ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ (رَضِي اللهُ عَنْهُ) وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا

كان الزبير بن باطا (بزاي مفتوحة، وقيل مضمومة) شيخًا من بني قريظة من على ثابت بن قيس في الجاهلية يوم بعاث حرب بين الأوس والخزرج كان الظفر فيها للأولين، أخذه فجز ناصيته، ثم خلى سبيله.

سأل ثابتًا (رضي الله عنه) أن يشفع له لدى النبي لينجو من القتل، فجاءه وذكر له ما كان من أمره معه، وقال: يا رسول الله، إنها يد أحفظها له، وأحب أن أجزيه بها، فقال: «هو لك»، وعاد فأخبر الزبير فقال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة؟ ورجع ثابت فكلم النبي في أهله وولده. فقال: «هم لك»، وأخبر الشيخ فقال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاؤهم على ذلك؟ وشفع ثابت في ماله، فقال له الرسول الكريم: «هو لك».

قال اليهودي: أما أنت فقد قضيت ما عليك، فماذا فعل بالذي كان وجهه مرآة مضيئة، تتراءى منها عذارى الحي؟ يعني كعب بن أسد سيد بني قريظة، قال ثابت: قتل، قال: فما فعل بسيد الحاضر والبادي من يحملهم في الجدب ويطعمهم في المحل، حيي بن أخطب؟ قال: قتل … ثم سأله عن آخرين من سادات قومه فقال: قتلوا، قال: أسألك يا ثابت أن تلحقني بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، أأرجع إلى دار قد كانوا فيها حلولًا فأخلد فيها؟

فقال ثابت: ما كنت لأقتلك، وقدمه إلى الزبير بن العوام (رضي الله عنه) فقتله.

كذلك يَشقى الجامح المتعسف
ويركب متن الظلم من ليس ينصف
يموت بسوء الرأي من ساء خلقه
وللمرءِ ذي التقوى عن الغي مصرف
أضاع الزبير الأمر والأمر مقبل
وآثر حد السيف والسيف يصدف
سعى ثابت يجزيه سالف صنعه
لدى محسن يُسدي الجميل ويعطف
فقال رسول الله جئتك شافعًا
لشيخ دعاني ضارعًا يتلهف
حباني دمي يوم البعاث وفكَّني
وتلك يد بيضاء للشيخ تُعرف
فهبه رسول الله لي إنني به
على ما ترى من شأنه لمكلف
فقال فعلنا ثم عاد شفيعه
يبشره بالعفو والشيخ يرجف
فجدَّ له في المحسن السمح مطمعٌ
وقال حياة شرها ليس يوصف
بنِيَّ وأهلي ليس لي إن فقدتهم
سوى الموت إني عن حياتي لأعزف
فلما تسنَّى الأمر قال لثابت
أنبقى بلا مال فنشقى ونتلف؟
وجاد رسول الله بالمال رحمة
وبرًّا فراح الشيخ يهذي ويهرف
يسائل عن كعب وسادات قومه
ويُطري سجاياهم فيغلو ويسرف
توجَّع لما قيل ذاقوا حِمامهم
وقال أريد الموت فالعيش أخوف
خذ السيف واضرب يا ابن قيس فإنهم
هم الصحب ما لي بعدهم متخلف
كفى حزَنًا يا صاحبي أن تضمني
ديار بهم كانت تُحبُّ وتؤلف
أرحني أرحني يا ابن قيس بضربة
تبيت لها نفسي ترف وتنطف
تزودت من نأي الأحبة غُلَّة
فهل أنت للصادي المعذب مسعف؟
فقال معاذ الله لست بفاعل
ومثلي يأبى ما تريد ويأنف
وجاء به يلقى الزبير على أسى
يغالبه والموت بالشيخ يهتف
وقال اسقه ريَّ الغليل من الردى
فطاح به ماضي الغرارين مرهف
فيا لك من رأي سفيه ومركب
كريه وخطب فادح ليس يكشف
قضى ثابت حق المروءة وافيًا
وبرَّ رسول الله والبرُّ مجحف
ولكنَّ شيخ السوء أهلك نفسه
وذو الجهل يُرمى من يديه ويقذف

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤