الباب الثاني

في الكلام

وهو سبعة فصول

الفصل الأول: في مواضعات متكلمي الإسلام فيما بينهم. الفصل الثاني: في ذكر أرباب الآراء والمذاهب من أهل الإسلام. الفصل الثالث: في ذكر أصناف النصارى ومواضعاتهم. الفصل الرابع: في ذكر أصناف اليهود ومواضعاتهم. الفصل الخامس: في ذكر أرباب الْمِلَل والنِّحَل. الفصل السادس: في ذكر عَبَدَة الأوثان من العرب وأصنامهم. الفصل السابع: في وصف الأبواب التي يتكلم فيها المتكلمون من أصول الدين.

الفصل الأول: في مواضعات متكلمي الإسلام

الشيء: هو ما يجوز أن يُخْبَر عنه وتصح الدلالة عليه.١ المعدوم: هو ما يصح أن يُقال فيه: هل يوجَد؟ والموجود هو ما يصح عنه سؤال السائل: هل يُعْدَم؟ إلى أن يُجاب عنه بلا ونَعَمْ. وقيل: الموجود هو الكائن الثابت، والمعدوم هو الْمُنْتَفِي الذي ليس بكائنٍ ولا ثابت. القديم: هو الموجود لم يَزَلْ. الْمُحْدَث: هو الكائن بعدَ أن لم يكن. الْأَزَلِيُّ: الكائن لم يَزَلْ ولا يَزَالُ. الْجَوْهَر: هو المحتمل للأحوال والكيفيات المتضادات على مقدارها، وعند المعتزلة المتكلمين: أن الأجسام مؤلفة من أجزاء لا تتجزأ وهي الجواهر٢ عندَهم، والخط عندَهم: المجتمِع من الجواهر طُولًا فقط. والسَّطْح: ما اجْتَمَعَ من الجواهر طُولًا وعَرْضًا فقط. والجسم عندهم: المجتمِع من الجواهر طُولًا وعَرْضًا وعُمْقًا. والْعَرَض: أحوال الجوهر؛ كالحركة في المتحرِّك والبياض في الأبيض والسواد في الأسود.

فأما هذه الأشياء على رأي الفلاسفة والمهندسين، فعلى خلاف ما ذكرته في هذا الباب، وسأذكرها في أبوابها إن شاء الله عند ذكر أقاويلهم.

أَيْسَ: هو خِلافُ «لَيْسَ». قال الخليلُ بْنُ أحمدَ: «لَيْسَ» إنما كان «لا» في «أَيْسَ» فأسقطوا الهمزة وجمعوا بين اللام والياء، والدليل على ذلك قول العرب: ايتِني بكذا من حيثُ أَيْسَ ولَيْسَ. الذات: نفس الشيء وجوهره. الطَّفْرَة: الْوُثُوب في ارتفاع. تقول: طَفَرْتُ الشيءَ أَطْفِره طَفْرًا إذا وَثَبْتُ فوقَه. والطَّفْرَة: المرَّة الواحدة. الرَّجْعَة عند بعض الشيعة:٣ رُجوع الإمام بعد موته. وعند بعضهم: بعد غَيْبَتِه. التحْكِيم: قولُ الْحَرُورِيَّة: لا حُكْمَ إلا للهِ، وهم الْمُحَكِّمَة.٤

الفصل الثاني: في ذكر أسامي أرباب الآراء والمذاهب من المسلمين

وهي سبعة مذاهب:
  • أحدها: الْمُعْتَزِلَة،٥ ويَتَسَمَّوْنَ بأصحابِ الْعَدْلِ والتوحيد. وهم سِتُّ فِرَق: الفرقة الأولى: الْحَسَنِيَّة، وهم المنتسبون — على زعمهم — إلى الحسن البصري رحمه الله. الثانية: الْهُذَيْلِيَّة، أصحاب أبي الْهُذَيْلِ الْعَلَّاف. والثالثة: النَّظَّامِيَّة، أصحاب إبراهيمَ بْنِ سَيَّارٍ النَّظَّام. الرابعة: الْمَعْمَرِيَّة، أصحاب مَعْمَرِ بْنِ عَبَّادٍ السُّلَمِيِّ. الخامسة: الْبِشْرِيَّة، نُسِبُوا إلى بِشْرِ بْنِ الْمُعْتَمِر. السادسة: الجاحِظِيَّة، أصحاب عَمْرِو بْنِ بَحْرٍ الْجَاحِظِ.
  • والمذهب الثاني: الخوارِج، وهم أربع عشرة فِرْقَة:
    فالفرقة الأولى: الأزارقة، يُنْسَبونَ إلى نافع بْنِ الْأَزْرَقِ. والثانية: النَّجَدَات، أصحاب نَجْدَةَ بْنِ عامِرٍ الْحَنَفِيِّ. والثالثة: الْعَجَارِدَة، نُسِبُوا إلى عَبْدِ الكريمِ بْنِ الْعَجَرَّدِ. والرابعة: البدعية، رئيسهم يحيى بن أصرم، سُموا البدعية لأنهم أبدعوا قطع الشهادة على أنفسهم من أهل الجنة. الخامسة: الحازمية، نُسِبُوا إلى شُعَيْب بن حازم. والسادسة: الثَّعالِبَة. والسابعة: الصُّفْرِيَّة، أصحاب زِياد بْنِ الأصفر. والثامنة: الْإِباضِيَّة، أصحاب عبد الله بْنِ إبَاض. والتاسعة: الحَفْصِيَّة، أصحاب حَفْص بن الْمِقْدام. والعاشرة: الْيَزِيدِيَّة، أصحاب يزيد بن أبي أُنَيْسة. والحادية عشرة: الْبَيْهَسِيَّة، نُسبوا إلى أبي بَيْهَس الْهَيْصَم بن جابر. والثانية عشرة: الْفَضْلِيَّة، أصحاب الْفَضْل بن عبد الله. والثالثة عشرة: الشِّمْراخِيَّة، أصحاب عبد الله بن شِمْراخ. والرابعة عشرة: الضَّحَّاكِيَّة، أصحاب الضَّحَّاك بن قيس الشارِي.٦
  • المذهب الثالث: أصحاب الحديث، وهم أربع فرق، الفرقة الأولى: المالكية، أصحاب مالك بن أنس.٧ الثانية: الشافعية، أصحاب محمد بن إدريس الشافعي.٨ الثالثة: الحنبلية، أصحاب أحمد بن حنبل.٩ الرابعة: الداودية، أصحاب داود بن علي الأصفهاني.١٠
  • المذهب الرابع: الْمُجبرَة، وهم خمس فِرَق: الفرقة الأولى: الْجَهْمِيَّة، أصحاب جَهْم بن صَفْوَانَ التِّرْمِذِيِّ. الثانية: البِطِّيخِيَّة، نُسبوا إلى إسماعيل الْبِطِّيخِيِّ. الثالثة: النَّجَّارِيَّة، نُسبوا إلى الحسين بن محمد النَّجَّار. الرابعة: الضِّرَارِيَّة، نُسِبوا إلى ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو. الخامسة: الصباحية، أصحاب أبي صباح بن مَعْمَر.
  • المذهب الخامس: مذهب الْمُشَبِّهَة، وهم ثلاث عشرة فرقة: الأولى: الكُلَّابية، نُسبوا إلى محمد بن كُلَّاب. الثانية: الْأَشْعَرِيَّة، أصحاب علي بن إسماعيل الْأَشْعَرِيِّ. الثالثة: الْكَرَّامِيَّة، نُسبوا إلى محمد بن كَرَّام السِّجِسْتانِيِّ. الرابعة: الهاشمية، أصحاب هشام بن الحَكَم. الخامسة: الْجَوَالِيقِيَّة، أصحاب هشام بن عمروٍ الْجَوَالِيقِيِّ. السادسة: الْمُقاتِلِيَّة، أصحاب مُقَاتِل بن سُلَيْمانَ. والسابعة: الْقَضَائِيَّة؛ نُسبوا إلى ذلك لزعمهم أن الله — تبارك وتعالى عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا — هو الْقَضَاء. والثامنة: الْحُبِّيَّة؛ سُمُّوا بذلك لزعمهم أنهم لا يعبدون الله خوفًا ولا طمعًا وأنهم يعبدونه حُبًّا. التاسعة: الْبَيَانِيَّة، أصحاب بَيَان بن سمعان. العاشرة: الْمُغِيرِيَّة، نُسبوا إلى الْمُغِيرة بن سعيد العِجْلي. الحادية عشرة: الزُّرَارِيَّة، أصحاب زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ بْنِ أبي زُرَارَةَ. الثانية عشرة: الْمِنْهالِيَّة، أصحاب الْمِنْهال بْن مَيْمونَ العجلي. الثالثة عشرة: الْمُبَيِّضَة، أصحاب الْمُقَنَّع هاشم بن الحكَم الْمَرْوَزِيِّ؛ سُموا بذلك لتبييضهم ثيابَهم مخالفةً لِلْمُسَوِّدَة من أصحاب الدولة العباسية.
  • المذهب السادس: الْمُرْجِئَة، وهم ست فرق: إحداها: الغَيْلانية، أصحاب غَيْلانَ بْنِ خَرْشَةَ الضَّبِّيِّ. الثانية: الصالحية، أصحاب صالح بن عبد الله المعروف بِقُنَّة. الثالثة: أصحاب الرأي، وهم أصحاب أبي حَنِيفة النُّعمان بن ثابت الْبَزَّاز. الرابعة: الشَّبِيبِيَّة، أصحاب محمد بن شَبِيب. الخامسة: الشَّمِرِيَّة، نُسبوا إلى أبي شَمِر سالم بن شَمِر. السادسة: الْجَحْدَرِيَّة، أصحاب جَحْدَر بن محمد التميمي.
  • المذهب السابع: مذهب الشِّيعة، وهم خَمْس فِرَق:

    «الفرقة الأولى: الزَّيْدِيَّة»، وهم خمسة أصناف: الصنف الأول: الْأَبْتَرِيَّة، نُسِبُوا إلى كثير النُّوبي، واسمه الْمُغِيرة بن سعد، ولقبُه الْأَبْتَر. والصنف الثاني من الزيدية: الجارُودِيَّة، نُسبوا إلى أبي الجارُود زياد بن أبي زياد. الصنف الثالث من الزيدية: الدُّكَيْنِيَّة، وهم أصحاب الفضل بن دُكَيْن. الصنف الرابع من الزيدية: الخَشَبِيَّة، ويُعرفون بالصُّرْخابية، نُسبوا إلى صُرْخاب الطبري، وسُموا الخَشَبِيَّة لأنهم خرجوا على السلطان مع المختار ولم يكن معهم سلاح غير الخَشَب. الصنف الخامس من الزيدية: الخَلَفِيَّة، وهم أصحاب خَلَف بن عبد الصمد.

    «الفرقة الثانية من مذهب الشيعة: الْكَيْسانِيَّة»، وكَيْسان كان مَوْلًى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه، وهم أربعة أصناف: أولهم: الْمُختارية، أصحاب المختار بن أبي عبيد قبل مقالته من كَيْسان. والصنف الثاني من الكَيْسانِيَّة: الإسحاقية، نُسبوا إلى إسحاق بن عمرو. الصنف الثالث: الكَرِبِيَّة، أصحاب أبي كَرِب الضرير. الصنف الرابع: الحَرْبِيَّة، نُسبوا إلى عبد الله بن عمر بن حَرْب.

    «الفرقة الثالثة من مذهب الشيعة: العَبَّاسية»، يُنسبون إلى آل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم، وهم صنفان: الصنف الأول: الخَلَّالِيَّة، أصحاب أبي سَلَمة الخَلَّال. الصنف الثاني: الرَّاوَنْدِيَّة، أصحاب أبي القاسم بن راوَنْد.

    «الفرقة الرابعة من مذهب الشيعة: الْغَالِيَة»، وهم تسعة أصناف: الصنف الأول: الكامِلِيَّة، أصحاب أبي كامِل. الثاني: السَّبَائِيَّة، أصحاب عبد الله بن سَبَأ. الثالث: المنصورية، أصحاب أبي منصور العجلي. الرابع: الْغُرابِيَّة، سُمُّوا بذلك الاسم لأنهم يقولون: علي عليه السلام كان أشبه بالنبي من الغُراب بالغُراب. الخامس: الطَّيَّارِيَّة، وهم أصحاب التناسخ، نُسبوا إلى جعفر الطَّيَّار. والسادس: الْبَزِيعِيَّة، نُسبوا إلى بَزِيع بن يونُس. والسابع: الْيَعْفُورِيَّة، نُسبوا إلى محمد بن يَعْفُور. الثامن: الْغَمَامِيَّة، سُمُّوا بذلك الاسم لزعمهم أن الله تعالى ينزل إلى الأرض في غَمَامِ كلِّ رَبيعٍ فيطوف الدنيا، سبحان الله عما يقولون. التاسع: الإسماعيلية، وهم الباطنية.

    «الفرقة الخامسة من مذهب الشيعة: الإمَامِيَّة»، وهم الرافِضَة، سُموا بذلك لرفضهم زيد بن علي عليهما السلام. فمنهم: النَّاوُوسِيَّة، نُسبوا إلى عبد الله بن ناوُوس. ومنهم: الْمُفَضَّلِيَّة، نُسبوا إلى الْمُفَضَّل بن عمر، ويُسمون القطعية لأنهم قطعوا على وفاة موسى بن جعفر بن محمد، والشمطية لأنهم نُسبوا إلى يحيى بن أشمط. والواقفية، سُموا بذلك لأنهم وَقَفُوا على موسى بن جعفر رضي الله عنه، وقالوا: هو السابع، وأنه حي لم يَمُتْ حتى يملك شرق الأرض وغربها، ويُسمون الْمَمْطُورَة؛ وذلك أن واحدًا منهم ناظرَ يونُسَ بن عبد الرحمن، وهو من القطعية؛ فقال له يونُس: لَأَنْتُمْ أَهْوَنُ عليَّ من الكلاب الْمَمْطُورة، فلزمهم هذه النبزة. والأحمدية، نُسبوا إلى إمامهم أحمد بن موسى بن جعفر.

نُعوت الأئمة على مذهب الاثني عشرية

عليٌّ المرتضَى، ثم الحسَن المجتبَى، ثم الحُسَيْن سيد الشهداء، ثم عليٌّ زَيْن العابدين، ثم محمدٌ الباقر، ثم جعفرٌ الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم عليٌّ الرِّضا، ثم محمدٌ الهادي، ثم عليٌّ الصابر، ثم الحسن الطاهر، ثم محمد المهديٌّ القائم المنتظر، وأنه لم يمت، ولا يموت — بزعمهم — حتى يملأَ الأرض عدلًا كما مُلئت جَوْرًا، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.١١

الفصل الثالث: في أصناف النصارى ومواضعاتهم

هم ثلاثة أصناف: أولهم: الْمَلْكائِيَّة، وهم منسوبون إلى مَلْكاء، وهم أقدمهم. الثاني: النَّسْطُورية، وهم منسوبون إلى نَسْطورس، وكان أحدث رأيًا فنَفَوْهُ عن مملكة الروم فليس بها أحد منهم. والثالث: الْيَعْقُوبِيَّة، يُنسبون إلى مار يعقوب، وهم قليل، وأهل الروم كلهم مَلْكائية.

الْأُقْنُوم: الصفة عندَهم، ويزعمون أن الآب والابن ورُوح القدُس ثلاثة أقانيمَ لله، تَبارَكَ وتَعالَى عما يَصِفون، ويقولون:١٢ الاتحاد لفظة مشتقة من الواحد، الناسُوت لفظة مشتقة من النَّاس كالرَّحموت١٣ من الرحمة، واللاهُوت مشتقٌّ من اسم الله تعالى. الهيكل: بَيْتُ الصُّوَر، فيه صُوَر الأنبياء عليهم السلام وصُوَر الملوك،١٤ وقد ذكرت مراتبهم في الدين، وأسماء رؤسائهم في باب الأخبار.

الفصل الرابع: في ذكر أصناف اليهود ومواضعاتهم

أصناف اليهود كثيرة، فمنهم: الْعَنَانِيَّة، وهم يُنسبون إلى عاني، كما قيل لأصحاب ماني: المنية. العِيسَوِيَّة: يُنسبون إلى عِيسَى الأصفهاني، وكان ادعى النبوة في يهود أصفهان، وكان من نَصِيبين. والْقَرْعِيَّة: صنف منهم، أكثرُ طعامهم الْبُقول والْقَرْع، وأكثر أَوانِيهم الْقَرْع. والمقاربة: فرقة منهم يخالفون جمهور اليهود بنفي التشبيه. والراعية: منسوبون إلى واحد تنبأ فيهم وكان يُسَمَّى الراعي. السامِرِيَّة:١٥ قوم السامِرِيِّ، سُموا بمدينة بالشام تُسمى سامرية. رأس الجالوت: هو رئيسهم، والجالوت، هم الجالية، أعني الذين جَلَوْا عن أوطانهم ببيت المقدس. ويكون رأس الجالوت من ولد داود عليه السلام، وتزعم عامَّتُهم أنه لا يرأس حتى يكون طويل الباع، تبلغ أنامل يديه رُكْبَتَيْهِ إذا مَدَّهما. الكاهن: هو الإمام عندَهم، والجماعة كَهَنَة. الْحَبْر: العالِم. السِّفْر: الصحيفة. ولكل نبي من أنبياء بني إسرائيل صحيفة، وهي أربعة وعشرون سِفْرًا، منها خمسة للتوراة وسائرها للأنبياء بعد موسى عليه السلام، كل سِفْر إلى الذي جاء به.

توراة الثمانين، ويُقال السبعين: هي التي ترجمها ثمانون حبرًا لبعض ملوك الروم، وذلك أنه أفردهم وفرَّق بينهم وأمرهم بترجمة التوراة ليأمن تواطأهم على تغيير شيء منها ففعلوا، وهي أصح تراجم التوراة، والله أعلم.

الفصل الخامس: في أسامي أرباب الملل والنحل المختلفة

الدهرية:١٦ الذين يقولون بقِدَم الدَّهْر. الْمُعَطِّلَة: الذين لا يُثْبِتُون البارئَ عَزَّ وجَلَّ. أصحاب التناسخ: الذين يقولون بتناسخ الأرواح في الأجساد، كما يُنسخ الكتاب من واحد إلى آخَرَ. السُّمَنِيَّة: هم أصحاب سُمَن، وهم عبدة أوثان، يقولون بقِدم الدهر وبتناسخ الأرواح وأن الأرض تَهْوِي سُفْلًا أبدًا. وكان الناس على وجه الدهر سُمَنِيِّينَ وكُلْدَانِيِّين، فالسُّمَنِيُّون هم عبَدة الأوثان، والكُلْدانيون هم الذين يُسَمَّوْنَ الصابئين والحَرَّنانيين، وبقاياهم بِحَرَّان والعراق، ويزعمون أن نبيهم بوذاسف الخارج في بلاد الهند، وبعضهم يقولون: هرمس، فأما بوذاسف فقد كان في أيام طهمورث الملك، وأتى بالكتابة بالفارسية، وسُمِّيَ هؤلاء صابئين في أيام المأمون، فأما الصابئون على الحقيقة ففرقة من النصارى وبقايا السُّمَنِيَّة بالهند والصين. البراهمة: عُبَّاد الهند، واحدهم بَرْهَمِيٌّ، ولا يقولون بالنُّبوة. الدَّيْصانية، منسوبون إلى ابن دَيْصان، وهم ثَنَوِيَّة. الْمَرْقِيونِيَّة، يُنسبون إلى مَرْقِيون، وهم ثَنَوِيَّة أيضًا. المنانية: هم المانوِيَّة، منسوبون إلى ماني، ولا أدري لِمَ جعلوا هذه النسبة على غير قياس، وكذلك الحَرَّنانية المنسوبة إلى حَرَّان، والعَنانِيَّة المنسوبة إلى عاني من اليهود. الزنادقة: هم المانوية، وكانت المزدَكِيَّة يُسَمَّوْنَ بذلك، ومزدك هو الذي ظهر في أيام قُبَاذ، وكان مَوْبذان مَوْبذ، أي قاضي القضاة للمجوس، وزعم أن الأموال والحُرَم مشتركة، وأظهر كتابًا سمَّاه زند، وزعم أن فيه تأويل الأَبِستا، وهو كتاب المجوس الذي جاء به زرادشت، الذي يزعمون أنه نبيهم؛ فنُسب أصحاب مزدك إلى زند، فقيل: زندي، وأُعربت الكلمة فقيل للواحد: زِنْدِيق، وللجماعة زَنادِقة. البهافريدية: جنس من المجوس يُنسبون إلى رجل كان يُسمى به آفريد بن فَرْدَرْدِينَان، خرج بِرُسْتاق خواف من رساتيق نَيْسابور بقَصَبة سراوند بعد ظهور الإسلام في أيام أبي مسلم، وجاء بكتاب، وخالف المجوسَ في كثير من شرائعهم، وتبعه خَلْقٌ منهم، وخالفه جمهورهم. الْهَرابِذَة: هم عَبَدة النيران، واحدهم هِرْبذ. يزدان: خالق الخير بزعم المجوس. أهرمن: خالق الشر بزعمهم. الْهُمَامة، عند المانوية: روح الظلمة، وهو الدُّخَان عندَهم. كيومرث، هو الإنسان الأول عند المجوس. مشى ومشيانه، عندَهم بمنزلة آدم وحواء، زعموا أنهما خُلقا من ريباس، نبت من نطقة كيومرث. السوفسطائيون: هم الذين لا يُثبتون حقائق الأشياء، وهي كلمة يونانية. وأما ألفاظ الفلاسفة فقد ذكرتها في أبوابها، وبالله التوفيق.

الفصل السادس: في ذكر عبَدة الأصنام من العرب وأسماء أصنامهم

سُواع كان لِهُذَيل، ووَدٌّ كان لِكَلْب، ويَغُوث لِمَذْحِج وقبائل من اليمن وكان بدُومَةِ الْجَنْدَل، والنَّسْر لذي كُلَاع بأرض حِمْيَر، ويَعُوق لهَمْدان، واللَّات لثَقِيف بالطائف، والْعُزَّى لقريش وجميع بني كِنَانة، ومَنَاة للأَوْس والخَزْرَج وغَسَّان، هُبَل: كان في الكعبة، وكان أعظم أصنامهم، إِسَاف ونائِلَة كانا على الصَّفَا والْمَرْوَة، وسَعْد لِبَنِي مَلَكان بن كِنانة.

الفصل السابع: في أصول الدين التي يتكلم فيها المتكلمون

أولها: القول في حُدوث الأجسام، والرد على الدَّهْرِيَّة الذين يقولون بقِدَم الدَّهْر، والدلالة على أن للعالم مُحْدِثًا وهو الله تعالى، والرد على الْمُعَطِّلَة وأنه عز وجل قديمٌ عالِمٌ قادرٌ حَيٌّ وأنه واحدٌ، والرد على الثَّنَوِيَّة من المجوس والزنادقة، وعلى الْمُثَلِّثَة من النصارى، وعلى غيرهم ممن قالوا بكثرة الصانعين، وأنه لا يشبه الأشياء، والرد على اليهود، وعلى غيرهم من الْمُشَبِّهَة، وأنه ليس بجسم. وقد قال كثير من مُشَبِّهَة المسلمين بأنه جسم،١٧ تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وأنه جل جلاله عالِم، قادر، حي بذاته. وقال الجمهور غير المعتزلة إنه عالِم بعِلْم، وحَيٌّ بحياة، وقادر بقُدرة، وأن هذه الصفات قديمة معه، والكلام في الرؤية ونفيها وإثباتها، وأن إرادته مُحْدَثة أو قديمة، وأن كلامه مخلوق أو غير مخلوق، وأن أفعال العباد مخلوقة يُحْدِثُها الله تبارك وتعالى أو العباد، وأن الاستطاعة قبل الفعل أو معه، وأن الله تعالى يريد القبائح أو لا يريدها، وأن من مات مرتكبًا للكبائر ولم يَتُبْ فهو في النار خالدًا فيها أو يجوز أن يرحمه الله تعالى ويتجاوز عنه ويُدخله الجنة. وقالت المعتزلة: أهل الكبائر فُسَّاق ليسوا بمؤمنين ولا كفار، وهذه مَنْزِلَة بين الْمَنْزِلَتَيْنِ. وقال غيرهم: الناس إما مؤمن وإما كافر، وقالوا: الشفاعة لا تلحق الفاسقين. وقال غيرهم: تلحقهم، وأنها للفُسَّاق دون غيرهم. والدلالة على النبوة ردًّا على البراهمة وغيرهم من مبطلي النبوة، والدلالة على نبوة محمد ، والقول في الإمامة ومَنْ يصلح لها ومن لا تصلح له.
فهذه أصول الدين التي يتكلم المتكلمون فيها ويتناظرون عليها، وما سوى ذلك فهو إما فروع لهذه، وإما مقدمات وتوطئات لها.١٨
١  الدلالة عليه: أي أنه هو الموجود؛ إذ لا يُخْبَر عن معدوم بخَبر.
٢  الجواهر، جمع جوهر: وهو القائم بنفسه كالجسم المركَّب من طول وعرض وعمق، وضِدُّه الْعَرَض وهو الذي لا يَقُوم بنفسه بل بغيرِه كالألوان والصفات.
٣  الرَّجْعَة عند بعض الشيعة: يعتقد بعض الشيعة تناسُخ الأرواح؛ أي إنه إذا مات شخصٌ ما انتقلت رُوحُه إلى آخَرَ مطلقًا، سواءً أكان إنسانًا أو حيوانًا، ثم إن هذه الروح ترجع في ذات يوم إلى صاحبها الأصلي فيعود إلى الدنيا خَلْقًا جديدًا، وهذا من الخرافات بما لا مَزِيد عليه.
٤  الْمُحَكِّمَة: الْحَرُورِيَّة هم أصحابُ نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ، خرجوا على سيدنا علي لَمَّا أراد التحكيمَ بينَه وبينَ معاويةَ، وقالوا لا حَكَمَ إلا الله؛ فسُمُّوا الْمُحَكِّمَة. وقد قال سيدنا علي في قولهم هذا: كلمةُ حَقٍّ أُرِيدَ بها باطِلٌ.
٥  المعتزِلة: مِنَ الْقَدَرِيَّة، زعموا أنهم اعتزلوا فِئَتَيِ الضلالة، أي أهل السُّنة والخوارج. أو سُمُّوا بالْمُعْتَزِلَة لأن الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ المتوفَّى سنةَ ١١٠ سمَّاهم به لَمَّا اعْتَزَلَهُ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ، المتوفَّى سنةَ ١٣١، وأصحابُه إلى أُسْطُوانة من أُسْطُوانات المسجدِ في البصرة، وشَرَعَ يُقَرِّر القولَ بالْمَنْزِلَةِ بينَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وأنَّ صاحبَ الكبيرةِ لا مُؤْمِنٌ مُطْلَقًا ولا كافرٌ مُطْلَقًا بل هو بين الْمَنْزِلَتَيْنِ. فقال الحسنُ الْبَصْرِيُّ: اعْتَزَلَ عنا واصِلٌ.
٦  والكلام على هذه الْفِرَق وغيرها تجده مُفَصَّلًا مُطَوَّلًا في كتاب الْفِصَل في الْمِلَل والنِّحَل لابن حَزْمٍ الظاهريِّ المتوفَّى سنةَ ٤٥٦، وفي كتاب الْمِلَل والنِّحَل للشَّهْرِسْتاني المتوفَّى سنة ٥٤٨.
٧  توفي سنة ١٧٩ عن ست وثمانين سنة.
٨  توفي سنة ٢٠٤ عن أربع وخمسين سنة.
٩  توفي سنة ٢٤١ عن سبع وسبعين سنة.
١٠  توفي سنة ٢٧٠ عن أربع وستين سنة.
١١  حَصْر الأئمةِ بسيدنا الحسين السبط ومن بعده من نسله، من صُنع الشيعة وكَيْدِهم، وما ذِكْرُهم لسيدنا الحسن السبط معهم إلا تَقِيَّة، وإلا فإنهم يكرهونه ويزعمون أنْ لا نَسْل له وأنَّ امرأة من أزواجه ادَّعَتْ بعد وفاته أنها حاملٌ وولدت أنثى وماتت، وقد كذبوا فإن له نسلًا إلى يومنا هذا. وسبب كراهيتهم له ولنسله من بعده تبعًا له كونه تنازل عن الخلافة لسيدنا معاوية، وإنما لا يستطيعون التصريح بكرههم له لأنه أخو الحسين، وإنما يكرهونه فعلًا لا قولًا، والفعل أبلغ من القول. على أن حبهم للحسين أيضًا زَعْمٌ لا تصدقه الحقيقة وواقع الأمر، وإنما يُسِرُّون حَسْوًا في ارْتِغاءٍ، ووراءَ الأَكَمَة ما وراءَها.
١٢  عجيب جدًّا أن يكون الثلاثةُ واحدًا أو الواحدُ ثلاثة، تعالَى اللهُ عما يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرًا، إنما الله إله واحد.
١٣  يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: رَهَبُوتٌ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ، أي أن معاملة الناس بالشدة خيرٌ لهم من معاملتهم بالرِّفْق واللِّين، على خلاف ما كان عليه عثمان رضي الله تعالى عنه، وتاريخ الاثنين معروف.
١٤  وتلك الصور خيالية، صوروهم كما تخيلوهم.
١٥  السامرية: نسبة لموسى السامِرِيِّ الذي صَنع الْعِجْل من حلي قوم فرعون المغرَقين ليُضِلَّ به بني إسرائيل مع أنه تربية جبريل عليه السلام، وهو من أهل سامرا وهي مقاطعة تشمل نابلس إلى السلط في فلسطين. والسامريون قومٌ يشتركون مع اليهود في بعض العقائد ويخالفونهم في بعضٍ منها، وعددهم اليوم قليل جدًّا؛ إذ لا يبلغون عقد المِائة بِقَضِّهم وقَضِيضِهم. وقوله مدينة بالشام: توسُّع منه؛ إذ الشام تشمل فلسطين وسوريا ولبنان، وليس في فلسطين بلدة خاصة بهذا الاسم.
١٦  الدَّهْرِيَّة: نسبة إلى الدَّهْرِيِّ — بفتح الدال — وهو الْمُلْحِدُ القائل ببقاء الدَّهْر، أي الذي يقول إن العالَم موجودٌ أَزَلًا وأَبَدًا لا صانِعَ له. والدُّهْرِيُّ، بالضم: هو الذي طال عُمره، نسبةً أيضًا إلى الدَّهْر، بفتح الدال، على الشذوذ. والدُّهْرِيَّة بضم الدال أيضًا فِرْقةٌ من الكفَّار ذهبوا إلى قِدم الدَّهْر وإسناد الحوادث إليه، وقد عناهم القرآن الكريم بقوله حكايةً عنهم: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ.
١٧  بأنه جسم، ويُعْزَى هذا القول للحنابلة. قال الزَّمَخْشَرِيُّ في تَبَرُّئه من المذاهب:
وإنْ حَنْبَلِيًّا قُلْتُ قالوا بأنه
ثَقِيلٌ حلوليٌّ ملح مُجَسم
وفي كُتبهم كثير من الأقوال الدالَّة على اعتقادهم أن الله تعالى جسم وأنه مستوٍ على العرش كاستواء الناس، فانظر كُتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
١٨  ومن أراد تمام الاطلاع على ما مر فعليه بكتاب الفِصَل وكتاب الْمِلَل والنِّحَل كما قلناه سابقًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤