الفصل الثاني

حل رموز اللغة المصرية القديمة

figure
نص هيروغليفي ويقرأ من اليمين إلى اليسار.

بقيت اللغة المصرية القديمة سرًّا من الأسرار نحو ١٤٠٠ عام إلى أن جاء «شمبليون» سنة ١٨٢٢، وكشف عن أسرارها بحل رموز الهيروغليفية، على أن لغة القوم نفسها لم تمح من البلاد خلال تلك المدة، بل بقيت في شكل آخر هو اللغة القبطية، وذلك أن الهيروغليفية منذ فتح الإسكندر الأكبر لمصر أخذت تُكتب علاوة على كتابتها بالإشارات المصرية بحروف إغريقية بعد إضافة سبعة حروف ديموطيقية، لم يكن لها مثيل في اللغة اليونانية، ومنذ ذلك العهد صار يطلق على اللغة المصرية القديمة اللغة القبطية، أي المصرية، وقد كانت الكتابات المتداولة في البلاد على ثلاثة أشكال مختلفة إلى أواخر عهد الرومان في مصر، وهي الكتابة الهيروغليفية؛ أي الكتابة التقليدية للبلاد، ثم الكتابة الإغريقية، ثم الكتابة القبطية، وقد اختفت الكتابة الهيروغليفية في أواخر القرن الرابع الميلاد باختفاء الوثنية من البلاد، ولم تعد كتابة القوم، أما اللغة الإغريقية فقضي على تداولها بعد الفتح العربي مباشرة، بينما بقيت الكتابة القبطية لغة القوم في بعض أماكن في الوجه القبلي في الصلوات والعبادات والمدارس إلى أواخر القرن السابع عشر، ثم انحصرت بعد ذلك في الصلوات الدينية المحضة إلى يومنا هذا ولا يجيد معرفتها إلا نفر قليل.

ومن ذلك نرى أن اللغة القبطية، وهي لهجة من اللغة المصرية، قد حفظت لنا مكتوبة بحروف يونانية، وتوجد لها أجرومية وقاموس باللغة العربية وباللغة اليونانية، وفي أواسط القرن السابع عشر فهم الأب اليسوعي «كرشر» أن اللغة القبطية تحفظ في ثناياها اللغة المصرية القديمة مكتوبة بحروف يونانية، وقد أخذ يقوم ببحوث علمية في هذه اللغة، غير أنه لما أراد أن يرجع باللغة القبطية إلى اللغة المصرية لم يفلح قط، وقد تساءل عن اللغة المصرية هل هي حروف، أو أصوات، أو معان؟ وكيف يمكن قراءتها؟

figure
نص مكتوب بالقبطية.

على أنه لم يصلنا من الأقدمين عن اللغة المصرية إلا تعاريف نادرة غامضة، والاسم نفسه «الهيروغليفية» ينبئ عن الغموض؛ إذ معناه «الكتابة المقدسة» كما قال «هيرودوت» و«ديودور».

figure
نص الكتابة الديموطيقية.

وقد ذكر «كليمنت» الإسكندري الذي عاش في أواخر القرن الثاني الميلادي، أنه رأي بعض القوم يتكلمون اللغة المصرية ويكتبونها بالهيروغليفية، وقد أخبرنا «هيرودوت» ومن بعده «ديودور» أنه يوجد في مصر نوعان من الكتابة: أحدهما الكتابة المقدسة ولا يعرفها إلا الكهنة، والثاني الديموطيقية؛ أي لغة عامة الناس، ولكن تفسير هذه الكتابات بقي سرًّا غامضًا إلى أن كشف صدفة أحد جنود «نابليون» حجر رشيد عام ١٧٩٩، وذلك أن الحملة الفرنسية التي قادها «نابليون» إلى وادي النيل لم يكن غرضها الوحيد الاحتلال العسكري، بل كان كذلك لبحوث علمية عن المدنية المصرية، ولذلك جاءت معه طائفة من أهل العلم، وقد ساعدهم الحظ بأن كشف صدفة أحد ضباط المدفعية المسمى «بوشار» في أغسطس ١٧٩٩ أثناء الحفر في قلعة رشيد، قطعة من حجر البازلت منقوشة بثلاث كتابات مختلفة، كانت ثالثتها وهي السفلية بالنسبة للحجر مكتوبة باللغة الإغريقية. وعبارة الكتابة مرسوم ملكي أصدره بطليموس الخامس عام ١٩٦ق.م وقد ذكر في النص الإغريقي أنه نفس المتن المكتوب بالكتابتين الأخريين وهما الهيروغليفية «الكتابة المقدسة» والديموطيقية «كتاب الشعب».

figure
حجر رشيد المكتوب بثلاثة نصوص الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية.

ومن ذلك نرى أن حجر رشيد كان مكتوبًا بكتابتين مصريتين، وبِذَا يحتوي على مفتاح السر للكتابة الهيروغليفية؛ إذ إن معاني كل الكلمات المنقوشة على هذا الحجر موجودة في النص الإغريقي، وأول من حاول فك رموز هذا الحجر هو «سلفستر دي ساسي» عام ١٨٠٢، وكان عالمًا باللغة العربية، وقد كانت محاولته منصبة على القسم الديموطيقي ظنًّا منه لتشابه هذا الخط بالكتابة العربية الرقعة وجود علاقة بينهما. غير أن جهوده هو و«أكربلاد» لم تفلح إلا في معرفة خرطوش «بطليموس».

ومنذ عام ١٨١٤ حاول الدكتور «توماس ينج» الإنجليزي أن يحل رموز هذه اللغة من النص الهيروغليفي، وقد كان يعلم من جهود من سبقه أن الأسماء الملكية مثل بطليموس، لا بُدَّ أن تكون موضوعة داخل خراطيش، وعلى ذلك رتب العلامات التي وجدت في الخرطوش كحروف تمثل لفظة بطليموس، وقد توصل فعلًا لمعرفة مجموعة الحروف التي تكوِّن اسم بطليموس، غير أنه لم يتمكن من معرفة الحروف الصوتية بالضبط التي تكوِّن هذا الاسم، ولذلك فإنه لما أراد أن يطبق الحروف الأبجدية التي استخلصها خطأ، لم يمكنه أن يصل إلى أية كلمة قبطية لها نطق مماثل.

figure
جان فرانسوا شمبليون.

وفي الوقت الذي كان يشتغل فيه الدكتور «توماس ينج» بهذا الموضوع، كان هناك شاب في مقتبل العمر اسمه «جان فرنسوا شمبليون» ١٧٩٠–١٨٣٢ يدرس علم التاريخ في جامعة «جرينوبل»، وقد أخذ على عاتقه حل رموز هذه اللغة، وقد كان مغرمًا منذ نعومة أظفاره بالتاريخ المصري، وقد تعلم كل ما تركه لنا السلف من العصور القديمة عن هذه اللغة واللغة القبطية أيضًا، وقد عرف من أعمال «دي ساسي» والدكتور «ينج» أن أسماء الأعلام الإغريقية يجب أن تكتب بحروف أبجدية مصرية، وعلى هذه القاعدة بنى أساس أبحاثه التي أخذت تسير في طريق النجاح منذ عام ١٨٢١.

وأول عمل قام به «شمبليون» في هذا الصدد أنه بحث موضوع اختلاف الكتابات المصرية القديمة، وبرهن أن الكتابة الهيراطيقية هي اختصار للكتابة الهيروغليفية، وعلى ذلك تكون الكتابة المصرية القديمة واحدة، غير أنها تكتب بثلاثة أشكال كاللغة العربية مثلًا، فهي تكتب بالرقعة والنسخ والثلث، وعلى ذلك لا بُدَّ أن يوجد في الكتابة الهيروغليفية كما في الديموطيقية إشارات لها قيمة صوتية وأبجدية.

وقد لاحظ «شمبليون» من جهة أخرى عندما كان يحسب الإشارات الهيروغليفية التي على حجر رشيد أنها أكثر في عددها من كلمات المتن الإغريقي المقابل، وعلى ذلك استخلص أن كل إشارة هيروغليفية لا تمثل فكرة ولا تمثل كلمة، وعلى هذا الأساس ابتدأ «شمبليون» في بحث خراطيش حجر رشيد ثانية، وفي عام ١٨٢٢ وصلت إليه نسخة لخرطوشين جديدين قد نقشا على مسلة صغيرة، وجدت في «الفيلة»، وقد كان مكتوبًا على قاعدة هذه المسلة تقدمة باللغة الإغريقية لبطليموس وكليوبترة، وقد برهن «شمبليون» أن الخرطوش الأول من هذين الخرطوشين هو لبطليموس؛ إذ يشبه تمامًا خرطوش حجر رشيد، والثاني يجب أن يقرأ كليوبترة، وذلك أن هناك خمسة حروف مشتركة في كِلَا الاسمين: ب، ت، ل، و، ي.

اسم كليوبترة بالهيروغليفي.

والواقع أن هناك خمس إشارات متشابهة كل من موضعها المنطقي في كِلَا الاسمين الهيروغليفيين، ومن جهة أخرى فإننا لا نجد حرف «س» في اسم الملكة، على حين أنه يوجد فيه إشارات جديدة هي ق، أ، ر، ولا توجد في الملك بطليموس.

اسم بطليموس بالهيروغليفي.

والخلاصة: حيث أن هناك إشارات متشابهة في هذين الاسمين، وتعبر في كل منهما عن نفس الصوت، فلا بد أن تكون حروفًا صوتية محضة، وقد مكث «شمبليون» بضعة أسابيع يطبق الحروف الأبجدية التي وجدها على كل أسماء البطالسة والقياصرة التي كانت موجودة في كتاب «وصف مصر»، الذي وضعته الحملة الفرنسية، فتوصل إلى قراءة ٧٩ خرطوشًا أخرى جديدة وصل في خلال قراءتها إلى معرفة حروف أبجدية جديدة، وبذلك أمكنه أن يعمل جدولًا بالحروف الأبجدية الصوتية.

وقد أثبت هذه النتيجة الباهرة في خطاب أرسله إلى «داسييه» أمين السر الدائم للمجمع العلمي الفرنسي في ٢٧ سبتمبر سنة ١٨٢٢، وفيه أعلن أنه يمكن قراءة الخراطيش الهيروغليفية.

على أنه إلى هذه اللحظة لم يكن قد تمكن إلا من قراءة أسماء الملوك الإغريق وقياصرة الرومان، والآن كيف يمكنه أن يحل رموز الكتابة في العصر الفرعوني وهي التي تحتوى على نفس العناصر الصوتية؟ على أنه قد أعلن في خطابه بأنه واثق من نجاحه قريبًا في قراءة خراطيش الفراعنة كما قرأ خراطيش البطالسة والقياصرة.

والواقع أن «شمبليون» قد وصلته نسخة من خراطيش مصدرها معبد أقدم من المعابد الإغريقية، وقد تعرف في أحد الخراطيش في نهاية الاسم على الإشارتين المقوستين، وكل منهما يمثل الحرف الأخير من اسم بطليموس الموجود على حجر رشيد فقرأهما س «س»، وفي أول الخرطوش نشاهد القرص المستدير، وهو الذي كان يرمز به للشمس، ويقرأ في المتون الإغريقية والقبطية بلفظة «رع»، أما الإشارة المتوسطة فقد رآها «شمبليون» على حجر رشيد كما هي مكتوبة هنا ومتبوعة بحرف س، وتقابل في الإغريقية «يوم الولادة» للملك، فاستنتج أن هذه الكلمة التي ليست بحرف أبجدي تقابل الكلمة القبطية «مس»؛ أي يلد أو «مس»؛ أي طفل، فرتب «شمبليون» هذه العناصر مع بعضها، فأصبحت «رع-مس-سس» أي رعمسيس، وقد ذكر هذا الاسم «مانيتون» و«تاسيت» على أنه لم يتمكن من قراءة الاسم فحسب، بل فهم معناه وترجمه، فعلى حسب القبطية معناه: «رع» يلده؛ أي ابن «رع».
خرطوش رعمسيس.
وقد تثبت من طريقته في الحال بقراءة الخرطوش الثاني؛ إذ وجد فيه أن الطائر «إبيس» قد حل محل رع في بداية الخرطوش السابق، وفيه الإشارتان التاليتان متفقتان في كِلَا الخرطوشين، ونحن نعلم في الإغريقية أن الطائر «إبيس» كان يرمز به للإله «تحوت» وعلى ذلك يجب أن يقرأ الخرطوش الثاني «تحوت-مس-س»، والواقع أن «مانيتون» قد ذكر لنا اسم الفرعون تحوتمس، وعلى حسب القبطية يفسر تحوت يلده أي: «ابن تحوت».
تحوتمس.
ومن ذلك الوقت فطنت عبقرية «شمبليون» إلى أن الكتابة التي على الآثار الفرعونية قبل العصر الإغريقي الروماني لم تكن حروفًا أبجدية محضة كما في خراطيش بطليموس وكليوبترة، ثم إنها لم تكن إشارات رمزية فحسب، كما كان يعتقد الناس من قبل، بل إنها في الواقع كانت تحتوى على:
  • (١)

    إشارات رمزية أو تصويرية مثل «رع» و«تحوت».

  • (٢)

    وإشارات صوتية قد تكون أحيانًا مركبة من مقطع مثل «مس»، وأحيانًا من حروف أبجدية مثل حروف «س».

والحقيقة أن الخطأ الذي وقع فيه أسلاف «شمبليون» والذي كان هو نفسه يشاركهم فيه إلى يوم وصوله إلى هذه الحقيقة، هو الاعتقاد بأن الكتابة الهيروغليفية أحيانًا تصويرية بأجمعها أو صوتية بأجمعها، ولكن الواقع أن نظام هذه الكتابة هو — كما شاهدنا — نظام مركب؛ إذ إنها كتابة تصويرية ورمزية وصوتية، ونشاهد ذلك في جملة واحدة، بل في كلمة واحدة كما سبق شرحه.

وبعد ذلك تقدم شمبليون في حل الرموز، فضرب فيها بسهم صائب، ووضع لها قاموسًا وأجرومية، ثم جاء إلى مصر، وقام فيها بسياحة علمية، ووضع مؤلفًا جمع فيه كثيرًا من النقوش المصرية سماه «آثار مصر وبلاد النوبة»، ولما عاد إلى بلاده عين أستاذً لكرسي الآثار المصرية، وقد أنشئ له خصيصًا في كلية فرنسا، ولكنه كان قد أنهكه النصب في عشرة الأعوام التي قضاها في البحث المضني مما قضى على صحته، فمات في ٤ مارس سنة ١٨٣٢ تاركًا وراءه للخلف من الباحثين أجروميته وقاموسه في اللغة المصرية القديمة.

وبعد أن وضع «شمبليون» النواة الأساسية لحل رموز اللغة، جاء بعده علماء من مختلف الجنسيات تقدموا كثيرًا في دراسة اللغة وعلم الآثار، ولم يقفوا عند حد دراسة الظاهر منها، بل قاموا بحفائر كشفت عن كثير من النقوش والآثار الجنازية، مما ساعد على فهم عصور التاريخ وحضارة المصريين، ولا تزال هذه الجهود رغم مضى أكثر من قرن عليها تتقدم من يوم إلى آخر، وما زالت هذه الحفائر والأبحاث تطالعنا كل يوم بمعلومات جديدة تزيد في معرفتنا عن تاريخ مصر، وتنير الكثير من عصورها الغامضة، كما أنه من شأنها أن تصحح الكثير من الأخطاء والنظريات التي أتى بها العلماء السابقون.

والآن نلقي نظرة سريعة على جهود العلماء من مختلف الجنسيات، الذين كان لأبحاثهم وأعمالهم أثر ممتاز في تقدم علم الآثار المصرية:
  • أوَّلًا: الفرنسيون: ظهر بعد «شمبليون» العالم «أمانويل دي روجيه»، وقد قام بنقل الكثير من النقوش، وبدأ في وضع بحث منظم عن تاريخ مصر أساسه نقوش آثارها، كما وضع مؤلفًا قيمًا عن جغرافية الوجه البحري، وفي أيامه ظهر العالم العظيم «مارييت» الذي يرجع إليه الفضل في تأسيس المتحف المصري ومصلحة الآثار المصرية سنة ١٨٥٧، وقد كان أول من قام بحفائر على نمط كبير، وكشف عن المعابد والجبانات، وكان من أهم مراكز أبحاثه منطقة شقارة حيث كان أول مكتشف لمقابر العجل «أبيس» المعروفة ﺑ «السرابيوم» ولكثير من مقابر الدولة القديمة هناك، وقد كان للعلماء الفرنسيين في هذا الوقت نشاط كبير فظهر منهم الكثيرون، وأسس إلى جانب مصلحة الآثار المصرية المعهد الفرنسي للعاديات الشرقية ومقره القاهرة، وقد قام المعهد منذ إنشائه بطبع الكثير من الأبحاث الثمينة، ونتائج حفائره المستمرة في كثير من جهات القطر. ولعل أبرز هؤلاء العلماء هو المرحوم «جان مسبرو»، الذي تولى إدارة مصلحة الآثار المصرية مرتين، وقد خلف لنا المئات من أبحاثه في اللغة والآثار، وبخاصة في منطقة سقارة حيث فتح بعض أهرام ملوك الأسرتين الخامسة والسادسة، ووجد جدران حجرات الدفن فيها مغطاة بنصوص ونقوش دينية، وهي المعروفة لنا تحت اسم «متون الأهرام»، وسيأتي ذكرها في موضع آخر من هذا الكتاب، وجاء بعده الكثير من العلماء الفرنسيين أمثال «لوريه» و«دي مرجان» و«لاكو» و«موريه» و«شاسينا».
  • ثانيًا: الألمان: أول من ظهر من علماء الألمان، وقام بعمل عظيم هو «ريتشارد لبسيوس»، الذي جاء إلى القطر على رأس بعثة «من عام ١٨٤٢–١٨٤٥» لدراسة آثارها على نفقة ملك بروسيا في ذلك الوقت، وقد قامت هذه البعثة بدراسة آثار مصر والنوبة دراسة علمية منظمة، ولم تكتف بنقل النقوش فقط، بل استلزمت أبحاثها عمل الكثير من الحفائر في مصر والنوبة، وقد ظهرت نتيجة أبحاثها في المؤلف الخالد المعروف باسم «لبسيوس دنكميلر»، وقد طبع عام ١٨٤٩ في اثني عشر جزءًا، وما زال إلى الآن مرجع كل مشتغل بالآثار. بعد لبسيوس تألق نجم عالم آخر هو «هنري بروكش» الذي نجح عام ١٨٤٩ في قراءة الكتابة الديموطيقية، وقد فاق معظم العلماء في ذكائه ونشاطه، ويستحق أن يوضع في صف «شمبليون» في مقدار إنتاجه، وقد وضع قاموسًا في اللغة المصرية القديمة، وقاموسًا آخر لجغرافية مصر وأجرومية للديموطيقية. ثم جاء بعده سنة ١٨٧٨ العالم «أدولف أرمن» وكان أكبر عمل له أن وضع أجرومية للغة المصرية القديمة، وكذلك لكل ما أمكن من المتون المصرية القديمة، واستعان ببعض تلاميذه في ترجمتها، واستخلص منها قاموسًا للغة المصرية، وكذلك كتاب مؤلفًا قيمًا عن الحياة المصرية، يعد من أحسن ما أخرج للناس في هذا الموضوع.

    وقد تخرج على يده عدد من العلماء لهم شهرة عالمية، نخص بالذكر منهم الأستاذ «شتيندورف» الذي وضع أجرومية اللغة القبطية، والأستاذ «زيته» الذي جمع متون الأهرام وترجمها، وأصبح بذلك العمدة الوحيد في كل العالم في تفسيرها، والأستاذ «ينكر» الذي يمتاز بمعرفة المتون المصرية في كل عصورها معرفة لا يضارعه فيها أحد، واختص في عصر البطالسة حتى أصبح المرجع الوحيد فيه، والأستاذ «شبيجلبرج» الذي اختص بالديموطيقية والأستاذ «شيفر»، وهو من أحسن العلماء في علم الآثار والفن المصري.

  • ثالثًا: الإنجليز: وقد قام علماء الإنجليز بقسط وافر في النهوض باللغة المصرية القديمة وآثارها، ونخص بالذكر منهم العالم «برش» و«ولكنسون» صاحب كتاب العادات والأخلاق في مصر القديمة، ثم الأستاذ «جرفث» صاحب التآليف العدة في الديموطيقية وتراجم المتون المصرية، والأستاذ «جردنر» الذي وضع كتابًا في أجرومية اللغة المصرية، ويعد أكبر عمدة الآن في هذا الباب، وكذلك ساعد بأبحاثه العدة على تقدم قراءة الخط الهيراطيقي، والأستاذ «جن» الذي وضع كتابًا قيمًا في إعراب اللغة المصرية، وأخيرًا الأستاذ «نيوبري» وله أبحاث دقيقة في علم الآثار.

وبجانب هؤلاء العلماء ظهر علماء آخرون من جنسيات أخرى، ساعدوا على النهوض بهذه اللغة، ونخص بالذكر منهم الأستاذ «جولنشيف» الروسي صاحب الأبحاث العدة في اللغة، وقد ترجم كثيرًا من المتون المصرية، والأستاذ «ريزنر» الأمريكي الذي قام بحفائر منظمة في مصر وبلاد النوبة منذ ١٩٠٣، ولا يزال إلى الآن ينقب في منطقة الجيزة غربي الهرم الأكبر، ومن أهم مؤلفاته كتابه عن «منكاورع» باني الهرم الثالث.

أما أكبر عالم خدم التاريخ المصري القديم فهو الأستاذ «برستد»، الذي جمع كل المتون التاريخية، واستخلص منها تاريخًا لمصر، يعتبر رغم قدمه من أكبر المراجع في التاريخ المصري القديم إلى الفتح الفارسي.

أما المصريون فلم يقوموا بدراسة لغة بلادهم وآثارها إلا منذ عهد قريب وعلى رأسهم المرحوم أحمد كمال باشا الذي ألف عدة كتب بالفرنسية والعربية، ثم جاءت النهضة المصرية الحديثة، وقام بعض أبنائها بالحفر والتنقيب ووضع بعض الكتب، وقد أسس في مصر معهدًا لدراسة الآثار المصرية بالجامعة منذ عدة سنوات، وينتظر منه خير كثير، وكذلك أرسلت البعثات لدراسة اللغة المصرية، والأمل كله معقود على هؤلاء الشبان المصريين في النهوض بآثار بلادهم، وإخراج المؤلفات عنها، وإظهار عظمة مصر ومجدها القديم، وهم أولى الناس بهذا الشرف العظيم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤