الحمَّال

١

من أعلى باب الدارِ تدلَّى رأسُ جمصة البلطي .. الرائحونَ والغادونَ ينظرونَ إليه، يتوقفونَ قليلًا ثم يذهبون، وجمصة البلطي ينظرُ مع الناظرين .. ينظرونَ بفضولٍ أو رثاءٍ أو شماتة .. أما هو فينظُر بذهولٍ ولم يكنْ أفَاق من كَرْبه حينما شهدَ طردَ زوجتِه وابنتِه من الدار .. وقد مرَّا به دون اكتراثٍ وهو متصورٌ في صورة حبشيٍّ مفلفلِ الشعرِ خفيفِ اللحية ممشوقِ القامة .. عجبُه من منظر رأسه لا ينقضي، أما حزنُه على أسرته فلا نهايةَ له .. ويحوم حول الدار فتترامى إلى أذنَيه التعليقاتُ المتضاربةُ تحت الرأس المُعَلَّق .. السادةُ — مثل كرم الأصيل والعطار والبزَّاز — يلعنونه بلا رحمة، والعامَّةُ يَرْثون له .. وقد أشرف على مصادرة داره الحاكمُ الجديدُ يوسف الطاهر وكاتمُ سرِّه بطيشة مرجان وكبيرُ الشرطة الجديدُ عدنان شومة .. فتساءل عمَّا ذهب إلى بيت المال وعمَّا دُسَّ في الجيوب .. وظل قريبًا من الرأس المُعَلَّق ينظر ويتأمل ويسمع .. ورأى عجر الحلاق وهو يقول لإبراهيم السقَّاء مشيرًا إلى الرأس: قتلوه جزاءَ الفعلِ الخَيِّر الوحيدِ في حياته.

فتساءل السقَّاء: لِمَ لَمْ يُنقذْه عِفريتُه المؤمن؟

فقال الحلاق محذِّرًا: لا تَخُضْ فيما لا تعلم.

فصدَّق معروف الإسكافي على قوله .. ورأى سحلول تاجرَ المزاداتِ والتحفِ وهو ينظر نحو الرأس بلا مبالاة، فتذكَّرَ نشاطَه العجيبَ يومَ الإعدام .. ولمَّا كان التاجرُ وحدَهُ فقد اقترب منه وسأله: هلَّا نوَّرتَ غريبًا بحكاية صاحب الرأس؟

فحدَجه سحلول بنظرة ارتجف لوَقْعها جسمُه .. خُيِّل إليه أنَّها نفذَت إلى أعماقه، فازداد الرجل في نظره غموضًا على غموض .. وقال له سحلول وهو يمضي عنه: لا أعرف عنه أكثرَ من الآخرين.

أتبعه ناظرَيه حتى اختفى، ثم قال لنفسه: «لعله تَرَفَّع عن محادثة حبشيٍّ غريب!» .. وتذكَّر تاريخه — كشرطيٍّ سابقٍ عالِمٍ بأحوال الناس — فشهد له بأنَّه التاجرُ الكبيرُ الوحيدُ الذي لم ينشئْ علاقةً مريبةً معه أو مع الحاكم! .. ثم سرعان ما نسيه في زحمة التأملات .. ورأى رجب الحمَّال ينضمُّ إلى موقف عجر وإبراهيم ومعروف، فقصَده مدفوعًا بخُطَّةٍ رسمَها من قبلُ .. حيَّاه وقال: إني حبشيٌّ مهاجرٌ وأريد أن أعمل حمَّالًا!

فتذكَّر رجب صديقَه الأوَّل السندباد، ولكنَّه قال: هَلُمَّ معي والله رزَّاقٌ كريم.

٢

حام بروحه وجسده حول أُسرتِه .. ما قيمةُ الحياةِ إذا ما انفصل عن أُسرته ورأسه؟! وظلَّ يتبع رسمية وأكرمان حتى استقرَّتَا في حُجرةٍ بالرَّبْع الذي يقيم فيه آلُ صنعان .. ولم يتردَّد فاكترى لنفسه حجرةً في نفس الرَّبْع، وعُرفَ بعبد الله الحمَّال .. وَسَرَّه في غيوم القلَق أنَّ أُمَّ السعدِ هي التي قادت أُسرته إلى مأواها الجديد .. سرَّه أن أم السعد لم تنسَ الجيرةَ القديمة .. ولم تنسَ سعيَ رسمية إلى مساعدتها في محنتها .. وسوف تشاركُ رسمية زوجتَه في صنع الحلوى فسيسرحُ بها فاضل صنعانَ لحساب الأُسرتَين .. سُرَّ بذلك أيَّما سرور، وسُرَّ أيضًا بجيرته لهم، فيهنأُ برؤيتهم، ويطمئنُّ على أحوالهم، ويمارسُ ما يُتاح له من زوجيةٍ وأُبوةٍ وعشقٍ من بعيد، من موقعٍ لا يدري به أحد .. وتوقَّع أنْ يتزوجَ فاضل من ابنته أكرمان كما اتفق مع صنعان، وكما حَلمَ هو يومًا من الزواج من حسنية أختِ فاضل.

واصَل تلك الحياةَ الغريبة .. يشعرُ أحيانًا أنه حي، وأحيانًا أنَّه ميت.

٣

أجل إنَّه عبد الله الحي وجمصة الميت معًا .. تجربةٌ غريبةٌ لم يمارسْها إنسانٌ من قبلُ .. يسعى إلى رزقه في رحاب زمالةِ رجب فيتذكر أنَّه حي .. يعبُر الطريق تحت رأسه المعلَّق أو يرى رسمية وأكرمان فيتذكر أنَّه ميت .. ولم يغفُل أبدًا عن معجزة إنقاذه من الموت، فعزم على السير حتى النهاية، في طريق التقوى .. يجد سرورَه في العبادة، وينعَم في وحدته بذكر الله، ويُناجي رأسه المعلَّق فيقول: «لتبقَ رمزًا على موت الشرِّير الذي عبث بروحي طويلًا.» على أنَّ صدره فاض بحنينٍ دائمٍ نحو شخصيتِه الزائلة .. تلك الشخصيةُ التي تَوَّجَت حياتَها بتوبةٍ صادقة .. مثيرٌ جدًّا أن يموتَ الإنسانُ وهو حي، أو يحيا وهو ميت .. فمن ذا يمكن أن يُصدِّق أنه جمصة البلطي بجوهره الدفين؟! وهل يحتملُ أن ينفردَ بهذا السرِّ وحدَه إلى الأبد؟! حتى رسمية وأكرمان تنظرانِ إليه كغريبٍ وافد من بلادٍ غريبة ..لذلك يشعر حيال نظرتهماغير المبالية بغربةٍ قاسية وظُلمٍ مُعذِّب .. لم يفطنا ولو مرَّةً واحدةً إلى الحبِّ الراسخِ وراء نظرته المُسترَقة .. لم يعكسا لأشواقه صدًى .. تُطلُّ من عينَيهما نظرةٌ تُجدِّد تنفيذَ الإعدامِ فيه كلَّ صباحٍ وكلَّ مساء .. حتى حزنُهما لذكراه لم يكنْ يمسُّه بأناملِ العزاء .. ويَحِزُّ في نفسه ابتعادُهما الوئيدُ عن ذكراه فيما يغوصانِ فيه من هموم الحياةِ اليومية .. لن يُصدِّقا الحياةَ الموهوبةَ له بمعجزةٍ ولن يتقبَّلاها .. لقد تجرَّعَتا غُصَص موتِه، وعَانَتا كُرباتِها، وعرفَتا الحياةَ بدونه، والخروجُ من الوضع الجديد مزعجٌ مثل الدخولِ فيه .. وهو لن يُقدِم على تقويض البناءِ الجديدِ ولا يستطيعُه .. من مات يجب أن يستمرَّ في الموت رحمةً بمن يُحب .. وعليه أن يألفَ موتَه في حياته الجديدة .. لِيكنْ عبد الله الحمَّال لا جمصة البلطي .. ولتكنْ مَسرَّتُه في العمل والعبادة .. غيرَ أنَّ عملَهُ يسوقُه كثيرًا إلى بيوت معارفه السابقين، وإلى دُور السادة والحكَّام .. عالم التقوى الظاهرة والفساد الكامن .. وأرجَعَه ذلك إلى التفكير في ذاته وفي أحوال الناس .. كدَّر صفوَ سلامِه الروحي. طارده الاعوِجاجُ كأنَّما اقتحم أعضاءَه وأخلَّ بوظائفها .. وقال إنَّه كما تنطلق الكواكب في نظامٍ بديعٍ فهكذا يجب أن تجريَ أحوال العباد .. وتساءل في قلق: هل بَقيتُ في الحياة بمعجزةٍ لأعملَ حمَّالًا؟!

٤

جعل شهريار ينظر إلى أشباح الأشجارِ المتهامسةِ في الليل .. رَبضَ السلطان في مجلسه بالشرفة الخلفية رغم أنَّ الخريف كان ينسحب أمام طلائعِ الشتاءِ .. إنَّه أقدرُ على تحمُّل البردِ منه على محاورة طوفانِ أفكارِه .. والتفَت نحو وزيره دندان متسائلًا: أتَكرَه الظلام؟

فقال الوزير بولاء: إني أُحب ما يُحب مولاي.

إنَّه يتساءل دائمًا: تُرى هل تغيَّر السلطان حقًّا أو أنَّها وقفةٌ عابرة؟! ولكن مهلًا .. كان في ماضيه حاسمًا واضحًا قاسيًا بليدَ الإحساسِ، الآن سرعان ما تُومِضُ في عينَيه نظرةٌ حائرة .. قال دندان: الأمةُ سعيدةٌ وتلهَج بالشكر.

فتمتم السلطان بخشونة: قُتِل علي السلولي وسرعان ما لحق به خليل الهمذاني!

فقال دندان بإشفاق: الشر والخير كالليل والنهار.

– والعفاريت؟!

– أمام النطْعِ يختلقُ المجرمُ ما يستطيع.

فقال بهدوءٍ: ولكني أتذكَّر حكاياتِ شهرزاد!

فخفق قلب دندان، وقال: لا بُدَّ أن يلقى القاتل جزاءَه.

– الحقُّ أنِّي أوشكتُ أن أكتفيَ بسجن جمصة البلطي!

ثم بِحنَق: ولكنِّي أعدمْتُه جزاءَ وقاحتِه في مخاطبتي.

قال دندان لنفسه: إنَّ مولاه لم يتغيرْ منه إلا سطحُه، ولكنه قال: على أيِّ حالٍ نال الشقيُّ جزاءَه.

فقال بِحدَّةٍ: ونِلْتُ نصيبي من الكآبة.

– مولاي، لعلها وعكةٌ طارئة.

– بل حالٌ من الأحوال، وهل حَدَّثَتْني حكاياتُ شهرزاد إلا حديثَ الموتِ؟!

فقال الوزير بجزعٍ: الموت!

– أممٌ تلتهِمها أممٌ، يطرُق بابَها في النهاية طارقٌ مُصمِّمٌ واحدٌ هو هازمُ اللذاتِ!

– إنها مشيئة الله، أطال بقاءَك.

فقال بصوتٍ محايد: القلوب أسرارٌ، والكآبة ماكرةٌ، وقد تداوى الملوك السابقونَ في الليل بالتَّجوالِ وتَفقُّدِ الأحوال.

فقال دندان مستمسكًا بطوق النجاة: التَّجوال وتَفقُّد الأحوالِ، يا له من إلهامٍ!

وقال لنفسه: «كائنٌ لا حدودَ لقوَّته، قد يتكشَّفُ عن زهرةٍ أو يتمخضُ عن زلزالٍ.»

٥

عبد الله الحمَّال ماضٍ في دورانه بلا توقُّفٍ .. في الأزِقَّة المسدودةِ والحواري الحلزونيةِ وأحياءِ التِّجارةِ والحرفِ وطرُقِ المراكبِ وميادينِ الرماية والصيدِ والإعدامِ والبواباتِ الضخمة تقوم مقامَ الحدود، والروائحُ تنتشر كالعناوين؛ رائحةُ العطارةِ النافذة والعطورِ المخدِّرة والأقمشةِ المدغدغة والأطعمةِ الفوَّاحة والجلودِ العطنة .. يمرُّ برسميةَ وأكرمانَ، وأُمِّ السعدِ وحسنيةَ، يُلقي التحيةَ بلسانٍ يتردَّد في هذا العالَمِ وبقلبٍ سكن في العالم الآخَر .. وفي تَجْواله عرف فاضل صنعان ووثَّق علاقتَه به .. من الناس من حفظ عهده مثلُ حسنِ العطار ونورِ الدين، ومنهم مَن تجنبه تجنُّبًا للشيطان .. وأشفَق عبد الله من أن تتفشَّى حكاية العِفريتِ فتقضيَ على مستقبل أكرمان وحسنية اللتَين يؤهِّلهما إعدادُهما لخيرة الزيجات .. وأحبَّ فاضل صنعان لجِدِّه وتقواه وشجاعته فجعل من سلَّم السبيل محطَّ راحتِه في نهار العمل يلتقيانِ فيه ويتبادلانِ الحديثَ .. وذاتَ مرَّة قال له: إنَّك شابٌّ تقيٌّ لا تفوتك فريضةٌ، فلِمَ لا تصونُ عفَّتكَ بالزواج؟

فقال فاضل بأسًى: لا قِبَل لي بنفقات الزواج.

– القليل يكفي!

– لي حياءٌ وكرامة.

فقال عبد الله بإغراء: بين يديك أكرمان.

التقَت عيناهما في ابتسامةٍ كاشفةٍ عن أسرارٍ كثيرة، وقال فاضل: وأنتَ يا عم عبد الله ناهزتَ الأربعينَ أو فُتَّها دون زواج؟

فقال الحمَّال بوضوحٍ: إني أرمل، وأودُّ أيضًا أن أصونَ عِفَّتي!

– يُخيَّلُ إليَّ أنَّكَ في غير حاجةٍ إلى خاطبة!

فقال بهدوءٍ: ست رسمية أم أكرمان!

فضحك فاضل وقال: فلننتظرْ قليلًا ثم نتقدم معًا.

– ولِمَ الانتظار؟

– حتى تُمحَى ذكرى جمصة البلطي!

فانقبض صدرُه .. إنه أراد رسمية بدافعٍ من وفائه وتقواه .. لو أطاع هواه ما اختار إلا حسنية .. ويوم تقبلُه رسمية سيَسعدُ من قلبه نصفٌ ويبكيه نصفُه الآخَر.

٦

كلما خلا إلى نفسه تساءل: «هل بقيتُ في الحياة بمعجزةٍ لأعملَ حمَّالًا؟!» .. وتساءل أيضًا: «لِم لَمْ يهجرْني سنجام في اللحظة الحرجة كما هجَر قمقام صنعان الجمالي؟» .. وامتلأ بالحَيرة كوعاءٍ مكشوفٍ تحت المطرِ، فقادته قدماه إلى دار الشيخ عبد الله البلخيِّ. قبَّل يده وتربَّع أمامه وهو يقول: إنِّي غريبٌ.

فقاطَعه الشيخ: كلُّنا غرباء.

– اسمُكَ كالزهرة يجذب إليه شوارد النحلات.

فقال الشيخ: الفعل الجميل خيرٌ من القول الجميل.

– ولكن ما الفعلُ الجميل؟ .. هذه هي مشكلتي!

– أَلَمْ يُصادفْكَ عند مجيئكَ رجلٌ حائر؟

– أين يا مولاي؟

فأجاب بهدوءٍ: بين مقامَي العبادة والدم؟

فارتعد خوفًا وقال لنفسه: إنَّه يرى ما وراء الحجاب .. وقال متنهِّدًا: في الليلة الظلماء يُفتَقدُ البدرُ.

فقال الشيخ: عرفْتُ من التلاميذ ثلاثةَ أنواعٍ.

– هم السعداء في جميع الأحوال.

– قومٌ يتلقَّون المبادئ ويسعَون في الأرض، وقوم يتوغَّلون في العلم ويتولَّونَ الشئون، وقوم يواصلونَ السير حتى مقام الحب، ولكنْ ما أقلَّهم!

فتفكَّر عبد الله مليًّا، ثم قال: ولكن العبَّاد في حاجة إلى الرعاية.

فقال دون أن يتخلَّى عنه هدوءُه: كلٌّ على قَدْرِ همَّته.

فتحدَّى تردَّدَه قائلًا: إنما قصدتُك يا مولاي …

وعثَر في الصمْت كأنَّما ليجمعَ أفكارَه فقال الشيخ: لا تُحدِّثني عن مقصدكَ.

– لماذا؟

– كلٌّ على قَدْر همَّته!

أسبل جفنَيه غائبًا عن اللقاء.

انتظر عبد الله أن يرفعهما مرَّةً أخرى ولكنه لم يفعلْ، فانحنَى لاثمًا يدَه وانصرف.

٧

قال لنفسه: إنَّ الشيخ اطَّلع على هواجسه فأحاله إلى ذاته .. عليه أن يسلِّم بذلك ما دام الإنسانُ قد قَبِل الأمانةَ .. سيلقى الأشرارُ غدًا الويلَ بفضل عزيمة تائبٍ ومكر شرطيٍّ خبير .. ومضى يمارس عمله وهو يتلقى صفاءً وتركيزًا .. ومن رحمةٍ تَنداحُ في قلبه استمد عقلُه أفكارًا لا تعرف الرحمة .. حَادَّةً كنصل السيف .. سرعان ما دهمَتْه الحياة بتناقضاتها الساخرةِ ومصائرها الداميةِ وهنائها الموعودِ .. وأبى التراجُع؛ لأنَّه أبى أن يستأثرَ بهديَّة الحياة دون ثَمنٍ .. عند ذاك تراءت له حسنية كأملٍ يبرقُ في سماء عالَمٍ آخَر .. وعند الأصيل آوى إلى سلَّم السبيل فوافاه فاضل صنعان إليه .. تبيَّن له أنَّ الشاب وثبَ فوق الزمن بأسرعَ مما قدَّر .. قال فاضل: سأطلب يد أكرمان!

فقال بدهشةٍ: كنتَ تفضِّلُ الانتظارَ وقتًا؟

– كلَّا، عَدلتُ عن ذلك، وسأطلب يد ست رسمية نيابةً عنك!

صمَت عبد الله متفكِّرًا .. لا شكَّ أنَّها بحاجة إلى رجلٍ في محنتها، وهيهات أن تطمع فيمن هو أفضلُ منه!

وقال فاضل بمرحٍ: ما أجمل أن تتزوَّج الأم وابنتها في ليلةٍ واحدة!

ولمَّا كان قد آنس إليه فقد أنشأ يقُصُّ عليه حكايتَي صنعان الجمالي وجمصة البلطي.

٨

ولما انتهى من حديثه المثير قال عبد الله معلقًا: يُعِزُّ من يشاء ويُذلُّ من يشاء.

فتَمتَم فاضل صنعان: كلٌّ على قَدْر همَّتِه!

فاقتحمَتْه الجملة مثل رائحة الفلفل وتساءل: تُرى هل تَلقَّاها من المصدر نفسه؟! وقال ممهدًا لمجرًى جديدٍ من الحديث: ومن كمال الهِمَّة الحذرُ.

نَاجَى كلٌّ منهما أفكاره الخاصة مليًّا، ثم قال عبد الله: نحن نوشِكُ أن نصير أسرةً واحدةً؛ لذلك أقول لك إنَّ الحمَّال يدخل الدُّور التي لا يُتاحُ دخولُها إلا للصفوة.

حدَس فاضل أنَّ صاحبه مقبلٌ على الإدلاء باعترافٍ ما فحدَجه بنظرةٍ متسائلة، فقال عبد الله: في دارَيْ يوسف الطاهر الحاكم وعدنان شومة كبيرِ الشرطة يدور الهمسُ أحيانًا عن أعداء الدولة.

فقال فاضل متظاهرًا باللامبالاة: إنَّه أقل ما يُنتَظر.

– لا يتصوَّر أحدٌ أنِّي أفقه معنًى لما يدور أو أنني أمُدُّ إليه أُذنًا.

– ولكنكَ رجلٌ غيرُ عاديٍّ يا عم عبد الله، وهذا ما أعجب له!

– لا تعجَبْ لفطنة رجلٍ طالما تقلَّب بين البلدان والأحوال!

فقال فاضل بأرْيَحيَّة: الحق أني سعيدٌ بكَ.

فمضى عبد الله في اعترافه قائلًا: وهم قوم مُوَسوَسُون، كلما تمادَوْا في الإجرام تخايلَتْ لأعيُنهِم أشباح الشيعة والخوارج.

– أعرف ذلك تمامًا.

– لذلك قلتُ إنَّه من كمال الهمَّة الحذَر.

فرمقه فاضل بارتياب، وسألَه: ماذا تعني؟!

– إنَّك لبيب!

– كأنكَ تُحذِّرني!

– لا بأس من ذلك.

– ما أنا إلا بائعُ حلوى، هل رابَكَ مني شيء؟

فابتَسَم ابتسامةً غامضةً وقال: إني أحبُّ الحذرَ كما أحبُّ الشيعة والخوارج!

فسأله فاضل بلهفة: من أيهما أنت؟

– لا من هؤلاء ولا من أولئك ولكنِّي عدوُّ الأشرار!

وجد عبد الله بين يدَيه دعوةً مفتوحةً ولكنه كشرطيٍّ سابقٍ آثَرَ العملَ بطريقته الخاصة!

٩

انطلَق عبد الله الحمَّال كالسهمِ في سماء الجهاد كما تصوَّره .. نادى قوَّته القديمة وأخضعها هذه المرة لإرادته الصلبة النقية .. وفي الحال سقط بطيشة مرجان كاتمُ السرِّ قتيلًا .. وهو يمضي من دار الإمارة إلى داره عقب منتصف الليل، وبين حرسه، انقَضَّ من الظلام سهمٌ فاستقَر في قلبِه، فهوَى فوق بَغلتِه بين الرماح والمشاعل .. اجتاح الحرسُ المكانَ وما يتشعَّب منه، وألقَوْا بالقبض على من صادفَهم من المارَّة والمتسكعين والمكوَّمين في الأركان .. احترقَت داره حزنًا، وزُلزلَت دارُ الإمارة فغادرها يوسف الطاهر كالمجنون على رأس قوَّاته، وصَعِد الخبر إلى الوزير دندان فَأرَّقه الفزع حتى الصباح .. ومنذ الصباحِ انتشر النبأ في الحي ثم في المدينة فماجتِ الأنفسُ وفاضَت بالظنون .. حلقةٌ جديدةٌ في سلسلة مصرعَي السلولي والهمذاني .. التحامٌ جديدٌ بدنيا العفاريت الغامضة .. بل إنَّهم الخوارج أو الشيعة .. أو لعلها حادثةٌ فرديةٌ تكمن وراءها غَيرةُ امرأةٍ أو حسدُ رجل .. وأمطَرتِ السماء مطرًا غزيرًا لم ينقطع طِيلةَ النهار، فتراكمَ الوحل، وجرى الماء مغطًّى بالزبَد في الحواري والأزِقَّة، فأفسد نظام الجنازة والدفن، منذرًا بشتاءٍ قاسٍ .. واندَسَّ عبد الله الحمَّال بين العامَّة في مقهى الأمراء مرهفَ الحواسِّ باهتمامٍ خفي .. استقطب الحادثُ الحديثَ كلَّه، وتناقضَتِ الآراء بين أفكار السادةِ المعلَنة وهمساتِ العامَّةِ المتبادلة في الآذان .. ولمح عبد الله المعلمَ سحلول تاجرَ المزاداتِ والتحفِ وهو ينهمك في حديثٍ طويلٍ مع كرم الأصيل صاحبِ الملايينِ فانقبَض صدرُهُ .. إنَّه لم ينسَ نظرتَه النافذةَ تحت رأسِه المعلَّق .. وتذكَّر أنَّه رآه يحوم حول موكبِ كاتمِ السرِّ وهو — عبد الله — يتأهَّبُ لإطلاق السهم، فكيف لم يُقبضْ عليه فيمن قُبض عليهم؟ .. كيف غاب عن أعين الحرس؟ .. انقبض صدره وتوجَّسَ خيفةً .. وعَجِب كيف أنَّه الرجلُ الوحيدُ في الحِ الذي لم يُطَّلعْ له على سِرٍّ طيلةَ عهده برئاسة الشرطة .. إنَّه مُطَّلعٌ على أحوال جميع السادة ما ظهَر منها وما بطَن إلا هذا الرجل، فهو لغزٌ مُغلَق!

١٠

لم تخفَّ حمَّى المسئولين ولا إجراءاتُهم القاسية، أما بقيةُ الناسِ فمضَوا يألفون الحادث ويمَلُّون الخوضَ فيه، ثم يتناسَونَه .. وسرعانَ ما غلَبَت مطالب الحياة على أحداث التاريخ، فقالت أم السعد أرملة صنعان لستِّ رسمية أرملة جمصة البلطي: ببركة الله وحكمته يرغب فاضل ابني في الزواج من أكرمان.

وتمَّت الموافقةُ في فرحةٍ شاملة .. إنَّهن جميعًا يعشن في واقعٍ ولا يسمحْنَ لحُلمٍ غابرٍ بأن يُفسدَه .. وقالت أيضًا أم السعد: أنتِ أيضًا يا ست رسمية!

وأعلَنَت لها عن رغبة عبد الله الحمَّال في الزواج منها .. ضحكَت رسمية ضحكةً فاترةً لوقْعِ المفاجأة .. ولم تُسَرَّ بها ولم ترحِّب .. وقالت بحياءٍ: الزواجُ لأكرمانَ وحسنيةَ لا لنا!

ثم عقبَ الصمتِ واصلَت: جمصة لم يمُت، ما زالت ذكراه حيةً في نفسي!

وسُرَّ فاضل وعبد الله، كلٌّ بما تلقَّاه .. أجل، استاء عبد الله لوأْدِ عواطفِه ولكن جمصة الكامن فيه سُرَّ سرورًا لا مزيدَ عليه.

١١

احتُفلَ بالزفاف في حجرة أم السعد .. شهدَتْه الأسرتان، ودُعِيَ إليه عبد الله الحمَّال فسوَّغ حضوره بهدية من العنبر والبخور قدَّمها للعروسَين، وبما بذلَه في النهار من كنس الفِناء .. جاد بالهمَّة التي جاد بها ساعةَ تصدَّى لقتل بطيشة مرجان .. ثَملَ بعَبَق الأُسرة الحارِّ الذي نفثَ في جوارحه سَكرة باقية .. جاش صدره بالأُبوة والزوجية والحب خاشعًا في الوقت نفسه تحت هيمنة التقوى وحبِّ الله الرحيم .. استردَّ ثراءَ وجدانٍ قديمٍ ونَعِم بالقرب، دافنًا سِرَّهُ في بئرٍ مُترَعٍ بالأسى.

وتطوَّعتْ حسنيةُ لإحياء زفاف شقيقها معتمدةً على إجادتها في الشعر والغناء والصوت الحسَن، وعلى إيقاع الأكُفِّ أنشدَت بصوتٍ عذب:

يُترجِم طَرْفي عن لساني لتعلَموا
ويُبدي لكم ما كان صدري يكتمُ
ولمَّا التقينا والدموعُ سواجم
خرستُ وطَرْفي بالهوى يتكلَّمُ

فطربوا جميعًا، وطرب عبد الله حتى فاض قلبه بالدمع .. وقام ليُلقي في المِدفأَة حطبًا فسمع على باب الحُجرة طرْقًا .. مضى ليفتح، فطالَعه في الظلام البارد ثلاثةُ أشباح .. قال أحدهم: نحن تجارٌ أغرابٌ، سمعنا غناءً جميلًا فقلنا إنَّ الكرام لا يصدُّونَ الغريب.

أشار فاضل إلى النساء فتواريْنَ وراء ستارةٍ تَشْطرُ الحجرة، ومضى نحو الأغراب قائلًا: ادخلوا بسلام .. ما هو إلا زفافٌ قاصرٌ على أهله البسطاء.

فقال الرجل الغريب: ما نريد إلا الأنس بالناس الطيبين.

وقال أحد الآخرين: عندكم دفءٌ جميل.

وجاءهم فاضل بطبق البسيمةِ والمشبكِ وهو يقول: ما لدينا سوى هذا، وهو ما نتعيَّشُ منه.

– نحمد الله الذي حلَّى ريقَنا وأحلَى ليلتنا.

ومال كبيرهم على أُذن أحد الآخرينَ فغادر المكان مسرعًا .. وخطف عبد الله من الكبير نظراتٍ فخُيِّل إليه أنَّه لا يراهُ لأوَّل مرَّة، وحاول أن يتذكرَ أين ومتى ولكن خانته الذاكرة .. ثم رجع الرجل محمَّلًا بالسمك المقليِّ والمشويِّ فدبَّ في الأنفس نشاط، وسَعِدَت بلذيذ المأكل، وقال فاضل ممتنًّا: ما يليق مسكنُنا بمقامكم.

فقال الرجل مجاملًا: العِبْرة بأهل المسكن.

ثم برجاء: أسمعونا طربًا؛ فالطربُ ما أسعدَنا بمعرفتكم!

فذهب فاضل إلى ما وراء الستار .. وقبل أن يستقرَّ في مجلسه مرَّةً أخرى تهادَى صوتُ حسنيةَ منشدًا:

لو علمنا مجيئكم لفَرشْنا
مهجةَ القلب أو سوادَ العيونِ
وفَرشْنا خدودَنا والتقَينا
ليكون المسيرُ فوق الجفونِ

فطرب الجميع وهتف أحد الغرباء: تبارك الخلَّاق العظيم.

وسأل الكبير فاضل: كيف ملكتَ هذه الجاريةَ وأنت على ما تزعمُ من فقر؟

فقال فاضل: ما هي إلا شقيقتي.

– لها صوتٌ مهذَّبٌ ينمُّ عن أصلٍ كريمٍ.

فوَجمَ فاضل، فما كان من عبد الله الحمَّال إلا أن قال: وإنَّه لمن أصلٍ كريمٍ اعترضَتْه غَدْرةٌ من غدرات الزمن.

فتساءل التاجر: ما حكاية تلك الغَدْرة؟

فأجاب عبد الله الحمَّال: ما من أحدٍ في مدينتنا إلا ويعرف حكاية التاجر صنعان الجمالي!

فصمَت التاجر لحظةً ثم قال: سمعنا بها فيما سمعنا من أنباء مدينتكم العجيبة.

وتساءل زميله: ولكن هل تُصدِّقون ما رُوِيَ عن العِفريت؟

فتساءل فاضل بدوره: كيف لا، وقد جرَّ علينا ما جرَّ من كوارث؟!

– ولكن الوالي لا يستطيعُ أن يستدعيَ العِفريتَ للشهادة أو التحقيق فكيف يقيم العدل؟

فقال عبد الله الحمَّال: على الوالي أن يقيمَ العدلَ من البداية فلا تقتحم العفاريتُ علينا حياتَنا!

فسألَه كبير الغرباء: تُرى هل تكابدون في حياتكم ظلمًا؟!

فأسعفَه الحذرُ المكتسَبُ من خبرته القديمة في الشرطة وقال: لنا سلطانٌ عادلٌ والحمد لله، ولكنَّ الحياةَ لا تخلو من غُصَص.

وتَواصَل الحديث ساعةً حتى نهَض الغُرباء للانصراف.

١٢

خاض ثلاثتُهم الظلام صامتينَ .. التفَت التاجر الثاني نحو الأوَّل، وقال: لعل مولاي قد وجَد التسليةَ المنشودة؟

فتَمتَم الآخَر: فُرجَة في غموم القلب.

ثم بعد قليلٍ: لم تعُد جلسةُ الشعراء تُطربُني ولا تهريجُ شملولِ الأحدبِ يُضحكُني.

– تولَّاكَ الله بالرعاية يا مولاي.

فقال مخاطبًا نفسه: حُلمٌ قصيرٌ مذهل، لا تتخايلُ فيه حقيقةٌ حتى تتلاشى.

انتظر الآخَر أن يُلقي السلطان ضوءًا على قوله، ولكنه لَزِم الصمْت حتى النهاية.

١٣

استقلَّ فاضل وأكرمان بحجرة، فجمعتِ الحجرةُ الأخرى رسمية وأم السعد وحسنية .. على بساطة الحياة نَعِم الزوجانِ بسعادةٍ صافية، وتمنَّى فاضل لحسنية خاتمةً سعيدة كخاتمته .. وكان أحسنَ توفيقًا في تناسي الماضي من النساء فهو يجد ما يشغله، وهنَّ لا تُمحَى من ذاكرتهن الأيامُ الخوالي بعزِّها وأضوائها .. وتوحَّدَ مع عبد الله الحمَّالِ حتى تبادلا قراءةَ الأفكارِ وخواطر القلوب .. الرجل من معدنه، روحه أكبر منه، واهتمامه منجذبٌ إلى هموم البشر كأنَّه فقيهٌ لا حمَّال .. لو استمع أحد المارَّة إلى ما يدور بينهما من حديثٍ فوق سُلَّمِ السبيلِ لذُهلَ ولظنَّهما رجلَين خطيرَين يتنكَّرانِ في ثوبَي بيَّاعٍ وحمَّال .. وقال له يومًا: فتحتُ لك قلبي، ولكنكَ تُوصِدُ قلبك حِيالي.

فنفى ذلك بِهزَّة من رأسه، فقال: في حياتك سِرٌّ ولستَ حمَّالًا بسيطًا.

فقال يُطَمئِنُه: كان لي مُرْشدٌ في وطني، لا سِرَّ وراء ذلك.

– في ذلك ما يكفي.

– على أيِّ حالٍ نحن نرتوي من منبعٍ واحدٍ.

فقال فاضل بجُرأةٍ: لذلك سأسألُك خدمة.

فحدَجه بنظرةٍ متسائلة، فقال بنبرةٍ ذاتِ مغزًى: إنك بحُكم عملِك تتردَّدُ على الدُّور جميعًا!

فابتسم عبد الله بذكاءٍ وصمتٍ منتظرًا، فقال: أَتقبلُ أن تحملَ الرسائلَ أحيانًا؟

فقال باسمًا وهو يتذكَّر أكرمان بحنانٍ: ثمَّة أقوامٌ يجدونَ معنى حياتِهم في السعي إلى المتاعب.

فتجاهل قولَه، متسائلًا: هل تقبلُ؟

فقال بهدوءٍ: ما تشاءُ وأكثرُ.

١٤

أدَّى هذه المَهمَّةَ الجانبيةَ في يسرٍ وأمانٍ تامَّين، فلم يعتدَّهَا إضافةً ذاتَ شأنٍ إلى مَهمته الأصلية، وهمومُه الشخصيةُ — رسميةُ، حسنيةُ، تردُّدُه بين الحياةِ والموت — لم تُمحَ من صفحته، ولكنَّها لم تعُدْ تُزعِجُه، وتلاشت همومُه العامَّةُ كما تتلاشى أمواجُ النهر في المحيط .. وكان الرجلُ الثاني في برنامجه يوسفَ الطاهرَ أو عدنانَ شومة أيُّهُما أيسر، ولكنَّه قدَّمَ عليهما إبراهيمَ العطار لسببٍ عارضٍ لم يخطُر في باله من قبلُ .. ذلك أنَّه حمل إليه لوازمَ فاختلَفا على الأجر فلعنه التاجر الكبير وأهانه .. واستقَر السهم القاتل في قلب إبراهيمَ العطار وهو راجعٌ إلى داره عقب سهرة المقهى .. وانفجَر الفزع في المدينة وانهمَرَت ذكرياتُ مَصارع السلولي وبطيشة مرجان والهمذاني.

وجمع سُلَّمُ السبيل بين عبد الله وفاضل في عنفوان الاضطرابِ المتفجرِ .. تبادلا نظراتٍ قلقةً، وعبثًا حاولا كتمانَ ارتياحِهما .. تمتم عبد الله: يا لها من أحداثٍ مرعبة!

فحدَس الآخَر ظنونَه، فقال ببراءةٍ: ليس الاغتيالُ ضمنَ خُطَّتنا!

فقال عبد الله متظاهرًا بالحَيْرة: لعلها حادثةُ انتقامٍ شخصيٍّ.

– لا أظنُّ.

– لكنَّه لم يكن أفسدَ من غيره.

– يعرفُ الخاصَّةُ أنَّه يدُسُّ السُّمَّ في أدوية أعداءِ الحاكمِ!

قال عبد الله لنفسه: إنَّ صاحبَه يعرفُ من أسرار الناسِ ما يعرفُه، وربما أكثرُ .. تساءلَ: إذا لم يكن الاغتيالُ ضمنَ خُطَّتِكم فمن فاعلُه؟

فقال فاضل بضيق: الله يعلم، إنَّه يقتُل ونحن ندفع الثمن.

١٥

عندما أطفأ الشمعة وآوى إلى فراشه، شعر بالوجود الغريب يدهمُه فارتجف قلبه، وتمتم: سنجام!

فسأله الصوت ببرودٍ: ماذا فعلتَ؟

– أفعلُ بطريقتي ما أعتقدُ أنَّه الخيرُ.

– بل كان ردَّ فعلٍ لما ألحقَهُ بكَ من إهانةٍ.

فقال بحرارةٍ: ما فَعلتُ إلا أن قدَّمتُه، وكان دورُهُ سيأتي عاجلًا أو آجلًا.

فقال سنجام: حسابكَ عند المطَّلعِ على ما في الصدور، فحذارِ يا رجلُ.

وتلاشى سنجام فلم يغمُضْ له جَفنٌ.

١٦

فوق قبةِ جامعِ الإمامِ العاشرِ، في جلسةٍ مُفعَمةٍ بالهدوء، مُترَعةٍ ببرد الشتاء، مُتلفِّعةٍ برداء الليلِ، جلس قمقام وسنجام .. تحتَها تدفَّقتْ قواتُ الشرطةِ مُكشِّرةً عن أنيابها، يتطايرُ الشَّررُ من أعينها الثَّمِلة بالحُمرةِ القانيةِ. همَس قمقام في أسًى: يا لَعذابِ البشرِ!

فقال سنجام كالمعتذر: ما فعلْتُ إلا أن أنقذتُ روحَ جمصة البلطي من الجحيم.

– ما تدخلْنَا مرَّةً في حياتهم وانتهى الأمرُ بما نودُّ.

– والإغضاءُ عنهم فوق ما نحتمل.

ومرَّ تحتَهم في تلك اللحظة المعلمُ سحلول تاجرُ المزاداتِ والتحفِ، فأشار إليه قمقام قائلًا: إني أَغبِطُه على معاشرته لهم كأنَّه آدميٌّ مثلهم!

فقال سنجام مشاركًا: ولكنَّه مَلاكٌ، نائبُ عزرائيلَ في الحيِّ، واجبُه يقتضي الاختلاط بهم ليلَ نهارَ، ويَحِلُّ له ما لا يَحِلُّ لنا.

فقال قمقام: لِنَدعُ اللهَ أن يُلهِمَنا الصوابَ.

فرَدَّد سنجام: آمين.

١٧

اعترضَتْ مسيرةَ عبد الله الحمَّالِ عثرةٌ ضاقَ بها صدرُه .. كان يمضي بحِمْلٍ كبيرٍ من النقل والفاكهة المجفَّفة إلى دار عدنان شومة كبيرِ الشرطةِ .. ولم يكن كَفَّ عن تقييم مصرعِ إبراهيمَ العطارِ، ما وراءه من جهادٍ صادقٍ، وما تسلَّل إليه من غضب ورغبة في الانتقام .. سبيلُ الله واضحٌ ولا يجوز أن يخالطَهُ غضَبٌ أو كبرياءٌ، وإلا انهار البناء من أساسه .. وكانت دار عدنان شومة تقوم في شارع المواكب والأعياد على مَبعدةٍ يسيرةٍ من دار الإمارة .. شارع وقور تقومُ على جانبَيه دُورُ السادةِ والفنادق الكبرى، وبه بستانٌ وساحةُ بيعِ الجواري .. قال لنفسه وهو يدخل الدار: «سيجيءُ دورُك يا عدنان قريبًا.» .. وعندما همَّ بالذهاب أوقفه عبدٌ، ودعاه إلى مقابلة صاحب الدار .. ذهب إلى بهو الاستقبال بقلبٍ يخفِقُ بالقلَق .. نظر إليه الرجل بوجهه المستدير الصغير وعينَيه الضيقتَينِ القاسيتَينِ وهو يداعب لحيته، ثم سأله: من أيِّ البلادِ؟

فأجاب عبد الله بخشوع: الحبشة.

– قيل لي إنَّ سمعتكَ طيبة وإنَّه لا تَفُوتُكَ فريضة!

فتلقَّى أوَّلَ نسمةِ راحةٍ وقال: بفضل الله ورحمته.

فقال بهدوءٍ: لذلك وقع اختياري عليكَ.

تفشَّى المعنى المقصودُ في رأسه كما تتفشَّى رائحةٌ قويةٌ في مكانٍ مغلَقٍ .. فكم من مرَّةٍ — وهو كبيرُ الشرطةِ — وجَّهَ مثلَ هذا القولِ إلى رجلٍ إيذانًا بنَظمِه في سلك عيونه السريةِ .. هو يعلم أنَّ التملُّصَ من التكليف خليقٌ بالقضاء عليه، وأنَّه لا مفرَّ من الطاعة.

وقال الرجل: بذلك تحوزُ الشرفَ في خدمة السلطان والدين.

تظاهر بالارتياح والسعادة والزهو .. أعطاه الأماراتِ التي يطمئنُ بها .. على ذاك. قال له محذِّرًا: احذَر ما يُرْدِي الخائنَ في الهلاك.

فتَمتَم بغموضٍ: تَسُرُّني الخدمةُ في رحاب الله.

فقال عدنان شومة: الدُّورُ مفتوحةٌ لكَ بحُكم عملكَ ولا ينقُصُك إلا بعضُ الإرشاداتِ.

هي الإرشاداتُ المُدوَّنةُ في دفاترَ سريةٍ منذ عهد جمصة البلطي.

١٨

غادر دار عدنان شومة بحِمْلٍ جديدٍ أثقلَ من الحِمْل الذي جاء به .. ولدى اجتماعِه بفاضل صنعان أفضى إليه بسرِّه الجديدِ .. فكَّر فاضل في الأمر طويلًا، ثم قال: أصبحتَ ذا عينَين، عينٍ لنا وعينٍ علينا.

لكن عبد الله غرق في همِّه، فسأله: ألا تَعتبِر ذلك كسبًا لنا؟

فقال عبد الله بوجومٍ: إني مطالَب بما يدُل على إخلاصي في العمل!

فلاذ فاضل بالصمْت مُتفكِّرًا، فمضى عبد الله: أتساءل أحيانًا هل دعاني الرجل لشكِّه في أمري؟

فبادَره فاضل: إنهما أصحاب عنفٍ فلا حاجةَ بهما إلى الحيلة.

– أوافقكَ، ولكن كيف أثْبِتُ إخلاصي؟

فرجع فاضل للتفكير في الأمر، ثم قال: تقضي المصلحةُ أحيانًا إرسالَ أناسٍ منَّا إلى بلادٍ بعيدةٍ، سأدلُّك على أحدهم لتُبلغَ عنه بحيث يفلِتُ في الوقت المناسب «مصادفةً»!

فقال عبد الله وعيناه تبرقانِ بالفكر: حلٌّ مُوفَّق، ولكن لا يجوزُ تَكرارُه!

فقال فاضل مخاطبًا نفسَه: حقًّا إنَّها ورطة!

– ها أنتَ ذا تشاركُني الرأيَ أخيرًا.

وسأل نفسه هل يستطيع الاستمرار في تنفيذ مشروعه السري؟! وتشعَّثَ تفكيرُه فجأةً عندما رأى المعلم سحلول يعبُر الطريقَ أمامهم مسرعًا لا يلْوِي على شيء .. انقبض صدره كالعادة ولكز فاضل بكوعه متسائلًا: ماذا تعرف عن هذا الرجل؟

فقال فاضل بنبرةٍ طبيعية: سحلول تاجر المزادات والتحف، كان من أصدقاء أبي، ولعله التاجرُ الوحيدُ الذي يملكُ صحيفةً بيضاء.

– ماذا تعرف عنه أيضًا؟

– لا شيءَ.

– ألا يثير فضولَك غموضُه؟

– غموضُه؟! ما هي إلا البساطةُ الصريحةُ، رجلٌ نشيطٌ خبير، ولا شأنَ له بالآخرين، ما الذي يدعوكَ للتساؤل؟

فتردَّد قليلًا، ثم قال: له نظرةٌ نافذةٌ لم أرتَحْ إليها.

– لا أساسَ لظنونكَ تقومُ عليه، إنَّه استثناءٌ طاهرٌ لقاعدةٍ فاسدة.

تمنَّى أن يصدُق رأيُه وأن تكذبَ ظنونُه.

١٩

أيقن مِن خبرتِه السابقة بأنَّه سيُوضعُ تحت المراقبة أُسوَةً بالمخبرين الجُدُد .. هيهات أن يجدَ فرصةً ليقومَ بمغامرةٍ جديدةٍ إلا إذا أزاح عدنان شومة نفسه من طريقه بضربةٍ موفَّقةٍ .. وتسلَّل إلى داره في لقاءٍ سري، وقال له: عمَّا قليلٍ ستَسقُط ثمارٌ كثيرةٌ، الحيُّ مليءٌ بالكَفرَة، ولكنِّي أرى أن أتجنبَ التردُّدَ عليكم.

فقال عدنان شومة بسرور: سَأُعَيِّنُ لك وسيطًا.

– هذا يكفي في الشئون العادية، أما الشئونُ الخطيرةُ فأُفضِّل أن يقتصرَ الاتصالُ عليكَ.

– نتَّفق على ذلك فيما بعدُ.

فقال عبد الله بحماس: خيرُ البِرِّ عاجلُه.

فقال عدنان شومة بعد تفكير: إنِّي أتواجدُ أحيانًا ليلًا خارجَ سورِ الحي، أظنُّهُ مكانًا مناسبًا.

وفَاق تدبيرُه ما كان يأمُل.

٢٠

وبمعاونةِ فاضل صنعان قدَّم تقريرًا عن شابٍّ أعزبَ يقيمُ منفردًا بحجرةٍ في رَبْعٍ بعَطْفة الدباغينَ .. ولما انقضَّتِ القوَّةُ على مسكنه تبَّينَ لها أنَّه غادرَهُ لسفرٍ منذُ دقائق! .. وغَضِب عدنان شومة وقال لعبد الله: أثَرْتَ ريبته دون أن تدري!

فوكَّد له أنَّه أدهى مما يتصوَّر، ولكنَّ الآخَرَ صَرفَه غيرَ راضٍ عنه.

٢١

وزلزل دارَ الإمارة، والحي والمدينة، للعثور على جثَّة عدنان شومة خارجَ سورِ الحي .. ماج شهريار نفسه بالغضَب، وتخايلَتْ لأعيُن الكبراء مخاوفُ مجهولةٌ تزحف من مكامنها في الظلام .. ونما إلى عبدالله من وسطه السرِّي الرسمي أنَّ البحث يتركَّزُ في كشف الأسباب التي دعَتْ كبيرَ الشرطةِ للخروج سرًّا من سور الحي .. وكان هو أوَّلَ من أُتيح له الاطِّلاعُ على سِرِّ ضحيتِه الذي كان يقصد دارًا خاصَّةً يلتقي فيها بجلنار وزهريار شقيقتَيْ يوسفَ الطاهرِ حاكمِ الحي .. الحقُّ أنَّه عرف سيرة المرأتَينِ منذ عهد خدمتِه، ومن قبلِ أن يتولَّى يوسفُ الطاهرُ الإمارةَ .. لذلك دعاه كبيرُ الشرطة إلى مقابلته في جوسق بحديقة الدار ثم صَرفَه، ولكنه لم يرجع إلى الحي، بل لَبدَ له في الظلام حتى غادر الدار قبيل الفجر فتلقَّاهُ بالسهم القاتل .. الآن يتلاشى شعوره بالأمان، ولا يستبعدُ أن يكون بعضُ خاصَّةِ عدنان شومة من النساء أو الرجال قد عرف سرَّ المقابلةِ بينه وبين الرجل .. قرَّر الهربَ ولو إلى حين .. غادر الحيَّ كلَّه إلى ما وراء الخلاء عند النهر على كثبٍ من اللسان الأخضر، حيث اعتاد ممارسةَ هوايةِ الصيد، نفسُ البقعةِ التي التحمَ فيها بسنجام .. وجد نخلةً فارعةً فارتمى تحتها وأغرق في التفكير .. وأقبل الليلُ وتجلَّتِ النجوم متواضعةً، واشتدَّ البردُ .. تُرى هل أحسنَ التدبيرَ والتفكيرَ أو أنَّ لهفتَهُ على تنفيذ مشروعه قد أفسدَت عليه هدفَه؟! ومتى وكيف يُتاح له العملُ مرَّةً أخرى؟ كيف يتجنَّب أعداءَه وكيف يتصل بصاحبه فاضل صنعان؟ وفي سكون الليل ترامى إليه صوت يقول: يا عبد الله!

نظر صوْبَ مصدرِ الصوت، صوْبَ النهر، وتساءل: من يُنادي؟

فقال الصوت بنبرةٍ تبُثُّ الأمانَ والطمأنينةَ والسلامَ: اقتربْ.

دنا من النهر يسير في حذَرٍ حتى رأى صفحتَهُ معتمةً تحت ضوءِ النجوم، ورأى شبحًا نصفَهُ في الماء ونصفهُ مستندٌ بساعدَيه فوق الشاطئ .. سألَه: أأنتَ في حاجةٍ إلى مساعدة؟

– أنتَ المحتاج إلى المساعدة يا عبد الله.

فسألَه بقلقٍ: من أنتَ، وماذا تعرف عني؟

– أنا عبد الله البحْري كما أنكَ عبد الله البَري، وقبضةُ الشر تَتوتَّر للقبض على عُنقكَ.

– سيدي، ماذا يُبقيكَ في الماء؟ .. من أيِّ الأحياءِ أنت؟

– ما أنا إلا عابدٌ في مملكة الماء اللانهائية.

– تعني أنَّها مملكةٌ تحيا تحت الماء؟

– نعم، تحقَّقَ بها الكمالُ وتلاشَتِ المتناقضات، ولا يُنغِّصُ صفوَها إلا تعاسةُ أهل البَر.

فقال عبد الله منبهرًا: عجيبٌ ما أسمع، ولكن قدرة الله لا حدَّ لها.

– كذلك رحمتُه، فاخلع ثيابكَ واغطس في الماء.

– لماذا يا سيدي؟ لماذا تُطالِبُني بذلك في الليل البارد؟

– افعلْ كما أقولُ قبل أن تطوِّقَ عنقَكَ القبضةُ القاتلة.

وسرعان ما غاص عبدُ اللهِ البحْريُّ في الماء تاركَه لاختياره .. وبدافعٍ من إلهامٍ ثَمِلٍ خلَع ملابسه وغاص في ماء النهر حتى اختفى تمامًا .. وإذا بالصوت يقول له: عُدْ إلى البَرِّ آمنًا.

وما كاد يشعُر بالأرض تحت قدمَيه حتى استقرَّ قلبُه بين ضلوعه وشَعَر بأنَّه جارحةٌ من جوارح السماء والأرض والليل، وشعَر أيضا بالدفء .. عند ذاك غلَبه النوم فنام نومًا عميقًا هادئًا، وكأنما النجوم لا تُومِضُ إلا لترعاه .. وصحا قبل انبلاجِ الصبحِ .. ونظر في مرآته على ضوء أوَّلِ شعاعٍ يهبط، فرأى وجهًا جديدًا لم يعرفْهُ من قبلُ، فهتَف: مباركةٌ العجائبُ إن تكنْ من صنع الله.

لا هو وجه جمصة البلطي ولا وجه عبد الله .. وجهٌ قمحي، صافي البشرة، ولحيةٌ مُسترسِلةٌ سوداء، وشعرٌ غزيرٌ مفروقٌ ينسدل حتى المنكِبَين، ونظرةُ عينَين تُومِضُ بلغة النجوم .. أدرك الموتُ عبد الله كما أدرك جمصة البلطي من قبلُ .. وغاب فاضل وأكرمان، ورسمية وحسنية، وأم السعد .. ولكنَّ ثمَّة أصواتًا جديدةً تتجسَّدُ، ومغامراتٍ جديدة تُقبل مع الشروق، ودنيا جديدةً تنكشفُ عن عجائبَ مباركة.

٢٢

طابت له الحياةُ في الخلاء على مقرُبةٍ من اللسان الأخضر الممتدِّ في النهر .. النخلةُ جليسُه، وصيدُ النهر غِذاؤه، والهواءُ النقيُّ أليفُه، وروَّادُ اللسان الأخضر من أهل الصبوات والطرب مثارُ نقمتِه ومُرتادُ عفوِه، أما راحةُ قلبِه ففي مناجاة عبد الله البحريِّ .. ويجيءُ عابرو النهر بأنباء المدينة .. عَلِم فيما عَلِم أنَّ الحاكمَ يوسف الطاهر اختار حسام الفقي كاتمًا لسرِّه وبيومي الأرمل كبيرًا لشرطته .. عَلِم أيضًا أنَّ قواتِ الأمنِ تجتاحُ الحيَّ كإعصارٍ، وأنَّهم يبحثون عن عبد الله الحمَّال، وأنَّهم ألقَوا القبض على معارفه، فسيق إلى السجن رجبُ الحمَّال، وفاضل صنعان وزوجتُه أكرمان .. هكذا سرعانَ ما فَنِي أمنه وجَزعَ قلبه فتوثَّب من جديدٍ للنضال.

٢٣

لم يذهب ليقتل ولكن ليقدِّم نفسه فِديةً عمن يُحب .. لم يستشعر رهبةً ولا خوفًا، وسما به الإلهام فوق الوساوس .. قصَد من تَوِّه بيومي الأرمل في دار الشرطة، وقال بهدوءٍ ورزانة: جئتُ لأعترفَ بين يدَيكَ بأنَّي قاتلُ عدنان شومة!

فانتبه إليه كبيرُ الشرطةِ مُتفحِّصًا، وسألَه: من أنتَ؟

– عبد الله البَرِّي صيادُ سمك.

من منظره شكَّ كبيرُ الشرطةِ في جنونه، فأمر بتكبيله بالحديد اتقاءً لخطره، ثم سأله: ولِم قتلْتَ عدنان شومة؟

فأجاب ببساطةٍ: إنَّني مكلَّفٌ بقتل الأشرار.

– من الذي كلَّفَكَ بذلك؟

– سنجام؛ ذلك العِفريتُ المؤمنُ، وبوَحْيه قتلْتُ خليل الهمذاني، وبطيشة مرجان، وإبراهيم العطار.

فجاراه الرجل قائلًا: سبَق أن اعترف بقتل الهمذاني كبيرُ الشرطةِ الأسبق جمصة البلطي.

فهتَف الرجل: في الأصل كنْتُ جمصة البلطي!

– رأسُه معلَّقٌ بباب داره!

– وقد رأيتُه بعينَيْ رأسي!

– وتُصِرُّ على أنكَ صاحبُ الرأس؟

– لا ريبَ في ذلك، وسوف تُصدِّقُني عندما تسمعُ حكايتي.

– لكن كيف ومتى ركَّبْتَ هذا الرأسَ الجديد؟

– دعني أطلُب سنجام شاهدًا.

فصاح الرجل: إنَّك جديرٌ بالإقامة الدائمة في دار المجانين.

وأمَر بإرساله من تَوِّه إلى دار المجانين، فمضَوا به، وهو يَصرُخ: إليَّ يا سنجام .. إليَّ يا عبد الله البحْري.

•••

وقد عُذِّب فاضل في السجن طويلًا، ثم لم يَجدِ الحاكم بُدًّا من الإفراج عنه ومَنْ معه، آمِرًا — في الوقت نفسه — بمضاعفة الجهدِ للعثور على عبد الله الحمَّال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤