَّل في تجسيد رؤية فنية ومحاولة تقديم تفسير فنيٍّ للعالم. والمقصودُ بالرؤية الفنية الكشفُ الأدبي عن مكونات العلاقات الاجتماعية وتحليل عناصر الواقع تحليلًا فنيًّا روائيًّا. ومن خلال هذا الكشف الجديد، أو إظهار المكونات الخفية في الواقع، تتولَّد المتعة والتشويق والإثارة في العمل الروائي. وهكذا، تُعدُّ الحداثة مقولة زمنية وفنية في آنٍ معًا؛ تُفيد التجاوزَ والتخطي الدائم لواقع قائمٍ، عبر الكشف عن خباياه غير الظاهرة للعيان، الأمر الذي يعني — في النهاية — تحرير الذات. ويحدث هذا التحرير المنشود عبر تحليل الواقع وتفسيره تفسيرًا فنيًّا جماليًّا، في محاولة من أجل الإرهاص بالمستقبل. وقد نتجت الرواية الحديثة عن مجموعة عوامل، يأتي على رأسها تلبية الحاجات الجمالية والاجتماعية المستجدة، دون إغفال أثر التراث من ناحية والمؤثرات الأجنبية من ناحية أخرى. لذا، تُعدُّ استجابةً لتقدم المجتمع وتطوره التاريخي نحو مزيدٍ من العصرية: «فالرواية الحديثة تعبير عن وعيٍّ فنيٍّ متطور وتجسيد فعلي لمفاهيم أدبية ونقدية جديدة تتصل بوظيفة الرواية وماهيتها وصلتها بالواقع وعلاقتها بالمتلقي، فهي بنيةٌ أدبيةٌ متميزة تتخلق نتيجة للتفاعلات الذاتية (طبيعة العناصر الروائية وتفاعلاتها) والتفاعلات الموضوعية (علاقتها بالواقع والتراث المحلي والعالمي وعلاقتها بجمهور القراء)».٦
وتعني الحداثة الأدبية والفنية إحساس الأديب بأن نمط الكتابة الأدبية التقليدية قاصرٌ عن تحليل الواقع والتفاعل معه وتفسيره وفَهْمه، فالحداثة الأدبية ليست مجرد تغيير في أسلوب الكتابة الأدبية، بل هي «بحثٌ دائب عن أدواتٍ تُمكِّن الأديبَ وتزيد من قدراته على التعبير عن علاقة الإنسان بواقعه المتغيِّر المستجد، وبهذا المعنى فإن التجديد في الأدب هو — في التحليل الأخير — حيازة جمالية للعالم أو بحث عن عالم أفضل.»٧
ولعل أهم ما يُميز الرواية الحديثة الرؤيةُ الفنية، وتعني الرؤية الفنية إحساسًا عميقًا يجيش به العمل الأدبي، نتيجة القدرة على فَهْم الظواهر فَهْمًا كليًّا من خلال الربط فيما بينها، ثم محاولة تفسيرها وتعليلها أدبيًّا. ومِن ثَمَّ، لا تهتم الرواية الحديثة بالموقف السطحي العارض، بل تغوص إلى أعماق الموقف من أجل اكتشاف عناصره المكونة الثابتة والجوهرية، فتصوِّر العلاقات أو الظواهر الاجتماعية من الداخل وليس من الخارج. وتنعكس هذه الرؤية على البناء والأسلوب والتقنية في العمل الأدبي، كما تنعكس على عناصره المكونة له جميعها. ويمكن ملاحظة أن بناء الرواية الحديثة يمضي وفقًا لمنطق البداية والذروة والنهاية، كما يقوم هذا المنطق على الترابط بين الأحداث والتفاعل بين الحدث والشخصية؛ الأمر الذي يعني — في النهاية — نمو الأحداث وفق منطق السببية، كما يؤدِّي إلى تطور الشخصية وتناميها بشكلٍ واقعي، على نحوٍ يُفضي إلى نوعٍ من التوازن في العلاقة بين الشخصية والحدث من جهة، والشخصية والزمان والمكان من جهة أخرى.٨ وأما على مستوى التقنية فتأتي:
«تقنيات الرواية الحديثة تلبية لرؤيتها ووظيفتها، وتؤدي الأساليب السردية دورًا رئيسيًّا في توازن البنية الروائية برمتها. وتختفي هنا ظاهرة التدخلات المباشرة والتعليقات المفسِّرة والحشو الذي لا مسوِّغ له، ويختفي الكاتب لتقديم المادة الروائية بموضوعية فنية لتحقيق التأثير والإقناع الفني. وكثيرًا ما يستخدم ضمير المتكلم بدلًا من ضمير الغائب، أو نلحظ تعددًا في الرواة، وتنوعًا في الضمائر. وتتمحور الأساليب والتقنيات حول بطلٍ فردٍ (وهو ما قد يدل على قيم فنية بعينها) أو حول بطولة جماعية (وهو ما قد يدل على قيمة فنية أخرى). وبسبب اهتمامها بالجوهري والباطن فإن لغتها إيحائية تصويرية بعيدة تمامًا عن التقرير والمباشرة.»٩
وتسعى الرواية الحديثة إلى التأثير في القارئ، من خلال تقديم الحقائق النوعية الفنية تقديمًا مقنعًا؛ الأمر الذي يعني بالضرورة قدرتها على تجسيد مبدأ مهم من مبادئ جماليات التلقِّي، ألا وهو الإيهام بواقعية عالمها الفني. ومن أجل تحقيق هذا المبدأ، تأخذ الرواية الحديثة على عاتقها الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات، أو تصوير نثريات الحياة التي تبدو دالة داخل إطار الرواية الفني. وأما عن الفلسفة التي تقوم عليها الرواية الحديثة فتتمثَّل في امتلاكها رؤية يقينية عن العالم؛ ذلك أن تشكيل الرواية الحديثة الذي يستند إلى الربط بين الظواهر وتفسيرها تفسيرًا فنيًّا، بالإضافة إلى استنادها إلى مبدأ السببية والنمو العضوي والتماسك والإيهام؛ يعني أن العالم الذي تُجسده على درجة من الوضوح وقابلية الفَهْم، وأن ظواهره المتباعدة والمتنافرة أحيانًا يمكن أن تخضع للفَهْم والتفسير والتعليل، أو ينبغي أن تخضع لها. كما يعني أن أسئلة الواقع وتحدياته وأزماته المختلفة يمكن مواجهتها والإجابة عنها، أو ينبغي أن يحدث ذلك. وفيما يقول عزيز الماضي بعبارة أخرى: «إن مهمة الفن الروائي هنا تكمن في إثارة الأسئلة والإجابة عن أسئلة أخرى، وهو قادرٌ — من وجهة نظر أصحاب هذا النوع — على فَهْم العالم وتفسيره وتغييره والسيطرة عليه أو حيازته. فالرواية الحديثة بنية فنية دالة، وتشكيلها الفني تجسيد لرؤية وثوقية للعالم، على الرغم من تنوع الرؤى الفنية وتعددها، والتباينات في ما بينها التي تصل إلى حدِّ التناقض أحيانًا.»١٠
ويستند ظهور الرواية الحديثة إلى أسسٍ ومرتكزات أدبية وثقافية واجتماعية وسياسية وحضارية، يمكن إجمالها على النحو الآتي:
«تراكم الخبرات الفنية والأدبية، وتطور الوعي الجمالي والاحتكاك والتواصل مع تجارب الروائيين الأجانب، كما يمكن أن يُشير إلى اتساع القاعدة المادية لفن الرواية من مثل: زيادة عدد السكان، وتعقُّد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وانتشار التعليم، وزيادة عدد القادرين على القراءة والكتابة، وانتشار المدارس والمطابع ودور النشر والصحافة والمكتبات والكهرباء (للكهرباء أثرٌ في توفير الوقت وإتاحة القراءة ليلًا). كما يُمكن أن يقف المرء عند المدِّ الفكري والنهوض الثقافي والقومي والسياسي في الخمسينيات والستينيات، ونضج الحركات الوطنية، ونجاح بعض حركات التحرر في العالم في تحقيق أهدافها أو بعض أهدافها.»١١
وقد أدَّت كل هذه العوامل إلى الإحساس بضرورة التغيُّر والتغيير عبر تجاوز الأدوات التقليدية، وإلى شحن الوجدان الجماعي بالقدرة على التخطي والتجاوز؛ الأمر الذي أسهم في ولادة الرواية الحديثة الدالة على رؤية يقينية للعالم.١٢ وأما بشأن عمليات إنتاج المعنى والدلالة في الرواية الحديثة فيغلب عليها السعي إلى معنى شامل، يستمد جذوره من إنسانية القيم والرغبة في السعي نحو خير الإنسانية كلها؛ أي تسعى عمليات إنتاج المعنى والدلالة في الرواية الحديثة إلى معنى إنساني منشود، تحكمه قيم الخير والحق والجمال بوصفها قيمًا رفيعة، يسعى الإنسان باستمرارٍ إلى تحقيقها.

(٢) الرواية الجديدة (الازدواج والتشتت والشك)

بعد هذا الإيضاح السريع لسمات الرواية التقليدية والرواية الحديثة، أنتقل الآن إلى استعراض سمات الرواية الجديدة التي ينتمي إليها أدب إدوار الخراط، عبر إثارة التساؤلات الآتية ومحاولة الإجابة عنها: ما المقصود «بالرواية الجديدة»؟ وما ماهيتها؟ وما خصائصها وأنساقها؟ وما فلسفتها الجمالية الخاصة؟ وما العلاقة بين منطقها ومنطوقها؟ وما علاقتها بنظام الواقع ونظام التوصيل؟ وبسؤالٍ آخر: كيف تمضي عمليات إنتاج المعنى فيها؟

الرواية الجديدة وانعدام اليقين

يُشير شكري عزيز الماضي إلى أن «الرواية الجديدة تعبِّر فنيًّا عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان؛ إذ تشعر الذات المبدعة بالغموض الذي يعتري حركة الواقع ومجراه. ويَنتج عن هذا الشعور بالغموض شعورٌ تلقائي بأن الذات الإنسانية مهددة بالذوبان والتلاشي. وتحت وطأة ما يعانيه الإنسان المعاصر من انقسامٍ في القيم، واهتزاز الثوابت، وانهيار المبادئ، وتشتُّت الذات الجماعية، وحيرة الذات الفردية، وعدم وضوح العلاقة بالماضي والحاضر والمستقبل؛ تصبح الحاجة ملحَّة إلى فعل إبداعي جديد يُعيد النظر في كل شيء؛ بهدف تقديم رؤية جديدة لمشكلات العصر وقراءتها في ضوء جديد:

«ولهذا كله تسعى الرواية الجديدة إلى تأسيس ذائقة جديدة أو وعي جمالي جديد. فعندما تتشظى الأبنية المجتمعية، ويفقد الإنسان وحدته مع ذاته، لا بد من الاستناد إلى جماليات التفكك بدلًا من جماليات الوحدة والتناغم. وفي ظل التفتُّت والتبعثُر والتناثر لا بد من تفجير منطق الحبكة القائمة على التسلسل والترابط أو البداية والذروة والنهاية. وإذا كانت الرواية الحديثة تكابد من أجل اختفاء الكاتب لتقديم المادة الروائية بموضوعية، فإن الروائي الجديد يتدخل بصورة مباشرة وغير مباشرة، بل يتعمَّد مخاطبة القارئ ومحاورته كما يتقصد التعليق والشرح، وكل هذا من أجل تحطيم مبدأ «الإيهام بالواقعية».

وتُلاحَظ الانحرافات السردية المتكررة المتعمَّدة، فهناك انتقال من حدثٍ إلى حدثٍ، ومن مكان إلى آخر، ومن شخصية إلى ثانية. وهذه الانحرافات المتعمدة تكسر التسلسل الزمني، بل تُفقِد الزمنَ أهم خصائصه (أي التسلسل). وتتداخل الأزمنة، وأحيانًا تختفي، وكذا المكان. وحتى موضوع الرواية لا يتصف بالوحدة أو التناغم أو التحديد. ولغة الرواية ليست واحدة، فهناك مستويات متعددة، وأحيانًا نلحظ تمردًا على اللغة المألوفة وتراكيبها وقواعدها.»١٣

ولذا، تختلف «الرواية الجديدة» عن «الرواية الحديثة» اختلافًا كليًّا؛ نظرًا إلى أنها تستند إلى مفهوم جديد عن الرواية والفن عمومًا، كما تُنشِئ لنفسها جماليات تلقٍّ مفارِقة للجماليات السابقة؛ الأمر الذي يقتضي بالضرورة علاقة جديدة بين المتخيَّل والواقعي، وبعبارة أخرى علاقة جديدة بين الأدب والواقع.

ولما كانت «الرواية الجديدة» على هذه الدرجة الكبيرة من المفارقة ﻟ «الرواية الحديثة»، فقد تعدَّدت تسمياتها، فلا نجد بين النقَّاد استقرارًا على تسمية بعينها، ومن هذه التسميَات مثلًا: رواية اللارواية Anti Novel، الرواية التجريبية Experimental Novel، رواية الحساسية الجديدة، الرواية الطليعية، الرواية الشيئية، الرواية الجديدة New Novel. ويبدو أن تعدد المصطلحات يؤكد أن «الرواية الجديدة» لا تندرج في أفقٍ محددٍ ووحيدٍ، لأنها بطبيعتها البنائية وفلسفتها وهدفها تتمرد تمردًا جازمًا على أي تحديدٍ أو تصنيف أحادي ثابت. ولا يجوز أن نُطلق عليها مصطلح «مدرسة»؛ لأنها ضد التقعيد والتقنين أولًا، ولاختلاف النزعات باختلاف كل أديبٍ وباختلاف كل عمل أدبيٍّ ثانيًا.١٤

غير أن هذا التنوع والاختلاف الذي تحظى به «الرواية الجديدة» لا يعني أنها بلا شكلٍ، وإلا خرجت عن مجال الفن إلى غيره؛ بل يعني أن الشكل — هنا — ليس قالبًا جاهزًا يحتوي التجربة، فالشكل — في مفهومه الجديد — ينمو من خلال التجربة الأدبية ويخضع لمتطلباتها الخاصة بها. والمؤلف يُمارس تجربته الإبداعية ولا يعرف ما الذي تئول إليه في النهاية، فليس هناك مخطط مرسوم سلفًا، ومِن ثَمَّ فإن الصفة الأساسية في هذا الشكل الروائي الجديد أنه تجريبي، يخلقه كل من المؤلف والقارئ.

وتعني جماليات التفكُّك أو التشظي في «الرواية الجديدة» أنها تقوم على عدم الربط بين الظواهر، ورفض مبدأ العِليَّة أو السببية في بناء الأحداث، والتمرد على جماليات الوحدة والتماسك والنمو العضوي، وتحطيم مبدأ الإيهام بالواقعية؛ نظرًا إلى أن العالم يتصف بالغموض والارتباك والفوضى، كما أن ظواهره المتجاورة أو المتباعدة أو المتنافرة — في غالب الأحيان — عصيَّة على الفَهْم أو التفسير والتعليل. وتكمن مهمة الأديب في إثارة الشك والتساؤلات، لا في إثارة انفعال القارئ أو دفعه إلى توهُّم حقيقة من الحقائق، ولا إلى الاندماج مع بعض الشخصيات أو مع العالم الروائي. إذ على العكس من ذلك، تدفع «الرواية الجديدة» القارئ إلى التفكير فيما يقرأ، بل إلى إعادة التفكير من جديدٍ؛ الأمر الذي يُهيِّئ القارئ للنظر إلى الرواية ودلالاتها الكلية نظرة نقدية تمكِّنه من التأمُّل في مغزى التجاور، والتنافر، والتوازي، والانحرافات. ومِن ثَمَّ، تُثير «الرواية الجديدة» الأسئلة الصادمة، وتهزُّ الوعي الجمالي السائد بتأكيدها أن العمل الأدبي لا يمثِّل الواقع، وإنما هو عمل متخيَّل.١٥
وأتفق مع عزيز الماضي في تصوره السابق عن «الرواية الجديدة»، باستثناء أمرين، يتعلق أولهما بمفهومه عن «الدلالة الكلية» في «الرواية الجديدة»، حيث يقول:
«فعلى الرغم من تفكُّك البنية الروائية المتعمَّد وتبعثُر عناصرها الظاهرة، فإن هذا «التصميم المتناثر» ينطوي في داخله على دوائر دلالية جزئية تمكِّن المرءَ من استخلاص الدلالة الكلية للرواية الجديدة وأهدافها من خلال علاقتها بحركة الواقع/العالم.»١٦

وذلك أن القول بوجود «دلالة كلية» تنطوي عليها «الرواية الجديدة» يعني — ضمن ما يَعنيه — أن التجديد الحاصل في «الرواية الجديدة» تجديد شكلي لا يمتد إلى المعنى، الأمر الذي يعني أن الاختلاف بين «الرواية الجديدة» و«الرواية الحديثة» هو مجرد اختلافٍ شكليٍّ، أما المعنى ووحدات الدلالة الجزئية فيقدر القارئ على تجميعها والتغلُّب على تنافرها الظاهر من أجل الوصول إلى الدلالة الكلية الأخيرة. ويُعدُّ ذلك — من وجهة نظري — تصورًا تقليديًّا عن المعنى، وعمليات إنتاج المعنى، في النص الروائي الجديد.

أما الأمر الثاني الذي أختلف فيه مع عزيز الماضي فيتعلق بتفسيره الاجتماعي لظهور «الرواية الجديدة» بمنطلقاتها الفلسفية واللغوية والجمالية المغايرة؛ إذ يرى أن:

«هزيمة ٦٧ هي الحد الفاصل بين مرحلتين في حياة الرواية في الوطن العربي. فمع الهزيمة سقطت قيمٌ كثيرة، وقد جاءت الهزيمة تعبيرًا حادًّا صارخًا عن تفسخ الأيديولوجيات السائدة آنذاك، وعن هزيمة الأبنية الحزبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية … إلخ. وبهذا المعنى فإن الهزيمة أحدثت خلخلة في هذه الأبنية، وفي منظومة القيم السائدة، ومنها القيم الفنية والمعايير الجمالية، كما جعلت الشخصية المحلية تهتزُّ من جذورها.

هذه العوامل وغيرها هيَّأت المناخ الملائم للتمرد على الجماليات الروائية المألوفة، وإبداع شكل روائيٍّ جديد بعناصره وبنائه، وتفاعلاته الذاتية والموضوعية، وفلسفته وقيمه الفنية التي يسعى إلى تجسيدها.»١٧
وفي حقيقة الأمر، لا يشمل هذا التفسير أعمال إدوار الخراط، الذي أصدر عمله الأدبي الأول عام ١٩٥٩م؛ ألا وهو مجموعته القصصية حيطان عالية،١٨ التي يَصدر فيها عن المنطلقات الفلسفية واللغوية والجمالية نفسها التي تصدر عنها «الرواية الجديدة» كما أوضحها عزيز الماضي.
ومن ناحية أخرى، يُشير إدوار الخراط إلى أن أصول «الحساسية الجديدة» أو «الكتابة الجديدة» — أو «الرواية الجديدة» على حدِّ تعبير عزيز الماضي — تعود إلى أواخر ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته؛ حيث تشكَّلت بذورها في «المجلات الصغيرة» مثل: مجلة التطور التي أنطقت بالعربية — لأول مرةٍ — تيارات الحداثة في أواخر الثلاثينيات، ثم مجلة البشير ومجلة الفصول القديمة، والمجلة الجديدة برئاسة تحرير رمسيس يونان. كما ظهرت أصول «الحساسية الجديدة» في أعمال بشر فارس وبدر الديب وعباس أحمد ولويس عوض. وحين تهيَّأت «الحساسية الجديدة» للنضج والازدهار في أواخر ستينيات القرن العشرين بتأثيرٍ من الواقع الاجتماعي، ونتيجة لأن «الحساسية القديمة» قد استنفدت عطاءها؛ تبلور مفهوم «الحساسية الجديدة» فثبَّتت أقدامها نهائيًّا، وأصبحت هي المرجع الحقيقي والغني في الواقع الأدبي المصري، بفضل مجلة جاليرى ٦٨، وقد صدرت بعدها مجلات طليعية أخرى — صغيرة — تسير على نهجها في العراق والمغرب ولبنان.١٩

الرواية الجديدة والتجربة الداخلية

وتتنوع التسميات التي يُمكن إطلاقها على «الرواية الجديدة» فيما يُشير عزيز الماضي، إذ يتقصى هذه التسميات على النحو الآتي: رواية اللارواية، الرواية التجريبية، رواية الحساسية الجديدة، الرواية الطليعية، الرواية الشيئية، الرواية الجديدة.٢٠ أما إدوار الخراط فيختار لها اسم رواية «الحساسية الجديدة»، ويرى أنها تنقسم إلى خمسة تيارات أساسية، هي: «تيار التشييء أو التبعيد أو التحييد أو التغريب»، «التيار الداخلي أو العضوي أو تيار التورط»، «تيار استيحاء التراث العربي التقليدي التاريخي أو الشعبي»، «التيار الواقعي السحري أو تيار الفانتازيا والتهاويل»، وأخيرًا «التيار الواقعي الجديد».٢١ وما يهمنا — حاليًّا — من هذه التيارات الخمسة هو التيار الداخلي أو ما يمكن تسميته تيار التجربة الداخلية؛ نظرًا إلى أنه التيار الذي تندرج فيه أعمال إدوار الخراط الروائية بوجه عام، ورواية صخور السماء التي هي موضوع هذا الدرس بوجه خاص. ويحدد إدوار الخراط سمات التجربة الداخلية أو التيار الداخلي على النحو الآتي:
«فالعين هنا داخليةٌ، مفتوحةٌ على الأحشاء التي تمور وتتقلب بالدم، واللغة متفجرةٌ، وحسيَّة، وكتلة متحركة فوَّارة، والحقيقة الأولية في داخل النفس، وغِيران الحلم المعتمة مفتوحة — هنا — ومطروقة بجرأة. تتدفق الرؤية واللغة، هنا، بالعرامة والانصباب، أو تتلبَّث عند خطفة الهاجسة البارقة تلبُّثًا طويلًا، سواء. والحوار النمطي قليلٌ، أو منفي تمامًا، لكي تحلَّ محلَّه النجوى والشطح. والحبكة هشَّة جدًّا، أو غير ضرورية. والحس غير زمني، الساعة الخارجية توقفت، والزمن له منطقه الحر الذي تعرفه الأحلام. التلبُّث والالتباس هما القانون، لا الوضوح والتسويغ، والمكان الخارجي المخطط، المتعين، يخلي الساحة لواقعة مكانية زمانية معًا، تتراكب فيها أمكنة الداخل وأمكنة الخارج معًا، وأزمانهما معًا، الجيشان، والتعقد، والتمزق، في سياق الرؤية واللغة، سعيًا إلى الإمساك بشمولية أكبر، طموحًا إلى الإحاطة بكلية ما، مهما بلغ من استحالتها، ومِن ثَمَّ فاللغة كثيفةٌ، وعضوية، وحية، ومُتَنَزِّية، والواقع — هنا — قد سقطت فيه الحدود بين الظاهر والباطن، بين الصحو والحلم، بين الواقعة والخاطرة، وبين الشيء والحس.»٢٢

ومن الواضح أن هذه السمات التي يضعها إدوار الخراط للتجربة الداخلية، تفرض على قارئ نصوصه طريقة مخصوصة في القراءة والتحليل؛ حتى تحقق القراءة الثمرات المرجوة منها. ومن الواضح أيضًا أن التجربة الداخلية، بوصفها الأساس في كتابة النص الأدبي، هي — في المقام الأول — تجربة وجودية ذات طابعٍ متميز.

(٣) الممارسة الوجودية التأويلية والرواية الجديدة

وكما سبقت الإشارة، يتبنَّى الدرس نهج القراءة الدلالية المحايثة للنص انطلاقًا من الوجودية التأويلية بوصفها أساسًا مناسبًا لتحليل نصٍّ مثل صخور السماء؛ فهو نصٌّ يمتلئ بالكثير من الأسئلة الوجودية التي تُثير التفكير في طبيعة الإنسان، واللغة، والتجربة، ومأزق التوتر بين الجسد والروح، وهو المأزق الأساسي في النص. وأحاول، هنا، إيضاح الخطوط العريضة لطريقة القراءة والتحليل المستمدة من الوجودية التأويلية، كما يقدمها جادامر ومصطفى ناصف استنادًا إلى تصور هايدجر الوجودي عن اللغة. ولا بد من الإشارة إلى أن طريقة القراءة هذه، تَعتدُّ اعتدادًا كبيرًا بالقارئ. يقول رولان بارت Roland Barthes (١٩١٥–١٩٨٠م):
«إننا نعرف الآن أن النص ليس سلسلة متصلة من الكلمات تفضي إلى معنى ثيولوجي واحد يمثِّل رسالة المؤلف الإله، لكنه مجالٌ واسعٌ … متعدد الأبعاد تتصارع فيه لغات متنوعة ومتباينة ليس بينها ما يمكن أن ندعوه لغة أصلية أو مصدرًا أصيلًا، فالنص ليس سوى نسيج من الاستعارات المأخوذة عن عددٍ غير محدود من مراكز الثقافة … ولكنْ هناك موضع واحد [كذا] تتجمَّع فيه وتتركز كل هذه التعددية، هذا الموضع هو القارئ، لا المؤلف كما كان يُقال في الماضي، فالقارئ هو ذلك الموضع المنقوشة عليه كل هذه الاقتباسات التي تصنع الكتابة.»٢٣

وهنا يؤشر بارت على تحوُّلٍ عميقٍ ينتاب نظرية الأدب في تصورها عن النص الأدبي؛ أيِ التحوُّل من المؤلف إلى القارئ. ويتمثَّل عمق هذا التحوُّل في أنه يقتضي — بالضرورة — تحوُّلًا من المعنى الأحادي الثابت — الذي يرتكز إلى قصد المؤلف — إلى المعنى المتغير المتعدد بتعدد القرَّاء وتغيُّر ظروف القراءة، ويضعنا هذا التحوُّل في قلب فلسفة التأويل واستراتيجياته.

القارئ وفعل القراءة

يُشير فولفجانج إيسر Wolfgang Isère (١٩٢٦–٢٠٠٧م) إلى أن النص لا يكون ذا معنى إلا حين يُقرأ، ومع أن هذا أمرٌ مُسلَّم به فلم يلقَ العناية الكافية. فالقراءة هي الشرط الأساسي في أي عملية تأويل نقوم بها تجاه الأدب.٢٤ ولعل من أهم النتائج التي تترتب على هذه الإشارة أن النص الأدبي لم يَعد مغلقًا على معنى ثابتٍ ووحيد بين دفتيه، وإنما المعنى نتاج عملية جدل وتفاعل بين النص والقارئ، فالنص بهذا المعنى ليس ثابتًا وكذلك القارئ ليس ثابتًا، وإنما نحن أمام عملية تغيُّر مستمرة.
وفي هذا السياق، يرى إيسر أنه لا بد من العناية بما يترتب على النص من ردود أفعال قدر العناية بالنص نفسه؛ حيث يميز إيسر بين «نص المؤلف» الذي يمثِّل «القطب الفني» من جهة، وعملية الإدراك التي يقوم بها القارئ — أيْ «فعل القراءة» — والتي تُمثِّل «القطب الجمالي» من جهة أخرى. ويقع «العمل الأدبي» في المسافة بينهما؛ بمعنى أن «العمل الأدبي» لا يتطابق مع «نص المؤلف» كما لا يتطابق مع «إدراك القارئ» أو «فعل القراءة».٢٥ وبهذا المعنى، يمكن القول إن «العمل الأدبي» هو الحوار بين «نص المؤلف» و«فعل القراءة». ومن خلال هذا الحوار ينشأ — تدريجيًّا — ما يمكن تسميته النسق المشترك، أو انصهار الآفاق بتعبير جادامر.

التجربة التأويلية وفلسفة الحوار: بين هايدجر وجادامر

يرى جادامر أن علينا تأمُّل ماهية الحوار بعمقٍ أكبر إنْ أردنا إيضاح طبيعة التجربة التأويلية في تعاملنا مع النصوص الأدبية. إن أي متحاور — في حوار — يحاول الوصول إلى اتفاق مع الطرف الآخر بصدد موضوعٍ معين، كذلك المؤول يحاول فَهْم ما يقوله النص. وتتخذ عملية الفَهْم نفسها شكلًا لغويًّا في كلتا الحالتين؛ فالطريقة التي يحدث بها الفَهْم — سواء في حالة النص الأدبي أو في حالة الحوار مع شخص آخر — هي في المقام الأول طريقة لغوية؛ أي يحدث الفَهْم من خلال اللغة.٢٦
ولا بد، أولًا، من تأكيد أن اللغة — في حالة المحاورة — ليست تحت تصرف أي طرفٍ من طرفي الحوار؛ ذلك أن أي محاورة تفترض سلفًا لغة مشتركة، أو تسعى إلى خلق لغة مشتركة. ولا بد، ثانيًا، من الوضع في الحسبان أن طرفي المحاورة لا يتكيَّف أحدهما مع الآخر؛ بمعنى أن أحدهما لا يقمع الآخر بأي طريقة من الطرق، وإنما يسقطان معًا في محاورةٍ ناجحةٍ تحت تأثير الموضوع قيد الحوار. وهذان هما — فيما يرى جادامر — شرطا المحاورة الناجحة. فالوصول إلى حالة الفَهْم في محاورة، لا يعني أن يقدم المرء نفسه ويثبت بنجاح وجهة نظره الخاصة، وإنما تعني حالةُ الفَهْم التحولَ إلى تشاركية لن تكون طبيعتنا فيها هي طبيعتنا نفسها قبل حدوثها.٢٧
وفي هذا السياق، لا يعني الفَهْم أن يحلَّ طرف من أطراف المحاورة في الآخر، فأنْ يفهم شخصٌ ما يقوله الآخر يعني التوصل إلى فَهْمٍ معين بخصوص موضوع الحوار، وليس أنْ يتبنَّى آراءه أو أفكاره أو يُعيد إنتاج خبرته من جديدٍ. ومِن ثَمَّ، يرى جادامر أن الحوار الأصيل ليس هو أبدًا الحوار الذي أردنا أن نُجريه، وإنما هو الحوار الذي ننقاد فيه بفعل الحوار نفسه؛ فالحوار الأصيل لا نقدر على توجيهه نظرًا إلى أننا لا نعرف مقدمًا ما قد ينتج عنه. «ويقع الفَهْم أو الإخفاق في الفَهْم مثل حدث يُلِمُّ بنا، وبذلك يمكننا القول إن شيئًا ما كان محادثةً جيدة أو رديئة.»٢٨
ومن جهة أخرى، قد يكون التوصُّل إلى الفَهْم في محاورة معطَّلًا أو معاقًا، كما هو الحال — مثلًا — في الحوار بين متحاورين ينتميان إلى لغتين مختلفتين، ولا يعرف أحدهما لغة الآخر. ففي هذه الحالة، يجب على المترجم أن يُترجم المعنى ليُفهم في السياق الذي يحيا فيه المتكلم الآخر. ولا يعني ذلك — بطبيعة الحال — أن المترجم حرٌّ في تحريف معنى ما يقوله الطرف الآخر؛ بل يجب عليه أن يصون المعنى وأن يجعله مفهومًا ضمن أعراف اللغة الجديدة من خلال تأسيس شرعية المعنى فيها بطريقة جديدة. وهكذا، تصبح كل ترجمة تأويلًا. وفي هذه الحالة، لا يحدث الفَهْم بين المتحاورين، وإنما بين المؤولين اللذين يتلاقيان في عالمٍ مشترك من الفَهْم، «وهكذا لا تُعنى المشكلة التأويلية بالتمكُّن الصحيح من اللغة، بل ببلوغ فَهْم مناسب عن موضوع الكلام الذي يحدث عبر وسيط اللغة.»٢٩
تتمثَّل ماهية الحوار في كونه عملية بلوغ فَهْم. ويقتضي الحوار الأصيل — الذي يسعى إلى فَهْمٍ — انفتاحًا: انفتاح كل طرفٍ من طرفي الحوار على الآخر. وحتى يتضح هذا الانفتاح المقصود، يتأمَّل جادامر — مرة أخرى — عملية الترجمة من لغةٍ أجنبية في حالتها القصوى؛ أيْ ترجمة نصٍّ من النصوص. فلا ريب أن ترجمة نص ليست ببساطة إعادة إدراك العملية الأصلية كما حدثت في عقل الكاتب، بل هي بالأحرى إعادة خلق النص الأصلي وليست إعادة إنتاج. وفي الغالب، يكون المترجم واعيًا وعيًا قويًّا بالمسافة المحتومة التي تفصله عن الأصل. وتشبه معالجتُه النصَّ الجهدَ المبذول من أجل بلوغ الفَهْم في المحاورة؛ فالمترجم الذي يُعيد خلق النص هو ذلك المترجم الذي يُحْدِث في اللغة الموضوعَ الذي يُشير إليه النص من خلال إيجاد لغة لا تكون لغته الخاصة فحسب بل تكون مناسبة للأصل أيضًا. ومِن ثَمَّ، فإن موقف المترجم وموقف المؤول واحد أساسًا.٣٠
وبردم الهاوية بين اللغات، يضرب المترجم مثلًا على العلاقة القائمة بين المؤول والنص؛ إذ يعتقد جادامر أن مهمة المترجم في إعادة الخلق تختلف على مستوى الدرجة فقط، وليس على مستوى النوع، عن المهمة التأويلية العامة التي يقدمها أي نصٍّ:
«[و] بطبيعة الحال، لا يعني هذا القول أن الموقف التأويلي فيما يتعلق بالنصوص هو نفسه الموقف بين طرفين اثنين في محادثة. النصوص هي «تعبيرات ثابتة وباقية عن الحياة» يُبتغى فَهْمها؛ وهذا يعني أن طرفًا واحدًا في محادثة تأويلية، أي النص، يتكلم من خلال الطرف الآخر فقط، أيِ المؤول. ومن خلال المؤول فقط، تتحوَّل العلامات المكتوبة إلى علامات ذات معنى. وعلى الرغم من ذلك، يجد موضوع النص الذي يتكلم نفسَه تعبيرًا في كونه متحولًا عبر الفَهْم. والأمر يشبه محادثة حقيقية يكون فيها الموضوع المشترك ما يربط الطرفين الاثنين، النص والمؤول، بعضهما ببعض. عندما يترجم مُترجمٌ ما محادثة، بوسعه أن يجعل الفَهْم المتبادل ممكنًا إذا شارك في الموضوع قيد المناقشة وحسب؛ وكذلك الأمر في العلاقة بنصٍّ ما، إذ لا مفر من أن يشارك المؤول في معناه.»٣١
وهذا النسق المشترك، أو هذه التشاركية هي ما يُسميها جادامر انصهار الآفاق. غير أن انصهار الآفاق الناتج عن الفَهْم في التجربة التأويلية يرتبط ارتباطًا أساسيًّا باللغة؛ لأنه لا يحدث إلا من خلال اللغة، على نحو يمكن معه القول إن اللغة هي جوهره الأصلي. وفي هذا السياق يقول جادامر:
«ليست اللغة مجرد شيء يملكه الإنسان في العالم؛ بل أنْ يكون للمرء عالم ما إنما هو أمرٌ يعتمد على اللغة. فالعالم بوصفه عالمًا يوجد من أجل الإنسان وليس من أجل أي مخلوقٍ آخر في العالم، غير أن هذا العالم لفظي من حيث طبيعته.»٣٢
ومِن ثَمَّ، فالعالم لا يكون عالمًا إلا إذا بلغ لغة من اللغات، كما أن اللغة أيضًا لا تحقق وجودها الفعلي إلا إذا كان العالم حاضرًا فيها:
«وعليه فالقول بأن اللغة هي في الأصل إنسانية يعني في الوقت نفسه أن وجود الإنسان في العالم هو وجودٌ لغويٌّ أساسًا».٣٣
وبذلك، يعود بنا جادامر إلى فلسفة هايدجر الوجودية. غير أنه لا يعنينا من هذه الفلسفة سوى تصور هايدجر عن الفن واللغة، وعلى الأخص اللغة الأدبية. ولعل هذا التصور يتضح بشكلٍ أكبر حين نتأمل مقال هايدجر عن الشاعر الألماني فريدريش هيلدرلن Friedrich Hölderlin (١٧٧٠–١٨٤٣م) المنشور تحت عنوان «هيلدرلن وماهية الشعر».٣٤

يبدأ هايدجر مقاله بإيراد العبارات الخمس التي تشكِّل العناوين الفرعية في هذا المقال، أو محاوره الأساسية، التي يدور حولها. وقد انتقاها هايدجر من قصائد ونصوص مختلفة للشاعر هيلدرلن، غير أني سأكتفي برصد شروح هايدجر للعبارات الثلاث الأولى فقط؛ لأنها تتصل اتصالًا وثيقًا بموضوع الفقرة الحالية.

يصف هيلدرلن النَّظْم الشعري في العبارة الأولى بأنه «أوفر الأعمال حظًّا من البراءة». وسبب هذا الوصف — فيما يرى هايدجر — أن الشعر يبدو شكلًا متواضعًا من «اللعب»، فالشعر يخترع عالمه الخاص من الصور، ويظل مستغرقًا داخل إطار الأشياء التي تخيلها. ومِن ثَمَّ، لا يشترك الشعر مع «الفعل» في شيء، الفعل الذي ينشب أنيابه في الواقع مباشرة. فالشعر «قول خالص» لا جدوى منه ولا فعالية فيه. الشعر أشبه بالحلم، فهو ليس واقعًا، وإنما لعب بالأقوال يخلو من جدية الفعل، ولذا فهو لا يؤذي ولا يضر. غير أن الشعر يُنشِئ نفسَه من «اللغة»، فماذا يقول هيلدرلن عن اللغة؟

وهنا، تأتي عبارة هيلدرلن الثانية التي يقف عندها هايدجر، ألا وهي: «ولهذا مُنحت اللغة — وهي أخطر النعم — للإنسان لكي يشهد على ماهية وجوده». ويتساءل هايدجر عن الطريقة التي نوفق بها بين اللغة التي هي ميدان «أوفر الأعمال حظًّا من البراءة» من جهة، واللغة بما هي «أخطر النعم».

في البداية، يحرص هيلدرلن على تمييز الإنسان في مقابل موجودات الطبيعة الأخرى: الحيوان والنبات. فما هذا الموجود الإنساني؟ إنه الموجود الذي ينبغي عليه أن يشهد على ما هو موجود. والشهادة معناها الكشف والإفشاء، لكنها من ناحية أخرى تعني أيضًا الاستجابة — في فعل الكشف والإفشاء — لما هو موضوع الكشف والإفشاء. وحتى يكون الموجود الإنساني شاهدًا على الموجود في مجموعه وعلى انتمائه إليه، فلا بد أن تحدث هذه الشهادة على هيئة «تاريخ»، وحتى «يتأرَّخ» التاريخ لا بد أن يُمنَح الإنسانُ اللغةَ؛ فاللغة نعمة بالنسبة إلى الإنسان، وهي أيضًا أخطر النعم؛ لأن مهمة اللغة أن تجعل من الموجود وجودًا منكشفًا في حالة فعل، وأن تضمنه بوصفه كذلك.

ومن ناحية أخرى، تُعدُّ اللغة ملكًا للموجود الإنساني، يتصرف فيها وفق مشيئته للتعبير عن تجاربه وقراراته وعواطفه، كما أنها أيضًا وسيلة الفَهْم. غير أن اللغة لا تُستنفد كلها في كونها وسيلة الفَهْم، وبتعريفها على هذا النحو لا نلمس ماهيتها الخاصة، وإنما — فيما يُشير هايدجر — نذكر نتيجة من نتائج هذه الماهية. فاللغة ليست مجرد أداة يملكها الإنسان إلى جانب غيرها من الأدوات، وإنما اللغة هي — في المقام الأول — ما يضمن إمكان وجود الموجود في مجموعه: حيث توجد لغة يوجد عالم، وحيث يوجد عالم يوجد «تاريخ».

وبذلك، تُعدُّ اللغة نعمة بل أخطر النعم؛ لأنها هي التي تضمن أن يكون في استطاعة الإنسان الوجود بوصفه كائنًا تاريخيًّا. ومِن ثَمَّ، اللغة هي هذا «التاريخي» نفسه الذي يتصرف في الإمكان الأعلى لوجود الإنسان. ويتساءل هايدجر: كيف تكون اللغة هي هذا «التاريخي»؟

وبإثارة هذا السؤال، ينتقل هايدجر إلى عبارة هيلدرلن الثالثة: «لقد خَبَرَ الإنسان كثيرًا من الأمور، ووضع أسماء لعديدٍ من السماويات، منذ أن كنا حوارًا واستطاع بعضنا أن يسمع من البعض الآخر.» يقول هايدجر:
«فنحن — البشر — حوار، ووجود الإنسان يقوم أساسه في اللغة، غير أن اللغة لا تتخذ واقعها التاريخي الحقيقي إلا في «الحوار». ومع ذلك فليس الحوار مجرد طريقة تتحقق بها اللغة، ولكن على هيئة حوار، وحوار فحسب، تكون اللغة جوهريةً. وما نقصده باللغة — بوصفها نسقًا من الألفاظ والقواعد النحوية — ليس مظهرها الخارجي فحسب. ولكن ماذا يعني «الحوار» إذن؟ من الواضح أنه يعني التحدث بعضنا مع البعض الآخر عن موضوع ما، فاللغة إذن هي الوسيط الذي يجعل بعضنا يأتي ويصل «إلى» البعض الآخر.»٣٥

ولا بد من ملاحظة أن القدرة على الاستماع ليست نتيجة الحوار الذي يحدث، بل هي الشرط الأول في الحوار. وفي الوقت نفسه، تقوم القدرة على الاستماع على إمكان الحوار. وهكذا، نرى أن القدرة على التكلم والقدرة على الاستماع تتعايشان في الأصل معًا، وهذا هو معنى الإنصات المتبادل في الحوار.

«نحن حوار»: هذه العبارة تعني أيضًا — فيما يرى هايدجر — أننا حوار واحد. فالحوار ووحدته هما سَنَدُ وجودنا. لكن هيلدرلن لا يقول «نحن حوار»، بل يقول «منذ أن كنَّا حوارًا». ويُشير هايدجر إلى أن صياغة هيلدرلن — على هذا النحو — تعني انفتاح الزمن في امتداداته: الماضي والحاضر والمستقبل. وبهذا الانفتاح، تضع اللغةُ نفسَها في قلب التاريخ، أو بالأحرى تكون هي هذا «التاريخي» على هيئة حوار. يقول هايدجر:

«ومنذ أن كنَّا حوارًا، خَبَرَ الإنسان كثيرًا من الأمور وسمَّى عديدًا من الآلهة. ومنذ أن «تأرَّخت» اللغة حقًّا على هيئة حوار، تحدث الناس عن الآلهة، وظهر العالم.

ولكن يهمنا أن نؤكد مرة أخرى أن حضور الآلهة وظهور العالم أبعد عن أن يكونا مجرد نتيجة لظهور اللغة، بل إنهما متعاصران، وذلك إلى حدِّ أنه في تسمية الآلهة وفي واقعة صيرورة العالم إلى كلام، في هاتين الواقعتين يتألف الحوار الحقيقي الذي نحن أنفسنا إياه …

ومن هنا يمكن أن نُقدر تقديرًا تامًّا ما تعنيه هذه العبارة: «منذ أن كنَّا حوارًا …»؛ منذ أن هدتنا الآلهة إلى الحوار؛ منذ ذلك الوقت وُجد الزمان؛ ومنذ ذلك الحين أصبح أساس آنيتنا حوارًا. وبهذا تحظى القضية القائلة بأن «اللغة هي الحدث الأساسي في آنية الإنسان» تحظى بتفسيرها وتبريرها.»٣٦

الفَهْم عبر المشاركة: مصطفى ناصف وأنطولوجيا التأويل

يضع مصطفى ناصف فارقًا مهمًّا بين هوسرل Edmund Husserl (١٨٥٩–١٩٣٨م) وتلميذه هايدجر. ويتمثَّل هذا الفارق في أن هوسرل يرد الظواهر كلها إلى الذاتية والمقولات، في حين أن هايدجر يرى أن الكينونة أو الوجود أسبق وأكثر تأصيلًا من فكرة الوعي والمعرفة، ومن ثَمَّ، يسعى هايدجر — فيما يشرح ناصف — إلى تأسيس فلسفة للتاريخ تهتم بفكرة الكشف الخلَّاق، وبذلك تحوَّلت الفلسفة الأوروبية إلى تأويلٍ على يد هايدجر.٣٧
إن الوجود في فلسفة هايدجر التأويلية كنزٌ يتفتح؛ الأمر الذي يعني الاعتراف بقوة الشيء في تجلِّيه، كما يعني أيضًا البحث عن طاقة الأشياء ذاتها أو كشف انتماء الإنسان الأصلي إلى الظاهرة. وعلى هذا النحو، يصبح الفَهْم إصغاءً أو انقيادًا لنداء الوجود. وتعني كلمة الفَهْم عند هايدجر — فيما يرى ناصف — التقاط الإنسان لممكنات الوجود. يقول ناصف:
«والفَهْم على هذا ليس قدرة على استشعار موقف إنسان آخر كما يقول شلايرماخر، وليس التقاط معنى معين بطريقةٍ عميقة كما يقول دلثي. الفَهْم عند هايدجر في الوجود والزمان ليس شيئًا يملكه الإنسان في بعض الظروف. الفَهْم هو نفسه وجود الإنسان في العالم وهو أساس كل التفسيرات التالية. الفَهْم إذن هو الصورة الأصلية لوجود العالم في تجلِّيه لنا، وليس مقصورًا على موقف معين نتعامل معه. الفَهْم، بعبارة أخرى، هو تكشُّف الأفق العام للإنسان في العالم. أراد هايدجر كشف العلاقة التأويلية الأولى، إنْ صحَّ التعبير، أو أراد الحديث عن الطابع التأويلي للكينونة ذاتها، وتدخُّله في كل محاولات الفَهْم.»٣٨
وهكذا، فالكينونة معنى، والمعنى كينونة في العالم. ويوضح ناصف أن كلمة العالم تحمل المعنى الشخصي أو الحميم أو المجموع الذي ينغمس فيه الإنسان أو يتكشَّف له بطريقةٍ مستمرة. ومِن ثمَّ، لا تنفصل كلمة العالم عند هايدجر عن الذات. وهو مجال جديد — أي العالم — مفتوح للارتياد، يرى الإنسانُ من خلاله ولا يستطيع أن يستغني عنه، ولذا فالعالم بهذه الكيفية لا ينفصل عن الفَهْم وكينونتنا.٣٩
ويُشير ناصف إلى أن الفَهْم ينطوي على جانبين: فهناك الفَهْم اللغوي، وهناك حالة امتلاء المعنى التي يُشير إليها هايدجر. ومِن ثَمَّ، اللغة أكبر من حالة الإشارة إلى مواقف جزئية وطرق معينة في التصور؛ فاللغة وثيقة الصلة بالوجود أو الامتلاء السابق بالمعنى: امتلاء الوجود لا امتلاء اللغة وحدها. يقول ناصف:
«الكلمات واللغة ليست غلافًا أو وعاء تُحفظ فيه الأشياء، ويَعُبُّ منه الكتَّاب والقرَّاء، في الكلمات واللغة تتجلَّى الأشياء لأول مرة، وهذا هو معنى عبارة هايدجر اللغة منزل الوجود».»٤٠
ولعل هذا الشرح الذي يُقدمه ناصف يوضح أن الأساس الحقيقي في اللغة هو ظاهرة التكلُّم حيث يتجلَّى شيءٌ، فالتكلم واقعةٌ تظهر فيها وظيفة الكلمة الحقيقية من حيث هي كلمة، وليس من حيث هي أداة، الكلمة إذن سياق حيٌّ، وهذا ما يُسميه هايدجر الوظيفة التأويلية للكلمة. واللغة — من حيث هي تكلُّم — ليست مجموعة من الكلمات ننظر إليها بوصفها «موضوعات»، بل إن لها مكانًا في العالم الذي يتجلَّى لنا. ومن ناحية أخرى، لا ينظر هايدجر إلى اللغة — من حيث هي تكلم — بوصفها تعبيرًا عن حقيقة داخلية، وإنما هي موقفٌ يتجلَّى في الكلمات. وحديث الشعر نفسه ليس تعبيرًا عن باطنية نقية، بل هو مشاركة في العالم؛ فالشعر لا يكشف عن متكلِّم، وإنما يكشف عن وجود العالم.٤١
ويرى ناصف أن لهايدجر فضلًا كبيرًا في معالجة مسألة الفَهْم في سياقٍ يختلف اختلافًا جذريًّا عن المعالجات السابقة؛ فقد تجاوز هايدجر الحدود التي نفرق بها — عادةً — بين الفَهْم العلمي والفَهْم التاريخي؛ إذ رأى انطلاقًا من فلسفته الوجودية أن الفَهْم كله تاريخيٌّ نظرًا إلى أنه عملٌ وجودي وليس ذهنيًّا. فالفَهْم يتجاوز العمليات الواعية وغير الواعية؛ الفَهْمُ تَكَشُّفٌ حقيقي للإنسان.٤٢
إن الفَهْم علاقة حوار وتجاوب واستجابة بين الإنسان والموجودات كلها انطلاقًا من الطابع التأويلي لتجلي الوجود. ويرى ناصف أن هايدجر — من خلال إصراره على الطابع التأويلي لتجلي الوجود — يعترض اعتراضًا شاملًا على التفكير الميتافيزيقي الغربي الذي يتمركز حول الذات من ناحية وحول النزعة الإنسانية من ناحية أخرى؛ فالإنسان الغربي يفهم الوجود من خلال تصوراتٍ ثابتة يُسمِّيها الماهية ولا يعوِّل على فَهْم الوجود كما ينبعث له ويتراجع عنه باستمرارٍ. ومِن ثَمَّ، لا تفهم الميتافيزيقا الغربية الوجود في حدود التجربة الحية، بل تفهمه من خلال مفهوماتٍ ثابتةٍ عاريةٍ عن الزمان، وكل شيء في الفلسفة الغربية مجرد موضوع ينتظر إِذْنَ الذات له بالمثول:
«وطبقًا لهذا الفكر يُقاس كل شيءٍ بمقاييس الذات، فليس للوجود معنى أو كيان بمعزلٍ عن الذات. والمعنى هبةٌ إنسانية يُراد بها السيطرة على العالم. أصبح الفَهْم مرادفًا للسيطرة، أو نمطًا من الاحتلال، ولا غرابة أن يكون للعلم في هذا الإطار سبقٌ وغلبة لأنه يخدم إرادة الإنسان في السيطرة. أليس الفَهْم نفسه سيطرة! … وأصبح الإنسان الذي يبحث عن السيطرة رهينًا في اعتبار هايدجر، وأصبحت موضوعات الفن غير ذات معنى إلا بالقياس إلى الذات … فكل شيءٍ … يتأسَّس في داخل الإنسان لا أكثر. وكل الفلسفات الخاصة بالقيمة ليست إلا نتيجة هذا التركز حول ميتافيزيقا الذات. فَقدَ كلُّ شيء معناه حين دخل في سجن الذات «الغربية» وفَقدْنَا الإحساسَ بقداسة الأشياء، وباتت منزلة الأشياء هي فائدتها للإنسان … وهكذا يصبُّ هايدجر غضبه على العلم والنزعة الإنسانية التي ترى الإنسان مركز العالم، ومقياس كل شيء … وصدى التفكير التكنولوجي أعمق مما نتوهم، فقد أصبحنا نتصور عملية الفكر ذاتها في حدود السيطرة. والسيطرة — في رأي هايدجر — هي المفتاح الحقيقي للذات الغربية ومنهج تفكيرها. ومن الصعب الآن في زحام السيطرة وتأصيلها أن نَخْلُصَ إلى تفهُّم أنقى وأكثر ولاء للوجود. الوجود الذي يبحث عنه هايدجر يعني استنقاذ الإنسان من السيطرة، هذا هو همُّ التأويل الأساسي.»٤٣
ويرى ناصف أن هايدجر قد حدَّد هدفه الفلسفي في ضوء التأويل، ألا وهو البحث عن المعنى الخفي، وإظهار غير المعلوم للضوء. هذا هو التجلي والكشف وانفتاح المغلق. وفيما يتعلق بالنصوص الأدبية، في ضوء فلسفة هايدجر، يرى ناصف أن:

«النص النهائي التام ليس هو موضوع التأويل الأكبر. أحرى بعناية المؤول البحث عن العنف الداخلي والصراع الذي يستبطن خلق النص، لم يتردد هايدجر في أن يربط التأويل بالعنف بدلًا من السلاسة أو الملاسة. العنف بالنص هو تأويله لا المطابقة المزعومة التي استبدت بالعقول. العنف هو استخراج المحذوف، وحقيقة العمل هي ذلك الجانب الذي يبرق ثم يختفي. حقيقة العمل أو تأويله هو التأمُّل في ذلك الفراغ الخلَّاق الذي ينبع منه النص. مناط التأويل هو التفتح النشيط على الجانب الذي يختفي، وكل خلق إيجابي لا يخلو من نقطة اللاشيء أو قابلية النفي …

التأويل هو أن تفهم النص فَهْمًا مختلفًا عن النص من بعض الوجوه، إن هَمَّنا أن نبحث عمَّا لم يقله النص، ولم يفكر فيه، ولكنه يعيش من وراء كلماته، النص ليس شيئًا أو موضوعًا …

الأهم في التأويل استكناه المحذوف … مدار التأويل هو ما يكمن خلف الظاهر القاطع: ذلك الفراغ الخلَّاق أو اللاوجود عنصرٌ أساسي من عناصر الثقافة الإنسانية يجب دائمًا أن نتجه إليه. المسكوت عنه لا يقل أهمية بأية حالٍ عمَّا ظهر وحُسم أمره. وهذا هو الفراغ الذي يُلاحق الممتلئ، ومن خلاله يتضح مفتاح آخر للوجود والحقيقة واللغة …

الإنسان، فيما يقول هايدجر، حامل رسالة وناطق عن الوجود، والإنسان هو الكائن الذي يعبر الهُوَّة بين خفاء الوجود وظهوره، بين اللاوجود والوجود. والإنسان إذا تكلم فَسَّرَ الوجود. والتفكير الحق عند هايدجر ليس معالجة ما ظهر من قبل بل إظهار ما كان مختفيًا. ومع ذلك ففي كل نصٍّ ينطق به مفكرٌ أو شاعر عظيم يبقى شيء كثير مختفيًا غير منطوق به. وهنا يقول هايدجر «التأويل حوار»، وهذا ما يردِّده جادامر، حوار متأمل مع النص عساه يُظْهِر الخافي ويوسع أفق الانفتاح.»٤٤

وهكذا، تصبح التجربة التأويلية حوارًا بين الإنسان والوجود، وحوارًا بين الإنسان والنص، وحوارًا بين المحجوب والمكشوف. ذلك ما يُسميه ناصف — من خلال فلسفة هايدجر — الحوار الخلَّاق. ويقتضي الحوار الخلَّاق قدرًا من الإنصات: الإنصات إلى صوت الوجود وصوت النص، وصوت تجاوبنا مع الوجود ومع النص. وذلك هو الفَهْم عبر المشاركة؛ فلا وجود بلا فَهْم، ولا فَهْم بلا وجود، كذلك لا وجود دون لغةٍ ولا لغة دون وجود.

انصهار الآفاق: مصطفى ناصف والتجربة الإستطيقية التأويلية

يذهب ناصف إلى أن جادامر في كتابه الضخم الحقيقة والمنهج يقوم بتطوير الدلالات الضمنية في أنطولوجيا هايدجر وتوظيفها في تجديد الإستطيقا وتأويل النص، وذلك عبر ترجمة الأنطولوجيا إلى ملاحظات في الإستطيقا وتفسير النص، مستفيدًا من مفهوم الجدل عند أفلاطون Plato (427B.C.–347B.C.) وهيجل Friedrich Hegel (١٧٧٠–١٨٣١م)، بعد تطويعه هذا المفهوم حتى يُلائم الأبعاد العامة لأنطولوجيا هايدجر.
في البداية، يعترض جادامر على التصور الإستطيقي السائد الذي يفصل بين الشكل والمحتوى في الموضوع الجمالي؛ إذ يَنتج عن هذا التصور عزو السرور الجمالي أو اللذة الجمالية إلى «الشكل» وحده. ومِن ثَمَّ، تُعَد التجربة الإستطيقية مجرد استجابة خالصة ﻟ «الشكل» وحده. ويرى ناصف أنه وفقًا لهذا التصور نتأمَّل الموضوع الإستطيقي من خلال وعي فارغ يستجيب للشكل الحسي، وفي هذا السياق يقول ناصف:
«ونتائج هذا التصور كثيرة فقد انقطعت بنا السبل، ولم يبقَ أمامنا إلا المتعة الحسية، أُهمل تقدير المحتوى، واعتُبر الفن بمعزلٍ عن المعرفة، ونشأت التفرقة المرهقة بين الشكل والمحتوى، وعُزِيَ السرور الجمالي إلى الشكل وحده، وفَقدَ الفنُّ منزلته في العالم، أو تُرك دون وظيفةٍ. ولا مسوغ إذن للشعور بقداسة الفن، ودعوى نبوَّة الفنان ما دام الفن تعبيرًا شكليًّا عن الشعور أو المتعة الجمالية.»٤٥

يعترض جادامر على هذا التصور، ويؤيده ناصف الذي يرى أن أي عملٍ فنيٍّ عظيم ينقض هذا التصور، فالعمل الفني يفتح العالم أمامنا، وهذا الفتح أكبر من المتعة الحسية الناتجة عن ما نسمِّيه «الشكل».

وإذا توقفنا عن النظر إلى العمل الأدبي بوصفه موضوعًا بإزاء ذواتنا، ونظرنا إليه بوصفه عالمًا موصولًا بعالمنا فسندرك على الفور أن الفن عمومًا — أو الأدب بوجه خاص — معرفة وليس مجرد موضوع مدرك حسيًّا، ففي لقائنا بالعمل الأدبي لا ندخل إلى عالم أجنبي ولا نخطو خارج الزمان والتاريخ، بل نكون أمام العمل الأدبي أوْفَى حضورًا؛ لأننا نتمثل في أنفسنا وحدة الآخر وذاتيته، وحين يحدث ذلك نحقق فَهْمنا لأنفسنا عبر انفتاحنا على العمل الأدبي:
«وحين نفهم عملًا من أعمال الفن العظيمة نستعين بما مرَّ في تجاربنا، ونستجمع كل نشاطنا، ويكون فَهْمنا الذاتي في الميزان. تتعرض الذات للمخاطرة. لسنا نحن الذين نسائل الموضوع. فالعمل الفني يسائلنا، ويناوشنا لأنه هو نفسه سؤال منبعث. تجربة العمل الفني تطوِّقنا، وتفسح لنفسها مكان السؤال عن وحدة فَهْمنا لأنفسنا ومسيرته واتصاله.»٤٦
وهكذا، يُقدم العمل الفني لنا عالمًا حقيقيًّا ينبغي علينا ألا نختصره في عالمنا الشخصي، بل علينا أن نفهم هذا العالم الجديد لأننا جميعًا نشارك في أبنية فَهْم الذات التي تجعل العمل حقيقيًّا بالنسبة إلينا. وذلكم هو الأساس — فيما يرى ناصف — لما يُقال في الفينومنولوجيا بشأن قصدية الإدراك؛ وتوسط القصدية أو الفَهْم هو ما نسميه الشكل.٤٧
ويؤكد جادامر أن الأفضل، في تجربتنا مع العمل الأدبي، الحديثُ عن المشاركة والتفاعل، وليس عن الاختلاف أو التمايز الجمالي. وهذا التفاعل يُسمِّيه جادامر وحدة الحقيقة. فالأساس في التجربة الإستطيقية ليس هو المضمون ولا هو الشكل، وإنما الأساس هو الشيء الذي نُعنيه وقد تحوَّل إلى عالم له دينامياته الخاصة.٤٨ هذا العالم الخاص هو عالم التجربة المشتركة بيننا، أو هو فَهْم ذواتنا حيث نتحرك ونحقق وجودنا:
«ومشروعية الفن، تبعًا لهذا كله، ليست هي المتعة الجمالية، بل هي إظهاره لوجودنا. وتحولات الشكل التي يقوم بها الفن هي تحولات ونفاذ في حقيقة الوجود. وفَهْم الفن لا يتم من خلال التقطيع والتقسيم المنهجي له من حيث هو موضوعٌ وشكل، ولا يتم من خلال فصل ما يُقال عن طريقة قوله، إنما يتم من خلال فتح ذراعيه للعالم، والاستماع إلى السؤال الذي يلقيه علينا.»٤٩

على هذا النحو، يحدث الحوار بيننا وبين العمل الفني حتى نصل إلى معرفة به وبأنفسنا. والمعرفة شيء يُشارك في صنعه المتحاورون، ولا يخضع هذا الحوار لسلطة التعرف أو الذات العارفة، وإنما يخضع للسؤال الذي يلقيه علينا العمل الفني أو الأدبي.

ومن هذه الزاوية، يأتي اعتراض جادامر على «المنهج» كما عرفه الفكر الغربي؛ لأن المنهج — في هذا الفكر — يسائل الأشياء، والحاصل في حقيقة الأمر أن الأشياء هي التي تسائلنا نحن. ويشرح ناصف هذا الفارق المهم على النحو الآتي:
«هناك فرقٌ إذن بين فكرة الوعي الذي يجعل ما عداه موضوعًا يقع في مملكته وفكرة الوجود الذي ننتمي ونسعى إليه. الوجود أسبق من هذا الوعي وأكثر تأصيلًا. هذا الوجود مظهره الحوار، وليس مظهره التضاد … يجب أن ندقق في مفهوم التأويل من هذا الوجه: التأويل حوار بين أفقٍ خاص وأفق آخر أوسع منه يتحدر إلينا … والحوار عند هايدجر هو بنية الوجود. الوجود حوار. والحوار هو أن نسمح للأشياء أن تُظهِر نفسَها، هذا ما نسمِّيه الفنومنولوجيا. الفنومنولوجيا هي إنقاذ الوجود من ربقة المنهج العلمي الذي لا يسائل إلا جانبًا واحدًا من الأشياء.»٥٠
إن الحوار هو التعبير الحقيقي عن التأويل، ولا يحدث حوار أو تأويل إلا من خلال إثارة السؤال المنبثق من حركة النص: سؤال النص للقارئ، وسؤال القارئ للنص، وبذلك يفترق التأويل انطلاقًا من هايدجر وجادامر عن الدراسات البنيوية للأدب، وفي هذا السياق يقول ناصف:
«القراءة في نظر جادامر حوار أكبر من البنية المجردة، البنية المجردة لا إنسانية ولكن الحوار هو طبيعة الوجود. وهنا يأتي دور البحث عن الوسيط الذي يتكشف من خلاله الوجود أو واقعة الحوار بين السؤال والجواب. الوسيط الشامل الذي تتداخل فيه الآفاق أو تندمج. الوسيط الذي يحفظ ويُخفي التجربة الجمعية لشعبٍ بأكمله، الوسيط الذي لا ينفصل عن التجربة ذاتها ولا ينفصل عن الوجود هو اللغة.»٥١

القراءة والنص المكتوب في الرواية الجديدة

يُميز بارت بين نوعين من النصوص: الأول نص مقروء؛ كُتِب بقصد توصيل رسالة محددة. ويفترض هذا النص وجود قارئ سلبيٍّ، يتلخص دوره في استقبال الرسالة وإدراكها؛ فهذا القارئ مستهلكٌ فقط، يؤكد نفسَه من خلال تتبُّع أنماط المعنى الثابتة. ومن جهة أخرى، يتلخص دور مؤلفه في قدرته على تقديم الواقع الحقيقي المفترض وعرضه. وبطبيعة الحال، فإن صفات النص المقروء هي نفسها صفات النص التقليدي الذي يقتدي بنظرية المحاكاة — حيث فيها يصبح النص مرآة تعكس العالم الذي يقتصر دور النص على تصويره — أو الذي يقتدي بنظرية التعبير التي تفترض أن النص يعبر عن غاية سامية مصدرها المؤلف، ويحمل رسالةً جادة تهم خلاص البشرية.

أما النص المكتوب فهو يقتضي تأويلًا مستمرًّا ومتغيرًا عند كل قراءة، فالقارئ يستطيع أن يكتبه من جديد وينتجه من جديد. ولذا، يصبح دور قارئ النص المكتوب دورًا إيجابيًّا نشيطًا؛ لأنه يُشارك — في حقيقة الأمر — الكاتبَ في إنتاج النص. ويتصف النص المكتوب بمجموعة سمات يمكن إجمالها على النحو الآتي:
  • النص المكتوب عمليةٌ إنتاجية وليس مادة قابلة للاستهلاك؛ حيث تتم معايشته وتجربته بوصفه فعالية أو ممارسة حيوية للغة.

  • يتجاوز النص المكتوب أعراف النوع الأدبي الذي ينتمي إليه؛ نظرًا إلى أنه في حالة صراعٍ ومواجهة مع حدود هذا النوع الأدبي باستمرارٍ.

  • لا ينغلق النص المكتوب — فيما يرى بارت — على مركز محدد؛ لأن المعنى فيه يتسم بالتحوُّل وعدم الثبات.

  • يتألف النص المكتوب من مقتطفات ومرجعيات وإحالات وصدى وأصوات مختلفة، ومن لغات ثقافيةٍ متباينة. ومن هنا، يكتسب النص تعددية المعنى التي لا تقبل الاختزال، والنص بذلك لا يسعى إلى إبراز الحقيقة وتمثيلها، بل يسعى إلى نشر المعنى وتفجيره.

  • يتسم النص المكتوب بأن مؤلفه يأتي ضيفًا عليه؛ فهو قارئٌ له كغيره من القرَّاء.

  • يقوم القارئ بإنتاج النص كلما قرأه؛ فعملية القراءة مشاركة يقدمها القارئ للمؤلف كي يُنتِجَا النص معًا.٥٢
وتكاد هذه الصفات تنطبق على نص إدوار الخراط صخور السماء؛ بحيث يمكن القول إن هذا النص نصٌّ مكتوب بالمعنى الذي يُشير إليه بارت. غير أنَّ الدرس الحالي لا يتبنى منطلقات بارت النظرية حتى النهاية، وإنما يتبنى منطق التعاطف والمشاركة الحية الفعالة التي هي منطلق أساسيٌّ في نظرية التأويل.
١  انظر: شكري عزيز الماضي، أنماط الرواية العربية الجديدة (الكويت، سلسلة عالم المعرفة، ع٣٥٥ سبتمبر ٢٠٠٨م). وقد رأيت الاكتفاء بالاستناد إلى هذا المرجع دون غيره نظرًا إلى شموله التصنيفي، الأمر الذي يُجنِّب الدرسَ الخوض في تفصيلاتٍ كثيرة حول تصنيف طرائق كتابة النص الروائي تخرج عن نطاق أهدافه الحالية. ويمكن للقارئ مراجعة سمات الرواية التقليدية والرواية الحديثة فيه، فهو يستوفيها على نحوٍ مناسبٍ، انظر: ص٧–١٣، وسألجأ إلى النقل عنه في إيضاحها مع الإشارة إلى المواضع في كثيرٍ من الأحيان.
٢  انظر: المرجع السابق، ص٩.
٣  انظر: المرجع السابق، ص١٠.
٤  انظر: المرجع السابق نفسه.
٥  انظر: المرجع السابق نفسه.
٦  المرجع السابق نفسه.
٧  المرجع السابق، ص١١.
٨  المرجع السابق نفسه.
٩  المرجع السابق، ص١٢.
١٠  المرجع السابق، ص١٢-١٣.
١١  المرجع السابق، ص١٣.
١٢  المرجع السابق نفسه.
١٣  المرجع السابق، ص١٤-١٥.
١٤  انظر: المرجع السابق، ص١٤.
١٥  انظر: المرجع السابق، ص١٦.
١٦  المرجع السابق نفسه.
١٧  المرجع السابق، ص١٤.
١٨  إدوار الخراط، حيطان عالية (القاهرة، دار ومطابع المستقبل، ط٣، ١٩٩٥م).
١٩  انظر: إدوار الخراط، الحساسية الجديدة: مقالات في الظاهرة القصصية (بيروت، دار الآداب، ١٩٩٣م)، ص١٣-١٤. وانظر أيضًا له: مراودة المستحيل: حوار مع الذات والآخرين (الأردن، دار أزمنة، ١٩٩٧م، ص١٢٣-١٢٤).
٢٠  انظر: شكري عزيز الماضي، أنماط الرواية العربية الجديدة (سبق ذكره)، ص١٤.
٢١  انظر: إدوار الخراط، الحساسية الجديدة: مقالات في الظاهرة القصصية (سبق ذكره)، ص١٥–٢٠.
٢٢  المرجع السابق، ص١٧-١٨.
٢٣  كما وَرَدَ في: السيد فاروق، جماليات التشظي: دراسات نقدية في أدب إدوار الخراط وبدر الديب (القاهرة، دار شرقيات، ١٩٩٧م)، ص١٢-١٣.
٢٤  انظر: فولفجانج إيسر، فعل القراءة: نظرية في الاستجابة الجمالية، ترجمة عبد الوهاب علوب (القاهرة، المشروع القومي للترجمة،٢٠٠٠م)، ص٢٧.
٢٥  انظر: المرجع السابق، ص٢٧-٢٨.
٢٦  انظر: هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج: الخطوط الأساسية لتأويلية فلسفية، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، راجعه عن الألمانية جورج كتوره (ليبيا، دار أويا، ٢٠٠٧م)، ص٥٠١.
٢٧  انظر: المرجع السابق، ص٥٠٢.
٢٨  المرجع السابق، ص٥٠٥.
٢٩  المرجع السابق، ص٥٠٧.
٣٠  انظر: المرجع السابق، ص٥٠٨-٥٠٩.
٣١  المرجع السابق، ص٥١٠.
٣٢  المرجع السابق، ص٥٧٦.
٣٣  المرجع السابق نفسه.
٣٤  انظر: مارتن هايدجر، «هيلدرلن وماهية الشعر»، ضمن كتاب مارتن هايدجر: ما الفلسفة، ما الميتافيزيقا، هيلدرلن وماهية الشعر، ترجمة محمود رجب وفؤاد كامل، مراجعة عبد الرحمن بدوي (القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، سلسلة النصوص الفلسفية، د.ت)، ص١٤١–١٦١. وسألخص في الفقرات الآتية تصور هايدجر.
٣٥  المرجع السابق، ص١٤٨.
٣٦  المرجع السابق، ١٥٠.
٣٧  انظر: مصطفى ناصف، نظرية التأويل (سبق ذكره)، ص٧٧.
٣٨  المرجع السابق، ص٧٨-٧٩.
٣٩  انظر: المرجع السابق، ص٧٩.
٤٠  المرجع السابق، ص٨٠.
٤١  انظر: المرجع السابق، ص٨٣.
٤٢  انظر: المرجع السابق، ص٨٣-٨٤.
٤٣  المرجع السابق، ص٨٥–٨٧.
٤٤  المرجع السابق، ص٨٨–٩٠.
٤٥  المرجع السابق، ص١٠٦.
٤٦  المرجع السابق، ص١٠٧.
٤٧  انظر: المرجع السابق، ص١٠٨.
٤٨  انظر: المرجع السابق، ص ١٠٨-١٠٩.
٤٩  المرجع السابق، ص١٠٧.
٥٠  المرجع السابق، ص١٠٤-١٠٥.
٥١  المرجع السابق، ص١٣٤.
٥٢  انظر: ميجان الرويلي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي (الدار البيضاء بيروت، المركز الثقافي العربي، ط٢، ٢٠٠٠م)، ص١٨٢-١٨٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤