الفصل الخامس

النوع والهُويات الجنسية

خطة الفصل

  • النساء والفضاء الإلكتروني:

    • التجسُّد، والنوع، والتكنولوجيا

    • الفضاءات الإلكترونية المؤسَّسة على النوع

  • الإنترنت الجنسي:

    • الجنس الإلكتروني

    • الإباحية، والرأسمالية، والثقافة

  • تشذيذ الفضاء الإلكتروني

يَشمل النوع والهُويات الجنسية في الفضاءات الإلكترونية مناطق بحثٍ متعدِّدة، من الجسد المصبوغ بصبغة جنسية في الفضاء الإلكتروني، إلى استخدام الهواتف المحمولة وَفق النوع.

يتصدَّى موضوع «النوع والثقافة الإلكترونية» لأسئلة محدَّدة بشأن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وتكنولوجيات الكمبيوتر الشخصي.

  • هل توجد اختلافات جوهرية في الطرق التي يطوِّع بها الرجال والنساء التكنولوجيا أو تطوعهم بها التكنولوجيا؟

  • هل يُوجد مُنجَز تكنولوجي قائم على النوع من حيث التصميم والوظيفة والاستخدام؟

  • إذا كان الأمر كذلك، فما الآليات التي يُهمَّش بها نوعٌ اجتماعيٌّ ما أو يُستغل في سياق تصميم التكنولوجيا، وإنتاجها، واستهلاكها؟

  • كيف تُسهِّل التكنولوجيا الرقمية الهُويات الجنسية المقموعة؟

  • ما الصلة بين الهُوية الجنسية والتكنولوجيا والرأسمالية؟

  • وأخيرًا، هل تُوفِّر التكنولوجيا الرقمية فضاءات لتلك الهُويات الجنسية المهمَّشة؟

تظهر أي تكنولوجيا في سياق اجتماعي، وتكون متشرِّبة بالعلاقات والبِنى الاجتماعية المعاصرة. وكما بيَّنت الدراسات النسوية للتكنولوجيا (ومنها مثلًا، كوكبرن ١٩٨٥؛ ويكمان ١٩٩٣)، استُخدمت التطورات التكنولوجية تاريخيًّا لتقييد مجال النساء. وتُظهِر الدراسات الاجتماعية للتكنولوجيا كيف أن التكنولوجيا لعبَت دورًا مهمًّا في تطوير وتصميم ما نُعرِّفه بأنه التكنولوجيا الشائعة (بيكر ١٩٩٥). لا تؤكد هذه التكنولوجيات فقط تقسيمًا للعمل على أساس النوع، ولكنها تُحدِّد أيضًا فضاءات معينة (فضاءات المنزل/البيت) بوصفها «فضاء المرأة»، وتُقيِّد حركات النساء بهذا الفضاء (كوكبرن ١٩٨٥).١ ولذا فالدور «المتوقَّع» و«الحقيقي» في استخدام ذلك المنجَز التكنولوجي المعيَّن استدعيا تطوير المنجَز بطرقٍ معينة.

عَنى الإنسان المضخَّم، السايبورج (الذي يمكن القول إنه أقوى استعارة ورمز للعصر الرقمي والتكنولوجيا الإلكترونية)، أشياء شديدة الاختلاف من وجهة نظر النساء. في مقال «بيان السايبورج: العلوم والتكنولوجيا والنسوية الاشتراكية في ثمانينيات القرن العشرين»، تعاملت دونا هاراواي (١٩٩١أ/١٩٨٥) مع السايبورج بصفته استعارة دالة على تحالُفات وائتلافات سياسية جديدة. وعارضت هاراواي الأفكار الأقدم عن تحيُّزات التكنولوجيا إلى الذكور التي لم تفعل سوى تعزيز تفاوتات النوع. وبدلًا من ذلك، افترضت أن السايبورج ربما يستطيع بصورته البشرية-الآلية المُبهَمة أن يعمل عمل نظام تصنيفي بذاته، نظام تصنيفي لم يلائم بسهولة التصنيفات الثنائية المتاحة للبشر والآلة، أو الطبيعة والآلة. يربك السايبورج التصنيفات؛ لأنه يَحتوي على صنوف كثيرة؛ ويربك الهُويات لأنه «يشمل» هُويات كثيرة: ذكر/أنثى، بشر/آلة، بِيض/غير بِيض. ولذا، فالسايبورج هو صورة قادرة سياسيًّا؛ حيث يُتاح شكل جديد للسياسة — سياسة أكثر اشتمالًا، ترفض قبول ثنائيات الهُوية التي يؤمن بها أنصار مبدأ الضرورة، وتسعى إلى هُويات متعدِّدة. ولأن المرأة كانت تُختزَل تقليديًّا إلى الجسد/المادة (بينما الرجل بالتبعية هو «العقل»)، فالجسد الجديد للسايبورج يُجزِّئ فئة النساء ذاتها. ويكسر السايبورج أيضًا الحاجز بين الذات (البشر العاطفي) وبين «الآخر» (الآلة). يُمثِّل السايبورج نقلة جديدة للنوع الاجتماعي وحتمية الهُوية. من فكرة هاراواي النظرية واستعارتها، تنطلق قراءة الفضاء الإلكتروني والتكنولوجيا الإلكترونية، بالاستناد إلى النوع.

استعارة مهمة ثانية في هذه القراءة هي استعارة النسيج. استخدمت ماري دالي في كتابها «الجين/إيكولوجيا» (١٩٧٨) لأول مرة صورةَ النسج لتصفَ وتُعرِّف الإبداع الأنثوي. وافترضت دالي أن العناكب والنساء يَنسجن شبكات التواصل بين أنفسهن. والنساء والطبيعة أنفسهن متَّصلات من خلال الشبكات. تكتب دالي في نصٍّ مُوحٍ على نحو مميز:

ثمَّة فارق حاسم بين نسج العجائز الإبداعي وبين التوليفات الملفَّقة؛ أي التجميع غير العضوي للأشياء الذي هو «عبقرية» الفن الذكوري، والتكنولوجيا، والاحترافية. ولا يمكن التحدُّث أيضًا عن التباين بين التفكيك الإبداعي للعُقَد الذي تفعله العجائز، وبين الانتهاك والتمزيق الخبيث/الفحولي لشبكات الطبيعة (١٩٩٠ / ١٩٧٨: ٤٠٠-٤٠١).

من وجهة نظر دالي، يَشي النسج بنمط تفكير أنثوي بديل، وإبستمولوجي بديل، وإبداع بديل.

بناءً على عمل دالي، استهلَّت سادي بلانت قراءة الفضاء الإلكتروني بوصفه «نسيجًا» في مقالها المُهم «الأنوال المُستقبلية: النساء الناسجات والتحكُّم الإلكتروني» (١٩٩٥)، الذي تُحقِّق فيه استعارة النسج غاياتٍ عدة.

أولًا: أنها ترتبط بعناية بصورة ««الشبكة» العنكبوتية العالمية»: الاختصارات WWW باعتبارها مجموعة نقاط متصلة شبكيًّا. ثانيًا: أنها تنبني على الصورة النمطية التقليدية للنسج باعتباره عمل «المرأة» («يتداخل النسج دائمًا بالفعل مع التساؤل بشأن الهُوية الأنثوية»، بلانت ١٩٩٥: ٥٦)، ولكنها هنا، في الثقافات الإلكترونية، تُمدَّد لتَشمل الاتصال وبناء المجتمع بين النساء. وتَشي بشبكة منسوجة باعتبارها فعلًا من أفعال «الفاعلية»؛ حيث «تتصل» النساء عن وعي تأكيدًا للذاتية والهُوية.

ثالثًا: في تباينٍ حادٍّ مع الرؤى الذكرية الأبوية للفضاء الإلكتروني، الذي يُصوَّر مجازيًّا على أنه «جبهة» جديدة بانتظار غزوها، و«إقليمًا» جديدًا بانتظار استكشافه (مرة أخرى، صورة تقليدية للغزو والسيطرة الذكوريَّيْن للمشهد الطبيعي «البكر»)، فإن استعارة «النسج» النسوية تُوحي بالربط، والاعتماد المُتبادَل، والمجتمع. يدل النسج، باعتباره استراتيجية فطرية بالنسبة إلى النساء، على التبادُلية؛ حيث تكون الشبكة تضخيمًا للمجتمع أكثر منها تضخيمًا للاستكشاف الذكوري.

وأخيرًا: يوحي النسج بموازاة ما بين الحِرَف اليدوية وتكنولوجيات التحكُّم الإلكتروني. من شاعرية حِرَف النساء اليدوية المنسوجة إلى شبكات التحكُّم الإلكتروني عالية السرعة المؤلَّفة من قِبَل النساء والواصلة بينهن، تفترض الصورة تحالفًا بين الفن والتكنولوجيا، «أسلوبًا فنيًّا» بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكنه أسلوب فني يُتيح «فاعلية» النساء.

من الواضح أن رُؤيتَي هاراواي وبلانت للتكنولوجيا الإلكترونية معنيتان بفاعلية النساء وتمكينهن. وبتركيزها على القوة، والهُوية، والفاعلية، تَستكشف الدراسات النسوية للفضاء الإلكتروني العوالم «المادي» (أو «الواقعي»)، و«الرمزي» (التمثيلات)، و«الافتراضي» (الفضاء الإلكتروني) دون تمييز لأحدها على الآخر. فتَحاشي الظروف المادية التي تعمل فيها النساء مع التكنولوجيات الجديدة — تقسيم العمل على أساس النوع، أو المؤسسات الصناعية المستغلة في العالم الثالث مثلًا — لصالح نشوة الهُويات السائلة في الفضاء الإلكتروني يعني تفويتَ الفكرة الحاسمة: أنه بصرف النظر عن العمل على الإنترنت، تستمر النساء في العيش في ظروف استغلالية وظالمة.

يبحث هذا الفصل في الهُويات الجنسية على الإنترنت. ويستكشف إلى أي حدٍّ يُؤسَّس الإنترنت على النوع، وظاهرة «الإنترنت الجنسي»، وتشذيذ الفضاء الإلكتروني.

(١) النساء والفضاء الإلكتروني

تكنولوجيات المعلومات والاتصالات أيضًا تكنولوجيات قائمة على النوع.٢ من دور رائدات الأعمال النساء في هندسة البرمجيات إلى مُصطلحات الفضاء الإلكتروني المستندة إلى النوع (كلمة «ماتريكس» مشتقَّة من الكلمة اللاتينية «ماتر» التي تعني «الأم») وتصميم الواجهات التفاعلية في نظام الويندوز («المكتب» وليس «المطبخ» أو «البيت»)، تُقدِّم القراءات النسوية المعاصرة للعصر الرقمي بُعدًا آخر للتكنولوجيات الجديدة.

ظلَّت النظرية الثقافية النسوية منبهرة بوجهات النظر التي قدَّمتها الثورة الرقمية، ومرفوضة منها في الوقت نفسه. تغيير الزمان والمكان، وإمكانية بناء المجتمع، والأمل في «حريات» الفضاء الإلكتروني، والأشكال الجديدة للهُوية والرقابة، وتهديد التحرُّش والاستغلال هي كلها ملامح للتكنولوجيا الجديدة لها تَبعات مادية ملموسة فيما يخص النساء.

يَسترعي انتباهنا في هذا القسم بُعدان مهمَّان لتأسيس الفضاء الإلكتروني على النوع، مع تركيز على النوع الأنثوي؛ وهما: أجساد النساء، وطبيعة الفضاء الإلكتروني المؤسَّسة على النوع. وكما جرت العادة، فإن النقاشات حول هذه العناوين تُشكِّلها التساؤلات بشأن القوة، والهُوية، والفاعلية.

(١-١) التجسُّد، والنوع، والتكنولوجيا

هل يُحرِّر الفضاء الإلكتروني النساء من أجسادهن؟ هل تعني إمكانية اتخاذ هُويات متعددة ومختلفة أن مشكلات التجسُّد في الحياة الواقعية — القمع، والتحرُّش، والاستغلال، والألم — تُحَل في الفضاء الإلكتروني؟ بينما تحتفي كتابات تقديس الثقافة الإلكترونية بالتجرُّد من الجسد في الفضاء الإلكتروني باعتباره مَهربًا، فإن النساء اللاتي يرَين الانعتاق، والحقوق المتساوية، والأمن، والهُوية «مجسَّدة» بمعنى الكلمة، يرَين هذا الالتجاء إلى الأجساد «الافتراضية» والهُويات «الرقمية» إشكاليًّا بشدة.

تمثيلات النوع، والميل الجنسي، والتجسُّد في الثقافات الإلكترونية حافلة بالتناقُضات التي تتَّصل في أساسها بالافتتان بمسائل الأجساد المعزَّزة، وهُوياتها، وإعادة إنتاجها، والنفور من هذه المسائل. يُميِّز السرد التخيُّلي العلمي التكنولوجيا باعتبارها وسيلةً لتضخيم الجسد أو مهربًا منه. ومع ذلك توجد هواجس بشأن التكنولوجيا أيضًا — وهذه الهواجس غالبًا ما تُرحَّل إلى المرأة، وخصوصًا الموضوعين التوءمين، وهما الأمومة والتناسل. فنحن نتعامل هنا مع «تمثيلات» للثقافات الإلكترونية والتكنولوجيا باعتبارهما مؤسَّستين على النوع.

الأجساد هي النقاط الأولى للتفاعل مع أي منجز تكنولوجي، سواء التكيُّف مع السُّلم الكهربي، أو تعلُّم تشغيل جهاز التحكُّم في الألعاب الإلكترونية. بدأت الهُويات مع الجسد. ويعني هذا أن دراسة أي دور وأثر للتكنولوجيا لا بد من أن تبدأ بالطريقة التي تتفاعل بها الأجساد مع الأداة التكنولوجية. حينما تُحوَّل السياقات الاجتماعي، والمادي، والثقافي إلى صيغة رقمية، حينئذٍ تُعدَّل الأجساد المدمجة في هذه السياقات أيضًا بطرق مهمة.

تُظهِر الأفلام التي تجذب طوائف المعجبين من قبيل «الغريب» («آلْيَن» ١٩٧٩) و«الراكض على حد النصل» («بليد رانر» ١٩٨٢)، هي والسرد التخيُّلي من قبيل رواية ماري شيلي «فرانكنشتاين» (١٨١٨)، هاجسًا بشأن تناسُل الجنس البشري و«البدائل» التكنولوجية. وبما أن التناسل هو ما يضمن استمرار الجنس البشري والتاريخ، فإن استيلاء غريبٍ على هذه العملية (كما في فيلم «الغريب») أو إكثار الوحوش/المُستنسَخات/والسايبورج/والكمبيوترات («فرانكنشتاين» و«الراكض على حد النَّصل» «ونيوروماسنر») يُوحي بنهاية التاريخ البشري ذاته. في قراءة إبداعية لمثل هذه الأفلام، تَفترض ماري آن دوين (١٩٩٩) أن هذه الموضوعات تدور بالأساس حول هاجس الآلة-المرأة. فالافتِتان بالتناسل غير المُعتمد على المرأة — في المعمل الذي يقوم مقام الرحم — يُؤشِّر إلى حنين إلى الأمومة وهلع منها معًا. يُمثِّل المعمل أو الآلة امرأة مُصطنعة، والسايبورج الذي يحتوي على عناصر من البشر، يَعقد التمييز بين البشر والآلة في مجال التناسُل الحرج هذا. وتصحب هذا القلق أزمة ذكورة. افترضت كلوديا سبرينجر (١٩٩٩) أن الجسد الفائق الذكورة في فيلمَي «المبيد» (ترمينيتور) و«الشرطي الروبوت» (روبوكَب) يَنتُج من قلق على الذكورة: السايبورج هو تحسين ومعالَجة لجسد البشر الذكر «الطبيعي». وتُعامِل الروايات أيضًا السايبورج المضخَّم باعتباره ذكرًا فائقًا، ولكن ناقص العقل. وتَشي طبيعة السايبورج المبرمجة — ومحاولة أنسنته في أفلام «المبيد» الأخيرة — بهذا التوتُّر في السايبورج القوي جسديًّا، الفائق الذكورة، الذي تتحكَّم في فاعليته بالكامل الآلة/البرنامج والبشر «الطبيعي».

غير أنَّ تمثيلات القلق بشأن الأمومة «المضخَّمة» يشوبها عنصر تعدٍّ واختراق شهوي. فالواجهة التفاعلية والتجسُّد الافتراضي «مغويان»؛ لأنهما يَعِدان بمهرب من الجسد وقيوده، بالإضافة إلى إطلاق الرغبة. وفي مثل هذه التمثيلات، كما تَفترض زوي صوفيا (١٩٩٩)، يكون الفضاء الإلكتروني نفسه مؤنث، ينشد الاستكشاف، والكشف، والاختراق، والسيطرة من جانب مُهندس البرمجيات/كاتب الشفرة/الغازي الذكر. وهذه، ولو جزئيًّا، تبعة نشأة الثقافات الإلكترونية — في قطاعات عسكرية ومؤسَّسية موسومة بالذكورة.

يأخذنا الجدل بشأن التجسُّد والتكنولوجيا المؤسَّسة على النوع أيضًا إلى لحظة حاسمة في دراسة الثقافات الإلكترونية: الهُوية والتمثيل الذاتي في الفضاء الإلكتروني. بينما يُوحي «البيت» بفضاء لوجودٍ مُتجسِّد تُمارَس فيه أفعال اعتيادية معيَّنة تكرارًا، فإن الصفحة التعريفية (صفحة «البيت» بالإنجليزية) تُعقِّد هذه الفكرة. الصفحات التعريفية وهُويات الإنترنت (ومنها عضويات مجتمعات الإنترنت) هي مواقع للتمثيل الذاتي، يخرج منها الفرد ويُقابل العالم. تُمكِّن الصفحات التعريفية الفرد من امتلاك نوع مُختلِف من المكان والتجسُّد.

يُساعد ارتداء ملابس الجنس الآخر، وتبديل الهُويات والأدوار المرتبطة بالنوع النساء ذوات الميل إلى الجنس المُغاير على «تمثيل» الرغبات المِثلية في الفضاء الإلكتروني، والمشاركة في التشبُّه بالجنس الآخر، وتبديل الأدوار النمطية. مشكلة هذه الأشكال الجديدة من التجسُّد كما تُوضِّحها لوري كندال (١٩٩٦) هي أنها تحتاج، لكي تكون مقبولة وتحظى بالاعتراف، إلى أن تتلاءم مع الأعراف والصور النمطية الراسخة. وكما تُشير كندال، فلا يُمكن تحقيق نظام جديد بالكامل للهُوية والتجسُّد، وأن هناك افتقارًا للتوافُق يَعترف به المستخدمون أنفسهم بين «الدور» المؤدَّى في الفضاء الإلكتروني وما يُمكنهم أن يصدقوه/أو يتوحَّدوا معه (وهو المؤسَّس على خبرات الحياة «الواقعية»).

يَبقى التجسُّد مركزيًّا للهُوية حتى في العصر الرقمي. تعتمد تصويرات الجنديات في ألعاب الكمبيوتر، من قبيل لارا كروفت، على صور نمطية عن جسد المرأة، حتى حينما يؤكد المُستخدمون/اللاعبون فاعليتهم على هذا الجسد «الأنثوي» (فلاناجان ٢٠٠٢: ٤٣٣). العوالم الافتراضية، شأنها شأن العوالم «الواقعية»، تبني هي أيضًا الأجساد الأنثوية لأغراض السيطرة والتلاعب. وبإضافة موضوع العِرق إلى المعادلة، يصبح لدينا مستوًى جديدٌ من التعقيد: تجسيد النوع المؤسَّس على العِرق في التكنولوجيات الإلكترونية.٣

في هذا السياق من المركزية (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) للجسد العضوي، بخصائصه من العِرق والإثنية والنوع والميل الجنسي، والطبقة، نحتاج إلى تحليل التبجيل الممنوح لتجاوز الجسد.

الاحتفاء بالتفكير الصرف المُرمَّز في عبارات مجازية ثقافية إلكترونية بشأن العقل المتجرِّد من الجسد، يرفض كون الجسد محلًّا للذاتية والهُوية. وهذا الانتقال مؤسَّس على النوع، بما أن المرأة ظلَّت تقليديًّا تُساوى بالمادة والجسد، بينما يُعَد الرجل عقلًا/رشدًا كاملًا. هذا منطق جديد للهُوية في عصر المعلومات، مؤسَّس على النوع، وهو منطق يُبقي على ثنائية العقل/الجسد المُرمَّز لها بالذكر/الإثني. ولهذا السبب تُعارِض الناقدات النسويات للتكنولوجيا الإلكترونية (بالسامو ١٩٩٦، مثلًا) استعارة «تجاوز الجسد».

تُعزِّز الخطابة الانتصارية للوعي بالتجرُّد من الجسد لدى هانز مورافيك (١٩٨٨)، الداعية الرائد لبرنامج «نزِّل وعيك وتجاوَز جسدك»، وغيره من كتَّاب السيرة المقدسة للتكنولوجيا الإلكترونية، هذا التمييز ما بين الجسد الأنثوي والعقل الذكري. يكتب مورافيك:

تَفترض الهُوية-الجسد أن يُعرَّف شخص بالمادة التي يُصنع منها الجسد البشري … أما الهُوية-النمط، فعكس ذلك، تُعرِّف «جوهر الشخص»، ولنقل أنا نفسي، بوصفه نمطًا وعملية يمضيان في رأسي وجسدي، «وليس الآلة التي تدعم تلك العملية». إذا حُفظت العملية، فأنا أُحفَظ. والباقي هُلام محض. (مورافيك ١٩٨٨: ١١٦، والتشديد مضاف)

التركيز على التفكير باعتباره شيئًا يجب حفظه على حساب «الهلام» هو تمييز للعقل على الجسد. ويتجاهَل هذا التمييز السياقات التي ينمو فيها العقل. تُميِّز الخطابة الثقافية الإلكترونية عملية العقل. ويضع هذا، بوضوح، المرأة في موضع المميَّز عليه، حتى في عصر التكنولوجيات الرقمية؛ لأنها على أي حال ليست سوى جسد/هلام! يعني وضع المعلومات والرشادة في مقابل المادة ضمان أن ظروف العمل — النساء في المصانع اللاتي يُنتِجن أجهزة حفظ المعلومات والرقاقات التي تسمح لمورافيك وشركائه بتنزيل الوعي — وما يُصاحبها من استغلالات تظل «خفيةً». هذه الأجساد التي تكِدُّ مادية، ومستندة إلى العِرق، ومؤسَّسة على النوع. رفاهتها، وخدماتها الطبية، وأجورها مؤسَّسة على لون بشرتها، ومهاراتها، وموقعها في التراتب التنظيمي. وبما أن الوعي لا يُمكن فصله عن الأجساد المادية في العالم الواقعي، فالعوالم الافتراضية والوعي الصرف لا يساعدان النساء. لا يُمكن تجاوز الجسد، كما افترضتُ في موضعٍ آخر (نايار ٢٠٠٦ب)؛ لأن الهُوية، والفاعلية، والسياسة، والعدالة تظل جميعًا مرتكزة على الجسد.

بعبارة أخرى، لا يمكن التخلُّص من التجسُّد. وبتعبير ألوكير روزان ستون، «ينبع المجتمع الافتراضي من المادي، ولا مفرَّ من أن يعود إليه … حتى في عصر الفاعل التكنولوجي، تُعاش الحياة من خلال الأجساد» (ستون ٢٠٠٢: ٥٢٥؛ وانظر أيضًا والتون ٢٠٠٤). إعادة ترميز السايبورج باعتباره «أداءً» سياسيًّا متجاوزًا، لا يُغيِّر الظروف الاقتصادية والقانونية والمادية. ولا تُبدِّل تغيرات التمثيل — التي لا تعمل من الأساس إلا في النطاق الرمزي — مستقبل النساء السياسي في عالم الواقع إلى حدٍّ كبير.

غير أن ما يُمكننا عمله هو أن نضع الأجساد المستندة إلى النوع داخل التكنولوجيات الجديدة بطُرُق شبيهة بطرق وضع الجسد داخل المؤسَّسات، والثقافة، وهياكل القوة، والاقتصاد، وغيرها من المؤسسات. يستلزم هذ أن نتعامل مع الجسد، لا بوصفه نظامًا مُكتفيًا بذاته، ولكن بوصفه موضوعًا في تقاطع البِنى المادية والرمزية والخطابية. لا بد من تأسيس الفضاءات الإلكترونية على النوع بطرق مختلفة.

(١-٢) الفضاءات الإلكترونية المؤسَّسة على النوع

غالبًا ما تتخذ أبحاث وانتقادات تأسيس الفضاء الإلكتروني على النوع شكلَين (جاجالا ٢٠٠٣). يُركِّز أحدهما على جوانب التطور، محللًا نمو تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، ودورها في حيوات النساء. ويأتي الثاني من الدراسات الثقافية والوسائطية الإعلامية، ويُركِّز على الأبعاد التمثيلية، والخطابية، وما يُمكن أن نُسميه «الكلامية»، للصفحات التعريفية، وتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، والهواتف الخلوية. والواضح أن أيًّا من هاتين المقاربتَين لا يمكن إخضاعها للأخرى، للسبب البسيط نفسه وهو أن مسائل القدرة على الاتصال، والتفاوتات البنيوية، والمسائل الديمغرافية، كلها مركزية للخطابات والتمثيلات والاستخدامات.

افترضت نظرة النِّسَويين إلى بِنية الفضاء أن النساء لا يحتجْنَ فقط إلى إشراكهن في «بناء» الثقافات الإلكترونية، ولكن أيضًا ضمان أن تشجع التكنولوجيات الجديدة المصلحة والسواء البشريَّيْن، لا أن تُعزِّز ما هو قائم من علاقات قوة، وظلم، وتفاوتات (أريزبي ١٩٩٩). ولا يَعني هذا فقط استخدام الإنترنت لنشر أفكار النسوية وسياستها (تطويعًا «خطابيًّا»)، ولكن أيضًا إعادة تشكيل الوسيط ذاته من أجل النساء اللاتي يُفتَرَض أن يستخدمنه (تطويعًا «ماديًّا»).

وبما أن التكنولوجيا قائمة على جمْع المعلومات وتوليفها ونشرها، فمن المهم السؤال عما إذا كان شعار «المعلومة قوة» يَنطبِق بالتساوي على الرجال والنساء.

إذا كان الفضاء الإلكتروني والاتصالات على الإنترنت يُساعِدان النساء على التواصل وبناء هُوية؛ فالتحرُّش الإلكتروني، والإباحية الإلكترونية يجعلان الفضاء محزنًا، وحتى تهديديًّا (روجرات ١٩٩٢). التوزيع المُتفاوت للأجور في صناعة البرمجيات، والبِنى الأبوية للصناعة، وتقسيم للعمل على أساس النوع (مُستلزمًا شرحًا إحصائيًّا مفصلًا للأبعاد الديمغرافية للنساء المشتغلات بالصناعة، في مستويات برمجة أدنى، بوصفهن رائدات أعمال، وبوصفهنَّ رئيسات شركات)، وعدد الطالبات في علوم الكمبيوتر (درسها سبرتوس ١٩٩١)، وحتى الموقع المادي لأجهزة الكمبيوتر (مثلًا، في أقسام بعيدة خافتة الإضاءة من حرم الجامعة؛ بيرل ١٩٩٠، مقتبس في لايت ١٩٩٥) كل ذلك عوامل «مادية» ينبغي أخذها في الاعتبار قبل تصنيف الفضاء الإلكتروني باعتباره مواتيًا/غير مُواتٍ للنساء. لا يكفي أن نَنظُر فقط إلى البيئات والمجتمعات الافتراضية على أنها تُقدِّم حريةً أكبر للنساء؛ فهذه البيئات لا بد من وضعها في الممارسات الفعلية المادية التي تعيش فيها النساء. ترفض هذه المقاربة رؤية عالَم افتراضي تَمكيني؛ لأنه لا يبدل الظروف في العالم الواقعي؛ ولأن الفاعلية محدودة بالعالم الافتراضي وحده.

حينما كانت جنيفر لايت (١٩٩٥) تكتب في مرحلة مبكرة من «ثورة الإنترنت»، افترضتْ أن قوائم التراسل والنشرات على الإنترنت، وروابط المجتمعات، والاتصالات بوساطة الكمبيوتر تعيد تشكيل الفكرة التقليدية عن علاقة الكمبيوتر بالنساء. ولذا، فالأسئلة الرئيسية التي تخصُّ تطبيق النساء واستخدامهن للتكنولوجيات الجديدة هي:
  • هل تُعزِّز التكنولوجيا الجديدة تقسيمات العمل وظروف العمل المؤسَّسة على النوع؟

  • هل تستخدم النساء تكنولوجيات المعلومات والاتصالات باعتبارها تكنولوجيات للحرية؟ هل «أُدمِج» الكمبيوتر الشخصي في العوالم الذكورية أم الأنثوية؟ (كانت ألعاب الفيديو، كما بيَّن وايكمان ١٩٩٣، مدمجة في منصات ألعاب البينبول الذكرية، ولذلك أصبحت مذكَّرة).

ركَّز البحث المعاصر بشأن استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات المؤسَّس على النوع على مثل هذه الأسئلة.

على سبيل المثال، اكتشفت راكو ونافارو (١٩٩٣) أن كثيرًا من النساء استخدمن الهواتف الخلوية لأغراض «المراقبة الأمومية من بُعد» لمراقبة أفعال أطفالهن وأسَرهن. وبهذا يُعيد الهاتف المحمول إنتاج التقسيم التقليدي للعمل الذي تأخذ فيه النساء فضاءهن الخاص وواجباتهن معهن في فضائهن العام/العملي. وبرهنت دراسات أخرى على أن النساء، وخصوصًا الأحدث سنًّا، يرَين أن الهاتف المحمول يُوفِّر لهن وسيلة لهُوية جديدة؛ إذ يُتيح لهنَّ المزيد من الاستقلالية، والتحكُّم بحيواتهن، والقابلية للتفاعل الاجتماعي، والصلات بالبيت، أو العمل، أو الأقارب (دورينج وبوشل ٢٠٠٦). يَمنح الهاتف المحمول النساء المزيد من الثقة اللازمة للتواصُل مع الفضاءات العامة، ومنافذ غير مُقيَّدة إلى أصدقائهن حتى وهن منفردات في مناطق غريبة، ولذلك يَصِلهن بالفضاءات الاجتماعية والمادية المألوفة. هذه تبعات مادية تمامًا بالنسبة إلى النساء. يُحوِّل الهاتف المحمول ما كان يُمكن أن يكون فضاءً عامًّا مخيفًا لولاه إلى فضاء خاص يمكنهن فيه الثرثرة مع أصدقائهن (فضاء افتراضي) حينما يشغلن فضاءً (ماديًّا) مناوئًا/مهدِّدًا/جديدًا (فولي وآخرون ٢٠٠٧).

الفضاء الإلكتروني هو على نحوٍ مُتزايد فضاء «تحكُّم إلكتروني» (كما شهدنا في الفصل الأول)، حتى مع تحوُّل المدن إلى «مدن متصلة شبكيًّا». وكما يزعم النسويون، تحتاج النساء إلى أن ترَين الفضاء الإلكتروني، لا بوصفه عالمًا خياليًّا من التكنولوجيا العالية على نحو ساحر، ربما لا يفهمنه أو يدخلنه، ولكن بوصفه عالَمًا مركزيًّا لحيواتهن «الواقعية». يتطلب هذا استخدامًا إبداعيًّا للتكنولوجيا، بحيث يُعاد بناء الكمبيوترات والفضاء الإلكتروني ويُعاد تشكيلهما ليناسبا النساء ويُمَكِّناهن. ومن الواضح أن مثل هذه المقاربة تُبرِز «الإبداع» و«الفعل الإبداعي» باعتبارهما مؤسِّسين للفاعلية والذاتية الأنثوية (موضوع درسَتْه ماكناي ٢٠٠٠). وفي إحدى الدراسات، ذكرت باحثة كيف أن مُصمِّمات مواقع النساء تَشَجَّعن حينما كتب المستخدمون أنهم أُعجبوا بالتصميم، وأنهم يرغبون في أن يزورا الموقع مرة أخرى، وعرضوا الربط بين المواقع ليشكلوا مجتمعًا من مواقع النساء المصمَّمة من قِبَل النساء أو من أجل النساء. شجَّع هذا المُصمِّمات على تحسين مهاراتهن الكمبيوترية، والأخريات على الشروع في مواقعهن (تي كينيدي ٢٠٠٠).

تُشكِّل شبكات النساء وسيلةً لدخول النساء إلى المجال العام. ولذا، فالإلمام بأساسيات الكمبيوتر والتواصل الشبكي يُقدِّم للنساء — مثلما فعل التعليم التقليدي في وقتٍ سابق — وسيلةً ﻟ «مغادرة» فضاء البيت المحدود إلى العالم. إذا كان الهاتف (كما أثبتت دراسة فيشر ١٩٨٨) خدم هذا الغرض في وقت سابق، فالبريد الإلكتروني والتواصل الاجتماعي يُحقِّقان هذه الغاية اليوم. لهذا السبب، رأى النسويون الإلكترونيون الليبراليون، في ترحيبهم الإيجابي بالثقافات الإلكترونية، الفضاء الإلكتروني تمكينيًّا، والعصر الرقمي واعدًا بأشكال جديدة من الحرية للنساء. هكذا تتعامل وندي هاركورت من جمعية التنمية الدولية، مع الإنترنت باعتباره «وسيطًا فريدًا؛ إذ يبدو أنها تُعبِّر عن كلٍّ من الشخصي والسياسي» (هاركورت ٢٠٠٠: ٦٩٣؛ وانظر أيضًا هاركورت ١٩٩٩).

غير أن هذه القراءة للنساء في الفضاء الإلكتروني ناقصة على نحوٍ مؤسف؛ لأنها لا تولي اهتمامًا كافيًا للاختلافات في القدرة على الاتصال، والسياسة ذات الطابع العنصري للفاعلية في العصر الرقمي.

تلحظ مادهافي مالابراجادا (مقتبس في جاجالا ٢٠٠٣) أن فكرة الهُوية الهندية نفسها على مواقع الجاليات الهندية معمَّمة ومُرمَّزة باعتبارها «الذكر» الهندوسي من الطبقة الوسطى العليا. عمليًّا، تُحمَل صور النوع النمطية إلى الفضاء الإلكتروني في السياقات المادية والاقتصادية الاجتماعية تمامًا للعولَمة، والجاليات الهندية، و«التحديث» التكنولوجي. وتنظر مالابراجاد أيضًا إلى الصورة الذكرية للعامل الهندي في مجال البرامج في وادي السليكون، على اعتبار أنها تتصدى من جهة للصورة النمطية الاستعمارية الأقدم للذكر الآسيوي المخنَّث، ومن الجهة الأخرى للمهارة التي تتعامى عن الطبيعة النوعية الاجتماعية لتطور تكنولوجيات المعلومات والاتصالات؛ للنساء اللواتي تعملن في المؤسسات المستغلة ذوات الأجر المتدني، والمراتب الأدنى في الصناعة.

كانت التعهيد في الاقتصاد الجديد في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته يعني أن الرجال البيض في بلدان العالم الأول كانوا يَفقدون وظائفهم لصالح النساء الأدنى أجرًا في جنوب آسيا وجنوب شرقها، اللاتي أصبحن بدورهن العائل الأساسي لأُسَرهن.٤ وبنى هذا علاقة جديدة بين النساء والتكنولوجيات. تَشعر النساء من أعراق وطبقات مختلفة بالتكنولوجيا الإلكترونية على نحوٍ مختلف. تختلف عاملة الرد على العملاء في الهند التي تتعامل مع عملاء من العالم الأول، وعاملة المصنع التي تضع اللصاقات على رقائق الكمبيوتر، ورائدة الأعمال في كاليفورنيا؛ اختلافًا كبيرًا في الإحساس بالفضاء الإلكتروني. ويُمكن الزعم بالفعل، في عصر التعهيد لتسيير الأعمال، والرد على العملاء، والمؤسسات الصناعية المُستغِلة، بأن الثورة الرقمية ليست حقًّا ثورة فيما يخص نساء العالم الثالث اللاتي ثُبِّتت وعُزِّزت فقط مكانتهن الخاضعة وعملهن وظروف معيشتهن القهريان بالاقتصاد الدولي الجديد. وبعبارة روزي بريدوتي (١٩٩٦): «الواقع-الفائق لا يمحو العلاقات الطبقية، إنما يُكثِّفها».
يُوضِّح تصريحُ بريدوتي وعملُ النقاد، الذي ناقَشناه فيما سبق، التناقُضات المتصلة بالنوع والعِرق والطبقة الكامنة في قلب تكنولوجيات المعلومات والاتصالات والثقافات الإلكترونية: الفضاء الإلكتروني بوصفه مجالًا إلكترونيًّا عامًّا مضادًّا ونسويًّا ذا هُويات وحريات وحراكات مُضخمة، وفاعلية أتاحتها النساء العاملات اللائي لن يَملكن أبدًا (لن يبلغن) مثل هذه الهويات والحريات والحراكات والفاعلية. في حين قد ترى النسوية الإلكترونية الليبرالية الفضاء الإلكتروني باعتباره مُمكنًا للمرأة، فإنهم يتجاهلون هذا الاختلاف العِرقي المادي للغاية والجوهري. تضع النسوية الإلكترونية الناقدة، كما مثَّلها عمل كلٍّ من جاجَّالا (٢٠٠٣) وناكامورا (٢٠٠٢، ٢٠٠٥، ٢٠٠٦) الفاعلية والتمكين داخل السياقات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية العُليا لعولمة تكنولوجيات المعلومات والاتصال.٥
ولذا، بينما تُعَد رؤية بلانت عن «النساء الناسجات والتحكُّم الإلكتروني» رؤيةً مثيرةً للاهتمام، فإنها (١) تَعتمِد على خرافات مستندة إلى النوع تثير بذاتها مشكلات، و(٢) تهمل الطبيعة المؤسَّسة على العِرق التي تَسِمُ الفضاء الإلكتروني والبِنى المؤسسية واقتصادها السياسي. بافتراض أن النسج وتكنولوجيا التحكُّم الإلكتروني مُتشابهان، تضفي بلانت طابعًا رومانسيًّا وطبيعيًّا على عملٍ اعتيادي — ربما حتى تم فرضه على النساء — وعلى التكنولوجيا (وهو انتقاد وجَّهته إلى بلانت فيث وايلدينج ١٩٩٨). ولذا، تكون مسألة الفاعلية ذاتها إشكالية حينما تُجبَر المبرمجات والعاملات والفنانات على نسج منجَزات وبرامج للشركات. وبينما يكون التركيز على الاعتراف بدور المرأة في خلق الوسائط الجديدة محلَّ ترحيب، فإن مسألة ما إذا كانت المرأة فاعلًا حرًّا هي مسألة جدلية كما تُشير وايلدينج. علاوة على ذلك، تهمل استعارة بلانت بشأن النسج اليدوي والبرمجة الكمبيوترية تَمايُزات مادية منطقية للغاية:
  • «الصناعة» اليدوية ذات الطابع الفردي، ذات السوق المحدودة، المحلية، «و» صناعة البرمجة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، المحمية بحقوق النسخ، التي يُقدِّر سوقها بالمليارات.

  • النساجات المتعلمات تعليمًا تقليديًّا/غير نظامي «و» النساء في الجامعات المُتخصِّصة ومهن تكنولوجيا المعلومات والاتصال.

  • البحث الاستشراقي/الاستعماري عن التقاليد والحرف المحلية «الأصيلة» وتسويقها الاستغلالي، «و» أوضاع وادي السليكون وعمل العالم الثالث الاستغلالية ذات الطابع العِرقي.

  • الفارق الشاسع غير القابل للانتقاص بين لغة الكمبيوتر «الرياضية» وعتاده المرن (الشفرات، ونسج الأصفار والآحاد، كما تذكر بلانت)، «و» كتابة النساء الذاتية الشخصية (الكتابة الأنثوية).

إذا كان الفضاء العام، كما نظَّره هابرماس هو موقع النقاش «الرشيد»، فسيبعد حينئذٍ على نحوٍ تلقائي الشعور والعاطفة (أطلقَتْ هذا النقد لإدراك هابرماس للفضاء العام «الرشيد» نانسي فريزر ١٩٩٢). ويعني هذا أن النساء اللاتي يرغبن في صياغة مشاعرهنَّ لن يجدْنَ الفضاء لفعل ذلك؛ لأن النقاش العام بطبيعته لا يسمح للعاطفة! مرة أخرى، يجعل هذا الأمر الفضاءَ ذكوريًّا، رشيدًا، منطقيًّا بينما يُهمِّش النساء والشعور. تسمح الملاءمات النسوية للفضاء الإلكتروني بتشكيل العموميات المضادة المَبنية على مثل تلك الجوانب «المرفوضة» أو الرشيدة كالمشاعر (تريفرز ٢٠٠٣). والأهم أن من شأن إعادة تشكيل معنى ما هو «سياسي» و«عمومي» نفسه أن تَسمح بإدراج سياسة العمل المنزلي، والأسرة، ومسألة الشأن الخاص. ويُصبح هذا فضاءً إلكترونيًّا مستندًا إلى النوع ذا ميزة سياسية نسوية.

ما يَنتج من المناقشة السابقة هو أنه بينما قد يكون التجرُّد من الجسد أمرًا جيدًا، فهو ليس هكذا من وجهة نظر النساء (أو الشيوخ، أو الأطفال، أو ذوي القدرات المختلفة، أو الأقليات). فالخبرات المختلفة بالتكنولوجيات الإلكترونية، وأوضاع العمل المادية، ومشكلة القدرة على الاتصال بالغة الأهمية لفهْم تأثيرات تكنولوجيات المعلومات والاتصالات. وتبقى مسألة هياكل القوة المتفاوتة التي تُقرِّر خبرة النساء بتكنولوجيات المعلومات والاتصالات والعوالم الرقمية وإمكان إعادة تشكيل الفاعلية في بؤرة تركيز الدراسات النسوية.

(٢) الإنترنت الجنسي

الجنس بضاعة رائجة. إذا كان الإنترنت هو أسرع طريقة للعثور على المعلومات اليوم، فالجنس هو موضوع البحث الأكثر تكرارًا، كما أثبتَت دراسات تجريبية (جريفيثس ٢٠٠١: ٣٣٣). والأنشطة الجنسية على الإنترنت — أو الجنس الإلكتروني، بتعبيرٍ أكثر شعبية — هي أيضًا مجال مربح بشدة — ذكر بعض المحلِّلين أن الأمريكيين أنفقوا ٢٠٠ مليون دولار على مواقع للبالغين قائمة على الدفع، ويَذكر بعضهم أن عائداتها تُقدَّر بمليار دولار (مقتبس في فيري ٢٠٠٣: ٣٨٥). تُقدَّر صناعة السياحة الجنسية على الإنترنت بملايين الدولارات، وهي واحدة من الصناعات التي تتضاعَف كل عام. ومن الظواهر المتصلة بذلك استغلال الأبعاد الجنسية في الإغراء. تعتمد المواقع الرسمية للمشاهير، مثل جاكلين لامبيازي (٢٠٠٣)، على صور تبرز الجانب الجنسي لزيادة جاذبية الشخصية الشهيرة. يُضيف اللباس الإيحائي، والأوضاع الاستفزازية إلى الإغراء، وتعتمد جاذبية الشخصية الشهيرة، ولو بعض الشيء، على هذه المادة البصرية المصبوغة بالجنس.

ومع ذلك، فإن تعريف عبارة «محتوى صريح جنسيًّا» نفسها لم يُوضَّح، وهو ما يترك المجال القانوني الاجتماعي ﻟ «الأنشطة الجنسية على الإنترنت» أو «إباحية الإنترنت» ضبابية على أفضل تقدير.

لمناقشة ثلاثية الفضاء الإلكتروني، والنوع والانتماء الجنسي، والرأسمالية، نحتاج إلى التمييز أولًا بين الفن الجنسي والإباحية. أما الفن الجنسي (الإيروتيكا)، باعتباره شكلًا محترمًا من الفن يعود تاريخه إلى العصور القديمة في كل ثقافة عمليًّا، فهو تصوير الجنس الرضائي الذي لا يحطُّ من قدْر الشركاء. وأما الإباحية فهي حاطة بالكرامة، وتهين الناس، وخصوصًا النساء. ومن التصنيفات الفرعية للإباحية «الإباحية العنيفة»؛ حيث يوجد بالإضافة إلى المَهانة عنفٌ جنسي، يُوجِّهه الرجال في أغلب الأحيان إلى النساء (فيشر وباراك ٢٠٠١: ٣١٣). وبيَّنت دراسات علم النفس الاجتماعي أن هناك رابطًا واضحًا بين المحتوى الصريح جنسيًّا، والاهتياج الجنسي، والسلوك الجنسي (فيش وباراك ٢٠٠١).

(٢-١) الجنس الإلكتروني

ذكرت شركة داتامونيتور أن أكثر من نصف المال المنفَق على الإنترنت مرتبط بالنشاط الجنسي (مقتبس في جريفيثس ٢٠٠١: ٣٣٣). و«الإنترنت الجنسي» لا يعني فقط الجنس الإلكتروني؛ فالإنترنت يُسهِّل أشكالًا عديدة من الأنشطة المتصلة بالجنس، ويَشمل أحد أشكال الأنشطة البحث عن مادةٍ للأغراض التعليمية، والأنشطة التجارية من قبيل عمليات البيع والشراء للبضائع من متاجر الجنس على الإنترنت، ومواد من أجل الترفيه، والعلاجات الجنسية، وأخيرًا العلاقات الجنسية على الإنترنت. وتشمل أنشطة أخرى مُرتبِطة بالجنس خدمات الدعارة، وأساليب تبادل الشركاء، والنسخ الإنترنتية من المجلات الإباحية، منها النسخ الشائعة (مثل «بلايبوي») والأنواع الإباحية الصريحة، وجماعات النقاش المكرَّسة للفيتيشات والأدوات الشخصية والغريبة، ومكتبات الصور (ومن ضمنها الفيديو، سواء المجاني والتجاري)، والعروض الحية (ومنها الإباحية باستخدام كاميرات الويب). وتَشمل الاستخدامات الأعنف والأدعى للانزعاج التحرُّش الإلكتروني، والولع بالأطفال على الإنترنت، وإباحية الأطفال، وإباحية المشاهير (التي تشمل تزوير صور وجوه المشاهير ووضعها على أجساد غيرهم).

«يُيسِّر» الإنترنت أشكالًا معيَّنة من لعب الأدوار الجنسي؛ فالعلاقات الإلكترونية والجنس الإلكتروني مثالان لذلك النوع من لعب الأدوار على الإنترنت لغرض «الجاذبية» الجنسية (يحتاج المصطلح إلى تحسين؛ لأن الجنس على الإنترنت لا يشتمل دائمًا على الجنس الجسدي، إلا في المواقف الاستمنائية). حدَّد آل كوبر (١٩٩٩) ثلاثة عوامل تسهم في نجاح «الإنترنت الجنسي»، وهي «الإتاحة» على مدار الساعة، و«التكلُفة المحتمَلة» (ألعاب جنسية، واشتراكات، وأدوات استضافة مواقع إباحية بتكلفة منخفضة)، و«الخفاء» (الهُويات المتنكِّرة على الإنترنت). والأمر المفقود هنا هو أن الجنس الإلكتروني يسمح أيضًا بنوع غريب من الارتباط «العاطفي»، حتى في غياب العنصر المادي (كوبر وآخرون، ٢٠٠٠). يُمكن أن يُقدِّم الجنس على الإنترنت قدْرًا وافرًا من المعلومات عن الإمكانات الجنسية المتاحة لأي فرد، مُحيلًا الإنترنت بذلك إلى مصدر معلومات «بارتباطه» باللذة الجنسية.

يمكن أن تؤدي التعلُّقات العاطفية، والإثارة، واللذة النفسية في أغلب الأحوال إلى زيارات لمَتاجر الجنس الافتراضية، أو اشتراكات، ومن ثَمَّ «تقرِّب» الخبرة الجنسية على الإنترنت؛ ولذا فالجنس الإلكتروني له عنصر «نفسي» يحتاج إلى بحث ودراسة، وعنصر «أيديولوجي» مؤكَّد.

أما العلاقات الجنسية الإلكترونية فهي علاقات جنسية تُنشأ وتُستدام في الأغلب (ولكن ليس فقط بالضرورة) في بيئات الإنترنت. وهناك أنماط مختلفة من العلاقات على الإنترنت (جريفيثس ١٩٩٩):
  • تلك التي تقوم على الفضاء الإلكتروني حصرًا، بين أفرادٍ «لن» يلتقوا أبدًا (علاقات افتراضية على الإنترنت).

  • أولئك الذين يَشرعون في علاقات على الإنترنت، ولكنهم يرغبون، مع تزايد المودة، في أن ينقلوها خارج الإنترنت أيضًا (العلاقات التطوُّرية على الإنترنت).

  • أولئك الذين يلتقون أولًا خارج الإنترنت ثم ينقلون علاقاتهم إلى بيئات افتراضية بوصفها امتدادات للبيئة «الواقعية» (الحفاظ على العلاقات على الإنترنت).

تشكِّل الحوارات والرسائل النصية المثيرة جنسيًّا، التي تتعامل على الأغلب مع الخيالات الجنسية، ويَصحبها الاستمناء، ما يُسمَّى شعبيًّا «الجنس الإلكتروني». تُمكِّن برامج من قبيل «سكند لايف» المُستخدِمين من «تقمُّص» الأدوار، وتغيير خصائصهم الجسدية، والاستمتاع بالجنس الإلكتروني. ولا بد من النظر إلى الجنس الإلكتروني بوصفه شكلًا جديدًا من التفاعل الاجتماعي والإنساني الذي سهَّلته التكنولوجيا الرقمية. والواقع أن أحد التعريفات المبكرة للجنس الإلكتروني كان «تفاعلات إيروتيكية من خلال التخاطب الإلكتروني» (بلير ١٩٩٨، في روز ٢٠٠٥: ٣٤٢). وشاع تعريف لاحق: «إقامة نشاط جنسي عبْر وساطة الكمبيوتر من خلال الوصف المفصَّل، بمصاحبة الاهتياج الجنسي، وحتى الانتعاظ في أغلب الأحيان» (روس وكوث ٢٠٠٠، في روس ٢٠٠٥: ٣٤٢).

يمكن أن يكون الجنس الإلكتروني جنسًا «مؤسَّسًا على الواقع الافتراضي»؛ حيث ينهمك المستخدمون، باستعمال ملابس مزوَّدة بمحفزات بصرية وسمعية ولمسية، أو ألعاب جنسية تُدار بأجهزة التحكُّم من بُعد بوساطة الكمبيوتر، في الجنس مع مُستخدِمين آخرين يَستخدِمون الأداة نفسها. هذا الشكل الذي يُسمى في الغالب الأدوات الطرَفية، لا يزال مُستقبليًّا، ولا تكاد توجد معلومات بشأن استخدامه الفعلي. وثمَّة شكل أكثر انتشارًا هو الجنس الإلكتروني «المؤسَّس على الفيديو»؛ يَتعرَّى المستخدمون أمام الكاميرات، التي تنقل الصور أو الفيديو إلى «الشريك أو الشركاء» الآخرين، ويَستمْنُون، بالاستعانة ببرامج مثل «كيو-سي مي». ويتَّسم هذا النوع بقدْر أكبر من التلصُّص، والاعتماد على الحوار (يستطيع الشركاء التحدُّث معًا من خلال البث الحي)، والاستعراض. ثم هناك الجنس الافتراضي «المؤسَّس على النص»؛ هذا النوع لفظي بالكامل تقريبًا، وهو في قلب ممارسة الدردشة.

يُبنى الجنس الافتراضي على سياق بسيط: «خفاء الهُوية عبْر الفضاء الإلكتروني». يكون خفاء الهُوية في غرف الدردشة بمنزلة «مُحرِّر من القيود»، ويضخم السلوك الصريح جنسيًّا. وكما لحظ الباحثون، تتطوَّر الحميمية على نحوٍ أسرع على الإنترنت لهذا السبب بالتحديد: ما يَصِفُه مايكل روس «الحميمية المسَرَّعة» (٢٠٠٥: ٣٤٦) وما أسميه أنا «التضخيم» — الروح والمنطق اللذان أجدهما متأصِّلين في تصميم الثقافات الإلكترونية وبِنيَتِها. وتشتمل السياقات ذات الصلة التي تشجِّع على الفجور والجنس الإلكتروني على «الإتاحة» (في أي وقت وأي مكان)، وغياب الدليل، والخلو من انتقال الأمراض التي تنتقل بالجنس، وفرص «الإفلات» من المطالب والإكراهات والالتزامات. إذا افترضنا أن الجماع شكلٌ من أشكال «الإيلاف» و«التفاعل»، فالجنس الإلكتروني يبدل جذريًّا طبيعة هذا التفاعل بالغياب الكامل للقاء وجهًا لوجه، وما ينجم عنه من «آثار»؛ ولذا، فالجنس الإلكتروني يتخلَّص من «النشاط الجنسي الاجتماعي» نفسه (روس ٢٠٠٥: ٣٤٣).

تسمح هذه العوامل للخيالات المقموعة، والتفضيلات الجنسية المُستهجنة اجتماعيًّا بأن تطفو على السطح وتُشبَع في الفضاء الإلكتروني. ومن الأرجح أن يُشبِع الأفراد خيالاتهم وتجربتهم؛ لأن خفاء هُوية الجنس الإلكتروني وبِنيته المُشوِّشة للهُوية تتيح لهم أن يفعلوا ذلك.

من مثل هؤلاء المستخدمين، يصير بعضهم مستخدمين قهريين جنسيين. وأولئك هم الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت بوصفه منتدًى لأنشطتهم الجنسية، بسبب استعدادهم للتعبير الجنسي المَرَضي (جريفيثس ٢٠٠١: ٣٣٦). إنه مجال جدلي (لم يُبحَث)، مثل ما إذا كان الإدمان على «الوسيط» (الإنترنت)، أم «البِنية» (خفاء الهُوية)، أم المعلومات و/أو الإثارة (الإباحية الصريحة، أو الفتيشات)، أم أنماط «النشاط» (القصص، والألعاب، والمبادلة)، أم مزيج من كل ذلك (جريفيثس ٢٠٠١: ٣٣٧). في الثقافات التي تكون فيها المِثلية الجنسية، والفوضى، والفتيشات أو حتى التعبيرات المُفرِطة عن الميل الجنسي محظورة، يُقدِّم «الإنترنت الجنسي» للأفراد ساحة مُحتمَلةَ التكاليف بقدْر معقول.

تُسهِّل طبيعة الاتصال عبْر الكمبيوتر نفسها — النص، والصوت، والفيديو، والرسوم — التعبير المُصطبِغ بالجنس كما لم يحدث من قبل. إن «النص» هو اللغة التي يُعبَّر بها عن الرغبة والخيالات، والإنترنت هو الوسيط الذي «تُمثَّل» فيه الخيالات. في قراءة إبداعية تُبرز البُعد الاجتماعي، افترض مايكل روس (٢٠٠٥: ٣٤٤) أن الإنترنت هو «خطوة وسيطة بين الخيال الشخصي وبين السلوك الفعلي». بينما تكون الخيالات شخصية، وأمورًا منفردة، يُمكِّن الإنترنت من الإفصاح عنها، ويأخذها خطوة أبعد: «فعل» الأمنية الخيالية على الإنترنت دون فعلها في الواقع.٦

تكشف الدراسات أن الرجال أكثر من النساء احتمالًا أن يُدمِنوا النشاط الجنسي على الإنترنت. ومع ذلك، يبدو أن هناك أنواعًا أخرى من المُتغيِّرات المتعلِّقة بالنوع. تتَّجه النساء إلى النشاط الجنسي على الإنترنت؛ لأنه يُمكِّنهن من الهروب من وصمة كونهن «مهتمَّات» جنسيًّا. (أظهرت دراسة سويدية ترجع إلى عام ٢٠٠٢ أن ٣٥ بالمائة من الرجال و٤٠ بالمائة من النساء التقوا شركاءهم الجنسيين في عالم الواقع في أول الأمر على الإنترنت، مع إعلان ١٠ بالمائة حدوث ذلك أكثر من ست مرات. انظر دينباك وآخرين ٢٠٠٧.) ويُتيح لهم أيضًا أن يكُنَّ أقل تعرُّضًا للكبت، ويزودهن بفرصة أن يكنَّ أكثر إفصاحًا عما يُحبِبْنه. أما الرجال فيتَّجهون إلى النشاط الجنسي على الإنترنت؛ لأنه فضاء يكونون فيه رجالًا «كاملين»، ومُتحرِّرين من سمات الاختلال الوظيفي، أو القلق من أدائهم الجنسي (الدراسات موثقة في جريفيثس ٢٠٠١: ٣٣٧-٣٣٨).

مع ذلك، وبصرف النظر عن المزايا التي تُقدِّمها مثل هذه المتع الخفية، فإن جماعات الجنس على الإنترنت على موقع مثل «سكند لايف» مقيدة ومدفونة بعمق في الفضاء الإلكتروني. ولا يَستطيع المرء دخولها دون مقدمات «ملائمة» (بيفر ٢٠٠٦). وقد خُفِّفت مشكلة الدخول المهمَّة إلى حدٍّ ما من خلال الإتاحة المنتشرة منذ عام ٢٠٠٠ لمواقع الألعاب الجنسية المتعدِّدة المستخدمين من قبيل «نوتي أمريكا» (www.naughtyamerica.com). وهذا الموقع الأخير هو مزيج مُثير للاهتمام من المواعدة على الإنترنت وخارج الإنترنت ومن الجنس الإلكتروني. يُدخِل المستخدمون بياناتهم الشخصية، ويَلتقون في الفضاء الإلكتروني، ويستطيعون حينئذٍ أن يَلتقوا في الواقع من أجل الجنس. هنا يكون الجنس مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بلعب الألعاب، ولذا ينقل الجنس من عالم «الجنس» الجسدي المَحض إلى مستوى الترفيه (يعلن «نوتي أمريكا» عن نفسه بوصفه «ترفيهًا إباحيًّا أمريكيًّا شاملًا جيدًا»، وبوصفه «غير ماس بالكرامة على الإطلاق»)، مع إتاحته في الوقت نفسه إمكانية تحوُّل الترفيه إلى أمر جسدي من لحم ودم.

يعود بنا تحويل الجنس إلى لعب ألعاب وترفيه إلى موضوع عوالم الألعاب. يصبح الجنس، في شكل أفاتارات «آسرة» في بيئات معيَّنة حسب الاختيار، سينما تفاعلية. وهو ينقل مجال النشاط الجنسي إلى مجال الترفيه، وخصوصًا الترفيه القائم على الجماعة في حالة العوالم المتعددة المستخدمين. ويدعو هذا إلى تعريفات جديدة للحميمية والخصوصية (يعترف موقع «نوتي أمريكا» مثل كثير من المواقع الشبيهة الأخرى، بأنه يتتبَّع عناوين بروتوكولات الإنترنت). حقيقة أن الجنس طالما كان سلعة قابلة للبيع لم تكن قط أوضح مما هي مع اختراع ألعاب الإنترنت من قبيل هذه الألعاب؛ حيث تُولِّد جاذبية الخفاء والإتاحة مشارَكة أكبر؛ ومن ثَمَّ، أرباحًا أكثر. ويتصل النشاط الجنسي التكنولوجي في عوالم الألعاب من قبيل «نوتي أمريكا» أو «سكند لايف» اتصالًا معقدًا بنوع جديد من «العناية بالنفس» بمعايير فضاءات الحرية، ولكنها عناية تخدم غرض الرأسمالية التكنولوجية.

اتخذت استجابة النسويِّين للجنس الإلكتروني نمطين. ينظر أحدهما إلى الجنس الإلكتروني على أنه تحريريٌّ للنساء؛ حيث تَنتفي في الفضاء الإلكتروني ضوابط الأعراف الاجتماعية، والأعراف السلوكية، والمخاطر الجسدية. تستطيع النساء اللاتي يحظَين بنصيب قليل من النجاح في الحياة «الواقعية»، أو اللاتي تعرَّضن للرفض على اعتبار أنهن يَفتقرن إلى الجاذبية، أن يتجاهلن نواقص أجسادهنَّ ويكنَّ جميلات بقدْر ما يتمنَّين في الفضاء الإلكتروني: في الفضاء الإلكتروني هن نساء مثاليات. لكن أكثر العوامل جاذبية هو السيطرة التي يُمكن للنساء أن يمتلكنها على أجسادهن، ورغباتهن، وميولهن الجنسية. وأما نمط الاستجابة الثاني فيرى الجنس الإلكتروني تهديديًّا واستغلاليًّا، مثل عالم الذكور والممارسات الغيرية الجنس التي تستمر في جعل المرأة ضحية، حتى في الفضاء الإلكتروني (دورينج ٢٠٠٠). توحي هيمنة ذوي الميل الجنسي الغيري والحضور الذكري على الشبكة بهيكلة النشاط الجنسي على الإنترنت ذاته وفقًا للنوع الاجتماعي.

يجلب الجنس الإلكتروني مجموعة من الأوهام؛ أوهام الأجساد الكاملة، واللقاءات الجنسية غير المضطربة، والحميمية غير الشخصية. افترضت الدراسات النفسية أن الجنس الإلكتروني هو نمط العلاج والنجاة لضحايا الفواجع. النساء اللاتي أُسيئت معاملتهن، على سبيل المثال، اللاتي يجدن صعوبة في تشكيل علاقات حميمة واقعية، يجدن من الأسهل أن يدخلن في الغرام على الإنترنت والجنس الإلكتروني بسبب هذه الطبيعة «غير الاجتماعية» (شفارتس وسذرن ٢٠٠٠: ١٢٩–١٣١).٧ يُتيح الفضاء الإلكتروني وتكنولوجياته «لعبًا» وتخيُّلًا أعظم مما قد يكون مُمكنًا أو آمنًا في الحيوات الواقعية، وفي بعض الحالات، كما تفترض مونيكا ويتي وأدريان كار (٢٠٠٣)، قد تكون لهما قيمة علاجية.

(٢-٢) الإباحية، والرأسمالية، والثقافة

الإباحية هي الإنتاج والترويج والاستهلاك للموادِّ التي تُصوِّر الخيالات والاحتياجات الجنسية للناس أو تدعمها أو تُحقِّقها. ولذلك لا تُرى فقط باعتبارها خطابًا قائمًا تمامًا على النوع والعِرق، ولكن باعتبارها خدمة أو منتَجًا شبيهين بالسياحة على سبيل المثال أيضًا.

ينصَبُّ الاهتمام في هذا الجزء على الإباحية، لا باعتبارها خطابًا وحسب، ولكن باعتبارها «صناعة». والسبب في تجذير الإباحية الإلكترونية في نقدٍ مادي، بسيطٌ جدًّا: فهي إحدى الصناعات الكبرى للعصر الرقمي، وإن تكن عنصرًا واحدًا فقط من عناصر صناعة الجنس العالمية (التي تشتمل على السياحة الجنسية التي تقدَّر بمليارات الدولارات).

والواقع أن مقدار العائدات التي تدرها الإباحية الإلكترونية مذهلة. قدَّرت مؤسسة جونيبر للأبحاث هذه العائدات بنحو ٥٠٠ مليون دولار عام ٢٠٠٤، وتوقَّعت أن تبلغ ٢٫١ مليار دولار عام ٢٠٠٩. ووجد تقرير لموقع «ووردتراكر» في عام ٢٠٠٥ أن الألفاظ الستة الأولى من أعلى الألفاظ المستخدمة في البحث، والعشرة الأولى من أعلى عشرين لفظًا في أغلبية محركات البحث على الشبكة كانت ذات طبيعة إباحية (كوبرسميث ٢٠٠٦: ٤). وتُدِر شركات مثل برايفت ميديا جروب (www.prvt.com)، أول شركة ترفيه إباحي تُدرَج في بورصة ناسداك، ونيو فرونتير ميديا، أرباحًا تُقدَّر بالمليارات سنويًّا (كانت مبيعات الإنترنت التي تخصُّ برايفيت ميديا جروب للربع المُنتهي في سبتمبر ٢٠٠٧ تُقدَّر بنحو ١.٤ مليون يورو، بزيادة بنسبة ١٢ بالمائة، وسجَّل إجمالي مبيعات وسائل الإعلام الجديدة زيادة بنسبة ٨ بالمائة بالغة ٤٫٥ مليون يورو؛ انظر برايفت ميديا جروب ٢٠٠٧). ولذلك، فالجنس الإلكتروني والإباحية الإلكترونية، من حيث المستخدمون والعائد، جديران بالدراسة على اعتبار أنهما ربما يكونان أكثر استخدامات التكنولوجيا الرقمية انتشارًا وربحية من الناحية التجاريَّة.
تُوسِّع الإباحية الإلكترونية والرقمية قاعدة المُستخدمين؛ إذ يستطيع أناس أكثر مما كان في أي زمن سابق الوصول إلى المواقع الإباحية باستخدام وصلة إنترنت وحسب، وهم يَنعمون بالخصوصية في منازلهم. ومن ناحية الاقتصاد، هي مجازفة ممتازة؛ حيث تهوي بشدة تكاليف الإنتاج والاستهلاك في هذا المجال. وبالمثْل، تهوي تكاليف «الوصول إلى» الإباحية، فاتحة من ثَمَّ فضاءَ الجنس الإلكتروني أمام المزيد من الناس. حفَّز اقتصاد الجنس الإلكتروني، المُتسارع النمو — وهو معنًى جديد ﻟ «اقتصاد» شهوي إنْ سبق أن كان هناك اقتصاد كهذا — تطوُّرات في البِنية التحتية؛ من بث محتوى الفيديو (الفيديو حسب الطلب المَبثوث على الإنترنت باستخدام النطاق العريض)، إلى التواصُل المرئي التفاعُلي، إلى الجنس الإلكتروني باستخدام الهواتف الخلوية، إلى أقراص الفيديو المدمجة عالية الدقة. وتَشمل التطورات المُكمِّلة بيع مساحات الإعلان، والأدوات الجنسية التي تُباع على الإنترنت، وبطاقات الائتمان، وبرامج وأجهزة الوسائط المتعدِّدة، والخدمات المرتبطة بالتصوير (ومنها البرامج والنصح الإرشاديان عن كيف تَبني موقعك الإباحي؛ انظر www.hosts4porn.com).

تتوسَّط السياحة الجنسية ما بين الرأسمالية الإباحية على الإنترنت، والترفيه، والجنس الإلكتروني. تُقدِّم مواقع السياحة الجنسية على الإنترنت النصح، والخطوات العملية، وإمكانيات تحقيق الأمنيات الخيالية في أجزاء مختلفة من العالم. وتُصبِح هي الخطوات التمهيدية للقاءات الجنسية التي اصطبَغت بصبغة تجارية في الحياة الواقعية. تَعتمِد مواقع السياحة الجنسية على الإنترنت على صور نمطية وخرافات عن العاملين في الجنس — صور نمطية مصبوغة بصِبغة عِرقية (المرأة «الشرقية»، والمرأة «السمراء»، وهكذا). وهي تُسهِّل أيضًا تجريب الميول الجنسية الجائرة (شو-وايت ٢٠٠٦).

يضع كلٌّ من بليز كرونين وإليزابيث ديفنبورت (٢٠٠١) وجوناثان كوبرسميث (٢٠٠٦)، على نحوٍ مفيد، النمو الهائل للإباحية الإلكترونية داخل سياق التسويق، والابتكار الفني، والتطوير القائم على المستهلك. الفرق المهم الذي يُميِّزها من الإباحية القديمة هو أنها أرخص، وأنها تكنولوجيا يُمكن أن يصنعها المرء بنفسه، تتيح لأي أحد أن ينتج المواد الإباحية، وذلك ما يُسميه كوبرسميث «إضفاء الديمقراطية» على الإباحية.

يَحمل الجنس على الإنترنت معه إمكانية التحوُّل إلى إدمان. افترض مارك جريفيثس (٢٠٠٠أ، ٢٠٠٠ب، ٢٠٠١) أن المسألة ليست بذاتها إدمانًا على الإنترنت، ولكن حقيقة أن الإنترنت يُوفِّر ما يُفتَرَض أنه فضاء آمن للناس لينغمسوا في إدماناتهم. يستطيع الأفراد في الوقت الحالي رفع لحظاتهم الحميمة إلى الإنترنت، وتحويل فعلهم الجنسي إلى مُحتوًى إباحي عام. وتُقدِّم مواقع كاميرات الويب بالتحديد هذه الوسيلة لمُنتجي الإباحية ومُستهلكيها. ويغيِّر هذا جوهر فكرة الأفعال الخاصة، وإن ظل هناك خيار الامتناع من الرفع. شُوِّشت الحدود بين اللحظة الخاصة والفرجة العامة؛ حيث يُسمَح للمُشاهِدين حتى بأن «يتتبَّعوا» الفرد يوميًّا. وكما ذكرنا في حالة النساء وكاميرات الويب في الفصل الرابع، فهذا يُحوِّل الشأن اليومي إلى «فرجة».

يُوفِّر التواصل باستخدام كاميرات الويب خيار تعميم الشأن الخاص على نحو غير مسبوق، وربما يحوِّله إلى أرباح تجارية. لذا، لا يدهشنا أن نلحظ أنه في عام ٢٠٠١، طوَّر أكثرَ من ٧٠ بالمائة من المواقع الإباحية أفرادٌ من «خارج» الصناعة (كرونين وديفنبورت ٢٠٠١). تُشكَّل التكنولوجيا هنا بفعل أنماط حياة المُستهلكين، ونزعاتهم، واستخداماتهم التي تُشجِّع الطلب على رسوم وصوت وفيديو أفضل، وتغذي بذلك تطوير هذه الأساليب الفنية.

نمَت تنويعاتٌ وأشكال تجريبية بمساعدة التكنولوجيات الرقمية. تُظهِر مجلة «فليشبوت» (fleshpot.com) على سبيل المثال الأشكال الأخيرة من الإباحية التي يُمكن أن تنتجها الابتكارات المتغيِّرة في التكنولوجيا.
ولا بد من التعامل مع الإباحية في العالم الرقمي على أنها «خدمة» و«منتَج» تُشكِّله سياقات اجتماعية. أي أن الإباحية الإلكترونية هي تشكيل رقمي تُكوِّنه القيم الاجتماعية (شاملة الأعراف والقوانين المُتعلِّقة بالفحش) بقدْر التكنولوجيات (البث الشبكي، وبث الفيديو). وتفترض ملاءمة الإطار النظري الذي اقترحه كرونين وديفنبورت (٢٠٠١: ٣٥)، أن نتعامل مع الإباحية الإلكترونية باعتبارها:
  • التتجير والتطبيع للأفعال/السلوكيات التي ظلت موصومة في الأسواق التقليدية (أدَّت الأخيرة إلى ازدهار للإباحية في صورة سلعة سرية).

  • ظاهرة ناشئة مُرتبطة بالتعبير الذاتي المحرَّر، والإقرار الجماعي (ما يُمكِن تسميتُه «تضخيم الجنسانية التعبيرية»).

  • علاقة جديدة بين المنتج والمستهلك، وفيها تُشكِّل دورات التغذية الراجعة (التي يُرمَز لها ﺑ «ما يُريده المستهلك») أساليب فنية ومحتوى مستقبليين.

  • إعادة تعريف الإباحية ذاتها بوصفها ترفيهًا، وتعليمًا، وخيارًا لنمط حياة.

يُبرِز الإطار المذكور أعلاه دور المستخدم-المستهلك في كل مستوًى، متناولًا الإباحية بوصفها مُنتَجًا «مبنيًّا» بالتشارك، أكثر منها منتجًا مصنوعًا باستقلال. حينما يَطلب المستهلك مُنتجًا معينًا، أو خدمة معينة، أو تفاعلًا جنسيًّا في الإباحية الإلكترونية، فإنه يُسهم في الأساس المعرفي لدى المُنتِج بما هو مرغوب؛ ومِن ثَمَّ قابل للبيع. ويُنبئ هذا «الاستهلاك البنَّاء» (كرونين وديفنبورت ٢٠٠١: ٣٦) بالخدمات والمنتَجات التي تُقدَّم في المستقبل. وفي هذا الترقيم الاجتماعي يَكمُن النجاح التجاري للمواقع الإباحية والإباحية على الإنترنت.

للترقيم الاجتماعي أيضًا تَبعات أخرى. تمامًا كما يُنتج المُستهلكون ويُشجِّعون المحتوى والشكل في الإباحية على الإنترنت، يَعني الحضور المتاح تمامًا لكل أشكال الميول الجنسية على الإنترنت؛ ومِن ثَمَّ في «المجال العام»، مزيدًا من منح الشرعية لهذه الأشكال وإقرارها. تجد جماعات المصالح ذات الميول الجنسية المحدَّدة، أن من الأسهل أن تترابط وتتواصَل على الإنترنت، وهكذا يُبنى مجتمع من المُستخدِمين. وتضمن الطبيعة «التفاعُلية» للكثير من الإباحية الإلكترونية — الدردشة التفاعلية، والمواقع الإباحية المتعدِّدة المستخدمين، ومواقع الألعاب، والكاميرات الحية (على العكس من الإباحية المطبوعة التي تُستخدَم في معزل في أغلب الأحوال) — كذلك أن تُصبح الإباحية الإلكترونية «مجتمعًا» من المستخدمين الذين يَملكون دومًا إمكانية التلاقي خارج الشبكة. والآن تُصبح الإباحية الإلكترونية تيارًا سائدًا. وبتعبير كرونين وديفنبورت، يَصعُب تجاهُل صناعة تُغذي الغرائز البشرية الأساسية وتدرُّ كل هذا العائد (٢٠٠١: ٤٢).

غير أن السوق الإباحية الإلكترونية القائمة على الربح وعلى المُستهلِك طالَما كان لها جانبها المُظلِم، وأثارت ردود فعل قوية. اضطرَّ «ياهو!» إلى إغلاق كثير من غرف دردشته الإباحية التي يُشكِّلها المستخدمون، في عام ٢٠٠٥، حينما ثارت الشكوك في استخدامها لاستدراج الصغار للقاء مُغتصبيهم والمُولِعين بالأطفال. وفي وقتٍ أسبق، عام ٢٠٠١، اتَّخذ «ياهو!» قرارًا بإزالة كل الإعلانات التي تُظهِر مواد جنسية وإباحية حينما أبدى اتحاد الأسر الأمريكية وغيره من المنظَّمات احتجاجات قوية (أنون ٢٠٠١).٨ تتعامل الحركة المناهضة للإباحية مع الإباحية على أنها تمييز جنسي، ومُمارسة للاستغلال قائمة على أساس الجنس، تَستهدِف النساء باستمرار، ولكن حيث يُترجَم ضرر التفاوت المدني بين الجنسين إلى اختلاف في الجنس. الفن الجنسي مادة صريحة جنسيًّا، ولكنه، وفقًا لرأي كاثرين ماككينون، لا يُنتِج «إخضاع» النساء، ولا ينبثق منه (ماككينون ١٩٨٧: ١٦٣–١٩٧). ولذا، فالإباحية، بهذا التعريف، توازي القهر، والإجبار، وتشويه السمعة، أو الاعتداء — وجميع ذلك مُتمحوِر حول «المرأة بوصفها ضحية». هذا التمييز، الذي يسترعي الانتباه إلى الإخضاع الاجتماعي والثقافي للنساء الذي تستغله الإباحية، وربما حتى تسانده، بالغ الأهمية لفهْم طبيعة الاستجابات للإباحية الإلكترونية، والأنشطة المُولَعة بالأطفال على الإنترنت، والتحرُّش الإلكتروني.

مع المخاوف المُتعاظِمة وحالات الذعر الأخلاقية بشأن التحرُّش وخطف الأطفال، صار الشجب الاجتماعي للإباحية على الإنترنت ولوصول الأطفال إلى المُحتوى الإباحي شائعًا. وتحوَّلت النقاشات بشأن الإباحية إلى ما يُسمَّى نقاشات «إدراك عام»؛ سعى أغلب المواطنين فيها للوصول إلى مجموعة من الأفكار «المشتركة» (واطسون ٢٠٠٧).

في عام ١٩٩٦ شُكِّل تكتل المواقع الإباحية ضد إباحية الأطفال من قِبَل ٥٨٠٠ موقع إباحي. استُحدِثت إجراءات قانونية، وقدَّمت المواقع الإباحية تحذيرات رسمية بخصوص محتواها. وفي عام ٢٠٠٤، تبنَّى مشغلو الهواتف الخلوية ومقدِّمو الخدمات ميثاق سلوك من تشريعهم بخصوص المحتوى الإباحي. وهكذا، بينما تَستمر المواقع الإباحية في العمل وجنْي الأرباح، ظهر أيضًا فعل اجتماعي وسياسي أعظم ضد أشكال معيَّنة من الإباحية وخصوصًا في تسعينيات القرن العشرين.

بمعزل عن قصة النجاح المالي للإباحية على الإنترنت، تبقى الإباحية، من وجهة نظر أيديولوجية، هي تَمثيل النشاط الجنسي الذي يحطُّ من قدْر أفراد أو أعراق أو مجتمعات بعينها، أغلبها من النساء. إذا كانت الثقافة الرقمية موسومة بترقيم اجتماعي يعمل في إطار البنى المادية للحيوات اليومية، فعلاقات النوع المتفاوتة والأبوية تُشكِّل الميول الجنسية الإلكترونية أيضًا. تَشْييء الإباحية للنساء، والتحرُّش، والتحرُّش في أماكن العمل — وهي سمات للحياة اليومية في العالم «الواقعي» — هي أيضًا سمات للحياة والعلاقات على الإنترنت. والواقع أن مثل هذه الأفعال والسلوكيات المسيئة جنسيًّا ربما حتى تُضخَّم بفعل توفُّر البريد الإلكتروني والدردشة. ومن الغريب أن البحث مع جماعات اختبار محدودة أظهر أنه، على خلاف التوقُّعات بشأن معايير السلوك المتهاونة نسبيًّا في الفضاء الإلكتروني، تمسَّك النساء والرجال بمعايير أكثر تشدُّدًا فيما يتعلَّق بما يُشكِّل تحرُّشًا جنسيًّا على الإنترنت (بيبر وآخرين ٢٠٠٢؛ بويس وآخرين ٢٠٠٤). وأُبلِغ عن حالات الاغتصاب الافتراضية من قِبَل مُستخدِمات الفضاءات المتعدِّدة الاستخدامات، وغيرها من المواقع التفاعُلية الإباحية على الإنترنت (ديبل ١٩٩٣؛ دورينج ٢٠٠٠: ٨٦٩–٨٧١).

يبقى هناك بُعدٌ آخر فيما يتعلَّق بالإباحية على الإنترنت؛ إذ اكتشفت دراسات مواقع الاغتصاب أن تمثيلات الاغتصاب على مواقع الإنترنت المخصَّصة غالبًا ما تكون مَبنية ومنسَّقة بحيث يتعذَّر اكتشاف مكان الاغتصاب، أو طبقة المُغتصِب، أو إثنيته، بينما تكون «الضحية» محدَّدة بوضوح (يابانية أو صينية، وهكذا). ودائمًا تقريبًا ما تكون المعلومات عن الضحية متاحة، وإن ظل المُغتصِب مجهولًا، بما لا يوحي فقط بأن الاغتصاب يُمكن أن يحدث في أي مكان (ومن ثَمَّ إخفاء هُوية المكان)، ولكن أيضًا بأن كل الرجال هم مُغتصِبون مُحتمَلون. ومهمٌّ أيضًا أن هذه الشاكلة من مواقع الإباحية العنيفة أو الاغتصاب لها طابع «مؤسَّس على العِرق» بوضوح، مع كون الاغتصاب الإثني موضوعًا شائعًا (جوسيت وبيرن ٢٠٠٢). يَشي هذا بارتباط ما بين العنف الجنسي، والانتشار الأوسع لتكنولوجيات التمثيل، والقدرة على الاتصال (من السهل العثور على «مواقع» للاغتصاب، لكن الأصعب هو العثور على «مطبوعة» إباحية عن الاغتصاب)، والعِرق.

في دراسة الحالة الموثَّقة أعلاه (كينيدي ٢٠٠٠)، تلقَّت مُصمِّمات المواقع اللاتي استخدَمْن الفضاء الإلكتروني لأغراضهنَّ استجابات سلبية بخصوص عملهن مرارًا (تتضمن الإساءة، والتهديدات بالعنف الجسدي، والاختراق). وكان ذلك صحيحًا خصوصًا للنساء اللاتي صمَّمن مواقع ذات محتوًى نِسَوي؛ وهو فعل نُظِر إليه على أنه تهديدي للسيطرة الأبوية على كلٍّ من الفضاء الاجتماعي والفضاء الإلكتروني. صارت النساء اللاتي يَستخدِمْن مصادر الإنترنت، ضحايا في نقطة أو أخرى، وفقًا للدراسات. ومن ذلك مثلًا أن النساء اللاتي نشَدْن العون والنصح بخصوص المسائل الصحية على الإنترنت كثيرًا ما صرن ضحايا؛ إذ عانَين أذى فقدان الخصوصية، والمعلومات غير الدقيقة، والمضايقة، والتحرُّش على الإنترنت، أو السلوك غير اللائق على الإنترنت. قد يُحيل اختطاف الصفحات زائرةً تَطلُب معلومات من موقع عن الصحة الذهنية إلى مادة إباحية. وكما تُشير فين وباناش (٢٠٠٠) فالنساء أكثر احتمالًا للتعرُّض لهذه التأثيرات السلبية — الهجمات والتهديدات على الإنترنت — لأن هذه هي الحالة السائدة في المجتمع الأوسع ذاته. ويعني هذا أن النساء يَظلَلْن ضحايا رغبات الذكور الجنسية وأمنياتهم الخيالية وسيطرتهم.

بالإضافة إلى تحوُّل التساؤل عن التفاوتات الجنسية المدنية إلى مُحرِّك ﻟ «الإنترنت الجنسي»، تَبرُز مسائل أيديولوجية أخرى ذات صلة. تَبيع متاجر الجنس، وهي أحد مُقوِّمات «الإنترنت الجنسي» كما ذكرنا في موضع سابق، الأدوات الجنسية، ولكنها لا تبيع وسائل منع الحمل. وهي تَعرض المتعة، لكن دون أي «وسائل أمان» طبية أو غيرها. وتبيع الشركاء، ولكن ليس بالضرورة الشركاء الموافقين. تبيع النشاط الجنسي ولكنها لا تبيع أخلاقياته. وأخيرًا، فهي تبيع جنسًا لا تكاثريًّا، ولكنها لا تبيع الاستقرار، ولا الدعم العاطفي، ولا حتى التوتُّرات الأسرية — وخصوصًا ما يتعلَّق بالأطفال (فيشر وباراك ٢٠٠٠). وتكشف استخدامات أخرى للإباحية لأغراض النشطاء — ومنها بوبكورنكيو (موقع نشاطي ينتج الإباحية اللواطية والسحاقية؛ www.planetout.com/popcornq)، ومشروع ذي وورلد كيس (الذي يستخدم دمى يابانية لعمل فن جنسي بين الثقافات؛ www.kiss-wkp.com)، وموقع نيكيدنردز (الذي يشجِّع الفئات الخجولة أو المتعفِّفة من جمهور الطلاب، أو المنكبِّين على الدراسة على عرض أجسادهم؛ www.nakkidners.com) — عن استخدام إبداعي للإباحية وللفن الجنسي، يُقاوم الاستغلال التجاري المحض لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات و«الإنترنت الجنسي».٩

من الواضح أنه لا بد من مقاربة الجنس الإلكتروني و«الإنترنت الجنسي» من مواقف نفسية (فردية، وجماعية، وثقافية)، واقتصادية، وسياسية–أيديولوجية. ولذلك، «الإنترنت الجنسي» هو فضاء تتقاطع فيه اهتمامات عديدة؛ تجارية، وسياسية، وشَهوِيَّة (نايار ٢٠٠٨ج).

(٣) تشذيذ الفضاء الإلكتروني

هل يشمل النشاط الجنسي في الفضاء الإلكتروني الميول الجنسية التي لا تمثِّل الاتجاه السائد، الهامشية، التي تُسمَّى غالبًا «المنحرفة»؟ هل يَسعُ العصر الرقمي «الآخرَ» الجنسي؟ لحظ جغرافيو النسوية والشذوذ وجود فضاءات للجنس الغيري، وجغرافيات للميول الجنسية الأخرى (بيني ١٩٩٥؛ روثنبرج ١٩٩٥) في الفضاءات الحضرية. لكن هل يُجسِّد «الفضاء الإلكتروني» جغرافية جديدة للميول الجنسية؟

يُساعد خفاء الهُويات في الفضاء الإلكتروني المثليين والمثليات على إيجاد فضاءٍ يمكنهم فيه التواصل وتشكيل مجتمع، دون أن يخشوا التمييز أو «الانكشاف». يتيح الإنترنت رواج التفضيلات الشخصية دون كشف العنوان المادي للمعلن أو هُويته. ولهذا فهو فضاء للجوء أيضًا. تُحدِّد نينا ويكفورد (٢٠٠٢) بضعة أنواع من فضاءات الشواذ الإلكترونيين: جماعات الأخبار، وغرف الدردشة، ومواقع الويب.

تجد الميول الجنسية المهمَّشة فضاءات للإفصاح والتعبير. فمع الوصول إلى الإنترنت والكمبيوترات، يُمكن للمثليات والمثليين التطلُّع إلى مواقع يمكنهم فيها الإفصاح عن مُشكلاتهم، ونشر أعمالهم (الفن أو الشعر)، والتصدِّي للاهتمامات السياسية. ومن المهم أن نلحظ أنه كثيرًا ما تكون حركات المثليات والمثليِّين مُدمَجة في حركات أكبر في الحياة الواقعية وفي السياق الاجتماعي للمجتمعات. ومن ثَمَّ، فنشاط الشواذ في الفضاء الإلكتروني يُكمِّل النشاط الاجتماعي في الفضاءات الواقعية (انظر إليزابيث فريدمان ٢٠٠٧).

ويمكن أن تكون هذه المواقع بمنزلة «فضاءات مقاومة» للفضاء الإلكتروني الغيري الجنس؛ حيث يُمكن لجيوب الفن الشذوذي أن تُغيِّر من طبيعة تمثيلات الفضاء الإلكتروني. وهي «فضاءات لتشكيل الهُوية» في سياق أنكرت فيه الفضاءات «الواقعية» لذوي الميل الجنسي الغيري، والأبويِّين، والرأسماليِّين التكنولوجيين على الشواذ هُوياتهم — يمكن أن يبدأ الشواذ استعراض الهُوية (على الأقل) في الفضاء الإلكتروني.

ليست مجتمعات الشواذ المشكَّلة في الفضاء الإلكتروني مجرَّد مواقع للإفصاح والتعبير، بل يُمكنها أن تُصبح مصادر للدعم من خلال جماعات المساعدة والنصح، التي يتحرَّك فيها الأفراد بلا خوف من الوصم. ويمكنها أن تكون بمنزلة فضاءات مهمَّة لأمور الصحة والمشورة (وهو موضوع دُرِس دراسة مكثَّفة في سياقات محدَّدة؛ انظر بولدينج وآخرين، ٢٠٠٤؛ بون وآخرين ٢٠٠٥).

يبدو أن الاستخدام الكثيف للاستعارات المكانية في مواقع الشواذ يُوحي بمعمار مكاني شاذ في العالم الافتراضي (وودلاند ٢٠٠٢). علاوة على ذلك، فهي فضاءات آمنة لالتقاء جمهور الشواذ بلا خوف.

إذا كانت الهُوية استعراضية (بتلر ١٩٩٠، ١٩٩٣) وتتطلَّب تكرار الأدوار ولعب الأدوار، فالفضاء الإلكتروني يَسمح، في حدود القيود الفنية المفروضة من أنظمة الكمبيوتر/البرامج، باستعراض هُوية الشواذ. يبدو أن الهُوية الإلكترونية، بفَصلها من الجسد وتسييلها في الطبيعة، تلائم الهُويات الشاذة — دائمة الهامشية، والتحوُّل، والافتقار إلى الاستقرار في العالم ذي الميل الجنسي الغيري — تمامًا (تمامًا أكثر من اللازم على حدِّ تعبير ويكفورد ٢٠٠٢: ٤١٢). في حالات كثيرة، تُمثِّل الإعلانات الشخصية التي ينشرها المثليون والمثليات مثل هذه الأدوار. أظهرت الدراسات أن الإعلانات الشخصية هي في أغلب الأحوال روايات خيالية؛ ليست فقط تعبيرات عن الهُوية الذاتية، ولكنها أيضًا «استكشافات لخيارات الحياة التي يريد المعلنون أن يتخذوها ليكونوا ما هم مهيئون ليكونوه» (إس بيرك ٢٠٠٠: ٥٩٥). في عالم غيريِّ الميل الجنسي، يتنكَّر فيه رجل في صورة امرأة على الإنترنت، كانت الغاية النهائية لمعظم هذه الإعلانات هي اللقاء وجهًا لوجه، للتقليل من مثل هذا الخداع بشأن النوع وطبيعة الميل الجنسي.

يمكننا توسيع فكرة «التشذيذ» لتشمل تلك الفئات من الجنس والنوع التي تقع خارج نموذج الذكر/الأنثى؛ أي الأفراد مزدوجي الجنس. بتحوير حجة جوديث بتلر (١٩٩٣) القائلة إن الأجساد لا تكون لها أهمية إلا داخل أدوار مقبولة اجتماعيًّا، يُمكن الزعم بأن الأفراد مزدوجي الجنس يحتاجون إلى الخضوع لتدخل طبي وتعديل، حتى يناسبوا أحد النوعين الاجتماعيَّيْن المعترف بهما، لا يُمكنهم البقاء خارج هذا النموذج. تدافع حركة مُزدوَجي الجنس (وفي صدارتها جمعية مزدوجي الجنس في أمريكا الشمالية) عن الاعتراف بمُزدوجي الجنس باعتبارهم «جنسًا ثالثًا»، خارج ثنائية الذكر/الأنثى ومُتجاوزًا لها، ونوعًا اجتماعيًّا قائمًا بذاته (انظر تيرنر ١٩٩٩). وتكتسب الحركة قوة دفع وشعبية من خلال التماساتها وآليات مُناصَرتها على الإنترنت، مُحوِّلة بذلك البِنى الخطابية للفضاء الإلكتروني إلى شيء تَمثيلي بقدْر أكبر (انظر www.isna.org). وكما هي الحال مع هُويات الشواذ، عملُ المزدوَجي الجنس على الإنترنت هو بناء فضاء للهُويات التي هُمِّشت اجتماعيًّا.

ومع ذلك، وكما تُوضِّح سو إلين-كيس (١٩٩٥: ٣٤٠)، فحتى النَّفاذ إلى مثل هذه المواقع التحريرية للمِثليات (موضوع مقالها) أو الشواذ يَستلزم موقعًا مكانيًّا للمرأة (أو الشواذ) داخل مؤسَّسات يُمكنها أن تُوفِّر الكمبيوترات والوصلات، وقدْرًا من التعليم. وهذا البُعد المادي لتشذيذ الفضاء الإلكتروني هو شيء لا يَسعُنا تجاهله حينما ننظر إلى الإنترنت بوصفه فضاءً للتمثيل والإفصاح، تَمكينيًّا للمُهمَّشين.

هوامش

(١) في دراسة مبهرة، أوضح ستراسر (١٩٨٢) كيف أن الغسالة حوَّلت الغسل من نشاط ذي أساس مجتمعي بقدْر كبير إلى نشاط فردي. فإقدام النساء على غسل الملابس في العراء في حدائقهنَّ الخلفية، وتبادُل الأخبار عبْر أحبال الغسيل، كان يعني أنه حتى العمل اليدوي الشاق كان يُساعد على نوع من الإيلاف الاجتماعي. أما الغسَّالة فأخذت العمل إلى فضاء المنزل، ومحَت بذلك إمكانية المجتمع الأنثوي.
(٢) بينما لا يعني «النوع» «الأنثى» فقط، ينصبُّ جل الاهتمام في هذا الفصل على النوع الأنثوي.
(٣) مع ذلك، فحتى حينما تكون النساء واعياتٍ بأن الدور المجرَّب في الفضاء الإلكتروني قد لا يكون «واقعيًّا» (مثل كل مُستخدمي تكنولوجيات المعلومات والاتصالات)، فهن يتصرفن «وكأنهن» يقابلن «أشخاصًا واقعيين».
(٤) لدراسة عن الجوانب المُتعلِّقة بالنوع في الاقتصاد الجديد في البلدان الأوروبية، انظر دورية «جندر، وورك أند أورجانايزيشن» المجلد ١٤، العدد ٤ (٢٠٠٧).
(٥) ولهذا يسعى العمل الحديث عن المنظمات غير الحكومية والتنمية الذي أعده جاجالا وماميديبودي في حيدر آباد في الهند إلى تسخير التجارة الإلكترونية لصالح ناسجات الأنوال اليدوية، وهو ما يُمكِّن الناسجة دون خسارة استقلاليتها. يدلُّ مثل هذا العمل على بناء الفضاءات الإلكترونية — التشكيلات الرقمية — المُتنبِّه للبِنى الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المحلية أثناء تطويع (توطين) الشبكات عابرة القومية وتكنولوجيات المعلومات والاتصال. انظر جاجالا وماميديبودي (١٩٩٩، ٢٠٠٢).
(٦) ويؤدِّي هذا بالطبع إلى أسئلة أخرى: هل يُشكِّل الجنس الإلكتروني جنسًا «واقعيًّا»؟ (انظر الحادثة المُشار إليها في بداية هذا الكتاب.) ويتبع ذلك، السؤال: هل يُشكِّل فعلٌ من أفعال الجنس الإلكتروني خيانةً؟ هل يستوي التعبير عن أُمنية خيالية بالكتابة على الكمبيوتر (ومن ذلك الدردشة) والجماع؟ تستلزم هذه الشاكلة من الأسئلة مزيدًا من التفكُّر المفصَّل فيما يُشكِّل فعلًا جنسيًّا. ترى النساء، وخصوصًا أولئك المتزوجات، وفقًا لبعض الدراسات، المُمارسات والعلاقات الجنسية على الإنترنت أكثر خطرًا مما يراها الرجال. انظر ماكينا وزملاءها (٢٠٠١) وباركر ووامبلر (٢٠٠٣).
(٧) ومع ذلك يُخاطِر هؤلاء الأفراد بأن يُصبحوا مُستخدمين قهريِّين للجنس الإلكتروني، وعيش حيوات مفكَّكة، ولعب أدوار، أو حتى التسبُّب في الألم للآخرين (في الفضاء الإلكتروني)، كما يُوضِّح المؤلِّفان (شفارتس وسذرن ٢٠٠٠: ١٣٠-١٣١).
(٨) بالمصادفة، كانت هذه الحركة مطبَّقة فقط في مواقع «ياهو!» في الولايات المتَّحدة فقط، وهو ما يُعَد رؤية مثيرة للاهتمام في نوعٍ آخر من الانقسام الرقمي.
(٩) انظر كاتريين جيكوبس (٢٠٠٤) لقراءة لهذه الشاكلة من فضاءات الويب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤