الفصل الثاني عشر

الحياة الخاصة للقادة السياسيين

رئيس منتهية ولايته غير راضٍ عن الطريقة التي عاملته بها وسائل الإعلام. في مسوداته الأولى لخطاب الوداع، يهاجم وسائل الإعلام الإخبارية، وينعتها بأنها «همجية». لعله يرد على الشائعات الواردة في بعض الصحف التي تقول بأنه عاجز جنسيًّا. أو ربما يرد على تعامل الإعلام مع وزير خزانته، السياسي البارع الذي كان البعض يأملون أنه قد يخلفه.

أوردت صحف كثيرة تفاصيل مشوقة عن علاقة حب دخل فيها هذا الرجل مع سيدة متزوجة. وحسب التقارير، كانت السيدة تمر بفترة من الحظ العاثر حينما طلبت العون من السياسي الثري، الذي صنع جميلًا معها بأن أعطاها بعضًا من المال تلك الليلة، في غرفة نومها. استمرت العلاقة إلى أن اكتشف زوج السيدة أمرها؛ فحاول الزوج أن يبتز السياسي، الذي أنهى العلاقة حينذاك. وصارت الزوجة المصابة بالاضطراب الشديد والذهول كسيرة الفؤاد تراودها أفكار انتحارية.

ما إن بلغ إلى مسامع الخصوم السياسيين للرجل خبر العلاقة المشينة، حتى دفعوا أموالًا إلى رئيس تحرير إحدى الصحف كي يُضمِّن تقاريره اتهامًا باطلًا مفاده أن الزوج قد دُفِع إليه من الأموال الحكومية حتى يلزم الصمت.

ومع ذلك لم يُمنح المنافس المرجح للرجل في السباق الرئاسي أفضلية دون مقابل من قِبَل وسائل الإعلام؛ فقد كانت معاييره الأخلاقية تتعرض لهجوم أيضًا. كانت الصحف تورد أنه كان يقيم علاقة بامرأة، وأنه كان أبًا لبعض أطفالها. غضب السياسي غضبًا شديدًا، إلى حد قوله لرجال الصحافة إنه لن يُشَرِّف أخبارهم بجواب.

عندما يسمع كثير من الأمريكيين قصصًا كهذه عن اعتداء وسائل الإعلام على الحياة الخاصة للقادة السياسيين، وكتابتها أخبارًا لإرضاء اليد التي تطعمها، يتساءلون أَوَلم يكن سيصبح من شأن الآباء المؤسسين للدولة أن يتقلبوا في قبورهم غضبًا لو كانوا رأوا ما يفعله رجال الصحافة. إلا أن الآباء المؤسسين لم يكن لهم قبور عندما نُشرت تلك الأخبار؛ فتلك الأخبار كانت تتناول الآباء المؤسسين أنفسهم؛ فجورج واشنطن نفسه هو الذي ارتأى أن التغطية الصحفية كانت «همجية»،1 ووزير خزانة واشنطن، ألكسندر هاملتون، هو الذي أقر نهاية الأمر بعلاقته بالسيدة المتزوجة،2 وتوماس جيفرسون هو من وردت أخبار عن أبوته لأطفال من إحدى إمائه.3

ارتأت الصحافة الأمريكية تقليديًّا دورها في ديمقراطيتنا على أنها السلطة الرابعة؛ فهي عنصر غير منتخب ولكنه فاعل في حياة الجمهورية. ومع ذلك، قد يتهم البعض وسائل الإعلام بكونها عنصرًا فاعلًا أكثر مما ينبغي؛ فهي تكتب أخبارًا تتبع أهواءها الذاتية، وتتطفل بلا رحمة على الحياة الخاصة للشخصيات السياسية.

(١) الصحافة المتحزبة

أثناء الأيام الأولى لجمهوريتنا تلقت بعض الصحف الجزء الأكبر من أموالها من فصائل سياسية، وكانت على استعداد تام لنشر شائعات وأقاويل عن الحياة الخاصة لمرشحي المعارضة. وفي العادة لم تكن الصحف تنشغل كثيرًا بشأن حقيقة الشائعات، أو حتى انسجام بعضها مع بعض؛ فبعض الصحف اتهمت جورج واشنطن بأنه عاجز جنسيًّا، واتهمته صحف أخرى بأبوته لعشرات من الأطفال غير الشرعيين، بما في ذلك أحدهم الذي شبَّ ليصبح عضوًا في مجلس وزرائه.4
قلة من القادة السياسيين هم من نجَوْا من طاحونة شائعات الصحف، حسب قول جون سيجنثالر، الناشر السابق لصحيفة «ذا تينيسيان» في مدينة ناشفيل. اتُّهم أندرو جاكسون بإقناعه ريتشلروباردز بأن تهجر زوجها وتنتقل للعيش معه. مارتن فان بيورين قيل عنه إنه كان يرتدي مشدات السيدات التي جعلت من «الصعب القول إذا ما كان رجلًا أم امرأة». ويليام هنري هاريسون وُصِف بأن لديه خرف الشيخوخة، وأن لديه قصورًا عقليًّا. هنري كلاي ورد عنه أنه أمضى أيامه في القمار ولياليه في بيوت الدعارة. فرانكلين بِيرس وجون فريمونت زُعِم عنهما أنهما سكيران.5 زوجة أبراهام لينكولن دُعيت بجاسوسة الولايات الكونفدرالية،6 وأُورِد عن لينكولن أنه «زنجي».
بدأت الصحافة المتحزبة تتلاشى من المشهد في أواسط القرن التاسع عشر، ولكن الصحف استمرت تعطي نفسها الكثير من الحرية في التنقيب في الحياة الخاصة للمرشحين السياسيين. على سبيل المثال، في عام ١٨٨٤م اعتقد أغلب المراقبين أن لدى مرشح الحزب الديمقراطي جروفر كليفلاند فرصة ضئيلة في الفوز بالرئاسة، وصارت آماله واهية أكثر عندما أوردت الصحف أن كليفلاند كان قد أنجب طفلًا خارج إطار الزوجية بينما كان يشغل منصب مفوض الأمن (الشريف) لمدينة بافالو بولاية نيويورك. وطبقًا للتقارير كان للمرأة عشاق آخرون كذلك، إلا أن كليفلاند، الذي كان الأعزب الوحيد الذي كانت تقابله، قبل المسئولية ودفع نفقة الطفل بالتزام. عندما أُفشي أمر هذه المدفوعات أثناء الحملة الانتخابية، نعتته صحيفة «نيويورك صن» بأنه «فاسق المسلك قد يجلب داعراته إلى واشنطن … رجل مريض بالفجور لا يُرجى له شفاء.»7
اعتقد غالبية الجمهوريين أنه من شأن تلك الأخبار حسم الانتخابات لصالح رجلهم؛ إلا أنه بعد ذلك تصدرت فضيحة أخرى الصفحات الأولى. أوردت الصحف خبرًا مفاده أن الطفل الأول للمرشح الجمهوري جيمس بليَن وُلِد بعد ثلاثة شهور فقط من زواج بليَن وقرينته. أعلن بليَن أن الأمر كله ينطوي على سوء فهم؛ فقد زعم أنه هو وقرينته في واقع الأمر تزوجا مرتين، يفصل بينهما ستة شهور. ويبدو أن رسالته فشلت في إقناع الكثير من الناخبين، وأصبح كليفلاند الديمقراطي الوحيد الذي انتُخِب في الفترة ما بين عامي ١٨٦١م و١٩١٢م.8

(٢) حقبة الخضوع والتبعية

في القرن العشرين، تحولت الصحافة من كونها رقيبًا على السلوك الأخلاقي للمرشحين إلى تابع خاضع، حسبما يورد الأستاذ لاري ساباتو في كتابه «نوبة الهياج». أشاحت الصحافة بناظرَيْها بينما انخرط المرشحون والقادة السياسيون في السُّكْر والعربدة. كان بعضهم مخمورين إلى حد أنه كان يتعين إزاحتهم من ردهات مجلسي النواب والشيوخ، إلا أن الناخبين في المنازل لم يقرءوا أبدًا عن أمور كتلك.9
كان هؤلاء المراسلون يلتزمون باتفاق شرف مفاده أن الحياة الشخصية للقادة السياسيين كانت منطقة يُحظر الاقتراب منها. يزعم ساباتو، الذي يعمل أستاذًا في نظم الحكم في جامعة فيرجينيا، أن هذا الاتفاق غير الرسمي تعاظم إبان فترة رئاسة فرانكلين روزفلت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. كان موقف الصحافة يتمثل في أنه إذا لم يؤثر مرض روزفلت بشلل الأطفال على كيفية اضطلاعه بواجباته، فلا يتعين ذكره. تعمدت وسائل الإعلام الإخبارية تجنب إتيان أي شيء قد يظهر أن الرئيس معاق جسمانيًّا. من بين ٣٥ ألف صورة التُقِطَت لروزفلت، أظهرت صورتان فقط كرسيه المتحرك. عندما كان روزفلت يطمح إلى مدته الرئاسية الرابعة في عام ١٩٤٤م، كان مريضًا للغاية، ومع ذلك اختار ناشرون كثيرون ألا ينشروا صورًا تُلْمِح إلى مدى تمكن المرض منه، ومنهم حتى أولئك الذين ساندوا منافس روزفلت.10
إلا أن الصحافة لم تقصر تحفظها على المشكلات الصحية الخاصة بروزفلت. كانت الشُّقة قد تباعدت أو كادت بين روزفلت وزوجته، وكان على علاقة طويلة الأجل مع سكرتيرته، ولم تُنشر أخبار عن أيٍّ من الأمرين.11 لم تكن قلة الاهتمام بأخبار كتلك مقصورةً على روزفلت؛ فمنافسه الجمهوري في الأربعينيات، ويندل ويلكي، كان له خليلة قبل وأثناء تقدمه للرئاسة، إلا أن الصحافة لم تكن تعتبر ذلك خبرًا يستحق الاهتمام في تلك الحقبة.12
وحتى إذا لم يكن للصورة العامة لسياسي ما ارتباطًا كبيرًا بالواقع، فلم يكن المراسلون يكتبون عن الأمر. فلم يرد ذكر مطلقًا لسرعة غضب الرئيس دوايت أيزنهاور ولا لأسلوبه الحاد. وبدلًا من ذلك، رسمه الإعلام في صورة الجد اللطيف العذب الحديث. روى ألبرت هنت، الذي عمل مراسلًا لدى صحيفة «ذا وول ستريت جورنال»، لساباتو عن عضو بالكونجرس متزوج هجر أسرته في منطقته التي أتى منها، وعاش مع امرأة أخرى وقتما كان في واشنطن. ومع ذلك كل عامين كان الرجل يتقدم لإعادة انتخابه، وكانت حملته الانتخابية تبرز صورًا تظهره في مظهر رب الأسرة المستقيم مع زوجته وأبنائه الأربعة. وقال هنت: «لم أكتب مطلقًا عن الأمر، رغم أنني في الوقت الحاضر … كنت بالتأكيد سأفعل.»13
ألذع نقد لاستعداد وسائل الإعلام الإخبارية لغض الطرف جاء عندما عَلِم الجمهور بالعلاقات المتعددة للرئيس جون إف كينيدي؛ فقد ارتبط كينيدي عاطفيًّا بممثلات ومضيفة جوية، وإحدى سكرتيراته، وحتى بخليلة زعيم للمافيا؛ وكل تلك العلاقات كانت أثناء شغله منصب الرئيس. وحتى قبل أن يصبح رئيسًا، كان صحفيون كثيرون على دراية بمغامراته الغرامية. كانت تلك المغامرات بالغة الشهرة؛ حتى إن المؤسسة الصحفية التي كانت تغطي حملته للترشح للرئاسة كانت تمزح بشأن الأمر بقولها إن شعار حملته ينبغي أن يتغير من «فلندعم جاك» إلى «فلنعربد مع جاك». ومع ذلك، لم يورد مراسل صحفي أو تليفزيوني واحد أثناء الحملة أو أثناء مدة تولي كينيدي لمنصبه خبرًا يُلْمِح إلى أفعاله الفاضحة خارج إطار الزواج. كتب ساباتو يقول:
لم يتوقف الأمر عند حد عدم رغبة وسائل الإعلام في أن تُنَقِّب عن الحقيقة المريرة، بل إنها تداولت مختارةً كذبة، متحولةً إلى جزء لا يتجزأ من فريق العلاقات العامة التابع لكينيدي؛ ففي التقارير الصحفية، تحول جاك كينيدي زير النساء الكبير إلى الزوج المثالي ورب الأسرة.14
لربما أثرت علاقات الرئيس كينيدي الغرامية سلبًا على أدائه لمهمته؛ فقد أشار ساباتو إلى أن لقاءاته العاطفية اقتضت منه أن يفقد الاتصال مع القيادة العسكرية في وقت استدعت فيه الحرب الباردة أن يكون الرئيس متاحًا دومًا في حالة وقوع هجوم روسي مباغت. سيمور هيرش، وهو مراسل حائز على جائزة بوليتزر، كتب أن كبار المسئولين العسكريين الذين لديهم طلبات عاجلة لم يكونوا يقاطعون كينيدي عندما كانوا يظنون أنه مع امرأة. قال هيرش إنه حتى التصديق على أن الروس كان لديهم صواريخ في كوبا قد تأجل حتى الصباح التالي.15 كذلك فإن كينيدي ترك نفسه عرضة للابتزاز، ويدفع البعض بأن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في ذلك الوقت جيه إدجار هوفر استغل معرفته لعلاقات كينيدي الغرامية حتى يفوز بالمزيد من النفوذ لنفسه والاستقلالية لإدارته.16
يزعم البعض أن كينيدي نال هذه المعاملة الخاصة لأنه كان محبوبًا لدى الصحافة. إلا أن التاريخ يشير إلى أن ذلك التفسير قد يكون قاصرًا؛ فالصحافة تغاضت أيضًا عن حماقات في الحياة الشخصية لما لا يقل عن ثلاثة رؤساء سبقوا كينيدي والرئيس الذي تلاه.17 أوضح سيجنثالر أن المؤرخين وكُتَّاب سير الأعلام، وليس الصحفيين، هم من كشفوا العلاقات بين وارن هاردينج ونان بريتون، وبين فرانكلين روزفلت ولوسي ميرسر، وبين دوايت أيزنهاور وكاي سومرسبي، وبين ليندون جونسون وأليس مارش.18 أخبر جيمس باكون مراسل وكالة «أسوشيتد برس» هيرش أن الممثلة مارلين مونرو قد أدلت له بنفسها برواية عن علاقتها بكينيدي. وقال: «لقد كانت بالغة الصراحة بشأن علاقتها الغرامية مع جون كينيدي.» إلا أنه لم يكتب الخبر. أوضح باكون يقول: «قبل فضيحة ووترجيت، لم يكن المراسلون ببساطة يتطرقون إلى أمور من ذلك القبيل.» وأشار إلى أنه لم يكن ثمة تآمر لإخفاء مغازلات كينيدي للنساء. وأردف يقول: «كان الأمر مجرد مسألة تقديرية من جانب المراسلين.»19
هذا الاتفاق على غض الطرف كان أحد الأسباب التي من أجلها كان الناس يكنُّون احترامًا لكل من الساسة والمراسلين أكثر مما يفعلون في الوقت الحاضر، حسبما تقول إلين هيوم، المديرة التنفيذية لمركز يبحث في شئون الصحافة والسياسة في جامعة هارفرد. وقالت لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز»: «كانت الأخبار أكثر تفاؤلًا بكثير في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي عندما كان القادة السياسيون للأمة يُعاملون من قِبَل الصحفيين بإجلال واحترام.»20

(٢-١) بواعث متنامية للقلق

بدأ المراسلون يتساءلون بشأن هل ينبغي ألا تتضمن تغطيتهم نقلًا أكثر أمانة للجوانب الشخصية للمرشحين. البعض يقول إن الحدث الذي تسبب في التغيير كان «فضيحة ووترجيت»، وهو الاسم الذي أُطلق على التحري بشأن دور الرئيس نيكسون في اقتحام مكاتب الحزب الديمقراطي إبان حملة عام ١٩٧٢م. في نهاية الأمر كلَّف التحقيق نيكسون خسارة الكثير من مؤيديه، وأدى إلى استقالته. كانت الانتقادات الموجهة لنيكسون تتعلق بمسائل ذات صلة بسلوكه (شكوك في أنه كذب، وأنه كان متصفًا بالخبث ودناءة الطبع وبذاءة اللسان) أكثر مما كانت تتعلق بإدارته السياسية.

يذهب ساباتو إلى القول بأن التخلي عن دور الصحافة الخاضعة التابعة كان قد بدأ قبل ذلك، ويزعم أنه بحلول حقبة ووترجيت، كان الصحفيون قد بدءوا بالفعل في إعادة النظر في مسئولياتهم. ففي عام ١٩٦٩م انتظر السيناتور إدوارد كينيدي — الذي كان يمتلك سمعة سيئة كبيرة فيما يتعلق بالسُّكْر والعلاقات النسائية — حتى اليوم التالي ليبلغ عن حادثة سيارة في جزيرة تشاباكويديك، قُتِلَت فيها امرأة شابة كانت تركب في سيارته. كتب ساباتو يقول:
كان كينيدي مفرطًا في سلوكه الشائن السافر، وكانت الخسارة الناجمة عن تصرفاته باهظة الثمن على امرأة شابة، وكانت أعذاره واهية ومهينة إلى حد لا تصدقه الكثير من العقول الفطنة في المؤسسات الصحفية. وشعر المراسلون الصالحون بالخزي من انتهاجهم لأسلوب إخفاء رذائل كينيدي الجلية قبل إخفاء السيناتور للحقائق المحيطة بالحادث، وكذلك تعرض الوسط الصحفي بوجه عام لانتقادات عنيفة لنفس السبب.21
يعتقد مراسلون آخرون أنه لم تكن حادثة تشاباكويديك ولا فضيحة ووترجيت هما اللتان أديتا إلى الصراحة التي جدت على الصحافة في نقلها لأخبار الحياة الخاصة للساسة. دفع سيمور توبينج، الذي كان مساعد مدير تحرير صحيفة «ذا نيويورك تايمز» خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، بأن تغيرات في المجتمع مثل الثورة الجنسية في الستينيات هي التي أتاحت للصحف «استكشاف أمور لم نكن لنستكشفها في الماضي» على حد قوله. وأشار ريتشارد والْد، رئيس شبكة «إن بي سي» الإخبارية في ذلك الوقت، إلى أن الساسة أنفسهم كانوا أكثر صراحة في السبعينيات، باعترافهم بإدمان الكحوليات، وتحدثهم على الملأ عن حالات طلاقهم.22

وأيًّا ما كان السبب، فقد أصبحت التغطية الإخبارية للحياة الخاصة للقادة السياسيين أكثر كثافة في أواسط السبعينيات، وبدأت تظهر أخبار عن انتهاكات من قِبَل أعضاء بالكونجرس. إلا أن أيًّا من تلك الأخبار لم تلفت الأنظار مثلما فعلت الأخبار المتعلقة بالسلوكيات غير اللائقة لعضو الكونجرس الديمقراطي من ولاية أركنساس ويلبر ميلز الذي ترأس لجنة الموازنة ذات النفوذ؛ فقد عرف المراسلون الذين كانوا يغطون أخبار ميلز عنه أنه كان يسرف في شرب الكحوليات، وبدا عليه السُّكْر في بعض اجتماعات اللجنة، إلا أنهم لم يتتبعوا الخبر لأنهم لم يرَوْا ضرورة لانتهاكهم لحياته الخاصة.

ثم في إحدى الليالي في عام ١٩٧٤م، أوقفت الشرطة ميلز لتجاوز السرعة المقررة، وقيادة السيارة والمصابيح الأمامية مطفأة. خرجت امرأة شابة من سيارة ميلز، وقفزت في حوض تيدال المائي، وهو مسطح مائي بالقرب من النُّصُب التذكارية في واشنطن. كانت الراكبة هي فان فوكس، وهي راقصة متعرية أطلقت على نفسها وصف القنبلة الأرجنتينية.

في ذاك الوقت ذُكِر اسم ميلز في محضر للشرطة، ولم يعد سُكْره مسألة خاصة. بدأت الأخبار عن مشكلات ميلز تظهر في وسائل الإعلام. بعد بضعة أيام، صعد ميلز مخمورًا على خشبة الملهى بينما كانت فوكس تؤدي عرضًا في أحد ملاهي التعري في واشنطن. استحث هذا التصرف عددًا أكبر من المراسلين على التخلي عن تمسكهم بفكرة «الرجال سيظلون أولادًا أشقياء مهما كبروا» المتعلقة بالحياة الخاصة للمسئولين العموميين. لاحقًا قال ديفيد آر جونز، الذي كان في ذلك الوقت محرر الأخبار على المستوى الوطني في صحيفة «ذا نيويورك تايمز»: «كان الرجل يترنح مخمورًا، إلا أن الصحافة بوجه عام كانت تصوره على أنه واحد من أعظم القادة التشريعيين في السياسة الأمريكية. والآن هو نفسه يقول إن معاقرته للكحوليات أثرت سلبًا على أدائه لمهام منصبه.»23 بعد خضوعه للعلاج من إدمانه للكحوليات، أقر ميلز بأنه كان أحيانًا يُضطر لسؤال المعاونين عما حدث وما قاله في اجتماعات اللجنة التي كان يترأسها.
لم يؤدِّ النزاع بشأن ووترجيت ولا علاقة ميلز الغرامية إلى التفكير بعقلية «كل الأشياء مباحة» بين المراسلين. قد يكون اتفاق الشرف القديم قد صار أضعف، ولكنه ما زال القاعدة المعمول بها في ذلك الوقت، مثلما أوردت مجلة «نيوزويك» في عام ١٩٧٥م:
قلما يوجد صحفي في واشنطن لا يمكنه أن يخبرك بعضو واحد على الأقل بالكونجرس سِكِّير أو زير نساء؛ فسلوك من هذا النوع يصبح خبرًا فقط حينما يتعارض مع واجبات عضو الكونجرس — كأن يحول بينه وبين التصويت على إجراء مهم مثلًا — أو حينما يتسبب في أن ينتهي به الأمر إلى الوقوع في مشكلات قانونية، كما حدث في قضية ميلز.24
ومع ذلك، فقد تزايد عدد الصحفيين الذين كانوا يتساءلون عما إذا كان لا ينبغي أن يكتبوا عن هذه «المسائل المتعلقة بالسلوك الشخصي». وكما قال بن باجديكيان — وهو صحفي وناقد إعلامي أصبح لاحقًا عميد كلية الصحافة في بيركلي — في عام ١٩٧٥م: «منذ حقبة ريتشارد نيكسون، كان ثمة شعور متنامٍ أن شخصية وسلوك القادة السياسيين هما أمر مهم، وأنه يتعين عليك أن تعرف شيئًا عن حياتهم الخاصة لتفهم شخصيتهم الحقيقية.»25

(٢-٢) «الصحافة الشرسة»

وفي الوقت الذي بدأ فيه بندول الخصوصية يتأرجح من اتفاقية شرف السنوات السابقة إلى نقل أكثر تدقيقًا للأخبار، انزلق جاري هارت إلى بؤرة اهتمام وسائل الإعلام. هارت، الذي كان عضوًا بالحزب الديمقراطي سعى للترشح للرئاسة في عام ١٩٨٤م، لكنه فقد الدعم حينما قدم تبريرات متناقضة لسبب تغييره لاسم عائلته (الذي كان هارتبنس)، وأسقط سنةً من عمره، وغير وقائع في سيرته الذاتية الرسمية.

عندما قرر هارت أن يحاول ثانية الترشح للرئاسة في عام ١٩٨٨م، كانت الشائعات بصدد علاقاته النسائية قد انتشرت بالفعل انتشار النار في الهَشِيم. وحتى العاملون في حملته وكبار المساهمين في الحملة كانوا يشعرون بالقلق، وقد وعدهم بأنه سيراعي سلوكياته، وأنه سيتأكد من أن حياته الجنسية لن تكون شأنًا يؤثر على حملته الانتخابية. في لقاءات مع المراسلين وكتاب الأعمدة السياسية، أكد لهم أنه لا يفعل أي شيء خطأ. كان هارت مصرًّا إصرارًا شديدًا على إنكار أخطائه حتى إنه لربما يكون قد جلب إلى نفسه سقوطه. في مقابلة مع مراسل لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال: «فلتلاحقوني في كل مكان؛ أنا لا أهتم. إنني أعني ما أقول، إن كان أي شخص يريد أن يعين أحدًا لمتابعتي، فليفعل؛ سيكون من شأنهم أن يصابوا بالملل.»

ولم يكن مستغربًا أن شخصًا ما قَبِل تحديه؛ فقد راقب مراسلان من صحيفة «ميامي هيرالد» بيته في واشنطن في عطلة نهاية ذلك الأسبوع، وبدلًا من أن يصابا بالملل، شاهدا امرأة شابة تدخل المنزل، وتُمضي الليلة حسبما بدا لهما. حاول هارت في البداية أن يختلق مبررات للخبر. (قال إن المراسلين غفلا عن رؤيتها وهي تغادر، وأقر المراسلان أنهما لم يراقبا البابين مراقبة مستمرة؛ مما يفتح الباب أمام احتمالية أن تكون قد غادرت من الباب الخلفي دون أن يرياها.)

قبل بضعة أسابيع، خرج هارت وعارضة أزياء تسمى دونا رايس في رحلة بحرية طوال الليل إلى مقاطعة بيميني في جزر البهاما على يخت اختار له اسمًا غريبًا هو «مونكي بيزنس» (ويعني: عمل غير أخلاقي). حينما باع أحد أصدقاء رايس لصحيفة «ذا ناشيونال إنكوايرر» لقطات لرايس وهي تجلس في حجر هارت، صارت محاولات هارت لاختلاق مبررات أكثر صعوبة. كانت القشة التي قَصمت ظَهْر البَعِير هي عندما قال له مراسلون من صحيفة «ذا واشنطن بوست» أن لديهم دليلًا على علاقات غرامية أخرى؛ فاتخذ هارت القرار بالانسحاب من السباق الانتخابي.26

على الرغم من شعور صحفيين كثيرين بعدم الارتياح لفكرة تصرف المراسلَيْن كمخبر سري خاص تافه، فقد سوغ كثيرون الخبر استنادًا إلى أنه أثار أسئلة بشأن مصداقية هارت، واستعداده للانخراط في سلوك محفوف بالمخاطر. كُرِّم مراسلا صحيفة «ميامي هيرالد» من قِبَل جمعية الصحفيين المحترفين.

واجه الجمهور صعوبات في اتخاذ قراره بشأن المدى الذي ينبغي للصحافة أن تبلغه. توصلت استطلاعات للرأي أُجريت أثناء الجدل القائم بشأن قضية هارت ورايس إلى أن ٧٠ بالمائة من الجمهور ارتأَوْا أن المراسلَيْن قد تجاوزا حدودهما.27 وقبل ذلك ببضع سنوات فقط، تعرضت المؤسسات الإخبارية لانتقادات بسبب إخفائها لعلاقات الرئيس كينيدي الغرامية.
إن تحول وسائل الإعلام الإخبارية من وضعية الخضوع والتبعية إلى وضعية الهجوم الشرس لربما كان له تأثير سلبي عَرَضي واحد. ساقت إلين هيوم الأستاذة بجامعة هارفرد حجة مفادها أن تغطية وسائل الإعلام الإخبارية «تشبع دونما شك استخفاف وتشكك الجمهور من قادته السياسيين، ومن المؤسسات الصحفية الضارية كأسماك البيرانا التي تبدو مستعدة لافتراس أي شيء، في أي وقت، سواء فيما يتعلق بالمخالفات الطفيفة أو المخالفات الجسيمة.»28

(٣) هل ما زال الساسة فريسة ملائمة؟

عندما ترشح بيل كلينتون للرئاسة في عام ١٩٩٢م، واجه سيلًا من التقارير الإخبارية عن مغامرات جنسية له وقتما كان حاكمًا لولاية أركنساس. وحتى يخمد هذه الانتقادات، ظهر في برنامج «سيكستي مينتس» على شبكة «سي بي إس» بصحبة زوجته، هيلاري، وهي تجلس بجانبه، واعترف بأنه كان يوجد مشكلات تواجه زواجه. وقد تمكن من هزيمة جورج دبليو بوش الذي كان يشغل منصب الرئيس. أصبحت حياة كلينتون الخاصة قضية مطروحة من جديد في انتخابات عام ١٩٩٦م، إلا أنها كان لها تأثير طفيف على المحصلة النهائية؛ فقد أقر ناخبون كثيرون لمستطلعي الآراء بأنهم لا يثقون بكلينتون، وأنهم يتشككون في استقامته وأخلاقه، لكنهم قالوا إنهم خططوا مسبقًا لانتخابه. وحتى مع امتلاء الصحف والنشرات الإخبارية بشائعات عن علاقة غرامية مع متدربة بالبيت الأبيض، نال كلينتون بعضًا من أعلى معدلات الشعبية لرئيس في غير فترة الحرب. وعلى نحو مشابه، تأثرت الحملتان الانتخابيتان الرئاسيتان لبوب دول في عام ١٩٩٦م وجورج دبليو بوش في عام ٢٠٠٠م تأثرًا ضئيلًا نتيجة تقارير أفادت بأن دول كان منذ أعوام عديدة على علاقة غرامية، وأن بوش كان قد قُبض عليه بسبب قيادته السيارة مخمورًا.

وحتى الناخبون في ولاية مسيسيبي المحافظة اجتماعيًّا غضُّوا الطَّرْف عندما تبين أن حاكمهم لم يعِش حياة ترقى إلى القيم الأسرية المتينة التي كان يتحدث عنها في خطبه. فأثناء السباق الرئاسي بين كلينتون ودول، وصف الحاكم الجمهوري كيرك فورديس كلينتون بأنه «زير نساء» و«كذاب بالفطرة». بعد ذلك، في أحد أيام شهر نوفمبر، وبينما كانت زوجة فورديس في فرنسا، أخبر حراسه الأمنيين بأنه قد منحهم إجازة في ذلك اليوم، وفي عصر ذلك اليوم شوهد وهو ممسك بيد امرأة أثناء غداء خاص في مطعم هادئ. وفي وقت لاحق من تلك الليلة، وبينما كان فورديس يقود سيارته بمفرده على طريق سريع بين الولايات يمر بولاية مسيسيبي، انقلبت سيارته، وأصيب إصابات خطرة.

أصبحت أحداث ذلك اليوم أخبارًا رئيسية في ولاية مسيسيبي. أُجريت مقابلة مع النادلة، تعرفتْ خلالها على نحو مؤكد على الحاكم ووصَفتْ رفيقته. وقدم الموظفون العاملون مع فورديس روايات متضاربة عن يومه. وفورديس نفسه لم يكن لديه ما يدلي به لما يقارب الشهرين. وبعد ذلك عقد مؤتمرًا صحفيًّا، وأعلن أن الحادثة تسببت في إصابته بفقدان للذاكرة. لم يستطع استرجاع أي شيء مما حدث، بداية من وقت قصير قبل تناوله الغداء في ذلك اليوم. لم يستطع تذكر أين ذهب، أو من قابل، أو كيف وقعت الحادثة. وعلاوة على ذلك، قال: «حتى الحاكم يحق له بعض الوقت الخاص به.» بصرف النظر عن هذه التطورات، ظل تأييد العامة لفورديس ثابتًا، إلا أن العلاقة الغرامية التي سرت الشائعات بشأنها قد أسهمت في طلب زوجته للطلاق.

قال مستشار سياسي للحزب الديمقراطي لصحيفة «يو إس نيوز أند وورلد ريبورت»: «قبل كلينتون، كان من شأن هذا النوع من الأمور الشخصية أن يقضي عليك. أما في الوقت الحاضر، فقد أصبح الآن مجرد أحد عناصر المعادلة السياسية؛ فالتوجه السائد هو «نعم، بالتأكيد، ولكنني معجب بما حققه من إنجازات».»29

(٣-١) أقارب السياسيين

تلقى صيدلاني في مدينة تالاهاسي بولاية فلوريدا مكالمة هاتفية من طبيب يصرح بوصفة دواء زاناكس لمريض. ولأن ذلك كان في وقت متأخر من الليل، قرر الصيدلاني أن يراجع الطبيب ثانيةً، واكتشف أن الطبيب لم يجرِ المكالمة ولم يعد يمارس الطب. اتصل الصيدلاني بشرطي، الذي ألقى القبض على امرأة في الرابعة والعشرين من عمرها عندما حضرت لأخذ الأدوية. اتُّهِمَت نويل بوش، ابنة حاكم فلوريدا وابنة شقيق الرئيس جورج دبليو بوش، بالاحتيال من أجل صرف وصفة طبية؛ ما عُدَّ جناية.

كثير من المراسلين الذين تناولوا أخبار الحاكم عرفوا أن ابنته الكبرى كان لديها مشكلات تتصل بتعاطي المخدرات. حتى إن بوش أثناء حملته الانتخابية قد أشار إشارة عابرة إلى هذه الحقيقة. وعرف الصحفيون أيضًا أنها كانت قد دخلت مصحة لإعادة التأهيل مرة واحدة على الأقل وقتما كان والدها حاكمًا، ولكنهم لم يوردوا ذلك في تقارير. ولكن مع القبض عليها، سرعان ما تغيرت الأمور. تناقلت تقريبًا كل صحيفة وقناة تليفزيونية في فلوريدا الخبر، وكذلك فعل عدد ضخم من الصحف على مستوى البلاد، وبعض الصحف الأوروبية، وجميع النشرات الإخبارية الخاصة بالشبكات ومحطات الكابل.

بموجب قانون ولاية فلوريدا لتحويل المسار الذي يسمح لبعض المذنبين بطلب العلاج بدلًا من الإيداع بالسجن، أُودعت بوش في مركز علاج سكني. وما إن أُودعت هناك حتى ضُبِطَت مرتين وبحوزتها مخدرات، وأُعيدت إلى محكمة المخدرات. حاول محامي عائلة بوش أن يجعل جلسات الاستماع مغلقة «لتجنب السيرك الإعلامي» على حد وصفهم، ولكن رُفِض الطلب. عندما حُكِم عليها بعشرة أيام في السجن، غطت بعض الشبكات الإخبارية التليفزيونية على الكابل الأمر معتبرةً إياه خبرًا عاجلًا.30
تساءل صحفيون كثيرون وعدد كبير من عامة الناس عما إذا كانت خسارة هذه المرأة لمعركتها مع إدمان المخدرات هي حقًّا أمر استحق أن يكون ضمن الأخبار الوطنية. وأبرز أحد كتاب الأعمدة في صحيفة «سان بيترسبرج تايمز» ذلك بقوله:

لم تختر نويل بوش أن يكون والدها حاكمًا لولاية فلوريدا ولا عمها رئيسًا للولايات المتحدة؛ إلا أن مكانتهما هي السبب في أن يصبح ما يُعد — في ظروف أخرى — حدثًا عاديًّا، خبرًا من الأخبار الوطنية التي تُبَثُّ على مستوى البلاد … أنت لا تختار عائلتك. أنت تجد نفسك فردًا منها وحسب.

ارتأى صحفيون آخرون أن الخبر كان ذا صلة؛ فعندما كان بوش في طور الترشح لمنصب الحاكم، وعد بأن يجعل مكافحة المخدرات إحدى أولوياته الرئيسية. لكن بوش كحاكم «قد رفض الجهود الساعية لجعل علاج مرتكبي جرائم المخدرات إلزاميًّا زيادة على السجن.» حسبما ذكرت صحيفة «ذا تامبا تريبيون». فقد أوقف تمويل منظومة محاكم المخدرات الخاصة والعلاج الخاضع للإشراف من إدمان المخدرات. بعد القبض على ابنته، اختارت أن تلتحق بواحد من تلك البرامج، وأُعفيت من فترة الحبس.31 رأى صحفيون كثيرون مفارقةً في هذه الأحداث، وتساءل البعض إن كان من الممكن أن تتسبب التجربة الشخصية في جعل بوش يغير مواقفه.
مما لا شك فيه أن نويل بوش لم تكن وحدها ضمن أفراد العائلة البارزة سياسيًّا التي أوقعت نفسها في متاعب؛ فقد أوردت وسائل الإعلام أخبار القبض على ابنتَيِ الرئيس بوش، جينا وباربرا، بتهم تناول قُصَّرٍ للكحوليات في عام ٢٠٠١م. وبعد ذلك بأسابيع، أوردت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» أن باربرا قد شُوهدت في ضاحية منهاتن «منحنية الخصر، وتبصق على رصيف المشاة».32 أيضًا كانت مشكلات المخدرات لدى كثيرين من أبناء عائلة كينيدي — بما في ذلك تعاطي جرعة قاتلة — من الموضوعات الدسمة بالنسبة إلى الصحافة.
يعرف معظم الساسة أن الرقابة العامة هي «ضمن الثمن الذي يدفعه أبناء الساسة مقابل فوز والدهم في صناديق الاقتراع»، كما قال فرانك ووتن من صحيفة «ذا بوست أند كورير» في مدينة تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية. واعتبر أن آباءهم يجرُّونهم إلى بؤرة اهتمام الرأي العام، ويجعلونهم يتخذون وضعية التصوير في «الصورة العائلية الإجبارية» ليُظهِروا للناخبين كم هي عائلاتهم سعيدة، إنهم يجعلونهم يظهرون في المؤتمرات الانتخابية والفعاليات الأخرى للحملات الانتخابية. قال حاكم ولاية كارولاينا الجنوبية جيم هودجز لووتن إنه كان يحاول أن ييسر لأبنائه طفولة طبيعية قدر الإمكان. إلا أن الأبناء كانوا على دراية بدورهم كأبناء سياسي. قال الحاكم: «لقد توصلوا إلى إدراك النتائج المترتبة على موقف كهذا.»33 عاملت وسائل الإعلام الإخبارية أبناء بعض الساسة باحترام. في أغلب الوقت، تركت وسائل الإعلام ابنة الرئيس كلينتون، تشيلسي، تدرس في الجامعة في كاليفورنيا وكلية الدراسات العليا في إنجلترا دون الكثير من الاهتمام الإعلامي، ونالت تشيلسي تغطية إعلامية مكثفة فقط عندما حضرت عرض أزياء فيرساتشي مع الممثلة جوينيث بالترو والمغنية مادونا.

المشكلة الأكبر، كما في حالة نويل بوش، تظهر عندما تُخرق القوانين أو عندما يفعل الأقارب أمورًا أخرى للفت الانتباه إليهم؛ فليس ثمة اتفاق فيما بين المحررين في تناول هذا الأمر؛ فقد تصدت أربع صحف، في غضون بضعة أشهر بين كل صحيفة وأخرى، لتغطية الأحداث المتورط فيها أقارب ساسة محليين، وتعاملت كل صحيفة منها مع الخبر بطريقة مختلفة.

في مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا، قبضت الشرطة على رجل كانت والدته عضوة بمجلس المدينة، وكان والده بصدد الترشح لمنصب العمدة. اتُّهم الرجل ذو الخمسة والثلاثين عامًا باستغلال الأطفال في تصوير مواد إباحية وارتكاب الفسق. قرر محررو صحيفة «ذا فلوريدا تايمز يونيون» تحديد هوية والديه، وأجرَوْا مقابلة مع والدته، عضوة مجلس المدينة، ونشروا الخبر وصورة للرجل المتهم في عمود الجريمة بالصحيفة مصحوبة بتعليقات لوالديه.

عندما اتُّهِم شقيق العمدة المُنتخَب لمدينة دايتون بولاية أوهايو بحيازة الكوكايين، نشرت صحيفة «دايتون دايلي نيوز» خبرًا مقتضبًا عن القبض عليه في عمود موجز الأخبار المحلية الخاص بها، وعرَّفَته بأنه شقيق السياسي. لم تنشر الصحيفة صورته ولم تُجرِ لقاءً مع شقيق الرجل المتهم.

صحيفة «ذا نيوز جورنال» بمدينة ويلمنجتون في ولاية ديلاوير كانت أكثر تحفظًا في تغطيتها، عندما اتُّهم ابن العمدة البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا بالاغتصاب. تعاملت الصحيفة مع الخبر تمامًا كما كان سيصبح عليه تعاملها مع أي واقعة اغتصاب أخرى. ونظرًا لأن الصحيفة في المعتاد لا تورد أسماء والدَيِ المجرمين البالغين، فلم تنوِّه إلى أن المتهم ابن العمدة.34 اتصل مايك كلارك، الممثل للقراء بصحيفة «ذا تيتنيس يونيون»، بالعديد من المتخصصين في مجال الأخلاقيات، وسألهم عن رأيهم في كيفية تغطية أخبار مثل هذه. اعتقد كِن ستارك، الأستاذ بجامعة آيوا الذي صار لاحقًا المحقق في شكاوى القراء لحساب صحيفة «سيدار رابيدز جازيت» بولاية آيوا، أن صحيفة «ذا نيوز جورنال» تعاملت مع الخبر بطريقة صحيحة؛ فإذا كانت الصحيفة لا تُجري في المعتاد لقاءات مع والدَي الأبناء البالغين المتهمين بارتكاب جرائم، فينبغي ألا تُجري استثناءً في حالة شخصية سياسية.
في مدينة بورتلاند، ناقش المحررون في صحيفة «ذا أوريجونيان» مؤخرًا مسألة تغطية خبر انتحار ابن سيناتور ولاية أوريجون جوردون سميث. واتخذوا قرارًا بعدم نشر الخبر في الصفحة الأولى. عوضًا عن ذلك، نشروا فقرة قصيرة بداخل قسم أخبار المدينة التي وصفت صراع ابنه الطويل مع الاكتئاب السريري، ولم تتضمن تحديدًا أي تفاصيل عن كيفية وفاته، حسب المحرر العام بالصحيفة. إلا أنه حتى ذلك كان يتخطى حدود حرمة الحياة الخاصة من وجهة نظر قلة من القراء؛ فكتب أحدهم يقول: «لقد كان الأمر يتعلق بشاب مضطرب، وليس بشخصية عامة. إنه لم يكن يرجو أن يُفْشَى أمر صراعه مع المرض لأن والده ترشح لمنصب عام. ما الذي يفيدنا من معرفة أن هذا الشاب قد هُزِم في صراعه مع المرض؟»35

(٣-٢) التشهير بالساسة

في وقت ما، كان التشهير بالمثليين جنسيًّا من الأنشطة الرائجة في المجتمع الأمريكي؛ ففي ولاية فلوريدا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أنشأت الهيئة التشريعية بالولاية لجنة كانت وظيفتها مواجهة «خطر المثلية الجنسية» في المدن الجامعية التابعة لجامعة الولاية. أسفرت لجنة جونز عن عزل أكثر من ١٠٠ أستاذ جامعي، وطرد عشرات من الطلاب. ترك كثيرون جامعات ولاية فلوريدا عندما تعرضوا لاستجواب الشرطة بشأن ميولهم الجنسية. وفي ولايات أخرى أيضًا تعقبت هيئات حكومية المثليين جنسيًّا وفضحتهم.

كانت وسائل الإعلام الإخبارية ضالعة في الأمر أيضًا؛ فقد قال بريت هيوم من قناة فوكس نيوز إنه حينما كان يعمل لحساب كاتب المقالات جاك أندرسون في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، تعقب ابن سبيرو أجنيو — الذي أصبح فيما بعد نائب الرئيس الأمريكي — وتأكد من أنه انفصل عن زوجته، وانتقل ليعيش مع مصفف شعره في مدينة بالتيمور. قال هيوم إنه يشعر بالخجل بسبب هذا الخبر أكثر من خجله من أي شيء آخر فعله في الصحافة. وأوضح يقول: «إنني نادم على هذا الأمر إلى يومي هذا.»

لم تعد وسائل الإعلام الرئيسية ترغب في أن يقترن اسمها بالتشهير. كان تشارلي كريست، الذي أصبح حاكم ولاية فلوريدا في عام ٢٠٠٧م، هدفًا لمزاعم تشهير من جانب برامج حوارية، ومجلات موجهة إلى المثليين جنسيًّا، وصحف أسبوعية تتبع نهج الصحافة البديلة. ونُوقشت ميوله الجنسية كلما اجتمع الساسة والمراسلون السياسيون معًا، حسبما أوردت صحيفة «ميامي نيوز تايمز». وبعد ذلك «يعود المراسلون أدراجهم إلى غرف الأخبار الخاصة بهم، ولن يكون هناك أي شيء عن الشائعات المتبادلة سرًّا في صحيفتك الصباحية في اليوم التالي.»36 حظي كريست باهتمام إعلامي في الأيام الأخيرة للانتخابات الأولية للحزب الجمهوري، بعدما تلقت الصحف نسخًا من وثائق قضائية، لا يحق للعامة الاطلاع عليها دون أمر قضائي، تتعلق بدعوى إثبات نسب متورط فيها كريست. في مؤتمر صحفي، كرر كريست إنكاره لأبوته لطفل.37
تتخذ معظم المنافذ الإخبارية موقفًا يشبه كثيرًا ما تعبر عنه صراحةً صحيفة «ذا نيويورك تايمز» في مدونة القواعد الأخلاقية الخاصة بها، وهو أن الصحيفة في حالة واحدة فقط «تُعَرِّف الشخصيات العامة بأنهم مثليون عندما يكون الأمر ذا صلة بالخبر المنقول»؛ فعندما أوردت صحيفة «ذا سبوكسمان ريفيو» في مدينة سبوكين أن العمدة جيم ويست قد استغل منصبه ليعرض وظائف على صبية مراهقين كان مهتمًّا بهم جنسيًّا، زعمت الصحيفة أن ذلك لم يكن تشهيرًا. وفي رسالة إلى القراء، كتب رئيس تحرير الصحيفة: «هذا ليس خبرًا عن الميول الجنسية. إنه خبر عن انتهاك جنسي مزعوم لأطفال، وإساءة استخدام للنفوذ والسلطة.»38

في أوقات أخرى، تسوِّق وسائل الإعلام الرئيسية حجة مفادها أنها لا تُشَهِّر بالمثليين بالقدر الذي تفضح به المنافقين. عندما أوردت الصحيفة الاتهامات ضد عمدة مدينة سبوكين، أشار الأغلبية إلى أنه كان «يؤيد برنامجًا مناهضًا للمثليين أثناء فترة ولايته كواحد من أقوى الجمهوريين في الهيئة التشريعية». ذكَّرت إحدى صحف مدينة سياتل القراء بأن ويست «كان يدعم مشروع قانون كان من شأنه أن يحظر على المثليين والمثليات العمل في المدارس والحضانات وبعض الهيئات الحكومية بالولاية [و] صوَّت لتعريف الزواج بأنه ارتباط بين رجل وامرأة.» (نتناول حالة ويست باستفاضة في الفصل الخامس.)

كتب سكوت ماكسويل، وهو كاتب سياسي يعمل لحساب صحيفة «أورلاندو سنتينل»، أنه يعتقد أن ثمة ظروفًا كثيرة يكون فيها فضح السياسي المنافق مبرَّرًا. ومثال على ذلك مرشحٌ يزعم أنه صديق للمُزارِع ثم يصوت ضد مصالح المزارعين ما إن يُنْتَخَب. ومع ذلك، فإنه يشير إلى أن ثمة مفارقة في الطريقة التي يطبق بها الصحفيون مقاييس النفاق على المثليين؛ فالشيء الذي يبدو أن وسائل الإعلام تقوله للمثليين الذين لم يفصحوا عن ميولهم الجنسية هو: «إننا سوف نُشَهِّر بك فقط إن كان لديك مواقف مناهضة للمثليين. أما إن كنت تساند حقوق المثليين، فَسِرُّك في مأمن.»39
لا يزال الساسة المثليون الذين يفصحون عن ميولهم الجنسية نادرين؛ فعلى الرغم من أن النائب بارني فرانك من ولاية ماساتشوستس قد أصبح قائدًا محليًّا معترفًا به، فإنه يوجد عضو واحد آخر فقط من أعضاء الكونجرس الخمسمائة وخمسة وثلاثين هو الذي أفصح عن ميوله الجنسية المثلية في عام ٢٠٠٦م. أشارت التقديرات إلى أنه يوجد ٣٠٠ من المثليين الذين أفصحوا عن ميولهم الجنسية من بين المسئولين المنتخَبين على مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي، والذين يبلغ عددهم ٥١١ ألفًا. وتذكر مجموعة مدافعة عن حقوق المثليين أن ٦٧ مسئولًا انْتُخِبوا لمناصب عامة محلية أو على مستوى الولايات في عام ٢٠٠٦م. وكثيرون منهم كانوا من أوائل المثليين الذين أفصحوا عن ميولهم الجنسية، وكانوا قد انْتُخِبوا لمنصب عام على مستوى الولايات أو على المستوى المحلي في ولاياتهم.40

اتُّهِمت المؤسسات الإخبارية من حين لآخر «بالتعتيم»، وهو الإخفاء عن قصد لحقيقة أن أشخاصًا ما لديهم ميول جنسية مثلية. وزعمت إحدى المنشورات ذات التوجهات المثلية في ولاية مينيسوتا أن تجمع «توين سيتيز ميديا» فعل ذلك بالضبط عندما قُتِلت ضابطة شرطة في مدينة مينيابوليس أثناء أدائها لواجبها. وأوردت المجلة أن الضابطة «مثَّلت إدارة شرطة مينيابوليس في مهرجانات بالفخر بالمثلية الجنسية، وكانت فخورةً بكونها شرطيةً مثليةً ترتدي الزي الرسمي للشرطة».

إلا أنه في التغطية التي تناولت مقتلها، لم تذكر الصحف ولا النشرات الإخبارية أنها كانت مثلية الجنس. رأى البعض أنه بتعريف الضابطة بأنها مثلية، فإن وسائل الإعلام ستكون «قد أجبرت الأشخاص الذين يتبنَّوْن معتقدات مناهضة للمثلية الجنسية أن يقروا بأن الشرطية — التي قُتلت وهي تحميهم من الخطر، والتي نُعِي موتها في أنحاء ولاية مينيسوتا — كانت شخصًا يدينونه على نحو دائم.»41

(٤) سيناريوهات للمناقشة

هذه السيناريوهات تعتمد على خبرات المراسلين والمحررين. ولقد عُدِّلَت من أجل المساحة والتأثير. في غالبية هذه المواقف، سيلتمس المراسل المشورة من محررٍ، وسيكون من شأن المحررين أن يتخذوا القرار النهائي. بَيْد أن المُدخَلات الرئيسية ستأتي من المراسل، والمحررون الجيدون سيستمعون مليًّا للمراسلين قبل اتخاذ قرار. في بعض الحالات، يمكنك أن تتحقق مما فعله المحررون الحقيقيون. ذلك لا يعني أنهم فعلوا الصواب، ولكن يمكنك مقارنة أفكارك بأفكارهم.

(٤-١) سيناريو خصوصية الشخصيات العامة الأول: الرئيس صعب المراس

  • الجزء الأول: الجامعة المحلية التابعة للولاية لديها رئيس شاب بعث حياة جديدة في الكيان التعليمي. والطلاب معجبون به. كثيرًا ما يتناول العشاء هو وزوجته مع الطلاب في سكن الطلاب والرابطات الأخوية ورابطات الفتيات. وهيئة التدريس بالجامعة معجبة به. هدايا الخريجين سجلت ارتفاعًا لم تبلغه من قبل، وأثمرت زياراته المتكررة مع أعضاء الهيئة التشريعية إلى عاصمة الولاية مزيدًا من البرامج الجديدة والتمويل الحكومي، أكثر مما تلقته الجامعة في أي وقت مضى.

    أنت تعمل لحساب مؤسسة إخبارية، وتغطي أخبار الجامعة على نحو دوري. تتلقى معلومة مفادها أن الشرطة في العاصمة تحقق بشأن شبكة دعارة مخصصة للأثرياء هناك، وأن اسم رئيس الجامعة كان ضمن قائمة الزبائن كثيري التردد عليها. فتتصل بالشرطة في العاصمة، التي تبعد نحو ١٠٠ ميل، فقط ليخبروك بأنهم لا يدلون بتعليقات على التحقيقات الجارية. فتراجع موقع ليكسس نيكسس لقواعد البيانات، وتجد تقارير في الصحف تفيد بأن شرطة العاصمة كانت تستعين بضباط شرطة سريين للقبض على رجال يجتذبون النساء لممارسة الدعارة في مناطق معينة من المدينة. وورد على لسان قائد شرطة الآداب قوله: «إن القبض على زبائن العاهرات هو أفضل وسيلة لإيقاف الاتِّجار بالجنس.»

    في ولايتك، سجلات نفقات الموظفين العموميين هي سجلات عامة يحق للجمهور الاطلاع عليها؛ لذا تطلب أن ترى سجلات النفقات الخاصة بالزيارات القليلة الماضية التي قام بها الرئيس للعاصمة. تُظهر فاتورة الفندق الخاصة به العديد من المكالمات التي وُضِعَ عليها خطوط سوداء. يقول موظفو الجامعة إن هذه كانت على ما يبدو مكالمات شخصية، وإن الرئيس قد رد إلى الجامعة المال المدفوع فيها.

    يمكنك أن تتبين أرقام الهاتف. تشير المراجعات إلى أن رقمين منها يخصان خدمة تدليك «دلايتفول تاتش». فتجري بحثًا على شبكة الإنترنت، وتتوصل إلى الصفحة الرئيسية الخاصة بخدمة «دلايتفول تاتش» على شبكة الإنترنت. تقول صفحة خدمة التدليك هذه إن طاقم العاملين لديها «جميعه من الفتيات»، وبها صور لنساء لا يستر أجسادهن إلا القليل من الثياب. وهناك رسالة مكتوبة بحروف صغيرة تقول: «مُدَلِّكاتنا هن متعاقدات مستقلات، والمقابل الذي تدفعه لنا يشمل تدليكًا أساسيًّا، وأي خدمات علاجية أخرى يمكن التفاوض بشأنها مع المُدَلِّكة.»

    تَحْصُل على بيانات المصروفات عن رحلة أخرى قام بها الرئيس على نفقة الجامعة، أغلبها يتضمن مكالمات — كلها رُدَّت قيمتها إلى الجامعة — أُجريت مع وكالات للتدليك مسماة بأسماء مثل «دايفان ريلاكساشن» و«توتال بليجر ماساج».

    تواجه رئيس الجامعة بما علمت؛ فيقول إنه يعاني من آلام بالظهر، وإنه يشعر بألم شديد بعد قيادة السيارة لفترة طويلة أو بعد رحلة بالطائرة. كما يقول إنه يتلقى تدليكًا في غرفته حتى يتسنى له النوم. كما يوضح قائلًا: «كل ما أحصل عليه هو التدليك، وجدتُ رقم الهاتف في دليل الهاتف المحلي، واتصلتُ للحصول على جلسة تدليك. إن كان أيٍّ من هذه الوكالات ينخرط في أنواع أخرى من الأمور، فلا علم لي بها.»

    تتصل برئيسة مجلس أعضاء هيئة التدريس؛ فتقول إنها تشعر بالصدمة، وتشير قائلة: «إن تلك ليست الطريقة التي ينبغي أن يمثل بها رئيسٌ الجامعة. الدعارة انتهاك للقانون والآداب العامة، وهي خيانة لعهود زواجه. إنني آمل أن تكون معلوماتك خاطئة. إن كنت مصيبًا، فإنني على يقين من أن المجلس سيمرر قرارًا يؤدي إلى «سحب الثقة». إننا نتوقع ما هو أفضل من ذلك ممن يشغل منصب رئيس الجامعة.»

    يستشيط رئيس مجلس الطلاب غضبًا منك عندما تخبره عن الأمر، ويقول: «إنه رجل رائع، ورئيس رائع. إنني لا أصدق أنه ارتكب أي خطأ، وحتى إن فعل، فإن ما يقترفه أثناء وقته الخاص هو شأنه هو وحده. لماذا تريد أن تتسبب في الحرج للرجل وعائلته؟»

    طبِّق صندوق بوتر، وقرر إذا كنت ستستمر في نقل هذا الخبر وستتناوله.

  • الجزء الثاني: يتعقب مراسلٌ يعمل لحساب صحيفتك المُدَلِّكةَ التي زارت غرفة الرجل في إحدى المرات. تقول المدلكة — مشترطةً الحفاظ على سرية هويتها — إن نساء كثيرات لم يُرِدْن أن يقدِّمن له الخدمة؛ لأنه يريد «ممارسةً جنسيةً غيرَ تقليدية»، وتصف ذلك بتعبيرات جنسية فجة.

    إذا لم تكن قد استخدمت الخبر سابقًا، هل ستتناوله الآن؟ وإن كنت قد تناولت الخبر بالفعل، هل ستُجري متابعة إخبارية حول المقابلة مع فتاة الهَوى؟ هل ستُدْرِج الإشارات إلى الممارسة الجنسية غير التقليدية؟ (قرارات الصحيفة موجودة في نهاية الكتاب.)

(٤-٢) سيناريو خصوصية الشخصيات العامة الثاني: ماضي الساسة

أنت بصدد إعداد خبرين بصفتك مراسلًا صحفيًّا ذا مهام عامة: يُعْثَر على محامية في الثالثة والأربعين من عمرها ميتةً وفي حقيبتها بعض أقراص الدواء المسكنة للألم التي يستلزم صرفها وصفة طبية. الطبيب الشرعي في طور التحقيق في الأمر. أثناء جمعك لمعلومات أساسية لخبرك، تعرف اسم كلية الحقوق التي درستْ بها وتعرف معلومات عن طبيعة عملها الخاص. وتكتشف أيضًا أنها قبل ١٢ عامًا، كانت مدَّعِيَة عامة بارزة، وفُصِلَت بعدما قُبض عليها بتهمة القيادة مخمورة، ولرفضها الخضوع لاختبار التنفس، حسب خبر في صحيفتك في ذلك الوقت.

الخبر الآخر بدا معتادًا؛ فقد أقر مجلس المدينة تعيين العمدة لعضوين بمجلس المكتبة، ولكنَّ فحصًا سريعًا لملفات صحيفتك يكشف عن حقيقةٍ مفادها أنه منذ ثمانية أعوام دفع أحدهما بعدم الاعتراض (وهو ما يعني أن المدعى عليه يدفع بكونه غير مذنب ولكنه لا يعترض على التهم الموجهة إليه) على تهمة التحريض على الدعارة، وقام بخدمة المجتمع حسبما حُكِم عليه، وشُطِبَت التهم الموجهة إليه من سجله الجنائي.

هل تُدْرِج هذه التفاصيل من ماضي الأشخاص في الخبرين اللذين تُعدهما؟ (قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)

(٤-٣) سيناريو خصوصية الشخصيات العامة الثالث: رئيس مجلس المدرسة ينشر إعلانًا شخصيًّا

يُنْتَخَب رجل أعزب يمتلك متجرًا للأنتيكات لمجلس مدرسة محلية في مدينة متوسطة الكثافة السكانية من مدن ولايات الجنوب القديم (وهي ولايات فيرجينيا وماريلاند وكارولاينا الشمالية وكارولاينا الجنوبية، وجورجيا التي كانت ضمن الولايات الثلاث عشرة في حقبة الاستعمار البريطاني). واكتسب سمعة بوصفه من يعمل على إحداث توافق في الآراء في المجلس، ويقود الكثير من المبادرات لتحسين جودة المدارس.

عندما يترشح للانتخابات، يتبرع تاجر سيارات محلي بمبلغ ١٠ آلاف دولار لمنافسه، وهو مبلغ كبير بالنسبة لسباق انتخابات مجلس مدرسة. يُستخدَم جزء كبير من المال لإثارة تساؤلات بشأن هل الرجل مثلي الجنس أم لا؟ ومع ذلك، يُعاد انتخابه لمجلس المدرسة بفارق ضئيل، ويرى مراقبون كثيرون أن الحملة المعارضة جاءت بنتيجة عكسية، وحولت الناخبين إلى جانبه.

ونظرًا لقدرة الرجل على جعل أعضاء مجلس المدرسة يعملون معًا، انتُخِب رئيسًا لمجلس المدرسة. يدير الرجل الاجتماعات، ويلعب دورًا كبيرًا في وضع جدول الأعمال. وأيضًا يصبح شخصية ظاهرة للعيان جدًّا في المجتمع المحلي؛ فكلما عرضت المحطات التليفزيونية أو صحيفة خبرًا عن المدارس، كان هو الرجل الذي يمثل مواقف مجلس المدرسة. وهذا المنصب هو عمل بدوام جزئي، ويُدِر ١١ ألف دولار في العام.

أنت مراسل وتغطي أخبار مجلس المدرسة، وتتلقى معلومتين مفادهما أن الرجل قد وضع إعلانًا شخصيًّا مع صورة غير محتشمة على موقع www.manhunt.net، وهو موقع على شبكة الإنترنت للرجال مثليي الجنس الجنسية؛ فتدخل على الموقع، وتدفع خمسة دولارات قيمة رسوم عضوية لمدة أسبوع، وتتفحص الإعلانات الشخصية. وكما كنت تتوقع، تجد صورته هناك. في الصورة هو عاري الصدر. الوصف الذاتي الذي وضعه لنفسه يصف بعبارات واضحة نوعًا ما أنواع الأنشطة الجنسية التي يستمتع بها.

وخوفًا من احتمال أن منافسًا سياسيًّا يدبر له مكيدة بوضع صورته على ذلك الموقع، تتصل بالرجل. فيقر بأنه وضع الإعلان منذ بضعة أيام، ويعترف قائلًا: «لقد كان تصرفًا أحمق من جانبي.» بعد لحظات، تعاود الولوج إلى الموقع لتتأكد من أن التفاصيل التي لديك صحيحة، وتجد أن صفحته قد مُحيت مسبقًا. ومن حسن الطالع فيما يتعلق بخبرك، أنك كنت قد حفظت نسخة من صفحته في زيارتك الأولى للموقع.

تُجري اتصالًا هاتفيًّا بعضو آخر لمجلس المدرسة، وعندما تخبره عن الصورة والتفاصيل الأخرى تجده يتلعثم؛ إذ لا يجد ما يقوله. بعد ذلك يخبرك قائلًا: «يا له من أمر مخزٍ، لقد كنا أنا وهو زميلين وصديقين منذ أصبح عضوًا في المجلس. إن للناس الحرية في فعل ما يريدون فعله، ولكن عندما تكون مسئولًا عامًّا، فإن العامة يعرفون بأمرك … كان وقع الخبر عليَّ كالصاعقة.»

الساعة الآن ٩:٣٠ مساءً، وسيكون عليك أن تقرر إن كنت ستعرض الخبر على محررك أو على مدير الأخبار، كما ستكون بحاجة لأن تقرر إلى أي مدًى تريد القتال من أجل أن يُقَص خبرك على الناس.

تأمَّل الخطوات الموجودة في صندوق بوتر وفي مدونة القواعد الأخلاقية الخاصة بجمعية الصحفيين المحترفين، واستعد للدفاع عن قراراتك. (قرارات الصحيفة موجودة في نهاية الكتاب.)

(٤-٤) سيناريو خصوصية الشخصيات العامة الرابع: تصريح عنصري

أنت مراسل في مدينة جنوبية، وتخوض مدينتك سباقًا محتدمًا لانتخاب عمدة جديد. أحد المرشحين في الأعوام الأخيرة من العقد السابع من عمره، ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بمراكز القوى التقليدية بالمدينة، ويمتلك شركة تجارية محلية معروفة. وبالكاد فاز الرجل في الانتخابات الأولية لحزبه. المرشح الآخر هو محامٍ يريد أن يجمع أطياف المجتمع المحلي و«بدء صفحة جديدة».

قبل أقل من أسبوع على الانتخابات، تقول سيدة إنها كانت في حفل منذ شهور عدة مع المرشح الأكبر سنًّا. وتقول إنه أخبرها بأن «النساء لا ينبغي أن يتولين مناصب عامةً». وبعد ذلك استخدم كلمة «زنجي» في مناقشة مشكلات في منطقة شاسعة من المدينة يقطنها الأمريكيون من أصل أفريقي. أنت تعرف أن خبرًا كهذا يمكن أن يكون له تأثير هائل على الناخبين. عندما تسأل المرشح، يقول إنه لم يستخدم ذلك التعبير منذ كان في السنة الأولى بالمدرسة، ووقتها انتهرته خادمة الأسرة. ويقول إن التوقيت يشير بوضوح إلى أن هذه «حيلة سياسية قذرة» للقضاء على ترشحه.

  • الجزء الأول: الشخص الذي يخبرك عن المحادثة لا يريدك أن تستخدم اسمه. على الرغم من خسارته في الانتخابات الأولية أمام الرجل الأكبر سنًّا، فإنه يعتقد أن أمامه مستقبلًا سياسيًّا متألقًا. إذا عرف الحزب أنه هو مصدر خبرك، فإن مستقبله السياسي سيصبح في خطر، ولكنه يشعر بالقلق من أن يساعد حزبه على انتخاب شخص متعصب.

    لديك أمران عليك أن تتخذ قرارًا بشأنهما: هل ستستخدم الخبر؟ وهل ستَعِد بعدم الكشف عن هوية مصدرك؟

  • الجزء الثاني: تعلن الأمر عضوة حالية في مجلس المدينة، وهذه العضوة هي مؤيدة نشطة لمنافس الرجل الأكبر سنًّا، وهي مثلية الجنس مجاهرةٌ بمثليتها، وناشطة نسائية مؤيدة لحقوق المرأة، وقالت إنها أُصيبت بالصدمة عندما هاجم الرجل الأكبر سنًّا كلًّا من النساء والأمريكيين من أصل أفريقي. كانت المرة الأولى التي تتحدث فيها إليه، ولم يكن قد أعلن بعدُ عن ترشحه لمنصب العمدة. قالت إنها تقدمت الآن لأن المنافسة كانت متكافئة إلى حد أنها رأت أن الناخبين كانوا بحاجة لأن يعرفوا أن أحد المرشحين عنصري ومتحيز جنسيًّا.

    لديك رواية منفردة دون شهود. يتذكر المرشح الأكبر سنًّا أنه التقى بها في الحفل لكنه ينكر إنكارًا شديدًا إدلاءه بالتصريحات. قالت السيدة إنهما كانا يتكلمان على انفراد؛ لذا لا يمكن لأحد أن يشهد على صحة المحادثة. تُجري العديد من المكالمات، ولكن لا يمكنك الوصول إلى أي شخص يقول إنه قد سمع الرجل يتفوه بألفاظ عنصرية.

    هل ستستخدم الخبر؟ (قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)

هوامش

(1) Larry J. Sabato, Feeding Frenzy: How Attack Journalism Has Transformed American Politics, New York: The Free Press, 1991, p. 27.
(2) John Seigenthaler, “The First Amendment: The first 200 years,” Presstime, February 1991, pp. 24–30.
(3) Ibid. Although historians discounted this news report, DNA testing later indicated that the story may have been true.
(4) Michael Wines, “Supreme leader, pigeon in chief,” The New York Times, March 23, 1997, p. A-4.
(5) Seigenthaler, op. cit, p. 29.
(6) Wines, op. cit.
(7) Details taken from David Shaw, “Stumbling over sex in the press,” Los Angeles Times, August 18, 1991, p. A-l, Seigenthaler, op. cit, and Sabato, op. cit.
(8) Details of the 1884 campaigns are reported both by Sabato, op. cit, pp. 25–51, and Seigenthaler, op. cit, p. 30.
(9) See Gloria Borger, “Private lives, public figures,” U.S. News and World Report, May 18, 1987, p. 20, and Sabato, op. cit, pp. 25–52.
(10) Sabato, op. cit, p. 30.
(11) That FDR had this relationship is widely reported. See Borger, op. cit, Seigenthaler, op. cit, or Sabato, op. cit.
(12) Sabato, op. cit, p. 30.
(13) Ibid., p. 31.
(14) Ibid., p. 40.
(15) Seymour Hersh, The Dark Side of Camelot, Boston: Little, Brown, 1997, pp. 238–246.
(16) Sabato, op. cit, p. 36.
(17) See Sabato, op. cit, or Borger, op. cit.
(18) Seigenthaler, op. cit, p. 24.
(19) Hersh, op. cit, p. 106.
(20) Shaw, “Trust in media is on decline,” Los Angeles Times, March 31,1993, p. A-l.
(21) Sabato, op. cit, p. 46.
(22) Harry F. Waters, “Public or private lives?” Newsweek, February 17, 1975, p. 83.
(23) Interview with Goodwin, October 7, 1981.
(24) Waters, op. cit.
(25) Ibid.
(26) The Hart-Rice story is widely told. For instance, Borger, op. cit, has a good discussion.
(27) Shaw, op. cit.
(28) Ibid.
(29) Douglas Stanglin, “The new politics of forgive and forget,” U.S. News and World Report, March 3, 1997, pp. 37–40.
(30) Information about the Noelle Bush case came from David Wasson, “‘Saddened’ Bush turns to helping daughter,” The Tampa Tribune, January 30, 2002; Lucy Morgan, “Gov.’s daughter charged with fraud,” St. Petersburg Times, January 30, 2002; Ronald L. Littlepage, “Perhaps daughter’s arrest will trigger new thinking,” The Florida Times-Union, January 31, 2002; Daniel Ruth, “Isn’t it a bit late to worry about Noelle’s privacy?” The Tampa Tribune, October 11, 2002; and John-Thor Dahlburg, “President’s niece sentenced,” Los Angeles Times, October 18, 2002.
(31) Howard Troxler, “Take Bush to task on issues—not misfortune,” St. Petersburg Times, January 30, 2002.
(32) Jean Scheidnes, “Bush twins take full stride into glare of the public eye,” The Austin American Statesman, July 14, 2004.
(33) Frank Wooten, “Proud pops Hodges, Sanford agree: Let their little boys be little boys,” The Post and Courier, September 15, 2002.
(34) “Regional headlines,” Dayton Daily News, November 9, 2001.
(35) Michael Arrieta-Walden, “Private details and public figures make for tough decisions,” Oregonian, September 20, 2003.
(36) Julia Reischel, “Charlie Crist is NOT gay and other things the Republican Party wants you to believe on Election Day,” Miami New Times, October 19, 2006.
(37) For example, see Adam C. Smith, “Crist confronts paternity claim,” St. Petersburg Times, Sept. 4, 2006.
(38) Steven A. Smith, “Stories result of 3-year investigation,” Spokesman Review, May 5, 2005, p. A1.
(39) Scott Maxwell, “The not-so-secret Crist rumors,” Orlando Sentinel, November 4, 2006.
(40) The Web site www.victoryfund.org tracks and supports gay politicians. Also see Curtis Bull, “Governing 101: gay politicians are going back to school to learn how to be more effective public officials,” The Advocate, October 28, 2003.
(41) Ken Darling, “And she was gay,” Lavender, October 18, 2002.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤