طيف الحياة

رأيت فيما يرى الوسنان من حلم
(طيفًا) جميلًا على بُعدٍ يُحيِّيني
فقلت (للنفس): «من هذا؟» فجاوبني
صوت لها: «هي من ترضى فتحييني»
تمدنا بصنوف الوحي هادية
كما تمد حياة الماء والطين
فليس في الكون مخلوق بلا صلة
بها، ولو كان في عد الشياطين
فكيف نجهلها إن كنت خاطبها
كما ادعيت ولم تحرم كمسكين؟
فقلت (للنفس): «حقًّا أنت ملهمة
فقد ضللت بأوهام تؤاتيني
هي (الحياة) بلا شك ممثلة
حسناء قرب نضير من بساتين
ونحن في صحراء التيه يشملنا
جهل من العيش أو جهل من الدين
تومي إلينا وتدعونا لنعمتنا
ونحن نجهل مفروض القرابين
فكيف أحظى بأسباب توفقني
إلى رضاها، فهذا الجهل يعييني؟»
فلاح لي (الطيف) في حسن يحيرني
ونوره فتن للب تغويني
وقال: ما دمت من قدرتي فأنا
روح (الحياة) ومعبود الملايين
وسوف أفضي بسري كي تلم به
فلا تدوم بدنيا للمساكين
واشكر (لنفسك) إخلاصًا فإن لها
فضل اتصال بآمال تلبيني
أجيب عنها١ جوابًا إن عنيت به
فإن حظك إذ ترضيه ترضيني
فقلت: «سمعًا وطوعًا! أنت فاتنتي
وإن تناءيتِ عن أحلام مفتون!»
قالت: إذن دَع ظنونًا منك خاطئة
إنَّ الظنونَ تراث للمجانين!
واسمع عظاتي لتحظى إن بَررت بها
بحظِّ قربي وإسعادي وتلحيني
عليك سعي لأسباب مبلِّغة
على النجاح وأسبابٍ لتمكين
وما النجاح الذي أرضى رعايته
سوى سعادة وجدان تناجيني
وما السَّعَادةُ إلا أن تكون فتًى
له جهود تسامت عن هوى الهُون
يرى بها مَبدأً يحيا الضمير به
مُنزهًا عن خسيس السعي والدون
أساسه العِلم في حريةٍ ضمنت
له البقاء عزيزًا غير مغبون
وهِمَّة من صروف الدهر هازئة
وعونها الصبر يبقى جِدَّ مسنون
إذا رأت فشلًا لم تبك من جزع
بل باغتته بعزم غير مطعون
فهذه خير أسباب مبلغة
إياك خير نجاح جد مضمون
علمٌ وسعيٌ وتفكير بلا ملل
وصبر عاتٍ على أرزائه الجون٢
حتى ينالَ النجاحَ الفخمَ مقتدرًا
وإن هوى مات كالغرِّ الميامين
انظر إلى (الغرب) تلقَ السعي رائده
منظمًا جهده تنظيمَ تعيين
فكلُّ فرد له شأن يُخصُّ به
وكلُّ شأن له تقسيمُ تفنين
وكل مقتدر منهم ومجتهد
هيهات يرجع عن وعظي وتلقيني
والفرد منهم يرى للغير واجبَه
كما يراه له في كل تفنين
العلم قائدُهم والصبرُ رائدُهم
والفكرُ والبحث في كل الأحايين
ولا يبيعون حقًّا بالذي ورثوا
من وهم أجدادهم بيع الملاعين٣
فكن بصيرًا لنفس لم تسائلها
وغَذها بجلال ماثل دوني
واعلم وردِّد تعاليمي مجرَّدةً
للنشء عن كل تجميل وتزيين
مبادئي قوةٌ تغني مجملةً
بطبعها، وهي إذ تغنيك تغنيني
فقل لنشء جديد في نضارته
خذوا من العلم آيات الفراعين
لا تقنعوا بقشور لا غذاء بها
ولا تردوا بمردود البراهين
وقدِّسوا مثل دين لا شكوك به
حرية الفكر أو مثل الرياحين
وحاذروا من قنوع فالنجاحُ عُلًا
لا ينتهي بين سوسانٍ ونسرين
أنتم بعهد صناعات مسودةٍ
فلا تهونوا بأقدار المساجين
عهدٌ به الأدب العالي كهندسة
والشعر كالراد طب في أفانين٤
فبجلوا العلم تبجيلًا كأن له
لسان خالقكم قبلَ النبيين
وحالفوا الصدق والإتقان واعتصموا
بكلِّ كافل تهذيب وتكوين
ولتنشدوا «المثل الأعلى» كأن لكم
في غيره عيشَ منكوب (بسجِّين)٥
كأنكم وحدَكم أهلٌ لعالمكم
تكونون (سبرمان) الشواهين٦
هذا هو النُّجح عندي لا سواه فما
مظاهر البذخ الخدَّاع تكفيني
وليس تطربني أحلام حالمكم
إذا لبثن كأحلام تنافيني
ولستُ من يَرتضي عيش الممات لكم
بين الغرور وألقاب الدواوين
ولا صياحًا بلا جدوى لأمتكم
ونوعكم كعُواء للسّراحين٧
فإن نجحتم غُنيتم من سعادتكم
بنُجحكم عن جنان الخرَّد العين
وكان منهاجُكم هذا مُبلِّغكم
مجدي وحبي وإيماني وتأميني!

•••

ثم انتبهت على صيحات فتيتنا
باسم الجهاد سكارى في الميادين!
١  أي نيابة عنها.
٢  الجون: السود.
٣  الملاعين: الأطعمة الضارة.
٤  الراد: عنصر الراديوم.
٥  سجين: واد في جهنم.
٦  الشواهين: الصقور، يعني المُتسامين.
٧  السراحين: الذئاب، جمع سرحان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤