المنظر الأول

(حجرة طفل في الرابعة من عمره … وهو جالس في سريره الصغير، بملابس النوم … وإلى جانبه أبوه … على مقعد … في ثياب البيت … والساعة تدق التاسعة مساء.)

الطفل : كم دقت الساعة يا بابا؟
الأب : التاسعة … موعد نومِك فات … يا ميمي … يجب أن تنام في الحال.
الطفل : لا أريد أن أنام الآن.
الأب : يجب أن تنام … أغمِض عينيك.
الطفل : ليس في عينيَّ نوم.
الأب (نافد الصبر) : وما العمل؟
الطفل : لماذا تريد منِّي أن أنام؟
الأب : لأني لا أستطيع أن أبقى بجوارك طول الليل … ألم ترَ المحفظة الكبيرة التي جئتُ بها اليوم؟
الطفل : ماذا فيها؟
الأب : أوراق … عمل مصلحي … لا بد من إنجازه … نم … أرجوك … هل تُحبني؟
الطفل : نعم.
الأب : كثيرًا؟
الطفل : كثيرًا جدًّا … أكثر من براغيت الست!
الأب (مأخوذًا) : براغيت الست؟!
الطفل : نعم … ألَا تعرفها؟ إنها أصغر من «البونبون» الذي تُحضره لي … ولكني أُحبها أكثر من «البونبون» … أتعرف من أين اشتريتُها؟ … من الرجل الذي يسير بالعربة الصغيرة أمام البيت، وينفُخ في النفير.
الأب (كالمُخاطِب نفسه) : أهذه الحلوى نظيفة؟
الطفل : نعم … أتريد أن تذوق منها؟

(يحاول النزول من سريره … فيمنعه الأب برفق.)

الأب : ابق في سريرك … ابقَ … كل ما أريد منك يا ميمي هو أن تنام.
الطفل : تريد أن أنام؟
الأب (بعجلة ورجاء) : نعم يا ميمي.
الطفل : قُصَّ عليَّ حكاية … وأنا أنام … هكذا تفعل ماما … أين ماما الليلة؟
الأب (بغير انتباه) : في البرلمان.
الطفل : ما هذا؟
الأب : لن تفهم الآن ما هو … عندما تكبُر ستعرف.
الطفل : أريد أن أعرف الآن.
الأب : سَلْها هي عندما تحضر.
الطفل : ومتى ستحضر؟
الأب (كالمخاطِب نفسه) : الله أعلم متى … هذا يتوقف على جدول الأعمال.
الطفل : ماذا تقول يا بابا؟
الأب : لا شيء … لا شيء.
الطفل : ربما كانت ماما في السينما … ذهبت بدوني … لترى الفيل وخرطومه الذي يحمل به الأشياء … والببغاء ذات الألوان الحمراء والخضراء والصفراء … لقد أخذَتْني مرة … فرأيت كل ذلك … ولكن الببغاء لم تكن في السينما، محبوسة في القفص … كما رأيتُها في حديقة الحيوان … بل كانت مُنطلقة في مكانٍ واسع به أشجار … نعم رأيتها كذلك في السينما ولكني نمتُ بعد ذلك … ولم أشاهد ماذا جرى.
الأب : نمِ الآن أيضًا يا ميمي أرجوك!
الطفل : قُصَّ عليَّ الحكاية أولًا.
الأب (في حيرة) : أي حكاية؟
الطفل : الحكاية التي تعرفها ماما.
الأب : لا أعرفها.
الطفل : وماذا تعرف إذن؟
الأب (في يأس) : لا أعرف شيئًا!

(التليفون يرن في الخارج … وهو ذو حبلٍ طويل … فلا يلبث الخادم أن يظهر وهو يحمِله إلى ربِّ البيت.)

الخادم : الست في التليفون!

(ويسلم السماعة لسيده … ويضع آلة التليفون على منضدة ويخرج.)

الأب : آلو … نعم يا عزيزتي … ميمي لا يزال مُستيقظًا. لا يريد النوم بدون حكاية … ماذا تقولين؟ … أنا أقُصَّ عليه؟ حكاية الفيل والببغاء؟! … لا أعرفها … ماذا؟ أخترع له؟ ربنا يقدرني! … وأنت؟ أين أنت الآن؟ في البهو الفرعوني! … شيء جميل جدًّا … في الاستراحة … مفهوم! … ومتى تحضرين؟ … لا تعرفين بالضبط … مناقشة ميزانية وزارة الأشغال. ماذا إذن؟ … آه … استجواب عن مشروع تعلية خزان جبل الأولياء … طبعًا … طبعًا … معلوماتك الفنية ضرورية جدًّا في هذا الموضوع … أفندم؟ … أخرس؟ … خرست وقطعت لساني!

(يضع السماعة بكل هدوء.)

الطفل (مُشيرًا إلى التليفون) : هذه ماما؟
الأب : هي بعينها.
الطفل : ماذا كانت تقول لك؟
الأب : قالت لي أن أقُصَّ عليك حكاية الفيل والببغاء.
الطفل : نعم … نعم … قصَّ عليَّ هذه الحكاية.
الأب : إنها حكاية طويلة إذا داعب جفنك النوم، وأنا أحكيها فنَم.
الطفل : ابدأ من أولها.
الأب (محاولًا أن يُهيئه للنوم) : ضع أولًا رأسك على الوسادة! … وأغلق عينَيك نِصف إغلاق … هكذا (يُعطيه المثل).
الطفل (يُقلده) : هكذا؟
الأب : نعم هكذا … وإيَّاك أن تتكلَّم أنت … دعني أنا أحكي.
الطفل : احكِ يا بابا.
الأب : تريد حكاية عن الفيل والببغاء … حكاية جديدة طبعًا … آه يا ربي! … ماذا أقول له؟ … كان هناك فيل … فيل له خرطوم.
الطفل : كلُّ فيلٍ له خرطوم يا بابا.
الأب : طبعًا … طبعًا هذا ما أقصد … ألَم أوصِكَ ألَّا تتكلَّم أنت؟ … أغمِض عينَيك قليلًا … نعم هكذا … كان الفيل يمشي في طريقٍ مُتَّسع به أشجار … وكانت هناك شجرة عظيمة … وكانت تحت الشجرة ببغاء حمراء خضراء صفراء … تريد أن تُثرثِر … وأن تُظهر فصاحتها … فلمَّا رأت الفيل فرِحت وقالت له: سعِدْتَ صباحًا أيها الفيل … ماذا جئت تصنع ها هنا؟
فقال لها الفيل من فوق الشجرة: جئتُ أبحث عن الماء.
الطفل (مُقاطعًا) : وكيف يكون الفيل فوق الشجرة؟!
الأب : أنا قلتُ ذلك؟
الطفل : نعم … ألَمْ تقُل الآن أنَّ الفيل قال لها من فوق الشجرة: «جئتُ أبحث عن الماء»؟!
الأب : أقصد أنه قال لها من تحت الشجرة.
الطفل : وأين كانت الببغاء إذن؟
الأب : ماذا قلت أنا؟
الطفل : قلتَ يا بابا إنها كانت تحت الشجرة.
الأب : لا … أبدًا … أقصد أنها كانت فوق الشجرة.
الطفل : وبعدُ … ماذا حصل؟
الأب : أغمِض عينَيك … أغمض عينيك.
الطفل : ماذا حصل للفيل؟
الأب : لم يحصُل له شيء … أقصد أنه جعل يبحث عن الماء فوجد بُحيرة كبيرة … فيها تمساح … فلمَّا مدَّ خرطومه ليشرَب من البحيرة، أمسك التمساح بالخرطوم بين فكَّيه … فقال له الفيل: «ماذا تريد»؟
فقال التمساح: «أمنعك من شُرب الماء.» فقال الفيل: «ولماذا تمنعني؟» … فقال التمساح: «لأن البحيرة ملكي» … فقال الفيل: «وأنا من أين أشرب؟» فقال له التمساح: «اشرب من البحر!» فقال: «وأين البحر؟» فقال له: «ابحث عنه.» فمشى الفيل … ومشى … ومشى … (ينظر في وجه الطفل ويسكت) الحمد لله (هامسًا) دبَّ النوم في عينَيه.
الطفل : وبعد أن مشى … ماذا حصل؟
الأب : أعوذ بالله! … ألم تزل مُستيقظًا؟!
الطفل : نعم … احكِ لي ما الذي حصل … بعد أن مشى الفيل!
الأب : مشى … ومشى … ومشى … فوجد شيئًا يلمَعُ من بعيد … فقال: «هذا هو البحر وهذه أمواجه تلمَع في الشمس.» فمشى أيضًا … ومشى … ومشى آه (يتثاءب).
الطفل : إنك تتثاءب يا بابا … أستنام؟!
الأب : لا.
الطفل : إيَّاك أن تنام قبل أن تقول لي ماذا وجد الفيل!
الأب : لم يجد شيئًا.
الطفل : والبحر؟
الأب : لم يكُن هناك بحر.
الطفل : وما هذا الشيء الذي كان يلمع؟
الأب : سراب.
الطفل : سراب؟ … ما هذا؟ … ماذا يعني؟
الأب : عندما تكبَر تعرِف … (يتثاءب).
الطفل : عدتَ تتثاءب يا بابا … أريد أن أعرف ماذا صنع الفيل.
الأب : مشى عائدًا … مشى … ومشى … ومشى.
الطفل : ولماذا يمشي مرة ثانية؟
الأب : لأنه يجب أن يمشي … ويمشي … ويمشي.
الطفل : ليقابل التمساح؟
الأب (وهو يُغالِب النعاس) : نعم.
الطفل : ليسأله عن الماء؟
الأب : طبعًا.
الطفل : الببغاء … ماذا حصل لها؟
الأب : الببغاء؟ … أي ببغاء؟
الطفل : أنسيتَها؟!
الأب : آه … حقًّا … الببغاء … نسيناها.
الطفل : إنك تنام يا بابا.
الأب : لا … أبدًا … الببغاء حقيقة.
الطفل : أين هي؟
الأب : هناك.
الطفل : هناك أين؟
الأب (ناعسًا) : في … البرلمان.
الطفل : البرلمان!

(يُفتَح الباب … وتدخُل الأم بسرعة … وهي تلهث.)

الأم (مندفعةً نحو الطفل) : ميمي! … ألم تزل مُستيقظًا حتى الآن؟!
الطفل : نعم يا ماما … (يُشير إلى أبيه) بابا هو الذي نام!
الأم (تلتفت إلى زوجها) : ما شاء الله! … (تصيح به) عبد السلام، عبد السلام!
الأب (ينتبه فجأة) : ماذا؟ … ماذا حصل؟
الأم : قُلت لك أن تُنيم طفلك … لا أن تنام أنت!
الطفل : حَكى لي يا ماما حكاية «بايخة» لم تُنِمني.
الأم : أنامته هو طبعًا!
الطفل : قال لي يا ماما إن الببغاء في البرلمان … أين هذا البرلمان يا ماما.
الأم (وهي ناظرة إلى زوجها) : أهو قال ذلك؟!
الأب : ياللمصيبة! … أأنا قلت ذلك؟
الأم (وهي تُرقد الطفل في فراشه) : لا بأس! … نم الآن يا ميمي … إذا كنت تُحب ماما … (تجس رأسه) جبينه ملتهب! … الولد عنده حرارة!
الأب : حرارة!
الأم : الترمومتر بسرعة! … كان يجب أن تُدرك ذلك.
الأب : كيف يخطر لي هذا أيضًا!
الأم : إنه مُستيقظ إلى الآن من أثر الحُمَّى … والقلق … والأرق.
الأب (كالمخاطب نفسه) : الحُمى … لا بدَّ أنها نتيجة براغيت الست!
الأم : ماذا تقول؟
الأب : لا شيء … الترمومتر … أين هو الترمومتر؟!
الأم (مشيرة إلى خزانة ملابس الطفل) : في هذا «الدولاب» ابحث في الرفِّ الأعلى.

(التليفون يرن … يُسرِع الأب إليه، ويتناول السماعة.)

الأب : آلو! … مَن؟ معالي وزير الأشغال؟ … موجودة يا فندم! … (يقول لزوجته هامسًا باحترام) معالي الوزير طالبك في التليفون!
الأم : ماذا يريد؟ … الاستجواب تأجَّل إلى جلسة الغد … (تتناول السماعة) معالي الباشا؟ … الآن؟ … بعد ربع ساعة؟ … أمر خطير؟ … ألا يُمكن تأجيل المقابلة للصباح؟ … خمس دقائق فقط؟ … وهو كذلك … أنا في الانتظار.
الأب (باهتمام) : سيأتي هنا الآن؟ … لا بأس … دعي لي ميمي … واذهبي أنتِ لمشاغل الدولة!
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤