الحكيم ومَطالبُ الحكمة

كان يتكلم والطلبة حوله ينصتون.

كان يتكلم عن ذلك الاتجاه الفكري في القرن التاسع للهجرة، وقد دعاه العرب «فلسفة طبيعية».

فاستطرد الحكيم قائلًا: «وسمي هذا الاتجاه أيضًا فلسفة على الإطلاق من حيث إنه مقابل لفلسفة المتكلمين أو الفلسفة الكلامية.

وكان الطب أهم مباحث تلك الفلسفة المشار إلى المشتغل بها بالمزج المعتاد بين لفظتي حكيم وطبيب.

واستمرت تلك الأبحاث إلى القرن العاشر.

فكان أشهر القائمين بها الطبيب الرازي (المتوفى عام ٩٢٣ أو ٩٣٢).

عديدة هي الكتب المنسوبة إلى الرازي، وأكثرها رسالات وجيزة، وقد تشتَّت جزء يُذكر منها في مكاتب مختلفة.

ومن تلك المؤلفات كتاب في الكيمياء القديمة أهداه الرازي إلى أمير خراسان، منصور بن إسحاق الساماني.

ولما عجز الرازي عن أن يبرهن عمليًّا عمَّا أثبته في كتابه مبدئيًّا ضربه الأمير على وجهه ضربة أزالت بصره … انظروا إلى هذا التوحش!»

أحد الطلبة : «فعل الأمير ذلك لأن الاعتقاد بفعل الكيمياء القديمة ضرب من الأوهام، وملاحقة الأوهام توجب الردع؛ فعمل أمير خراسان لم يكن إذن توحشًا، بل عقابًا عادلًا.»
الحكيم (بعد سكوت قصير) : «إذن أنت ترى أن هذا الرجل استحق فقد عينيه؛ لأنه كان يلاحق ما دعوته أوهامًا؟»
الطالب : «نعم.»
الحكيم (بعد سكوت آخر) : «إذا كانت ملاحقة الأوهام والاعتقاد بها تستوجب عقوبة العمى، فمن ذا منا يا ترى؛ من ذا من البشر يا ترى يستحق أن يكون بصيرًا؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤