غَزْوَةُ السَّوِيق

كانت في اليوم الخامس من ذي الحجة في العام الثاني من الهجرة.

نذر أبو سفيان بعد وقعة بدر ألا يمس النساء والطيب حتى يغزو النبي ، ثم إنه خرج في مئتي راكب من مشركي قريش ليبرَّ بيمينه، فنزل على مسافة بريد من المدينة، وأتى بني النضير ليلًا يريد دار حيي بن أخطب أحد رؤسائهم، فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له، فجاء إلى سلام بن مشكم سيدهم وصاحب كنزهم فأذن له، واجتمع به، ثم خرج إلى أصحابه فبعث رجالًا منهم إلى المدينة فحرقوا نخلًا بها، ووجدوا رجلًا من الأنصار — قيل إنه معبد بن عمرو، وحليفًا لهم — الأنصار — فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين، فخرج النبي يطلبهم في مئتين من المهاجرين والأنصار، فجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب بإلقاء جرب — جمع جراب — السويق فيأخذه المسلمون، وذهبوا فلم يدركوهم — السويق القمح أو الشعير يقلى ثم يطحن.

تأنَّ ابنَ حرب لست في مثلها جلدا
قصاراك أن ترتدَّ حرَّان أو تردى
هي الغارة الحرى فإن شئت فانطلق
وإن شئت فاقعد واتخذ مضجعًا بردا
جلا السيف في بدر لعينك ما جلا
وأبدى لك النصر المؤزر ما أبدى
حلفت لئن لم تأت طيبة غازيًا
لتجتنبنَّ الطيب والخرَّد الملدا
أتغزو رسول الله أن هدَّ بأسُه
من الكفر سدًّا ما رأى مثله سدَّا؟
كذلك وعد الله لو كنت مؤمنًا
لأيقنت أن الله لا يخلف الوعدا
جرى طيركم نحسًا ببدر ولن تروا
لكم ما عبدتم غيره طائرًا سعدا
أمضَّك وجد متلف من محمد
ولست أبا سفيان إن لم تزد وجدا
رويدًا هداك الله إنك لن ترى
له في الوغى إن هجته للوغى نِدَّا
أراك غررت القوم إذ رحت مُوجفًا
تخادعهم عن حلفة لم تكن جدَّا
ذهبت تقود الجند يا لك قائدًا
ويا للألى سيقوا إلى يثربٍ جندا
تحاول نصرًا من حيَيِّ بن أخطب
وصاحبه هيهات زدت المدى بعدا
رُددت عن الباب الذي جئت طارقًا
فيا لك سهمًا ما ملكت له ردَّا
وما نلت خيرًا إذ أتيت ابن مشكم
وكنت امرأ أعمى الهوى لا يرى رشدَا
بعثت على النخل الرجال فلم تدع
لنفسك عزًّا تبتغيه ولا مجدا
شببت بهم نارًا ترامى لهيبها
بعينك يبكي الضال أو يضحك الرندا
فوارس راحوا خفية في سيوفهم
فما وجدوا سيفًا ولا صادفوا غمدا
يصيبونها شتى الجنى وكأنما
يصيبون من أعدائهم معشرًا لدَّا
تولَّوا سراعًا بعد مقتل معبد
وصاحبه والخيل تتبعهم جردا
عليها من الغر الميامين فتية
تبادر ورد الموت تلتمس الخلدا
دعاها الرسول المجتبى فكأنما
دعا عاصفًا صعبًا يهدُّ القوى هدَّا
مضى ومضوا إثر السراحين ترتمي
إلى شيخها مذعورة تتقي الأسدا
فلما رأى الجدَّ استطار ولم يجد
من الأرض يهوي في مساربها بُدَّا
يصيح بجند السوء ألقوا بزادكم
وفروا خفافًا لا يكن أمركم إدَّا
وطاروا شعاعًا للسويق وراءهم
ركامٌ إلى أعداء أربابهم يُهدى
همُ رفدوهم كارهين ولو وفوا
بأيمانهم كانوا لأسيافهم رفدا
إليك ابن حرب إن للحرب جذوة
إذا هيجت ذا نجدة زادها وقدا
هي النصر أو عاد من الموت واقعٌ
بكل كمِيٍّ لا مفرَّ ولا معدى
فررت تخاف الفقد في حومة الوغى
بأيدي الألى يستعذبون بها الفقدا
أفي الحق أن لا تعبد الله وحده
وتسجد للعزَّى تكون لها عبدا؟
سبيلان شتى أنت لا بد عالمٌ
إذا ما استبنت الرشد أيهما أهدى
رجعت مغيظًا لم تنل وتر هالك
ولم تشف غيظًا من ذويك ولا حقدا
تصُدُّ قريشٌ عنك مما كذبتها
ومنَّيتها يا طول همك لو أجدى
قل الحق ما للعالمين سكينة
على الأرض حتى يعبدوا الواحد الفردا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤