الفصل الرابع والثلاثون

مستقبل السُّودان

يهمُّ القارئ أن يتنبأ بما عسى أن يكون عليه السُّودان في المستقبل، أو ما هو المستقبل المنتظر للسُّودان. ويجب التفريق بين الأماني والوقائع الراهنة والحقائق الواقعة: فمن جهة الأماني، فإنها قد تتعدد؛ فلمصر أماني نحو السُّودان، وأمانيها معروفة، وهو بقاء السُّودان مع مصر؛ لأنَّ النِّيل قد جعل منهما بلادًا متماثلة وسكانًا متشابهين، وهذا يقع تحت شعار «الاستقلال التَّام لمصر والسُّودان»، وهو مطلب من مطالب الحركة الوطنية، وقد فشلت المفاوضات بين إنكلترا ومصر في سبيل السعي لتحقيقه جزئيًّا كان أم كليًّا.

وهناك أماني الإنكليز، وهي تفهم أو يحاول الإنسان أن يفهمها من سياسة الإنكليز في استعمار إفريقيا، وفي مواصلات الإمبراطُوريَّة وفي قناة السويس وفي مصر، وفي السيطرة على منابع النيل، وفي رغبتهم في التَّوسع الزراعي في مساحات القطن، وفي أحاديثهم في المفاوضات الرَّسمية وفي كشف منابع النِّيل وحكم بلاده، والإيعاز إلى الخديوي إسماعيل بتعيين غوردون حاكمًا مستقلًّا على خط الاستواء، فحكمدارًا لعموم السُّودان، فمنتدبًا لإخلائه، فاستعادة السُّودان بقيادة كتشنر باشا واشتراك الجنود الإنكليزيَّة مع الجيش المصري، فسياسة الحكم في السُّودان التي بدأت باتفاقية سنة ١٨٩٩، وانتهت في سنة ١٩٢٤ بإخراج الجيش المصري، وفي أقوال الصحف الإنكليزيَّة والمؤلفين الإنكليز عن السُّودان، وفي اهتمام إنكلترا بالحبشة ومنافستها لإيطاليا وفرنسا في الاستعمار.

على مكتشف نيات إنكلترا أن يدرس هذه العوامل مجتمعة. وإذا أخذنا بالواقع وحده، ألفينا إنكلترا منفردة فعلًا بحكم السُّودان، فالحاكم العام من كبار الإنكليز وأعضاء مجلس الحاكم وكبار الموظفين من مديري المديريات ومديري المصالح والمفتشين — جميعًا من الإنكليز — والحكم الثنائي في السُّودان — وهو اشتراك مصر مع إنكلترا — ليس لمصر من مظاهره إلَّا تعيين الحاكم العام بمرسوم، ورفع العلم المصري إلى جانب العلم الإنكليزي على دواوين الحكومة في السُّودان. وحكومة السُّودان تسير على قوانين وقواعد وطرائق لا ترجع فيها إلى مصر، بينما ترجع إلى المندوب السَّامي البريطاني في مصر، وهو في الوقت ذاته مندوب سامٍ في السُّودان، ورئيس مباشر للحاكم العام، والمندوب السَّامي نفسه تابع لوزارة الخارجية البريطانية. وقد جاء في كتاب «السودان الإنكليزي المصري» تأليف سير هارولد ماكميكل السكرتير الإداري لحكومة السُّودان سابقًا، والحاكم العام لتنجانيقا حالًا، — قال في الفصل الثالث والعشرين ص٢٧١: «أحيانًا يوجه هذا السؤال: ما هي فائدة السُّودان لبريطانيا العُظمى؟ والجواب على ذلك هو أن بريطانيا العُظمى قد قبلت مسئوليات جسيمة بصفتها ضامنة للقروض التي عقدت في سبيل تقدم السُّودان، ولأنَّ هناك ملايين الجنيهات من رؤوس الأموال البريطانية موظَّفة فيه — هذا من الوجهة المادية، ومن الوجهة الحربية فإنَّ للسُّودان موقعًا مهمًّا، فله ٤٥٠ ميلًا على ساحل البحر الأحمر، وله ثغر قيِّم في الطريق إلى الهند، وحدُّه الشَّمالي متطابق مع الحدِّ الجنوبي لمصر. وما دامت بريطانيا العُظمى تحتفظ بمصلحة خاصة في رخاء مصر، فإنَّ جعلها آمنة من الاعتداء عليها وكافلة حسن إدارة ماء الرَّي التي تحيا به — فإنَّ رقابتنا على السُّودان «حُكْمنا له» مسألة أساسية. وإن عودة الفوضى إلى السُّودان أو عدم كفاءة الحكم فيه، لا بدَّ أن يكون لها من الوجهتين السياسية والحيوية «أي حياة البلاد» — نتائج عاجلة تحس بها البلاد المحيطة بالسودان، وتتعرَّض سعادتهم للخطر. ويتأخر تقدم مدنيتهم بسبب ترك منطقة مركزية واسعة للفوضى وتجارة الرقيق والأمراض.
figure
سير مايلز ميسون المندوب السَّامي البريطاني في مصر سنة ١٩٢٤ — إلى الآن.

ونصيب السُّودان في إنتاج المواد الخام والقطن المصري طويل الفتلة والصمغ والزيوت النباتية — يعدُّ قليلًا بالنسبة للإنتاج العالمي من ذلك. كما أن القوة الشرائية ليست كبيرة، على أنَّه بعودة الانتعاش التدريجي في التجارة العالمية فإنَّ السُّودان محكومًا ببريطانيا العُظمى سيتقدم — كبلد مستورد ومصدِّر — كلما زاد عدد سكانه وطرق مواصلاته.

ثم تساءل مستر ماكميكل عن: «إذا كانت بريطانيا لا تخسر ماديًّا بفقدها السُّودان — فهل لا يكون هناك سبب في مواصلتها احتلاله؟» وقد ردَّ على هذه النقطة بأنَّه عند هذا السؤال يقوم سؤال آخر وهو: هل يبرر لبريطانيا العُظمى، من الوجهة الأدبية، أن تتركه؟ وقال: «لا شك في أن هذا يتوقف على ما يؤول إليه أمر السُّودان بعد تركه، والفرصة التي تتاح لأهله ليتمتعوا بحكومة طيبة. إنَّه لا يزال بعيدًا ذلك اليوم الذي تتألَّف فيه أمة واحدة من أقوام السُّودان غير المتجانسة، وتحكمها حكومة وطنية واحدة، سواء أكانت أوتقراطية «أي حاكم مطلق مستبد بالحكم»، أم حكومة أعيان «الخاصة»، أم ديموقراطية. قد يكون من الممكن أن تتوحَّد المديريات المتعرِّبة الشمالية في وقت قريب، ولكن سكانها، إذا نظر إليهم كوحدة سياسية، فإنَّهم لا يزالون في بداية تألفهم، ولا بُدَّ من مضيِّ بعض أجيال قبل عمل تجربة على هذا النحو واحتمال مسئوليتها. وفي الوقت ذاته قد أخذت بريطانيا العُظمى على عاتقها مسئولية العمل في سبيل سعادة السُّودانيين من عرب في الشَّمال ومتوحشين لا دينيين في الجنوب، وهي لا تستطيع أن تتخلَّى عمَّا اؤتمنت عليه، ولا أن تسلمه لمن ليس صالحًا بسبب طبيعة جنسه وعدم اختباره العملي لكي يتولى أمره.

وقال مستر رامزي ماكدونالد في خطاب له نشرته جريدة التيمس في عددها الصَّادر في ٢٦ مايو سنة ١٩٣٠، عن حكم بريطانيا للمستعمرات ما يلي:

لقد تعهدنا بأن نعنى بأمر أناس لم يستطيعوا أن يتولوا أمر أنفسهم، فقد كانوا هدفًا لحرب داخلية أو لأساليب من الحكم حرمتهم من منافع المدنية؛ ولذلك أُلقيت علينا واجباتٌ نحوهم.

ثم قال: «على أنَّ ذلك لا يعني انحرافنا عن تحقيق أمنية الحكم الذاتي.»

وقد علَّق مستر ماكميكل على هذه العبارة فقال: «إن ذلك يجرُّنا إلى ذلك السؤال — ماذا عسى أن يكون مستقبل السُّودان؟» فقال: «إنَّ أعظم الناس إيمانًا بالأنبياء والنبوءات لا بدَّ أن يتردَّد في إعطاء جواب صريح، على أنَّه ممكن أن يقال بشيء من التأكيد: إن مستقبل السُّودان سوف يتعيَّن — إلى حدٍّ كبير — بالاتجاه السياسي العام، بالسياسة التي توضع في إنكلترا أكثر ممَّا يتعين بحصول حوادث خاصة في السُّودان، ومن ذا الذي يستطيع أن يقول: إنَّ الحكم الذاتي سيكون حقيقة عامة مقرَّرة مقبولة كشيء بديهي في وقت قريب؟ ليس من السهل أن نتنبَّأ بما عسى أن تُفضي إليه أساليب الحكم من مبادئ المحافظين والأحرار والاشتراكيين، فلكل حكم مبادئه ويومه، وليس نوع الحكم بشيء خالد. وفي كلِّ لحظة قد يحدث ما يدعو إلى اتخاذ قرار يُعدُّ انحرافًا عن الطريق المرسوم للسُّودان، كأن يكون اندماجًا له أو لجزء منه في الإمبراطُوريَّة أو مؤديًا به إلى الاستقلال أو إلى العبودية أو إلى الفوضى، ومعنى ذلك أنه غير ممكن التنبؤ بأي قرار يُتَّخذ في صدد السُّودان، ومتى يصدر هذا القرار.»

لقد قالت جريدة النيرابست والهند في عددها الصَّادر بتاريخ ٢٤ أغسطس سنة ١٩٣٣: «إنَّ علاقة بريطانيا العُظمى بالسُّودان يجب أن لا توزن بالموازين التجارية.» والحق أن الاعتبارات المادية هي ثانوية في الأهمية، ويجب أن لا تؤثر في الاعتبارات الأولية. إن السُّودان مدين بمبلغ محدود لمصر بسبب المبالغ التي اقترضها من وقت لآخر للقيام بمشروعات أوجبها تقدمه، فيجب تسوية هذا الدين وشروط تسديده. إنَّ مصر تمنح السُّودان سنويًّا إعانة قدرها ٧٥٠ ألف جنيه، وبدونها لا يستطيع أن يوازن ميزانيته. فيجب أن تُتَّخذ إجراءات من شأنها إما كفالة١ استمرار هذه الإعانة، وإما باتخاذ وسيلة لإيجاد المال. إنَّ على طرفي الحكم الثنائي — وهما مصر وإنكلترا — ضمان استمرار المساعدة التي يقدمانها للسُّودان حتَّى تصبح مالية السُّودان في غِنًى عن هذه المساعدة. وإذا كانت مصر لا تدفع نصيبها من هذه المساعدة فإنَّه سيقع على بريطانيا العُظمى عبءٌ غير عادل في هذا الصدد.

•••

قال سير ماكمايكل:

انتصرت القوات البريطانية المصريَّة على جيش الخليفة في (كرري)، ثمَّ أوقعت به وبالبقية الباقية من أنصاره في (جديد)، فتمَّ لها الفتح العسكري، وسلمت جميع مديريات السُّودان لقواد الجيش الفاتح باسم (الجناب العالي الخديوي). وكاد السردار يصطدم بقوة عسكرية فرنسية بقيادة الماجور مارشان في (فشودة)، ولكن حُلَّت المسألة دبلوماسيًّا، وعاد الفرنسيون أدراجهم. وهرب الأمير علي دينار بن الأمير زكريا بن السُّلطان محمد الفضل الفوراوي إلى الفاشر، فوضع يده على ملك أجداده، واعترفت له الحكومة الجديدة بهذا الملك لقاء جزية ليست ثقيلة يدفعها غير صاغر ويسوس ملكه كيف شاء داخل حدود بلاده.

حلَّت بهذا العقدة العسكرية. ولكن بقيت العقدة السياسية الدولية ولم تكن بالهيِّنة، ولكن (كرومر) حلَّال المشكلات ما كان لتقعده مثلها.

كان (السودان وسواحل البحر الأحمر) أعني السُّودان الحالي وأريتريه وهرر وزيلع وبربرة وما جاورها وجزءًا من أوغندا من أملاك (الجناب العالي الخديوي)، وكان هذا بدوره يدين بالسيادة ويؤدي الجزية (لسلطان البرين وخاقان البحرين أمير المؤمنين) السُّلطان العثماني، ولم يكن لخديوي مصر سيادة معدودة دوليًّا منفصلة عن سيادة (الباب العالي)، فلم يكن بمصر سفراء، ولم يكن لها مفوضيات في الخارج، ولكن مصر فقدت السُّودان بفوز الثوار من أهله على سلطانها، بل إن توفيق باشا أعطى غوردون باشا (فرمانًا) يعترف فيه بأنَّه قد أعاد السُّودان إلى أهله من أبناء البيوت المالكة القديمة. وهذا نزول على كلِّ حال. ثمَّ أعيد فتح السُّودان بجيش مصري جديد درَّبه البريطانيون مدة الثلاثة عشر عامًا التي تلت سقوط الخرطوم، وعاونته في ذلك جيوش بريطانية صرفة. هذا بعد أن عمَّت الفوضى أرجاءه، وفشل بنوه في الاحتفاظ بملكهم الذي شادوه على الرماح يدفعهم حماس ديني وقومي عظيم. لكن تنقصهم الحنكة السياسية، وتنقصهم وحدة الكلمة، وغشي الجهل على عيونهم، وذهبت الحروب الداخلية والغزوات والأوبئة والمجاعات بسبعة أثمان سُكَّان السُّودان على أقل تقدير.

وبريطانيا العُظمى التي احتلت مصر احتلالًا عسكريًّا، وتولت إرشاد وليِّ الأمر فيها إلى أن أنقذتها من الإفلاس أولًا، ثمَّ خلفت لها جيشًا استعادت به مديريات السُّودان، سوى ما اقتطعته إيطاليا وسواها، والتي اشتركت بالرأي وبالمال وبالرجال. والتي حملت على عاتقها عبء الدفاع عن مصر في الداخل والخارج. بديهي أن تكون بريطانيا العُظمى هي المكلَّفة بحل العقدة ما دام بيدها الحل والعقد هنا وهناك. فكيف تفعل بين هذه القوى والحقوق المتضاربة؟ وكانت العقدة المثلَّثة تتلخَّص في:
  • (١)

    استحالة السماح لمصر بالتَّصرف المطلق في السُّودان «والعودة إلى سوء الإدارة القديمة».

  • (٢)

    استحالة السماح لدولة أجنبية بأن تسيطر على جزء من حوض النِّيل؛ حرصًا على «مصالح مصر وبريطانيا معًا».

  • (٣)

    عدم الرغبة في ضم السُّودان إلى الأملاك البريطانية اعترافًا بما لمصر من حق ودرءًا للمشاكل الدولية وخصوصًا مع فرنسا التي كانت ذكرى حادثة فاشودة لم تزل شجًى في حلقها.

ثم يقول المؤلف في ص٦٣:

لم يكن لبريطانيا العُظمى بدٌّ من أن تتكفَّل بالواجب المزدوج فتقضي على الخطر السُّوداني الذي يُهدِّد مصر، وأن تحول دون الدول الأخرى ودون امتلاك السُّودان فتهدِّد بذلك مصر. وكان هذا مسوغًا كافيًا لها بأن تستخدم في سبيل ذلك الجند المصري الذي درَّبته وأمدَّته بالضباط وموارد مصر المالية التي أعادت لها الحياة، كما استخدمت أيضًا رجالها ومالها هي. لقد كان سبب الاضطرابات من عمل مصر، وكانت مصر هي أكثر الناس استفادة من زوالها.

لقد أنفقت الخزانة البريطانية من عام ١٨٨٢ إلى عام ١٨٨٥ ثلاثة عشر مليونًا (من الجنيهات) على الحملات العسكرية في السُّودان، ومات أو قُتل نحو ألفي ضابط وجندي من البريطانيين، وأخرج من الخدمة لعدم اللياقة الطبية نحو ٧٠٠٠ من جراء الأعمال الحربية بمصر والسُّودان. وعندما سحبت الجنود البريطانية والهندية من سواكن عام ١٨٨٦ تولت الحكومة البريطانية نفقات الحامية المصريَّة التي تركت هناك. وقد بلغت جملة نفقات الحملة من عام ١٨٩٦ إلى عام ١٨٩٨ نحو مليونين ونصف مليون بذلت الخزانة البريطانية منها ٨٠٠ ألف.

فكان من المحتَّم لحل العقدة أن يكون لبريطانيا العُظمى نفوذ شرعي في البلاد، وأن يكون نفوذها هو الأعلى، وذلك بدون احتياج إلى ضم البلاد إلى أملاك التَّاج البريطاني للأسباب التي تقدمت. أو باختصار أرادت بريطانيا أن تكون الوصية على السُّودان وإن كانت لفظة «وصاية» لم تدخل في قاموس السِّياسة الدولية إلى ذلك الحين، فابتدعت المعاهدة الثنائية التي أوجدت سيادة جديدة في الفقه الدولي مستمدَّة من أكثر من سيد واحد وخارجة عن نطاق ملك السيدين جميعًا، وهو ما عرف باسم (كندومينيوم) Condominium أو ملك مشترك، ويقول أرل كرومر خالق هذا الشيء الجديد:

بهذا الشكل ولد السُّودان الجديد، وقد رُزق قوة كافية للبقاء. على أنه كان بحكم الضرورة وليد مراعاة الظروف، فإذا مات (الطفل) في المستقبل وحلَّ محلَّه مخلوق سياسي أقوى منه بِنية بسبب كونه أقرب إلى عالم الحقائق، فليس لموجوديه أن يبكوا مصيره.

وهنا نتسائل نحن: هل ما زال هذا الطفل قويًّا؟ أم هو يحتضر ليخلي المكان للمخلوق الجديد القوي؟

•••

ثم يقول ماكميكل: «ولا يتَّسع المجال لإيراد معاهدة ١٨٩٩ هنا بالحرف، ولا داعي لذلك، فهي موجودة في كثير من المراجع بالإنكليزية والعربية، ويكفي أن نمرَّ على موادها مرورًا يوضِّح لنا ما ذكرنا في هذا الباب. ففي ديباجة الاتِّفاقية:

اتفاق مبرم بين الحكومة البريطانية وحكومة خديوي مصر بشأن إدارة السُّودان في المستقبل» … ثم:

حيث إنَّ بعض مديريات السُّودان كانت قد ثارت ضد سلطة الجناب العالي الخديوي وأُعيد الآن فتحها بجهود مشتركة حربيًّا وماليًّا بين حكومة صاحبة الجلالة البريطانية وحكومة الجناب العالي الخديوي.

وحيث إنَّه قد تحتَّم تقرير نظام لإدارة تلك المديريات المعاد افتتاحها ولسن القوانين لها، مع النَّظر إلى حالة التأخر وعدم الاستقرار التي تسود أجزاء كبيرة منها واختلاف حاجات الجهات المختلفة.

وحيث إنَّه يراد الاعتراف بالحقوق التي آلت لحكومة صاحبة الجلالة البريطانية بحق الفتح؛ حتَّى تشترك في وضع التسوية الحالية وسيرها وتطورها في المستقبل …

لذلك قد حصل الاتِّفاق … إلخ.

ومواد الاتِّفاقيَّة اثنتا عشرة تنص على:
  • (١)

    حدود السُّودان.

  • (٢)

    رفع العلمين البريطاني والمصري في جميع جهاته برًّا وبحرًا.

  • (٣)

    تمركز السلطتين المدنية والعسكرية في يد موظف واحد هو الحاكم العام للسُّودان الذي يعينه خديوي مصر بناءً على تزكية الحكومة البريطانية، ولا يمكن إقالته إلَّا بمرسوم خديوي بموافقة الحكومة البريطانية.

  • (٤)

    أن للحاكم حق التَّشريع المطلق.

  • (٥)

    ألَّا تسري أية قوانين مصرية على السُّودان.

  • (٦)

    ألَّا يعطى أي امتياز خاص لأي فئة من الأجانب دون غيرها بشأن الإقامة والإيجار إلخ …

  • (٧)

    إعفاء الواردات المصريَّة من المكوس وتحديد رسوم الصَّادر والوارد.

  • (٨)

    ألَّا تسري أحكام المحاكم المختلطة ولا يعترف بها بأي وجه في السُّودان.

  • (٩)

    إلى أن يصدر إعلان بهذا الصدد يكون السُّودان تحت الحكم العسكري.

  • (١٠)

    ألَّا يُسمح بتعيين قناصل أو وكلاء للدول بالسُّودان بدون موافقة حكومة صاحبة الجلالة البريطانية.

  • (١١)

    تحريم النخاسة.

  • (١٢)

    سريان اتِّفاقيَّة بروكسل بشأن حمل الأسلحة النارية وتجارة المشروبات الكحولية.

فأنت ترى أنَّ أرجحية السِّيادة البريطانية ضمنت بحقها في اختيار الحاكم العام والإشارة بعزله، ولمَّا كان الحاكم العام هو الذي يحكم البلاد ويسن القوانين أصبح منفذًا لوجهة نظرها بدون تقييده بذلك النص في صلب الاتِّفاقية. والموافقة على تعيين القناصل — وهي من شارات السِّيادة — لم تترك ولو ضمنًا للحاكم العام ولا لخديوي مصر، بل جُعلت رهنًا بموافقة الحكومة البريطانية. قولوا إنَّ الحاكم العام غير مقيد قانونًا باستشارة بريطانيا العُظمى أو مصر فيما يرى اتخاذه بصفته المشرف المباشر على أحوال البلاد، بل هو شرعًا صاحب سلطة غير محدودة على الأرواح والأموال، لكنه يُعيَّن ويُعزل بإرادة حكومة صاحبة الجلالة البريطانية، فهو رهن سياستها في الواقع. وأذكر أنني قرأت أخذًا وردًا طريفًا للفقيد غوردون في مذكراته حول هذه النقطة، فقد كان هو ضابطًا في الجيش البريطاني، ولكنَّه مزوَّد بفرمان يطلق يده في التَّصرف من صاحب الحق الشرعي في البلاد … إلخ، فهو غير مقيد باتباع نصائح هذا أو ذاك، ولكن … إلخ. أما عن حقوق مصر فيقول المؤلف «ماكميكل» (ص١٧٠):

إنَّ حقوق مصر الثابتة في النِّيل هي ضرورية جدًّا لأجل رفاهيتها، ومن الإنصاف أن نفترض أن وجود هذه الحقوق كان إلى حدٍّ ما عاملًا في التسليم لها بنصيب في السِّيادة على السُّودان، وهو قرار ما كان يسهل تسويغه اعتمادًا على الاعتبارات التاريخية دون سواها. ولم يحصل مطلقًا أن تُجوهلت أو أنكرت هذه الحقوق، بل على النقيض من ذلك اعترفت بها بريطانيا مرارًا تكرارًا.

وإليك الفقرة الآتية (ص١٧) من المذكرات المتبادلة بين الحكومتين البريطانية والمصرية في مايو ١٩٢٩ بشأن مياه النيل:

… وبدون موافقة سابقة من الحكومة المصريَّة لا تقام أي مشاريع للرَّي أو منشآت على نهر النِّيل أو أحد فروعه أو على البحيرات التي يجري منها طالما كانت داخل حدود السُّودان أو أي قطر تحت الإدارة البريطانية إذا كان من شأن تلك المشاريع أو المنشآت التأثير على مصالح مصر، سواء بإنقاص كمية المياه التي تصل إلى مصر أو تغيير موعد وصولها أو تخفيض مستواها.

ورأي «ماكميكل» لا يخرج في كثير أو قليل عن رأي رجل اشترك بالفعل في تنفيذ السِّياسة البريطانية وإجراء العدل البريطاني في السُّودان، وكان من المتحمسين للتصغير من شأن الحقوق المصريَّة في السُّودان وتسفيه رأي القائلين بضرورة الاعتراف لحكومة مصر بالاشتراك في إدارة السُّودان.

•••

عهد الإصلاح الأول (١٨٩٨–١٩٠٢) يقول المؤلف في مستهل هذا الفصل:

لقد واجه اللُّورد كتشنر والشرذمة القليلون من الضبَّاط الذين تركوا ليعاونوه بعد واقعة أم درمان عملًا ضخمًا، وقد كان من حظهم وحظ خلفائهم أن يكون من ورائهم معينًا ومرشدًا وكابحًا في بعض الأحيان أحكم الساسة اللُّورد كرومر. فإذا أفردنا شخصًا بعينه من بين الكثيرين الذين وضعوا الأسس المدنية للسُّودان الجديد كان هو أحقهم بالفخر الأكبر. ولكن يقلل هذا التخصيص من عظم النجاح الذي أحرزه أولئك الرواد الأولون الذين وقع على عواتقهم واجب النهوض بالعمل في وجه صعاب كادت تبدو مستحيلة التذليل.

نعم لقد كان واجبهم صعبًا عليهم؛ كانوا رجالًا ذوي حكمة وحزم ونزاهة قبل كلِّ شيء، مع لين في العريكة في الغالب وبطش عند اللزوم. وقد قال كتشنر لمعاونيه بحق: «… إننا إنما نعتمد على العمل الانفرادي الذي يقوم به الضبَّاط البريطانيون، حيث يشتغلون مستقلين، ولكن في سبيل غرض واحد، وما يتركونه من أثر على أفراد الأهالي الذين يحرزون ثقتهم، للوصول إلى الإصلاح المعنوي والصناعي للسُّودان …»

من أجل هذا كان الاعتماد في بادئ الأمر على كفاية المديرين والمفتشين البريطانيين، وعلى نشاطهم ونزاهتهم وعفتهم وحزمهم وما اتصفوا به من خلال تحبب الأهالي فيهم؛ وبالتَّالي في النِّظام الجديد الذي هم رواده والممثلون له. ولم تكن القوانين تصدر إلَّا بقدر الحاجة، وكانت دائمًا موجزة مجملة. بل إن اللُّورد كرومر، وكان يعلق على الميزانية، كتب في عام ١٩٠١ عن زيادة المنصرف على بند (أدوات كتابية) على المربوط بستمائة جنيه، وأن المطلوب عن عام ١٩٠٢ هو ألفان من الجنيهات، فقال:

أخشى أن يكون معنى هذه الزيادة أن مقدار الوسائل الرَّسمية بالسُّودان في ازدياد، والأرجح أن هذا لا مناص منه إلى حدٍّ ما. ولكن على الرغم من هذا فإنَّني أجرؤ على إبداء أملي في أن تقوم مقاومة مستديمة في وجه الإفراط في كتابة الرسائل؛ فإنَّها تدل على الإفراط في (المركزية)، مع أن السُّودان قطر يجب أن تسير الإدارة فيه على قاعدة (اللامركزية) ما أمكن ذلك.

ولكن مع هذا بدأ التَّشريع بنشاط؛ فوضع قانون للعقوبات وقانون للتحقيقات الجنائية وقانون للدعاوى المدنية، وسُجِّلت الأراضي بقدر المستطاع لمالكيها الواضعين أيديهم عليها، ووضعت الميزانية (وإن بقيت مصر مدة طويلة تدفع عجزها)، ومن أمثلة ما تمَّ من الإصلاح في بضعة عشر عامًا نذكر أن (مستر بونهام كارتر) بدأ الخدمة في القسم القضائي عام ١٨٩٩ يساعده كاتب واحد في القسم المدني وسبعة قضاة «شرعيين» وعشرة كتَّاب لهم. وعندما غادر (السر إدجار بونهام كارتر) السُّودان عام ١٩١٧ ترك وراءه (مصلحة السكرتير القضائي، ومحكمة عليا، ومحاكم كلية وجزئية، ومحاكم شرعية إسلامية، ومكتبًا للمحامي العمومي ونظامًا لتسجيل الأراضي، ومصلحة لإدارة الأراضي الحكومية)، ولم يكن التَّقدُّم في جميع المصالح الأخرى دون هذا، ووضع نظام محكم لجباية الضرائب. وأُنشئت كلية (غوردون) والمدارس الابتدائية والأولية، وكان الحافز الأول على إنشائها إيجاد طبقة من (المعلمين) كانت الإدارة في أشد الحاجة إليها. ولا يفوتنا هنا أن نورد تفسير اللُّورد كرومر لهذه الكلمة:

على أنَّني أودُّ أن أوضِّح ما أقصد بالفئة المتعلمة؛ فإنَّني لا أشير إلى التَّعليم العالي … بل إنَّ المطلوب مبدئيًّا تعليم القراءة والكتابة والحساب لعددٍ معيَّن من الشبان. بالقدر الذي يمكنهم من أن يفيدوا في ملء الوظائف الصغيرة في إدارة البلاد. فإنَّ الحاجة إلى مثل هذه الفئة جد ماسَّة.

ومد الخط الحديدي إلى شمالي الخرطوم (الحلفاية)، واتسع نطاق الأسلاك التلغرافية. وإنَّ الذين ينظرون إلى السُّودان الآن لا يمكنهم أن يتصوَّروا الصعاب التي كانت تكتنف أعمال التَّقدُّم منذ أكثر من ٣٠ عامًا.

فقد كان أهم هذه الصعوبات: (١) قلة السُّكان و(٢) قلة المال و(٣) صعوبة المواصلات. أمَّا الأولى فيكفي أن نورد ما جاءت به الإحصاءات الرَّسمية؛ فقد كان سُكَّان السُّودان قبيل الثَّورة المَهديَّة ثمانية ملايين ونصف مليون من النفوس، (والأرجح أنهم كانوا أكثر من ذلك)، بقي منهم بعد الفتح الأخير مليون واحد وسبعمائة وخمسون ألفًا. ويقدر أن المجاعات والأوبئة أتت على نحو الثلاثة ملايين ونصف المليون وأنَّ الحروب والفتن الداخلية أتت على ثلاثة ملايين وربع مليون.

•••

يقول سير ماكميكل: «لقد استغرقت مفاوضات النحاس — هندرسون ١٤ جلسة من ٣١ مارس إلى ١٧ إبريل، وإنَّ الوفد الرَّسمي المصري قد طلب أن تكون تفسير المادة ١٣ — الخاصَّة بالسُّودان — في مقترحات هندرسون — محمد محمود — كما يأتي:

المادة ١٣: حالة السُّودان: هي التي تنشأ من هذه الاتِّفاقات «الاتفاق الثُّنائي ١٨٩٩» يجب تفسيرها بأن حالة السُّودان هي التي في نظرنا كان يجب أن تنشأ من اتِّفاقيَّة ١٨٩٩. أي التي تتضمَّن سيادة مصر على السُّودان ونصيبها في إدارته.

(١) رأي اللُّورد كرومر

«إنَّ الذين يخترقون الصحاري المحرقة بين وادي حلفا وبربر أو القفار بين النِّيل والبحر الأحمر التي مدَّت فيها سكة الحديد وهم يعلمون أن مثل هذه القفار الشاسعة التي قلَّما تنبت شيئًا أو يعيش فيها حيوان، كثيرة جدًّا في بلاد السُّودان، لا يُلامون إذا قالوا مع غوردون وستيورت أول شهيدي العمران في تلك البلاد إنَّها كانت وستبقى دائمًا سلكًا لا نفع منه. لكن لقد أخذ يثبت على مرِّ السنين أن هذا القول غير صحيح. وأهمية بلاد السُّودان فيما يتعلَّق بالقطر المصري لا تتوقَّف على قابليتها للارتقاء، بل على كون النِّيل يخترقها من طرف إلى طرف، وعلى أن التَّحكم فيه على طول مجراه مهمٌّ جدًّا للقطر المصري، ولولا هذا الأمر لكان إنقاذ السُّودان من حالة البربرية والهمجية غير جدير في رأيي بالنفقات الكثيرة التي تنفق عليه من الأموال المصريَّة والأرواح المصريَّة وغير المصريَّة المنوطة بخدمته. ولو كان هذا الإنقاذ حسنًا لذاته، ولكن رأت مصر وحكامها أن إنقاذ السُّودان أمرٌ لا بدَّ منه ماليًّا وسياسيًّا، وهذا الإنقاذ يؤول أيضًا إلى ترقية بلاد السُّودان فتصير له أهمية أخرى ذاتية من غير النفقات إلى الغرض الأول.»٢

(٢) رأي اللُّورد ملنر

«لا بدَّ من ترك السُّودان بكل سرعة ممكنة، وإن كلَّ وزير لا يوافق على هذا البرنامج لا بدَّ أن يترك منصبه، ولا شكَّ أن هذا القرار كان عادلًا. وإذا نحن ذكرنا هذا فلا يظن أحدٌ أنِّي أجادل في أن امتلاك السُّودان أو على الأقل جزء عظيم منه ليس بذي أهمية أو أنَّه لا يكون ضروريًّا في المستقبل لسعادة مصر. غير أن الحزم يقضي على الإنسان الذي حلَّ به أشد الضيق بأن ينزل على جزء مهم من ملكيته خير من وقوعه في هاوية الإفلاس، وأن الجند المضغوط عليه بشدة يجد أنَّ الضرورة قد تُوجب ترك النقط الأمامية المهمة محافظة على القلعة الرئيسية التي تحتمي بها، ولو أن مصر نزلت عن السُّودان وقت أن كان في غير مقدورها المحافظة عليه فإنَّ ذلك لا يعتبر سببًا يدعوها إلى الانصراف عن استرجاعه كله أو بعضه عندما يكون لديها القوة، كما أنَّه لا لوم على من يقومون بواجب وإن كان ممقوتًا غير أنه ضروري كما يضطر ربان سفينة أن يُلقي في اليم بضاعة ثمينة؛ في بقائها غرق السفينة.»٣

(٣) رأي المستشار المالي

يقول المستشار المالي الإنكليزي لدى الحكومة المصريَّة في تقريره الصَّادر في ١٤ ديسمبر سنة ١٩١٤: «إنَّ السُّودان ضروري لمصر، بل هو ألزم لها من مدينة الإسكندرية.»

جاء في مذكرة الوفد المصري في المقدمة لمؤتمر الصلح سنة ١٩١٩: «إنَّنا بطلبنا إرجاع السُّودان إلى مصر نريد أن نجعله شريكًا له ما لنا وعليه ما علينا.»

(٤) رأي الأمير عمر طوسون

مقال عن (حقوق مصر في السُّودان). نشرته جريدة (المقطم) بتاريخ ٣٠ يناير سنة ١٩٣١، وها هو:

استغلت الصحف زيارة مستر موري ومستر سبندر لمصر في هذه الآونة الأخيرة، وذهبت إلى أنَّ هذه الزيارة ليس لها من علة في الوقت الحاضر إلَّا أن تكون لمعالجة المسألة المصريَّة التي ما زالت معلقة بدون حل بين البلدين إنكلترا ومصر، وأنَّ أهم نقطة من نقط المسألة المصريَّة جاء هذان السياسيان لدرسها وعلاجها هي السُّودان، الذي كان — وما زال — أكبر عقبة في سبيل أية مفاوضة تدور بيننا وبين البريطانيين ما داموا مُتشبِّثين به غير حافلين بما لنا من الحقوق فيه.

ولقد ذهبت تلك الصحف أيضًا إلى أن رحلة مستر موري ومستر سبندر إلى السُّودان في الوقت الذي يقيم فيه المندوب السَّامي هناك لم تكن على سبيل المصادفة، وإنَّما هو اجتماع في نفس البلد الواقع بشأنه النزاع يقصد منه بالاتِّفاق مع حاكمه البحث ومعرفة الحد الأقصى الذي تستطيع بريطانيا أن تذهب إليه في مسألة السُّودان ما دام قد ظهر أنه من غير الممكن عقد أي تسوية بين البلدين دون أن تُحل هذه العقدة المستعصية.

ولست أدري إن كان ما ذهبت إليه هذه الصحف صحيحًا أو غير صحيح. ولكن الذي أعلمه علم اليقين وأحب أن يعلمه أيضًا هذان الضيفان على وجه خاصٍّ والجمهور البريطاني على وجه عامٍّ أنَّه من غير الممكن أن يقبل مصري مهما كانت صفته السياسية أو نزعته الحزبية التَّخلي عن السُّودان، وأنَّه لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن يوافق على تسويةٍ ما بشأن مصر تسوية لا ترد لنا فيها حقوقنا في السُّودان.

ولقد أقام جميع من فاوضوا الحكومة البريطانية من المصريين على اختلاف نزعاتهم الحزبية. الدليل على أن المسألة السُّودانية كانت دومًا السبب في حبوط المفاوضات وقطعها.

لذلك أرى بعد هذا أن يبدأ بحل مسألة السُّودان قبل حل مسألة مصر لأنَّ الأولى تفوق الثَّانية، وليس من المعقول حل المسألة الثَّانية في المرتبة وترك المسألة الأولى لآخر الأمر، حتَّى إذا فرغ المفاوضون أو كادوا جاءت مسألة السُّودان فأفضت إلى قطع المفاوضات.

فلو عُكس الوضع واتُّفق على مسألة السُّودان أولًا لوُجِد أن الاتِّفاق عليه يدعو حتمًا إلى سهولة الاتِّفاق على مصر. فقد يستطيع المصريون أن يتنازلوا عمَّا يُستطاع التنازل عنه في مصر. أمَّا السُّودان فتمسكهم بحقوقهم فيه أشدَّ التَّمسك أمرٌ واجبٌ لا هوادة فيه؛ لأنَّه فضلًا عن كونه جزءًا لا يتجزأ من مصر فمسألته في حقيقة أمرها مسألة حياة أو موت.

إنِّي أعنى بردِّ حقوقنا في السُّودان بالردِّ الفعلي لهذه الحقوق أي الذي يوضع موضع الإجراء على الفور، لا تلك التَّحفظات التي تتَّخذ لحفظ هذه الحقوق إلى أجلٍ مُعيَّن أو غير معين. فإنَّ هذا في نظري والتنازل عن حقوقنا في السُّودان سواء.

ولذلك نرى أن الإنكليز لا يهتمون باتِّفاقية السُّودان اهتمامهم باتِّفاقية مصر على عكس الأمر عندنا. فهم يودُّون بلهفٍ شديدٍ عقد تسوية معنا بشأن مصر فقط لجعل مركزهم فيها شرعيًّا، ولا يهتمون بمسألة الاتِّفاق على السُّودان أقل اهتمام.

فإذا رضينا أن نؤجِّل المسألة السُّودانية نكون بذلك قد اتَّبعنا خطة تفضي إلى الغاية التي يعمل لها الإنكليز، بل نكون كأنَّنا نعمل ليقضي الإنكليز لبانتهم فَتُقْبَر مسألةُ السُّودان ولا يمكننا بعثها من مرقدها بالتَّحفظات التي تكون في أيدينا مهما كانت قوية.

وإنِّي أحب أن يعلم الإنكليز أن شدَّة اشتياقنا لحل مسألة مصر، وأن التَّجارب التي مرت، تقضي علينا أن نأبى ونرفض رفضًا باتًّا أن ندخل معهم من جديد في مفاوضة بشأن مصر قبل أن يتَّفقوا معنا على مسألة السُّودان؛ لأنَّه خير لنا أن نظلَّ على الحالة التي نحن فيها من أن نعقد اتفاقًا لا ترد لنا حقوقنا في السُّودان فيه بالفعل.

(٥) رأي الجمعية التَّشريعيَّة

كانت الجمعية التَّشريعيَّة نوعًا من المجالس التمثيلية محدود الاختصاص، لم تتجاوز السنة الأولى من حياتها سنة ١٩١٤، ثمَّ عطلت بسبب الحرب الكبرى. وبعد قيام الحركة الوطنية سنة ١٩١٩ نشط أعضاؤها. ورأوا أن يجتمعوا بالرَّغم من تعطيلها.

ولمَّا كان اجتماعهم في مكانهم الرَّسمي غير ميسور كأمر السلطة العسكرية البريطانية، وجهت الدعوة إلى الأعضاء للاجتماع في بيت الأمة «دار سعد زغلول باشا رئيس الوفد المصري» يوم ٩ مارس سنة ١٩٢٠. فاجتمع منهم ٥١ عضوًا في الموعد والدار المحددين. بحثوا في الحالة السياسية من كلِّ وجوهها المختلفة. وننشر فيما يلي نص محضر هذه الجلسة:

في الساعة الرابعة والدقيقة عشرة من يوم الثلاثاء الموافق ١٨ جمادى الثَّانية سنة ١٣٣٨ الموافق ٩ مارس سنة ١٩٢٠.

انعقدت الجمعية التَّشريعيَّة بمنزل حضرة صاحب السعادة سعد زغلول باشا وكيل الجمعية التَّشريعيَّة المنتخب ورئيس الوفد المصري، بحضور حضرات الآتية أسماؤهم: إبراهيم سعيد باشا، وحسين واصف باشا، وقليني فهمي باشا، وراغب عطية بك، وفتح الله بركات باشا، وحسين هلال بك، وحسن سيف أفندي، والدكتور محمد أمين بدر بك، ومحمود الأتربي باشا، والسعدي بشارة الطحاوي بك، وعمر مراد بك، ومتولي حزين بك، وعمر خلف الله بك، وإبراهيم علي بك، ومحمد محمود بك، وحنفي منصور بك، ومحمد علام بك، وعلي المنزلاوي بك، وسينوت حنا بك، ومحمد رشوان بك الزمر، وإسماعيل أباظه باشا، ومحمود أبو حسين باشا، وعبد اللطيف الصوفاني بك، والشيخ محمد شاكر، ومحمد السيد أبو علي باشا، وعبد الرحمن عوض بك، والشيخ عبد الفتاح الجمل، وعلي شعراوي باشا، وحافظ المنشاوي بك، وأمين سامي باشا، ومنصور يوسف باشا، ويوسف أصلان قطاوي باشا، وزكريا نامق بك، وعبد السلام العلايلي بك، ومحمد كمال أبو جازية بك، وعلوي الجزار بك، ومحمد أمين أبو شنب بك، ومحمود همام بك، ومحمد محفوظ باشا، وعبد الرحمن محمود بك، ومشيل لطف الله بك، ومحمد المنياوي بك، ومحمد علي سليمان بك، والمصري السعدي بك، ومصطفى بكير بك، ومحمد عزام بك، وكامل صدقي بك، وحسين الشريعي بك، ومحمد عبد الخالق مدكور باشا.

وقد انتخب لرياسة الجلسة حضرة صاحب السعادة إبراهيم سعيد باشا بصفته أكبر الأعضاء سنًّا ولأعمال السكرتارية حضرات فتح الله بركات باشا، وحسين هلال بك، ومحمد عبد الخالق مدكور باشا بالإجماع.

وبعد ذلك أعلن سعادة الرئيس افتتاح الجلسة، واقترح محمد عبد الخالق مدكور باشا إيقاف الجلسة خمس دقائق حدادًا على من انتقل إلى رحمة الله من أعضاء الجمعية في مدَّة عطلتها، فأُوقفت الجلسة خمس دقائق.

أعيدت الجلسة، وتلا سعادة فتح الله بركات باشا اعتذارات واردة من أصحاب السعادة والعزة أحمد مظلوم باشا رئيس الجمعية على لسان صاحبي السعادة إبراهيم سعيد باشا، وفتح الله بركات باشا، اللذين دعياه لحضور الجمعية، وطلبة سعودي باشا، ومحمد شريعي باشا، ومرقس سميكة باشا، ومحمد عثمان أباظة بك.

وكذلك تليت جملة تلغرافات واردة من جهات متعددة من أعيان ووجوه القطر بإظهار شعورهم نحو الجمعية وتضامنهم معًا، واحتجاجهم على المشروعات التي آلمت الأمة.

ثم تباحثت الجمعية فيما عُرِض عليها من اقتراحات حضرات الأعضاء، وقررت ما يأتي:
  • أولًا: أن الجمعية التَّشريعيَّة تعتبر الحماية التي أعلنتها إنكلترا، من تلقاء نفسها على مصر، عملًا باطلًا لا قيمة له من الوجهة القانونية.
  • ثانيًا: تقرر الجمعية أن البلاد المصرية، التي تشتمل مصر والسُّودان مستقلة استقلالًا تامًّا وفاقًا لقواعد الحق والعدل والقانون، وكل مظهر من مظاهر اعتداء القوة على هذا الاستقلال لا يؤثر وجوده من الوجهة القانونية، وليس من شأنه إلَّا أن يزيدنا تمسكًا به.
  • ثالثًا: تحتجُّ الجمعية على تعطيلها وعلى كلِّ القوانين والنظامات التي وضعت في أثناء تعطيلها لصدورها من غير عرضها عليها.
  • رابعًا: تحتج على كلِّ الاعتداءات التي أصابت البلاد وأبناءها، سواء كان الاعتداء واقعًا على النفس أم المال أم أي نوع من أنواع الحرية.
  • خامسًا: تحتجُّ على البدء في مشروعات ريِّ السُّودان، وتطلب وقف هذه المشروعات وقفًا تامًّا حتَّى يُبتَّ في المسألة المصريَّة ويُعرض الأمر على الهيئة النِّيابية التي تمثل البلاد بجميع أجزائها، وذلك للأسباب الآتية:
    • (أ) لأنَّ مصر والسُّودان كلٌّ لا يقبل التجزئة. وكل مشروع يتعلَّق بهما لا يجوز تنفيذه قبل أن توافق الأمة عليه.
    • (ب) لأنَّ هذه المشروعات لم تلاحظ فيها مصلحة السُّودان منفردًا ولا مصلحة مصر وحدها ولا مصلحة الاثنين معًا. وقد قامت عليها اعتراضات فنية واقتصادية وسياسية وصحية من كثيرين، ومنهم رجال من الإنكليز ذوي المكانة الذين أثبتوا أن كلَّ هذه المشروعات ضارَّة بالبلاد وأنَّه لم يُقصد بها سوى مصلحة الأجنبي وفائدة أصحاب رؤوس الأموال والشركات من الإنكليز.
  • سادسًا: قرَّرت أن كلَّ عمل قامت أو تقوم به الهيئة الحاكمة، ويكون فيه مساس بالاستقلال التَّام لمصر أو السُّودان أو مصالحهما، يعدُّ لغوًا ولا يلزم الأمة في شيء ما؛ فالأمة وحدها صاحبة الشأن في تقرير كلِّ ما يتعلَّق بأمورها الحاضرة والمستقبلة.
  • سابعًا: تقرير الجمعية إبلاغ هذه القرارات إلى الجهات الآتية:
    • (١) الوفد المصري في باريس.
    • (٢) رياسة مجلس الوزراء.
    • (٣) قناصل الدول في مصر.
    • (٤) الصحف المصرية.
    • (٥) كبريات الصحف الأجنبية خارج القطر.
    • (٦) سكرتارية الجمعية التَّشريعيَّة لحفظه بسجلاتها.
  • ثامنًا: إرسال تلغراف لسعادة رئيس الوفد المصري بباريس لشكر الوفد على ما قام به من الأعمال.

تُلي المحضر وتصدق عليه.

وانتهت الجلسة حيث كانت الساعة السابعة والدقيقة ٤٥ مساءً. ويلي ذلك إمضاءات جميع الأعضاء الحاضرين. ا.ﻫ.

وكان هذا الاجتماع اجتماعًا تاريخيًّا هامًّا.

(٥-١) أمر عسكري من اللُّورد اللنبي

وقد أصدر اللُّورد اللنبي أمرًا عسكريًّا بمنع اجتماع النواب إلَّا بأمر رسمي منه.

وهذا هو نص الأمر العسكري الصَّادر في ١٦ مارس سنة ١٩٢٠.

أنا الموقع أدناه أدمند هنري هيمن فيكونت اللنبي، بمقتضى السلطة المخوَّلة لي بصفة كوني فيلد مرشال قائدًا عامًّا لقوات جلالة الملك في القطر المصري، أصرح وأعلن ما يأتي:

ممنوع كلّ اجتماع للجمعية التَّشريعيَّة أو لأي مجلس مديرية أو لأي هيئة منتخبة وكل اجتماع من أعضاء تلك الهيئات، بصفتهم أعضاءً فيها، ما لم يكن ذلك بمقتضى الشروط المنصوص عليها في القوانين واللوائح الخاصَّة بها.

ويشمل هذا المنع كلَّ اجتماع من هيئتين أو أكثر من الهيئات المنتخبة ومن أعضاء هيئتين أو أكثر من تلك الهيئات بصفتهم أعضاءً فيها ما لم يكن مرخصًا بهذا الاجتماع ترخيصًا صريحًا بمقتضى القانون.

وكل مخالفة للأحكام المتقدمة تقع تحت طائلة الأحكام العسكرية.

وكل قرار تأخذه، أو توافق عليه، إحدى الهيئات المنتخبة في أي موضوع خارج عن اختصاصها، يكون مُلغًى ولا يعمل به. وجميع الأعضاء الذين يكونون قد وافقوا على ذلك القرار يكونون عرضة للمحاكمة أمام مجلس عسكرى.

في ١٦ مارس سنة ١٩٢٠.

الإمضاء: اللنبي
«فيلد مرشال»

(٦) برقية سعد زغلول باشا

فيما يلي البرقية التي أرسلها (حضرة صاحب المعالي) سعد زغلول باشا رئيس الوفد المصري من باريس:

إنَّ أعضاء الجمعية التَّشريعيَّة قد أدَّوا الواجب المقدس باعتبارهم الحماية باطلة قانونًا وإعلانهم استقلال مصر والسُّودان.

(٧) رأي مجلة الفجر

قالت مجلة الفجر عن مستقبل السُّودان ما يلي:

إنَّ الجيل الذي ابتدأت حياته بالفتح الإنكليزي المصري للسُّودان، عقب الثَّورة المهدية، لهو الجيل الذي يمثل الكتلة الحية الناطقة في السُّودان الفتيِّ. وكلية غوردون التذكارية كانت المعمل الذي كُيِّفت فيه المادة البشرية لتسدَّ أولًا حاجة دواوين الحكومة، ولتتقلَّد ثانيًا القيادة في الحياة الاجتماعية والفكرية للبلاد.

ولسنوات مضت، كان خريجو كلية غوردون التذكارية يعملون في دواوين الحكومة فقط ليكفوا حياة ذويهم وأنفسهم. لقد كان ذلك جميلًا وحسنًا؛ لأنَّ كسب العيش أول الواجبات في المجتمع وتأسيس الأسرة المنظمة ضمان لخير أساس تقوم عليه جماعة متمدينة. إن نظرتهم للحياة لم توجد، وإذا وجدت فلم تكن معروفة لهم جميعًا كأعضاء مجتمع واحد يعملون لخير أمتهم. ولم يقوموا بأية محاولة لكشف النقاب عن مستقبل بلادهم في الاجتماع والسياسة. بل لم يفكروا في تحسين مستواهم في حكومة البلاد ليس كموظفين فحسب، بل كشريك ثالث فعَّال في مثلث القوى المتعادل الذي ناتجه هذه الهيئة السياسية العامَّة المعروفة «بالسودان».

وحكومة السُّودان أول تجربة من نوعها في السِّياسة الدولية. والحكومة الثنائية التي تسير حسب بنود الاتِّفاقيَّة الإنكليزيَّة المصريَّة لعام ١٨٩٩، والتي أعطت حكومة صاحبة الجلالة البريطانية حق الحكم في السُّودان على قاعدة استشارة سمو خديوي مصر، أما كان لها أن تعتبر حقوق الشريك الثالث، أهل البلد: الطبقات العاملة الدافعة للضرائب، والذين يجب أن تكون لهم كلمة في تكييف مصيرهم.

إنَّ جيلنا هو الكتلة الحية الناطقة في السُّودان الفتيِّ. ونحن نطمح لنميز أنفسنا باتِّخاذ نظرة خاصة للحياة: سياسيًّا واجتماعيًّا وأدبيًّا. إنَّنا في مفترق الطرق. فإمَّا أن نسلك الطريق القويم وإما أن نضلَّ السبيل. ونحن لا نحمل عداءً للهيئة الحاكمة ولا للدخلاء ولا لأساطين مجتمعنا — في القبائل أو الدين — فرادى أو مجتمعين، ما داموا يعملون جميعهم في تجاوب ولخير هذا البلد. وسنكون دائمًا أصفياء متعاونين؛ ولننفِّذ هذا المبدأ ونحافظ عليه ينبغي أن نكون صريحين ومُفصحين. ينبغي أن نوضِّح نظرتنا، وليتأكد الجميع أنَّنا سنعمل بها.

قد يسأل سائل: لماذا نذيع نظرتنا في الصحافة؟ ولماذا لا نحتفظ بتجاربنا لأنفسنا؟

والجواب على ذلك أنَّه ممَّا يساعد غرضنا في الحياة أن نعرف كيف ينظر الآخرون إلى الحياة، وماذا ينتظرون منها، وماذا يجدون فيها وما الذي لا يجدون … وفى الناحية الأخرى لنوقفهم على مهمتنا. ولنتحدث إذًا بجلاء عن ماهيِّة نظرتنا ليساعدهم على أغراضهم.

لقد جاء الأوان الذي ينبغي أن تبدأ فيه الحكومة — بما لها من الوصاية — لتعطي الوطني الفرصة لكسب الصفات اللازمة للحكم الذاتي، إنَّنا ننظر للحكومة كهيئة نظامية جاءت لخلاصنا وإرشادنا. ونطلب منها المكانة الثَّانية في الدواوين مباشرة بعض كبار الموظفين البريطانيين لنتَّصل اتصالًا مباشرًا بمعضلات المسائل في حكم البلاد ولنشترك في تقرير مصيرنا. وسيكون واجبنا مشاطرة البريطانيين أعباء المسئولية في الحاضر وتأهيل أنفسنا للغد. ولربما نبدأ بالسؤال الآتي: «أليس في نظام الإدارة الأهليَّة الأساس الصحيح للحكم الذاتي؟» وجوابنا على ذلك أن الإدارة الأهليَّة محتمل فشلها ما دامت في أيدي الجهلاء، حيث لا نراها إلَّا ظلًّا زائفًا من العهد الإقطاعي. وإذا قُدِّر للإدارة الأهليَّة أن تبقى فينبغي أن تكون في أيدي الجيل المتعلم.

إنَّنا نرى أن الإدارة الأهليَّة قائمة على النَّعرة القبيلية والأرستقراطية الدينية، والنَّعرة القبيلية والأرستقراطية الدينية لسنا في حاجة لنقول إنَّهما مصدر الكثير من مصائبنا. وإنهما بمثابة الطوائف في الهند، ولهذا السبب نحن لا نعمل على وفاق، والقوى دائمًا متوزعة في جهات متضادة. وإنَّنا لننظر للنعرة القبيلية والأرستقراطية الدينية بعين الوطني المخلص الذي يريد أن يتخلَّص من أخطاء الماضي وأن يُعبِّد الطريق لمستقبل زاهر.

وإنَّا لننتوي الانتفاع بتجارب الماضي والحاضر على ضوء العلم والبحث الحديثين. وسندرس بإمعان تقاليد الماضي وعادات الأهالي وأعمال الحكومة، وسنقدر ونساعد ما يتَّفق منها ومُثلنا العُليا، وسنودع ما نرى فيه نقصًا لمجتمعنا وما سيقعد بأغراضنا. ونظرتنا في الحياة أن نخلق عناصر جديدة من مخلفات الماضي. والتَّسامح والإخلاص والتَّجديد يتكون منها شعار جيلنا.

وجاء في مجلة الفجر أيضًا ما يلى:

قبل أعوام كانت تتَّجه سياسة الحكومة لتقسيم السُّودان إلى مقاطعات كبرى تحوي كلُّ واحدة منها اثنتين أو ثلاثًا من المديريات الحالية، غير أنَّ هذه السِّياسة لم يُبدأ بتنفيذها إلَّا قبل عام واحد، حيث أُدمِجت مديرية حلفا ومديرية دنقلا ومديرية بربر، وأسميت بالمديرية الشمالية، وقلنا: لعلَّ تلك خطوة لا ثانية لها، ولكن سرعان ما أُدمجت مديرية الفنج في مديرية النِّيل الأزرق، وأسميت بمديرية الجزيرة، فقلنا: لعلَّ مصالح الرَّي ونظامه وطبيعة البلاد دعت إلى هذا الاندماج، والآن وصل إلى أسماعنا خبر اندماج مديرية بحر الغزال ومديرية منجلا، وسميت بمديرية خط الاستواء، ومن هنا علمنا أنَّ سياسة الاندماج أخذت في التنفيذ الجدِّي، ولعل وراء هذه السِّياسة خطة جديدة للحكم نستطيع أن نتكهَّن عنها، فلربما في النَّية تقسيم السُّودان إلى خمسة أو ستة أقسام كبرى يكون لكل منها مدير إنكليزي وأمير من الوطنيين؛ فتنفَّذ بذلك السِّياسة المتَّبعة في الهند أو في نيجريا. وقد يتبع ذلك انفصال السِّياسة في كلِّ مقاطعة عن المقاطعة الأخرى بأن يكون نظام التَّعليم فيها غير متَّصل بنظام التَّعليم في المقاطعات الأخرى، وتكون ميزانيتها وماليتها غير مرتبطة بميزانيات وماليَّات المقاطعات الأخرى، وهذه السِّياسة قد تنتج نتاجًا حسنًا في بعض المقاطعات، ولكنَّها ستكون سيِّئة العواقب في بعضها، وستكون سبيلًا لتوتر الصلات بين أفراد القطر، فلا يشعر من في هذه المقاطعة بما يحسُّه مَنْ في المقاطعات الأخرى. وأول بوادر هذه السِّياسة ما سمعناه عن أن مدير المديرية الشمالية طلب أن تكون في المديرية مدرسة وسطى واحدة كبيرة بدلًا من الثلاث مدارس التي في حلفا وبربر وعطبرة، وفي مثل هذا التصريف إضرار بالتَّعليم؛ لأنَّ من السهل أن يُعلِّم من في حلفا ابنه في مدرسة حلفا، ولكن إذا انتقلت المدرسة إلى بربر مثلًا فلن يكون من السهل تعليم ابنه في بربر.

ونحن نترك هذا الموضوع ليفصل فيه الزمن، ونرجو حكومتنا أن تفعل ما فيه خير الأمة كوحدة لا تتجزأ.

(٨) تقرير السير جيمس كري

ونشرت الجمعية الإفريقية البريطانية مؤخرًا تقريرًا هامًّا رفعه إليها السير جيمس كري — وهو الذي كان ناظرًا لكلية غوردون ومديرًا للتعليم بالسُّودان من سنة ١٩٠٠ إلى سنة ١٩١٤، والآن مدير النقابة الإمبراطُوريَّة لزراعة القطن — عن شؤون التَّعليم وإدارته في السُّودان في الحقبة الأخيرة، غير أنَّ السير جيمس — وهو من ذوي الخبرة العظيمة بأحوال السُّودان — تناول في تقريره الإدارة العامَّة في السُّودان، وأبدى ما عَنَّ له من الانتقادات والملاحظات في صراحة من شأنها أن تجلو الموقف الحاضر، وتدلَّ على فشل السِّياسة التي قضت بإقصاء المصريين عن السُّودان في السنوات الأخيرة، وقد رأيت أن أدوِّن هنا بعض الفقرات الواردة في هذا التَّقرير ممَّا له مساس بالتَّطور الأخير في السُّودان.

بعد أن أسهب السير جيمس كري في وصف نظام التَّعليم بالسُّودان حتَّى نشوب الحرب العالمية، انتقل إلى الكلام على الإدارة في السُّودان بعد سنة ١٩١٩ حين انتهت مدة خدمة السير ريجنالد ونجت المعتمد البريطاني في مصر، وذكر أنَّه بعد سنة ١٩٢٢ أصبح اهتمام الخزينة البريطانية باستغلال السُّودان عظيمًا. وأصبح مجموع الفوائد التي يدفعها السُّودان (بحسب آخر تقرير للسير جون مافي حاكم السُّودان السابق) ٩٧٦١٦٠ من الجنيهات، وهذا لا يدخل فيه حق الطَّرف المصري في المطالبة بفوائد الأموال التي قدمها ولم تُدفع عنها فوائد في يوم من الأيام، مع أنَّ فضل مصر العظيم لا يُنكر؛ فقد قامت بالمساعدة الجليلة، ولا تزال تقوم بها، بالأموال التي تدفعها إلى السُّودان.

وتكلَّم عن المدرسة الطبِّية في السُّودان فقال: «أنشئت مدرسة السُّودان الطبية في سنة ١٩٢٤، فكانت حجرًا جديدًا في بناء أمة السُّودان، وأحرزت هذه المدرسة — التي تخرج الأطباء السُّودانيين — نجاحًا باهرًا. غير أنَّ تطور السياسية البريطانية في مصر منذ سنة ١٩٢٢ كان له تأثيرٌ وردُّ فعل لا بدَّ منهما في السُّودان. ولمَّا قُتِل السير لي ستاك في أحد شوارع القاهرة اتَّخذت بريطانيا تدابير حكيمة أو غير حكيمة، ولكنَّها اشتملت على إخلاء الجيش المصري للسُّودان وإخراج جميع المصريين الموظفين في الوظائف المدنية، وياللأسف طغت هذه السِّياسة على شؤون التَّعليم في السُّودان، فأُقصِي عنها المصريون، وفقد السُّودان بذلك خير الأساتذة المهرة المدربين، ثمَّ يقول السير جيمس كري: «وأنا أقول عن علم ويقين إن الأساتذة المصريين لم تكن لهم جريرةٌ أو إثمٌ يبرِّر إخراجهم؛ فإنِّهم كانوا مخلصين في خدمة حكومة السُّودان التي يشتغلون في ظلِّها. وأريد في هذا المقام أن أُثني خير الثناء على العمل العظيم الذي قام به المصريون، وأسجِّل هنا اقتناعي بأنَّه لولا مساعدة المصريين لكانت نهضة التَّعليم — لا بل سائر الإدارات العامَّة في السُّودان — أمرًا مستحيلًا.»

«ثم أُلغيت مدرسة الخرطوم العسكرية التي كان يتعلم فيها الضبَّاط السُّودانيون ليلتحقوا بالجيش المصري بعد إتمام دراستهم في كلية غوردون، وبعد إلغائها غُيِّر نظام القوات العسكرية، وأصبح تعيين الضبَّاط من تحت السلاح، وهذا أعتبره خطوة إلى الوراء؛ لأنَّ ذلك النِّظام لا يتَّفق واستعدادات الأهالي العرب، وهو على الضدِّ من التَّقاليد السُّودانية، وكان الأجدر إبقاء مدرسة عسكرية لتدريب الضبَّاط من الشبان.»

ثم أنحى السير جيمس على بقاء أورطة ثانية إنكليزية في السُّودان فقال: «قد حضرت إلى السُّودان فرقة إضافية من الجنود البريطانيين استعدادًا للطوارئ عام ١٩٢٤، ولكنَّها بقيت وأضيفت إليها قوة من سلاح الطيران البريطاني، ومهما تكن مزايا الوحدات البريطانية فإنَّ النفقات الباهظة التي تصرف عليها لا شكَّ تُرهِق مالية السُّودان، «وما من أحد يريد الخير للسُّودان إلَّا ويتمنَّى من جميع الوجوه إزالة الأورطة الثَّانية البريطانية، فضلًا عن أن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها؛ وهي أن السُّودان يستحيل أن يكون مركزًا صالحًا لإقامة الجيوش البريطانية».

ثم إنَّ تقدم السُّودان الاقتصادي بسبب ريِّ الجزيرة أدَّى إلى استحضار عدد من الموظفين البريطانيين من جميع الدرجات. وقد كانت وفاة السير لي ستاك — بلا ريب — خسارة عظمى للسُّودان، ولو عاش لما حدثت الزيادة المطردة في الموظفين البريطانيين؛ لأنَّه كان أعلم الناس بضرر هذه السِّياسة في مصر.

ثم قال السير جيمس كري: «وقد لبَّيت دعوة حكومة السُّودان سنة ١٩٢٩ لحضور افتتاح خزَّان النِّيل الأزرق، ولاحظت تغيُّرًا في موقف كبار الموظفين الإنكليز في السُّودان بإزاء التَّعليم، وأن الاهتمام بشؤونه قد قلَّ. وتأكدت من ذلك لما زرت السُّودان لآخر مرة في سنة ١٩٣٢، ووجدت التَّعليم في تقهقر، وكنت قد تلقيت خطابًا من الدكتور ماكين ناظر مدرسة الهندسة بالسُّودان يشكو فيه إهمال حكومة السُّودان لهذه المدرسة، ويقول: إنَّ حكومة السُّودان عرضت نفسها لتهمة تأخير التَّعليم الفني الراقي في السُّودان.»

ثم ينادي السير جيمس كري في آخر تقريره بضرورة إحياء المدرسة الحربية وإنشاء مدرسة للحقوق ومدارس للزراعة، ثمَّ ضرورة تعمير جنوبي السُّودان؛ فإنَّ أمدَ إهماله طالَ إلى حدٍّ يعوق نهضة السُّودان الاقتصادية. ثمَّ يقول في النهاية: «ولعل جريدة «التيمس» لا تترجم إلى العربية في السُّودان، وإلَّا لكان السُّودانيون يطَّلعون فيها على آراء السَّاسة الإنكليز الواقفين على أحوال السُّودان، والذين ينادون بوجوب إجراء إصلاح واسع النِّطاق لإنعاش السُّودان، وإلَّا فإنَّ السُّودانيين، تحت ضغط آلامهم وما يقاسونه، يتنبَّهون وتقوى فيهم ملكة انتقاد السِّياسة التي تجرى عليهم، وإنَّ تطوُّر الحالة السياسية في السُّودان قد حرم السُّودان من المساعدة السَّخية التي كانت تقوم بها مصر في الزمن الماضى. ا.ﻫ.»

(٩) رأي المؤلف

والذي نعتقده بالرَّغم ممَّا حدث ولما تقدم، بأنَّ الارتباط بين مصر والسُّودان قد أصبح وثيقًا، بسبب إنشاء خزَّان جبل الأولياء، ومشروع وزارة الأشغال في إنشاء خزَّان أو حفر ترعة عند منطقة السدود، ولحملها على الاشتراك في إنشاء خزَّان تانا بالحبشة؛ لأنَّ ملايين الأفدنة المصريَّة ستعتمد على الرَّي بهذه المشروعات، ولأنَّ هناك ملايين المصريين الذين سيعولون عليها في حياتهم ورزقهم.

ومن جهة أخرى فإنَّ استتباب الأمن في السُّودان يهمُّ مصر جدًّا؛ لأنَّ اضطرابه يؤثر في أمن مصر ورخائها.

وقد علمت أنَّ سير «جون مافي» الحاكم العام للسُّودان سابقًا ووكيل وزارة المستعمرات البريطانية الآن قد بحث المسألة مع الموظفين الإنكليز بالخرطوم ومع الحكومة البريطانية ومع الممولين الإنكليز — وانتهت بحوثه بأنه ليس هناك أمل في الوقت الحاضر في أن تشترك إنكلترا بأموالها في تعمير السُّودان أكثر ممَّا فعلت.

بالإنفاق على جيشها المحتل وعلى أراضي الجزيرة.

ومن ثَمَّ اتَّجهت أفكار وُلاةِ الأمور الإنكليز إلى فتح الباب للمصريين للمعاونة بأموالهم في تعمير السُّودان.

وأعتقد أن مسألة السُّودان قد أصبحت أقرب إلى الحل بالمفاوضات بين مصر وإنكلترا ممَّا كانت عليه سنة ١٩٣٠ وقبلها.

وأرى أن مسألة السُّودان يجب حلَّها في الخرطوم نفسها، وأدعو كلَّ سياسي مصري ليزور السُّودان وليبحث تاريخه وجغرافيته قبل المفاوضة، وأعتقد أن مسألة السُّودان قد صورت بصورة غير حقيقية في أثناء المفاوضات الماضية، وأنَّ الإنكليز قد غالوا في تصور أن السُّودان يستطيع أن يعيش مفصولًا عن مصر، وأن يتقدم مستقلًّا عنها، فلقد ثبت أخيرًا أن السُّودان لا يستطيع أن يحيا، فضلًا عن أن ينمو ويتقدَّم، بغير أموال مصر ورجالها، وأن السُّودان عبء على من يحكمه وليس من موارد الثروة.

على أنَّه إذا قُدِّر للسُّودان أن يعود إلى الحظيرة المصريَّة الخالصة، فقد يكون من الفائدة أن توضع له إدارة تختلف اختلافًا موضعيًّا عن الإدارة المصريَّة، وأن تكون جزءًا منها في المسائل العامَّة؛ لأنَّ للسُّودان ظروفًا خاصَّة، ولأنَّ في بُعده عن القاهرة ما يدعو إلى نظام اللا مركزية بين مصر والسُّودان.

على أنَّنا، نرجو للسُّودان ولإخواننا السُّودانيين حياة سعيدة ومستقبلًا زاهرًا.

(١٠) الوزارات المصرية من أول نشأتها إلى الآن

فيما يلى ننشر أسماء الوزارات التي تولَّت الحكم فى مصر منذ إنشاء الخديوي إسماعيل مجلس النُّظَّار فى سنة ١٨٧٨ حتَّى الآن:

الوزارة تاريخ تأليفها مدة حكمها
يوم شهر سنة
في عصر الخديوي إسماعيل نوبار باشا الأولى ٢٨ أغسطس سنة ١٨٧٨ ١٣ ٦
الأمير محمد توفيق باشا ١٠ مارس سنة ١٨٧٩ ٢٨
محمد شريف باشا الأولى ٨ إبريل سنة ١٨٧٩ ٢٥ ٢
في عصر الخديوي توفيق شريف باشا الثَّانية ٣ يولية سنة ١٨٧٩ ١٦ ١
الخديوي توفيق ١٨ أغسطس سنة ١٨٧٩ ١٤ ١
رياض باشا الأولى ١١ سبتمبر سنة ١٨٧٩ ١٨ ١١ ١
شريف باشا الثالثة ١٤ سبتمبر سنة ١٨٨١ ٢٠ ٤
محمود سامى باشا ٤ فبراير سنة ١٨٨٢ ١١ ٤
إسماعيل راغب باشا ٢٠ يونية سنة ١٨٨٢ ١٢ ٢
شريف باشا الرابعة ٢٨ أغسطس سنة ١٨٨٢ ٠ ٤ ١
نوبار باشا الثَّانية ١٠ يناير سنة ١٨٨٤ ٥ ٤
رياض باشا الثَّانية ١٠ يونية سنة ١٨٨٨ ٤ ١١ ٢
مصطفى فهمي باشا الأولى ١٤ مايو سنة ١٨٩١ ٤ ٨
في عصر الخديوي عباس حلمي مصطفى فهمي باشا الثَّانية ١٧ يناير سنة ١٨٩٢ ٢٨ ١١
فخري باشا ١٥ يناير سنة ١٨٩٣ ٢
رياض باشا الثالثة ١٩ يناير سنة ١٨٩٣ ٢٧ ٢ ١
نوبار باشا الثالثة ١٦ إبريل سنة ١٨٩٤ ٢٦ ٦ ١
مصطفى فهمي باشا الثالثة ١٢ نوفمبر سنة ١٨٩٥ ١٣
بطرس غالي باشا ١٢ نوفمبر سنة ١٩٠٨ ١١ ٣ ١
محمد سعيد باشا الأولى ٢٣ فبراير سنة ١٩١٠ ١٠ ١ ٤
حسين رشدي باشا الأولى ٥ إبريل سنة ١٩١٤ ١٤ ٨
في عصر السُّلطان حسين كامل حسين رشدي باشا الثَّانية ١٩ ديسمبر سنة ١٩١٤ ٢٢ ٩ ٢
في عصر السُّلطان فؤاد حسين رشدي باشا الثالثة ١٠ أكتوبر سنة ١٩١٧ ٦ ١
حسين رشدي باشا الرابعة ٩ إبريل سنة ١٩١٩ ١٢
محمد سعيد باشا الثَّانية ٢١ مايو سنة ١٩١٩ ٦
يوسف وهبة باشا ٢١ نوفمبر سنة ١٩١٩ ٦
محمد توفيق نسيم باشا الأولى ٢٢ مايو سنة ١٩٢٠ ٢٥ ٩
عدلي يكن باشا الأولى ١٧ مارس سنة ١٩٢١ ٩ ٩
في عصر الملك فؤاد الأول عبد الخالق باشا ثروت الأولى ١ مارس سنة ١٩٢٢ ٢٩ ٨
محمد توفيق نسيم باشا الثَّانية ٣٠ نوفمبر سنة ١٩٢٢ ١٥ ٣
يحيى إبراهيم باشا ١٥ مارس سنة ١٩٢٣ ١٣ ١٠
سعد زغلول باشا ٢٨ يناير سنة ١٩٢٤ ٢٧ ٩
أحمد زيور باشا الأولى ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٢٤ ١٩ ٣
أحمد زيور باشا الثَّانية ١٣ مارس سنة ١٩٢٥ ٢٥ ١٢
عدلي يكن باشا الثَّانية ٧ يونية سنة ١٩٢٦ ١١ ١٠
عبد الخالق ثروت باشا الثَّانية ٢٦ إبريل سنة ١٩٢٧ ٢٠ ١٠
مصطفى النحاس باشا الأولى ١٧ مارس سنة ١٩٢٨ ٨ ٣
محمد محمود باشا ٢٧ يونية سنة ١٩٢٨ ٥ ٣ ١
عدلي يكن باشا الثالثة ٤ أكتوبر سنة ١٩٢٩ ٢٧ ٢
مصطفى النحاس باشا الثَّانية ٢ يناير سنة ١٩٣٠ ١٦ ٦
إسماعيل صدقي باشا الأولى ٢٠ يونية سنة ١٩٣٠ ٤ ٦ ٢
إسماعيل صدقي باشا الثَّانية ٤ يناير سنة ١٩٣٣ ١٩ ٨
عبد الفتاح يحيى باشا ٢٧ سبتمبر سنة ١٩٣٣ ٩ ١ ١
محمد توفيق نسيم باشا الثالثة ١٥ نوفمبر سنة ١٩٣٤

هوامش

(١) لقد أثارت مناقشات البرلمان المصري والصحف حول الكف عن دفع هذا المبلغ قلق ولاة الأمور في السُّودان وإنجلترا خشية أن تقرر مصر يومًا ما الإمساك عن دفع هذا المبلغ فيستهدف السُّودان لخطر.
(٢) اللورد كرومر — من تقرير ١٩٠٥ ص١٧٣–١٧٤.
(٣) ملنر — من كتابه «إنكلترا في مصر» ص٧٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤