الفصل الثالث عشر

رأي في الموسيقى الشرقية والغناء العربي

للعلامة الجليل صاحب العزة خليل بك ثابت، رئيس تحرير المقطم الأغر بمناسبة الاحتفال بإحياء ذكرى عبده الحمولي
ذكرت جريدة المقطم الأغر بعدد ١٤١٨٢ بتاريخ: ٢٤ يوليه سنة ١٩٢٥ ما يأتي:

نشرنا يوم الجمعة الماضي وصفًا لحفلة إحياء ذكرى المغفور له خالد الذكر عبده الحمولي وقد أقيمت على مسرح حديقة الأزبكية يوم الثلاثاء ١٦ يوليو بدعوة من حضرة الأستاذ قسطندي رزق.

وننشر فيما يلي الكلمة التي ألقاها الأستاذ، مصطفى الحكيم، وقد كتبها حضرة رئيس تحرير المقطم في هذه الحفلة لما فيها من التنبيه على حالة في الغناء العربي الجديد يراها حضرة العلامة المتواضع صاحب العزة: خليل بك ثابت، رئيس تحرير المقطم، جديرة بعناية أرباب الفن الموسيقي حرصًا على أصول الغناء العربي.

•••

عزيزي الأستاذ قسطندي رزق:

وطنت النفس على أن أشهد احتفالك الكبير بذكر أمير الغناء العربي في عصر نهضة مصر الحديثة، وأن أشاركك وأنصار هذا الغناء المجتمعين الليلة لذكرى الفقيد العظيم، غير أن طارئًا لم أكن أتوقعه طرأ عليّ، وحال دون تحقيق هذه الأمنية.

ولا أحاول هنا التنويه بما شهدت من عظيم غيرتك وحميتك في السعي لإحياء ذكرى عبده، وإطلاع أبناء هذا العصر على ما فاتهم مما تمتع به أبناء العصر الماضي فجزاؤك على هذا ما أنت شاعر به الساعة من اغتباط وارتياح وهو خير ما يجزي به العاملون.

ولكن اسمح لي أن أضيف إلى جهدك الذي بذلت بالدعوة باللسان والقلم تنبيه أنصار الغناء العربي والموسيقى الشرقية إلى ما نحن مصابون به الآن وما نتوقعه إذا استمرت هذه الحال.

فقد ابتلينا بداء (التجديد) هذا في كثير من أمورنا — في اللغة والعادات ثم امتد إلى الغناء فأصيب الغناء العربي بهذا «الإلحاد الفني» المشهود الآن، والذي يؤذي أسماع وقلوب عارفي هذا الفن والمعجبين به، ولا أنكر أننا اقتبسنا في الأصل جانبًا يذكر من غنائنا من الفرس، ولا نزال نستعمل في موسيقانا الألفاظ الفارسية للأنغام والسلم الموسيقية، ولكن كر الأيام وانقضاء الأعوام صقلا هذا كله فألفناه وأحببناه.

ولا بد لغنائنا وموسيقانا من أن يتأثر باتصالنا بالغرب وموسيقاه المتقنة المهذبة الأصول والفروع، ولا ريب في أننا من الناحية الفنية مقصرون عن الغرب تقصيرًا كبيرًا، ولكن هذا لا يعني وجوب تطليق فننا أو مسخه، فلا يبقى شرقيًا ولا يصير غربيًا.

فإذا قيل إن هذا تحول أو «تطور» قلت إنه تحول بغير ضابط وإفساد للذوق.

لست من خصوم التجديد غير أني — وأنا من عارفي أصول الموسيقى الشرقية والغربية ومن الذين درسوها وألفوا العزف على بعض آلاتها — أشعر بأننا بهذا الإلحاد الفني المسمى خطأ تجديدًا خاسرون، ومن سوء الحظ أن يُستعان على هذه الضلالة بذوي الأصوات الرخيمة المحبوبة من الجمهور من مغنين ومغنيات؛ فإن جمال أصواتهم يستهوي الأفئدة ويطرب السامع فلا يفطن الناس إلى الإلحاد الموسيقي والخروج على أصول غنائنا الذي هو من مميزاتنا.

أترى من الضروري أن أذكر حكاية الغراب الذي أراد أن يقلد مشي الحجل أو يكفي ما تقدم.

فعسى هذا الاحتفال بإحياء ذكرى أشهر مغنٍ مصري في عصر نهضتنا الحديثة أن ينبه المشتغلين بالموسيقى الشرقية والغناء العربي إلى ما نحن مستهدفون له من فعل هذه العاصفة التي أخذت تهب علينا والتي يخشى من أن تكتسح ما بقي لنا من هذا الفن البديع؛ فننبذ الحرير الطبيعي مأخوذين ببهاء الحرير الصناعي وهو دون ذاك.

والله يهدينا جميعًا إلى أقوم السبل وأصلح الطرق ويتولى إرشادنا، وجزاء العاملين الحريصين على إرث الشرق والشرقيين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤