شريط التسجيل

بعد نهاية لغز «عصابة التزييف» مضى أسبوعٌ كاملٌ بدون أن يتَّصل المفتش بالأصدقاء الخمسة … كان مشغولًا … وقضى المغامرون وقتهم يُناقشون لغز «عصابة التزييف»، واللغز الذي قبله — لغز «الفهود السبعة» فقد كان اللغزان يَربطهما شيءٌ واحدٌ هو استطاعة زعيم العصابة الهرب في نهاية المغامرة الأولى … ثم في نهاية المغامرة الثانية …

وقالت «نوسة»: لقد سمَّيناه الزعيم الزئبقي … فقد تمكَّن من الهرب منَّا مرتين … فكيف حدث هذا؟

محب: لقد كان ذكيًّا … فهو يعمل خلف ستار. إنه لا يعمل بنفسه … بل يُحرِّك عصابته من بعيدٍ … كأنه لاعب عرائس ماهر … يُحرِّك الخيوط فتَلعب العرائس … بدون أن يراه أحد!

كانوا يجلسون في أثناء هذا الحوار في حديقة منزل «عاطف» و«لوزة» كالمعتاد، وكان «تختخ» يجلس على الكرسي مغمضًا عينيه، كأنه نائمٌ … ولكنه في الحقيقة كان يستمع إلى حوار الأصدقاء، وهو يُفكر في الكلمات الأخيرة التي قالها مُساعد زعيم العصابة … الرجل الوحيد الذي شاهَدَه وعرفه … كانت الكلمات تدور في ذهن «تختخ»، وكأنه يسمعها من مذياعٍ قريبٍ … «لقد خنتني … ها أنت ذا تركتَني أموت، وتتمتَّع أنت بكل شيءٍ … وتُسافر إلى كلِّ مكانٍ في الدنيا … سيارات … طائرات» …

هذه هي كل الكلمات التي قالها مُساعد الزعيم، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة … فهل يُمكن معرفة هذا الزعيم من هذه الكلمات؟ هل يُمكن الاستدلال عليه والإيقاع به بعد أن استطاع الهرب مرتين، في مغامرتين؟

لم يكن هذا مُمكنًا … لقد كان ما قاله مساعد الزعيم مجرَّد كلمات عتابٍ، ولم تكن معلومات!

ولكن «تختخ» قال فجأةً: لقد قال لنا المفتش «سامي»: إن هناك كلماتٍ أخرى مسجَّلة على شريط، قد يكون بها معلومات أكثر!

قال «عاطف»: نعم … هذا ما قاله فعلًا في نهاية المغامرة السابقة …

تختخ: إن ما نطلبه الآن هو الشريط فقط لنسمع المعلومات، فقد تُؤدِّي إلى شيءٍ … وإذا كان المفتش مشغولًا فليرسل لنا الشريط الآن … ثم نراه فيما بعد … هاتي التليفون يا «لوزة»!

وأسرعت «لوزة» تُحضر التليفون … وأدار «تختخ» رقم المفتش، وسرعان ما كان الصوت الهادئ العميق يردُّ عليه، وبعد أن تبادلا التحيات قال «تختخ»: لقد ذكرت لنا أن عندكم شريطًا مسجَّلًا عليه ما قاله مساعد الزعيم من كلمات قبل أن يموت. إننا نُريد هذا الشريط.

المفتش: لقد قمنا بتفريغ الشريط … ومن المُمكن أن أرسل لك نسخةً مكتوبةً على الآلة الكاتبة لما قاله الرجل …

تختخ: هذا مُناسبٌ جدًّا …

المفتش: ستصلك بعد نصف ساعة. وإذا توصَّلتم إلى استنتاجاتٍ مُفيدةٍ فاتصلوا بي!

تختخ: اتفقنا!

ووضع «تختخ» سماعة التليفون ثم قال: ستصلُنا نسخة من حديث مساعد رئيس العصابة بعد نصف ساعةٍ.

نوسة: الشيء المدهش أننا حتى الآن نقول مساعد رئيس العصابة … ألم يكن له اسم؟

تختخ: الواقع كما تقولين، أن زعيم العصابة جرَّده من جميع أوراقِه حتى لا يعرف أحد شخصيته!

لوزة: وهكذا أصبح مجهولًا مثل الزعيم تمامًا.

نوسة: لا يُمكن أن يكون كذلك … لأنه كان يتصل بأفراد العصابة، وهم يعرفون اسمه، فلماذا لا نُحاوِل أن نعرفه منهم؟

محب: أذكر أنه كان له اسمٌ واحدٌ، وليس اسمًا كاملًا … ومع ذلك فلنطلب من المفتش أن يعرف اسمه بالكامل.

تختخ: لنَنتظِر حتى نرى ماذا تحمل كلمات مساعد الزعيم من معلومات؛ فقد تدلُّنا على شيءٍ … أو تضع بين أيدينا طرف خيط يُمكن أن يؤدي إلى هذا الرجل الزئبقي الغامض.

ومضى الوقت وهم يتحدَّثون، ثم حضر رسولٌ من طرف المفتش «سامي» يحمل مظروفًا باسم «توفيق» … وفتحه «تختخ»، وأخذ يقرأ على الأصدقاء، وهم يستمعون بانتباهٍ شديدٍ:

ها نحن نَفترق أخيرًا … لقد خنتَني … وتركتني أموت، وتتمتع أنت بكل شيءٍ … وتسافر إلى كل مكان في الدنيا … سيارات … طائرات …

وبعد هذه الكلمات كانت مساحة بيضاء … ثم مضى يقرأ: لقد كنَّا في المدرسة معًا … النجار … النجار. وكنت دائمًا تتصور نفسك عظيمًا … ولكن ها أنت ذا تنتهي طريدًا للعدالة …

ثم كانت هناك مساحة بيضاء أخرى تدلُّ على أن الرجل توقَّف عن الكلام ثم مضى «تختخ» يقرأ: لا بدَّ أن تذهب لأمي، قل لها إنني أخطأتُ وندمتُ على خطئي، وأعطِها نصيبي من المال … وقل لها: اتصلي بالأستاذ «عبد السميع» … لقد كنتُ أحبُّه كأبي … وكم نصَحَني ألا أستمع إليك … ولكن … الوقت … انتهى لم … لقد كان من الممكن … أن … أن …

ورفع «تختخ» رأسه؛ فقد انتهى المكتوب في الورقة …

وهبط صمتٌ ثقيلٌ على الخمسة وهم جالسون، وكلٌّ منهم يُعيد الكلمات في رأسه محاولًا أن يخرج منها بشيءٍ … وكان «زنجر» يُحاول أن يسكت هو الآخر … ولكنه ضاق بالصمت فأخذ يجذب «لوزة» من طرف فستانها مُحاولًا أن يأخذها؛ لتسير معه … ولكن «لوزة» مدَّت يدها تُربِّت على رأسه، وهي تنظر إلى «تختخ» في انتظار تعليقه.

ولكن «عاطف» سبق بتعليقٍ ساخرٍ: لقد هرَب الزعيم إلى الأبد … فهذه المعلومات لا تَكفي للقبض على ناموسة!

لم يضحك أحد … فقد كانوا جميعًا يَتصوَّرون أنهم سيحصلون على معلوماتٍ هامةٍ لبداية مغامرةٍ جديدةٍ يَقبضُون فيها على الزعيم الزئبقي … ولكن ما سمعوه كان مفاجأةً … فأين هي أم مساعد زعيم العصابة؟ وأين الأستاذ «عبد السميع» وماذا يعني بكلمة «النجار»؟ هل هو نجار فعلًا أم اسم شخصٍ؟!

ولم يستسلم «عاطف» لليأس، بل قال: دعوا هذا الزعيم يهرب … تعالوا نبحث عن زعيم آخر!

قالت «لوزة» ساخطةً: يا أخي … بدلًا من أن تُفكِّر معنا … تُطلِق هذه التعليقات التي تُشتِّت أذهاننا!

تختخ: من المهم حقًّا أن نَعرف اسم مساعد زعيم العصابة … إن معرفة هذا الاسم … وربما العنوان الذي كان يسكن فيه يُمكن أن يُؤدِّيا إلى طرف خيط يُؤدي إلى الزعيم!

ومرة أخرى قام «تختخ» بالاتصال بالمفتش «سامي»، وطلب منه كلَّ المعلومات التي حصل عليها رجال الشرطة عن مساعد الزعيم، فقال المفتش: لقد اتَّضح أنه من ذوي السوابق؛ فقد قُبض عليه عدة مرات … وله سجلٌّ عندنا … اسمه بالكامل «صبحي عبد المنعم حسين» …

تختخ: وهل عندكم معلومات عن محلِّ سكنه؟

المفتش: لا … ولكن أول سرقة ارتكبها كانت في شبرا … وكان عمره ١٦ سنة … ثم قُبض عليه مرةً أخرى في حادث سرقةٍ في الجيزة … وتعدَّدت حوادثه بعد ذلك …

تختخ: وهل عندكم صورة له؟

المفتش: نعم … هناك صورة له وهو صغير … وصور أخرى له بينها آخر صورة عندما قُبض عليه مؤخَّرًا!

تختخ: هل يُمكنني الاطلاع على مجموعة الصور؟

المفتش: طبعًا … ولكن ما أهمية ذلك؟

تختخ: إنني أعتقد أن «صبحي» هو طرف الخيط إلى زعيم العصابة المُختفي … هل أحضر إليك الآن؟

المفتش: فليكن ذلك غدًا. فإنني مشغول اليوم!

تختخ: اتفقنا … سأكون عندك في التاسعة …

المفتش: إلى اللقاء …

ووضع «تختخ» السماعة … وأوضح للأصدقاء حديثه مع المفتش «سامي»، وقال: أعتقد أن عندنا ما يكفي من المعلومات لبدء البحث عن الزعيم …

محب: أين؟

تختخ: في شبرا!

محب: ياه … إنه مشوارٌ طويلٌ!

تختخ: ستكون البداية فقط في شبرا … ولكنَّني أتوقع أن نذهب إلى أماكن كثيرة للبحث عن «صبحي» … المهم كيف بدأ «صبحي»؟!

نوسة: هل عندك خطةٌ معينةٌ؟

تختخ: نعم. خطة أشبه بالتحقيقات الصحفية … سنبحث عن إبرة في كومة القش … ولكنَّنا سنَجدها …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤