الفصل الرابع

عصر البيزانطيين

من سنة ٣٩٦م إلى سنة ٦٤٠م

لا يوجد لدينا أي دليل نسترشد به بطريقة عامة في معرفة الخراج أو المساحة التي كان مربوطًا عليها في هذا العهد، فيكفينا أن نقنع ببعض معلومات جزئية في هذا الشأن.

تقول الآنسة رويارد في كتاب «إدارة مصر المدنية في عصر البيزانطيين» (ص٨٢):
إن مقدار الخراج الذي كان يُجبَى نقدًا من الولاية لم يكن بمعدل واحد؛ لأن القاعدة التي بُنِي عليها هي مقدار صلاحية الأرض ودرجات خصبها. والدليل على ما تقدَّمَ عريضةُ الشكوى التي قدَّمَها سكان أفروديتو إلى أمير طيبائيد،١ فقد قالوا فيها إن تربة قريبتهم رملية قليلة الخصب، والخراج المربوط عليها مساوٍ للخراج المفروض على باقي أراضي المنطقة، أيْ بواقع قيراطين عن الأرور من الأرض الزراعية، وثمانية قراريط عن الأرور من أرض الكروم، وهذا الذي ربط عليها وضعه مفتشون من قِبَل الإمبراطورية كُلِّفوا بتقدير الخراج على سائر أراضي الولاية.

ونتج من قاعدة تقسيم ضريبة الخراج إلى فئات متفاوتة حسب خصب التربة أن صار في حيِّز الإمكان تخفيض خراج قرية كذا أو كذا من قرى الولاية، سواء أكان ذلك بصفة نهائية أو استثنائية أم بسبب رداءة المحصول، وكان متى تَمَّ تقدير الخراج على كل قسم من أقسام الولاية لا يبقى لأجل تعيين الخراج الذي يُفرَض على كل قرية إلا تقدير مساحة أراضيها.

ومنذ عهد قسطنطين كانت القاعدة في توزيع الخراج على النواحي عدةَ أطيانِ كلِّ ناحيةٍ حتى لو كانت بلقعًا يبابًا وليس لها مالك، مراعاة للتضامن في المسئولية التي كانت ملقاة على مموِّلي الإمبراطورية. وكانت الحكومة للوثوق من تحصيل الخراج ولدفع انحطاط الزراعة الذي كان آخِذًا في الازدياد تُلزِم المزراعين الباقين بالقرية بعد هرب أصحاب الأطيان، وتركهم الأراضي تخلُّصًا من دفع خراجها؛ أن يضعوا أيديهم على الأرض التي زايلها ملاكها والأرض البور. وعندما قرَّر جوستنيان نظام الخراج توسَّع فيه وأدمجه في مجموعة قرارات كبار المشرعين الرومانيين، وإليك ترجمة مثال منقول من ورقة بردي وُجِدت بالقاهرة (رقم ٦٧٣١٣) بصدد نقل مسئولية الخراج:

عندما يترك ذوو الأطيان أرضًا عديمة الإنتاج ليضعوا خراجها على كاهل أهل القرية كانوا يفقدون بعملهم هذا حقوقهم في جميع ممتلكاتهم بها، وبما أن السكان الآخرين الباقين في تلك القرية كانوا مُلزَمين بدفع خراج الأرض المتروكة، كانت الحكومة تعوِّض هؤلاء بعض التعويض بمنحهم الأراضي الخصبة التي أُلزِم ملاكها بالتنازل عنها. ا.ﻫ.

وقالت المؤلفة أيضًا في الصفحة ١٢٤:
إن مصر بسبب أن مزروعاتها تحت رحمة فيضانات النيل وأخطارها أصبحت أقل الأقطار استعدادًا لتوزيع الخراج العيني بنسبة مساحة الأملاك، ولقد راعى قانون ديوكلتيان Dioclétien في ذلك التقاليد المصرية القديمة، واستمرت مراعاة خصب الأراضي المربوط عليها الخراج إلى القرن السادس، ففي مدينة أنطايوبوليس مثلًا قُسِّمت الأطيان بحسب حالتها إلى أرض مُعَدَّة للزراعة وجزر ومستنقعات وكروم وبساتين.
وعمل حساب أراتب القمح التي يجب جباتها عن كل أرور من هذه الأقسام، ففرض على الأرور من الأرض المُعَدَّة للزراعة من الأراتب، ومن المستنقعات و و من الإرتب، ومن البساتين و من الإرتب (راجع ورقة بردي القاهرة رقم ٦٧٠٥٧). ا.ﻫ.

ويُستخلَص مما سبق إيضاحه أن ضريبة الخراج كانت تُجبَى كما كان الحال في كل الأزمان نقدًا وعينًا.

أما بلدة أفروديتو (كوم أشقاو من قرى مديرية جرجا مركز طهطا) التي يتظلم سكانها من ربط قيراطين (٨ قروش) على كل أرور (١٥ قيراطًا و١٨ سهمًا) من أرض الزراعة (أيْ بواقع ١٥ قرشًا عن الفدان الواحد تقريبًا)، فكان معدن ترتبتها كما يُفهَم من هذه الشكوى أدنى من المتوسط العام لأطيان القُطْر.

وأما ناحية أنطايوبوليس (قاو الكبيرة من قرى جرجا مركز طهطا) فكانت الضريبة العينية على كل أرور من أراضيها الزراعية إرتبًّا وربع إرتب من القمح (٣ كيلات تقريبًا)، أيْ بواقع خمس كيلات عن الفدان الواحد بوجه التقريب، فإذا فرضنا أن ثمن الإردب ٣٥ قرشًا كان خراج الفدان الواحد أيضًا ١٥ قرشًا.

ويظهر أن أراضي هاتين الناحيتين الواقعة كلتاهما على تخوم الأخرى لم تكن معدودة من الأراضي التي بلغت من الجودة مبلغًا كبيرًا، كما يتبيَّن ذلك من تظلُّم أهالي الناحية الأولى، بل كانت أحط من المتوسط العام، وإنْ كانت تُعَدُّ في أيامنا هذه من الأطيان الجيدة.

وعلى ذلك نرى أن متوسط جباية الخراج عن الفدان الواحد في ذلك الوقت كان نحو الثلاثين قرشًا، وبضرب هذا المتوسط في ٦٠٠٠٠٠٠ فدان مساحة الأراضي المزروعة، يكون الناتج ١٨٠٠٠٠٠ج.م وهو جملة الخراج في هذا العهد.

١  طيبائيد: اسم أعالي مصر في ذلك العهد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤