ثانيًا: أوصاف الذات وصفاتها

وبعد إثبات الذات يبدأ وصفها، فيرتبط بسؤال إمكانية العلم بالذات سؤال آخر وهو أخص وصف تتميز به الذات، وهل هناك صفات أخرى لا نعلمها إذا ما تم حصر الصفات؟ فعلى فرض إمكانية العلم بالذات عن طريق آثارها التي تدل عليها فهل يمكن ابتداءً من هذه الآثار وصف الذات في نفسها أو في غيرها أو في أفعالها؟ وهنا يظهر موضوع الصفات الذي أصبح لب التوحيد. ثم تمايزت الصفات عن الأوصاف بعد حصرها وتصنيفها إلى نفسية ومعنوية، سلبية وثبوتية. وعلى الرغم من أنها كلها تقريبًا إنسانية وتشبيهات وقياس للغائب على الشاهد. ماذا تعني صفة؟ هل الصفة شيء؟ هنا يظهر الحس من جديد ويفرض نفسه على التنزيه. فإذا كان التنزيه قد استطاع أن يتخلى عن كل مظهر من مظاهر التشخيص حتى ولو كان ذاتًا أو فردًا أو غيرًا، فإنه يضعف أمام الحس الذي يجعل الصفة شيئًا.١ أمَّا إذا اجتمعت الصفات فقد لا تكون بالضرورة أشياء؛ لأن المجموع يعطي كلًّا جديدًا يستطيع أن يتجاوز الصفة المفردة بصفته، وهي عملية شعورية ثانية يكون بها الكل أقوى من الجزء. ولا يمكن أن تكون الصفة إلا شيئًا ما دامت تصف ذاتًا موجودة. فالشيء موجود والموجود شيء. ولما كان وصف الصفة بالشيء يوحي بالشيئية المرفوضة في التجسيم فهل تكون الصفة معنى؟ المعنى أقرب التصورات إلى التنزيه لأن الشيء يوحي بالجسمية، فالأجسام وحدها هي الأشياء في حين أن المعنى مشخص بل دلالة خاصة.٢ ولما كان المعنى مجرَّدًا ذاتيًّا والذات حسية موضوعية لم يُوَفَّ المعنى كل حق الصفة. فإذا لم تكن الصفة شيئًا أو معنى فهل هي اسم؟ وماذا يعني اسم؟ الاسم هو اختيار إنساني للفظ من اللغة العادية للتعبير به عن مضمون شعوري أو للإشارة به إلى شيء موجود في الواقع إذا تم الاتفاق على ربط هذا الاسم بهذا المُسَمَّى. وعلى هذا النحو يكون التوحيد بين الأسماء والصفات انتقال من اللغة إلى الشيء بلا برهان أو من الذات إلى الموضوع دون اتفاق مسبق على تطابق هذه الأسماء مع تلك المسميات.٣ فليس كل عالم عالمًا بالضرورة لمجرد تسميته باسم عالم، وكل قادر لا يكون قادرًا بالضرورة من مجرد تسميته قادرًا. هذه المعاني الثلاث لكلمة صفة كأنما تكشف عن صعوبة وصف الذات التي لا يمكن العلم بها. وماذا يعني وصفها بصفات تقريبية؟ هل هذه الصفات تدل على أشياء بالفعل أم تشير إلى مجرد معاني ذهنية لا توجد في الأعيان أم هي مجرد أسماء وألفاظ من اللغة للتعبير بها عن مضمون شعوري وموقف إنساني خالص في ظرف اجتماعي وسياسي معين كنوع من الإبداع الشعري أو الفكري؟

(١) تداخل الأوصاف والصفات

ويميز القدماء بين الوصف والصفة. فالوصف للذات والصفة لآثارها ومتعلقاتها، الوصف لا لمعنى في حين أن الصفة لمعنى، الوصف للوجود والصفة نفي أو إثبات. الوصف للنفس والصفة للمعنى، ومع ذلك يصعب التمييز بين أوصاف الذات وصفاتها. بعض الأوصاف تدخل في الصفات، وبعض الصفات تدخل في الأوصاف، فيتداخلان معًا مثل تداخل دليل الوجود (وصف الوجود) وانتفاء الجسمية (وصف القيام بالنفس) مع الصفات المعنوية السبعة.٤ وقد تتداخل بعض أوصاف الذات في مضمون الإيمان مع صفاتها (الواحد، الموجود، الأوَّل، القديم) دون فصل بين أوصاف الذات وصفاتها، والتعرض لمسائل المشابهة والمماثلة والجهة دون التعبير عنها بمقولاتها الخاصة وهي المخالفة للحوادث والقيام بالنفس، بل الاكتفاء بالحديث عن الاستواء وسائر الصفات الحسية المتنازع عليها.٥ وقد تُذكَر أوصاف الذات مختلطة بالصفات دون وعي تصوري بالتمييز بينها (قديم، موجود، واحد، شيء، نفس)، ورفض التشبيه: (النور، اليد، الساق، الأصبع، المجيء، الذهاب، النزول، الجسم، الاستواء على العرش، المكان، الرؤية)، وعدم استقرار إحصاء الصفات بعد، وإدخال المتفق عليها (ست أوصاف للذات وسبع لصفاتها) مع المتنازع عليها.٦ وقد تدخل أوصاف الذات كجزء من إعلان النوايا والتعبير عن بناء الشعور الإيماني، وكأنها جزء من العقائد دون أية قسمة نظرية إلى أوصاف وصفات ودون أي بناء نظري للذات. وتعتمد هذه العواطف الإيمانية على الشواهد النقلية والآيات القرآنية.٧ وفي شرح أصل التوحيد، تذكر بعض أوصاف الذات دون ذكر لها مثل الوحدانية، والتنزيه، وإنكار الرؤية، والقِدَم، ودون إحصاء لها أو للصفات دون بناء عقلي محكم حتى عند النزعات العقلية.٨ وقد لا تذكر المسألة كلية، مسألة الذات والصفات ولكن تذكر النظريات العامة مثل التوحيد، ويذكر فيه وصف الواحد، وإبطال التشبيه، ورفض جميع صوره كإثبات الصور والجهة وجعل «الله» محلًّا للحوادث، والحديث عن الجهة والقيام بالنفس والدخول والخروج.٩ وقد تأتي الأوصاف والصفات في صيغة مسائل، فتظهر أوصاف الذات دون تمييز بينها وبين الصفات. وتظهر دون إحصاء (اثني عشر)، ولا يراعى الترتيب. فيأتي الوجود بعد القِدَم والبقاء. وتُضاف أوصاف مثل إضافة الشيء إلى الوجود، ويفصل بين الحلول والاتحاد، الأوَّل ضد النصارى والثاني ضد الصوفية. ويُعاد القِدَم للذات وللصفات (ضد الكرامية). ثم تظهر نفس الصفات الحسية (الألوان والروائح والطعوم) والانفعالية (اللذة والألم) مما يكشف عن عنصر التشبيه الوجداني.١٠ ويتم المزج بين أوصاف الذات وصفاتها عند المتقدمين والمتأخرين على حد سواء.١١ ففي مصنفات العقائد المتأخرة يخلط بين أوصاف الذات وصفاتها، ولا يتم حصرها أو إحصاؤها، ومع ذلك يمكن التمييز بينها. فتتداخل أوصاف الواحد والقديم مع الصفات المعنوية السبع على أنها صفات أفعال، ثم تتلوها صفات السلوب دون إحصاء أو عد مع أنها تبلغ الأربع عشرة صفة، تتلوها الصفات السبع من جديد، ثم يأتي جواز الرؤية في النهاية.١٢ وقد تذكر الصفات بلا إحصاء أو تقنين، وأهمها القِدَم والوجود والكمال، تتخللها الصفات المعنوية السبعة، ثم تأتي أوصاف السلب وتنزيه الذات من النقائص كالشبه والمثل والشريك والظهير والحلول والحدوث والاتحاد والجوهر والعرض والجسم الحيز والجهة والحركة والانتقال. وتنتفي عنه أيضًا مضادات الصفات المعنوية السبعة كالجهل والكذب، ثم تأتي الرؤية في النهاية. وبعد الأفعال تظهر أوصاف الذات من جديد على أنها واحدة. فالذات غير متبعض ولا متجزأ، ولا حد له، ولا نهاية له من أجل التركيز على وحدة الذات مع أوصافها وصفاتها.١٣ كل ذلك يدل على أمرين: الأوَّل أن التمايز بين الأوصاف والصفات إنما نشأ متأخرًا. أمَّا في البداية فقد كانت كلها محاولات لوصف الذات. ثانيًا: أن التمييز بين أنواعها وتصنيفها ثم عدها وإحصاءها لم يستقر إلا متأخرًا، مما يدل على أن البداية كانت مجرد محاولات واجتهادات صرفة قبل أن يظهر البناء العقلي المحكم نتيجة للتطور ولتعدد الاجتهادات.

(٢) تبادل الصدارة بين الأوصاف والصفات

ويصعب أيضًا إيجاد علاقة متوازنة بين الأوصاف والصفات. فأحيانًا تكون الصدارة للأوصاف على الصفات فتكون الأوصاف هي الغالبة، وأحيانًا أخرى تكون الصدارة للصفات على الأوصاف فتكون الصفات هي الغالبة. ففي صدارة الأوصاف على الصفات تبدو الأوصاف أهم من الصفات بكثير، خاصةً في مضادات الأوصاف من تشبيه وتجسيم وثنوية، وكأن الصفات مشكلة تالية للأوصاف وذلك لنقص النظريات المعارضة فيها.١٤ ولأول مرة تذكر أوصاف الذات في معرض نفي التأليه والتجسيم والتشبيه دون ذكر براهين إيجابية عليها إلا من نهايات دليل الحدوث في أن الحوادث لا بد لها من محدث أو أن صانع الحوادث أحدثها من لا شيء وذلك في باب «معرفة الصانع ومعرفة نعوته الذاتية». فسميت أوصاف الذات النعوت الذاتية في مقابل الصفات المعنوية السبعة وهي الصفات القائمة بالإله. وتظهر أو صفات الذات بلا إحصاء أو ترتيب (القِدَم، الوجود، القيام بالنفس، الوحدانية، المخالفة للحوادث). لا يوجد عدد محدد لأوصاف الذات، ولكنها تتداخل مع صفاتها. فالبقاء مثلًا يدخل مع الصفات المعنوية مع بقاء الصفات، ويشك في صفة القِدَم.١٥ وقد يتركز الموضوع كله في تنزيه الله عن الجسمية بعد مقدمات ثلاث لإثبات الوجود ونفي الجسمية عنه، ويدخل فيها نفي الحيز والجهة، وفي تأويل المتشابهات لنفي الجسمية. وفي تقرير مذهب السلف أيضًا تنفى الجسمية والتشبيه، ويدخل في ذلك نفي اليد والعين … إلخ. أو الانفعالات كالفرح والحياء … إلخ. ولا تظهر من أوصاف الذات إلا النفس على معنى التشبيه.١٦ وفي معرض النظريات والتصورات المخالفة تظهر أوصاف الذات بطريق الضد. فبنفي التشبيه يذكر استحالة كونه جسمًا، وتقدسه عن الجهات والمحاذيات، واستحالة كونه عرضًا، واستحالة كونه جوهرًا، وتأويل آيات التشبيه والتجسيم، وإثبات الواحد، وإثبات القديم مع القدرة والعلم والحياة.١٧ ويزداد ذكر أوصاف الذات في المؤلفات المتأخرة بعد القرن الخامس، وكأن مشكلة الصفات هي التي عمت التوحيد في القرون الأولى ردًّا للتشبيه والتجسيم، فلما انتصر التنزيه ظهرت أوصاف الذات. وقد تذكر أوصاف الذات، القِدَم، بعد تقسيم العالم إلى محدث وقديم ثم الوجود ثم الواحد، وأنه شيء، وأنه نفس، وأن له يدًا وأصابع وساقًا، ولا يجوز وصفه بالمجيء أو النزول. ويذكر الاستواء ونفي المكان وإثبات الرؤية، ويذكر كل ذلك دون بناء نظري أو تصوري.١٨ وفي بعض الموسوعات المتأخرة لا تظهر مسألة الصفات على الإطلاق في حين تظهر الأوصاف. ولا تظهر إلا بعض المسائل النظرية من مقدمات الصفات كالصفة والموصوف والعلة والمعلول والوحدة والكثرة مما يوحي بأننا ما زلنا بصدد الأمور الاعتبارية، في عالم الأذهان، ولم نخرج بعد إلى عالم الأعيان.١٩ وقد لا تظهر الصفات إلا مرة واحدة عرضًا في نطاق ذكر صفات التشبيه إلا القرآن.٢٠
وفي صدارة الصفات على الأوصاف تذكر صفات الذات قبل أوصافها، مما يدل على تراجع أهمية الأوصاف وتصدر الصفات. وتغلب صفة الوحدانية على غيرها في باب مستقل، وتكون أول الأوصاف. ثم يأتي إبطال التشبيه تحت أحكام العقل الثلاثة، وفي إبطال التشبيه تدخل المخالفة للحوادث.٢١ وعندما تتصدر مباحث التوحيد أدلة إثبات الصانع تأتي صفة الوحدانية وأدلتها ثم تأتي الصفات السبع دون إحصاء كذلك. تتصدر الصفات على الأوصاف، وتأتي الأوصاف بطريق إنشائي تعبر عن الكمال دون بناء نظري أو تصور محكم مثل الكمال وتنزهه عن النقص، وعدم كونه جسمًا وجوهرًا وعرضًا وفي مكان وفي جهة، وعدم اتصافه بالكيفيات المحسوسة، وتنزهه عن الاتحاد والحلول، وتنزهه عن الزمان وعن الحدوث وعن الأولية والآخرية. ويذكر البقاء والقِدَم من الصفات المختلف فيها مع التكوين وتنتهي بالرؤية. وعلى هذا النحو سارت الدراسات الثانوية للمعاصرين، فجاءت أوصاف الذات بعد صفاتها، وغلب عليها التقسيم حسب الفِرَق أو الأشخاص وليس حسب الموضوعات.٢٢ وفي المصنفات الاعتزالية تتصدر الصفات الأوصاف دون إحصاء لها. تشرح الأوصاف وتحلل دون عد وذلك يدخل في علوم التوحيد. يظهر الوجود مع الصفات الخمس «إذ إن الكلام والإرادة داخلان في العدل». وفي الأضداد يذكر العدم، وهو ما يستحيل عليه. ويذكر الواحد في فصل مستقل ويرد فيه على النصارى. كما تذكر صفات السلوب التي يجب نفيها عن الإله مثل نفي الحاجة والجسمية والعرض والرؤية. ويذكر البقاء مع القِدَم دون أن يكون صفة خاصة.٢٣ وقد لا تذكر أوصاف الذات لاعتراضات على وصف الوصف والنعت والصفة، ولكن ينفي التشبيه والجسمية والحركة والمكان والجوهر والعرض، ويوضح معاني المكان والاستواء، ونفي الأسماء والصفات غير التوقيفية كالقديم، والتوحيد بين النفس والذات على أنهما الأمر والخبر، وإثبات الماهية على أنها أنية، وإعادة تأويل الوجه واليد والعين والجنب والقِدَم والأصبع والنزول والرؤية، وإثبات الواحد إثباتًا إنشائيًّا لا تصوريًّا.٢٤ والسؤال الآن: هل تكشف الاعتراضات على اللغة والمصطلحات والألفاظ عن اعتراضات جوهرية على تصورات التوحيد ووصف الذات على هذا النحو وعلى إمكانية العلم بها؟ هل اللغة موضوعة يمكن تغييرها؟ هل هي تقريبية ظنية لا تلغي المسافة بينها وبين المعاني والمدلولات؟

(٣) تصنيف الأوصاف والصفات

ويبدو أن التمييز بين الأوصاف والصفات إنما كان في حد ذاته بداية لتصنيفها جميعًا، فالأوصاف ليست لمعاني في حين أن الصفات لمعاني، وكأن الوصف هو الشيء والصفات هي مظاهره، أو أن الوصف هو الجوهر والصفات هي الأعراض، علاقة حامل بمحمول. والسؤال الآن: كيف يتخلى علم أصول الدِّين بعد تأسيسه لنظرية العلم التي تقوم على وجوب النظر وأوائل العقول عن المعنى ويجعل الأوصاف موضوعة لا لمعنى؟

ثم انتقل التصنيف إلى صفات نفسية وصفات معنوية، الأولى أوصاف والثانية صفات، وهي أولى المحاولات المستقرة لتصنيف الصفات. الصفات النفسية هي أوصاف الذات في نفسها، بينما الصفات المعنوية هي صفات الذات في علاقتها بالغير. الأولى صفات لازمة للنفس دون تعليل بعلل قائمة فيها، في حين أن الثانية أحكام ثابتة للذات المعلل بعلل قائمة بها.٢٥ وكلاهما يجب «لله»، الأولى مثل عدم التحيز، والثانية مثل العلم. وتُسَمَّى الصفات النفسية أحيانًا الصفات الوجودية، أي المتعلقة بوجود الذات.٢٦ وقد كان إثبات الصفات المعنوية خطوة متوسطة بين الذات الخالية من الصفات وإثبات صفات التشبيه، وتُسَمَّى الصفات القائمة بالإله في مقابل أوصاف الصانع في ذاته.٢٧ والسؤال الآن: كيف يتم استبعاد مبحث العلة والمعلول من الصفات النفسية وتبقى غير معللة فيبطل التعليل؟ يبدو أن علم أصول الدِّين يبدأ في التنازل عن بعض مقدماته النظرية، سواء في نظرية العلم أم في نظرية الوجود، تاركًا الأحكام النظرية إلى سيادة الإيمان التقليدي.
ثم يتحول التصنيف لأول مرة في القرن السادس إلى صفات سلبية وصفات ثبوتية. السلبية هي أوصاف الذات الست، والثبوتية هي صفاتها السبع. الصفات السلبية تنفي التشبيه والتجسيم، والصفات الثبوتية التنزيه. وقد يتم ضم التصنيفين السابقين معًا وتُسَمَّى الصفة الأولى، وهي الوجود، نفسية، والصفات الخمس الأخرى سلبية، مما يدل على أن الوجود تجربة نفسية وأن الصفات الخمس الأخرى تتحدد سلبًا وليس فقط المخالفة للحوادث، فالقِدَم ضد الحدوث، والبقاء ضد الفناء، والقيام بالنفس ضد ليس في محل، والوحدانية ضد الشرك والتعدد. بل إن الصفة النفسية الأولى وهي صفة الوجود هي أيضًا نفي للضد وهو العدم.٢٨ وعلى هذا النحو يمكن الانتهاء إلى أن أوصاف الذات الست كلها سلبية، وأنه لا توجد أية صفة ثبوتية يمكن وصف الذات بها، وبالتالي لا يمكن الحديث عن «الله» إلا سلبًا.٢٩ ويكون النفي أساس الإثبات، ليس فقط على مستوى الألفاظ والقضايا، أي على مستوى اللغة والخطاب، ولكن أيضًا كموقف إنساني وكتجربة بشرية تعبر عن وضع الإنسان في العالم ووعيه به وفعله فيه نجاحًا أم فشلًا، وفي حقيقة الأمر أن هذه الصفات كلها بأنواعها الوجودية والثبوتية والسلبية النافية كلها تقريبية، محاولات للذهن الإنساني أن يصف ما لا يمكن العلم به وهو الذات، بل إن بعض الصفات السلبية تكشف الجانب الإنساني الإرادي الحسي الخالص، مثل استحالة اللذة والألم والطعوم والروائح. كل هذه الأوصاف من الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج.٣٠ تعبر عن مواقف في اللغة، كما أنها تكشف عن وضع نفسي اجتماعي للوعي بالذات وبالعالم يقوم على التعظيم والتبجيل للحق الضائع وللإمام الغائب.

(٤) إحصاء الصفات

وتطلق الصفات أحيانًا بالتغليب على الصفات والأوصاف معًا، ولم يستقر إحصاء الأوصاف والصفات في ست إلا في مرحلة اكتمال بناء العلم في القرنين السابع والثامن، بل واستمر الخلاف في العد والإحصاء حتى العقائد المتأخرة التي انتظمت في أحكام العقل الثلاثة. فمع قسمة الصفات إلى نفسية ومعنوية، الأولى للذات والثانية للصفات لم يظهر إحصاء تام للأولى، ولكن يذكر الوجود باستحالة العدم، والقِدَم، والقيام بالنفس، والمخالفة للحوادث (ويدخل فيها ما يستحيل اتصاف الله به: في أنه ليس جسمًا، وعدم قبول الأعراض، واستحالة كونه جوهرًا)، والوحدانية، وهي خمس صفات. أمَّا البقاء وهي الصفة السادسة كما ظهرت عند المتأخرين فتدخل ضمن الصفات المعنوية.٣١ وقد تظهر الصفات السلبية بلا عدد أو إحصاء ست صفات: نفي التحيز، والحلول، والجهة، وقيام الحوادث، واستحالة اللذة والألم، واستحالة الطعوم والروائح. وتأتي صفة البقاء بعد الصفات الثبوتية، وتأتي صفة الرؤية في نهاية المطاف وبعدها صفة الواحدية فيكون المجموع ثماني صفات.٣٢ ولم يبدأ الإحصاء إلا منذ القرن الخامس فتظهر الصفات على أنها عشرة، خمس إيجابية: الوجود، والقِدَم، والبقاء، والرؤية، والوحدانية، وخمس سلبية: ليس بجوهر، ليس بجسم، ليس بعرض، ليس له جهة مخصوصة، منزه عن العرش، ودون فصل نظري بين الإيجاب والسلب. وقد أبقى فيما بعد على الصفات الثلاث الأولى، الوجود والقِدَم والبقاء، وضمت الصفات الثلاث التالية: ليس بجوهر، وليس بجسم، وليس بعرض في صفة رابعة واحدة هي المخالفة للحوادث. كما ضمت الصفتان: ليس له جهة ومنزه عن الاستقرار على العرش في صفة واحدة خامسة، القيام بالنفس. وأبقى على الصفة السادسة، الوحدانية، بعد إدخال الرؤية في الجواز.٣٣ ويستمر الوضع كذلك في القرنين السادس والسابع فتجعل أوصاف الذات في التنزيهات في خمسة أوصاف: نفي المماثلة والجسمية مع الجهة والاتحاد مع الحلول والقيام بالحوادث والأعراض المحسوسة. ثم يظهر التوحيد في صفة مستقلة لأهميتها. ثم يظهر البقاء كوصف مختلف عليه، ويوضع مع صفات التشبيه كالسمع والبصر والكلام وغيرها مثل الاستواء واليد والوجه والعين، ثم تذكر الرؤية في هذا النطاق.٣٤ وفي القرن الثامن حيث يكتمل العلم تم قسمة الصفات إلى سلبية ووجودية. يدخل الوجود ضمن دليل الحدوث والإمكان، وتوضع صفتا القِدَم والبقاء مع الصفات المتنازع عليها كصفات التشبيه والاستواء واليد … إلخ. وتُذكَر مقدمتان للذات عن مخالفتها لسائر الذوات وعن صلة الوجود بالماهية، ثم يأتي التنزيه في سبعة أوصاف: نفي الجهة والمكان ونفي الجسم، ونفي الجوهر والعرض، ونفي الزمان، ونفي الاتحاد للذات والحلول للصفات، ونفي الحدوث عن الذات، ونفي الأعراض المحسوسة. ثم تأتي صفة الوحدانية منفردة في باب مستقل. وبعد الصفات السبع التي تُسَمَّى وجودية تأتي الرؤية في موضوع آخر وبعدها العلم بحقيقة الله في الجواز.٣٥ وأخيرًا ينتظم الوصف كله تصنيفًا وإحصاءً وعدًّا عندما تظهر أحكام العقل الثلاثة: الوجوب، والاستحالة، والإمكان، وبتعبير آخر الضرورة والامتناع والجواز. فكل الأوصاف المستحيلة مثل التجسيم والتشبيه والتعطيل تدخل في حكم الاستحالة، وكل الصفات مثل العلم والقدرة والحياة … إلخ تدخل في حكم الوجوب. وكل الصفات مثل الرؤية والماهية تدخل في حكم الإمكان. وظل الأمر كذلك حتى العصر الحاضر.٣٦ فالواجب «لله» عشرون صفة. أوصاف الذات الست، هي: الوجود، القِدَم، البقاء، المخالفة للحوادث، القيام بالنفس، الوحدانية. وأوصاف الذات السبع مرة اسم فاعل (عالم، قادر، حي، سميع، بصير، متكلم، مريد)، ومرة كاسم فعل (علم، قدرة، حياة، سمع، بصر، كلام، إرادة). فهي سبعة مضروبة في اثنين (عالم يعلم، قادر بقدرة، حي بحياة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة).٣٧ وقد يكون الواجب «لله» ثلاث عشرة صفة، ستة أوصاف للذات وأضدادها وصفة الجواز، جواز الفعل والترك.٣٨ وقد تنقسم الواجبات العشرون إلى أربعة أنواع من الصفات: نفسية لأنها تدل على نفس الذات، وسلبية لأن كل واحدة دلت على سلب لا يليق بأمر «الله»، ومعانٍ لأن كل واحدة لها معنى، وهو وجه قائم بذات الله، ومعنوية لأنها فرع من المعاني. الصفة النفسية واحدة وهي الوجود، والسلبية خمس: القِدَم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، والقيام بالنفس، والوحدانية. والمعاني سبع: القدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام. والمعنوية سبع: كونه قادرًا، مريدًا، عالمًا، حيًّا، سميعًا، بصيرًا، متكلمًا.٣٩
والمستحيل في «الله» عشرون صفة، هي أضداد صفات الوجوب بالرغم من وجود بعض أوصاف الذات سلبًا من قبل مثل المخالفة للحوادث. ست منها لأوصاف الذات، وهي: استحالة العدم، والحدوث، والفناء، والمشابهة للحوادث، والقيام في محل، والشرك والتعدد. وسبع منها للصفات كاسم فاعل، وهي استحالة أن يكون جاهلًا، عاجزًا، ميتًا، أصم، أعمى، أبكم، مغرضًا. وسبع منها للصفات كأسماء، وهي: استحالة الجهل، والعجز، والموت، والصمم، والعمى، والبكم، والهوى. فهي أيضًا سبعة مضروبة في اثنين، فيستحيل أن يكون جاهلًا بجهل، عاجزًا بعجز، ميتًا بموت، أصم بصمم، أعمى بعمى، أبكم ببكم، مغرضًا بهوى.٤٠
والجواز «لله» أمر واحد هي الرؤية. ولما كان الجواز يعني الوجوب أو الاستحالة، فليس له ضد، ولا ينقسم إلى اسم فاعل وإلى اسم فعل.٤١ وقد يأتي موضوع العدل مع الرؤية في الجواز.٤٢ ولكن في العقائد المتأخرة تسقط الرؤية ويوضع بدلها جواز الفعل والترك، وهو موضوع العدل أو ما تبقى من نظرية الأفعال، ولا تظهر إلا كمشكلة من مشاكل التوحيد الأربع أو كجزاء لأصحاب العقيدة.٤٣ ومع الجواز تظهر صفة العرش مع الأخرويات، لا لاحتياجها، بل للإيمان بها.٤٤
وقد طبقت أحكام العقل الثلاثة في العقائد المتأخرة، ليس فقط على قطبها الأوَّل، وهو «الله»، بل أيضًا على قطبها الثاني، وهو الرسول. فوجبت له أربع صفات، واستحالت عليه أربع صفات، وجازت له صفة واحدة. وبالتالي يكون على المسلم أن يؤمن بخمسين عقيدة، واحدًا وأربعين في الله، وتسعًا في الرسول.٤٥ وقد ينشأ الخلاف في العقائد حول الرسول، وتقل من تسع إلى سبع، ويكون المجموع ثمانيًا وأربعين عقيدة تستنبط كلها من «لا إله إلا الله محمد رسول الله.» إذ تعني الألوهية استغناء الله عن كل ما سواه، وافتقار كل ما عداه إليه.٤٦ وقد يغيب البناء بعد ذلك وتنقطع مسائل التوحيد في مشكلات مثل الوجود بلا مكان والرؤية بلا جهة، والكلام بلا حرف وصوت وكأن الأمر موضع دهشة وعجب أو عجز وضعف، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف، إقدام نحو العالم، ثم إحجام عنه.٤٧ وتنتهي صفات الذات كنظرية عقلية وتتحول إلى واجب يؤمن به أو عقيدة، ويفقد الوحي طابع النظرية الخالص، وتستسلم نظرية العلم الأولى.
وهكذا يتطور تصور الصفات من المتقدمين إلى المتأخرين. فإذا استطاع المتقدمون تصور الذات على أنها اسم لواجب الوجود وأوصافه، ما يجب له وما يستحيل عليه، وما يجوز له، فإنه أصبح عند المتأخرين «المستغني عن كل ما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه»، مما يوحي بعلاقة الأدنى بالأعلى التي ورثناها حتى الآن. ولا مانع من أن يكون في الاستغناء والافتقار وجوب واستحالة.٤٨ تتحول أحكام العقل الثلاثة إلى علاقة الاستغناء بالافتقار، وهي علاقة عبادة، ويصبح واجب الوجود هو المستحق للعبادة، ثم يفسر التوحيد كله بتحليل «لا إله إلا الله»، وتحديد معنى الألوهية باستغناء الله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه. وهذا استغناء طرف وافتقار طرف آخر مما أعطى عصرنا الاعتماد الكلي على المجهول واستغناء المجهول عن العالمين. يُصاغ التوحيد كله في هذه العلاقة الآحادية الطرف. فأوصاف الذات الستة وهي أوصاف السلوب تعني استغناءه عن كل ما سواه. وتدخل كل الأوصاف في هذه العلاقة غير المتكافئة بين الأطراف بما في ذلك حدوث العالم الذي يعني أيضًا استغناءه عن كل ما سواه. كانت الألوهية أوَّلًا واجب الوجود عندما كان العصر عصر قوة واستقرار، ثم أصبحت مصدرًا للعون في عصر الاضمحلال والتخلف وفي مجتمع العوز والفقر والحاجة حتى أصبحت علاقة الاستغناء بالافتقار عند القدماء تمثل أكبر دعامة في عصرنا للعلاقة بين الأغنياء والفقراء.
وفي الحركات الإصلاحية الحديثة يتم تحويل التصور النظري للذات والصفات إلى جهد عملي وتحقيق وممارسة، فلا تظهر الأبنية أو التصنيفات أو العد والإحصاء للأوصاف والصفات. ويصبح التوحيد هو «حق الله على العبيد» وما يتطلبه من عمل، وهو نفس الوقت واجب العبيد. تظهر بعض المسائل القديمة كعقائد إيمان، وتُصاغ بعض العبارات الإنشائية التي تمس الذات والصفات دون بناء مذهبي، مثل النهي عن الشرك. فالتوحيد عملية التوحيد إيقافًا للشرك في السلوك العملي للأفراد. فكأن حركة الإصلاح تنشأ من صفة الوحدانية بنفي ضدها وهو الشرك. والشرك هو الشرك العملي وليس مجرد الرد على الثنوية. ولا يظهر إلا نادرًا، مرتين أو ثلاثًا، ذكر الصفات المعنوية الحسية كاليد والعرش في آخر «كتاب التوحيد».٤٩ والسؤال الآن: إذا كان التوحيد هو حق «الله» على العبيد فأين واجب العبيد بالنسبة إلى «الله»؟ وأين حق العبيد بالنسبة للأئمة والحكام وحق البشر على أولي الأمر؟ وأين واجب الأئمة والحكام بالنسبة للعبيد؟ نظرًا لغياب هذا التساؤل تحولت الحركة الإصلاحية في الواقع إلى نظام تسلطي يقوم على حكم الفرد المطلق والذي يدين له الجميع بالطاعة والولاء. وفي حركة إصلاحية أخرى أكثر استنارة تسقط نظرية الذات والصفات والأفعال ويتم الانتقال من أحكام العقل الثلاثة — الواجب والممكن والمستحيل — إلى ذكر أوصاف الواجب في نفس الاتساق الوجودي. فلا يذكر إلا القِدَم والبقاء وهو التركيب. وتذكر صفات الذات قبل أوصافها. ومن الأوصاف لا تذكر إلا الوحدة. ثم ينتهي مبحث الصفات في بيان استحالة معرفة كنه الله. ثم يتوارى التوحيد كله أمام النبوة، وهي الرسالة العامة.٥٠
وفي حقيقة الأمر ليس للصفات بنية ولا إحصاء، بل تعبر عن أفضل ما لدى الإنسان من صفات تزيد أو تنقص. وقد عرض القدماء للمسألة دون تطويرها، وذلك بالسؤال عن أقصى وصف تتميز به الذات، وهل هناك صفات أخرى لا نعلمها إذا ما تم حصر الصفات السلبية والثبوتية.٥١ لقد منعه البعض لأنها لو كانت صفة كمال فعدمها نقص، ولو كانت صفة نقص فثبوتها ممتنع. وقد فضل البعض الآخر التوقف عن الحصر.٥٢ والحقيقة أنها لا حصر لها لا صفات ولا أسماء. فالكل يتوقف على مدى قدرة الإنسان على التأليه، أي على تحويل ذاته إلى مثال ووصفها بأفضل ما لديه من مثل عليا يسعى إلى تحقيقها ولم تتحقق بعد. فالكمالات لا نهاية لها. وهذا هو السبب فيما توحي به الصفات من كونها إنسانية تقريبية. هي صفات واحدة، سواء أُطلقت على «الله» أم على الإنسان. ولا توجد صفة واحدة يطلقها الإنسان على «الله» تكون خاصة به وحده، حتى القِدَم والبقاء والغنى وأوصاف الذات كلها، فالإنسان موجود قديم باقٍ، مخالف للحوادث لأنه يتعالى ويفارق، لا في محل من حيث هو شعور واحد. أمَّا إثبات الاشتراك ثم التمييز في كيفية الاستحقاق فهو عمل الشعور بالتنزيه.٥٣ يكون ذاته فيكون واقعًا، ويتحول إلى غيره فيصير مثالًا. وكان الفقهاء قد اعترضوا من قبل على استعمال لفظ «الصفة» للتعبير به عن محاولة وصف «الله» والتعرف عليه.٥٤ وبصرف النظر عن كون الرواية خبر آحاد أم لا والاعتماد على الأدلة النقلية أو الإجماع فإن استعمال الصفة لا بد وأن يوقع لا محالة في الشركة، وفي إطلاق صفات الإنسان من علم وقدرة وحياة وسمع وبصر وكلام وإرادة على «الله». لفظ الصفة لا يشير إلا إلى عرض في جوهر، أي إلى صفات حسية لأجسام، فكيف يطلق ذلك على «الله»؟ بل إن اللفظ لم يرد في أصل الوحي إلا كفعل، ومرة واحدة كاسم «وصف»، وكلها بمعاني سلبية. الوصف قد يكون كذبًا، فكيف يوصف «الله»؟٥٥
ومع ذلك، الصفات عند القدماء أول أصل التوحيد.٥٦ وعلى هذا النحو يكون لدينا وصف للذات باعتبارها وعيًا خالصًا، ثم وصف للصفات باعتبارها مكونات للوعي الخالص في الشخصية الإنسانية أو في الإنسان الكامل. «الوعي الخالص» وصف الذات في نفسها، علاقتها بذاتها، الذات من حيث هي ذات. ولها أوصاف ستة: الوجود، القِدَم، البقاء، المخالفة للحوادث، القيام بالنفس، الوحدانية. و«الإنسان الكامل» يتضمن صفات الذات في علاقاتها بالغير، في تخارجها وفعلها ونشاطها. وهي الصفات السبع: العلم، القدرة، الحياة، السمع، البصر، الكلام، الإرادة. إذا كانت الذات هي الوعي الخالص الشامل وهو الذي يتم وصفه بطريق التنزيه، أي نفي المشابهة عنه فإن الصفات تكون صور تعبير الذات عن نفسها وتخارجها إلى العالم. علاقة الذات بالصفات إذن علاقة المركز بالمحيط، علاقة الخيط بحبات العقد طبقًا للتصور الإنساني الشائع عن ضرورة الحامل للمحمول، والموصوف للصفة، والموضوع للمحمول، والفاعل للفعل، والمبتدأ للخبر. وفي هذه الحالة تُسَمَّى الذات أيضًا ماهية وتُسَمَّى الصفة وجودًا. إذا كانت الماهية يصعب معرفتها إلا عن طريق التقريب والمشاركة، فإن الوجود يمكن التحقق منه ببداهات الحس وشهادات الوجدان.٥٧
١  يرى سليمان بن جرير وكذلك الزيدية أن العلم شيء والقدرة شيء والحياة شيء، ولكنه لا يقول إن صفاته أشياء في حين يقول أصحاب الصفات بأن الصفات أشياء، وبأن الباري شيء بصفته (مقالات، ج١، ص١٣٨، ص٢٣١؛ ج٢، ص٢٠٣).
٢  يرى الجبائي أن مجرد معنى الصفة إثبات للذات (مقالات، ج٢، ص١٨٥).
٣  هذا هو موقف أصحاب الحديث وأهل السنة في القول بأن أسماءه هو هو (مقالات، ج١، ص١٣، ص٣٢٠). وهو أيضًا موقف عبد الله بن كلاب في التوحيد بين الأسماء والصفات (مقالات، ج١، ص٢٣٢).
٤  اللمع، ص١٧–٣١؛ الإبانة، ص٣١–٣٩.
٥  الإنصاف، ص١٨، ص٢٣–٢٥؛ بحر الكلام، ص٢-٣.
٦  بحر الكلام، ص١٧–١٩.
٧  بحر الكلام، ص٢-٣. وذلك مثل: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، ففيها إثبات الوجود والوحدانية ضد المشبهة والمجسمة. ويتضح ذلك عادةً في «البسملات».
٨  الانتصار، ص٥–١١.
٩  نهاية الإقدام، ص٩٠–١٠٢، ص١٠٩–١٢٢.
١٠  المسائل، ص٣٤٢–٣٦٠.
١١  النظامية، ص١٦–٢٩؛ الغيث، ص٣.
١٢  النسفية، ص٥٢–٦٨، ص٩١–٩٤.
١٣  العضدية، ج١، ص٢٢٦–٣٠١؛ ج٢، ص٢–١٨١، ص٢١٧–٢٢٢.
١٤  هذا هو موقف الباقلاني في «التمهيد»، إذ لا تتعدى الصفات ص٤٧-٤٨، ص١٥٢–١٦٠. في حين أن الأوصاف تشمل ص٤٦ (في أن صانع العالم واحد)، ص٥٢–٩٦ (في رفض الثنائية وجوهر النصارى والاتحاد)، ص١٤٨–١٥٢ (في التجسيم).
١٥  هذا هو موقف البغدادي في «أصول الدِّين»، ص٦٨–٨٨، ص١٠٨-١٠٩.
١٦  هذا هو موقف الرازي في «أساس التقديس»، ص٣–٧٤.
١٧  الشامل، ص٢٨٧–٣٤٢؛ الإرشاد، ص٣٤٥–٦٢٥.
١٨  بحر الكلام، ص١٧–٢٩.
١٩  يقول الهروي الحفيد: «ذكروا الصفة مع الموصوف لا عين ولا غير، وكذا الجزء مع الكل، فأوله صاحب المواقف بأن المراد لا هو بحسب المفهوم ولا غيره بحسب الهوية. أقول: هذا التوجيه لا يلائم الأشاعرة من أن الصفة منها ما هو عين الذات كالوجود ومنها ما هو غيره كالخالق، ومنها ما هو لا عين ولا غير كالعلم» (الدر النضيد، ص١٣٩-١٤٠).
٢٠  يقول أبو المعين النسفي: «واليد من صفاته الأزلية بلا كيف ولا تشبيه كالسمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام» (بحر الكلام، ص١٩، ص٢٩–٣٤).
٢١  غاية المرام، ص٢٥–٢٠٠. ويتحدث الآمدي عن القانون الثاني «في إثبات الصفات وإبطال تعطيل من ذهب إلى نفيها» (ص٢٧–١٣٣).
٢٢  التحقيق التام، ص٤٨–١٠٦.
٢٣  شرح الأصول الخمسة، ص١٢٨–١٣٠. ومع أن الأجزاء الثلاثة الأولى للكتاب: «المغني في أبواب التوحيد والعدل» للقاضي عبد الجبار مفقودة، وهي عن الذات والصفات، إلا أن الجزء الرابع عن نفي الرؤية، والخامس عن الوحدانية. وهو بالقياس إلى «شرح الأصول الخمسة» وإلى «المحيط بالتكليف» يكشف أيضًا عن الموقف الاعتزالي وهو صدارة الصفات على الأوصاف دون إحصاء للأوصاف. المغني، ج٤. رؤية الباري.
٢٤  الفصل، ج٢، ص١١٠–١٤٤.
٢٥  يشرح إمام الحرمين هذا التمييز قائلًا: «القول فيما يجب لله من الصفات. اعلم أن صفاته سبحانه منها نفسية ومنها معنوية. وحقيقة صفة النفس، كل صفة إثبات لنفس لازمة ما بقيت النفس غير معللة بعلل قائمة بالموصوف. والصفات المعنوية هي الأحكام الثابتة للموصوف بها معللة بعلل قائمة بالموصوف» (الإرشاد، ص٣٠).
٢٦  القاعدة الثانية، في إثبات الصفات النفسية (غاية المرام، ص٣٨–٥١). وتُسَمَّى أحيانًا الصفات الوجودية (المواقف، ص٤٧٩).
٢٧  أصول الدِّين، ص٨٨-٨٩.
٢٨  السنوسية، ص٢-٣. أوصاف الذات هي الصفات السلبية وصفاتها الثبوتية (المحصل، ص١١٦).
٢٩  قال بعض الأصحاب إنه لا بد من صفة وجودية، إذ التمييز بين الذوات غير حاصل بما يتخيل من الأمور السلبية المنفية (غاية المرام، ص١٣٤).
٣٠  «إن القِدَم والبقاء من الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج» (التحقيق التام، ص٩٤-٩٥).
٣١  الإرشاد، ص٣٠–٦٠، ص٨٧.
٣٢  المحصل، ص١٢٦، ص١٣٦–١٤٠.
٣٣  الاقتصاد، ص١٥–٤٤.
٣٤  طوالع الأنوار، ص١٠١–١٨٩.
٣٥  المواقف، ص٢٦٩–٣١١.
٣٦  هذا هو موقف الجويني في «العقيدة النظامية»، ويبدو أنه أول من بدأ صياغة أحكام العقل الثلاثة (النظامية، ص١٤–٢٩؛ الإرشاد، ص٢٩؛ السنوسية، ص٦-٧).
٣٧  غاية المرام، ص٣٨–٥١؛ السنوسية، ص٢-٣؛ العقيدة التوحيدية، ص٢-٣، ص٦–٩، ص١٢-١٣؛ كفاية العوام، ص٢٥–٦٩؛ الجوهرة، ص١٠–١٢؛ الخريدة، ص١٨–٢٣؛ جامع زبد العقائد، ص٢؛ وسيلة العبيد، ص١٦–١٨؛ الحصون، ص٩-١٠.
٣٨  الحصون، ص٩-١٠.
٣٩  جامع زبد العقائد، ص١٢–١٤.
٤٠  السنوسية، ص٢-٣؛ النظامية، ص١٤–١٦؛ كفاية العوام، ص٦٠-٦١؛ الجوهرة، ص١٠–١٢؛ الخريدة، ص١٨–٢٣؛ جامع زبد العقائد، ص٢–٥؛ وسيلة العبيد، ص١٦–١٨؛ الحصون، ص٩-١٠.
٤١  يزيد الإيجي صفة ثانية جائزة، وهي إمكانية العلم بها (المواقف، ص٣١٠-٣١١).
٤٢  وسيلة العبيد، ص١١، ص٦–١٨، ص٣٤، ص٤٥.
٤٣  العقيدة التوحيدية، ص٦–٩، ص١٢-١٣؛ السنوسية، ص٦-٧؛ كفاية العوام، ص٢٥، ص٢٥–٦٩؛ الباجوري، ص٣–٥؛ جامع زبد العقائد، ص٤-٥، ص٢٨.
٤٤  الجوهرة، ص١٠.
٤٥  كفاية العوام، ص٢٥. انظر أيضًا الفصل الثاني: بناء العلم، والفصل التاسع: النبوة.
٤٦  السنوية، ص٢-٣؛ جامع زبد العقائد، ص٢٢–٢٤.
٤٧  جامع زبد العقائد، ص٨-٩.
٤٨  جامع زبد العقائد، ص٢٥، ص٢٩. في الاستغناء واجبات أحد عشر وأضدادها وجائز واحد وفي الافتقار واجبات تسعة ومستحيلات تسعة (السنوسية، ص٧).
٤٩  هذا هو موقف محمد بن عبد الوهاب في «كتاب التوحيد» في حديثه عن الشرك والنهي عن رواتب الناس في التوحيد والشرك الأصغر والشرك الأكبر، وإثبات الصفات خلافًا للأشعرية دونما خوف من الوقوع في الحشوية. فيذكر مثلًا إثبات الصفات إطلاقًا خلافًا للأشعرية (كتاب التوحيد، ص٥؛ إثبات الصفات خلافًا للأشعرية المعطلة، ص٣٧، باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات، عدم الإيمان بجحد شيء من الأسماء والصفات، ص١٣٠–١٣٢).
٥٠  رسالة التوحيد، ص٣١-٣٢، ص٤١، ص٤٨–٥٢. ويقول صاحب الرسالة: «الكلام في الصفات إجمالًا. لا ريب أن هذا الحديث وما أتينا عليه من البيان كما يأتي في الذات من حيث هي يأتي فيها مع صفاتها، فالنهي والاستحالة إلى الاكتناه شاملان لها. فيكفينا من العلم بها أن نعلم أنه متصف بها. وأمَّا ما وراء ذلك فهو مما يستأثر هو بعمله، ولا يمكن لعقولنا أن تصل إليه. ولهذا لم يأتِ الكتاب العزيز وما سبقه من الكتب إلا بتوجيه النظر إلى المصنوع لينفذ منه إلى معرفة وجود الصانع وصفاته الكمالية، وأمَّا كيفية الاتصاف فليس من شأننا أن نبحث فيها. فالذي يوجبه علينا الإيمان هو أن نعلم أنه موجود، لا يشبه الكائنات، أزلي أبدي، حي عالم، مريد قادر، متفرد في وجوب وجوده وفي كمال صفاته وفي صنع خلقه، وأنه متكلم سميع بصير، وما يتبع ذلك من الصفات التي جاء الشرع بإطلاق أسمائها عليه. أمَّا كون الصفات زائدة على الذات، وكون الكلام صفة غير ما اشتمل عليه العلم من معاني الكتب السماوية، وكون السمع والبصر غير العلم بالمسموعات والمبصرات ونحو ذلك من الشئون التي اختلفت فيها النظار، وتفرقت فيها المذاهب، فمما لا يجوز الخوض فيه. إذ لا يمكن لعقول البشر أن تصل إليه. والاستدلال على شيء منه بالألفاظ الواردة ضعف في العقل وتعزير بالشرع لأن استعمال اللغة لا ينحصر في الحقيقة. ولئن انحصر فيها فوضع الغلة لا تراعي فيه الموجودات بكنهها الحقيقي. وإنما تلك مذاهب فلسفية إن لم يضلَّ فيها أمثلهم فلم يهتدِ فيها فريق إلى مقنع. فما علينا إلا الوقوف عند ما تبلغه عقولنا وأن نسأل الله أن يغفر لمن آمن به وبما جاء به رسله ممن تقدمنا من الخائضين» (رسالة التوحيد، ص٥١-٥٢).
٥١  وقد ذكر ذلك القاضي عبد الجبار في «باب هل يختص تعالى بصفة سواها؟» (المحيط، ص١٥٥–١٥٨). ويقول الآمدي: «فإذا الأقرب ما ذكره بعض الأصحاب، وهو أن ذلك جائز عقلًا وإن لم نقصد ثبوته لعدم العلم بوقوعه فعلًا وانتفاء الإطلاق به شرعًا، وذلك مما لا يوجب لواجب الوجود في ذاته نقصًا إلا أن يكون ما هو جائز له غير ثابت» (غاية المرام، ص١٣٥).
٥٢  يقول الرازي: «اعلم أنه لا يلزم من عدم الدليل على الشيء عدم المدلول. ألا ترى أن في الأزل لم يوجد ما يدل على وجود الله. فلو لزم عدم الدليل عدم المدلول لزم الحكم بكون الله حادثًا وهذا محال. وإذا ثبت هنا فنقول هذه الصفات التي عرفناها وجب الإقرار بها. فأمَّا إثبات الحصر فلم يدل عليه دليل، فوجب التوقف فيه. وصفة الجلال ونعوت الكمال أعظم من أن تحيط بها عقول البشر» (معالم أصول الدِّين، ص٥٨-٥٩).
٥٣  يقول القاضي عبد الجبار: «وقد قسم صفات القديم في الكتاب قسمة أخرى، فقال: إن صفات القديم إمَّا أن تكون من باب ما يختص به على وجه لا يشاركه فيه غيره نحو كونه قديرًا وغنيًّا، إلا أن هذا لا يصح في المثال؛ لأن المرجع بالقِدَم إلى استمرار الوجود والواحد مِنَّا يشارك القديم في الوجود وكونه غنيًّا ليس بصفة لأن المرجع إلى نفي الحاجة عنه، فالأزلي أن يذكر في مسألة الصفة الذاتية التي يقع بها الخلاف والوفاق. وإمَّا أن تكون من باب ما يشاركه غيره في نفس الصفة ويخالفه في كيفية استحقاقه لها نحو كونه قادرًا عالمًا حيًّا موجودًا، فإن أحدنا يستحق هذه الصفات كالقديم سبحانه إلا أن القديم يستحقها كما هو عليه في ذاته والواحد مِنَّا يستحقها لمعاني محدثة … وإمَّا أن تكون من باب ما يشاركه غيره في نفس الصفة وفي جهة الاستحقاق نحو كونه مدركًا ومريدًا وكارهًا. فإن القديم مدرك لكونه حيًّا بشرط وجود المدرك، وكذلك الواحد مِنَّا وكذلك فهو مريد كان بالإرادة والكراهية، وكذلك الواحد مِنَّا إلا أن الفِرَق بينهما هو أن القديم حي لذاته فلا يحتاج إلى حاسة، ومريد وكاره بإرادة وكراهة موجودتين لا في محل، والواحد مِنَّا مريد وكاره لمعنيين محدثين في قلبه» (شرح الأصول الخمسة، ص١٣٠-١٣١).
٥٤  يقول ابن حزم: «وأمَّا إطلاق لفظ الصفات لله فمحال لا يجوز؛ لأن الله لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات ولا على لفظ الصفة، ولا حفظ عن النبي بأن لله صفة أو صفات. نعم، ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من خيار التابعين ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين. ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به. ولو قلنا إن الإجماع قد يتعين على ترك هذه اللفظة لصدقنا. فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة. قال الله: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى. وإنما اخترع لفظ الصفات المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة، وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح ليس فيهم أسوة ولا قدرة … وربما أطلق هذه اللفظة من متأخري الأئمة من الفقهاء من لم يحقق النظر فيها، فهي وهلة من فاضل وزلة من عالم. وإنما الحق في الدين ما جاء عن الله نصًّا أو من رسوله كذلك أو صح إجماع الأمة كلها عليه. وما عدا هذا في ضلال، وكل محدثة بدعة. فإن اعتضوا بالحديث من الرجل الذي كان يقرأ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ في كل ركعة وقال الرسول : «هي صفة الرحمن فأنا أحبها»، فالجواب أن هذه اللفظة انفرد بها الراوي وليس بالقوي. وقد ذكره بالتخليط ابن حنبل. وأيضًا فإن احتجاج خصومنا بهذا لا يسوغ على أصولهم لأنه خبر واحد لا يوجب عندهم العلم. وأيضًا فلو صح لما كان مخالفًا لعقولنا لأننا إنما أنكرنا قول من قال إن أسماء الله مشتقة من صفات ذاته، فأطلق لذلك على العلم والقدرة والقوة والكلام أنها صفات وعلى من أطلق إرادةً وسمعًا وبصرًا وحياةً، وأطلق أنها صفات، فهذا الذي أنكرناه غاية الإنكار. وليس في الحديث ولا في غيره شيء من ذلك أصلًا، وإنما فيه أن قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ خاصة صفة الرحمن ولم ننكر هذا، بل هو خلاف لقولهم وحجة عليهم لانهم لا يخصون قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ بذلك دون سائر القرآن ودون الكلام والعلم وغير ذلك. وفى هذا الخبر تخصيص لقوله قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وحدها بذلك، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ خبر عن الله بما هو الحق، فنحن نقول فيها هي صفة الرحمن لمعنى أنها خبر عن حق، فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم لنا. وأيضًا فمن أعجب الباطل أن يحتج بهذا الخبر فيما ليس فيه من شيء من يخالفه ويعصيه في الحكم الذي ورد فيه من استحسان قراءة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ في كل ركعة، فلهذه الفضائح فلتعجب أهل العقول. وأمَّا الصفة التي يطلقون هم فإنما هي في اللغة واقعة على عرض في جوهر لا على غير ذلك أصلًا، وقد قال الله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. فأنكر إطلاق الصفات جملة. فبطل تمويه من موَّه بالحديث ليستحل بذلك ما لا يحل من إطلاق لفظة الصفات حيث لم يأت بإطلاقها فيه نص ولا إجماع أصلًا ولا أثر من السلف. والعجب من اقتصارهم على لفظة الصفات ومنعهم من القول بأنها نعوت وسمات. ولا فرق بين هذه الألفاظ لا في لغة ولا في معنى ولا في نص ولا في إجماع» (الفصل، ج٢، ص١١٣-١١٤).
٥٥  ذكر القرآن لفظ صفة ١٣ مرة في صيغة فعلية «تصف» (مرتان)، «تصفون» (٤ مرات)، «يصفون» (٧ مرات)، وهو الأكثر شيوعًا. ومرة واحدة كاسم «وصفهم»، وكلها في معاني سلبية. فالمعنى الأوَّل في استعمال الفعل هو أن الله لا يوصف، منزه عن الوصف، ويتعالى عن كل وصف، مثل: سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٣: ٩١)، (٣٧: ١٥٩)، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (٦: ١٠٠)، فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢١: ٢٢)، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (٣٧: ١٨٠)، سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٤٣: ٨٢)، وأن من يفعل ذلك سينال الجزاء والعقاب: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٦: ١٣٩)، ووَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (٢١: ١٨)، فالإنسان إذا وصف فإنه سيقول الكذب: وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى (١٦: ٦٢)، ووَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ (١٦: ١١٦)، الله وحده هو العليم بالوصف: وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (١٢: ٧٧)، نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (٢٣: ٩٦)، وهو وحده القادر عليه: وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٢: ١٨)، وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (٢١: ١١٢).
٥٦  يقيم الشهرستاني علم أصول الدِّين على قواعد أربعة: الأولى منها الصفات والتوحيد «وهي تشتمل على مسائل الصفات الأزلية إثباتًا عند جماعة ونفيًا عند جماعة، وبيان صفات الذات وصفات الفعل وما يجب لله وما يجوز عليه وما يستحيل، وفيها الخلاف بين الأشعرية والكرامية والمجسمة والمعتزلة» (الملل، ج١، ص١١). ويقول أيضًا: «أمَّا التوحيد فقد قال أهل السنة وجميع الصفاتية أن الله واحد في ذاته لا قسيم له وواحد في صفاته الأزلية لا نظير له وواحد في أفعاله لا شريك له. وقال أهل العدل إن الله واحد في ذاته لا قسيم له ولا صفة له، وواحد في أفعاله لا شريك له. وقال أهل العدل إن الله واحد في ذاته لا قسيم له ولا صفة له، وواحد في أفعاله لا شريك له فلا قديم غير ذاته ولا قسيم له في أفعاله، ومحال وجود قديمين ومقدورين قادرين وذلك هو التوحيد» (الملل، ج١، ص٦٢). ويقول الجويني في باب الصفات: «اعلموا أن الركن الأعظم والخَطْب الأجل من الكلام ينحصر في الصفات. وهي تحتوي وتنطوي على حمل أسرار التوحيد. وقد قال المحصلون: لا يخلو باب من أبواب الكلام عن مخامرة الصفات والتشبث بها فيتعين استفراغ الجهد فيها» (الشامل، ص٦٠٩).
٥٧  أصول الدِّين، ص٨٨-٨٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤