الأزمة

صارَ ويل يتحدَّث الآن كواحد من أساتذة الجامعة، وطرحَ سؤالًا: «ما هو أهم جزءٍ في أي فيلم؟»

لم يرد أحد، ولذا واصل ويل. فقال: «ليس الأمر صعبًا إلى هذا الحد، إذا كانت مدة الفيلم ساعتَين تقريبًا، فما هو أهم الأجزاء في هاتَين الساعتَين؟»

أجابَ كونر أولًا. فقال: «النهاية.»

أرادَ ويل أن يضفي جوًّا من المرح. فقال: «كم شخصًا يعتقد أن النهاية هي الإجابة الصحيحة؟»

رفعَ معظم الحاضرين أيديهم بالموافقة. ولكن ويل أصدرَ صوتًا كصوت جرس برنامج المسابقات معلِّنًا أن الإجابة خطأ: «لالالا… إجابة خطأ.»

فضحكَ الجميع.

وصاحَ تيم: «نقطة تحوُّل الأحداث!»

انتظرَ ويل حتى هدأت القاعة، ثم أصدر الصوت نفسه وقال: «إجابة خطأ للمرة الثانية.»

فضحكوا مجدَّدًا.

ووسط هذه الجلبة، تحدَّث كيسي. فصاحَ قائلًا: «البداية.»

أشارَ ويل إلى كيسي. وقال: «هذا هو الفائز. البداية هي الإجابة الصحيحة.»

تعالت صيحاتُ الجميع مازحين؛ إذ تفوَّق عليهم رئيسُهم.

تابعَ ويل. فقال: «وليست البداية فقط التي تمثِّل أهم أجزاء الفيلم؛ بل الدقائق العشر الأولى. أو الصفحات العشر الأولى إذا كنت تكتب سيناريو»، ثم توقَّف ليعطيهم فرصة لاستيعاب ما يقوله. ثم واصلَ كلامه: «لماذا تمثِّل البداية في رأيكم أهم أجزاء الفيلم؟»

أجابَ مات: «لأن الانطباعات الأولى تدوم.»

قال ويل: «صحيحٌ تمامًا. لأنك إذا فقدت المشاهدين في الدقائق العشر الأولى من أي فيلم، بمعنى أنك لم تستحوذ على انتباههم، فقد انتهى أمرك. سيقضون ما بقيَّ من مدة عرض الفيلم، مهما كانت روعة الأجزاء التالية، في القول: «هذا المشهد جيد. ولكن لسوء الحظ هذا الفيلم ممل جدًّا». ولكنك إذا تمكَّنت من الاستحواذ على انتباههم من البداية، فسوف يغفرون وجود مشهد ممل هنا أو هناك.»

كان جميع مَنْ في القاعة يومِئُون برءُوسهم مبتسمين كما لو كان كلٌّ منهم يتذكَّر فيلمًا يدعم وجهة نظر ويل.

أدركَ ويل أن الحديث عن الأفلام قد راقَ لهم، فواصل الحديث عن الموضوع نفسه. فقال: «فكَّروا في أفلامكم المفضَّلة. ربما يمكنكم تذكُّر المشاهد الافتتاحية. ستجدون أن ثمة شيئًا ما في هذه المشاهد جذب انتباهكم وأثار إعجابكم. وهذا هو ما يجب أن تفعلوه في اجتماعاتكم. أعطوا الناس سببًا كي يعيروكم اهتمامهم.»

كان كيسي يدوِّن ملاحظات، ثم نظر إلى أعلى فجأة. وقال: «أنا لا أفهم كيف تستطيع أن تجعل بداية اجتماع على نفس درجة إثارة المشهد الافتتاحي لفيلم لصوص التابوت المفقود.»

أقرَّ ويل: «أوافقك الرأي. ربما لا يكون الاجتماع على نفس الدرجة من الإثارة.» واستدركَ قائلًا: «ولكن من ناحية أخرى، يذهب الناسُ إلى دور السينما وهم يتوقون إلى قضاء وقتٍ ممتع. وهم في هذه الحالة يتوقَّعون الكثير. أما في الاجتماعات، فلا يتطلب الأمر جهدًا كبيرًا لإثارة انتباه الناس. إنهم لا يتوقعون في أغلب الأحوال إلا أن يوشكوا على الموت ضجرًا.»

تعالت ضحكاتُ الجميع.

كيسي: «هل تستطيع أن تعطينا مثالًا يبين كيف يمكنك أن تجعل موضوعًا جافًّا نوعًا ما يبدو مشوِّقًا؟» كان كيسي مصمِّمًا على استيعابهم لهذه النقطة.

أخذَ ويل نفَسًا عميقًا. وقال: «بالتأكيد. أرجو أن أستطيع. لنر ذلك. ليذكر أحدُكم موضوعًا لا يراه مشوِّقًا.»

انتظر الرد. وأخيرًا قالت صوفيا: «الميزانية.»

ردَّ ويل مازحًا: «حسنًا، لا يبدو هذا مشوِّقًا بالتأكيد.» فضحكَ زملاؤه، وضحكَ معهم تيم.

واصلَ ويل المحاضرة. وقال: «حسنًا. فلنقل إن الموضوع هو تخفيض الميزانية. أخبروني كيف نبدأ في العادة اجتماعًا لمراجعة الميزانية؟»

تدخَّل كونر واستغلَّ الفرصة ليمازح المدير المالي. فقال: «يطلب منَّا تيم عادةً أن نذهب إلى الصفحة رقم ٤٢ في كتيب الميزانية لدينا، ثم يطلب من كل فرد منا أن يقرأ بصوت عالٍ البنود المدرجة في جداول الاعتمادات المالية لدينا التي تكون المبالغ المخصَّصة لها من الميزانية أعلى من العام الماضي بنسبة تزيد على ١٥٪.» تظاهرَ كونر أنه يتثاءب وهوى برأسه إلى الطاولة كما لو كان فقدَ وعيه بسبب الملل.

ضجَّت القاعة بالضحك.

اعترضَ تيم مازحًا. وقال: «لا تبالغ، ليس الأمر بهذا السوء.» وتركهم يواصلون الضحك، ثم نظرَ إلى ويل. وقال: «في الواقع، قد لا تكون هذه مبالغة.»

حاولَ ويل أن يعيد الحوار إلى مساره. فقال: «حسنًا، كيف يمكنكم تغيير هذا الوضع؟ كيف سيبدو مشهدكم الافتتاحي؟»

لم يحِرْ أيٌّ منهم جوابًا.

«حسنًا. سأحاول أن أقوم بذلك.» ابتسمَ ويل كما لو كان على وشك الدخول في مغامرة. وقال: «سوف يلعب ويل بيترسون دور بديل تيم.»

فضحكوا جميعًا، وفجأة تقمَّص ويل الشخصية.

بدأ ويل الحديث قائلًا: «أعلم أن الساعتَين القادمتَين ربما تتسمان بالملل، وأن هناك مائة شيء آخر كان كلٌّ منا يفضِّل أن يقوم بها بدلًا من حضور الاجتماع. ولكن هناك أمورًا علينا أن نضعها في اعتبارنا في اجتماع اليوم. أولًا: يتمنَّى منافسونا لنا الإخفاق. ويأملون ألا نخصِّص الاعتمادات الكافية للدعاية، أو أن نعيِّن طاقم عمل إداريًّا كبيرًا للغاية. في حين يتمنَّى موظفونا لنا النجاح؛ لأن كل قرار نتخذه اليوم سيكون له أعمق الأثر في وظائفهم، فضلًا عن معنوياتهم. إن مصداقيتنا عندهم رهن الاختبار. وفي النهاية، لا أريد أن أجلس إلى مكتبي بعد تسعة أشهر من الآن أتساءل: «لماذا لم أبدِ اهتمامًا أكبر أثناء مراجعة الميزانية؟» ولذا، علينا أن نهتم بهذا الأمر وأن نؤديه بنجاح حتى نشعر بالرضا عن أنفسنا بقية العام.»

ثم توقَّف، وبعد بضع لحظات، ضجت القاعة بالتصفيق سخرية.

احمرَّ وجه ويل خجلًا. وقال: «حسنًا، هذا الأداء لا يرقى للفوز بجائزة الأوسكار، ولكنه أفضل كثيرًا جدًّا من البدء بقول: من فضلكم اذهبوا إلى الصفحة رقم ٤٢ في كتيب الميزانية لديكم …»

ضحكَ الجميع وأومئُوا بالموافقة.

ثم طرحَ كيسي سؤالًا. فقال: «حسنًا، ماذا بعد تلك الدقائق العشر الأولى؟»

ومع أن كيسي كان مستمتعًا بالمناقشة، فإنه لم يكن متفائلًا كبقية أعضاء الفريق. وقلَّ الميل إلى المرح عندما لاحظ الآخرون ذلك. ولكن ويل وحده كان يعرف أن كيسي ربما كان منشغلًا بالتفكير في جيه تي هاريسون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤