الفصل الرابع والعشرون

الفخ المميت

مرَّ ربعُ السَّاعة التَّالي سريعًا ودون صخب. ففي الغرفة السفلية، كان بروجار منشغلًا بعضَ الوقت بإخلاء سطح الطَّاولة وإعادة تنظيمها لضيفٍ آخر.

وبفضل مُشاهدة هذه التحضيرات، وجدَت مارجريت أن الوقت يمضي بتسليةٍ أكبر. كان هذا العشاء البسيط جدًّا يُعَد من أجل بيرسي. من الواضح أن بروجار كان يحمل قدرًا من الاحترام للإنجليزي الطويل؛ لأنَّه بدا متكبدًا بعضَ العناء ليجعل مظهرَ المكان أقلَّ تنفيرًا من ذي قبل.

حتى إنه أخرج من تجويفٍ مستترٍ في الخِزانة العتيقة ما بدا أنه مفرش طاولة بالفعل، وعندما بسطه ووجده مليئًا بالثقوب، هز رأسه بترددٍ بعض الوقت، ثم بذل قصارى جهده ليبسطَه على الطَّاولة بحيث يُخفي أغلب عيوبه.

وبعدئذٍ، أخرج منديلًا قديمًا مهترئًا لكنه على قدرٍ من النظافة، وعَكَف بحذرٍ على مسح الكئوس والملاعق والأطباق التي وضعها على الطَّاولة.

لم تستطع مارجريت أن تمنع نفسها من الابتسام وهي تُشاهد هذه التحضيرات التي أنجزها بروجار متفوهًا بالشتائم. من الواضح أن طول قامة الرجل الإنجليزي وبُنيانه الضخم، أو ربما ثقل قبضته، قد أرهبا المواطن الفرنسيَّ الذي وُلِد حُرًّا، وإلا فما كان ليُكلف نفسه أبدًا هذا العناءَ من أجل أي أرستقراطي لعين.

عندما أصبحَت الطَّاولة جاهزةً — بحالتها الرديئة التي كانت عليها — رمَقها بروجار برِضًا واضح، ثم مسح الغبار عن أحد الكراسي بزاوية قميصه، وقلَّب الحساء في قِدْر المرق، ورمى بحُزمةٍ جديدةٍ من الأغصان في النَّار، ثم غادر الغرفةَ متراخيًا متباطئًا.

بقيت مارجريت وحدها مع أفكارها. كانت قد فرَشَت عباءة سفرها على القش وكانت تجلس فوقها جلسةً مريحة إلى حدٍّ ما، ولأنَّ القش كان جديدًا، فالروائح الكريهة القادمة من الأسفل لم تصل إليها إلا مُخفَّفة.

لكنها للحظةٍ كانت شِبهَ سعيدة؛ سعيدة لأنها عندما اختلسَت النظر من خلال الستائر الممزقة، كانت ترى كرسيًّا متهالكًا ومفرش طاولةٍ ممزقًا وكوبًا وطبقًا ومِلعقة؛ ولا شيء غير ذلك. لكن تلك الأشياء الصَّامتة والقبيحة بدت كأنها تقول لها إنها تنتظر بيرسي؛ وإنهما قريبًا، قريبًا جدًّا، سيكونان وحدهما معًا لأنَّ الغرفة القذرة لا تزال فارغة.

كانت تلك الفكرة مُبهجةً جدًّا، لدرجة أن مارجريت أغلقَت عينيها لتطردَ من رأسها كلَّ الأفكار سواها. فخلال دقائقَ قليلة، ستكون وحدها معه، ستركض نازلةً السلَّمَ وتدَعه يراها، وسيأخذها بين ذراعيه، وبعدها ستجعله يرى أنها مستعدةٌ بسرورٍ للموت من أجله ومعه؛ لأن الدنيا ليس فيها سعادةٌ أعظم من ذلك.

ولكن ماذا سيحدث بعدئذٍ؟ لم تستطع أن تُخمن إطلاقًا ولو من بعيد. كانت تعرف بالتأكيد أن السير أندرو مُحق، وأن بيرسي سيُحاول تنفيذ كلِّ ما عقَد العزم عليه، وأنها — وهي هنا الآن — لن تتمكَّنَ من فعلِ شيءٍ سوى تنبيهِه ليتوخَّى الحذر؛ لأنَّ شوفلان يتعقَّبُه بنفسه. بعد تحذيره، ستكون مُرغَمةً على أن تراه ينطلق في مهمته الرهيبة والجريئة، دون أن تستطيع أن تُحاول استبقاءه بكلمةٍ ولا حتى بنظرةٍ. ستكون مضطرَّةً إلى أن تُطيعه مهما كان ما يطلبه منها، حتى إنها قد تُضطرُّ إلى الانسحاب من المشهد والانتظار، في عذابٍ لا يوصَف، بينما من المحتمل أن يكون ذاهبًا إلى حتفه.

لكن حتى ذلك بدا أقلَّ فظاعةً من تحمُّلِ عناءِ تَخيُّل ألَّا يعلم أبدًا كم أحبَّته؛ على أيِّ حال، ستستريح من هذا العناء؛ فالغرفة القذرة نفسها، التي بدا أنها في انتظاره، أخبرتها بأنه سيكون هنا قريبًا.

فجأةً، التقطتْ أذناها المُرهفتان صوتَ أقدامٍ بعيدةٍ تقترب، فوثب قلبُها بجُموحٍ من الفرح! هل جاء بيرسي أخيرًا؟ لا! لم تكن الخطوات واسعةً ولا ثابتةً كخطواته إطلاقًا؛ وفوق ذلك، شعرت بأنها تستطيع سماعَ خطواتِ شخصَين مختلفَين. أجل! هذا صحيح! يوجد رجلان قادمان إلى هذا الاتجاه. ربما يكونان غريبَين جاءا ليحصلا على شراب أو …

ولكن لم يكن لديها الوقتُ للتخمين؛ لأنها سرعان ما سمعَت نداءً آمرًا عند الباب، وفي اللحظة التَّالية، فُتِح بعنفٍ من الخارج بينما صاح صوتٌ أجش آمر:

«هاي! المواطن بروجار! مرحبًا!»

لم تتمكن مارجريت من رؤية الوافدَين الجديدَين، لكنها، من خلال ثقبٍ في إحدى الستائر، استطاعت مراقبة جزءٍ من الغرفة بالأسفل.

سمعت خطوات بروجار المتثاقلة بينما كان يخرج من الغرفة الدَّاخلية متمتمًا بوابل الشتائم المعتادة. ولكنه عندما رأى الغريبَين، توقَّف في وسط الغرفة، في نطاقِ رؤية مارجريت بوضوح، ونظر إليهما بازدراءٍ أشدَّ ممَّا رمق به ضيفَيه السَّابقين، وتمتم قائلًا: «كهنة ملاعين!»

بدا أن قلبَ مارجريت قد توقف فجأة عن النبض؛ كانت عيناها الكبيرتان تحدقان بأقصى اتِّساعهما إلى أحد الوافدَين الجديدين، الذي كان الآن قد تقدم بخطوةٍ سريعة نحو بروجار. كان يرتدي جبةَ الكهَنة وقبعةً ذاتَ حواف عريضةٍ وحذاءً ذا إبزيم كدأبِ الكهنة الفرنسيِّين، ولكن بينما كان واقفًا أمام صاحب النزل، فتح جبتَه للحظةٍ مُظهِرًا وشاحَ موظَّفي الحكومةِ ثلاثيَّ الألوان، الذي أحدث منظرُه تأثيرًا فوريًّا في تحويل سلوك بروجار من الازدراء إلى الخضوع المتذلِّل.

بدا أنَّ منظر الكاهن الفرنسي هو ما جمَّد الدماء في عروق مارجريت. صحيحٌ أنها لم تستطع رؤية وجهه الذي كان مظلَّلًا بقبعته ذات الحافات العريضة، لكنها تعرَّفَت اليدَين النحيلتين العظميتين، والحدبة الطفيفة، مِشية الرجل كلها! كان ذلك شوفلان!

صدمها هولُ الموقف كما لو أنها تلقَّت ضربةً حقيقية؛ تهاوت حواسها بخيبة الأمل الفظيعة، والذعر مما ينتظرها، واحتاجت إلى بذلِ مجهودٍ يكاد يكون خارقًا حتى لا تنهار فاقدةً الوعي تحت وطأة كلِّ هذا.

قال شوفلان لبروجار بعجرفة: «صحن حساءٍ وزجاجة نبيذ، ثم اغرُب عن هنا؛ فهمتَ؟ أريد أن أكون وحدي.»

أطاعه بروجار بصمتٍ ودون أيِّ غمغماتٍ هذه المرة. جلس شوفلان إلى الطَّاولة التي كانت مجهزةً للإنجليزي الطويل، وانشغل صاحب النزل بخدمته بخضوع؛ إذ قدم صحن الحساء وسكب النبيذ. أمَّا الرجل الذي دخل مع شوفلان، ولم تستطع مارجريت رؤيتَه، فظل واقفًا بجوار الباب.

هُرِع بروجار إلى الغرفة الدَّاخلية بإشارةٍ فظةٍ من شوفلان، الذي أومأ بعدئذٍ للرجل الذي كان برفقته.

تعرفَت مارجريت فورًا على هذا الرجل الذي كان ديجا، سكرتير شوفلان وتابعه المؤتمَن الذي كانت تراه كثيرًا في باريس في الأيَّام المنقضية. مشى عبر الغرفة، ووضع أذنه عند باب بروجار مُرهِفًا السمع.

سأله شوفلان بفظاظة: «لا يتنصَّت؟»

«لا أيها المواطن.»

للحظة خشيت مارجريت من أن يأمر شوفلان ديجا بتفتيش المكان؛ لم تجرؤ على تخيُّل ما سيحدث إن اكتُشِفَت. ولكن لحسن الحظ، بدا أنَّ لهفة شوفلان للتحدث إلى سكرتيره أقوى من خوفه من الجواسيس؛ لأنه استدعى ديجا إلى جانبه مجددًا بسرعة.

سأله قائلًا: «المركب الإنجليزي؟»

أجاب ديجا: «لم نعُد نستطيع رؤيته بعد غروب الشمس أيها المواطن، لكنه كان يتَّجه غربًا آنذاك، نحو رأس جريس نيز.»

تمتمَ شوفلان: «آه! … جيد! والآن بخصوص الكابتن جوتلي؟ … ماذا قال؟»

«أكد لي أن جميع الأوامر التي أرسلتَها إليه الأسبوعَ المنصرم قد نُفِّذَت بحذافيرها. كل الطرق التي تؤدي إلى هذا المكان تحرسها دورياتٌ متناوبة ليلًا ونهارًا منذ ذلك الوقت، والشواطئ والجروف تخضع لتفتيشٍ وحراسةٍ مشددة للغاية.»

«هل يعرف مكان «كوخ الأب بلانشار» هذا؟»

«لا أيها المواطن، يبدو أنَّه لا أحد يعرفه بهذا الاسم. يوجد عددٌ كبيرٌ من أكواخ الصيَّادين على طول السَّاحل كله بالطبع … لكن …»

قاطعَه شوفلان بنفاد صبر: «هذا يكفي. والآن ماذا بشأن الليلة؟»

«الطرُق والشَّاطئ خاضعان لدورياتِ حراسة كالعادة أيها المواطن، والكابتن جوتلي ينتظر أوامرَ أخرى.»

«إذن، عُد إليه فورًا. وأخبره بأن يُرسل تعزيزاتٍ إلى كل دوريات الحراسة، وخصوصًا تلك الموجودة بطول الشَّاطئ … أتَفْهم؟»

كان شوفلان يتحدثُ باقتضاب وفي صميم الموضوع مباشرة، وكانت كلُّ كلمةٍ يقولها تطعن قلب مارجريت كمسمارٍ في نعش أعزِّ آمالها.

أضاف قائلًا: «على هؤلاء الرجال أن يلتزموا بأقصى درجاتِ اليقظة لرصدِ أي غريبٍ قد يكون سائرًا أو راكبًا أو قائدًا على طول الطريق أو الشَّاطئ، بالأخص إن كان غريبًا طويلَ القامة، ولا داعي إلى أن أُسهِبَ في وصفه لأنه سيكون متنكرًا على الأرجح؛ لكنه لن يتمكنَ من إخفاء طول قامته تمامًا، إلَّا إذا تظاهر بأنه أحدَب، فهمت؟»

أجاب ديجا: «تمامًا أيها المواطن.»

«حالما يلمح أيٌّ من الرجال شخصًا غريبًا، يجب على اثنين منهم أن يُبقياه تحت المراقَبة. والرجل الذي سيترك الغريب الطويل يُفلِت من مراقبته بعدما يلمحه مرة، سيدفع حياته ثمنًا لاستهتاره؛ ولكن يتوجَّب على رجلٍ واحدٍ أن يأتيَ إليَّ هنا راكبًا في الحال ويبلغني، هل هذا واضح؟»

«واضحٌ تمامًا أيها المواطن.»

«حسنًا، إذن. اذهب وقابل جوتلي فورًا. تيقَّنْ من بدءِ تحرُّك رجال التعزيز الإضافيِّين نحو دوريات الحراسة، ثم اطلب من الكابتن أن يسمح لك بأخذِ نصف دُزينةٍ أخرى من الرجال، وأحضِرْهم إلى هنا معك. يمكنك أن تعود خلال عشر دقائق. هيا …»

أدى ديجا التحية العسكرية وتوجَّهَ نحو الباب.

بينما كانت مارجريت تستمع، مُفعَمة بالرعب، لتوجيهات شوفلان إلى مرءوسه، تجلَّت أمام عينَيها كلُّ تفاصيل خُطة الإمساك بسكارليت بيمبرنيل تَجلِّيًا مروِّعًا. كان شوفلان يأمُل أن يَبقى المُطارَدون في مخبَئهم المخفيِّ شاعِرين بأمانٍ وهمي إلى أن ينضمَّ إليهم بيرسي. وعندئذٍ، يُحاصَر المخطِّط الجريء ويُقبَض عليه متلبسًا بتهمة مساعدةِ الملَكيِّين خائني الجمهورية وتحريضهم. وهكذا، فإنْ أحدث اعتقاله ضجةً في الخارج، فحتى الحكومة البريطانية لن يحقَّ لها تقديمُ اعتراض قانوني دفاعًا عنه؛ فلأنه متآمرٌ مع أعداء الحكومة الفرنسية، سيكون لفرنسا الحقُّ في إعدامه.

سيكون الهروب مستحيلًا عليه وعليهم. فكل الطرق خاضعةٌ للمراقبة ودوريات حراسة مشدَّدة، لقد نُصِب الفخُّ بإحكام، وصحيح أنَّ شباكه ما زالت واسعةً حاليًّا، لكنها تَضيق شيئًا فشيئًا إلى أن تُطبَق على المخطِّط الجريء الذي ربما لن يُنقذه شيءٌ منها الآن ولا حتى دهاؤه الخارق.

كان ديجا يهمُّ بالمغادرة، لكن شوفلان أعاده مجددًا. تساءلت مارجريت متحيرةً أيُّ خططٍ شيطانيةٍ أخرى يمكن أن يكون قد وضعها، من أجل أن يُمسك برجلٍ شجاعٍ واحدٍ وحيدٍ، في مواجهة دُزينتين من الرجال. نظرَت إليه وهو يلتفتُ ليتحدَّث إلى ديجا؛ كان يمكنها أن ترى الجزء السفلي من وجهه أسفل قبعة الكاهن ذات الحافات العريضة. رأت مارجريت في تلك اللحظة قدرًا هائلًا جدًّا من الكراهية القاتلة، والغلِّ الشيطاني في الوجه النحيل والعينين الباهتتين الصغيرتين، لدرجة أن الأمل الأخير في قلبها مات؛ لأنها شعرَت بأنها لا يُمكن أن تنتظر أيَّ رحمةٍ من هذا الرجل.

قال شوفلان بضحكةٍ مكتومة غريبة وهو يفرك يدَيه العظميتين الشبيهتَين بالمخالب بعضهما ببعض، بإيماءةٍ تنمُّ على رضًا شيطاني: «لقد نسيت. ذاك الطويل قد يُقاتل. تذكَّروا ألَّا تُطلقوا عليه النار بأيِّ حال، ما لم يكن ذلك حلًّا أخيرًا. أريد الغريب الطويل حيًّا … إن أمكن.»

ضحك، كما أخبرنا دانتي بأن الشياطينَ تضحك عند رؤية عذاب الملعونين. كانت مارجريت تحسب أنها قد مرَّت بكلِّ الرعب والمعاناة اللذَين قد يتحمَّلُهما قلبٌ بشري، ولكن الآن، بعدما غادر ديجا المسكن، وبقيَت وحيدةً في هذه الغرفة القذرة الموحشة برفقةِ ذلك الشيطان، شعرَت بأن كلَّ ما عانته كان تافهًا مقارنةً بهذا. ظل يُقهقِهُ ويضحك ضحكاتٍ مكتومةً لنفسه بعضَ الوقت، فاركًا يدَيه معًا مترقبًا انتصاره.

كانت خُططه موضوعة بإحكام ومن المرجَّح أن ينتصر! لم تُترَك ثغرةٌ يمكن من خلالها أن يهرب الرجلُ الأشجع والأدهى. فكل طريقٍ محروسٌ وكل ركنٍ مراقَبٌ، وفي ذلك الكوخ المهجور الكائن في مكانٍ ما على السَّاحل، تنتظر مجموعةٌ صغيرةٌ من المُطارَدين منقِذَهم، وسيُودون به إلى الموت، لا! بل إلى ما هو أسوأُ من الموت. فذاك الشيطان المكتسي بزيِّ الكهَنة هناك شَرٌّ من أن يسمح لرجلٍ شجاعٍ بأن يموت موتًا سريعًا مفاجئًا كجنديٍّ في موقع خدمته.

كان يتوق، أكثر من أي شيء آخر، إلى أن يُمسك بعدوِّه الداهية، الذي لطالما حيَّره، عاجزًا في قبضته؛ إذ كان يتمنَّى أن يشمتَ به، أن يتلذَّذ بسقوطه، أن يُلحِقَ به أيَّ عذابٍ معنوي أو ذهني لا تقدر على ابتكاره سوى كراهيةٍ مميتة. فمن المؤكَّد أنَّ النَّسْر الشجاع، حين يُصطاد وتُقصُّ أجنحتُه المهيبة، سيكون محكومًا عليه بتحمُّل قَرْض الجُرذ. وستكون هي، زوجته التي أحبَّته والتي وضَعته في هذا الموقف، عاجزةً عن فعل أيِّ شيءٍ لمساعدته.

عاجزة عن فعل أي شيء، سوى أن تأمُلَ في الموت بجانبه، وفي لحظة وجيزة تخبره فيها بأن حبها — التام والصَّادق والمتقد — له وحده.

كان شوفلان الآن جالسًا بالقرب من الطَّاولة وقد خلع قبَّعتَه، ولم يكن بإمكانِ مارجريت أن ترى سوى الخطوطِ الخارجية لجانب وجهه النحيل وذقنه المدبَّب بينما كان منحنيًا على عَشائه الضئيل. كان واضحًا أنه راضٍ تمامًا، وينتظر الأحداثَ بهدوءٍ تام، بل وبدا متلذذًا بالطعام البغيض الذي قدَّمه له بروجار. وكانت مارجريت تتساءل عن مقدار الكراهية التي يمكن أن تكمُنَ في قلب إنسانٍ تجاه إنسان آخر.

وفجأةً، بينما كانت تُراقب شوفلان، التقطتْ أذُناها صوتًا جعل قلبها يتحول إلى حجر. ولكن لم يكن يُقصَد بهذا الصوت إثارةُ الرعب في أي أحد؛ لأنه كان مجرد صوتٍ مرحٍ منتعش لشابٍّ مبتهجٍ يُغني من القلب «حفظ الرب الملك!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤