الفصل الرابع

في وفاته ومناقبه وأسرته

حُمَّ الصديق لسبعٍ خلَوْنَ من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فلما اشتد عليه المرض دعا كبار الصحابة فاستشارهم في استخلاف عمر من بعده، بعد أن أمره بالصلاة فيهم مدة حُمَّاه، فقالوا له: الأمر ما رأيت يا خليفة رسول الله، وقال بعضهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غِلَظه؟ فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تُخوِفونني؟ خاب من تزور من أمركم بظلم، أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، ثم اضطجع وجاءه عثمان بن عفان، فقال له: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها وعند عهده بالآخرة داخلًا فيها، حين يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا وأطيعوا، فإني لم آلُ الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا، فإن عدل فذاك الظن به وعلمي فيه، وإن بدَّل فلكل امرئ ما اكتسب، والخيرَ أردتُ ولا علم لي بالغيب، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.١
ثم إنه دعا عمر، فقال له: يا عمر، اتقِ الله، واعلم أن الله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدَّى فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقُلت موازينه يوم القيامة باتِّباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم، وحقٌّ لميزان لا يكون فيه إلا الحق أن يكون ثقيلًا، وإنما خفَّت موازين من خفَّت موازينه باتباعهم الباطل، وحق لميزان لا يكون إلا الباطل فيه أن يكون خفيفًا، وإن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف ألَّا ألحق بهم، وإن الله ذكر أهل النار وذكرهم بأسوأ أعمالهم وردَّ عليهم أحسنها، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو ألَّا أكون مع هؤلاء؛ ليكون الصدر راغبًا راهبًا، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكُ غائب أحب إليك من الموت، ولستَ تُعجزه، وإن لم تحفظ وصيتي فلا يكُ غائبٌ أبغض إليك من الموت.٢

ويظهر أن بعض الطامعين في الخلافة قد تألَّموا من عهد أبي بكر لعمر، فأخذوا يتقوَّلون بعض الأقاويل، ولما علم أبو بكر بذلك قال لعبد الرحمن بن عوف وقد دخل عليه يعوده: إني وليتُ أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه من ذلك، يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمَّا تقبل، وهي مقبلة، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع على الصوف الآذري كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان، والله لأن يُقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، وأنتم أول ضالٍّ بالناس غدًا، فتصدونهم عن الطريق يمينًا وشمالًا، يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.

فقال عبد الرحمن: خفِّض عليك رحمك الله! فإن هذا يهيضك في أمرك، وإنما الناس في أمرك بين رجلَين: إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك فهو مشيرٌ عليك، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا خيرًا ولم تزل صالحًا مُصلحًا، وإنك لا تأسَ على شيء من الدنيا.

فقال أبو بكر: أجل، إني لا آسى على شيءٍ من الدنيا.٣ ثم إنه لمَّا اشتد عليه الوجع قال لأهله: ردُّوا ما عندنا من مال المسلمين، فإني لا أحب من هذا المال شيئًا، وإنَّ أرضي التي بمكان كذا وكذا هي للمسلمين بما أصبتُ من أموالهم، فادفعوا ذلك إلى عمر ولقوحًا وعبدًا وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم. فقال عمر: لقد أتعب من بعده. ثم إنه أوصى أن تُغسِّله السيدة أسماء بنت عُميس، وأن يدفنوه من ليلته، ولا ينتظروا به الغد، وأن يُدفن إلى جانب رسول الله ، ولما قارب أن يلفظ أنفاسه الأخيرة أتته عائشة، فأرادت أن تكلمه في طلحة بن عبيد الله، فإذا هو يُحشرِج، فقالت: إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر، فقال لها: يا بُنية أو غير ذلك، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ.
ثم مات رضوان الله عليه وله ثلاث وستون سنة، وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليالٍ، ولما بلغ النعي أباه وكان بمكة، فقال: رزءٌ جليل، ولم يعِش بعده إلا قرابة نصف سنة وله سبع وتسعون سنة.٤
ولما بلغ أهلَ المدينة نبأ موته ارتجَّت له أحياؤها بالبكاء كيوم قُبض رسول الله، ورثاه عمر وعلي وعثمان وعائشة للناس. ومما قالته عائشة على القبر: نضَّر الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك؛ فقد كنتَ للدنيا مُذِلًّا بإعراضك عنها، وللآخرة مُعزًّا بإقبالك عليها، ولئن كان أجل رزء بعد رسول الله رزؤك، وأعظمها فقدك، إن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك، حسن العوض منك، فأنا أنتجز من الله موعده فيك بالصبر عليك، وأستعيضه منك بالدعاء لك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعليك السلام ورحمة الله، توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.٥

(١) مناقبه

كان أبو بكر من أفاضل رجال قريش عقلًا وعِلمًا، وكان رسول الله يُقدِّر ذلك فيه حتى قال مرة لحسان: إيت أبا بكر، فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يمحص لك نسبي. وقال علي عليه السلام: كان أبو بكر مقدمًا في كل خير، وكان رجلًا نسَّابة، وكان يُفتي ويُشير بمحضر رسول الله فيُقر الرسول فتاواه وشوراه، وكان الرسول يشهد له في كثير من المواطن بمناقبه الحميدة وحُسن خلقه وسعة صدره وأخلاقه في حبه وحب الإسلام وتفانيه في ذلك، وفي كتب السنة والسيرة والمناقب كثير من الأحاديث والأخبار الموثوقة التي تشير إلى فضله وتعدد مزاياه ومناقبه، فمن ذلك قوله : «أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له.» وقوله : «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.» وقوله : «نِعم الرجل أبو بكر!» وروت عائشة أن أبواب داره كانت مُفَتَّحَة، فأمر بها فسُدَّت، غير باب أبي بكر، فقال: «سدوا أبوابنا غير باب أبي بكر.» وبلغه كلام بعضهم في ذلك، فقام فيهم خطيبًا فقال: «أتقولون سدَّ أبوابنا وترك باب خليله؟ ولو كان لي منكم خليل كان هو خليلي، ولكن خليلي الله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ فقد واساني بنفسه وماله، وقال لي: صدقت، وقُلتم: كذبتَ.»٦

وكان النبي الكريم يُقدِّر بلاء أبي بكر في خدمة الإسلام في أيامه الأولى، ويذكر دومًا فضله وحُسن صحبته وبذله، ويقول: «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر.» فلما سمع أبو بكر ذلك بكى، وقال: ما أنا ومالي إلا لك يا رسول الله، وقال : ما لأحدٍ عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافيه الله بها.

وعن عائشة، قالت: أنفق أبو بكر على النبي أربعين ألفًا.٧ وروى عُروة أنه أعتق سبعة ممن كانوا يُعذَّبون في الله، منهم: بلال بن رباح، وعامر بن فُهيرة، وزبيرة، وأم عُبيس، والنهدية، وابنتها، وجارية بن عمرو بن مؤمل، وكانوا كلهم من الأرقَّاء الذين أسلموا في الصدر الأول فأخذ أسيادهم يعذبونهم، فبلغ أبا بكر ذلك فاشتراهم وأعتقهم في سبيل الله. وأبرز ما ينبغي ذكره في مناقبه رضي الله عنه: شجاعته الخارقة وقت الأزمات؛ فقد كان لموقفه يوم بدر أثرٌ حميد في تثبيت الإسلام، فقد دافع عن الرسول دفاع المستميت وحماه من سيوف المشركين، وكذلك كان لموقفه يوم الحديبية، فقد أبى أن يخضع لقريش.

وأجلُّ موقف تظهر فيه قوة شجاعته وثباتة موقفه يوم موت رسول الله كما رأينا؛ فقد اضطرب المسلمون كلهم لذلك حتى عمر، ولولا أبو بكر لطاش سهم الناس، واختلَّ أمر الإسلام، ولكن عقل أبي بكر وثباته هما اللذان وطَّدا أمر الإسلام وقضيا على روح الفوضى التي كادت أن تطغى يومئذٍ، وما موقفه يوم ارتدَّت العرب بعد موت الرسول بأقل من موقفه يوم مات، فلولاه لانهدم ركن من أركان الإسلام، ولكن عزمه الصادق ومحافظته على التقيُّد بأحكام الدين وحفظ سنن سيد المرسلين قد دفعاه إلى قتال المرتدين والمتقلِّبين، وبعث جيش أسامة لغزو الشام، وما كان أحد غير الصديق يقف بوجه تلك الصدمات ويتغلَّب عليها بإيمانه وإخلاصه وقوَّته وجدِّه وعقله.

ومن أجلِّ مناقبه: زهده وورعه؛ فقد كان متقلِّلًا في الدنيا، متتبِّعًا سيرة الرسول في البعد عن الملاذِّ والشهوات، متكفِّيًا بتناول الضروري من الطعام لتقوية بدنه في طاعة الله؛ فقد كان على الرغم مما فتح الله عليه وأفاء على البلاد والعباد من الأموال في عهده زاهدًا في الدنيا ورِعًا عن زهرتها.

قال ابن عباس: مات النبي وعليه إحدى عشرة رقعة بعضها من أدم، ومات أبو بكر وعليه ثلاث عشرة رقعة بعضها من أدم، وقالت عائشة: قال لي أبي في مرض موته: يا بُنيَّة، إني كنت أتْجرَ قريش وأكثرهم مالًا، فلمَّا شغلتني الإمارة رأيتُ أن أصيب من هذا المال، فأصبتُ هذه العباءة القطوانية وحلابًا وعبدًا، فإذا متُّ فأسرعي به إلى ابن الخطاب، يا بُنيَّتي ثيابي هذه كفِّنيني بها، قالت: فبكيت وقلت: يا أبتِ، نحن أيسر من ذلك، فقال: غفر الله لكِ، وهل ذلك إلا المهل؟ فقالت: فلما مات بعثتُ بذلك إلى ابن الخطاب، فقال: يرحم الله أباكِ، لقد أحبَّ ألا يترك لقائلٍ مقالًا، ولقد أتعب مَن بعده، رضي الله عنه.

عائشة تطري مناقب أبيها وتُعدِّدها

روى القاسم بن محمد قال: قالت عائشة تطري مناقب أبيها: لما قُبض رسول الله اشرأبَّ النفاق وارتدَّت العرب، وعاد أصحاب محمد كأنهم معزى بحظيرة في حفش، علت وسادتها وأرخت ستارتها، فحمدت الله وصلَّتْ على نبيه ، ثم قالت: أبي وما أبيه، والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طودٌ منيف، وظلٌّ مديد، هيهات، كذبتْ الظنون، أنجح والله إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئًا وكهفها كهلًا، يفكُّ عانيها، ويريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلمُّ شعثها، حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دينه، فما برحَت شكيمته في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجدًا يُحيي فيه ما أمات المبطلون، وكان غزير الدمعة، وقيذ الجوانح، شجيَّ النشيج، فانصفَّت عليه نسوان مكة وولدانهم يسخرون منه ويهزءون به: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ، وأكبرت ذلك ورجالات قريش، فحنتْ قسيَّها، وفوَّقت سهامها، وامتثلوه غرضًا فما فلُّوا له صفاة، ولا قصفوا له قناة، ومضى على سيسائه، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ومن كل فرقة أرسالًا وأشتاتًا، واختار الله لنبيه ما عنده، فلما قُبض رسول الله اضطرب حبل الدين ومرج أهله، وبغى الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نُهزها — جمعت فرصها — وتحققت أطماعها، ولات حين يظنون، وأبو بكر الصديق بين أظهرهم فقام حاسرًا مُشَمِّرًا، ونشر الإسلام على عزه، ولمَّ شعثه بطيه، وأقام أوده بثقافته حتى امذقرَّ (تقطع) النفاق بوطأته، فلما انتاش (خلص) الدين بنقشه، وأراح الحق على أهله، وقرت الرءوس في كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، حفرت منيته فسد ثلمته بنظره في الشدة والرحمة، ذاك ابن الخطاب، لله در أم حملته وردت عليه، لقد أوحدت به فديَّخ الكفرة وفتخها (دوَّخها وقهرها)، وشرك الشرك شذر مذر، فأروني ماذا ترون، وأي يومَي أبي تنقمون، أيوم إقامته إذا عدل فيكم؟ أم يوم ظعنه إذا نظر لكم؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ثم التفتت إلى الناس فقالت: سألتكم بالله هل أنكرتم مما قلتُ شيئًا؟ قالوا: اللهم لا.٨

(٢) أسرته

تزوج أبو بكر امرأتَين في الجاهلية، وثلاثًا في الإسلام، فأول امرأة تزوجها في الجاهلية هي قُتيلة بنت عبد العزى بن عبد بن أسعد بن جابر، فولدت له أكبر أولاده: «عبد الله» و«أسماء»، ثم تزوج أم رومان بنت عامر بن عميرة فولدت له «عائشة» و«عبد الرحمن»، وتزوج في الإسلام أسماء بنت عميس، وكانت قبله تحت جعفر بن أبي طالب، فولدت له «محمدًا»، ثم تزوج حبيبة بنت خارجة بن زيد، فولدت له بعد وفاته «أم كلثوم».

أما ابنه عبد الله فهو أكبر أولاده، أسلم مع أبيه مبكرًا، وشهد فتح «مكة» و«حُنينًا» و«الطائف» مع النبي ، وأصابه أبو محجن الثقفي بسهم في الطائف لم يؤذِهِ في جنبه، وبقي إلى خلافة أبيه، وانتقض عليه سهم الطائف فقتله في شوال سنة ١١ﻫ، وصلى عليه أبوه، ودخل قبره أخوه عبد الرحمن وعمر وطلحة، وكان ذكيًّا عاملًا شجاعًا، قال عنه في «أُسد الغابة»: وترك سبعة دنانير فاستكثرها أبو بكر، ولا عقِب له.

وأما عبد الرحمن فكان شاعرًا شجاعًا لبيبًا، ولم يُسلِم إلا في هدنة الحديبية، وشهد بدرًا وأُحُدًا مع المشركين، وكان من الرماة الشجعان، وله مواقفُ جليلة في الجاهلية والإسلام، وشهد اليمامة مع خالد بن الوليد، وشهد وقعة الجمل مع أخته، وشهد فتوح إفريقية ومصر، وبعث إليه معاوية بأموال ليبايع يزيد فردَّها وقال: لا أبيع ديني بدنياي، وخرج إلى مكة ومات بها قبل أن تتم البيعة ليزيد، وكان موته فجأة في سنة ٥٣ﻫ.

وأما محمد فهو أصغر أبنائه، وُلد من أسماء بنت عميس في ذي القعدة سنة ١٠ﻫ أثناء سفرها إلى الحج في حجة الوداع، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب، فنشأ محمد في حجر علي عليه السلام، وكان من الزُّهَّاد العُبَّاد الصُّلحاء، أقام بالمدينة بعد وفاة أبيه وطول خلافة عمر وعثمان، فولَّاه عثمان مصر، واتفق مقتل عثمان قبل وصول محمد إلى مصر، ثم شهد مع الإمام علي عليه السلام وقعتَى الجمل وصفين، وولَّاه الإمام إمارة مصر فدخلها سنة ٣٧ﻫ، ولما اتفق الإمام ومعاوية على التحكيم وانتهى أمره إلى ما انتهى إليه، بعث معاوية بعمرو بن العاص فاحتل مصر واختفى محمد بن أبي بكر، فعرف معاوية بن خُديج بمخبئه، فأمسك به وقتله وأحرقه في سنة ٣٨ﻫ، (رضي الله عنه).

وأما البنات فكُبراهن «السيدة أسماء» الملقَّبة بذات النطاقين، تزوَّجها الزبير بن العوام، وولدت عدة أولاد، منهم: «عروة» وهو من فقهاء المدينة السبعة، و«عبد الله»، وقد عمَّرَت طويلًا حتى جاوزت المائة ولم يسقط لها سن، إلا أنها عميَت آخر عمرها بعد مقتل ابنها عبد الله من كثرة بكائها عليه، وكانت سيدةً جليلةً فصيحة، حاضرة القلب واللب، ولها أخبارٌ كثيرة تدل على عظم نفسها، ومن أشهر تلك الأخبار: خبرها مع الحجاج بعد مقتل ابنها عبد الله، وقد رُوي لها في صحيحَي الإمامين: البخاري ومسلم نحو ستين حديثًا.

ثم «السيدة عائشة» زوج رسول الله ، وقد تقدَّم الكلام عنها وعن فضلها وأثرها الجليل في الإسلام؛ فقد كانت من أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب والشِّعر والنسب والحديث وأشعار العرب، وأصغر البنات هي «السيدة أم كلثوم» ولدتها أمها بعد وفاة أبي بكر، ولما كبرت أراد عمر أن يتزوَّجها فلم يتم له ذلك، ثم تزوَّجها طلحة بن عبيد الله، (رضي الله عنهم جميعًا).٩
١  الطبري: ٤، ٥٢، والرياض النضرة: ١، ١٨١-١٨٢.
٢  الطبري: ٤، ٥٢، والرياض النضرة: ١، ١٨١-١٨٢.
٣  الطبري ٤، ٥٢.
٤  الرياض النضرة: ١، ١٨٣.
٥  الرياض النضرة: ١، ١٨٥.
٦  الرياض النضرة: ١، ١٨٤.
٧  الرياض النضرة: ١، ٨٦-٨٧.
٨  الرياض النضرة: ١، ١٤٥-١٤٦.
٩  راجع الإصابة في تراجم الصحابة: ٤، ٣٥٩، والرياض النضرة: ١، ١٨٦-١٨٧، وتاريخ الخميس: ١، ٢٦٦-٢٦٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤