الفصل الثاني

الديمقراطية والتمكين

بعد أن استعرضنا الهدف والمعنى، وكيفية تحديد الهدف الشخصي والمؤسسي بصفة خاصة، فإن هذا الفصل سيساعدك على تحقيق تلك المهمة المحددة، بطريقة متطورة ومثيرة للحماس. وإذا كان الهدف هو القلب، فالديمقراطية والتمكين هما العضلات والرئتان؛ فهما يجعلان الهدف حقيقة كاملة، ويحققان النتائج على نفس المستوى من التقدمية والتجدد. ويتناول هذا الفصل طريقة تصرف المؤسسة.

كيف تتصرف الشركات عادةً في وقتنا المعاصر؟ إذا أمعنَّا النظر فسيبدو أن معظم الشركات في تصميمها وتصرفها، تحاكي النموذج العسكري الذي تكون فيه السيطرة لأصحاب المراكز العليا، والقائم على الأوامر والتحكم. بيد أنه من الواضح أن هذا الأسلوب غاية في البطء والغباء بالنسبة للقرن الحادي والعشرين، والعسكريون أنفسهم يوافقون على ذلك.

إن عالم ما بعد التصنيع مختلف على نحو واضح، وأية مؤسسات معاصرة أصبح لزامًا عليها أن تتعامل مع قوى مختلفة جذريًّا، عن القوى التي واجهت أسلافها من مؤسسات تعود لأجيال سابقة. إننا نواجه منافسة هائلة من مجموعة جديدة من المنافسين العالميين، واضطرابات في نظم الأسواق والمؤسسات بسبب التقدم التكنولوجي المستمر، وتغيرات هائلة في دور المؤسسات في المجتمع، وتوجهات متغيرة لقوى عاملة تتغير بدورها. هذا إلى جانب الحركة التي لا يمكن إيقافها، والساعية نحو إرساء مزيد من الوعي حول تأثير أفعالنا على العالم من حولنا؛ إنه بحث عن معنًى أسمى، وسلوكيات أكثر استدامة.

ولذلك يجب بالتأكيد أن تتطور طريقة توزيع السلطة واتخاذ القرارات. تخلق الشركات المعاصرة — التي تدرك ذلك بداهةً — طرقًا مبتكرة حقًّا لاتخاذ القرار، وتحيي أيضًا النماذج القديمة التي ازدرتها أوساط الأعمال.

ما تفعله تلك المؤسسات في جوهر الأمر، هو قلب المتعارف عليه رأسًا على عقب، وتقديم طرق أكثر ذكاءً وربحيةً وجودةً لاتخاذ القرارات في العمل.

إن فكرة الديمقراطية في حد ذاتها في العمل تعتبر فكرة ثورية، وتعتبر «المشاركة» من الكماليات، بينما أصبح التعاون كلمة رنانة جوفاء على نحو متزايد، بفضل شركات التكنولوجيا التي لا تنفك تردد أن نظامها سوف يعزز التعاون.

راودتني فكرة «الديمقراطية» في العمل لأول مرة، أثناء جلوسي على المكتب في وظيفتي الأولى (والوحيدة) بعد أن هجرت الدراسة الجامعية. كنت أستمتع بعملي، وبالتقدم الذي أحرزه، وتدرجت من التسويق عبر الهاتف (عمل مرعب) إلى تسويق المنتجات، وهي المهمة التي كانت ممتعة في شركة الاتصالات متوسطة الحجم التي عملت بها. كنت أحب زملائي، وأحترم مديري، وكان العمل ممتعًا، وكانت المشكلة الوحيدة هي أنني أثناء التقييم السنوي، طلبت زيادة راتبي لمستوى راتب زميل أكبر مني سنًّا، لكن أداءه ليس عاليًّا إلى حدٍّ كبير، فأجاب المدير: «أنت تُبلي بلاءً حسنًا بالنسبة إلى سنك.» ماذا؟! في هذه اللحظة شعرت أني لا بد أن أنتقل إلى بيئة لا يحدُّ فيها عمري تقدمي، ولحسن حظي عثرت مصادفةً على موقعي مجلتين أمريكيتين متخصصتين في ريادة الأعمال هما: مجلة «إنك»، ومجلة «فاست كومباني». وبدأت أتحمس لحلم إنشاء شركة خاصة بي. وفي يوم من الأيام أثناء تصفح موقع مجلة «إنك» وجدت مقالة غيرت حياتي.

كانت المقالة بعنوان «قوة الاستماع»، ومكتوبة عام ٢٠٠٣، وتروي قصة شركة تصنيع صناديق من الورق المقوى، يملكها اثنان من خريجي جامعة هارفرد، هما الأخوان سنتناري (يوجد رابط للمقالة كاملة في قسم «قراءات إضافية» في نهاية هذا الفصل). وفي ظل هذه السوق الصعبة التي تعج بالمنافسين، اتبع الأخوان في البداية ممارسات إدارة الأعمال التقليدية، فهما على أية حال تخرجا في كلية هارفرد للأعمال. ورغم ذلك، فبعد قضاء فترة عصيبة، بدآ يفهمان الأمر بوضوح، ومع ازدهار العمل، توصلا لأفكار حول نظام الإدارة المفتوحة، وغيرها من الممارسات المستنيرة. وسرعان ما وجدا نفسيهما يطالعان كتاب «المتفرد» لريكاردو سيملر، وفي هذا الكتاب وضع المؤلف — وهو رئيس تنفيذي برازيلي — أسلوبَ عملٍ مجنونًا تمامًا، أدى إلى ازدهار شركة التصنيع الخاصة به. (وبالمناسبة، كتاب «المتفرد» كتاب مشهور ومتداول منذ فترة، والأشخاص الذين قد لا تتوقع قراءتهم بالفعل لهذا الكتاب ربما يكونون قد قرءوه؛ وفيهم الموظفون الجدد المتوقعون؛ إن قراءة هذا الكتاب قد تصبح أشبه قليلًا بسِرٍّ خاص، يتشارك فيه المنتمون لحركة تطوير مجال الأعمال تلك، «آه، لقد قرأت كتاب «المتفرد»!» مع إيماءة رأس وابتسامة تدل على المعرفة!)

أخذ الأخوان سنتناري — بعد إلهام الكتاب لهما — ينفذان كل أنواع ممارسات التغيير الجذري، بما فيها نظام المحاسبة المفتوح، والتصويت على القرارات الأساسية (وأسفر هذا في بعض الأحيان عن سير القرارات في اتجاه مناقض لما تمناه الأخوان). طَبعتُ تلك المقالة، وتعهدتُ أنه في يوم من الأيام ستكون هذه هي طريقة عمل شركتي.

وبعد سنة أو ما يقرب من ذلك، أعطيت المقالة المطبوعة لشريك العمل الجديد توم نيكسون، وقد أعجبته أيما إعجاب. وقرأ كلٌّ منا كتاب «المتفرد» لريكاردو سيملر بشغف كبير، وأصبح كتابًا مقدسًا بالنسبة لنا، وبدأنا تأسيس شركتنا.

لكن لماذا؟ ما الذي دفع كل هؤلاء الأشخاص لإنجاز العمل على نحو مختلف؟ لماذا قد نرغب نحن — أو أنت أو أي شخص — في واقع الأمر في إدارة الشركات على نحو ديمقراطي؟

(١) لماذا نتخذ القرارات ونوزع السلطة على نحو مختلف؟

إذن لماذا تضع تلك المؤسسات الجديدة الاجتماعية بدرجة أكبر، أساليب ديمقراطية بديلة وثورية على ما يبدو، من أجل اتخاذ القرارات؟ يبدو هذا الأمر متأثرًا بثقافة الهيبيز، أليس كذلك؟ وقد يثير تعليقات ساخرة، مثل: «إذن إنكم تجلسون جميعًا في حلقة كبيرة كلما رغبتم في اتخاذ أحد القرارات؟» كم هذا سخيف! كم هذا مضحك!

الجواب البسيط هو: لأنه خيار منطقي؛ منطقي على صعيد الأعمال، وعلى صعيد المجتمع، وعلى صعيد الأشخاص.

خلال فترة تقدر بنحو خمس أو عشر سنوات، سيصبح هذا هو الاتجاه السائد. (وهو في طريقه لذلك بالفعل وبسرعة كبيرة). وعند ذلك الحين، ستكون الفرصة والميزة المتاحتان للشخص الجريء و«اللاعقلاني» — وآمل أن تكون أنت هو — قد فاتت، فالآن هو الوقت المناسب!

إليكم بعض العوامل الأساسية التي تدفع المؤسسات في عصرنا، لإضفاء مزيد من الديمقراطية على عملية اتخاذ القرار:
  • (١)

    قانون لينوس.

  • (٢)

    جيل الألفية.

  • (٣)

    الزمن الفعلي.

  • (٤)

    الإنترنت.

(١-١) قانون لينوس

لينوس تورفالدس هو واضع نظام التشغيل لينكس الذي يشغِّل أسرع عشرة أجهزة كمبيوتر خارقة في العالم، وهو الأساس الذي اعتمدت جوجل عليه عند تطوير نظام أندرويد. وقانون لينوس مسمًّى على اسمه. يقول القانون: «إذا توافر عدد كافٍ من العيون، فستصبح كل الأخطاء البرمجية سهلة الإصلاح.» والخطأ البرمجي هو مشكلة أو خلل، يربك المطور الوحيد، ويعجز عن إصلاحه. وعن طريق طرح المشكلة لنطاق مشاركة أوسع، كما فعل تورفالدس أثناء تطوير تقنية لينكس التي يعتمد عليها للغاية، تصبح كل الأخطاء البرمجية «سهلة الإصلاح».

حقق نموذج المصدر المفتوح — المدعوم بحكمة قانون لينوس — نجاحًا هائلًا، واستفدنا جميعًا منه. إننا نعيش في عالم تدار فيه أجزاء كبيرة من شبكة الإنترنت، اعتمادًا على برمجيات المصدر المفتوح التي تُشغِّل خوادم الإنترنت التي تتدفق من خلالها المعلومات يوميًّا. وقد صُنعت وتطورت برمجيات، مثل: خادم الويب أباتشي، الذي يشغل ٦٥ في المائة من خوادم الإنترنت، ومتصفح موزيلا فايرفوكس، على يد جماعات صغيرة وكبيرة من مطوري البرمجيات، الذين لم يلتقوا في الحياة الواقعية في أغلب الأحيان.

ومن الأهمية بمكان أن مجتمع مطوري البرمجيات، يرى أن لينكس وبرمجيات المصدر المفتوح في العموم، أكثر أمنًا وقوة وموثوقية، من البدائل التجارية؛ لأن قانون لينوس يسمح بتطوير شفرة هذه البرمجيات في ضوء الشفافية.

إن العمل الجماعي في شبكة مسطحة مترابطة، على نحو فضفاض، بطريقة الند للند؛ هو السبب في أهم تقدم في المجتمع البشري خلال الألف سنة الأخيرة (ألا وهو الإنترنت). ما يوضحه لنا قانون لينوس هو إمكانية تمخض منهج المشاركة الجماعية في الإدارة والإنتاج عن نتائج نهائية أعلى بمراحل في مستوى الجودة. هذا أحد العوامل التي تدفع المؤسسات نحو أساليب اتخاذ قرارات تتسم بقدر أكبر من الديمقراطية.

ومن ثم، فالسؤال الذي يواجهنا في المؤسسات في وقتنا الحاضر هو: هل لدينا عدد كافٍ من العيون المؤهلة للنظر في هذه المشكلة، وإذا كان الجواب لا، فكيف يمكننا حلها بالاستعانة بمنهج مختلف لصناعة القرارات التي نتخذها حول العمل؟ هل ساعدت الإسهامات الديمقراطية التي قدمها الكثير من الأشخاص في خلق أفضل الحلول الممكنة؟

(١-٢) إدارة جيل الألفية

الدافع الثاني نحو أساليب ذات قدر أكبر من الديمقراطية والمشاركة في العمل، هو أن فريقك ومؤسستك ككل تعج بأفراد من جيل الألفية، الذي أصبح يشكل، على نحو متزايد، جزءًا كبيرًا من قوة العمل. وهؤلاء الأشخاص لن يقبلوا بالتأكيد أسلوب الإدارة القائم على إصدار القرارات من المستويات الإدارية العليا إلى المستويات الإدارية الدنيا. ونظرًا لنشأة هذا الجيل في ظل عالم مختلف، فإن توقعاتهم من العمل مختلفة جذريًّا. «يميل جيل الألفية في بيئة العمل إلى تفضيل أسلوب إداري قائم على المشاركة الجماعية، ويكرهون البطء، ويريدون تقييمًا فوريًّا لأدائهم.» (فرانسيس سميث ٢٠٠٤). ومرة أخرى فإن: «السرعة، والتخصيص، والتفاعل — الارتباط المتبادل غير السلبي — من المتوقع أن يساعدوا في الحفاظ على تركيز جيل الألفية» (مارتن وتولجان، ٢٠٠٤). سوف تفشل إن لم تشرك هؤلاء الأفراد، لكن إذا كسبت دعمهم، وأشركتهم، واستعنت بهم في عملية اتخاذ القرارات التي تؤثر عليهم؛ فستحقق النجاح!

توجد فائدتان في هذا الصدد؛ أولًا: إن إشراك الفرق التابعة لك على نحو فعال في عملية اتخاذ القرارات سوف يحسن من جودة تلك القرارات (قانون لينوس). ثانيًا: العمل مع الموظفين، لا سيما موظفي جيل الألفية، سوف يعزز إلى حد كبير تفاعلهم مع تلك القرارات ذات الجودة الأعلى، وكذلك استعدادهم لإتمام العمل حتى نهايته، وأيضًا مشاعرهم وأفكارهم.

ومن ثم فإن وصول جيل الألفية يتيح لنا فرصة هائلة لتطوير طريقة صناعة القرار.

(١-٣) الزمن الفعلي

الدافع الثالث والملحُّ لانتهاج المزيد من الأساليب التي تمكن المؤسسة ككل، هو أن هذا العالم المترابط على نحو هائل وسريع التطور، يتحرك بسرعة، تجد مؤسساتنا صعوبة في مواكبتها. يوجد فصل كامل يتحدث عن ذلك لاحقًا في هذا الكتاب (انظر الفصل السادس الذي يتحدث عن سرعة التغيير). لكن باختصار، في الوقت الحاضر، لا يمكننا فحسب أن ننتظر وصول المعلومات ببطء إلى المستويات الإدارية العليا، ثم رجوعها مرة أخرى، في حين أن الأحداث والمعلومات التي تتدفق في الأسواق، تتحرك بسرعة كبيرة. وهو ما عبر عنه مسئول علاقات عامة في إحدى شركات السكك الحديدية الأوروبية الكبرى — خلال إحدى الفعاليات التي أسهم فيها كلٌّ منا — قائلًا: «في الماضي، عند حدوث إحدى الأزمات، اعتدنا أن يكون لدينا عشرون دقيقة قبل إذاعة الخبر، وخلال تلك الفترة نكون قد فهمنا الموقف، أما في الوقت الحاضر، فقد أصبح لدينا عشرون ثانية.» وازدرد ريقه متوترًا.

ومن المضحك أن الاعتراض على أشكال صناعة القرار المعتمدة على المشاركة والتمكين يكون غالبًا بحجة «ضيق الوقت». ربما يكمن التحدي الحقيقي هاهنا، في أننا ليس لدينا وقت للخوض في عمليات اتخاذ القرار التقليدية، ألا وهي التعرض لعقبات، ثم انتظار إعلان قرار معلق في المؤسسة كلها، بينما يحدث التغيير والتبديل في العالم الحقيقي. الوضع أشبه قليلًا بالقول المأثور: «الغالي ثمنه فيه» — وعلى عكس المتوقع يعبر هذا القول عن الضغوط التي نواجهها، دون ثرثرة بما لا طائل وراءه.

وهكذا في ظل طبيعة الزمن الحقيقي للعالم الذي نعمل ونعيش فيه حاليًّا، نحتاج إلى إعادة تشكيل وتحديث بنية اتخاذ القرار؛ كي نظل نتحرك بالسرعة نفسها التي يتحرك بها العالم خارج نطاق جدراننا الأربعة.

(١-٤) الإنترنت

الدافع الرابع الذي يحفز تغيير عمليات اتخاذ القرار هو — استعدوا للمفاجأة — الإنترنت! في الكتاب المتنبئ الرائع «انطلاق قطار التلميحات» كتب مؤلفوه عام ١٩٩٩ أن «الروابط التشعبية سحقت التراتبية الهرمية». وكما توقعوا، ففي ظل عالم تربط فيه الإنترنت جميع الأشخاص ربطًا شاملًا على المستويات كافة، بصرف النظر عن الاسم الوظيفي أو المنصب في الأنظمة الهرمية الرسمية، فإن تأثيرنا وانتباهنا يتجهان إلى الشخص الذي يستطيع حل المشكلة بالفعل.

على سبيل المثال، في وظيفتي الأولى والتقليدية الوحيدة، كانت توجد موظفة استقبال لطيفة تدعى مارجريت. كانت مارجريت تعمل في تلك الشركة منذ فترة طويلة، وتدين لها بالولاء، ولم يكن لديها إلا القليل من السلطة أو التأثير الرسميين، ورغم ذلك، فمتى بدأتَ التعرف على سير العمل، فستدرك أن هناك الكثير من الأسئلة والموضوعات التي لا يعرف إجابتها إلا مارجريت فقط.

واليوم يتواصل أمثال مارجريت عبر الإنترنت مع عدد كبير من الأشخاص الذين يبحثون عن إجابات. ولذلك نشهد انتشار ظاهرة المهندس الذي يحل مشكلات العملاء متطوعًا، خارج ساعات العمل الرسمي عبر موقع تويتر. ومدير الإدارة العليا الذي يستمع إلى العملاء الحقيقيين وينضم إليهم، دون الإفصاح عن اسمه؛ كي يفهم تقييمهم الصادق والمباشر الموجود على المنتديات، ذلك التقييم الذي لا يمكنه الاطلاع عليه عبر الوسائل التقليدية. وتطوير فرق ومناصب جديدة؛ لتقديم خدمة العملاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ استجابةً لمجموعة فرعية من العملاء الذين يعرفون أنهم يستطيعون الحصول على استجابة أسرع لمشاكلهم، عندما يحدثون جلبة بشكواهم على تلك الشبكات العامة. لقد سحقت الروابط التشعبية حقًّا التنظيم الهرمي. والهيكل التنظيمي للمؤسسة إما أن يساعد في ذلك، أو يعترض طريقه. ونتيجة لذلك، فإن طريقة تمكين الأشخاص لها تأثير ثانوي مباشر على طريقة أداء المؤسسة.

(٢) مزايا العمل القائم على المشاركة

في ظل هذه العوامل الأربعة، تستعين المؤسسات المعاصرة بقوة الديمقراطية؛ من أجل وضع مناهج لاتخاذ القرار، تتسم بالمزيد من الذكاء. وهذا يؤدي إلى فوائد قوية وملموسة للغاية على صعيد الأعمال، تشمل ما يلي:
  • تحقيق أعلى مستويات الارتباط من جانب العمالة، وهو الأمر الذي طالما ثبت أنه يؤدي إلى زيادة الربحية.

  • جذب أفضل المواهب، بما فيهم جيل الألفية (يوجد المزيد من المعلومات حول هذا الأمر في الفصل الثالث الذي يتحدث عن الأشخاص التقدميين).

  • زيادة التعاون؛ مما يؤدي إلى مزيد من الابتكار، وتقليل فرط الاعتماد على القلة القليلة من «مختزني المعرفة».

  • تحسين القدرة على التكيف داخليًّا على نحو أسرع، في ظل بيئة عمل متقلبة، وتتغير بشدة مع الظروف.

  • تحسين القدرة على التواصل على نحو فعال، وبالسرعة الجديدة للعمل، التي أصبحت أقرب — إلى حد كبير — إلى الزمن الفعلي؛ بفضل التكنولوجيا (انظر الفصل السابع الذي يتحدث عن الحمض النووي التكنولوجي).

(٢-١) إذن كيف تبدو الديمقراطية في عالم الأعمال؟

لنجعل الأمر عمليًّا ومفيدًا نحتاج إلى تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
  • الأخلاقيات والمبادئ.

  • أساليب صناعة القرار.

  • المحفزات الأساسية.

(أ) الأخلاقيات والمبادئ

أولًا، لكي تنجح في مسعاك لا بد أن تؤمن ببعض المبادئ الأساسية. والمبدأ الأساسي هو: «أؤمن أننا يمكننا الحصول على نتائج أفضل من خلال إشراك المزيد من الأشخاص المناسبين.»

إذا لم تستطع تصديق ذلك، فلن تحقق أي تقدم. بكل بساطة، يجب أن تؤمن وترى أن طرح الموضوعات والقرارات للمناقشة أمام المزيد من الأشخاص المناسبين، سوف يقود إلى نتائج نهائية أفضل. وكما هو الحال مع أي شيء جديد، فالأمر يتوقف على التحلي بالإيمان، والإقدام على التنفيذ. وبمجرد أن تنفذ، سوف تجني المكاسب. لكن كي تتخذ الخطوة الأولى في التنفيذ يجب أن تؤمن أن النتيجة يمكن أن تكون أفضل.

ثانيًا، يجب أن تبذل جهدًا في العملية، ثم تكون مستعدًّا لتحمل نتائجها. لن تمكن وتعزز حقًّا هذا الأسلوب في صناعة القرارات حتى تتأقلم مع قرار أوشك على الصدور، ولم يعد مصيره بين يديك، ويكاد يكون — لدواعي أسفك — النقيض التام لما تمنيته. يجب أن تكون العملية حقيقية، ويجب أن يبذل الجميع قصارى جهدهم من أجل جعلها حقيقية. وإذا ظهر أي دليل، إما على عدم دعمك الكامل لقرار اتخذته المجموعة، أو على أنك تزج فقط بالموضوعات السلسة والسهلة غير المهمة إلى عمليات صناعة القرارات الجماعية، فإنك سوف تفشل. يجب أن تكون العملية حقيقية! وهنا تكمن الإمكانية الهائلة، في الحقيقة والإثارة والقوة المشتركة المتمثلة في صنع قرارات حقيقية معًا.

هذان المطلبان هما الأصعب إلى حد كبير؛ لأنهما الأهم، وكل ما سواهما هو مجرد تفاصيل غير مهمة. الأمر سهل، أليس كذلك؟

ورغم ذلك، فبالنسبة للأشخاص الذين يشعرون بالخوف من تسليم مهمة صناعة القرار فجأة إلى عوامِّ موظفي الشركة الذين يصعب السيطرة عليهم، توجد خطوات وسيطة يمكن اتخاذها في هذه الأثناء.

في تجربة شركتي الخاصة، انتقلنا من الاشتراك في اتخاذ قرارات غير مهمة نسبيًّا، مثل: «هل نغلق الشركة في الفترة ما بين أعياد الميلاد المجيد حتى السنة الجديدة؟» إلى اتخاذ قرارات أكثر تأثيرًا وأهمية، مثل: «هل نرفض هذا العميل المتوقع بسبب دواعٍ أخلاقية؟» وأيضًا: «ما هي حزمة المكافآت التي سنعطيها للرئيس التنفيذي هذا العام؟»

لا توجد طريقة صائبة أو طريقة خاطئة لفعل ذلك، ولا توجد طريقة متفق عليها. ومع المضي قدمًا في الكتاب، ستجد طرقًا لجعل المؤسسة التي تعمل معها تسلك طريق التغيير الخاص بها.

(ب) أساليب صناعة القرار

يوجد عدد من أساليب صناعة القرار المتطورة، والموصى بها في أماكن أخرى، وهي تشمل ما يلي:
  • الأسلوب الديمقراطي.

  • الأسلوب السوسيوقراطي (الحكم الجماعي)/توافق الآراء.

  • الأفراد أو الجماعات المتمتعون بالتمكين.

سنتناول طريقة البدء في تطبيق هذه الأساليب بمزيد من التفصيل، بعد إلقاء النظر على مجموعة من الشركات الرائدة في هذا المجال.

(ﺟ) المحفزات الأساسية

عندما تعمل في بيئة، حيث فكرة المشاركة في اتخاذ القرارات هي آخر فكرة يمكن أن تخطر على بال أفرادها، قد يصبح من الصعب استيعاب فكرة أن أشخاصًا آخرين في المؤسسة، قد يكونون متحمسين للاشتراك على نحو أكبر في عملية اتخاذ القرار. قد يبدو الأمر من منظور تلك العقلية المتشككة أشبه قليلًا بقول: «لماذا سيرغب الموظف في فعل ذلك، من المؤكد أنه يرغب في الاكتفاء بالقدوم إلى العمل، والعودة إلى المنزل، وعيش حياة مريحة؟» قد يكون هذا صحيحًا بالنسبة لبعض الأشخاص، لكن ألا تعتقد أن معظم الأشخاص لديهم أفكار وإسهامات تتجاوز حياة «الانكباب على العمل» من التاسعة صباحًا إلى الخامسة عصرًا؟

نعاني في مجتمع الأعمال، من مشكلة تذكر وجود مزيد من المحفزات، تتجاوز المال وحده.

في الفصل الثالث الذي يتحدث عن الأشخاص التقدميين، سوف نتحدث عن هذا الأمر بمزيد من التفصيل، ولا سيما عن عمل البروفيسور ستيفن ريس، ونظريته عن الرغبات الأساسية الست عشرة. وبالنظر إلى القائمة التالية، أعتقد أن سبع رغبات على الأقل من تلك الرغبات الأساسية، يمكن أن تكون محفزات قوية للاشتراك في صناعة القرارات التشاركية:
  • المثالية: الحاجة إلى عدالة اجتماعية.

  • الاستقلالية: الحاجة إلى الفردية.

  • النظام: الحاجة إلى بيئات منظمة، مستقرة، متوقعة.

  • السلطة: الحاجة إلى تأثير الإرادة.

  • المركز: الحاجة إلى مكانة/أهمية اجتماعية.

  • السكينة: الحاجة إلى الشعور بالأمان.

  • الانتقام: الحاجة إلى القصاص/الفوز.

كل هذه الرغبات عبارة عن مخازن طاقة كامنة، تنتظر الاستعانة بها من خلال أساليب صناعة القرار الديمقراطية. فكر في أن:

«هذه هي فرصتي كي أحاول جعل سياسة الشركة الظالمة أكثر عدلًا.» «هذه فرصتنا للتحكم قليلًا في الأمور التي تحدث من حولنا.»

ألن يكون رائعًا الاستعانة بمثل هذه المحفزات الراسخة الموجودة داخلك وداخل الأشخاص من حولك؟

(٣) من يستطيع إلهامنا؟

ليزداد فهمنا لهذه الأفكار والنظريات، دعونا نلقِ نظرة على بعض المؤسسات التي تحصد المكاسب بالفعل.

(٣-١) ناماستي سولار

ناماستي سولار، شركة طاقة شمسية سريعة النمو، توجد في بولدر بولاية كولورادو. توفر الشركة تكنولوجيات الطاقة الشمسية، لعملاء من الشركات والسكان على حدٍّ سواء، وقد حققت ازدهارًا، حيث جاء ترتيبها في المركز رقم ٩٧٥ في قائمة أسرع ٥٠٠٠ شركة في النمو التي تصدرها مجلة «إنك». وبلغ معدل نموها مائة في المائة خلال الخمس سنوات الماضية، وحققت أرباحًا بلغت ٢٠ مليون دولار عام ٢٠١٠، ولديها حاليًّا ما يقرب من ٧٠ موظفًا، ٥٤ منهم «ملاك مشاركون» في الشركة.

إن أرقام النمو الهائلة ليست الأمر الوحيد المثير للاهتمام بشأن الشركة، فقد بدأت ناماستي منذ البداية كشركة تعاونية مائة في المائة؛ لذا تضم «ملَّاكًا مشاركين». ومع مرور الوقت، استجابت ناماستي لتطورها، وللتغيرات التي تحدث في العالم من حولها، واستمرت في تكييف طريقة عملها حتى وقتنا الحاضر. لا توجد حاجة لأن تكون تلك الهياكل التنظيمية المتبعة صارمة وغير مرنة، وهذا الموضوع سوف نعود إليه في الفصل الثامن الذي يتحدث عن الإدارة المالية العادلة.

إن حديث بليك جونز رئيس شركة ناماستي سولار عن الشركة، وهيكلها التنظيمي، وطريقة صناعة القرار بصفة خاصة، واضح على نحو غير تقليدي. يعتمد أسلوب شركة ناماستي على خمسة مستويات، من خلالها تتخذ القرارات، وهي كالتالي:
  • (١)

    مستوى الأفراد: على مستوى الأفراد، فإن الشركة تتبنى مبدأ حكم الجدارة، حيث يمكن للأفراد الاضطلاع بالمسئولية، اعتمادًا على كفاءاتهم المثبتة، والشعور بأنهم مخولون باتخاذ القرارات.

  • (٢)

    مستوى مراجعة الزملاء: تشير مراجعة الزملاء إلى عملية من خلالها يستشير أحد الملاك المشاركين عددًا من الملاك المشاركين الآخرين من أجل حل إحدى القضايا.

  • (٣)

    مستوى اللجان: عندما تقتضي الحاجة مزيدًا من المناقشة والتعاون العميقين، تتناول القضية إحدى «اللجان» و«الفرق» الكثيرة الموجودة في الشركة، وتتكون اللجان من متطوعين، في حين تتكون الفرق من أعضاء مجمعين معًا على أساس الدور الوظيفي.

  • (٤)

    مستوى الشركة: يصبح مطلوبًا إجراء تصويت على مستوى الشركة عند طرح قضية جديدة أو فائقة الأهمية، وعندها تتناول الشركة بأكملها القضية من خلال عملية تصويت ديمقراطي.

  • (٥)

    مستوى مجلس الإدارة: في الحالة النادرة التي لا يتخذ فيها القرار من خلال المستويات الأربعة الأولى لصناعة القرار، فإن مجلس الإدارة، الذي يتكون من خمسة من الملاك المشاركين المنتخبين (أي مالك مشارك يمكن أن يرشح نفسه لانتخابات مجلس الإدارة)، يصبح مخولًا بالتدخل وإصدار القرار.

أتلاحظ كيف تدفع هذه العملية بصلاحية اتخاذ القرار إلى يدي فريق ناماستي المكون مما يقرب من سبعين شخصًا؟

وبدلًا من أن يكون الخيار التلقائي هو اللجوء إما إلى المديرين أو إلى الفريق التنفيذي، تتمتع الشركة بأكملها بالتمكين، ويُشجَّع الأفراد على حل المشكلات في المستويات الأولى من مرحلة اتخاذ القرار حيثما أمكن ذلك.

المدهش أيضًا في نموذج ناماستي، هو النطاق العريض من الخيارات المتاحة، المتعلقة بطريقة صناعة القرار، دون أن يؤدي ذلك إلى حالة من الإرباك أو الفوضى. لا يوجد موقع افتراضي داخل الشركة لصناعة القرار، ولا إحساس بوجود مأزق معين يبطئ تقدم المؤسسة.

كيف يبدو العمل في مؤسسة يُعبَّر فيها عن صناعة القرارات بهذا القدر من الوضوح، وتوزع فيها العملية على هذا النحو من التساوي؟

بالمناسبة، هذا لا يعني القول إن مجلس الإدارة ينعم بالترف في عالم مريح، حيث لا يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة مطلقًا، ففي الغالب يستدعى مجلس الإدارة لأجل اتخاذ قرارات مهمة وباعثة على التحدي، ولهذا السبب فمن المهم للغاية بالنسبة لشركة ناماستي، أن يكون كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة مسئولًا أمام الملاك المشاركين. بالإضافة إلى أن مجلس الإدارة مدة حكمه قصيرة نسبيًّا: سنتان، فإن كل أعضاء المجلس لا بد من انتخابهم على نحو ديمقراطي من قبل الملاك، المشاركين بطريقة صوت واحد لكل فرد. إنها حقًّا شركة رائعة.

***

ناماستي في عام ٢٠١٠: حققت إيرادات بلغت ٢٠ مليون دولار أمريكي، وبلغ عدد موظفيها ٧٠ (٥٤ منهم من الملاك المشاركين).

(٣-٢) إتش سي إل تكنولوجيز

إتش سي إل تكنولوجيز، شركة عالمية رائدة في خدمات تكنولوجيا المعلومات، تركز على «التعهيد التحويلي». يقع مقر الشركة في نويدا في الهند، ولديها ما يزيد عن ٨٠ ألف موظف، موجودين في مكاتب في ٢٦ دولة، وتعمل مع قاعدة عملاء من مجالات كثيرة، تشمل: الخدمات المالية، والتصنيع، وخدمات المستهلك، والخدمات العامة، والرعاية الصحية. يبلغ حجم أعمال الشركة حوالي ٤ مليارات دولار في العام، وهو ليس بالمبلغ القليل!

ومثل كثير من الناس، لم أسمع عن قصة شركة إتش سي إل تكنولوجيز حتى وجدت كتاب «الموظفون أولًا، العملاء ثانيًا» لمؤلفه فينيت نايار الرئيس التنفيذي للشركة. إنها قصة رائعة تروي كيف خاضت شركة كبيرة عملية تحول — كي تستمر في الازدهار على نطاق كبير — من خلال ممارسات إدارية جديدة جذرية، وأخلاقيات تقلب العقلية التقليدية المتمثلة في «العملاء أولًا» إلى عقلية «إذا فعلنا الصواب مع موظفينا، فسوف يزدهر العملاء نتيجة لذلك.»

ما فعلته شركة إتش سي إل تكنولوجيز هو أنها تخلصت مرة واحدة، من فكرة أن المشاركة لا يمكن أن تنجح على نطاق واسع في الشركة. وتعرض قصتها كذلك منظورًا مفيدًا وقائمًا على أسسٍ لكيفية خوض مؤسسةٍ كبيرةٍ قائمةٍ، لمثل هذا النوع من التحول. إن دراسات الحال المنتمية لمثل هذا النوع قليلة ونادرة، والرواد الأوائل يستحقون الثناء والدعم. (من الأمثلة الأخرى التي تستحق الاطلاع عليها شركة الرعاية الصحية الأمريكية دافيتا.)

في كتاب «الموظفون أولًا، العملاء ثانيًا» يحدد نايار خمس ممارسات رائعة وعملية تطبقها شركته الكبرى:
  • (أ)

    الاستقصاء الشامل.

  • (ب)

    بوابة أنت وأنا.

  • (جـ)

    منصة الخطط «ماي بلوبرينت».

  • (د)

    مكتب الخدمة الذكي.

  • (هـ)

    مجالس «الموظفون أولًا».

فيما يلي سوف نلقي نظرة على الممارسات الثلاث الأولى، وأوصي بشراء الكتاب بشدة، وقراءة القصة الكاملة لشركة إتش سي إل تكنولوجيز.

(أ) الاستقصاء الشامل

كما تعلمون، في الاستقصاء الشامل التقليدي يحصل الفرد على التعقيب من جميع المحيطين به؛ من المرءوسين في حال كونه مديرًا، ومن أقرانه، ومن مديره، ومن بقية أعضاء الإدارة العليا. وفي الاستقصاء الشامل الخاص بشركة إتش سي إل تكنولوجيز، تجاوزت الشركة هذا المنهج التقليدي بطريقتين، أولًا: أي شخص يشعر أن أحد المديرين له تأثير على أدائه، فبإمكانه الاشتراك في الاستقصاء الخاص بهذا المدير. ثانيًا: أي شخص يشارك في الاستقصاء، بإمكانه رؤية النتائج بعد ذلك. يمكنك أن تتخيل إلى أي مدى أدى ذلك الأمر إلى زيادة هائلة في الشفافية في التقييمات، ونقل المسئولية جذريًّا إلى المديرين بدلًا من الموظفين. وفي الواقع، هذا مثال رائع على تطبيق قانون لينوس، من خلال الترحيب بإسهامات الغرباء، والآراء المتنوعة؛ كي تحصل الإدارة على تعقيب ومعرفة، يتسمان بأفضل جودة ممكنة. ما علاقة ذلك بالديمقراطية والتمكين؟ علاقة في غاية القوة! إن هذا المنهج يدمر الطبقية على نحو كامل، ويعيد تقديم الجدارة، ويحول السلطة إلى القاعدة الشعبية، ويوسعها إلى نطاق أكبر، ونتيجة لذلك يؤثر مباشرةً على السلطة واتخاذ القرار في شركة إتش سي إل تكنولوجيز.

هل توجد طريقة لبدء مشاركة نتائج تقييم الأداء الخاص بك مع فريقك، ودعوة مزيد من الأشخاص للمشاركة في تقييم أدائك؟ سوف نتطرق مرة أخرى لهذه الممارسة في الفصل الرابع الذي يتناول القيادة الواعية.

(ب) بوابة أنت وأنا

صمم نايار وفريقه في شركة إتش سي إل تكنولوجيز منصة أنت وأنا؛ بهدف فتح أبواب مكتب الرئيس التنفيذي (وقاعدة نفوذه) على نحو فعال؛ من أجل السماح لأي شخص، في أي مكان في قوة العمل، بطرح الأسئلة. وهذه المنصة متاحة لكل الموجودين في شركة إتش سي إل تكنولوجيز، ويمكن الاطلاع على كل من السؤال والسائل والجواب.

ويغير هذا إلى حد كبير، قدرة الإدارة العليا على الاختباء من الأسئلة الصعبة، ويعزز قدرةَ كلِّ مَنْ في المؤسسة على طرح الأسئلة.

وكما كتب نايار، فقد علقت مجموعة من الموظفين على ذلك: «هذا أكبر تغيير رأيناه في شركة إتش سي إل تكنولوجيز منذ سنوات.» يأتي هذا التغير الكبير في الثقافة، من وضع المعتقدات حيز التنفيذ، وفتح المجال فعليًّا أمام مناقشة الموضوعات التي تهم الأشخاص في المؤسسة. (على نحو مشابه، فإن شركة زابوس، التي سنتحدث عنها في الفصل القادم، تصدر نشرة إخبارية داخلية شهرية تسمى «سَلْ أيَّ سؤال» وفيها يستطيع الموظفون طرح أي سؤال، والحصول على إجابات علنية على أسئلتهم.)

هل توجد طريقة يمكنك من خلالها استخدام التكنولوجيا البسيطة والسهلة (في الفرق الصغيرة ستكون الجلسات النقاشية المفتوحة أو رسائل البريد الإلكتروني كافية!) من أجل الكشف عن المعلومات المتعلقة بالفساد والحديث عن «الموضوعات الشائكة المسكوت عنها»، ومن خلال ذلك تشجع المزيد من المشاركة الفعالة من جانب الموظفين؟

(ﺟ) منصة الخطط «ماي بلوبرينت»

في حين أن الممارستين الأوليين من تلك الممارسات الإدارية، تتعلقان في جوهرهما بالاتجاه نحو المزيد من المشاركة — من خلال تمكين التواصل والشفافية الحقيقيين — فإن الممارسة الثالثة قاعدية إلى حد أكبر؛ حيث تتعلق بوضع الاستراتيجية معًا، بدلًا من وضعها وفقًا لاعتبارات التسلسل الوظيفي، أو وضعها اعتمادًا على عقلية الصومعة المنعزلة.

وفي ممارسة منصة الخطط «ماي بلوبرينت»، جعلت شركة إتش سي إل تكنولوجيز ٣٠٠ من المديرين، المسئولين عن إعداد خطط العمل في مجالات تخصصهم، يضعون «خططهم» الفردية الخاصة بالعام المقبل، ثم يشاركون تلك الخطط مصحوبة بعرض تفصيلي صوتي عبر منصة شبيهة بموقع فيسبوك تسمى «ماي بلوبرينت». وبعد ذلك أصبحت تلك الخطط متاحة لما يزيد عن ٨٠٠٠ مدير آخر؛ لاستيعابها، ومراجعتها، وتقييمها.

والنتائج تتحدث عن نفسها: «شعر الجميع بأنهم قادرون على المساهمة في عملية التفكير والتخطيط، وفهم الناس التحديات على نحو أفضل، وتحملوا مسئولية الخطة، واستطاعوا الاصطفاف مع الاستراتيجية على نحو لم أرَهُ من قبل قط.»

هذه قوة المشاركة العميقة والهادفة في إدارة مؤسساتنا، من أجل الحصول على حلول أفضل، وتحقيق إيمان أكبر، ومستويات ارتباط أعلى. إن إتش سي إل نموذج إرشادي ملهم، لقدرة المؤسسات الكبرى على تحقيق ذلك التحول.

***

إتش سي إل تكنولوجيز عام ٢٠١١: بلغت إيراداتها ٣ مليارات دولار أمريكي، وبلغ عدد موظفيها ٨٢ ألف موظف.

(٣-٣) أبل والقادة أصحاب الرؤية — الأمثلة المناقضة؟

أحد أكبر الصراعات غير المحسومة بالنسبة لي في النموذج الديمقراطي، يلخصه على نحو رائع السؤال: «ماذا إذن عن شركة أبل؟» وفقًا للأقاويل والدراسات، فقد كان ستيف جوبز يُخضِع شركة أبل لإدارة في غاية التحكم وشديدة الطبقية. كانت إدارات كاملة منعزلة في سرية، وكان الأشخاص يعملون على أجزاء صغيرة من المنتج المستقبلي قيد التطوير، ولا يرون مطلقًا المنتج الكامل الذي يُسهمون في تطويره إلا في النهاية. وكان ستيف جوبز نفسه قاسيًا للغاية على نحو واضح في تعاملاته مع الناس.

إذا كانت كل هذه الأمور صحيحة، فإنه يبدو حقًّا أن شركة أبل تطرح مثالًا مناقضًا قويًّا لنظام العمل الديمقراطي، وأنها حقًّا نقيض قانون لينوس، ففي هذه الحالة، بدلًا من الكثير من العيون، يوجد فقط القليل من العيون «المناسبة».

في ذلك النموذج، صنعت الشركة بعضًا من أعظم تصميمات المنتجات في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. لقد غيرت وجه الحوسبة الشخصية، والموسيقى، والهواتف المحمولة، والصناعات التليفزيونية (كما يشيع البعض على الأرجح وقت كتابة هذا الكتاب).

ما الذي يمكن قوله حيال ذلك؟ ليست لديَّ أجوبة، حتى الآن على الأقل. ربما يوجد شيء ما متعلق بمرونة الشركات شديدة الاعتماد على بعض القادة أصحاب الرؤى. يبدو من الفظاظة قول ذلك بعد وفاة جوبز، لكن الشركة لم تكن حقًّا معتمدة عليه فحسب، بل اعتمدت على قلة من الأشخاص الرئيسيين. وعلى الأرجح أيضًا يوجد شيء مختلف فيما يتعلق بعمر المؤسسة حال اعتمادها الشديد على قائد صاحب رؤية. ربما يستطيع النموذج الديمقراطي طرح برنامج عمل يمتد لفترة أطول، مقارنة بنموذج الشركة التي يقودها قلة من الأشخاص الرئيسيين، أليس كذلك؟

وبعيدًا عن شركة أبل، وعودة إلى الشركات التي تدار بطريقة ديمقراطية، سنجد أن القاسم المشترك بينها هو القيادة ذات الرؤية. إن إشراك الكثير من الأشخاص يتطلب في الواقع رؤية وجهد شخص أو شخصين فحسب، إنها مفارقة وحقيقة بسيطة من حقائق الحياة في الوقت نفسه؛ من أمثال هؤلاء: سيملر في شركة سيمكو (ذُكر في مقدمة هذا الفصل)، بليك في شركة ناماستي، فينيت في شركة إتش سي إل، فضلًا عن كينت؛ ذلك الرئيس التنفيذي صاحب الرؤية الذي طور شركة دافيتا (أشرنا إليه بإيجاز، ولم ندرسه بإمعان في هذا الكتاب). أو ربما يحتفي العالم بالقادة القلائل التقدميين، بما يكفي لرؤية تلك الفرص، والذين يتمتعون بالقدر الكافي من الالتزام للاستفادة الكاملة منها، ربما تلك هي حقيقة الأمر. إن العالم يبالغ في الاحتفاء بهم لأنهم مختلفون للغاية.

أنا لا أملك جميع الإجابات، لكن إذا أردنا توسيع نطاق هذه الحركة، وإذا أردنا تحقيق التغيرات التي نريدها، فسيصبح لزامًا علينا على الأقل، إلقاء نظرة على مكامن المشكلات ومواجهة ما نعثر عليه.

كيف يمكن أن تبدأ رحلتك نحو العمل الديمقراطي؟

أنت الآن على الأرجح مستعدٌّ — إن لم تكن متلهفًا — للتعامل مع الجانب التطبيقي، بحيث تبتعد عن الجدل النظري، وتتجه إلى الخطوات العملية!

إليك طريقة تحقيق ذلك:
  • (أ)

    اعترف بأنها رحلة.

  • (ب)

    أعلن عن الحلم وفوائده.

  • (جـ)

    شارك الحِمْل.

  • (د)

    استعد، أطلق، صوِّب.

(أ) اعترف بأنها رحلة

إنها رحلة تخوضها شركة ناماستي وشركة إتش سي إل، وهي رحلة مستمرة تخوضها الديمقراطيات السياسية حول العالم، ولطالما كانت كذلك لآلاف السنين.

إن إنجاح الديمقراطية عملية تكرارية، فأنت لن تحققها في خطوة واحدة، والأمر نفسه ينطبق على داعميك، وشركائك، وزملائك. اعترف بذلك. اعلم أيضًا أن هذا الأمر سيتطلب صبرًا كبيرًا، ويستغرق وقتًا طويلًا، ويتطلب عملًا مضنيًا، وستوجد تحديات بالتأكيد.

على سبيل المثال، في شركتنا كان آخر تحديات صناعة القرارات متعلقًا بإجازة الأبوة مدفوعة الأجر، وقد أثار هذا الموضوع اثنان من أعضاء الفريق سيصبحان أبوين عما قريب، وكلاهما يتسم بالمهارة والولاء للشركة. ولسبب ما، فإن الطريقة التي كنا نتبعها في السابق في اتخاذ مثل هذه القرارات لم تنجح مع هذا الموضوع؛ فنظرًا لزيادة عدد أعضاء الفريق، وانخفاض المبيعات في الصيف؛ مما جعلنا جميعًا حريصين على الموارد المالية — فقد صوتنا على رفض طلبات واقتراحات «مزايا» سابقة أثناء عملية الإعداد الجماعي للميزانية. لقد تغير السياق، لكن أساليبنا المرتجلة التي تعلمناها أثناء العمل لم تتغير.

في الجولة الأولى من المناقشة، التي قصدنا أن تكون بسيطة، لم نحدد القرار المتوقع على نحو واضح، ولم نفحص الخيارات أو النتائج، وكانت طريقة اتخاذنا القرار معًا غير واضحة وغير مجربة، وسرعان ما ساء الموقف.

وفي الجولة الثانية، حاولنا مرة أخرى، وكان الموقف لا يزال صعبًا ومحبطًا، وبدأ يضع علاقات مهمة بين الزملاء والأقران على المحك. شعرت بضغط شديد من أجل تقديم نتيجة إيجابية (أو على الأقل من أجل تقديم قرار نهائي من أي نوع!) وشعرت بضغط كي أحافظ على وحدة المجموعة وسلامة العلاقات. تزايد شعور العزلة والقلق والمرارة لدى الزميلين اللذين تقدما بالاقتراح، بينما شعر بقية الفريق بالعجز والتشتت والضيق. إن عملية اتخاذ القرار هذه لم تكن على مستوى السرعة المطلوبة!

وفي النهاية، استعنا بأصدقاء قابلناهم من خلال مجتمع منظمة وورلد بلو، من العاملين بشركة فيوتشر كونسيدريشنز لاستشارات القيادة والتنمية الثقافية، وقد قدموا لنا دعمًا قيمًا للغاية؛ إذ سهل الرئيس التنفيذي للشركة مارك يونج المناقشات، وعلَّمنا إطارَ عمل جديدًا لاتخاذ القرارات الجماعية، وساعدنا في التوصل لخيارات أساسية متعلقة بالقرارات المستقبلية التي سوف نتخذها.

لدينا المزيد من المهام لإنجازها، مثل: ترتيب ما اتفقنا عليه في آخر جولة من جولات اتخاذ القرار، وتوثيقه، وتعزيز الطرق الجديدة لدى كل أفراد الفريق. إنها رحلة لم تنتهِ بعد.

تحكم في توقعاتك. وذكر نفسك بالأهداف، والرؤية، والفوائد. وتحلَّ بالإيمان عندما تشتد الظروف!

(ب) أعلن عن الحُلْم وفوائده

دون إيمان مَن حولك، سيكون كل الجهد المبذول لبثِّ الديمقراطية في العمل عبثيًّا تمامًا. إن ما تفعله هو اتباع الطريق البديل، إنك تسلك منعطف اليسار الريادي، في حين يتوقع منك العالم أن تسلك منعطف اليمين المجرب والمثبت.

في البداية يوجد مقوِّمان لكسب الدعم هما: الحُلْم والفوائد.

الحُلْم هو الرؤية، المرتبة الأسمى التي تصبو إليها، المرج الذهبي الذي تغمره أشعة الشمس، حيث تحلو الحياة وتطير الفراشات بسعادة من زهرة إلى أخرى. هذا هو النصف العاطفي من الرسالة، الذي يناشد الجانب الأيمن من الدماغ، ويستميل القلب.

الفوائد هي الفوائد! إنها النتائج الإيجابية التي سوف تنتج عن الديمقراطية في العمل، ولإيجادها تحتاج إلى العثور على إجابات مادية ملموسة لهذا السؤال: «ماذا سأستفيد/سنستفيد من ذلك؟» يجب أن تكون الإجابات متعلقة بالعمل، وقابلة للقياس، ومصمَّمة لإرضاء معظم المتشككين والمترددين في المؤسسة. هذا هو النصف الواقعي من الرسالة، الذي يناشد الجانب الأيسر من الدماغ.

يمكنك الاطلاع على بعض الفوائد عالية المستوى، بالرجوع قليلًا إلى بداية هذا الفصل.

ولاحقًا، سيكون لديك مؤثر أكثر قوة من الحلم والفوائد: ألا وهو الطاقة والالتزام، الصادران عن الأشخاص الذين يقترحون القرارات وينفذونها، من خلال مشاركتهم في اتخاذ القرارات الكبرى والإدلاء برأيهم. إنه تعويذة سحرية بالغة القوة، قوة لا يمكن إيقافها أو تزييفها في واقع الأمر. عند هذه المرحلة تصبح فكرة الديمقراطية في العمل برمَّتها واقعًا قويًّا وليس مجرد حلم يقظة، لكن يجب أولًا أن تصل بهم إلى هذه المرحلة.

(ﺟ) شارك الحِمل

لا يمكنك فعل ذلك بمفردك، ويجب ألا تفعل ذلك (إنها الديمقراطية!) ابحث عن الأشخاص الذين تعلم من خلال حدسك أنهم يجدون هذا الموضوع مثيرًا، وكوِّن منهم مجموعة أساسية، وشجع كل عضو في هذه المجموعة على شراء نسخته الخاصة من كتاب «المتفرد» لريكاردو سيملر (أو ربما كتاب «الموظفون أولًا، العملاء ثانيًا» إذا كنت في مؤسسة كبيرة للغاية)، وبعد ذلك التقوا وتبادلوا الملاحظات.

وإذا كان الأمر مناسبًا لثقافة شركتك، فأطلق اسمًا على هذه المجموعة، وليكن مجموعة عمل أو مجلسًا؛ فالأمر متروك لك (لكن في الوقت الراهن أوصيك بالابتعاد عن كلمة «لجنة» لأنها لن تثير سوى المتشككين). اطلب من هذه المجموعة أن تَكُون الفريق المسئول عن المشروع، أن يكونوا الأشخاص الذين سيحققون الهدف. ضعوا الخطة معًا، وتقابلوا بانتظام، وأنجزوا المهام فيما بين هذا وذاك، وأثناء فعل ذلك ستنشرون الخبرة، والإيمان، وتخلقون المرونة الضرورية للمسعى برمته.

ويجب أن تكون المسئوليات الأساسية لهذه المجموعة — مع مرور الوقت — هي خلق إطار عمل لاتخاذ القرارات، يكون بوضوح وشمول إطار عمل شركة ناماستي سولار، وتوفير التعلم المؤسسي اللازم لإصدار قرارات جيدة على نحو عملي، ومن خلال إطار العمل المذكور؛ أي من خلال تقديم فرص للممارسة والتعلم.

أثناء مشاركة الحِمل، احرص أيضًا على التواصل مع الأشخاص الآخرين، الذين سلكوا هذا الطريق البديل. من الأمور التي تحدث عند البدء في سلوك ذلك الطريق البديل لإدارة العمل، هو أن مجموعة الأقران تبتعد عن المؤسسات العادية التقليدية التي لا تُعد ولا تُحصى، وتقترب من مجموعة من المؤسسات أصغر عددًا، وأكثر ترابطًا إلى حدٍّ كبير. ونتيجة لذلك، قد يكون من الصعب ألا تشعر بالوحدة.

من المجموعات التي وجدنا أنها مفيدة حقًّا، منظمة مفعمة بالحيوية تدعى وورلد بلو، لا مثيل لها في المهمة التي تقوم بها، والمتمثلة في تحقيق الترابط بين القادة ورواد الأعمال التقدميين. من خلال قائمة وورلد بلو السنوية لأكثر الشركات ديمقراطية، تخلق المنظمة الاعتزاز والشهرة لمجتمع الشركات الديمقراطية، لكن المهم حقًّا هو اعتماد هذه القائمة على أداة استقصاء شاملة مفيدة للغاية في تحديد مكان المؤسسة على طريق رحلتها نحو التحول إلى مؤسسة ديمقراطية قدر الإمكان.

أسست ترايسي فينتون منظمة وورلد بلو، وتمثلت مهمتها في نشر مفهوم الديمقراطية في العمل. إنها مجموعة متفانية مكونة من أشخاص يعملون بلا كلل نحو تحقيق مهمة رؤية مليار شخص يعملون في مؤسسات ديمقراطية. يا له من هدف رائع ومدهش، يستحق حقًّا وصف هدف عظيم.

اتصل بمنظمة وورلد بلو لمعرفة ما إذا كانوا يستطيعون مساعدتك في التواصل مع المؤسسات الأخرى الموجودة على صعيدك المحلي، والتي تتبنى قيمًا مشابهة، وفي رحلتها إلى الديمقراطية. اجعل تلك المؤسسات تشارك تجاربها مع مجموعتك أو مع مؤسستك ككل.

وأخيرًا، شجِّع الشك والتحدي داخل المجموعة الداخلية، إذا كنت تريد تنفيذ هذا الأمر لنهايته لا بد أن تكون على دراية بآثاره السلبية، ولا تجد غضاضة في التعامل معها. يجب أن تكون المجموعة متفائلة واقعية، وليست تبشيرية خيالية.

(د) استعد، أطلق، صوِّب

في مرحلة ما ستكون مضطرًّا للبدء فحسب. ركِّز فقط ونفِّذ، كما يقول بعض الناس. أو استعد، أطلق، صوِّب. ولأنها رحلةٌ وتجربةُ تعلُّمٍ في حد ذاتها، فإنها يجب أن تعتمد على التكرار. ونظرًا لكونها عملية تعتمد على التكرار، فبمجرد الانطلاق ستبدأ المؤسسة في الاستفادة من التعلم، فالانتظار سيؤجل التعلم فحسب.

وبمجرد أن تتحول العملية عن كونها مجرد حرب شخصية مقدسة، ويظهر نوع من الإيمان الجماعي، فاختر قرارًا لاتخاذه بطريقة ديمقراطية.

ضع توقعات لما يحتمل حدوثه خلال تلك الجلسة الأولى التي ستتسم حتمًا ببعض العشوائية. ذكِّروا أنفسكم بالحُلم والرؤية، وجرِّبوا اتخاذ أحد القرارات معًا، ثم ابحثوا عن طريقة مناسبة للاحتفال. تعد أولى تجارب اتخاذ قرار ديمقراطي في العمل حدثًا جللًا لم يحققه معظم الناس في حياتهم المهنية. أحسنتم صنعًا!

(٤) عمليات وأدوات محددة

من الناحية العملية، عند التفكير في طريقة اتخاذ مثل هذه القرارات، فإنه من المفيد إلقاء نظرة على أكثر الأساليب استخدامًا.

(٤-١) صوت واحد لكل فرد

أبسط مظاهر الديمقراطية هي قاعدة «صوت واحد لكل فرد». بهذه الطريقة سوف تحتاج إلى الاتفاق على النصاب القانوني، أي الحد الأدنى من عدد الأفراد اللازم لاتخاذ القرار جماعيًّا، والاتفاق على نسبة الأصوات التي يمكنها تنفيذ القرار. إنهما قراران مهمان متعلقان بتصميم طريقة اتخاذ القرار، ويمكن تعديلهما مع مرور الوقت. وفي البداية، جرب خطوة بسيطة، مثل قول إن ٨٠ في المائة من الفريق أو المؤسسة ككل يمثل النصاب القانوني و«الفوز لأغلبية الأصوات.»

قاعدة «صوت واحد لكل فرد» نقطة انطلاق جذابة؛ لأنها في غاية البساطة. من الصعب حدوث خطأ فيها. ورغم ذلك، ومع مرور الوقت، سيجد بعض الأشخاص أن سهولتها محبطة، فهذا الأسلوب يمكن أن يخلف فائزين وخاسرين في كل قرار، وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون المجموعة الخاسرة أقل بقليل من نسبة ٥٠ في المائة من إجمالي الفريق أو الشركة، وهذا يمكن أن يكون مثبطًا للعزيمة تمامًا بالنسبة لمجموعة كبيرة ومهمة من الأشخاص. ولهذا السبب ظهر الحكم الجماعي وفكرة توافق الآراء، وسنتناول هذه الموضوعات عما قريب.

(٤-٢) بطاقة إنجازات وورلد بلو

لدعم مهمتها في رؤية مليار شخص يعملون في مؤسسات تدار بطريقة ديمقراطية، صممت وورلد بلو بطاقة إنجازات مقدمة من خلال منصة استقصاء عبر الإنترنت. وكما لك أن تتوقع، فإن بطاقة الإنجازات رائعة في مساعدتك على قياس ما وصلت إليه المؤسسة من إنجاز اليوم، في ضوء معايير معينة طورها فريق وورلد بلو، وفي ضوء مجموعة كبيرة من البيانات المتراكمة عبر سنوات من الاستخدام، مع مؤسسات أخرى من مختلف الصناعات والأحجام والبلدان.

لاستخدام بطاقة الإنجازات يجب أن تكون عضوًا في وورلد بلو، وللعضوية عدد من الفوائد القيمة، لا سيما أن استخدام هذا المصدر وحده يُوصى به بشدة.

(٤-٣) توافق الآراء والسوسيوقراطية (الحكم الجماعي)

بعض المؤسسات التي تمارس الديمقراطية في العمل تجد أنفسها تطبق ممارسات «أكثر تقدمًا» لاتخاذ القرار، حيث تضيف بعض الدقة والتعقيد البسيط إلى الإجراءات. إن السوسيوقراطية (الحكم الجماعي) منهج يلجأ إليه كثير من المؤسسات.

تحذير سريع: أعتقد أن تطبيق الحكم الجماعي فعال للغاية، ونحن في المراحل الأولى من تطبيقه في مكان عملي، ورغم ذلك فإنه قاعدة أو نظام في حد ذاته، يتطلب قدرًا مفصلًا من التعلم والممارسة. ولذلك فإننا في هذا الكتاب سوف نلقي نظرة على المبادئ، لكنك ستحتاج إلى معرفة المزيد (إلا إذا كنت من الأشخاص الذين يتَّسمون بالعبقرية في اتخاذ القرارات) قبل تطبيق هذه الأفكار في العمل. انتهى التحذير!

صيغت لفظة «السوسيوقراطية» في أواخر القرن التاسع عشر على يد فيلسوف فرنسي، وتطورت «السوسيوقراطية» في شكلها الحالي في منتصف القرن العشرين على يد اثنين من المتنورين الهولنديين، الأول كان معلمًا يدعى كيس بوكه، ثم تطورت فيما بعد على يد تلميذه جيرارد إندنبيرج.

ويتمثل جوهر السوسيوقراطية فيما يلي: في ظل الديمقراطية التي يتمتع فيها كل فرد بصوت واحد، تخضع الأقلية إلى الأغلبية، وفي الغالب تتكون الأقلية من مجموعة كبيرة من الأشخاص، الذين يرون في أغلب الأحيان أن القرار الذي وقع عليه الاختيار أبعد ما يكون عن تلبية احتياجاتهم. ولذلك، فبدلًا من التوصل إلى حل وسط، فإن المجموعة — سواء أكانت شعبًا يصوت أم شركة مكونة من ٢٠ شخصًا — تنقسم بين معسكرين منفصلين أو أكثر. وبدلًا من ذلك، فإن السوسيوقراطية تهدف إلى اتخاذ قرارات تُصنع على نحو تعاوني من قبل المجموعة، وتكون تلك القرارات مرضية — في النهاية — للمجموعة ككل. وهذا يعني أنه عند مرحلة الاتفاق على القرار لا يظل لأي شخص في المجموعة أي اعتراضات قائمة. يبدو الأمر حالمًا، أليس كذلك؟

(٤-٤) إذن كيف تطبق السوسيوقراطية؟

حدد إندنبيرج — الذي تناول الدراسات الأولى حول اتخاذ القرارات على نحو سوسيوقراطي، وطبقها عندما تولى إدارة شركة والديه التي كانت تعمل في الهندسة الكهربائية — أربعة مبادئ أو «قواعد» لتصميم طريقة اتخاذ القرار، وهي كالتالي:
  • (أ)

    اتخاذ القرارات المتعلقة بأمور السياسات بتوافق الآراء.

  • (ب)

    تنظيم دوائر.

  • (جـ)

    الربط المزدوج.

  • (د)

    الانتخابات بتوافق الآراء.

(أ) اتخاذ القرارات المتعلقة بأمور السياسات بتوافق الآراء

في حين أن القرارات التشغيلية يمكن اتخاذها باستخدام أي شكل من أشكال اتخاذ القرار تتفق عليه المجموعة (مثل استخدام طريقة صوت واحد لكل فرد، أو تمكين أحد الرؤساء التنفيذيين أو إحدى اللجان لاتخاذ القرارات في مجال معين)، فإن كل الموضوعات المتعلقة بالسياسات تُتخذ القرارات بشأنها من خلال توافق الآراء. (توافق الآراء يعني ألا يكون لدى أي شخص خوف كبير جدًّا من القرار المتوقع لدرجة أنه «لا يستطيع تحمله». وفي حالة توافق الآراء يستطيع الجميع تحمل القرار المقترح، حتى إذا كان بعيدًا جدًّا عن القرار المثالي المنشود.)

(ب) تنظيم الدوائر

أكثر ما يثير اهتمامي هو استخدام السوسيوقراطية للدوائر في التنظيم. وعلى هذا النحو، فإن شركة استشارات مثل شركتنا من الممكن أن يكون لها دائرة قيادة، ودائرة ابتكار، ودائرة عملاء، ودائرة تسويق. ويكون لكل دائرة مسئولية متعلقة بمجال معين فوضت رسميًّا للاضطلاع بها، فضلًا عن كونها شبه مستقلة (تقريبًا كما هو الحال مع الخلايا الإرهابية — آسف إذا كان هذا التغير في التشبيه كبيرًا أو مزعجًا!) في لغة الأعمال العادية، قد تضطلع الدائرة بالمسئوليات على غرار ما تفعله مجموعة العمل، أو اللجنة، أو فريق البرنامج، أو مجموعة التوجيه، لكن الدوائر تتصرف على نحو مختلف للغاية؛ نظرًا لأسلوبها في اتخاذ القرارات داخل المجموعة.

(ﺟ) الربط المزدوج

مفهوم الربط المزدوج هو ما يحافظ على وحدة المؤسسة السوسيوقراطية، ويحول دون أن تصبح مجموعة مختلطة من الدوائر المستقلة. إنه تفكير تصميمي رائع، والدوائر هرمية في واقع الأمر؛ فكل دائرة ترسل مندوبًا للدائرة الأعلى منها، والدائرة الأعلى ترسل مندوبًا للدائرة الأدنى منها أيضًا. وبهذه الطريقة، فإن في كل دائرة يوجد فيها عضوان يقومان أيضًا بدور كامل في الدائرة الأعلى والدائرة الأدنى، وبعيدًا عن الدائرة العليا، التي تكون عادة أشبه بمجلس إدارة أو فريق تنفيذي لديه مندوب من الدائرة الدنيا التي تليه، ولا يمكنها إرسال أي شخص للأعلى لأنه لا دوائر تعلوها! إن تصميم الدوائر بهذه الطريقة يربط المؤسسة السوسيوقراطية، وكل رباط مزدوج يتيح قنوات ناقلة، ويحمل المعلومات، ويحقق ارتباطًا ضروريًّا.

(د) الانتخابات بتوافق الآراء

الأدوار والمسئوليات داخل الدوائر، ومنها الاضطلاع بدور مندوب في دائرة أخرى، يُتَّفَق عليها داخل المجموعة عن طريق توافق الآراء. وعلى هذا النحو يمكنك أن ترى إلى أي مدى هذه الهياكل التنظيمية أفقية وتشاركية. يمكن تلخيص الأمر كما يلي: «حسنًا، نحن دائرة التسويق، هذه هي الأهداف التي حددتها بقية المؤسسة، ما هي إذن الأدوار التي نحتاج إلى تقسيمها فيما بيننا، ما هي المهام التي سيضطلع بها كل منا؟» هذه هي السلطة شبه المستقلة التي تمتلكها الدائرة.

إذا كان هذا يثير إعجابك، فابحث بالطبع عن مزيد من المعلومات. يوجد مجتمع من المؤمنين بهذا الأسلوب والممارسين له، وتوجد مؤسسات يُحتذى بها في أدائها الجيد القائم على الاستعانة بتلك الممارسات، فضلًا عن وجود قدر هائل من المصادر والكتب المتاحة عبر الإنترنت.

فيما يتعلق بموضوع توافق الآراء عند اتخاذ القرارات، فقد كنتُ محظوظًا على نحو كافٍ إذ استمعت إلى لاري دريسلر، الأستاذ الحقيقي في مجال اتخاذ القرارات التعاونية، يروي قصصه وخبراته في مؤتمر وورلد بلو لايف. ألف لاري كتابين، هما «الإجماع من خلال الحوار» و«الوقوف في النار». وهذان الكتابان مذكوران في قسم قراءات إضافية في نهاية الفصل.

(٥) الجانب المظلم للديمقراطية في العمل

قبل الانتهاء من هذا الفصل، من المهم للغاية الاعتراف بأنه بالإضافة إلى الأسئلة التي أوضحناها سابقًا، بشأن التوتر بين القادة أصحاب الرؤية وبين المشاركة العريضة، فإن الديمقراطية في العمل ليست دائمًا هي السياسة الأسهل في الاتباع أو التمسك بها.

قد يكون اتخاذ القرارات على نحو ديمقراطي بطيئًا ومكلفًا؛ ففي بعض الأحيان يتطلب الأمر مشاركة الكثير وليس فقط القليل من الأشخاص، وأحيانًا يمكن أن تتطلب القرارات من الأشخاص جزءًا كبيرًا من وقتهم (فالحوار المفصل يمكن أن يستغرق عدة ساعات). وفي سياق ضغوط العمل العاجلة والحاجة إلى إنجاز المهام، يمكن أن يكون هذا الأمر من الصعب تحمله، لا سيما بالنسبة للأشخاص الذين يظلون ملتزمين الحياد.

والأسئلة فيما يتعلق بهذا الصدد هي:
  • ماذا سيكلفنا اتخاذ قرار غير جيد؛ أي قرار لم يخضع للاختبار من قِبَل مجموعة متنوعة من الشخصيات والخبرات؟

  • ماذا سيكلفنا اتخاذ قرار لا يؤمن به أحد أو لن يلتزم به أحد، أو حتى لن يقاومه أحد بحماس؟

  • هل عمليات اتخاذ القرار تدفع قدرًا كافيًا من المسئولية إلى الأفراد أو إلى «المجموعات الصغيرة»، أم هل نحاول أن نشرك الجميع على نحو أكثر مما ينبغي؟

في المؤسسات جيدة التصميم التي تدار بطريقة ديمقراطية تكون القرارات أسرع دون شك؛ لأنها تُتخذ في الوقت اللازم لاتخاذ القرار أو على مقربة منه، أي تُتخذ في اللحظة الحاسمة.

ورغم ذلك، لا شك أنه في بعض الظروف تكون عملية اتخاذ القرار على نحو ديمقراطي أكثر بطئًا وتكلفةً في المراحل الأولى، على الرغم من أن تطبيق القرار قد يكون أسرع وأكثر سلاسة إلى حد كبير. لتحقيق تغيير حقيقي يجب الاعتراف بذلك والإعلان عنه.

(٦) ملخص

في الفصل الأول تحدثنا عن الهدف، ونعني بهذا «السبب» الأساسي لوجود مؤسستك. وكان هذا الفصل يدور إلى حد كبير حول «طريقة» تصرف المؤسسة، بالنظر إلى طريقة العقل وطريقة نظام التشغيل في اتخاذ القرارات.

ومع ازدياد تغيير الشركات حول العالم لِحَجَرَيِ الأساس المتمثلين في «السبب» الجوهري لوجود المؤسسة و«طريقة» تصرف المؤسسة، فإن التركيبة الكاملة للأعمال تتغير أيضًا تدريجيًّا، وأعتقد أن هذا الأمر رائع للغاية.

وفي الحقيقة، إذا قمنا — نحن مجتمع رجال الأعمال التقدميين — بهذين الأمرين فقط، فإنهما سوف يقودان أكبر التغيرات. ومن خلال ذلك، سوف نساهم في مؤسسات تحقق نتائج هادفة، وتعمل بطرق أساسها المشاركة.

إذا أردت، يمكنك التوقف عن القراءة الآن. أنا لا أمزح. يوجد المزيد من الأمور، لكن كل ما يلي يعتمد على هذين الأمرين الأساسيين؛ ولذلك إذا استطعت العمل على هذين الأمرين فحسب، فاعمل عليهما.

أطلق العِنان لقدرات الموظفين، ودعهم يعملون نحو تحقيق هدف عظيم. إنه تغيير يستحق أن نراه في العالم.

(٧) قراءات إضافية

  • «قوة الاستماع»: http://bit.ly/cltrshk4.
  • كتاب «المتفرد» وكتاب «عطلة الأيام السبعة» لريكاردو سيملر، وورلد بلو.

  • كتاب «الموظفون أولًا، العملاء ثانيًا» لفينيت نايار، مؤسسة إتش سي إل.

  • كتاب «الحرية في العمل» لترايسي فينتون، وورلد بلو.

  • كتاب «الإجماع من خلال الحوار» وكتاب «الوقوف في النار» للاري دريسلر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤