مقدمة

(١) لماذا كُتب هذا الكتاب؟ ولم كُتب الآن؟

يبحثُ هذا الكتابُ مُحاولاتنا لفهم ماهيَّة الذكاء ومساعينا لمُضاهاته في الماضي والحاضر والمستقبل. وهذا موضوع جوهري؛ لا لأنَّ الذكاء الاصطناعي قد تطوَّر بسرعة ليصير مظهرًا سائدًا من مظاهر حاضرنا، بل لأنَّه سيكون وبلا شكٍّ التقنية المُهيمنة في مُستقبلنا. إننا نرى القُوى العُظمى في العالم تستفيق أخيرًا لتُدرك هذه الحقيقة، كما نُلاحظُ أنَّ أكبر شركات العالم قد انتبهت لها منذ عدة سنوات. ونحن إذ لا نستطيع أن نتنبَّأ بدقةٍ بكيفية تطوُّر هذه التِّقنية ولا وفق أيِّ جدولٍ زمني، فإنني أرى أنَّ لزامًا علينا أن نُخطِّط لاحتمالية أن تتخطَّى الآلات مقدرة البشر العقلية على اتِّخاذ القرارات في العالم الواقعي. فما الذي سنفعله حينها؟

كلُّ ما في جعبة الحضارة الإنسانية وما وصلت إليه هو نتاجُ ذكائنا البشري، أما أن نضع أيدينا على مصدر ذكاءٍ أعظم بكثيرٍ مما لدينا، فسيكون هذا حدثًا فارقًا في تاريخ البشرية. غاية هذا الكتاب أن يُفسِّر لماذا قد يكون ذلك الحدث هو آخر أحداث التاريخ البشري، وكيف نحرص على ألَّا يكون كذلك.

(٢) عرض مُوجز لمُحتوى الكتاب

ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أجزاء. يستطلع الجزء الأول، في فصولٍ ثلاثة، مفهوم الذكاء في البشر وفي الآلات. لا تتطلَّب المادة المعروضة منك أي سابق معرفةٍ بالمجال التِّقني، لكن إن كنت ذا اهتمامٍ بالمجال، فالكتاب مُذيل بأربعة ملاحق يشرح كلُّ واحدٍ منها بعض المفاهيم الأساسية التي ترتكزُ عليها نظم الذكاء الاصطناعي الحالية. أما الجزء الثَّاني، فيُناقشُ في ثلاثة فصولٍ بعض المشاكل التي نجمت عن غرس الذكاء في الآلات. وأُركِّز فيه تحديدًا على «مُعضلة التَّحكُّم»؛ وهي كيف نُبقي على تحكُّمٍ مُطلقٍ بالآلات التي أصبحت أقوى منَّا. أما الجزء الثالث والذي يمتدُّ على مدى أربعة فصول، فيقترحُ طريقةً جديدة للنظر إلى الذكاء الاصطناعي ولضمان أن تظلَّ الآلات في خدمة البشر إلى الأبد. جدير بالذِّكر أنَّ هذا الكتاب يستهدف عامَّة القُرَّاء، لكني آمُلُ أن يكون ذا نفعٍ في حمل المُتخصِّصين في مجال الذكاء الاصطناعي على الاقتناع بإعادة التَّفكير في فرضيَّاتهم الأساسيَّة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤