مقدمة

استخدامًا للأدوات الفكرية التي اكتسبناها من خلال تكوين الوعي الناقد بأساسيات علم الاقتصاد السياسي والمادة الخام التي يتكون منها جسمه النظري وإطاره المعرفي، وارتكازًا على ما انتهينا إليه من نقد العلم نفسه داخليًّا وخارجيًّا، يمكننا الآن التقدم منهجيًّا صوب التعرف إلى واقع الرأسمالية المعاصرة١ الذي شهد نهاية علم الاقتصاد السياسي، وظهور ما أُطلق عليه «علم!» الاقتصاد. ومن أجل التعرف إلى الرأسمالية المعاصرة، ونهاية علم الاقتصاد السياسي على هذا النحو، سوف نتعرف في مرحلةٍ فكرية أولى إلى التكوُّن الهيكلي للرأسمالية ذات المركزية الأوروبية من خلال طرح منهجي لتاريخ هذا التكون؛ بالتعرف إلى التكون التاريخي للتخلف الاجتماعي والاقتصادي في قارة أمريكا اللاتينية بصفةٍ خاصة. استخلاصًا، في خطوةٍ فكرية ثانية، للخطوط العريضة التي حددت ملامح واقع الرأسمالية المعاصرة. وابتداءً من تكوين الوعي، الناقد، بواقع الرأسمالية المعاصرة نتقدم خطوةً فكرية، ثالثة، هدفها التعرف إلى الظروف التاريخية والموضوعية التي أدت، في إطار تطور الرأسمالية المعاصرة، إلى إعلان نهاية علم الاقتصاد السياسي، وظهور ما يُسمى «علم الاقتصاد». وفي الخطوة الفكرية الرابعة نقدم محددات الإجابة عن سؤال: هل حقًّا يعلم الأساتذة، أساتذة الاقتصاد في الجامعات، ما الذي يُدرِّسونه للطلبة؟ ومن خلال محدِّدات الإجابة، وفي سياقها، سنرى مدى عجز العلم الجامعي، ومدى انفصاله عن الواقع الذي يدَّعي أنه يفسره!
١  حرصنا على أن نُتبع مصطلح «الرأسمالية» بمصطلح «المعاصرة» للتأكيد على أن الرأسمالية التي هي خضوع الإنتاج والتوزيع في المجتمع لقوانين حركة الرأسمال، أيًّا ما كان مستوى تطور قوى الإنتاج، هي القاعدة التي تحكم عمل النشاط الاقتصادي في المجتمع، عَبْر حركة التاريخ الدرامية والعظيمة، أيًّا ما كان شكل وطبيعة التنظيم الاجتماعي/السياسي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤