الفصل الخامس عشر

من كوكب آخر

هنالك ثلاثة أقمار تحيط بي: الحرية، والشعر، والحكمة، أما الشمس التي تنير نهاراتي فهي الروحانية. الروحانية القلقة والمتوترة، فليكن الله في عوني، أنا مثل أشجار تحلم بالطيور، مثل مطر يبحث عن ريشة فنان، الاستعارة التي لم تعثُر بعد على الكلمات المناسبة. آه لو كنت إسبانيًّا لكنت الناي الغامض في الخريف الناعس. ولو كنت فرنسيًّا لفضلت أن أكون عطرًا، أو حتى نظرية فلسفية على ناصية الشارع. أما لو كنت اسكندينافيًّا فحتمًا سأكون قلبًا دافئًا يعطف على سمكة الحب قربَ مدفأةٍ مفتوحة على الشاطئ.

وأخيرًا لو كنت مغربيًّا؛ لصرت الشحوب الذي يعلو قطعة الأثاث العتيقة، الاخضرار فوق آنية النحاس، المهد الذي تربَّى فيه كل أطفال الحي، وها هو يباع من جديد في دكان الخرداوات، آلة الخياطة القديمة التي تملكها أرملة ضاع زوجها في الصحراء.

لكن مع ذلك أعتقد أنني أمير ياباني أو بنغالي من سلالة منقرضة كانت تعمل في الخيمياء، والسفر عبر الزمان. كم من ميتة مِتُّها، وكم من حياة عشتها؟

هكذا أنا الحزن المسافر إلى بلدان الله البعيدة.

الصفير الأخير لعصفور يحتضر.

الحلم الذي لا سرير له.

الشمس الضائعة في القفار المجهولة.

غير أنه من المحتمل ألا أكون من هذا الكوكب، بل من كوكب آخر يوجد بين النجوم البعيدة للمرأة المسلسلة. هنالك حيث لا توجد يابسة، بل فقط بحر واحد ممتد على مدَى البصر، من كنت حينما لم أكن، في كوكب الغيوم الذي يحلم بالحياة القادمة إليه. هناك الكثير من الإمكانات؛ كي أكون على غير ما أنا عليه، الحرية هي جوهري الوحيد. أضحك إذ أحزن، وأبكي عندما يفرح الآخرون.

تعالي إذن، يا أختاه، نركب فوق الحصان المجنَّح، إنني مجرد إغفاءة للضرورة.

تعالي نجرب الحياة خارج الزمان، خارج المرئي وخارج المكان.

تعالي نغطِّ أنفسنا بأوراق الشجر، ونجرِ مع الريح.

تعال أيها الإنسان الصغير، ألقِ نظرة على هذه المدن الفارغة، وجع الريح خلف الأبواب الموصدة.

آه! يا إلهي لكم أحببت الأموات الذين مضوا، والفانين الذين ما زالوا ينتظرون.

نعم، جملة طويلة تضم كل الحروف وتُقال بنَفَس واحد، هذا بالضبط هو ما أفكر فيه كوصيةٍ لي في اللحظات الأخيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤