الفصل الثالث

الأشخاص التقدميون

بعد أن تناولنا حتى الآن الهدف والمعنى، والديمقراطية والتمكين، دعونا نتناول موضوع الأشخاص التقدميين بالتفصيل.

نظريًّا، يجب أن يكون الأفراد أكبر المستفيدين من مجال الأعمال، فعلى أية حال، نحن من نعمل في الشركات، ونمتلك الشركات، ونصنع الشركات، ونقبل الشركات، ونعتمد عليها في العموم.

يجب إذن أن يحب الأفراد مجال الأعمال ويزدهروا في ظله وبسببه، أليس كذلك؟ لكن بدلًا من ذلك يبدو المجال عدوًّا للأفراد؛ فالعمل — تلك الآلة الرهيبة التي صنعناها — يلفظ الأفراد ساخطين، ومنهكين، ومحبطين، يوميًّا وعلى مدار سنوات وحيوات مهنية.

لقد سمحنا جميعًا للأفراد والإنسانية والمصداقية والحياة الواقعية، بأن يكونوا مختلفين عن المهنية والعمل والشركات. لقد سمحنا لنصفين من كيان واحد بالبقاء منفصلين، بدلًا من أن يكونا مجتمعين. وقد أصبح مقبولًا أن نبحث فقط عن المتعة في الأمسيات والعطلات الأسبوعية، فقد تحول العمل إلى مجرد «وظيفة».

في ظل هذه الظروف، كلنا نعلم بالفطرة، وبطبيعة الحال، أن الشركات لا بد أن تغير جذريًّا طريقة تعاملها مع الأشخاص. لقد رأينا جميعًا أشخاصًا من حولنا يلقون معاملة بالغة السوء على يد الشركات ورجال الأعمال. لقد رأينا جميعًا أفلامًا وثائقية، وقرأنا مقالات عن الاستغلال الذي يحدث لأكثر الأشخاص فقرًا حول العالم على يد الشركات، من أجل إشباع احتياجاتنا ورغباتنا — نحن المستهلِكين.

يجب أن يتوقف ذلك، فلا داعي حقًّا لأن يكون الأمر على هذه الشاكلة.

(١) ما يضر الموظفين يضر بصافي الدخل

بعيدًا عن الضرورة الأخلاقية التي تقتضي معاملة الأشخاص على نحو أفضل في مجال الأعمال، هناك فوائد كبيرة ومثبَتة لصالح الأعمال، غير مستغلة بعد. يدرك مجتمع الموارد البشرية جيدًا أن التفاعل يؤدي إلى الأرباح، ويدرك المديرون جيدًا أن عضو الفريق الرائع المتحمس يساوي خمسة أو عشرة بل حتى عشرين عضوًا ضعيفًا وغير متحمس من أعضاء الفريق. ورغم ذلك، يبدو أننا نفعل كل ما في وسعنا في الشركات التقليدية من أجل تدمير التفاعل، ونزدري الفرص البسيطة المتاحة لخلق بيئة أفضل للأشخاص.

يا له من عار! ورغم ذلك فإنها فرصة رائعة، فالموظفون هم شريان الحياة لأي شركة، وفي القرن الحادي والعشرين نرى بالفعل الشركات الاجتماعية الرائدة تحتفي بقدرات موظفيها، وتطلق العِنان لقدراتهم وقدرات الأشخاص المحيطين بهم، بطرق تحقق قيمة هائلة.

(٢) ما الذي تفعله حركة الأعمال التقدمية على نحو مختلف؟

أدرك الثوريون في حركة الأعمال التقدمية في القرن الحادي والعشرين هذه الفرصة على نحو فطري، وأطاحوا بالمنطق السخيف والجامد، الذي ساد في القرن الماضي؛ من أجل خلق طرق جديدة قوية؛ لتحرير وتمكين القوى العاملة من تحقيق قيمة هائلة.

في جوهر الأمر، ما تفعله أذكى المؤسسات لنفسها هو تصميم بيئة يمكن أن يزدهر الأشخاص في ظلها، ويحققوا المزيد، ويشعروا بأنهم أقوى مما اعتقدوا في حياتهم العملية.

تولي هذه المؤسسات الموظفين الأهمية القصوى. وهذا ليس على مستوى الشعارات الرنانة غير المدعومة بالأفعال، بل على مستوى ثقافة مؤسسية راسخة تمامًا.

يمكن قياس القيمة حديثة الظهور، النابعة من هذا الأسلوب من الناحية المالية، حيث يتحول تحسن تفاعل الموظفين إلى أرباح، ومبيعات، وانخفاض في تكلفة الإيرادات، وتحسن قيمة العميل الدائمة، وهكذا. بيد أن شركات القرن الحادي والعشرين الاجتماعية تخلق أيضًا قيمة للموظفين تتجاوز المال فحسب. وكما قال عالم الاقتصاد سايمون كوزنتس — الذي كان أول من وضع مقياس إجمالي الناتج القومي عام ١٩٣٤ — فإن: «رفاهة الأمة لا يمكن استنتاجها من مقياس الدخل القومي.» ويمكن أن نوسع نطاق هذه المقولة ونقول إن: «رفاهة المؤسسة لا يمكن استنتاجها من المقاييس المالية فحسب.» لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع طالع الفصل الثامن الذي يتحدث عن الإدارة المالية العادلة.

(٣) ما المزايا؟

من خلال إجراء تغييرات على طريقة معاملة الموظفين، تتسم بأنها باعثة على التحدي ومجزية للغاية، تصبح المزايا التالية متاحة لشركة القرن الحادي والعشرين الاجتماعية:
  • نتائج أفضل وأسرع من خلال زيادة تفاعل القوى العاملة.

  • ميزة تنافسية من خلال دعم الابتكار والإبداع.

  • تعزيز الميزة التنافسية من خلال جذب أفضل المواهب في سوق العمل العالمي شديد التنافسية والاحتفاظ بها.

  • التمتع بقدر أكبر من راحة البال، ومزيد من الرفاهية للجميع (من أدنى المستويات لأعلى المستويات الإدارية في المؤسسة) من منطلق معرفة أن الشركة تفعل أفضل ما في مصلحة موظفيها.

(٤) أين يمكن أن نصنع فارقًا؟

للمساعدة في تحقيق مزيد من هذه الفوائد في فريقك ومؤسستك، سنلقي نظرة على مجموعة المؤثرات الخمسة التي تؤثر على الأشخاص التقدميين، التي يمكنك الاستعانة بها بالطبع؛ لدفع مؤسستك نحو المقدمة:
  • (١)

    الحافز.

  • (٢)

    السعادة.

  • (٣)

    المكافآت.

  • (٤)

    البيئة.

  • (٥)

    الإدارة.

(٤-١) الحافز

نظرًا لأننا يمكن أن نجد غالبًا صعوبة في تذكُّر وجود محفزات أخرى أكبر من المال وحده في بيئة العمل، فربما يفيدنا التفكير فيما قد يحفز المتطوع غير المأجور، أي الشخص الذي يفعل ما يفعله فقط؛ لأنه يريد أن يفعله دون أجر ودون مدير يشتتان انتباهه. دعونا نتخيل مساهمة متحمسة في ويكيبيديا ساعدت في كتابة عدة آلاف من التدوينات على الموقع، وأسهمت بمئات الساعات من وقتها غير مدفوع الأجر، وعملت في الغالب دون إدارة بالمعنى التقليدي، لنعرف لماذا يسهم الناس في المبادرات.

ما هي الأمور التي يمكن أن نقول إنها تمثل محفزات بالنسبة لها؟ هل من المتوقع أن تكون متحمسةً لأحد هذه الأمور:
  • مساعدة الآخرين؟

  • مشاركة ما تعرفه وما تهتم به؟

  • التعبير عن شغفها؟

  • أن تكون جزءًا من شيء أكبر؟

  • اكتساب التقدير والاحترام من الآخرين؟

  • لأنها ببساطة تستمتع بما تفعله؟

أيًّا كان السبب، فأنت تعرف بفطرتك أن تلك المحفزات لها تأثير داخل نفسك أقوى من المال وحده. ونتيجة لذلك، فقد بذل المتطوعون عشرات الملايين من الساعات من وقتهم لإنشاء موسوعة ويكيبيديا، وهي دليل مذهل على ما يمكننا تحقيقه عندما نعمل معًا، بينما يجلس الكثير منا على الأريكة يشاهدون التليفزيون.

وأثناء كتابة هذه القائمة، خطر على بالي أنه من المتوقع جدًّا أن يكون شخص ماهر قد درس مسألة المحفزات هذه. واتضح أن ذلك قد حدث بالفعل!

(أ) الحافز: نظرية الرغبات الأساسية الست عشرة

بعد دراسة ما يقرب من ستة آلاف شخص، قدَّم بروفيسور يدعى ستيفن ريس نظريةً تزعم أن ست عشرة رغبة أساسية، تقود جميع السلوكيات البشرية تقريبًا، هي كالتالي:
  • القبول: الحاجة إلى الاستحسان.

  • الفضول: الحاجة إلى التعلم.

  • الأكل: الحاجة إلى الطعام.

  • الأسرة: الحاجة إلى تربية الأطفال.

  • الشرف: الحاجة إلى الولاء للقيم التقليدية لعشيرة المرء أو جماعته العرقية.

  • المثالية: الحاجة إلى العدالة الاجتماعية.

  • الاستقلالية: الحاجة إلى الفردية.

  • النظام: الحاجة إلى البيئات المنظمة، المستقرة، المتوقعة.

  • النشاط البدني: الحاجة إلى التمرين.

  • السلطة: الحاجة إلى تأثير الإرادة.

  • الرومانسية: الحاجة إلى الجنس.

  • الادخار: الحاجة إلى جمع المال.

  • التواصل الاجتماعي: الحاجة إلى الأصدقاء (علاقات الأقران).

  • المركز: الحاجة إلى المكانة/الأهمية اجتماعية.

  • السكينة: الحاجة إلى الشعور بالأمان.

  • الانتقام: الحاجة إلى القصاص/الفوز.

مع وضع هذه الأمور في الاعتبار، نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا في العمل هذا السؤال: ما الرغبات الأساسية التي أخاطبها في الموظفين، ما المحفزات الكامنة القوية التي يمكن استغلالها لتحقيق هدف عظيم؛ كي نتمكن من ترك بصمة في العالم؟

ربما يكون حريًّا بنا أيضًا التفكير في هذا السؤال: ما المحفزات التي كان استغلالها ضعيفًا في مؤسستنا، وفي عالم الأعمال على نطاق أوسع، خلال القرن الماضي؟ أي المحفزات يمكننا مخاطبتها والاستعانة بها على نحو واقعي؟ كيف يمكننا مساعدة الأفراد في الربط بين محفزاتهم الكبرى والتحديات التي تواجهها الشركة؟

لنلقِ نظرة على مثال ينطوي على دخول مؤسستك إلى مجال جديد، وهو أمر تتزايد مرات حدوثه على ما يبدو. سوف تحتاج أنت والموظفون إلى تعلم مجال جديد تمامًا، وتكوين علاقات جديدة، وأن تتخلوا على الأرجح عن بعض المعارف والعلاقات التي كانت مستقرة وموثوقة. هذا النوع من التغيير يمكن أن يكون خطيرًا ومسببًا للتوتر. ومن ثم، أي المحفزات يمكن أن تكون فعالة بالنسبة للموظفين، بحيث يمكنك مساعدتهم في تحديدها في أنفسهم والاستعانة بها؟

من الواضح أن الفضول يمكن أن يكون محفزًا كبيرًا متوقعًا في هذه الظروف — الحاجة إلى التعلم — لذلك حاول مساعدة المجموعة أو الأفراد على التحمس للأمور غير المعروفة بعد، وما يحتاجون إلى اكتشافه والكشف عنه، وعملية الاستكشاف التي لا بد من حدوثها. عن نفسي سيثير ذلك حماسي. وبالنسبة لبعض الأشخاص في المجموعة، قد يكون التواصل الاجتماعي محفزًا قويًّا، فهو فرصة لتكوين علاقات جديدة مع الأقران، وخلق طرق تواصل جديدة مثيرة، مع الشركاء والموردين والعملاء المتوقعين، وهكذا. قد يوجد أيضًا محفز السَّكِينة، فمن الممكن أن يكون المجال الجديد الذي تنتقلون إليه يَعِد بمزيد من الاستقرار، ومكافآت مالية أكثر استدامة، وقدر أقل من المنافسة. وأيًّا كانت تلك المحفزات (وبالطبع تتبدل المحفزات وتتغير من دقيقة لأخرى ومن سنة لأخرى لدينا جميعًا) فإن المساعدة في العثور على المحفزات في نفسك وفي الناس من حولك، يمكن أن تطلق مجموعة محفزات أكثر قوة وإنسانية من نموذج الأعمال التقليدي الأخرق المعتمد على أسلوب «الجزَرة» المتمثلة في المكافآت المالية، و«العَصا» المتمثلة في التخويف والعقاب.

(٤-٢) السعادة

من أكبر التغيرات الجذرية السائدة في طريقة إدارة الشركات للأفراد، ذلك التغير المنبثق عن حركة السعادة المتزايدة. وتتمثل أهم نصائحها فيما يلي: إذا أردت الحصول على ابتسامة من أحد المسئولين التنفيذيين في شركة من شركات القرن العشرين، فأخبره أن السعادة أهم من الربحية.

لكن هذا الأمر لم يعد مسألة مضحكة. وكما ذكرنا في السابق في هذا الكتاب، فإن أممًا كاملة تقول إن مقاييس السعادة سوف تخلف مقاييس الإنتاجية المالية. لقد تجاوزنا فكرة أن المال وحده هو المقياس والسبب.

إن إعادة التوازن الهادف إلى مراعاة السعادة والرفاهة في العموم يحدث في أرجاء المجتمع كافة، وسوف يصل في النهاية — ربما أسرع مما نتوقع — إلى ضفاف عالم الأعمال. وفي الوقت الراهن، لا نزال في وضع حزين، ومحتقن إلى حد كبير، فيما يتعلق بالسعادة في العمل، في ظل استطلاع شغف الموظفين الذين يُجرى سنويًّا (أو يُجرى مرتين وليس مرة واحدة فقط في أكثر المؤسسات نشاطًا في محاولة لمواكبة الأحداث وقت حدوثها). يحلل فريق الموارد البشرية الإجابات خلف الأبواب المغلقة، ثم يرسلون النتائج إلى الإدارة العليا، والمديرين المباشرين، وإلى الفرق أنفسها في بعض الأحيان.

وكما يقول نيك ماركس في كتابه الإلكتروني سهل القراءة والزاخر بالمراجع «بيان السعادة»: «لقد حان الوقت لتغيير تركيز نظام القياس، من قياس الإنتاج الاقتصادي إلى قياس رفاهة الناس.»

وهذا ينطبق تمامًا على إحدى الشركات المعاصرة. ولاحقًا في هذا الفصل سوف نلقي نظرة على طريقة استخدام الشركات الأخرى لهذا المحفز، وكيف يمكنك أنت أيضًا استخدامه.

(٤-٣) المكافآت

تشير جميع الأبحاث الأكاديمية إلى أن المال عامل صحي، ونقصد أنه عامل يلزم وجوده و«بنسبة كافية»، فيما عدا ذلك ليس له تأثير كبير في واقع الأمر. أظن أن معظمنا — إن لم يكن جميعنا — يعلم مدى الإحباط المروع الذي نشعر به، عندما لا نكسب قدرًا كافيًا من المال، لكن عندما تصل الغالبية العظمى من الناس إلى مستوى أدنى مقبول، فإن زيادات الدخل يقل تأثيرها في زيادة الرضا الشخصي على نحو مطرد. هذا ما يقوله العلم.

مع وضع هذا في الاعتبار، فإن من المحفزات البشرية القوية المتاحة لدينا في أعمال القرن الحادي والعشرين إعادة تصور موضوع المكافآت برمته، وهذا يشمل المكافآت المالية والمزايا التقليدية، لكنه لا يقتصر عليها وحدها.

إن الاحتمالات في هذا الصدد لا نهائية، لكن لنذكِّرك ببعضها، فإن بعض المؤسسات تمنح مكافآت غير مالية على النحو التالي:
  • ساعات عمل مرنة.

  • إجازات التفرغ.

  • وقت الابتكار (سياسة العشرين في المائة من الوقت الشهيرة التي تنتهجها جوجل).

  • إجازات دون إخطار.

  • كتب مجانية (مكتبة زابوس).

أو استمع إلى شركة البرمجيات الرائعة فوج كريك سوفت وير (www.fogcreek.com) وهي تصف عرضها لمبرمجي الكمبيوتر أصحاب المواهب المتميزة:

يحصل مطورو البرمجيات في شركة فوج كريك على مكاتب خاصة فسيحة مُشْمِسة، وتجهيزات حاسوبية غير محدودة، ومكاتب إلكترونية قابلة للتعديل وفقًا للطول، وكراسي أيرون المريحة، ومقر عمل فخم مزود بحمامات رخامية، ومكتبة وحوض سمك مالح المياه، وماكينة لإعداد قهوة الإسبريسو، وغداء يومي مقدم من أفخر المطاعم، ووجبات خفيفة غير محدودة، وألعاب فيديو وأمسيات سينمائية، وفرصة للعمل مع فريق رائع.

رائع.

إذن كيف يمكنك تصميم مجموعة جديدة من المكافآت التقدمية؟ حسنًا، يجب ألا يكون هذا الأمر صعبًا، إنها مهمة «ممتعة». تحدَّث مع الأفراد، أو استعن باستقصاء إذا كنت تفعل ذلك على نطاق كبير، وشجعهم على الحُلم، والتفكير في الأمور المهمة حقًّا بالنسبة لهم، والأمور التي يقدرونها، وعلى تحديد القيم الثقافية والمؤسسية، والتفكير بإبداع في المزايا الجذابة والمجزية والمحفزة التي يمكن للمؤسسة تقديمها. ومن واقع تجربتي، فإن الجزء الصعب نسبيًّا سيكون تقييم ما يمكن للمؤسسة تقديمه، والاستثمارات التي سوف تحقق أكبر قيمة عائدة، وتذكر، بطبيعة الحال، الأمور المحفزة التي لا تتطلب أكبر قدر من التكلفة. ولذلك فإن ماكينة قهوة الإسبريسو أو الأمسيات السينمائية في شركة فوج كريك يمكن أن تكون مزايا ذات أثر كبير وتكلفة منخفضة أو معدومة، وتحقق بالفعل مكافآت رائعة.

(٤-٤) البيئة

أصبح إدراك تأثير وقيمة بيئة العمل الإيجابية أمرًا تميل الشركات الصغيرة وشركات الخدمات المبدعة إلى إتقانه على نحو أفضل من الشركات الكبيرة وشركات الخدمات غير المبدعة.

والأمثلة الإيجابية هي الأماكن التي تبدو مفعمة بالحيوية، ومريحة، ويبدو أن أناسًا يعيشون ويعملون بها، وتقدر الأفراد العاملين بها على نحو واضح، وتوليهم الأولوية. يشعر الأشخاص في هذه المكاتب بالارتياح في العمل. لا يهم أن تكون تلك المكاتب زاهية الألوان، لكن يمكنك في العموم أن تعرف أثناء تجولك في أحد الأماكن إذا كان مراعيًا لاحتياجات الأفراد أم لا، أليس كذلك؟

لكن بصرف النظر عن بيئات العمل تلك، فإن التوجه أصبح يسير صوب الناحية المعاكسة.

قدمت قناة سي إن إن تغطية صحفية عن أحد الأبحاث التي أجرتها الرابطة الدولية لإدارة المرافق، والذي يشير إلى أن قدر المساحة المكانية التي نمنحها للموظفين انخفض بشدة: «في عام ١٩٩٤، كان موظف المكتب العادي يمتلك ٩٠ قدمًا مربعًا من مساحة المكتب، وانخفضت إلى ٧٥ قدمًا مربعًا عام ٢٠١٠.»

لا مفر من ذلك في ظل المناخ المعاصر، أليس كذلك؟ ربما، لكن هل البيئة مهمة لنجاح الشركة؟ بالطبع. يوجد الكثير من الأبحاث التي توضح أن كل شيء، بدايةً من لون الجدران حتى عدد المقاطعات المتوقعة، يؤثر تأثيرًا هائلًا على الروح المعنوية، والتوتر، والشغف، ومن ثم صافي الدخل. وانظر على سبيل المثال أحد الأبحاث المذكورة في إحدى مدونات صحيفة «وول ستريت جورنال» الذي أجرته جوان مايرز ليفي من جامعة مينيسوتا. لقد نظرت مايرز ليفي إلى العلاقة بين ارتفاع السقف ونمط التفكير، ووجدت أنه «عندما يوجد الأشخاص في غرفة ذات سقف مرتفع، فإنهم يرون على نحو أفضل بكثير الروابط بين الأمور التي تبدو غير مترابطة.»

تؤثر البيئة تأثيرًا مباشرًا على جودة العمل الذي يمكننا إنتاجه، وعلى سلامتنا، أفلا يجب أن نبذل مزيدًا من الجهد في التفكير في كيفية تحسينها؟ ولتحقيق ذلك أحثُّكم على الذهاب ورؤية أماكن عمل الشركات الأخرى. فكِّروا في السعة، وفي ضوء الشمس، وفي الحرارة، والمساحات البديلة للمكتب المخصص للعمل. بالطبع تحب شبكة الإنترنت هذا النوع من المحتوى، ويوجد الكثير من المدونات ومعارض الصور التي تعرض صور مكاتب ملهمة، فاستعينوا بها كي تتدفق عصارتكم الإبداعية. ومرة أخرى، يوجد الكثير من العوامل منخفضة التكلفة عالية الأثر التي يمكنها تحسينها إذا بحثت عنها.

(٤-٥) الإدارة

يعد الدور الفعلي الذي تلعبه الإدارة المباشرة في تقديم منهج معاصر لإدارة الأفراد ضروريًّا. إن التفاصيل الأساسية المتعلقة بالتوظيف، والإدارة اليومية، والتوجيه، وتقارير الأداء، هي الجوانب التي تنتفع بالكثير من المزايا المتاحة لأحد المناهج الجديدة، أو تخسرها.

تقدم دراسات الحالة التي سوف نتناولها بعد قليل الكثير من الأمثلة العملية، وتجسد الأخلاقيات الكاملة للإدارة التقدمية، لكن في هذه المرحلة يمكننا استقطاع ثلاثة عناصر محددة للتركيز عليها، وهي:
  • (أ)

    التوظيف وليس الإدارة.

  • (ب)

    التوجيه وليس الإدارة.

  • (جـ)

    التقييم وليس مراجعة الأداء.

(أ) التوظيف وليس الإدارة

في أكثر الشركات تقدمية، وأفضلها إدارة، ينصبُّ التركيز على توظيف أعضاء الفريق أكثر من التركيز على إدارتهم فيما بعد. ويسود هذه الشركات اعتقاد وصفه جيم كولينز في كتابه «من جيد إلى عظيم»، ألا وهو إذا جمعت «الأشخاص المناسبين معًا» فكل المشاكل سوف تُحَل من تلقاء نفسها. ولذلك يوجد تركيز كبير على إشراك العديد من الأشخاص في التوظيف، وعلى اهتمام التوظيف بالقيم قدر اهتمامه بالمهارات والخبرات، وبالاضطلاع بعملية التوظيف على نحو متأنٍّ ودقيق. يغير التوظيف الجيِّد دور الإدارة المستمرة من «إدارة الأداء» (مصطلح تلطيفي يشير إلى حل المشكلات) ليصبح إدارة للأداء حقًّا.

(ب) التوجيه وليس الإدارة

ثانيًا، بعد توظيف الأشخاص المناسبين، ينصبُّ توجه تلك المؤسسات الرائدة على التوجيه بدلًا من الإدارة الرسمية. وهذا يعني الاعتماد على أسلوب العمل معًا الهادف للتمكين، فهو منهج يساعد الفرد على إيجاد مكانه، ودوره، ومواهبه الخفية، بدلًا من إخباره بما يفعل، أو فرض قيود عليه، أو وضع حدود شديدة الوضوح للعمل وفقها. وفي ظل ثقافة التوجيه، يكون المنطق السائد شيئًا من قبيل «معظم الأفراد يريدون أن يكونوا ماهرين فيما يفعلون، لقد قضينا وقتًا جيدًا في البحث عنهم، والآن دعونا نعمل على إطلاق إمكانيتهم الكاملة.»

(ﺟ) التقييم وليس مراجعة الأداء

ثالثًا، يتمثل هذا المنهج في إعطاء الأولوية للتقييم المستمر والصريح جدًّا، بدلًا من تقارير مراجعة الأداء العرضية والمجدولة. هذا لا يعني أن وجود أحد الأمرين يعارض وجود الآخر، لكن تلك الثقافات تميل إلى تفضيل التقييم المستمر، وإلى أن يكون في سياق العمل اليومي، وأن يكون صريحًا وحقيقيًّا على نحو غير معتاد. أَتَذْكُر ممارسات شركة إتش سي إل تكنولوجيز؟ وفي شركة ناماستي سولار من معتقداتها الثقافية الأساسية أهمية التواصل الصادق المفتوح الصريح.

والجمع بين هذه العناصر الثلاثة يكون وصفة جديدة قوية لإدارة الأفراد.

إذن، أي الشركات تحتفي فعلًا بالموظفين وتشركهم؟

(٥) زابوس

حريٌّ بزابوس أن تكون شركة مملَّة، أليس كذلك؟ وإذا بالغنا في تبسيط الأمور فإن زابوس موقع على الإنترنت، ومخزن يعج بالأحذية، ومجموعة من الأشخاص يجيبون على المكالمات والاتصالات الهاتفية. إنها مملة مثل اللون الرملي لجهاز كمبيوتر قديم. ورغم ذلك، فربما تكون زابوس أكثر شركة نابضة بالحيوية تخلق صيحات جديدة في الوقت الراهن، وبفضل ثقافة زابوس الفريدة فإنها ليست رملية اللون، بل تضم في حقيقة الأمر ألوان قوس قزح كلها، فهي لا تشبه جهاز كمبيوتر قديم ممل، بل تشبه صورة جرافيتي مرسومة بعلب رش الألوان، تُظهر الحصان أحادي القرن الأسطوري، وهو يرقص بقلب نابض وعيون يبرز منها الجنون.

قامت زابوس في الأساس على مبدأ أنك إذا خلقت البيئة، ووظفت الأشخاص المناسبين، ومن ثم طورت الثقافة المناسبة، فسوف تزدهر. تتبع زابوس هذا الاعتقاد، وتحقق ازدهارًا في العمل، حيث تعتبر أكبر متجر بيع أحذية عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، واشتراها موقع أمازون عام ٢٠٠٩ مقابل ١٫٢ مليار دولار أمريكي، ويُعتقد أنها ستحقق أرباحًا تزيد عن مليار دولار أمريكي سنويًّا.

لمعرفة القصة الكاملة يجب قراءة كتاب الرئيس التنفيذي للشركة توني شيه «توصيل السعادة». بيد أن إلقاء النظر على القليل فقط من ممارسات زابوس، سوف يساعد على إلهامنا جميعًا.

(٥-١) الأسرة

يستخدم موظفو زابوس كلمة «أسرة» كثيرًا، ليس فقط عندما يتحدثون أو يكتبون، بل علنًا على موقعهم الإلكتروني، وفي ملصقات الشركة، وفي كتابهم السنوي «كتاب الثقافة».

إن «كتاب الثقافة» في حد ذاته جدير بإلقاء النظر عليه، فهو كتاب سنوي عبارة عن «مجموعة إسهامات من الموظفين غير محررة» تمنح كل موظف فرصة التعبير عن شعوره ومعتقده تجاه الشركة. إن «كتاب الثقافة» مثال رائع وقوي على كيف يكوِّن الأفراد الكثيرون المؤسسة ككل، وكيف لا تتظاهر المؤسسات التقدمية بهذه الحقيقة أو تخفيها، بل تحتفي بها.

وبالعودة إلى كلمة «أسرة»، فإن الأمر الرائع هو أنك إذا قلت إنكم أسرة، فعليك إثبات ذلك. إنها ليست «علاقات بين الموظفين»، فالأمر برمته أُعيد صياغته بقوة على نحو أدى إلى منهج مختلف تمامًا في زابوس.

(٥-٢) خلق المرح وبعض الغرابة

لدى زابوس عشر قيم أسرية أساسية. القيمة الأسرية الأساسية الثالثة هي «بث روح المرح وبعض الغرابة». أنا أحب ذلك! وهذه القيمة تظهر بوضوح في كل شيء تفعله زابوس، بدايةً من الاجتماعات الجماعية المليئة بالحيوية، وديكور المكتب الفوضوي، حتى عمليات التوظيف المتشددة. هل يوجد ما هو أبعد من ذلك عن غسيل المخ التقليدي، حول الطريقة اللازم على الموظفين التصرف وفقًا لها في العمل؟ لا نريدك أن تكون «محترفًا» بل نريدك أن تكون «غريب الأطوار».

(٥-٣) قبعة الرد على الجميع

إحدى مبادرات الموظفين التي أفضِّلها في زابوس، هي قبعة الرد على الجميع. أتعلَم تلك اللحظة، في شركة متوسطة أو كبيرة الحجم، عندما تختار أنت أو شخص تعرفه خيار الرد على الجميع، دون أن تقصد، عند الرد على رسالة بريد إلكتروني موجهة لأكثر من شخص؟ تبًّا! في شركة زابوس لديهم قبعة «الرد على الجميع» للاحتفاء بهذه اللحظة. إنها ليست مجرد قبعة، بل قبعة فتاة استعراض مبهرجة وسخيفة ومكسوة بالريش، وإذا كنت تعيس الحظ ووقعت في هذا الخطأ، فسوف ترتدي القبعة، وتضطر للسير بها بين مكاتب شركة زابوس، وهم يصيحون ويصفرون حولك. كما أنك معرَّض أيضًا لخطر التقاط الصور لك، أو حتى تسجيل أحد مقاطع الفيديو (ألقِ نظرة على اليوتيوب)! إن الأمر رائع ومجنون وفظيع كما يبدو، أنا عن نفسي أتمنى لو كان فريقنا في الشركة كبيرًا على نحو كافٍ ليتطلب مثل هذا الأمر!

(٥-٤) جولات زابوس وتوصيل السعادة

ثقافة زابوس قوية لدرجة أن الطلب على نشر أفكارهم يتزايد. إنهم يقدمون جولات مجانية يومية (وسوف يقلُّونك في حافلة صغيرة من فندقك في لاس فيجاس). وكتب الرئيس التنفيذي الملهم للشركة توني شيه كتابًا بعنوان «توصيل السعادة» ينشر فيه أفكارهم. وهم الآن أيضًا جزء من شركة اسمها زابوس إينسايتس تقدم التدريب والخدمات الاستشارية للشركات الأخرى.

هل يمكنك أن ترى إلى أي مدى ثقافة زابوس جذابة بالنسبة لأشخاص مثلي ومثلك؟ وكم هي مباشرة أيضًا، وعلى النقيض تمامًا من الشركات التقليدية، وفي الوقت نفسه إنسانية إلى أقصى حد، وتعرف على الفور بأنها طرق ممتعة وكذلك ذكية للعمل؟ إنها شركة رائعة.

(٦) دبليو إل جور آند أسوسيتس

دبليو إل جور آند أسوسيتس شركة غامضة إلى حد ما. إنهم مصنِّعو الكثير من الأقمشة المبتكرة بما فيها جور تكس، القماش الشهير المقاوم للماء الذي يسمح بمرور الهواء، وتمتلك تلك الشركة منهجًا مثيرًا للغاية في التعامل مع الأفراد وفي التنظيم.

ما يجب أن يقال، هو أن تلك الممارسات ليست بالجديدة بالنسبة لشركة جور، فعلى الرغم من التذمر والشكوى اللذين يعج بهما الكتاب ضد الممارسات الإدارية التقليدية الجامدة الغبية الخاصة بالقرن العشرين، فإن شركة جور تعد شركة ناجحة من شركات القرن العشرين، فلقد أسس بيل جور الشركة مع زوجته فيف عام ١٩٥٨! وما زالت ممارساتهما، التي تكوَّن بعضها منذ فترة بعيدة، ثورية في وقتنا المعاصر.

(٦-١) حجم الفريق والتنظيم الشبكي

من الأمور القليلة المعروفة إلى حدٍّ ما عن مجتمع أعمال شركة جور، التي ما زالت حتى وقتنا الحاضر شركة ذات ملكية خاصة، هي ممارساتها غير التقليدية المتعلقة بالهيكل التنظيمي. لا بد أن تلك الممارسات بدت جنونية حقًّا منذ خمسين سنة، أما اليوم — وعلى الرغم من أنها ما زالت غير تقليدية — فمن الممكن أن تبدو أكثر ذكاءً بمراحل.

يتكون هيكل جور من مكونين مثيرين للاهتمام إلى حد كبير هما: حجم الفريق والتنظيم الشبكي.

فيما يتعلق بالفريق، فالشركة تُشغِّل مصانع صغيرة جدًّا تضم عادةً ٢٥٠ شخصًا كحدٍّ أقصى في كل مصنع. ومن ثم، فلكل ٢٥٠ فردًا يجب أن توفر المؤسسة مبنًى مختلفًا، وتنسخ الهيكل الأساسي نفسه الذي يتطلبه كل مصنع. يحق لنا أن نفترض وجود هدر في هذا الصدد في الموظفين، وتكاليف المباني، والمعدات. فكل شيء يتكرر بدلًا من تكديسه في مصنع ضخم واحد يستمر في النمو! لكن الرئيسة التنفيذية الحالية للشركة تيري كيلي، التي درست الهندسة، وتعد الرئيس التنفيذي الرابع فقط في تاريخ شركة جور تقول: «إننا نقسم كي نستطيع المضاعفة!» كيف يسير ذلك؟ تعتقد مؤسسة جور أن الحفاظ على صغر الحجم يمكن أن يُطلق قدرًا أكبر من الابتكار والشغف لدى الموظفين. وفي معتقدات شركة جور يقال إن سبب ذلك، أن بيل جور مؤسس الشركة كان يتجول في أحد المصانع ذات يوم عام ١٩٦٥، وأدرك أنه لم يعد يتعرف على الجميع. ومنذ ذلك الحين وضع مبدأً يقضي بعدم عمل أكثر من ٢٠٠ فرد في المبنى نفسه. ويرجح سجل نمو الشركة، والابتكار الدائم، والوجود المستمر في قوائم «أفضل الشركات للعمل فيها» أنهم على الأرجح على صواب.

بل إن الأكثر ثورية هو التنظيم الشبكي لشركة جور، ذلك التنظيم الذي يتشابه كثيرًا مع المؤسسات المترابطة، مثل: أنونيموس، وحركة احتلوا، أكثر من تشابهه مع مخطط الهيكل التنظيمي التقليدي.

في شركة جور يوجد «القليل» من مخططات الهيكل التنظيمي و«لا يوجد تسلسل قيادي، أو قنوات تواصل محددة سلفًا». إذن كيف يُنجز العمل؟ كيف ينظم الأفراد أنفسهم؟ ببساطة، كيف يديرون شركة عالمية، يُقدر رأسمالها بالعديد من مليارات الدولارات، دون وجود مثل هذا الهيكل التنظيمي؟ إنهم يقولون ما يلي على موقعهم الإلكتروني:

«يُوظَّف الشركاء (لا الموظفون) من أجل مجالات عمل عامة، ومن خلال توجيه الرعاة (لا المديرين) وفهم الفرص المتزايدة وأهداف الفريق، يلتزم الشركاء بالمشروعات التي توافق مهاراتهم. وكل هذه الأمور تتم في ظل بيئة تجمع بين الحرية والتعاون والاستقلالية والتآزر.» وكما قالت الرئيسة التنفيذية تيري كيلي في كلمة شيقة ألقتها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (انظر الرابط في قسم قراءات إضافية) «يعبر الشركاء عن رضاهم بالانضمام إلينا.»

عظيم.

ماذا سيقول مدير القرن العشرين عن هذا الأمر؟ «أُفٍّ! لا بد أن الأمر أشبه بمحاولة قيادة قطيع من القطط!» ثم يتناول فنجان القهوة بالحليب بازدراء متكبر. ومع ذلك ففي الوقت الذي يشكو فيه كثير من المؤسسات من عقلية الصومعة وفقدان التعاون، أليس مؤكدًا أن المزيد من السلاسة سوف تمد يد العون؟ ألا يبدو المستقبل هكذا؟ ألا ينجذب الأفراد — نحن — نحو المبادرات والمشروعات التي يشعرون بشغف حيالها؟

(٦-٢) التوجيه

ملاحظة سريعة تعزز النقطة السابقة المتعلقة بالتوجيه. إن شركة جور لا ينصبُّ كامل تركيزها على الإدارة، بل على التوجيه. وكما سنرى لاحقًا، فإن القيادة في شركة جور تتميز «بالتبعية»، فإذا لم تكن المؤسسة مخططة على نحو طبقي، فما هي السلطة المتبقية للمدير أو القائد؟ إنها سلطة التأثير فقط، فكل شريك (وليس موظفًا كما تحرص الشركة على التوضيح) في شركة جور لديه راعٍ، أي شخص مسئول عن نجاحه، ويكون عادةً شخصًا بعيدًا عن عمله اليومي، ويخلق هذا ثقافة عظيمة قائمة على التوجيه.

(٦-٣) الثقافة تقضي على البيروقراطية بضربة واحدة

في كلمة الرئيسة التنفيذية تيري كيلي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تحدثت طوال الوقت عن التوتر الدائر بين ثقافة شركة جور والبيروقراطية، وكيف أن هدفهم مع ازدياد تعقيد بيئة الشركة هو الاستمرار في محاربة البيروقراطية. وأوضحت كيلي أيضًا: «بالاستعانة بالأشخاص المناسبين، ووضع أهداف وتعليمات واضحة لا تحتاج إلى الكثير من القواعد.»

توجد مقولة شهيرة لبيتر دراكر صاحب النظريات الإدارية تقول: «الثقافة تقضي على الاستراتيجية بضربة واحدة.» وأقترح مقولة أخرى هي: «الثقافة تقضي على البيروقراطية بضربة واحدة!»

(٧) نيكسون ماكينيس

نيكسون ماكينيس هي الشركة التي أنا جزء منها، وأفخر بأنني شاركت في تأسيسها. كل من الممارسات الثلاث التالية وضعها أشخاص آخرون في فريقنا الموهوب على نحو مدهش. لا يمكنني نسبة الفضل إلى نفسي، لكن يمكنني نشر الأفكار!

(٧-١) كنيسة الفشل

في عطلة أسبوعية قضيناها خارج الشركة، في منزل ريفي استأجرناه في تلال ويلز، انقسمنا إلى مجموعات للنظر في ثقافة الشركة، من خلال تطوير مبادرات لن تنفع شركتنا فحسب، بل ستنفع عملاءنا أيضًا.

صممت إحدى المجموعات عملية صغيرة لتناول فكرة الاحتفاء بالفشل في شركة نيكسون ماكينيس. وطوروا بذرة فكرتهم؛ اعتمادًا على أحد تمارين المسرح مارسها عضو الفريق مات ماثيسون، أثناء عمله في التدريب على الارتجال المسرحي، وتعليم المرتجلين الجدد تقبُّل تصفيق الاحتفاء، والتعود على نحو أفضل على الشعور بعدم الراحة الناتج عنه.

ومن هنا ولدت كنيسة الفشل: إنه طقس ثقافي في شركتنا الصغيرة، غريب لكنه مؤثر. مرة كل شهر تتحول قاعة مجلس الإدارة في شركة نيكسون ماكينيس إلى كنيسة لا طائفية (!) توضع فيها الكراسي في صفوف، كلها مواجهة للأمام، حيث توجد لافتة ورقية مكتوب عليها «منطقة الراحة»، وعلى الجدار خلف الجمهور المجتمِع، يوجد ملصق مكتوب عليه ثلاثة أسئلة كالتالي:
  • (١)

    كيف فشلت؟

  • (٢)

    ماذا فعلت حيال ذلك؟

  • (٣)

    ماذا تعلمت؟

يسير المتطوعون واحدًا تلو الآخر — فالأمر برمته بالغ الغرابة، ومن ثم يجب أن يكون تطوعيًّا — إلى المقدمة، ويقف كل منهم في منطقة الراحة، ثم يصِف إحدى مرات فشله في الفترة الماضية ناظرًا إلى أقرانه. وبعد أن يصف فشله، يبدأ الجمهور في التهليل والتصفيق بصوت عالٍ. إن الوقوف في تلك المنطقة في تلك اللحظة يسبب إزعاجًا لا يصدَّق، وفي الوقت نفسه، فإن رؤية زملائك يصيحون ويصفقون بصخب على أفضل (أي أسوأ) فشل يمكنك تذكره لهو أمر مسلٍّ للغاية. وعلى قدر ما يتمنى المعترف أن تنتهي تلك اللحظة، فإن التصفيق يستمر لفترة أطول مما يتمنى. وعندئذٍ، عندما تشعر المجموعة أنها قدمت ما يكفي يتضاءل التصفيق، وبذلك ينتهي دوره، ويحين دور المتطوع التالي.

ما نأمل في تحقيقه من وراء ذلك هو تغيير تصوراتنا عن الفشل مع مرور الوقت. إنك تنفِّس عن نفسك إلى حد هائل، عندما تتحدث عن أكبر إخفاقات الشهر الماضي أمام أقرانك، وأعتقد أنه في صالح الموظفين أن يروا كل فرد منا — بغض النظر عن الأهمية المفترضة أو طول مدة الخدمة — يقف ويناقش إخفاقاته.

(٧-٢) ورش التواصل

كانت إحدى الممارسات الأخرى التي طبقناها لحوالي ١٨ شهرًا، عبارة عن برنامج دوري لورش التواصل. وضعت فكرة البرنامج وقدمته مديرتنا المالية المتميزة لاسي لوليس، التي تعمل كذلك معالجة نفسية (نعم، محاسبة ومعالجة نفسية، في الوقت نفسه) ورئيس مجلس إدارتنا الحكيم (الذي لم يَعُدْ مسئولًا تنفيذيًّا في الوقت الراهن) بيت بيردن — الذي كان يعمل مستعينًا بممارسات أعمال تقدمية ويصنع نماذج لها أيضًا طوال حياته المهنية — وكانت تلك الجلسات بسيطة للغاية في تنظيمها.

كانت المجموعة، المكونة مرة أخرى من متطوعين، تجلس في حلقة في مكان اجتماع خاص (بالنسبة لنا، قاعة اجتماع مجلس الإدارة). في العادة يوجد في القاعة عشرة أشخاص أو ما يقرب من ذلك، وتقدم لاسي أو بيت، بصفتهما مُنَسِّقَيِ الورشة، القواعد الأساسية «والشروط الأساسية الثلاثة» التي تمنينا ممارستها:
  • احترام الشخص الآخر لأنه إنسان، بغض النظر عن سلوكه.

  • التقمص العاطفي؛ رؤية العالم كما يراه الشخص الآخر (وضع النفس في مكان الآخرين).

  • الاتساق؛ أي الصراحة والشفافية، بما يناسب المرء فيما يتعلق بالأفكار والمشاعر.

مع وضع تلك المبادئ في الاعتبار يمكننا ممارسة «التواصل الواعي»، فنتحدث كمجموعة عن المواقف والموضوعات الشائكة التي حدثت، وكيف كان شعورنا تجاهها. إذا بدا الأمر أشبه قليلًا بالعلاج النفسي الجماعي، فلقد كان كذلك على الأرجح لكنني لا أستطيع تأكيد ذلك حقًّا؛ لأنني لم أخضع قط للعلاج النفسي! (حتى الآن على أية حال).

مع مرور الوقت تضاءلت المجموعات، وأعتقد أن هذا كان يرجع إلى سببين، أولًا: أننا جميعًا وجدنا تلك المجموعات غريبة قليلًا في سياق العمل، وأننا لم نشعر مطلقًا بالارتياح الكامل تجاه التداخل بين الأمور الشخصية والعمل. ثانيًا: تحسن كل فرد في الفريق في التواصل الصريح والصادق. وبالنسبة لبعض الأشخاص انطوى الأمر على تغييرات قليلة في طريقة تحدثهم واستماعهم، بينما أسفر عن تحسينات كبيرة لغيرهم في التواصل مع الآخرين في العمل، لا سيما عندما يكونون تحت ضغط. وبالنسبة لي، فقد تعلمت الكثير، وأنا سعيد بأننا أقمناها. أحتاج فقط إلى تذكر تطبيقها عندما أكون تحت ضغط!

(٧-٣) دِلَاء السعادة!

في القرن الحادي والعشرين، أصبح قياس إسهام مجتمع الأعمال بمقاييس لا تقتصر على الناحية المالية فقط من التحديات الواضحة لمجتمع الأعمال. ولقد رأينا إلى أين يقودنا التركيز الحصري على صافي الدخل. ورغم ذلك، فحتى بالنسبة لأكثر الشركات تقدمية، يوجد تحدٍّ شائكٌ — لا سيما عندما يوجد قدر أكبر من الشفافية فيما يخص الأمور المالية للشركة — وهذا التحدي هو أنه كلما أصبحت البيانات المالية مكشوفة، زادت قوة وتأثير تلك البيانات.

تخيل شركة في صباح كل يوم إثنين، يعرف كل عضو فيها من أعضاء الفريق بالضبط، قدر الأرباح والخسائر المتوقع أن تحققها الشركة في هذا الشهر وفي هذه السنة، وقدر النقد الموجود في المصرف، ومن ثم الوضع المالي الدقيق للشركة، وماذا يعني ذلك بالنسبة لكل فرد. وبصرف النظر عن العواقب الإيجابية والسلبية لذلك، فهذا ما يحدث في شركة نيكسون ماكينيس كل يوم إثنين.

قد تكون تلك طريقة مريعة لبدء الأسبوع. وفي إطار جهودنا لموازنة الجوانب المالية للشركة مع الأمور الأخرى التي تحظى بالقدر نفسه من الأهمية، فإننا نقيس السعادة كل يوم.

ببساطة تامة لدينا ثلاثة دِلَاء، أحدها يعج بكرات التنس، والدَّلْوان الآخران يكونان فارغين في بداية كل يوم جديد، أحدهما دَلْو السعادة والآخر دَلْو التعاسة. وتوجد هذه الدِّلَاء بجوار باب الشركة، وفي طريق خروج كل موظف في نهاية كل يوم يلتقط كرة، ويلقيها في الدلو الذي يعكس حالة يومه على أكمل وجه. الأمر بسيط.

يوجد على الباب ورقة ندوِّن بها عدد كرات السعادة والتعاسة كل يوم مع مرور الأسبوع. يستطيع أي شخص إحصاء عدد الكرات، إنه نظام سهل للغاية. وبعد ذلك يضيف مدير المكتب عدد الكرات في أحد الجداول الممتدة. لدينا الآن بيانات عن السعادة تعود إلى شهر يونيو من عام ٢٠١٠. (مؤخرًا كتب بيث جرانتر أحد أعضاء فريقنا تدوينة على إحدى المدونات يحلل بيانات السعادة تلك في ضوء الأداء المالي لشركتنا، انظر قسم قراءات إضافية للحصول على رابط التدوينة.)

إننا نعتقد أن هذا مهم؛ إذ نرى أننا من خلال ابتكار طريقة للتعبير عن حالتنا المزاجية، فإننا نضع معيارًا يوضح أهميتها، ويمثل مرجعًا للنقاشات في الفرق وبين الأفراد. كما نعتقد أنها تمثل أيضًا أداة قوية للتحقق من الوعي الذاتي: «لماذا أضع كرة أخرى في دلو التعاسة؟ ما الذي يحدث؟ ما الذي أحتاج إلى فعله، أو من الذي أحتاج إلى التحدث إليه؟»

بالنسبة لي كمدير، فعندما أدخل الشركة في صباح اليوم التالي، فهذا الإحصاء إما أن يشعرني بالسعادة أو بالإحباط. وأثناء كتابتي لهذا الكتاب في صباح يوم الأحد أرى أنه في يوم الجمعة كان حوالي ٣٠ في المائة من الكرات في دلو التعاسة، وهذا ليس معتادًا بالنسبة ليوم الجمعة، والآن أنا على دراية بذلك. لديَّ تقييم في الزمن الفعلي يوضح رفاهة الفريق، وحالته المزاجية، ولا يمكنني التنكر له. ينتشر هذا التقييم على نحو شامل، سواء أكانت نتيجة ذلك سلبية أم إيجابية. وهذا يجبرني، ويجبرنا جميعًا، على التصرف (أو على الأقل أن نختار عدم التصرف عن وعي).

إذن كيف ستطور طريقة تعامل مؤسستك مع موظفيها؟

إليكم أربعة جوانب يلزم استكشافها:
  • (أ)

    وضع قيم ومبادئ قوية.

  • (ب)

    الاحتفاء بالشخصية.

  • (جـ)

    تمكين تطوير الأفراد.

  • (د)

    إرساء الحرية والثقة.

(أ) وضع قيم ومبادئ قوية

بعد قضاء وقت في دراسة الشركات الناجحة حقًّا في تطبيق أفكار الأشخاص التقدميين، من الواضح أن السمة التي نتشارك فيها جميعًا هي وضوح قيمهم وإيمانهم بها.

في مؤتمر وورلد بلو لايف، أوضح متحدثو الشركات صاحبة الرؤية، واحدًا تلو الآخر قيمهم بالغة الوضوح. وما تمنحه مؤسسات مثل زابوس وجور، إنما هو القيم المتضافرة عبر أنحاء المؤسسة كافةً: بداية بقيمة «خلق المرح وبعض الغرابة» التي تتبناها شركة زابوس حتى قيمة «القدرة على وضع الالتزامات الشخصية والوفاء بها» التي تتبناها شركة جور.

إذن، ما القيم التي تريد غرسها في فريقك؟ أو بصياغة أفضل، ما هي القيم التي يمكنكم الالتزام بها، وجعل بعضكم مسئولين عنها، والسعي بجدٍّ إلى تحقيقها في العمل؟

(ب) الاحتفاء بالشخصية

في القرن العشرين، كان التزام المهنية والتصرف وفقًا لطبيعتك الشخصية، يعتبران أمرين مختلفين. كان التزام المهنية لا يعني الوفاء بالوعود وبمستوى عالٍ فحسب، أي أن تكون جديرًا بالثقة، بل كان يعني أيضًا أن تكون حياديًّا (مثل اللون الرملي لأجهزة الكمبيوتر، مرة أخرى!)، وفي هذا الصدد أن تتصرف وفقًا لبعض الأعراف الأصولية القوية: قليل من الضحك المهذب، تجنب فظاظة اللفظ (على الأقل في البداية)، وبالتأكيد تجنب الغرابة. وفيما يتعلق بالعواطف، فكان متوقعًا من الشخص المهني ألا يُظهر عواطفه.

في القرن الحادي والعشرين، عندما أصبح البديل المتاح أمام الكثير من العاملين في مجال المعرفة هو العمل كموظفين مستقلين، وعندما أصبح بديل العمل في المكتب هو العمل من المنزل أو في مكان عمل مشترك، وفي ظل قرن أصبح فيه الناس يدركون أن الحياة بها أمور أخرى أكثر من العمل وحده، فإن تلك الأفكار المتعلقة بالمهنية تشهد تغيرًا. فأهلًا بالعودة إلى الشخصية!

والأمر الواضح لدى تلك الشركات التقدمية التي تحتفي بالأشخاص هو ترحيبهم وتقديرهم للشخصية، والصدق، والعواطف، والمزاح.

وهذا يطرح علينا جميعًا تحديات جديدة. في شركتنا نعلم أن عضو الفريق الجديد يستغرق عادةً ستة أشهر كي يتصرف حقًّا على طبيعته في العمل. إن إبطال مفعول غسيل المخ الذي انتهجته ممارسات الأعمال السيئة يستغرق وقتًا. والاحتفاء بالشخصية يطرح تحديات بالنسبة لك كقائد، أيًّا كان المستوى الذي تقود منه، يجب أن تقود، يجب أن تكون صادقًا، ويجب أن تحتفي بذاتك الحقيقية في العمل، وألا تجعل على الآخرين حرجًا في فعل الأمر نفسه. من السهل قول هذا ومن الصعب تنفيذه، لا سيما في الأيام السيئة.

إذن هل يمكنك البدء في فعل ذلك غدًا؟ كيف يمكنك التصرف بمزيد من «التلقائية» وتشجيع الآخرين على فعل الأمر نفسه؟ وعلى نطاق موسع، كيف سترسخ ذلك؟ ما الممارسات التي سوف تساعد على تحقيق ذلك؟

(ﺟ) تمكين تطوير الأفراد

يوجد في هذا الفصل عامل ثابت أساسي يتعلق بتمكن الأفراد من تحسين أنفسهم. إنه ليس مفروضًا، ولا يقتصر على كتب «التنمية الشخصية» ذات الطابع المفرط في المثالية إلى حد ما التي يمكنك أن تجدها على أرفف متجر الكتب في شارعك. علاوة على ذلك، فإنه تلك الروح التي تسمح لموظفي الشركة بتطوير أنفسهم، وتمكِّنهم من ذلك على صعيد الجوانب المهنية، وعلى صعيد الجوانب الشخصية بصفة خاصة.

كيف يمكن لمؤسستك تمكين التطوير الشخصي الحقيقي؟ ما الذي يمكنك فعله لدعم تطوير الأفراد المحيطين بك؟

(د) إرساء الحرية والثقة

لعل أكبر الأفكار التي تعتنقها مؤسسات القرن الحادي والعشرين هي تلك الأفكار المتعلقة بالحرية والثقة. إنها كلمات كبيرة لها وقع في النفوس، وتعد إلى حد ما النقيض التام للثقافات المتأصلة لدى معظم الشركات. لكن أليس هذا ما نطلبه ونتوقعه في وقتنا الحاضر؟

في حديث رائع في أحد مؤتمرات تيد عُقد في يوليو ٢٠٠٩، وحمل عنوان «دان بينك يتحدث عن علم التحفيز المدهش» قال بينك: إن الجوانب الثلاثة لتحفيز الأفراد هي الاستقلالية والإجادة والهدف. وقد رأينا في هذا الفصل كيف أن الشركات الثلاث تمنح موظفيها قدرًا كبيرًا من الثقة والحرية، وتجني المكافآت. وفي الفصول القادمة، ستظل الحرية والثقة من العوامل الثابتة. ولن تكون الحرية والثقة ظاهرتين على نحو واضح، بل ستوجد كلتاهما تقريبًا في خلفية كل شيء سنتناوله، بداية من القيادة الواعية ووصولًا إلى الفصل الأخير الذي يتناول الإدارة المالية العادلة.

أظن أن السؤال المطروح أمامك هو: ماذا يمكنك أن تفعل بالحرية والثقة في مؤسستك؛ لأنهما بمثابة الخلفية العامة والطرق المختصرة لهذا الفصل برمته. إنهما أساس كل ما ورد ذكره في الفصل. هل ستدعهم فعلًا — الموظفين — يحققون أمورًا رائعة؟ ومن — في مؤسستك — قد لا يحقق ذلك، ولِمَ لا؟

(٨) الاعتراف بالتحديات

قبل الانتهاء من هذا الفصل، سيكون من الإهمال عدم تناول بعض التحديات التي تواجه الأفراد في المؤسسة المعاصرة. يوجد ثلاثة تحديات سنتناولها، وهي كالتالي:

(٨-١) المنافسة

المنافسة بين الأقران لا تقل بالضرورة في ثقافة الشركة التي تتميز بقدر أكبر من التنوير. في حقيقة الأمر، أعتقد حاليًّا أنها قد تزيد.

من خلال إتاحة الفرص، مع قدر أكبر من الشفافية، وقدر أقل من التسلسل الوظيفي، وثقافة وممارسات تحقق قدرًا أكبر من التقييم داخل المؤسسة، من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى سيادة مبدأ الجدارة بقوة. قد تهلل قائلًا: «عظيم!» ربما يكون الوضع هكذا، لكني أعتقد أني أعمل في مكان مماثل، وأتعامل مع بعض عواقب بيئة تقوم على أخلاقيات عمل قوية إلى حد مذهل، إلى جانب المنافسة بالغة الشدة بين الأقران. الأمر ليس سهلًا. وبالنسبة لأعضاء الفريق أنفسهم، فإنهم قد يشعرون بالتوتر الشديد (بالإضافة إلى التحفيز) نظرًا لكونهم جزءًا من مؤسسة يوجد بها سعي محموم نحو الإنتاج، ولا يوجد بها إلا أماكن قليلة لتجنب ذلك.

عند سماع تيري كيلي الرئيسة التنفيذية لشركة جور، تروي كيف أن كل شريك من شركاء جور (وهي منهم) يحدد أقرانُه ترتيبَه في قائمة الشركاء الأفضل أداءً، لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في أن إحدى عواقب بعض من الممارسات التي «تراعي» الأشخاص تلك، قد تكون الميل نحو المنافسة غير الصحية، وهو الأمر الذي قد يتطلب مراقبة وموازنة.

من المفيد الانتباه إلى ذلك، لا سيما في الأوقات التي يمر فيها أفراد الفريق بظرف حياتي، أو مرحلة في حياتهم الشخصية أو المهنية، لا يتحقق فيها النجاح في ظل هذه البيئة. ربما تحتاج إلى أن تولي هؤلاء الأشخاص مزيدًا من الانتباه، وتدعمهم، أثناء هذه الظروف العصيبة.

(٨-٢) الغرق في الحرية والصدق

ومن الموضوعات ذات الصلة، أنه في ظل مؤسسة تتمتع بقدر أكبر من السلاسة؛ حيث الأدوار الوظيفية أقل تحديدًا، وإدارة الأفراد أقل توجيهًا، وينصبُّ الاهتمام الأكبر على إعطاء التقييمات، من الممكن أن يشعر أعضاء الفريق في نهاية المطاف بأنهم مشتتون.

عندما لا يوجد سوى قدر قليل من النظام لاتباعه، ويوجد الكثير من الفرص لاقتناصها، وينتمي الموظف إلى فريق عالي الأداء، قد يشعر الموظف الجديد في نهاية المطاف، بأنه غارق ومشتت؛ بسبب انعدام النظام، والاحتمالات الهائلة الموجودة. أعتقد أنه في شركة جور تعدُّ الأمور المذكورة جزءًا كبيرًا مما يقدمه الراعي للشريك الجديد.

وبالمثل، فقد وصف أحد الأعضاء الجدد في فريق شركة نيكسون ماكينيس بيئة الشركة قائلًا: «يبدو أن قدر الصدق زائد في الشركة.» (تذكر أيضًا التواصل الصادق المفتوح الصريح في شركة ناماستي.) من الممكن أن يكون من الصعب التعامل مع هذا الأمر في البداية، إذا كان الشخص معتادًا على منهج أقل مباشرةً وصدقًا، في التواصل والتعامل مع المعلومات الإدارية في مؤسسة مختلفة.

(٨-٣) بعض الأشخاص يرغبون في وظيفة على نمط القرن العشرين

أخيرًا، بعض الأشخاص ربما سوف «يرغبون» في وظيفة على نمط القرن العشرين حتى في القرن الحادي والعشرين. ربما يريدون أن يفعلوا فقط ما جاءوا لفعله، وأن يفعلوا الأمر نفسه على مدار سنوات، وألا يعلموا إلا قليلًا عن أدائهم أو عن أداء المؤسسة، وربما يكون هذا جيدًا بالنسبة لهم. هذا النوع من الأشخاص — وربما تكون أنت واحدًا منهم — لا يرغبون في الجلوس في حلقة للتحدث عن أحاسيسهم، ولا يرغبون في نوع من التوجيه غير العملي من قبل أحد «الرعاة»، إنهم يريدون مديرًا، ويريدون أن يخبرهم ماذا يجب أن يفعلوا.

أستطيع أن أتفهم هذه الرغبة؛ إن تغيير السلوك صعب حقًّا، وتغيير الثقافة أو تغيير توقعات وتوجهات مجموعة من الأفراد حول العمل صعب حقًّا أيضًا. بعض الأشخاص مستعدون للتغير، بينما البعض الآخر سوف يقاومون للنهاية. وفي تجربة القيام بهذا النوع من التغييرات في إتش سي إل تكنولوجيز مع عشرات الآلاف من الموظفين، لاحظ فينيت نايار — الرئيس التنفيذي للشركة — انقسام الموظفين إلى ثلاث مجموعات: المتحولين الذين أرادوا التغيير، والمحايدين الذين اتخذوا موقف المراقب، والأرواح الضائعة الذين تشبثوا بموقفهم ورفضوا التحرك. في كتاب «الموظفون أولًا، العملاء ثانيًا» يصف نايار كيف اختار التركيز على المتحولين بهدف أنهم سيقنعون المحايدين المستعدين للتغيير. قد يكون الوضع مختلفًا في حالتك، وقد يناسب فريقك أو مؤسستك منهج مختلف.

وأيًّا كانت الحالة، فإن إدراك أن كثيرًا من الأشخاص يرغبون في واقع الأمر في وظيفة على نمط القرن العشرين، يعد أمرًا ضروريًّا. وعندما لا يوجد توافق بين الموظف وبيئة العمل، حاوِلْ إدراك ذلك مبكرًا، وفي العادة ستكون علامات ذلك موجودة. إن البيئة التي لا يستطيع الفرد فيها أن يتطور، لن يستطيع أن يكون سعيدًا فيها حقًّا، وسوف يستنزف جهودك. كن واضحًا، واحرص على أن تكمل المهمة سريعًا، فليس كل شخص جاهزًا أو راغبًا في تلك الطرق التقدمية! ومن الأفضل له ولك إذا أدركت ذلك وتصرفت على هذا الأساس.

(٩) ملخص

الناس شريان حياة أية شركة. في هذا الفصل قضينا بعض الوقت في تأمل ما تفعله المؤسسات المعاصرة مع أفرادها، من أجل خلق مزايا حقيقية. ويوجد عدد من الممارسات المتاحة أكثر بكثير من تلك التي استطعنا تناولها في هذا الكتاب.

في جوهر الأمر، المسألة كلها تعتمد على المعتقدات. إذا كنت تعتقد أن الموظفين يحتلون المرتبة الأولى والأخيرة وكل المراتب البينية، فسوف تستطيع أن تكتب فصلًا خاصًّا بمؤسستك، وبشركتك، وبفريقك.

يقول الناس إننا في حرب مواهب، وفي عالم الأعمال فإن الفريق الأفضل هو من يفوز. وإذا كان هذا حقيقيًّا، فإن اتخاذ الخطوات التالية هو ما يصنع الفرق بين التقدم والتخلف. إنني أعلم أين أفضِّل أن أكون.

بعد أن استعرضنا الأشخاص التقدميين في المجمل في هذا الفصل، سوف نتناول الآن الدور المدهش للقيادة في الشركة التقدمية.

(١٠) قراءات إضافية

  • كتاب «توصيل السعادة» لتوني شيه.

  • «دان بينك يتحدث عن علم التحفيز المدهش» مؤتمر تيد يوليو ٢٠٠٩ http://bit.ly/cltrshk5.
  • تيري كيلي، الرئيسة التنفيذية لشركة جور آند أسوسيتس http://bit.ly/cltrshk6.
  • تحليل بيث جرانتر لبيانات السعادة والأداء المالي لشركة نيكسون ماكينيس http://bit.ly/cltrshk7.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤