مشاحنات

كان أول أيام ويل في العمل هو يوم الخميس الثاني من يوليو، وقد أمضى معظم اليوم في مقابلة الأشخاص الذين كانوا يعملون في ذلك اليوم الذي يسبق عطلة مدتها ثلاثة أيام، وفي تعلم كيفية مراجعة البريد الإلكتروني والبريد الصوتي لرئيسه الجديد. وكان ويل واثقًا تمامًا أن مهمته لن تكون صعبة، ولكنه كان يتمنَّى أن تكون شيِّقة على الأقل. وعلى الرغم من أنه كان يتوق إلى بعض الراحة، فإنه كان يعلم أيضًا أنه لا يطيق الشعور بالملل.

ولكن ما إن وصل ويل إلى العمل في صباح يوم الاثنين، أول أيام عمله الفعلية، حتى زالت عنه هواجسه بشأن الشعور بالملل.

فبعدما ذهبَ إلى مكتبه القريب من مكتب رئيسه الجديد، نظرَ بالداخل ووجدَ كيسي جالسًا إلى مكتبه يحدِّق في شاشة الكمبيوتر الخاص به كأنما تصلَّب في هذا الوضع. واستطاع ويل أن يرى من فوق كتفي كيسي أن الأخير كان يقرأ رسالة وصلته عبر البريد الإلكتروني. ولم يكن ويل يعرف إن كانت حالة الذهول هذه عادية، فتردد ثم طرق الباب الموارب.

وقال: «صباح الخير.»

فلم يُبدِ كيسي أيَّ رد فعل. شعرَ ويل بالارتباك، فعادَ إلى مكتبه وفتحَ الكمبيوتر الخاص به، وراجعَ البريد الصوتي. لم يجد شيئًا عاجلًا. ثم ألقى نظرة سريعة على البريد الإلكتروني الخاص بكيسي. ووجدَ ثلاثًا وخمسين رسالة. أراد أن يلقي نظرة عليها، لكنه رأى أن هناك أمرًا أهم عليه أن يقوم به أولًا.

كان معظم الموظفين الجُدد سيفضِّلون في ذلك الوقت الابتعاد عن مكتب رئيسهم حتى يبادر هو بمحادثتهم، ولكن ويل لم يكن كمعظم الناس. فقد عاد إلى مكتب كيسي ليعرف ما الخطب. كان كيسي قد كفَّ عن التحديق في جهاز الكمبيوتر الآن، وكان رأسه منحنيًا إلى أسفل حتى كاد يلامس سطح المكتب.

دخلَ ويل المكتبَ. وسألَ كيسي: «هل أنت بخير؟»

فلم يرد كيسي للمرة الثانية. وبدأ ويل يتوتر قليلًا. وكان لسان حاله يقول: «أهذا الرجل هو أحد من أقرب الناس إلى والدي؟»

عندئذٍ، رفعَ كيسي رأسه ببطءٍ والتفت إلى ويل وهو يحدِّق فيه كأنما يَزِنه بعينَيه. ولكنه في الواقع كان يحاول أن يعرف إلى أي مدى يستطيع أن يضع ثقته في مساعده الجديد، إن كان له أن يثق به في الأساس.

ولكن أدركَ حينها أن ويل هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يتحدَّث إليه. إنه سيحاول دون شك أن يناقش الأمر مع باتريشيا هذه الليلة. ولكنه كان يعلم أن زوجته — منذ قدوم طفلهم الرابع — لم يعد لديها وقت كافٍ لتقدم له المشورة فيما يخص مشكلات العمل. ولذا، لم تعد باتريشيا تشارك في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمل. وهو الآن بحاجة إلى أن يتحدَّث إلى أحد العاملين معه.

كان كيسي يود أن يُطلِع أعضاءَ فريقه على أسراره، إلا أنه لم يستطع القيام بذلك. فلا يمكنه أن يصرح بأمر كهذا. كان كيسي يفخر دائمًا بأنه يجعلهم بمنأى عن المشكلات الكبرى، ولم يكن هذا بالتصرف الأمثل.

كما لم يجُلْ بخاطره قط أن يتحدَّث إلى جيا في أمور العمل الخطيرة. فمع أنها كانت تهتم برئيسها على المستوى الشخصي، لكنها لم تبدِ قط اهتمامًا كبيرًا بأمر الشركة ككل.

ولذا، حاول كيسي أن يقنع نفسه بأن ويل مختلف. أولًا: لأنه ابن أحد أصدقاء الأسرة المقربين. ويبدو أنه حقًّا شاب ذكي. ثم إنه لا يُعد من موظفي شركة «يب»؛ لأنه سيرحل في بضعة أشهر على أية حال. وربما السبب الأهم من كل ذلك هو وجود ويل مصادفة هناك وفي هذا التوقيت. «لِمَ لا؟» برَّر كيسي لنفسه الأمر في يأس.

قال كيسي: «أغلق الباب واجلس يا ويل.»

وبمجرد أن جلسَ ويل، بدأ كيسي الحديث. فقال: «أودُّ أن أتحدث معك في أمر ما. وأرجو أن يبقى سرًّا بيننا. فأنا عادةً لا أُطلع جيا أو أيَّ شخص آخر على مثل هذه المعلومات.»

أومأ ويل معبرًا عن قبوله تحمُّل هذه المسئولية.

فقال كيسي: «لقد أخبرتُك أثناء المقابلة أننا ربما نبقى لبعض الوقت تحت المجهر.» صمتَ قليلًا ثم تابعَ: «حسنًا، يبدو أن شخصًا ما في بلاي سوفت يطمع في وظيفتي.»

فهم ويل الأمر برمته.

شعرَ كيسي بالدهشة والارتياح؛ لأنه اعترفَ بأمر مؤلم كهذا لأحد مرءوسيه دون أن يخجل. وأرجعَ كيسي السبب في ذلك إلى تعبيرات وجه ويل التي بدت مزيجًا رقيقًا من التعاطف والثقة.

تابعَ كيسي. وقال: «على أية حال، هو رجلٌ يجيد التآمر، وسوف يجعل أيام هذا الصيف أيامًا عصيبة عليَّ.»

شعرَ ويل بالحيرة. إنه يعلم أن كيسي بنى شركته من الصفر، وقد أخبره أحدهم للتو أنها ربما تُسلب منه، ولكن كيسي كان يبدو مستسلمًا أكثر منه غاضبًا. ولم يستطع ويل أن يتفهَّم ذلك.

سألَ ويل: «مَنْ هذا الرجل؟»

ردَّ كيسي: «اسمه جيه تي هاريسون. رئيس قسم تطوير الأعمال.»

ويل: «هل هو رئيسك؟»

كيسي: «ليس بالضبط. إنني أتبع رسميًّا رئيس مجلس الإدارة، ولكن هذا الرجل هو ساعده الأيمن. إنه هو مَنْ خطَّط للصفقة التي عقدتها شركته معنا. وله على الأرجح سلطة اتخاذ القرار.»

وعندما أدركَ ويل خطورة الموقف، عرف لماذا كان هذا الرجل — الذي يقولون عنه إنه فذٌّ — مُحبطًا. ولذا، انتقلَ تلقائيًّا إلى مرحلة حل المشكلة. فسألَ كيسي: «وما الذي سنفعله حيالَ هذا الأمر؟»

عندئذٍ، رنَّ جرسُ الهاتف. فتجاهله كيسي. وبعد التفكير في السؤال للحظات، وبعد أن ترك جرس الهاتف يرن مجددًا، أجابَ كيسي في النهاية: «لا أعرف حقًّا.»

أرادَ ويل أن يحتضن تلميذَ والده السابق، الذي بدا فجأةً كأنما أعيته الحيلة.

رنَّ الهاتف للمرة الثالثة وألقى كيسي نظرة على شاشته. ثم قال: «ويل، عليَّ أن أرد على هذه المكالمة. سأراك في اجتماع الفريق الساعة العاشرة. شكرًا لك.»

غادرَ ويل المكتب وأغلقَ الباب خلفه وهو يشعر بالأسى.

ولكن هذا الشعور لم يلبث أن اختفى فجأة بمجرد وصول ويل إلى مكتبه. وأحسَّ بأن هذه الوظيفة ستكون لها أهميتها على الرغم من كل شيء.

قرَّر ويل بيترسون في هذه اللحظة أنه سيفعل كلَّ ما في وسعه — مهما كان ضئيلًا — لكي يعين واحدًا من أحب الناس إلى والده على إنقاذ شركته ووظيفته. وكان باقيًا على موعد الاجتماع خمس وأربعون دقيقة، ورأى ويل أنه من الأفضل أن يبدأ التفكير في كيفية القيام بذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤