الفصل السادس

في تنظيماته وأعماله الدينية والدنيوية

قام عثمان ببعض الأعمال الإدارية والتنظيمية على الرغم من اضطراب عهده، ويمكننا إجمال تلك الأعمال بما يلي:
  • (١)

    تدوين القرآن الكريم وجمع المسلمين على نسخةٍ واحدة، وقد كان عمر بن الخطاب أشار على أبي بكر بتدوين القرآن لما كثر قتل القراء، فأمر أبو بكر زيد بن ثابت أن يجمع القرآن لما عرف عنه من رجاحة العقل وحسن السيرة والأمانة والحفظ، فجمع ذلك، وحفظه أبو بكر عنده، فلما استُخلف عمر حفظه عنده إلى أن قُتل، فلما كان عهد عثمان وانتشر المسلمون في أرجاء الأقاليم الإسلامية اختلفت قراءات القراء، فأشار حذيفة بن اليمان على عثمان أن يجمع المسلمين على مصحفٍ واحد يقرؤه المسلمون، فاستحسن عثمان الفكرة، وطلب النسخة التي كُتبت في زمن أبي بكر، والتي حُفظت عند السيدة حفصة بنت عمر، وطلب إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي أن يُدوِّن القرآن، فدوَّنه ورتَّبه، وأمر عثمان بإحراق المصاحف المخالفة لما دوَّنه زيد ورتَّبه، وبعث بنُسخٍ عن هذا المصحف إلى العواصم الإسلامية، وأمر العمال أن يجعلوا هذه النسخ مرجعهم، وقد كان هذا عملًا جليلًا لا يقل عن عمل أبي بكر الذي أراد أن يستوعب آيات القرآن، ثم جاء عثمان فعمل على توحيد قراءات الناس.

  • (٢)

    تنظيمه أمور بيت المال وحرصه عليه، وترتيبه أمور التجارة في المدينة وأسواقها ترتيبًا جعل المدينة في عهده عاصمة الدولة تجاريًّا لا سياسيًّا فقط، وبهذا تُنتقض أكثر التهم التي نسبها إليه الثوار المغرضون الذين اتهموه بالتفريط في أمور بيت المال، وإسرافه في توزيع ما فيه على الناس بالباطل، كما يُبطل ما زعموه من أنه حمى الحمى وحمى الأسواق وحمى البحر لنفسه وتجاراته؛ لأنه إنما كان يفعل ذلك لمصلحة المسلمين العامة، ولما رأى أن عبد الله بن أرقم الذي كان على بيت المال في زمان أبي بكر وعمر قد كبر وضعُف عن الإدارة المالية أعفاه من ذلك، وولَّاها فتًى نبيلًا أمينًا هو زيد بن ثابت.

  • (٣)
    ترتيبه بعض أمور الدين: فمن ذلك أنه زاد الأذان الأول في الجمعة، وهو أول من فعل ذلك ليؤذن أهل الأسواق فيتركوا تجارتهم ويقدموا إلى الصلاة، وهذا الأمر وإن كان بدعة فإنه بدعةٌ حسنة، ومن ذلك أنه أول من رزق المؤذنين وأعطاهم الأموال على الأذان، ومن ذلك أنه أول من اتخذ مقصورة في المسجد؛ فقد ذكر الزبير بن بكار في تاريخ المدينة أن عثمان أول من اتخذ المقصورة في المسجد؛ خوفًا من أن يصيبه ما أصاب عمر، وأنه صنعها من اللبن، واستعمل عليها السائب بن مروان، ومن ذلك أنه أول من خطب في العيد قبل الصلاة، وقيل إن معاوية هو الذي فعل ذلك، وهو أول من اتخذ دار الأضياف في الإسلام وجعلها في المدينة مضافة لمن يقصدها من أهل الأقاليم، وأقام لها ما يقوم بأمورها.١
١  راجع كتاب: الأوائل للسيوطي، ص٨، ٩، ١٤، ١٩، ٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤