رجاء من الوالدة

عندما هبط «تختخ» من الدور الثاني حيث ينام إلى الدور الأول لتناول إفطاره، وجد والدته تتحدَّث في التليفون … ولم يكن حديثًا عاديًّا؛ فقد كانت والدته تصيح … وتقف وتجلس … وتُردِّد كلمات … غير معقول! … غير معقول! … هل قبضوا عليه؟ … ولكن … ماذا؟! هل أنتِ متأكدة؟ … إنني سأحضر.

وقف «تختخ» يستمع لحظات … ثم أدرك أنه لا يجب أن يتسمَّع لحديث خاص … فاتجه إلى غرفة الطعام، حيث كان والده يجلس وقد بدأ إفطاره.

قال «تختخ» لوالده: صباح الخير … آسف لتأخُّري في النزول … فقد سهرت أمس أقرأ … وتأخَّرت عن موعد نومي!

الأب: صباح النور … وماذا كنتَ تقرأ؟

تختخ: إنها قصة حياة مدام «كوري» مكتشفة «الراديوم».

الأب: وهل عرفتَ ما هو «الراديوم»؟

تختخ: طبعًا … إنه عنصر أبيض لامع، ذو نشاط إشعاعي، استخلصته مدام «كوري» عام ١٩١٠ بعد مجهودات طويلة؛ وقد نالت من أجل هذا الاكتشاف جائزة «نوبل».

الأب: إن قصتها قصة ممتازة … تدل على قيمة الإخلاص والصبر في العمل … والأمل والثقة بالنفس.

وقبل أن يتحدَّث «تختخ» دخلت والدته وقد بدا عليها الاضطراب وهي تُردِّد: شيء فظيع … غير معقول!

توقَّف «تختخ» ووالده عن الطعام، ونظرا إليها في دهشة، وقال الأب: هل تُحدِّثين نفسك؟! ماذا حدث؟ وما هو الشيء الفظيع غير المعقول؟

الأم: صديقتي المسكينة السيدة «كريمان» سرقوا منزلها أمس!

الأب: وماذا حدث لها؟ … هل وقع لها سوء؟

الأم: لحسن الحظ لا؛ فقد استطاعت الجري من اللص والاختباء في إحدى الغرف، وأغلقت على نفسها الباب، وتركت اللص يسرق ما يشاء.

الأب: وهل أبلغت الشرطة؟

الأم: بعد انصراف اللص مباشرةً اتصلت بالشاويش «علي» تليفونيًّا وأبلغته السرقة!

كان «تختخ» يستمع في اهتمام، ثم قال: وماذا سُرق منها؟

قالت الأم في أسًى: لقد سُرقت جميع مجوهراتها … ومبلغ ثلاثة آلاف جنيه كانت قد سحبتها من البنك في صباح أمس، وأحضرتها معها إلى المنزل!

تختخ: ولماذا تحتفظ بمجوهراتها وهذا المبلغ الكبير معها في البيت؟

الأم: كانت ستُسافر اليوم إلى الإسكندرية لحضور خطوبة ابنها الطبيب هناك، فرأت أن تتحلَّى بمجوهراتها … وتأخذ معها النقود لشراء الشبكة ودفع المهر … فليس لها ولد سواه … وهي تخصه بكل حنانها، خاصةً بعد وفاة زوجها في العام الماضي، لكن ليس هذا كل ما يُضايق في هذا الموضوع.

الأب: هل هناك شيء آخر؟

الأم: نعم … المصيبة أن الذي سرقها رجل تعرفه، وكانت تعطف عليه.

الأب: إذن سوف يسترد الشاويش «علي» المجوهرات والنقود!

الأم: أبدًا … إن الرجل أنكر السرقة … وقد أكَّد الشهود أنه كان موجودًا في مكان آخر ساعة السرقة … ومن بين الشهود الشاويش «علي» نفسه! إنني لن أستطيع تناول شيء، فأفطرا أنتما، وسوف أكتفي بشرب الشاي، وسأُسرع إلى «كريمان» المسكينة فهي أعز صديقاتي!

تختخ: لقد انتهيتُ من إفطاري … هل أستطيع أن آتي معك؟

الأم: إنك لم تنتهِ من إفطارك بعد … وعلى كل حال ماذا تستطيع أن تفعل؟! هل تظنه لغزًا من الألغاز التي تحلها أنت وأصدقاؤك! لن تستطيعوا حل لغز حقيقي من هذا النوع!

تضايق «تختخ» ولكنه قال مبتسمًا: وهل كانت الألغاز التي حللناها من قبل مجرَّد هزار؟! … لقد كانت ألغازًا حقيقيةً وأصعب بكثير من هذا اللغز!

الأم: على كل حال … سأصعد إلى فوق لأستكمل ارتداء ملابسي، وآخذ حقيبتي، فافرغ من إفطارك أولًا، ولا مانع من أن تأتي معي.

صعدت الأم إلى فوق وهي تجري في اضطراب، وقال الأب: هذا لغز جاء حتى الباب، وسنرى إذا كنت حقًّا أنت وأصدقاؤك تحلون الألغاز … أم أنكم تضحكون علينا!

تختخ: حتى أنت يا أبي لا تثق بنا! … على كل حال إن لم يستطع الشاويش «علي» إعادة النقود والمجوهرات والقبض على اللص … فسوف يتدخَّل المغامرون الخمسة ويقومون بالواجب.

الأب: سوف نرى!

عادت الأم، وكان «تختخ» قد انتهى من إفطاره، فأسرعا إلى «الجراج» حيث أخرجت الأم السيارة، وركب «تختخ» بجوارها، وانطلقا معًا إلى منزل السيدة «كريمان» و«تختخ» يُفكِّر في اللغز … وفي الطريق سأل والدته: هل تعرفين الرجل الذي تقول السيدة «كريمان» إنه سرقها؟

الأم: طبعًا أعرفه … لقد قابلتُه كثيرًا عندها فهو موسيقار، وأنت تعرف هواية السيدة «كريمان» للموسيقى … لقد كان يحضر إلى منزلها ليتمرَّنا معًا على بعض المقطوعات الموسيقية … أو الاستماع معًا إلى الأسطوانات والأشرطة، وكانت لا تبخل عليه بشيء؛ فهو رجل فقير ويعمل موظَّفًا بمرتَّب بسيط في إحدى الشركات، ويشترك أحيانًا في العزف مع بعض الفِرق.

تختخ: إنني أعرفه وإن كنتُ لم ألتقِ به … ولكن كيف سرقها؟

الأم: لقد قالت لي كلامًا كثيرًا … ولكنها مضطربة … فلم أفهم كل ما قالته … وعلى كل حال سوف تسمع منها كل شيء الآن!

أخلد «تختخ» للصمت … والسيارة تقطع بهما شوارع «المعادي» إلى منزل السيدة «كريمان» الذي يقع على شاطئ النيل حتى وصلا إلى المنزل.

استقبلتهما السيدة «كريمان» بدموع في عينَيها … كان واضحًا أنها حزينة وأنها لم تنَم … فقد كانت عيناها حمراوَين … ووجهها شاحبًا … وبعد أن تبادلت هي ووالدة «تختخ» تحيةً حارة، قالت الأم: لماذا لم تبلغيني أمس ليلًا؟! وكيف قضيت الليل وحدك بعد هذا الحادث الفظيع؟

قالت «كريمان»: لقد حدَّثت أختي تليفونيًّا في القاهرة، وحضرتْ وقضت الليل معي … إنني مضطربة جدًّا … خاصةً وقد اتهمت الرجل الموسيقي، ولكن الشاويش «علي» أكَّد لي أن هذا مستحيل! كانت فرصةً ﻟ «تختخ» كي يتدخَّل في الحديث، ويعرف ما حدث، فقال: ولكن كيف وقع الحادث بالضبط؟

قالت السيدة «كريمان»: لقد مات زوجي في العام الماضي وأنا أعيش وحيدةً في هذه «الفيلا» ومعي بعض الخَدم … وأقتني بعض الكلاب لأنني أُحبها جدًّا … وقد كنتُ دائمًا أخشى السرقة؛ لهذا قمت بتحصين «الفيلا» بالترابيس والقضبان على النوافذ في الطابق الأسفل؛ حتى لا يتمكَّن أحد من اقتحامها … وفي الوقت نفسه لم أكن أحتفظ في مسكني بمبالغ كبيرة، ولا بمجوهرات؛ فقد كنت أضعها دائمًا في البنك.

وسكتت السيدة «كريمان» قليلًا، ودخلت أختها، وبعد أن سلَّمت عليهما مضت «كريمان» تقول: ومنذ أسبوع بدأتُ أستعد للسفر إلى الإسكندرية لحضور حفل خطوبة ولدي الدكتور «سراج» … فأعددت بعض الهدايا، وفي صباح أمس ذهبت إلى البنك، حيث أحضرت بعض مجوهراتي وسحبت ثلاثة آلاف جنيه من حسابي؛ لأدفع لولدي المهر، وأشتري الشبكة، وأدفع مقدَّم إيجار شقة اختارها لسكنه على الكورنيش.

تختخ: ومن الذي كان يعلم أنكِ سحبتِ النقود وأحضرتِ المجوهرات؟

كريمان: لا أذكر بالضبط أمام من تحدَّثت عن هذا الموضوع … ولكن من المؤكَّد أن الشغَّالين الذين يعملون عندي يعلمون!

تختخ: ومن هم الذين يعملون عندك؟

كريمان: البواب عم «عبده»، وهو يقوم في الوقت نفسه بالعناية بالحديقة. والست «علية» الطباخة. و«حسنية»، وهي تخدمني شخصيًّا وتبيت معي … وهؤلاء جميعًا يعلمون!

تختخ: ومن أيضًا؟

كريمان: لا أذكر … ولعلني تحدَّثت أمام أصدقاء آخرين … فقد كنتُ أستشير صديقاتي وأصدقائي في المبلغ الذي آخذه معي … وثمن الشبكة، وغيرها من المسائل التي تتعلَّق بالخطوبة والزواج.

تختخ: وأين كان الثلاثة … «علية» و«حسنية» و«عبده» ليلة الحادث؟

كريمان: إن «علية» بعد أن تقوم بتقديم العشاء، تعود إلى منزلها لتقضي الليل هناك؛ فهي سيدة متزوِّجة … أمَّا «حسنية» فقد استأذنت مني لقضاء الليلة عند أسرتها؛ لأنها كانت ستُسافر معي إلى الإسكندرية حيث تقضي عشرة أيام … أمَّا «عبده» فلا أدري أين كان؛ فقد نسيتُ أن أسأله، ولعل الشاويش «علي» قد سأله … وهو على كل حال موجود الآن هو و«حسنية» و«علية» وتستطيع سؤالهم!

تختخ: وكيف وقع الحادث؟

تجمَّعت الدموع مرةً أخرى في عينَي السيدة «كريمان»، ولكنها تمالكت نفسها ومضت تقول: كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة ليلًا، وكنتُ في فراشي أستعد للنوم عندما سمعت جرس الباب الخارجي يدق، ودُهشت … ولكني تصوَّرت أن «عبده» البوَّاب، أو ربما «حسنية» قد عادت … لم يخطر ببالي شيء سيئ … ونزلت إلى الدور الأرضي وأخذت أفتح الباب وأنا أسأل عن الطارق … سمعت صوتًا مألوفًا يقول: أنا … وفتحت فتحةً صغيرةً لأرى من الطارق … ولكني فوجئت بالباب يُدفع بشدة، ووجدت أمامي شبح رجل يضع على وجهه قناعًا ويمد يده بمسدَّس … ولم أستطِع أن أقول كلمةً واحدة … وكل ما استطعت أن أعمله أن أسرعت بالجري إلى إحدى غُرَف الدور الأرضي ودخلتها، ثم أغلقت بابها من الداخل، وألقيت نفسي على أقرب كرسي، وأحسست بأن الدنيا تدور بي … ثم بدأ الإغماء يتسلَّل إليَّ … وسمعت صوت أُكرة الباب وهو يُحاول أن يفتحه، ولكني كنت قد أغلقت الباب بالمفتاح … وسمعت صوت أقدامه وهو يصعد السلَّم الداخلي مسرعًا … ثم ذهبت في إغماءة طويلة … وعندما أفقت ونظرت في ساعتي كان قد مضى من الوقت حوالي نصف ساعة! … ظننت أني كنت أحلم حلمًا ثقيلًا … ولكني عندما وجدت نفسي في الغرفة الصغيرة … وتذكَّرت كل ما حدث؛ أدركت أنه لم يكن حلمًا … فتحاملت على نفسي وصعدت إلى غرفة نومي، حيث كانت المفاجأة القاسية في انتظاري … لقد اختفت المجوهرات والنقود!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤