مقدمة

يقول فاروق خورشيد:
مصطلح التراث الشعبي مصطلح شامل نُطلقه لنعني به عالمًا متشابكًا من الموروث الحضاري، والبقايا السلوكية والقولية التي بقيت عبر التاريخ، وعبر الانتقال من بيئة إلى بيئة، ومن مكان إلى مكان في الضمير العربي للإنسان المعاصر. وهو بهذا المصطلح يضم البقايا الأسطورية أو الموروث المثيلوجي العربي القديم، كما يضمُّ الفولكلور النفعي أو الفولكلور الممارس، وسواء ظلَّ على لغته الفصحى أو تحول إلى العاميات المختلفة السائدة في كل بيئة من هذه البيئات، وسواء كان من الفولكلور النمطي العربي العام، أم كان من الفولكلور البيئي الذي تفرضه ظروف البيئة وظروف الممارسات الحياتية في هذه البيئة.١

ومن الملاحظ أن الأدب الشعبي ليس قاصرًا على طبقة العوام من الشعب كما يظن البعض، بل هو تعبير عن الشعب بكل طبقاته وميوله الثقافية؛ لذلك نجد أن كُتَّاب المسرح عندما أرادوا توظيف التراث العربي اتجهوا نحو التراث الشعبي؛ ذلك التراث الذي يمثِّل روح الشعب، وطرق تفكيره وتعبيره عن واقعه وهمومه. ومن هنا وجدنا العديد من المسرحيات التي قامت بتوظيف التراث الشعبي في مختلف فنونه، وكُتَّاب هذه المسرحيات قاموا بخلق هذا التراث الشعبي في قوالب مسرحية كي يفسِّروه تفسيرًا جديدًا على ضوء وعيهم وفكرهم وقضايا عصرهم. ومن هنا وجدنا آثارًا جديدة ودلالات عديدة لهذا التراث.

والأدب الشعبي يعتمد على الرواية والحفظ في انتقاله من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل؛ لذلك يُصاب بالتغيير دائمًا، ولكن هذا التغيير لا يحدث في أصوله، وإنما يحدث في شكله الفني وما يحمله من مضمون. وهذا التغيير يحدث حسب متغيرات الحياة، وحسب رؤية المبدع له. ومن الملاحظ أن هذا التغيير يعطي للتراث الشعبي عنصر البقاء والاستمرار.

والمبدع في مسرحه الشعبي يقوم — عن طريق العرض الفني — بالتعبير عن وجدان الشعب من خلال الأشكال الفنية لذلك التراث، فنجده — على سبيل المثال — يتجه إلى العادات والتقاليد ليوظِّفها في مسرحه، كما فعل أحمد شوقي في مسرحيته «مجنون ليلى»، أو يتَّجه إلى كتاب «ألف ليلة وليلة» كما فعل توفيق الحكيم في مسرحية «شهرزاد»، وكذلك علي أحمد باكثير في مسرحية «سر شهرزاد»، وأيضًا ألفريد فرج في مسرحيتيه: «حلاق بغداد» و«على جناح التبريزي وتابعه قفة»، أو يتجه إلى التعابير الشفهية من أغنية أو موَّالٍ أو مَثَل، كما فعل نجيب سرور في ثلاثيته: «ياسين وبهية» و«آه يا ليل يا قمر» و«قولوا لعين الشمس»، وكذلك شوقي عبد الحكيم في مسرحيتيه: «حسن ونعيمة» و«شفيقة ومتولي». ومن الكُتَّاب من ابتعد عن هذه الأشكال وراح يبحث عن أشكال وشخوص شعبية أخرى، مثل علي أحمد باكثير عندما وظَّف شخصية «جحا» في مسرحيته «مسمار جحا»؛ ليعبِّر بها عن فكرة احتلال الإنجليز لمصر.

وفي هذا الباب سنتحدث عن أثر التراث الشعبي في المسرح المصري المعاصر من خلال ثلاثة فصول: الأول بعنوان «التوظيف الاجتماعي للتراث الشعبي»، وسيأتي هذا التوظيف عن طريق مسرحية «مجنون ليلى» لأحمد شوقي؛ لما قام فيها من توظيف للعادات والتقاليد الشعبية العربية، والثاني بعنوان «التوظيف السياسي للتراث الشعبي»، وذلك من خلال ثلاثية نجيب سرور: «ياسين وبهية» و«آه يا ليل يا قمر» و«قولوا لعين الشمس»؛ لِما فيها من توظيف للأغنية الشعبية والأمثال والعديد الشعبي «البكائيات»، والثالث بعنوان «نموذج تطبيقي لحركات التأصيل في المسرح»، وذلك من خلال مسرحية «الفرافير»، على اعتبار أنها النموذج المصري الوحيد لحركات التأصيل، وأيضًا لأنها تعتمد على الشخصية الشعبية النمطية «الفرفور» من خلال توظيف التراث الشعبي.

١  فاروق خورشيد، «الموروث الشعبي»، دار الشروق، بيروت، ط١، ١٩٩٢، ص١٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤