الفصل الخامس والعشرون

جغرافية السُّودان ومصر

يقع السُّودان «الحالي» في الشَّمال الشَّرقي من أفريقية جنوبي مصر، يبدأ منها عند خط العرض ٢٢° إلى جنوب الخط ٥° من العرض الشمالي، ويبلغ طول هذه المسافة ١٢٠٠ ميل، ويحدُّ السُّودان شمالًا بمصر وشرقًا بالبحر الحمر وأريترية التابعة لإيطاليا وبلاد الحبشة، وغربًا بأفريقيا الاستوائية الفرنسية، وجنوبًا مستعمرة أوغندا الإنكليزيَّة والكونغو البلجيكي، ليمتد غربًا من بحيرة رودلف قاطعًا النِّيل عند نموله، وهي قرية في أقصى الجنوب.

وتبلغ مساحة السُّودان حوالي مليون ميل مربع، أي ضعفين ونصف مساحة المملكة المصرية. وقد نزلت حكومة السُّودان عن مثلث من الأرض ضُمَّت إلى طرابلس الغرب، ويقع المثلث الصحراوي في الشَّمال الغربي للسُّودان. وكان ذلك بمعاهدة بين السُّودان وإيطاليا سنة ١٩٣٤.

وسكان السُّودان قليلون، وإحصاؤهم مستحيل؛ لاتساع المساحة وتفرق القبائل أقل من تنقلهم فيها. ويقال: إنهم بلغوا عشرة ملايين قبل الثَّورة المهدية، وإنهم نقصوا إلى أقل من ثلاثة ملايين بعد انتهائها. وأصبح العدد الآن متراوحًا بين ستة ملايين وعشرة ملايين.

ويشغل السُّودان أكبر نصيب من وادي النيل، وتحيط بالسُّودان الهضاب عند حدوده الشرقية والغربية والجنوبية، وبين رأس نباس على البحر الأحمر إلى بحيرة رودلف في الجنوب صحاري واسعة، بها جبال وهضاب، منها الهضبة الحبشية، وهي عالية المواقع في الحبشة، ثم تميل إلى الهبوط عند السُّودان. وتقع غرب النِّيل صحارى واسعة حتَّى مرتفعات جنوبي كردفان وجبال النوبة، وبعض الجبال يصل ارتفاعه إلى ٢٥٠٠ متر كجبل قدير الذي أقام به المهدي مدة وجاءته الوفود تترى من أنحاء السُّودان مصدِّقة دعوته مقبلة على مبايعته، وجبل طقيم وتاج الله. وجبل مرة على مقرُبة من دارفور وعلوُّه ٣٠٠٠ متر. وترتفع الأراضي عند بحر الغزال ابتداءً من بحر العرب وبحر الجبل، إلى خط تقسيم الماء الفاصل بين النِّيل والكونغو.

وأشهر صحارى السُّودان: بيوضة، وهي جزء من صحراء ليبيا، والنوبة، وهي امتداد صحراء العرب شمالًا.

وأهم واحات السُّودان: سليمة ولوجيا وبئر النطرون أو السُّلطان، وتقع كلها غربي النيل.

كان بالسُّودان ١٥ مديرية: وهي الخرطوم وعاصمتها الخرطوم، وبربر وعاصمتها الدَّامر، ودنقلة وعاصمتها مروى، وحلفا وعاصمتها حلفا، والبحر الأحمر وعاصمتها بورسودان، والنيل الأبيض وعاصمته الدويم، والنيل الأزرق وعاصمته واد مدني، والفونج وعاصمتها سنجة، وكسلا وعاصمتها كسلا، وأعالي النِّيل وعاصمتها ملاكال. وكردفان وعاصمتها الأبيض، ودارفور وعاصمتها الفاشر وجبال النوبة وعاصمتها تالودي، وبحر الغزال وعاصمتها واو، ومنجلا وعاصمتها منجلا.

وفي كلِّ مديرية مأموريات «مراكز»؛ ففي الخرطوم: الخرطوم، أم درمان، الخرطوم بحري، وجيلي.

وفي بربر: أبو حمد وبربر والدامر وزيداب وشندي، وود حامد وعطبرة.

وفي دنقلة: أرجو ودنقلة والخندق والدية وكورتي ومروى.

وفي حلفا: حلفا والمحس وسكوت.

وفي البحر الأحمر: سواكن ومحمد غول وسنكات وطوكر والعقيق وكارورة.

وفي النيل الأبيض: الدويم والكوة وكوستي وتندلي والجبلين والقطنية.

وفي النِّيل الأزرق: مدينة ود مدني ومركز ود مدني والمناجل ورفاعة والمسلمية وسنار والكاملين وأبو دليج.

وفي الفونج: سنجة ودندر «أبو هاشم» وكركوج والرصيرص ودارفنج وكرمك.

وفي كسلا: كسلا وتمريز والبكانة «خشم القرية» والقضارف والمفازة والقلابات.

وفي أعالي النِّيل: الرنك وملوت وكودوك وملاكال وتنجة وفنجاك ولنجتام ونيرول وأبونج وأيوض ونقطة خور أثر والناصر ونقطة جارجوانج ونقطتا أكوبو وبيبور وجامبلة «محطة تجارية استأجرتها الحكومة من الحبشة».

وفي كردفان: بارادام دام وسوديري والأبيض وأم روابة ورهد والنهود وأبو زبد والأضية ومقلد.

وفي جبال النوبة: دلنج وسنجيكاي وكدوجلي ورشاد وتاج الله وتالودي واليري وهيبان والقوالب.

وفي دارفور: الفاشر وكتوم ونياله وأم كداده.

وفي بحر الغزال: واو وطنج ومشرع الرق ونيام ليل وراجه وديم الزبير وكفيكنجي ورومبيك ولاو وشامبي وجنب ومريدي وياميبو وطمبورة.

وفي منجلا: دك فايول وبور وأمادي وطمبة وباي ولوكا والرجاف وتوريت وأكوتوس ولوزنجا وعدالي وأوباري وكاجوكاجي ومنجلا.

•••

وتكثر الأمطار في الجنوب الشرقي. والجو في الشَّمال جافٌّ، مع حرارة شديدة في الصيف «وخاصة في إبريل ومايو ويونية. تصل إلى ١٢٠°» فارنهيت، وبرودة شديدة في الشتاء، حيث تنزل بعض الأمطار.

في الجنوب: الجو حار رطب.

وفي الشَّرق: رطب — لا سيما في فصل الأمطار — وفي الهضبة الحبشية بارد صحي، وفي السهول رطب غير صحي.

وفي الغرب: حار وجاف صحي، وحرارته ليست شديدة.
جدول مديريات السُّودان قبل الإدماج الأخير
المديرية البندر المديرية البندر
الخرطوم الخرطوم كسلا كسلا
بربر الدامر أعالي النيل ملاكال
دنقلة مروى كردفان الأبيض
حلفا حلفا جبال النوبة تلودي
البحر الأحمر بورسودان دارفور الفاشر
النيل الأبيض الدويم بحر الغزال واو
النيل الأزرق واد مدني منجلا منجلا
الفونج سنجا

(١) إدماج المديريات

ورُئِي أخيرًا إدماج المديريات في بعضها، كما ألغيت مراكز بسبب إنشاء المحاكم الأهليَّة.

أُدمجت مديريات حلفا وبربر ودنقلا، وأصبحت باسم المديرية الشمالية وعاصمتها الدامر. وأٌدمجت النِّيل الأزرق والفونج باسم النِّيل الأزرق عاصمتها واد مدني.

أُدمجت مديريتا البحر الأحمر وكسلا — أصبحتا مديرية كسلا — ماعدا بورسودان، فقد أصبحت محافظة.

وأدمجت مديريات النِّيل الأبيض وأعالي النِّيل وملاكال، وأصبحت مديرية ملاكال عاصمتها ملاكال.

أدمجت بحر الغزال في منجلا باسم مديرية خط الاستواء وعاصمتها جوبا.

(٢) جغرافية النِّيل في رأي العرب

جاء في مقدمة ابن خلدون تحت عنوان «تفصيل الكلام على هذه الجغرافيا»:

الإقليم الأول وفيه من جهة غربية الجزائر الخالدات التي منها بدأ بطليموس يأخذ أطوال البلاد وليست في بسيط الإقليم، وإنما هي في البحر المحيط جزر متكاثرة أكبرها وأشهرها ثلاثة، ويقال إنَّها معمورة، وقد بلغنا أن سفائن الإفرنج مرت بها في أواسط هذه المائة، وقاتلوهم فيها فغنموا منهم وسبوا وباعوا بعض أساراهم بسواحل المغرب الأقصى، وصاروا إلى خدمة السُّلطان، فلما تعلموا اللسان العربي أخبروا عن حال جزائرهم، وأنهم يحتفرون الأرض للزراعة بالقرون، وأن الحديد مفقود بأرضهم، وعيشهم من الشعير، وماشيتهم المعز، وقتالهم بالحجارة يرمونها إلى خلف، وعبادتهم السجود للشمس إذا طلعت، ولا يعرفون دينًا، ولم تبلغهم دعوة، ولا يوقف على مكان هذه الجزائر إلَّا بالعثور لا بالقصد إليها؛ لأنَّ سفر السفن في البحر إنما هو بالرياح ومعرفة جهات معها بها ولا أين يوصِّل، وإذا مرَّت على الاستقامة من البلاد التي في ممر ذلك المهب، وإذا اختلف المهب وعلم حيث يوصل على الاستقامة حوذي به القلع محاذاة يحمل السفينة بها في القوانين في ذلك محصله عند النواتية والملَّاحين الذين هم رؤساء السفن في البحر والبلاد التي في حفافي البحر الرومي وفي عودته مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه في الوجود وفي وضعها في سواحل البحر على ترتيبها ومهابِّ الرياح وممراتها على اختلافها مرسوم معها في تلك الصحيفة، ويسمونها الكنباص، وعليها يعتمدون في أسفارهم، وهذا كله مفقود في البحر المحيطي؛ فلذلك لا تلج فيه السفن؛ لأنَّها إن غابت عن مرأى السواحل فقلَّ أن يُهتدى إلى الرجوع إليها مع ما ينعقد في جو هذا البحر وعلى سطح مائه من الأبخرة الممانعة للسفن في مسيرها، وهي لبُعدها لا تدركها أضواء الشمس المنعكسة من سطح الأرض فتحللها، فلذلك عَسُر الاهتداء إليها، وصَعُب الوقوف على خبرها.

وأمَّا الجزء الأول من هذا الإقليم ففيه مصب النِّيل الآتي من مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه، ويُسمَّى نيل السُّودان، ويذهب إلى البحر المحيط فيصب فيه عند جزيرة أولئك، وعلى هذا النِّيل مدينة سلا وتكرور وغانة، وكلها لهذا العهد في مملكة ملك مالي من أمم السُّودان، وإلى بلادهم تسافر تجار المغرب الأقصى، وبالقرب منها من شماليها بلاد لمتونة وسائر طوائف الملثَّمين ومفاوز يجولون فيها، وفي جنوبي هذا النِّيل قوم من السُّودان يقال لهم: طلم، وهم كفار، ويكتوون في وجوههم وأصداغهم، وأهل غانة والتكرور يغيرون عليهم ويسبونهم ويبيعونهم للتجار فيجلبونهم إلى المغرب وكلهم عامة رقيقة، وليس وراءهم في الجنوب عمران يُعتبر إلَّا أناسي أقرب إلى الحيوان العجم من الناطق، يسكنون الفيافي والكهوف، ويأكلون العشب والحبوب غير مهيأة، وربما يأكل بعضهم بعضًا وليسوا في عداد البشر. وفواكه بلاد السُّودان كلها من قصور صحراء المغرب مثل توات وتكدرارين ووركلان، فكان في غانة فيما يقال ملك ودولة القوم من العلويين يُعرفون ببني صالح، وقال صاحب كتاب زجار: إنَّه صالح بن عبد الله بن حسن بن الحسن، ولا يُعرف صالح هذا في ولد عبد الله بن حسن. وقد ذهبت هذه الدولة لهذا العهد، وصارت غانة لسلطان مالي، وفي شرقي هذا البلد في الجزء الثالث من هذا الإقليم بلد كوكو على نهر ينبع من بعض الجبال هنالك، ويمر مغربًا فيغوص في بلاد الجزء الثَّاني، وكان ملك كوكو قائمًا بنفسه، ثمَّ استولى عليها سلطان مالي، وأصبحت في مملكته، وخُرِّبت لهذا العهد من أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مالي في محلها من تاريخ البربر وفي جنوبي بلد كوكو بلاد كاتم من أمم السُّودان، وبعدهم ونفارة على ضفة النِّيل من شماليه وفي شرقي بلاد ونفارة وكاتم بلاد زغاوة وناجرة المتصلة بأرض النوبة في الجزء الرابع من هذا الإقليم، وفيه يمر نيل مصر ذاهبًا من مبدئه عند خط الاستواء إلى البحر الرومي في الشَّمال، ومخرج هذا النِّيل من جبل القمر الذي فوق خط الاستواء بست عشرة درجة، واختلفوا في ضبط هذه اللفظة فضبطها بعضهم بفتح القاف والميم نسبة إلى قمر السماء لشدة بياضه وكثرة ضوئه، وفي كتاب المشترك لياقوت بضم القاف وسكون الميم نسبة إلى قوم من أهل الهند، وكذا ضبطه ابن سعيد، فيخرج من هذا الجبل عشر عيون تجتمع كلُّ خمسة منها في بحيرة، وبينهما ستة أميال، ويخرج من كلِّ واحدة من البحيرتين ثلاثة أنهار تجتمع كلها في بطيحة واحدة في أسفلها جبل معترض يشق البحيرة من ناحية الشَّمال، وينقسم ماؤها بقسمين؛ فيمر الغربي منه إلى بلاد السُّودان مغربًا حتَّى يصب في بحر المحيط، ويخرج الشَّرقي منه ذاهبًا إلى الشَّمال على بلاد الحبشة والنوبة وفيما بينهما.

وينقسم في أعلى أرض مصر فيصب ثلاثة من جداوله في البحر الرومي عند الإسكندرية ورشيد ودمياط، ويصب واحد في بحيرة ملحة قبل أن يتصل بالبحر في وسط هذا الإقليم الأول، وعلى هذا النِّيل بلاد النوبة والحبشة وبعض بلاد الواحات إلى أسوان، وحاضرة بلاد النوبة دنقلة، وهي في غربي هذا النِّيل وبعدها علوة وبلاق، وبعدهما جبل الجنادل على ستة مراحل من بلاق في الشَّمال، وهو جبل عالٍ من جهة مصر منخفض من جهة النوبة، فينفذ فيه النِّيل ويصبُّ في مهوى بعيد صبًّا مهولًا، فلا يمكن أن تسلكه المراكب، بل يحول الوسق من مراكب السُّودان فيحمل على الظهر إلى بلد أسوان قاعدة الصعيد، وكذا وسق مراكب الصعيد إلى فوق الجنادل، وبين الجنادل وأسوان اثنتا عشرة مرحلة والواحات في غربيها عدوة النِّيل، وهي الآن خراب، وبها آثار العمارة القديمة، وفي وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس منه بلاد الحبشة وادياتي من وراء خط الاستواء ذاهبًا إلى أرض النوبة، فيصبُّ هناك في النِّيل الهابط إلى مصر، وقد وهم فيه كثير من الناس وزعموا أنَّه من نيل القمر، وبطليموس ذكره في كتاب الجغرافيا، وذكر أنه ليس من هذا النيل. ا.ﻫ.

(٢-١) جغرافية مصر

تشتمل بلاد القطر المصري على الأقسام الآتية:
  • (١)
    مصر الأصلية: وهي عبارة عن الزاوية الشمالية الشرقية من قارة أفريقيا، وتمتد جنوبًا من البحر الأبيض المتوسط إلى خط عرض ٢٢ شمالًا، وشرقًا من خط الزوال ٢٥ إلى قنال السويس وخليج السويس والبحر الأحمر. وتنقسم مصر الأصلية إلى ثلاثة أقسام متناسبة:

    وادي النِّيل والدلتا، صحراء ليبيا أو الصحراء الغربية، صحراء العرب أو الصحراء الشرقية.

  • (٢)
    شبه جزيرة سينا: وهي عبارة عن جزء من قارة آسيا يمتد شرقًا من قنال السويس إلى الخط الواصل بين رفح على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وبين طابا بالقُرب من رأس خليج العقبة، وتسكنها قبائل من البدو ما عدا مدن العريش والطور والقنطرة. وتعرف شبه جزيرة سينا إداريًّا باسم محافظة سينا، وهي ضمن المناطق التي تشرف عليها مصلحة الحدود.
  • (٣)
    عدة جزر في خليج السويس والبحر الأحمر: أهمها جويال وشدوان وقفاطين وزبرجد أو جزيرة سان جون (القديس يوحنا).

وتبلغ مساحة مصر حوالي ١٠٠٠٠٠٠ كيلو متر مربع أو أقل من المساحة الكلية صالحة للزراعة ولسد حاجة عدد محدود من السُّكان، والباقي منها يحتوي على أراضٍ صحراوية قاحلة يسكنها قليل من الأعراب الرُّحَّل.

وقد بلغ عدد سُكَّان القطر المصري حسب الإحصاء الأخير الذي عمل في سنة (١٩٢٧) ١٣٢١٧٨٦٤ نسمة، أكثر من ٩٩ منه يسكن وادي النِّيل والدلتا ومديرية الفيوم ومنطقة قنال السويس، والباقي مبعثر في الصحاري وشبه جزيرة سينا، ونسبة عدد السُّكان تبلغ ٤٥٠ نسمة في الكيلو متر المربع من وادي النِّيل والدلتا. أمَّا في الصحاري فإنَّ تلك النسبة هي نسمة واحدة في كلِّ ١٣ كيلومترًا مربعًا. أمَّا مدينة القاهرة — وهي عاصمة القطر المصري — فإنَّها أكبر مدينة في أفريقيا، وقد بلغ عدد سكانها في إحصاء سنة (١٩٢٧) ١٠٦٤٠٦٧ نسمة.

  • الشاطئ: يبلغ طول شاطئ القطر المصري ٢٤٠٠ كيلومتر تقريبًا أو ١٣٠٠ ميل جغرافي، وشاطئ البحر الأبيض المتوسط مستوٍ ورملي ما عدا الجهات الغربية لمدينة الإسكندرية؛ فإنَّها مكوَّنة من هضاب صخرية قليلة الارتفاع قريبة من البحر في بعض المواضع. أمَّا على امتداد شاطئ البحر الأحمر فيوجد سهل رملي أو حصوي منحدر يفصل بين الجبال والبحر، وتلك الجبال ترتفع كثيرًا على مسافة قريبة في داخل البلاد، وتقترب كثيرًا من البحر في جهات أخرى، خصوصًا عند خليجي السويس والعقبة؛ فإنَّ مياههما تتلاطم بسفوح الجبال، وترى غالبًا في كلِّ مكان على امتداد شاطئ البحر الأحمر سلسلة صخور مرجانية كثيرة، توجد عدة من الجزر الأخرى بعيدة عن شاطئ البحر، وفضلًا عمَّا في مصر من الثغور الثلاثة العظيمة: الإسكندرية وبورسعيد والسويس، فإنَّ بها أيضًا ثغورًا ومرافئ أُخرى معدَّة لرسو المراكب الكبيرة، أهمُّها على التوالي: السَّلُّوم ومرسى مطروح على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، والطور وأبو زنيمة والزيتية وجمسة وهرغادة على خليج السويس، وسفاجة والقصير وحلايب على البحر الأحمر.
  • وادي النِّيل والدلتا: نهر النِّيل هو أهم الظواهر الجغرافية في مصر، وعليه تتوقف حياتها الزراعية، ويبلغ الجزء الممتد منه في مصر من وادي حلفا في أقصى الجنوب إلى رشيد ودمياط على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ١٥٠٠ كيلومتر.

    أمَّا في جنوب القاهرة، فإنَّ وادي النِّيل يسير منحصرًا بين صخور شاهقة يبلغ ارتفاعها عن سطح النَّهر أكثر من ٣٠٠ متر في بعض المواقع، ومن هذه الصخور تؤخذ معظم أحجار البناء، ويختلف اتساع الوادي من أقل من كيلومتر في المواضع التي بها أحجار الجرانيت والأحجار الرملية في جنوب أسوان إلى أكثر من ٢٠ كيلومترًا فيما بين أسيوط والقاهرة حيث يتكوَّن معظم صخورها من حجر الجير. والأرض الصالحة للزراعة في الوجه القبلي عبارة عن الطبقة المستوية من وادي النِّيل، وهي المحصورة بين مجرى النَّهر والصخور المحيطة به. أمَّا في شمال مدينة القاهرة فإنَّ الأراضي الزراعية تمتدُّ من الدلتا على شكل مروحة غير منتظمة، وتشتمل على مديريات الوجه البحري الستِّ. ومديرية الفيوم ذات الأرض الخصبة والواقعة في منخفض من صحراء ليبيا على بعد ٩٠ كيلومترًا جنوب غربي مدينة القاهرة، وإن كانت خارجة عن حوض وادي النِّيل، ولكنَّها تُروى من مياه النَّهر بواسطة ترعة كبيرة يبلغ طولها أكثر من ١٥٠ كيلومترًا معروفة باسم بحر يوسف، ولا يتَّصل بالنيل رافد مطلقًا في كلِّ مجراه الطويل في مصر، حيث يقل في الواقع سقوط الأمطار لدرجة أنَّ ما يفقده النِّيل بالتَّبخُّر يزيد كثيرًا جدًّا على كمية ما يسقط من المطر في هذه البلاد.

    ويستمد النِّيل ماءه من الأمطار الغزيرة التي تسقط في مناطق خط الاستواء بإفريقية، ويختلف ارتفاع الفيضان في القُطر المصري سنويًّا تبعًا للمواسم الممطرة والجافَّة التي تتعاقب على هضاب الحبشة وبلاد السُّودان التي تعتبر حوض تجمُّع لمياه النيل.

    ويبدأ النِّيل في الزيادة عند مدينة القاهرة في شهر يولية، ويصل إلى النهاية العُظمى (التي تزيد عن أربعة أمتار من منسوبه مدة التَّحاريق) حوالي منتصف شهر سبتمبر، ثمَّ ينخفض إلى الحد الأدنى في شهر مايو، ويختلف مقدار تصرُّف النَّهر المار بالقاهرة من ٢٥ مليون طن في اليوم مدة التحاريق إلى ٨٠٠ مليون طن في اليوم وقت الفيضان. وعند انخفاض النِّيل يكون ماؤه رائقًا ولكنَّه يتغير وقت الفيضان ويصير معكَّرًا ضاربًا إلى السُّمرة كلون الشكولاته؛ نظرًا لوفرة ما يعلق به من الرواسب أو الطَّمي الذي يحمله أثناء جريانه في جبال الحبشة، وبسبب احتواء هذا الطَّمي على المواد المخصبة كان هو العامل الأساسي في خصوبة أراضي القطر المصري.

    وتوجَّه عناية مهندسي الرَّي إلى الاحتفاظ بمياه النِّيل وحصرها بين ضفتيه وقت الفيضان، ثمَّ توزيعها على الأراضي بواسطة الترع: أما خزَّان أسوان الكبير فإنَّ الغرض منه حجز كمية من مياه النِّيل عند أول دور من أدوار نقصانه السريع وإطلاقه وقت الصيف تخفيفًا لما قد يحصل في مياهه من النقص مدة التحاريق. وقد أنشئت قناطر عند إسنا وأسيوط وقرب القاهرة وزفتى بقصد مراقبة توزيع المياه على ترع الرَّي الكبيرة.

  • صحراء ليبيا أو الصحراء الغربية: تمتد صحراء ليبيا الشَّاسعة الأرجاء من غرب وادي النِّيل إلى بلاد طرابلس الغرب، وفي الجهة الشمالية منها تتكون معظم الصخور السطحية من حجر الجير؛ أمَّا في الجهة الجنوبية فإنَّه يكثر انتشار الحجر الرملي.

    وجبل عوينات (١٩٠٧ أمتار)، وهو أعلى القمم بها، يقع في أقصى الطرف الجنوبي الغربي من الأراضي المصريَّة، وهو — مثل قمم جبال الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سينا — يتكون من صخور نارية. والسلاسل الطويلة من التلال الرملية التي لا يمكن عبورها والممتدة من شمال الشَّمال الغربي إلى جنوب الجنوب الشَّرقي لمسافات تبلغ ٥٠٠ كيلومتر هي أجلى ظاهرة لصحراء ليبيا التي هي في جملتها من أكثر مناطق الدنيا ذات الأرض القاحلة وغير الآهلة بالسُّكان، غير أنَّ بها عددًا من المنخفضات به آبار وينابيع كافية لري مساحات قليلة وسد حاجة الآلاف من السُّكان، وهذه المنخفضات عبارة عن الواحات الغربية التي أهمها (من الجنوب الشَّرقي إلى الشَّمال الغربي): الواحات الخارجة والداخلة والفرافرة والبحرية وسيوه، وتتصل الواحات الخارجة بوادي النِّيل بواسطة سكة حديدية. وأمَّا معظم الواحات الأخرى فبعد أن كان الوصول إليها فيما مضى يقتضي سفرًا طويلًا شاقًّا على ظهور الجمال في أرض مقفرة خالية من الماء أصبح الآن بفضل الطرق التي مهدتها مصلحة الحدود للسيارات على قيد ساعات معدودة. أمَّا واحة سيوة ومديرية الفيوم فمنخفضتان عن سطح البحر، ويقع بينهما منخفض القطَّارة الواسع الأرجاء الذي تبلغ مساحته حوالي ١٨٠٠ كيلومتر مربع، وهو أوطأ من سطح البحر، وتقع أوطأ نقطة فيه على منسوب ١٣٤ مترًا تحت سطح البحر الأبيض المتوسط. وإمكان الانتفاع اقتصاديًّا من مشروع توليد القوى الكهربائية من منخفض القطَّارة لا يزال قيد البحث الدقيق. والمعادن التي تستخرج من صحراء ليبيا في الوقت الحاضر هي النطرون أو الصودا الطبيعية التي تُوجد في بحيرات وادي النطرون الواقعة على مسافة ١١٠ كيلومترات شمال غربي مدينة القاهرة. ويستعمل النطرون على الخصوص في صناعة الصابون البلدي، ويوجد نوع من صخور الفوسفات في الواحات الداخلة وحجر الشب في الواحات الخارجة ومعدن الحديد في الواحات البحرية، غير أنَّ النفقات العظيمة التي تلزم لنقل هذه المعادن تحول دون استخراجها والانتفاع بها تجاريًّا. ولا يعلم ما يدلُّ على وجود أثر للبترول في صحراء ليبيا، وكذا منابع الزيت فإنَّه يشرع في البحث عنها في تلك البقاع إلى الآن.

    وتنقسم صحراء ليبيا إداريًّا إلى محافظتين تابعتين لمصلحة أقسام الحدود: إحداهما تشمل القسم الشَّمالي بما فيه الواحات البحرية والفرافرة تعرف بمحافظة الصحراء الغربية، والأخرى الجزء الجنوبي بما فيه واحات الخارجة والداخلة، وتُسمَّى بمحافظة الصحراء الجنوبية.

  • صحراء العرب أو الصحراء الشرقية: تُعرف المنطقة الواقعة بين النِّيل والبحر الأحمر بصحراء العرب أو الصحراء الشرقية، ولو أنَّها تشبه صحراء ليبيا في عدم وجود الماء بها غير أنَّها تختلف كثيرًا عنها، فبدلًا من الهضاب المتماثلة الواسعة الأرجاء التي تتكون منها المنطقة التي على الجانب الآخر من النَّهر؛ فإنَّ بالصحراء الشرقية ظواهر طبيعية متنوعة أهمها سلسلة الجبال الوعرة المرتفعة التي تمرُّ في وسطها، ويتكون معظمها من طبقات من الصخور النارية، وتمتد من الشَّمال الغربي من بلاد الحبشة إلى ما يقرب من السويس، وهناك تظهر ثانية كأنَّها كتلة منفصلة عن جبال شبه جزيرة سينا، وأشهر قمم هذه الجبال الموجودة بالقطر المصري (من الشَّمال إلى الجنوب) جبل غريب (ارتفاعه ١٧٥٦ مترًا)، وجبل أبو دخان (١٦٦٢ مترًا)، وجبل الشايب (٢١٨١ مترًا)، وجبل حماتة (١٩٧٨ مترًا)، وجبل فريد (١٣٦٦ مترًا)، وجبل جيرف (١٤١٩ مترًا)، وجبل شنديب (١٩١٢ مترًا)، وجبل علبة (١٤٢٨ مترًا). وتحيط بسلسلة جبال من الجهة الغربية بين محورها والنيل هضاب من الحجر الرملي والجيري تخترقها وديان كثيرة الطول والعمق بها كثير من الآبار ومنابع المياه وكذا الأعشاب البرية. ولما كان محور هذه الجبال أقرب إلى البحر الأحمر منه إلى النِّيل كانت منحدرات الجبال الشرقية على الدوام أكثر انحدارًا منها في الجهات الغربية؛ ولذا تنعدم الهضاب لمسافات طويلة على شاطئ البحر الأحمر، ويكثر وجود الآبار والينابيع في الجهات الجنوبية من الصحراء الشرقية عن الجهات الشمالية منها؛ لأنَّ الجهات الجنوبية قريبة من مناطق خط الاستواء الممطرة، ونسبة الطرق الممتدة في الصحراء الشرقية غالبًا بين الوديان الشهيرة من بئر إلى بئر. وقد ترى هنا وهناك أكواخًا صغيرة للأعراب الرُّحَّل الذين من عددهم القليل يتكون سُكَّان هذه البقاع. وتربية الجمال السريعة العدو تقوم بها قبائل البشارين الذين يسكنون الجهات الجنوبية للصحراء الشرقية، لا سيما بالقرب من جبل علبة.

    ولا تخلو الصحراء الشرقية من الثروة المعدنية، وقد عُمِلت في السنين الأخيرة محاولات جديدة للبحث عن إيجاد مراكز معينة لهذه المعادن التي عُلم أنَّها توجد في بعض الأماكن لاستخراج ما فيها والانتفاع به، ولا يزال كثير من جغرافية هذه الجهات الاقتصادية قيد الكشف في القطر المصري، ولكن البترول يُستخرج بكميات وافرة من جمسة وغرهادة على شاطئ خليج السويس، ويستخرج الفوسفات كثيرًا من الجهات المجاورة لسفاجة، ولا يزال ما يستخرج من البترول من الينابيع المصريَّة غير كافٍ لسد حاجة البلاد، إلَّا أنَّه من المأمول كشف ينابيع جديدة. أمَّا الفحم فإنَّه قد كشف في عدة جهات طبقات صغيرة في صخور الصحراء محتوية على مادة الكربون. غير أنه للأسف لم تكشف من بينها طبقات فحمية يمكن الاعتماد عليها، وليس هناك أمل في كشف غيرها في المستقبل. وقد أدَّت قلة وجود الفحم في مصر مع قلة وجود الخشب أيضًا إلى الاهتمام بالبحث عن سوائل الوقود اهتمامًا لم يسبق له مثيل.

    ويصدر إلى الخارج جميع ما يستخرج من الفوسفات من سفاجة وغيرها لعدم حاجة البلاد إليه؛ إذ إن أراضي القطر المصري غنية بهذه المادة من السماد وليست في حاجة إليها.

    وتوجد كميَّات قليلة من الذهب والنحاس الأحمر في أماكن مختلفة من الصحراء الشرقية، ولكن استخراجها لا يعود بفائدة ما لكثرة ما يصرف من النفقات في استخراجها من هذه الأراضي الوعرة المسالك والتي لا ماء فيها، كما أنه قد بذلت مجهودات أخرى لإعادة فتح مناجم الزمرُّد القديمة في جهات السكيت، وقد كانت النتيجة أن استخرجت منها كميَّات متوسطة منذ بضع سنوات، على أنه قد لُحظ أن نوع هذه الأحجار لم يكن عالي القيمة، بل كان منحطًّا جدًّا بحيث إنَّه يحول دون إمكان صنعها إلَّا بخسارة.

    وهذا الجزء من الصحراء المصريَّة يقع تحت إشراف مصلحة أقسام الحدود، ويعرف إداريًّا بقسم البحر الأحمر، ويمتد شمالًا إلى طريق القاهرة — السويس وجنوبًا إلى حدود السُّودان الإدارية.

  • شبه جزيرة سينا: تمتد من الساحل الشَّمالي للبحر الأبيض المتوسط، وهو ساحل رملي مستوٍ، مرتفعة نحو الجنوب لمسافة ٢٥٠ كيلومترًا تقريبًا، وتكون بعد ذلك هضبة مرتفعة جيرية تنتهي بمنحدر عظيم عند التيه. ويعلو هذا المنحدر في بعض الجهات إلى أكثر من ١٥٠٠ متر عن سطح البحر، ثمَّ تتغير طبيعة البلاد تغييرًا فجائيًّا في الجهات الجنوبية من التيه، والقسم الجنوبي من شبه الجزيرة عبارة عن جبال وعرة من الجرانيت تخترقها وديان عميقة، وأعلى قمم هذه الجبال جبل كاترينا (ارتفاعه ٢٦٤٦ مترًا)، وأم شومر (٢٦٠٢ مترًا)، وأستيب (٢٤٤٩ مترًا)؛ فإنَّها أعلى جبال في مصر، وفي شبه جزيرة سينا ينابيع وآبار بكميات متوسطة، وتجري فيها مياه ملحية، ولا توجد في شبه الجزيرة مدينة متسعة، أمَّا الجهات المأهولة فهي العريش والنخل والطور التي لها أهمية خاصة في كونها محجرًا صحيًّا.

    أمَّا ثروتها المعدنية؛ فإنَّها قليلة لغاية الآن، ويستخرج معدن المغنيز بكميات متوسطة من الجبال الواقعة في شرق أبو زنيمة، وتصدَّر للخارج. وقد كُشفت بشبه الجزيرة منابع للزيت بالقرب من خليج السويس في أبي دربة، ولكن الكميات المستخرجة منها قليلة.

  • جزائر خليج السويس والبحر الأحمر: قليلة الأهمية، وعلى بعضها كجزيرة الأشرفي وجزيرة صدوان فنارات السفن، يسكنها حراس هذه الفنارات فقط، وليس بها سُكَّان آخرون، وقد عملت مباحث عن البترول في جزائر جاي صم وملحميت وجوبال بالقرب من خليج السويس بدون جدوى، كما استُكشِفت حديثًا جملة أماكن لمنابع الزيت في جزيرة الزبرجد أو سان جون الواقعة في البحر الأحمر على بعد خمسين كيلومترًا من الجنوب الشَّرقي لرأس بناس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤