أفكار كثيرة

قفزت «لوزة» صائحة: لغز … لغز!

تختخ: نعم … ولكن صبرًا … فقد لا يكون لغزًا … قد يكون مجرَّد سرقة عادية يستطيع رجال الشرطة كشف غموضها.

لوزة: اروِ لنا الحكاية!

تختخ: أُفضِّل أن نتصل ﺑ «محب» … و«نوسة»؛ حتى نتحدَّث معًا ونُفكِّر معًا.

وأسرع «عاطف» يتصل ﺑ «محب» و«نوسة» تليفونيًّا، فأسرعا بالحضور بعد أن سمعا أن لغزًا في الطريق.

جلس المغامرون الخمسة في شكل حلقة، ومدَّ «تختخ» يده بالورقة قائلًا: أرجو أن يفحص كلٌّ منكم هذه الورقة، ويقول لنا استنتاجاته وأفكاره عنها!

كانت «لوزة» أول من أمسك بالورقة، فأخذت تُقلِّبها بين يدَيها، ثم قالت: إنها ورقة مستعملة. وأمسك «عاطف» بالورقة، ثم قال: إنها صناعة أجنبية؛ فهذا الحجم من ورق اللعب لا يُصنع في مصر.

وجاء الدور على «محب» فأمسك بالورقة يفحصها جيدًا، ثم قال: لقد كانت في جيب شخص لفترة ما؛ فهي مُكسَّرة من أكثر من موضع، وورق اللعب قد تتآكل أطرافه ولكن لا ينثني من مجرَّد الاستعمال!

وتناولت «نوسة» الورقة، وأخذت تُقلِّب فيها فترة، ثم رفعتها إلى أنفها وأخذت تتشمَّمها، ثم قالت: لقد وُضعت لفترة ما في مطبخ مثلًا؛ ففيها أثر رائحة بهارات!

واستردَّ «تختخ» الورقة وأخذ يفحصها، ثم قال: لقد قلتم كل ما يمكن معرفته عنها.

لوزة: المهم ما هو صلتها باللغز؟ وأين وجدتها؟

تختخ: القصة باختصار أن السيدة «كريمان» — وكلكم يعرفها — وهي في الوقت نفسه صديقة لوالدتي، كانت ضحيةً لسرقةٍ ضخمة؛ فقد سرق أحد اللصوص منها مجوهرات غالية، ومبلغ ثلاثة ألاف جنية، وقد حدث ذلك أمس قبل منتصف الليل بساعة تقريبًا!

نوسة: وهل سرقها وهي نائمة؟

تختخ: لا، لقد فتحت له هي الباب؛ فقد كانت تظنه أحد معارفها، وعندما دخل وتبيَّنت حقيقته؛ أسرعت بالاختباء في إحدى الغرف وأغلقت على نفسها الباب، وتركته يسرق ما يشاء.

عاطف: ولماذا لم تستغِث؟

تختخ: لقد ألجمتها المفاجأة، ثم أُغمي عليها فترة كانت كافيةً ليسرق اللص ما جاء من أجله ويهرب!

محب: ألم يسرق شيئًا آخر؟

تختخ: لا.

نوسة: هذا يعني أنه جاء من أجل المجوهرات والنقود فقط؟

تختخ: هذا صحيح.

لوزة: وهل كانت المجوهرات والنقود في المنزل منذ فترة طويلة؟

تختخ: لا، لقد أحضرتها من البنك في نفس اليوم.

عاطف: معنى هذا أن اللص كان يعلم بأنها ستُحضرها هذا اليوم، ودبَّر خطةً لسرقتها في الليل.

تختح: بالضبط.

محب: إن هذا يحصر الاتهام في عدد محدود من الأفراد!

تختخ: كلام منطقي جدًّا!

محب: من هم؟

تختخ: الذين تتذكَّر السيدة «كريمان» أنهم علموا بإحضارها للنقود والمجوهرات خمسة أشخاص؛ شقيقتها، وموسيقي صديقها يُدعى «منير»، والشغَّالة «حسنية»، والطبَّاخة «علية»، والبوَّاب «عبده».

لوزة: يمكن استبعاد شقيقتها طبعًا!

تختخ: واستبعاد «منير» أيضًا فقد شوهد يجلس في شُرفة منزله ساعة وقوع الحادث بالضبط، ومن بين من شاهدوه الشاويش «فرقع»!

عاطف: هذا يحصر الشبهة في ثلاثة أشخاص فقط، هم «عبده» البوَّاب، و«حسنية» و«علية».

تختخ: بالتأكيد، والشبهات تُحيط أكثر ﺑ «عبده» البوَّاب؛ لأنه لم يكن موجودًا في مكانه ساعة وقوع الحادث، كما أنه لم يستطِع أن يُثبت أين كان في هذه الفترة.

عاطف: المسألة إذن محلولة، وليس فيها لغز ولا غيره.

تختخ: تقريبًا … ولكن هناك شيئًا هامًّا.

وتساءل الأصدقاء جميعًا: ما هو؟

وردَّ «تختخ»: هناك أدلة أخرى وُجدت في مكان السرقة؛ فقد وجد رجال البحث الجنائي عدة أشياء بجوار «الكومودينو» الذي كانت عليه المجوهرات والنقود، وما وجدوه هو زرار كبير من أزرار المعاطف، و«بايب» — ممَّا يستعمل في التدخين — من الخشب، وقطعة عملة أفريقية نُحاسية من دولة «نيجيريا».

محب: إن هذا يجعلنا نُعيد النظر في حقيقة اللص.

عاطف: وهل شاهدت هذه الأدلة يا «تختخ»؟

تختخ: نعم، إن الزرار لونه أسود، وقطعة النقود قديمة، ومن الواضح أنها لم تُستعمل منذ فترة طويلة. أمَّا «البايب» فهو قديم أيضًا، ولم يُستعمل من فترة طويلة!

لوزة: إنها مجموعة عجيبة من الأدلة لا يربط بينها رباط واحد، فما هي العلاقة بين زرار و«بايب» وقطعة نقود وورقة كوتشينة؟ …

نوسة: فعلًا شيء مُحيِّر!

تختخ: إن مهمتنا على كل حال أن نجد هذه الصلة، ثم نجد الصلة بين كل هذه الأشياء واللص!

محب: إنه لص غير عادي؛ فليس من المعقول أن تكون هذه الأشياء قد وقعت منه بمحض الصدفة!

تختخ: هل تقصد أنه وضعها عامدًا؟

محب: لا شيء آخر … فإنني لا أتصوَّر لصًّا يدخل منزلًا للسرقة، ومعه «بايب» لا يُستعمل، وقطعة نقود أجنبية، وورقة كوتشينة. الشيء الوحيد المعقول هو الزرار؛ فمن الممكن أن يكون قد قُطع من المعطف الذي كان يلبسه، وما دمنا في الصيف، وليس من المعقول أن يرتدي اللص معطفًا في هذا الحر؛ فإن الزرار أيضًا شيء آخر غامض كبقية الأشياء!

تختخ: علينا في هذه الحالة أن نُتابع المتهمين الثلاثة، ونرى من منهم يُفكِّر في جمع هذه الأشياء ووضعها في مكان السرقة لتضليل رجال الشرطة.

عاطف: إلا إذا كان لهذه الأشياء دلالات مُعيَّنة لا نُدركها.

لوزة: على كل حال علينا أن نبدأ حالًا!

نوسة: من أين نبدأ؟

لوزة: كالمعتاد، نُقسِّم أنفسنا لبحث كل مشتبه فيه، وعندنا ثلاثة، وسأقوم ببحث كل شيء يتعلق «بحسنية» وأسرتها؛ فمن الممكن مثلًا أن تكون قد تحدَّثت مع أحد ممن تعرف عن المجوهرات والنقود، وقام هذا الشخص بالسرقة.

تختخ: كلام معقول جدًّا، وعلى «نوسة» أن تُتابع «علية»، و«محب» و«عاطف» يُتابعان «عبده».

لوزة: وأنت يا «تختخ» هل ستبقى بلا عمل؟

تختخ: سأقوم لكم بشيء يُدهشكم، وإن كان من المبادئ التي نعمل بها ويعمل رجال الشرطة في كل مكان … أن لا أحد فوق الشبهات!

نوسة: هل تقصد شقيقة السيدة «كريمان»؟

تختخ: نعم، السيدة «دولت». ولا أقصد أنها سرقت المجوهرات والنقود، ولكن أقصد أن تكون قد تحدَّثت عنها مع شخص ما، وقام هذا الشخص بالسرقة.

محب: والموسيقار «منير»؟

تختخ: برغم أنه بعيد عن الشبهات تمامًا؛ لأنه كان موجودًا في مكان آخر ساعة وقوع السرقة، إلا أن هذا لن يمنع من بحث حالته هو الآخر؛ فقد يكون قد اتفق مع شخص ما، أو أخبر شخصًا بوجود النقود والمجوهرات، وقام هذا الآخر بالسرقة.

عاطف: لنبدأ من الآن.

تختخ: أُفضِّل أن تنتظر للمساء؛ فسوف أقوم بزيارة الشاويش «فرقع» هذا المساء لأعرف منه ما وصل إليه التحقيق مع «عبده»؛ فقد يكون البوَّاب قد اعترف، وبهذا لا يُصبح عندنا لغز للحل، وتنتهي مهمَّتنا.

لوزة: أرجو ألا يحدث هذا؛ فقد انقضى جزء كبير من الإجازة الصيفية دون أن نعمل شيئًا إلا اللعب والجري.

وافترق الأصدقاء قرب ساعة الغداء، على أن يلتقوا في صباح اليوم التالي ليخبرهم «تختخ» بما تم في لقائه مع الشاويش «فرقع».

في هذا المساء … ذهب «تختخ» إلى الشاويش وكان يحمل معه ورقة الكوتشينة الحمراء ليقدمها له كدليل وجده في مكان الحادث … ولكن الشاويش لم يكد يسمع حكاية ورقة الكوتشينة حتى صاح: ورقة كوتشينة! هل أتيت للهزار معي؟! هل تظن أن اللص ذهب إلى المنزل ليسرق أم ليلعب الشايب أو «البصرة» أو غيرهما من الألعاب؟! … إنكم أطفال تعبثون!

تختخ: لكن يا حضرة الشاويش … لقد وجدت هذه الورقة فعلًا تحت الفراش في غرفة السيدة «كريمان»، وقد تكون مهمَّةً لكم في الكشف عن الحادث!

صاح الشاويش: اسمع … أنصحك أن تبحث عن بقية هذه الكوتشينة … ابحث عن الواحد وخمسين ورقةً الباقية، فيُصبح عندك كوتشينة كاملة!

وأعجبت الشاويش نكتته فأخذ يضحك وهو يضرب المكتب بيده، فلم يجد «تختخ» بُدًّا من القيام للانصراف، ولكنه قبل أن ينصرف سأل الشاويش: أرجو إذن أن تُخبرني عمَّا تمَّ في التحقيق مع «عبده» البوَّاب.

الشاويش: سأقول لك لتكفَّ عني، وتُفرقع من هنا. إن «عبده» مُصِر على الإنكار … ويُقسم أنه بريء ولم يفعل شيئًا، ولكني أؤكد لك أنه سيعترف في النهاية؛ فهكذا اللصوص دائمًا، لا بد أن يُنكروا ثم يعترفون بعد أن تتوافر الأدلة!

تختخ: والبصمات، هل وجدوا بصمات في مكان الحادث؟

الشاويش: نعم، بصمات كثيرة، ولكني لن أقول لك بصمات من؛ فليس هذا من شأنك … هيا فرقع من هنا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤