قرطاجنة

قال عنها ياقوت بعد أن ذكر قرطاجنة Cartagena الكبرى التي بإفريقية: مدينة أخرى بالأندلس تعرف بقرطاجنة الحلفاء، قريبة من ألش من أعمال تدمير، خربت أيضًا لأن ماء البحر استولى على أكثرها فبقي منها طائفة، وبها إلى الآن قوم، وكانت عُملت على مثال قرطاجنة التي بإفريقية. ا.ﻫ.

وقال الشريف الإدريسي: ومدينة قرطاجنة هي فرضة مدينة مرسية، وهي مدينة قديمة أزلية، لها مرسى تُرسَى بها المراكب الكبار والصغار، وهي كثيرة الخصب والرخاء المتتابع، ولها إقليم قليل ما يوجد مثاله في طيب الأرض وجودة نمو الزرع فيه. ويحكى أن الزرع فيه يثمر بسقي مرة واحدة.

وجاء في نفح الطيب عن خصب الأرض في قرطاجنة أن الزرع في بعض أقطارها يكتفي بمطرة واحدة، ونقل عن صاحب «مَباهج الفكر» في حق قرطاجنة: وهي على البحر الرومي، مدينة قديمة، بقي منها آثار، ولها فحص طوله ستة أيام وعرضه يومان معمور بالقرى.

وجاء في دليل بديكر أن قرطاجنة هذه بلدة سكانها نحو من خمسين ألفًا، ولها أحسن مرفأ في سواحل إسبانية، وهي أعظم موقع حربي إسباني على شواطئ البحر الرومي، وفيها حصنان مبنيَّان على صخور بركانية شامخة، وهما مالكان للمرسى، وكان معدل عدد البواخر التي ترسو في ميناء قرطاجنة ١٣٨٠ في السنة، محمولها ما يقرب من مليوني طن. ويرفأ إليها أيضًا نحو من ٣٥٠ سفينة شراعية في دور السنة، وهذا كان في السنين التي سبقت الحرب العامة بقليل.

ويقال إن باني هذه البلدة هو أسدروبال١ خلف هاملكار القرطاجني الإفريقي الذي في سنة ٢٢١ قبل المسيح، بنى هنا قلعة جديدة وأطلق عليها اسم قرطاجنة وطنه، وقد افتتحها الرومان سنة ٣٠٩ قبل المسيح، وأقام فيها «بوليب» وهو وسيبيون سنة ١٥١، ووصفها بوليب وذكر ما هي عليه من المنعة، وكان فيها هيكل يقال له «أسكولاب أشمون» في مكان الحسن المسمَّى اليوم بحصن «الحبل بلادنس»، وحصنٌ آخر يقال له حصن «بارسيد» مبنيٌّ على الأكمة الشمالية بالقرب من باب «سُرَّتَه».

وكانت قرطاجنة في أوائل أيام الرومانيين تعد أعظم مدينة وأغنى مدينة في إسبانية، ثم تدنَّت أحوالها بعض الشيء في زمان «طاراكوا» الروماني، ولكنها بقيت مدينة تجارية عظيمة، وفي سنة ٥٨٩ بعد المسيح في زمن الإمبراطور موريس أجريت فيها تحصينات لوقايتها ممن كان يغير عليها من الإفريقيين، ولما استولى العرب على إسبانية كانت ذات شأن، وكان فيها مركز إمارة مستقل، وكان استرجاع الإسبانيول إياها سنة ١٢٤٣ المسيحية، إلَّا أن العرب طردوا الإسبان منها واستردُّوها، ثم عاد الإسبان فاستولوا عليها نهائيًّا في زمن جاك الأول ملك أراغون. ومن قرطاجنة هذه خرج الغزاة الإسبانيون الذين استولوا على وهران في بلاد الجزائر، وذلك سنة ١٥٠٩.

وفي قرطاجنة رصيف على الميناء ينتهي من جهة الشمال بحائط يقال له سور البحر، وأعظم شارع في البلدة يمتد من ساحة «سانتا كتالينا» إلى الشمال الغربي منها، وفي هذا الشارع حركة التجارة، وللبلدة باب شرقي تمتد منه طريق تمر على حصن يقال له حصن العرب Castillo de los Moros، وإلى الشمال الغربي باب يقال له باب مجريط القديم، وهناك ساحة يقال لها إسبانية، وغيضة نخيل، وفي قرطاجنة دار صنعة أنشئت سنة ١٨٧٦، تبنى فيها المراكب البحرية. وأمام مرسى قرطاجنة إلى الجنوب الشرقي جزيرة صغيرة يقال لها «إسكيمومبريرا Iscombrera»، وعلى تسعة كيلومترات من قرطاجنة مدينة «الأونيون Union»، يزيد أهلها على عشرين ألفًا، فيها معادن رصاص قلعي معروفة من زمن القرطاجنيين الإفريقيين والرومانيين.

ولم نعثر على أسماء رجال من أهل العلم منسوبين إلى قرطاجنة، ولا شك في أنها كانت كغيرها من مدن الأندلس في الاعتناء بالعلم والأدب؛ لأن الحركة العقلية في الأندلس كانت عامة؛ فإن لم نكن عثرنا على أسماء علماء منسوبين إلى بعض البلاد فيكون ذلك لفقد الوثائق لا غير. وقد وجدنا مترجمًا في تكملة الصلة لابن الأبَّار محمد بن حسن بن محمد بن خلف بن حازم الأنصاري، من أهل قرطاجنة عمل مرسية، أصله من سرقسطة، ولِّي القضاء في قرطاجنة زيادة على أربعين سنة، وكان له حظ من الفقه والأدب، وتوفي سنة ٦٣٢.

هوامش

(١) يحققون أن أصل اسم «أسدروبال» كما كان يتلفظ به الفينيقيون هو «أزربعل»، ومعناه عون الله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤