التنقيب

تابعَ ويل حديثه. فقال: «أعتقدُ أن الأمور تصبح أسهل بعد ذلك؛ لأن البداية هي أصعب جزء. فبمجرد أن تمهِّد للموضوع، يكون عليك فقط أن تستمر في البحث عن الصراع. عندما كنت أدرس الطب النفسي، تعوَّدنا أن نطلق على ذلك اسم التنقيب.»

لم يفهم كيسي ما يقصده. فسأل: «التنقيب؟»

شرحَ ويل المصطلح. فقال: «على كل واحد منَّا — وعليك أنت على وجه الخصوص بصفتك قائد المجموعة — أن تبحث عن النقاط التي تختلف حولها الآراء، وإن لم يطرح أصحاب هذه الآراء آراءهم على مائدة الحوار. وعندما ترى ذلك، يجب عليك أن تدفعهم إلى الإدلاء بآرائهم حتى يقول كلٌّ منهم ما عنده. فيجب أن تنقِّب باستمرار عن الصراعات الدفينة.»

تساءلَ مات: «ألن يستغرق ذلك وقتًا طويلًا؟»

اندهشَ ويل عندما ردَّت صوفيا. فقالت: «ما البديل؟ ألَّا يحُل الأمر، وأن يعود البعض بعد ستة أشهر ليقولوا: نحن لم نوافق قط على هذا القرار عندما بحثناه من قبل؟»

أحسَّ ويل أن أمرًا ما لم يكن واضحًا لكيسي. فسأله: «ما الخطب سيدي المدير؟»

قال كيسي بطريقة لا إرادية: «لا شيءَ.» ثم أضافَ: «يبدو الأمر فقط كما لو أن الناس يجب أن يصلوا دائمًا إلى اتفاق حول القضايا. وبصرف النظر إلى الوقت المطلوب لتحقيق ذلك، لا أعتقد أن هذا الأمر ممكن دائمًا.»

بدا ويل منزعجًا بعضَ الشيء بسبب تعليق كيسي. فسألَ: «هل ظهر من كلامي أنني أقصدُ الدعوة إلى التوصُّل إلى إجماع آراء؟» أومأ البعض برءوسهم. فقال ويل: «أنا سعيدٌ لأنك أثرت هذا السؤال يا كيسي؛ لأنني لم أقصد ذلك على الإطلاق! في الحقيقة، أعتقد أن إجماع الآراء شيءٌ سيئ للغاية.»

الآن بدت ميشيل حائرة. فسألت: «كيف يكون إجماع الآراء سيئًا؟»

عدَّل ويل تعليقه. وقال: «حسنًا، ربما بالغت في الأمر بعض الشيء. ولكني أقصد أن إجماع الآراء لا يمكن تحقيقه عادةً. ذلك أنَّ احتمال أن يصل ستةُ أشخاص أذكياء إلى اتفاق صادق وكامل حول موضوع معقَّد ومهم هو احتمالٌ ضعيف جدًّا.»

تساءلت ميشيل: «إذن ماذا نفعل؟»

ردَّ ويل: «تبدءُون مناقشة حماسية وحادة وغير منظمة ومثيرة تنتهي عندما يقرر قائد الفريق أن الحقائق كلها قد عُرضت. وعندئذٍ، إذا لم يقدم أيُّ شخص رأيًا مقنعًا بما يكفي لاتخاذ قرار، فيجب على القائد ترجيح كفة أحد الآراء.»

نظرَ التنفيذيون بعضهم إلى بعض ولسان حالهم يقول: «هذا يبدو جيدًا لنا.»

أكدَّ ويل ما جاء في محاضرته. فقال: «ولكن أودُّ أن أوضِّح لكم أمرًا. بمجرد اتخاذ القرار، يجب على الجميع مساندته بصرف النظر عن الموقف المبدئي لكل فرد. وهنا تكمن أهمية ألَّا يمتنع أحد عن قول كل ما يريده في أثناء المناقشة.»

بدأَ كيسي يستوعب الأمر. وقال: «ولهذا يجب أن ننقِّب عن الصراع، دون النظر إلى الوقت الذي يحتاجه ذلك.»

فقال ويل: «بالضبط»، وهو يشعر أنه يحرز تقدُّمًا.

قرَّر مات أن يقوم بدور المُعارِض، وهو دور كان يجيده تمامًا. ومن ثَم، اعترضَ على ويل بنبرة مازحة قليلًا ولكن تغلب عليها الجدية. فقال: «أنا آسف، ولكني أعتقد أن هذا كله هراء لا يمت لأرض الواقع بصلة. لا أظن أننا بحاجة إلى صراع. كما أنني لا أحبُّه على الإطلاق.»

ظلَّ ويل هادئًا. وسأله: «لماذا تظن ذلك؟»

أجابت صوفيا دون تردد. فقالت: «لأن الموقف عندئذٍ يغلب عليه الانفعال، ويغضب أحد الأشخاص، وسرعان ما يتهامس الجميع في الشركة عن عدم انسجام الفريق التنفيذي.»

فردَّ ويل مستدركًا. وقال: «ولكنهم بالفعل يتحدَّثون عن أنكم لا تخرجون من هذه الاجتماعات بأية قرارات.»

فأومأ كيسي مقرًّا بصحة ما قاله ويل.

وهنا تدخَّل مات. فقال: «أتعلمون؟ أنا لا أهتم بتلك الأمور. إذا انفعلَ البعضُ، أو غضبَ أحدُهم، أو بدأَ الآخرون يتشدَّقون بالكلام عن الفريق التنفيذي، فيمكنني أن أغضَّ الطرفَ عن هذا كله. إن ما يثيرني حقًّا هو إهدار الوقت. فأنا لا أريد أن أجلس وأشاهد الناس يتجادلون طوال اليوم. أُفضِّل لو كان كيسي يتخذ القرار فحسب ثم نعود إلى العمل.»

تدخَّلت صوفيا مرةً أخرى: «هل تمزح؟» ولم تنتظر إجابة عن سؤالها التقريري. ثم قالت: «أنا لا أتخيَّل كيف يمكن أن يكون الوضع أسوأ مما هو عليه الآن.»

شعرَ مات ببعض الضيق بسبب تعليق صوفيا. وسادَت حالة من التوتر في أرجاء القاعة للحظات، حتى تدخَّلت ميشيل.

قالت ميشيل: «أنا أتفق مع صوفيا. فنحن حاليًّا نهدر بالفعل كثيرًا من الوقت، ولا نزال عاجزين عن الوصول إلى موضع الداء. حتى لو استغرق الأمر وقتًا أطول، فعلى الأقل سيكون الأمر أكثر إثارة. فأنا أفضِّل أن أمضي ثلاث ساعاتٍ في بحث أمر ما والوصول إلى القرار الصحيح على أن أمضي ساعة واحدة دون الوصول إلى شيء.»

لم يكن مات مستعدًّا للاستسلام بعد. فقال: «لست واثقًا أن الأمر سيكون مثيرًا.»

اعترضَ كيسي. فقال موجِّهًا السؤال إلى مات: «أيُّ الاجتماعات التي عقدناها في الأشهر الستة الماضية كان الأكثر إثارة؟» فهزَّ مات كتفَيه بمعنى أنه لا يدري.

ابتسمَ كيسي. وقال: «هيا، الأمر واضح. إنه اجتماعنا اليوم. انظر إلينا. إننا نشارك في الحوار فعليًّا. وهناك اختلافٌ في الرأي بين أعضاء الفريق. هذا أمرٌ مثير للاهتمام.»

أومأَ مات مقرًّا بذلك، في حين كان الآخرون يستوعبون الدرس في صمت.

حتى كسرَ تيم حاجز الصمت. وقال: «انتظر لحظة، أعتقدُ أن الاجتماع السابق كان مثيرًا جدًّا، عندما طلبَ منا ويل أن نكف عن الحديث عن النزهة اللعينة.»

فضحكَ أعضاءُ الفريق.

ذكَّرهم كيسي مبتسمًا: «وكان السبب أيضًا هو الصراع.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤