وما هي الأخلاق يا رجال؟١

(١) الرجل الزاني له حق عدم الاعتراف بالطفل؟!

قليلة هي الأصوات التي ترتفع لتكشف عن زيف الأخلاق في بلادنا، من طول القهر والاستعباد نامت الضمائر أو ماتت، وتحوَّلت عن كشف الزيف الأخلاقي إلى نفاق أصحاب السلطة السياسية والدينية.

قرأت في إحدى الصحف أن أحد المتشدقين بالدين الإسلامي أفتى على الهواء مباشرةً أمام ملايين المشاهدين أن الرجل الزاني له الحق في عدم الاعتراف بابنه أو ابنته الناتجة عن هذه العلاقة!

كان المفروض أن ينفجر الناس غضبًا على هذا الفساد الأخلاقي الواضح، الذي يتعارض مع مبدأ الإسلام الجوهري، وهو الصدق والعدل والمسئولية.

إن مبدأ الأخلاق الأوَّل هو أن المسئولية هي الوجه الآخر للحرية، وأن الحرية بغير مسئولية هي الفساد، وهي الفوضى وهي الرذيلة، فكيف تمر فتوى هذا الشيخ مرور الكرام فلا يهتز ضمير الناس، خاصةً أصحاب الأقلام الذين يُغرِقون الصحف الحكومية وغير الحكومية كل يوم بمقالات مكررة تمجِّد الحُكَّام؟!

ربما كتب أحدهم أو بعضهم في صحف لا أعرفها أو لا أقرؤها، لكني لم أقرأ شيئًا يتعرض لهذا الفساد الأخلاقي الواضح، الذي يمنح الرجال حريات جنسية واسعة دون مسئولية، وبالتالي دون أخلاق.

إن جوهر الأخلاق هو جوهر الدين، الذي يؤكد على الصدق؛ فإذا كذب الرجل على المرأة التي يشاركها الفراش، فهل يمكن أن يُصدَّق تحت قبة البرلمان؟

كيف يمكن لرجل يتحلَّى بالأخلاق الحقيقية أن يكذب على المرأة في علاقة الحب الحميمة جِدًّا، وينتج عن هذه العلاقة الحميمة طفلة أو طفل؟!

إن الرجل المسلم الصحيح لا يخدع أحدًا، لا رجل ولا امرأة، ولا ينطق وعدًا دون أن يفي به، ولا يقيم علاقة جنسية مع امرأة دون أن يتحمل مسئوليتها؛ لأن الجنس لا ينفصل عن الحب في الأخلاق الحقيقية؛ ولأن الجسد لا ينفصل عن الروح والعقل في الإنسان الفاضل المسئول.

إن الشرف ليس ورقة نكتبها بالحبر الأزرق أو الأسود أو الأحمر أو الأخضر.

الشرف الحقيقي له لون واحد هو الصدق، وله كلمة واحدة ينطقها الإنسان فتصبح وعدًا لا يخونه إلا الرجل غير الأمين على العهد، الذي لا يستحق لقب الإنسان.

فكيف يجلس رجل دين تحت الأضواء ويؤكد على أنه من حق الرجل أن يمارس الجنس مع النساء دون مسئولية ودون أخلاق، ويتهرَّب من الاعتراف بالطفل الصغير البريء الذي يُعاقَب بدلًا من الأب الفاسد؟!

وكيف نحمي الأطفال الأبرياء من فساد آبائهم غير المسئولين؟ كيف يحمل الطفل لقب لقيط أو غير شرعي، في حين أن الأب هو الغير شرعي وهو اللقيط؟!

وبماذا نَصِف مجتمعًا يُعاقب الضحية الطفل الصغير ولا يعاقب الجاني الرجل الكبير؟!

(٢) وما هو الإصلاح السياسي؟

إن الإصلاح السياسي الذي يتشدق به الجميع لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح أخلاقي واجتماعي وثقافي، بحيث نحذف من قاموس اللغة العربية كلمة طفل لقيط أو غير شرعي، ونصدر قوانين جديدة تحمي الأطفال وتحقق لهم المساواة الكاملة في كل شيء، بما فيها حق الشرف والشرعية.

هذا هو أبسط مبادئ الأخلاق والدين والإنسانية والعدل، فكيف نتهم مَن يُطالِب بذلك أنه يدعو إلى الفساد؟

هل تنقلب الأمور في بلادنا إلى هذا الحد؟ فيصبح الفساد الذكوري وعدم المسئولية هي الأخلاق والشرعية، ويصبح الرجل الزاني بريئًا شريفًا شرعيًّا، وطفله هو اللقيط غير الشرعي؟

لماذا تسكت النخبة المصرية عن تناول مثل هذه الأمور الهامة في حياتنا؟ لماذا هذا الصمت الغريب من أصحاب الأقلام الذين يطنطنون كل يوم بالمبادئ والأخلاق والدين؟!

حتى هؤلاء المستنيرون الذين يُطالِبون بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يترددون كثيرًا في الكشف عن هذا الفساد الأخلاقي السائد، والذي يُشرِّعه بعض رجال الدين في القنوات الفضائية.

قليلٌ جِدًّا من الكتَّاب والصحفيين مَن تصدَّى للدفاع عن حق هؤلاء الأطفال الضحايا، والذين يبلغ عددهم في بلادنا بالآلاف والملايين، أعدادهم غير معروفة؛ لأن الرجال في بلادنا يمارسون الجنس خارج الزواج بحرية غير محدودة، غير مرتبطة بأية مسئولية، في ظل حماية القوانين والشرائع والأعراف.

يتصوَّر بعض الناس أن تحقيق العدالة لهؤلاء الأطفال الأبرياء سوف يقود إلى فوضى جنسية، مع أن العكس هو الصحيح؛ لأن الفوضى الجنسية موجودة في بلادنا، يمارسها الرجال دون مسئولية، وسوف يقود هذا التغيير الجديد إلى أن يتحمل الرجال المسئولية عن أفعالهم الجنسية غير المحدودة، وأن يعترفوا بالطفل البريء ليصبح شرعيًّا مثل غيره من الأطفال.

لا بد أن ينص القانون المصري على حق الأطفال جميعًا دون استثناء، وأن يحظى الطفل باسم أبيه، سواء اعترف الأب أم لم يعترف.

وإن أصرَّ الأب على عدم الاعتراف، ولم يُعطِ اسمه للطفل، فإنه يصبح من حق الطفل أن يحمل اسم الأم، وأن يحظى اسم الأم بالشرف ذاته الذي يحظى به اسم الأب.

هذا هو أبسط مبادئ العدل والأخلاق، وهو أمر يحدث في معظم بلاد العالم، حتى تنزانيا في أفريقيا، وقد آن الأوان لأن نقضي على الكذب والنفاق في بلادنا تحت اسم التدين أو التقاليد.

١  القاهرة، ٣٠ / ٣ / ٢٠٠٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤