الفصل التاسع

البلوغ

كان سيريل قد أشار ذات مرة إلى أن الحياة العادية مليئةٌ بالمناسبات التي تكون فيها الأمنيةُ أكثرَ فائدة من أي وقتٍ آخر. وقد سيطرت هذه الفكرة على تفكيره عندما قُدِّر له أن يستيقظ مبكرًا في صباح اليوم الثاني بعد صباح اليوم الذي تمنَّى فيه روبرت أن يكون أكبر من صبي الخبَّاز، وتحقَّق له ذلك. أما اليوم الذي كان بين هذين اليومين فقد انشغلوا فيه بالكامل في الحصول على عربة الحصان التي تركوها خلفهم في بنينهارست.

ارتدى سيريل ملابسه في عجلةٍ. ولم يستحم؛ لأن الاستحمام في قدر كبير يُصدر صخبًا، ولم يكن لديه أي رغبةٍ في إيقاظ روبرت، فانطلق خلسةً بمفرده، كما فعلت أنثيا ذات يوم، وركض في الصباح الندي إلى الحفرة الرملية. وحفر بعنايةٍ فائقة ولطف حتى ظهر عفريت الرمال، وبدأ الحديث بسؤاله عما إذا كان لا يزال يشعر بأي آثارٍ سيئة من ملامسته لدموع روبرت أول من أمس. كان عفريت الرمال في حالةٍ مزاجية جيدة. فردَّ بأدب.

وقال: «والآن، ماذا يمكنني أن أفعل لك؟ أظنُّك أتيتَ إلى هنا مبكرًا لطلب شيءٍ ما لنفسك، شيء لا يعرفه إخوتك، أليس كذلك؟ فلتطلب الآن شيئًا فيه منفعتك! اطلب ميجاثيريم سمين واستمتع به.»

قال سيريل بحذر: «شكرًا لك، ليس اليوم، ما أردت حقًّا أن أقوله هو أنك تعرف كيف تتمنى دومًا الأشياء عندما تلعب أي لعبة، أليس كذلك؟»

قال عفريت الرمال بفتور: «نادرًا ما ألعب.»

قال سيريل دون صبر: «حسنًا، أنت تعرف ماذا أقصد، ما أريد أن أقوله هو: لمَ لا تجعل أمنياتنا تتحقَّق بمجرد التفكير فيها، وفي المكان الذي نكون فيه؟» ثم أضاف سيريل: «حتى لا نضطر إلى المجيء وإزعاجك مرة أخرى.»

قال عفريت الرمال وهو يمدِّد ذراعيه البنيين متثاءبًا: «سيؤدي بك هذا الأمر فقط إلى تمنيك شيئًا لا تريده حقًّا، مثلما فعلت في القلعة، يحدث دائمًا الشيء نفسه منذ أن توقف الناس عن تناول أشياء صحية حقًّا. على كل حال، لك ما تريد، وداعًا.»

قال سيريل بأدب: «وداعًا.»

قال عفريت الرمال فجأةً محدِّقًا بعينَيْه الأقرب إلى عيني الحلزون: «أتعرف ماذا؟ لقد سئمت منكم جميعًا، فليس عندكم من الفهم ما يزيد عما لدى المحار، انصرف!» وهكذا ذهب سيريل.

«يا له من وقت طويل ذلك الذي يبقى فيه الأطفال رُضَّعًا.» قال سيريل ذلك بعد أن أخرج الحَمَل ساعته من جيبه حينما لم يكن منتبهًا، مُصْدرًا أصواتًا أشبه ما تكون بنقنقات الدجاج وهديل الحمام من نشوة المشاغبة وهو يفتح الساعة ليستخدمها كمجرفة في الحديقة، ما جعل الساعة لا تعمل بعد ذلك حتى بعد غَمْرها في حوض غسل الأيدي، فقال سيريل عدة أشياء تحت تأثير اللحظة. ولكن بات الآن أكثر هدوءًا، وقد وافق على حَمْل الحَمَل جزءًا من الطريق إلى الغابة. أقنع سيريل الآخرين بالموافقة على خطته، وهي عدم تمني أي شيء آخر حتى يكون شيئًا يتمنَّونه بالفعل. في هذه الأثناء كان من الجيد الذهاب إلى الغابة بحثًا عن الجوز، وعلى العشب تحت شجرة الكستناء الحلوة كان الخمسة يجلسون، كان الحَمَل يشد العشب بيدَيْه السمينتين، وكان سيريل ينظر في حزن إلى ساعته التي أُتلفت.

قالت أنثيا: «إنه يكبر بالفعل، أليس كذلك أيُّها الغالي؟»

قال الحَمَل المبتهج: «أنا أكبر، أنا أكبر ولدٍ كبير، ولديَّ بنادقُ وفئران، و… و…» وكأنه قد أطلق العنان لخياله ومفرداته هنا، ولكن على أي حال، كان هذا أطول كلامٍ يصدر عن الحَمَل على الإطلاق، وقد سحر الجميع، حتى سيريل الذي أخذ يدحرج الحَمَل على العشب وسط صيحات السرور.

قالت أنثيا بينما كان الحَمَل ينظر حالمًا إلى زرقة السماء التي تظهر من بين أوراق الكستناء الطويلة المستقيمة: «كنت أعلم أنه سوف يكبَر في يوم من الأيام.» ولكن في تلك اللحظة قام الحَمَل — الذي كان يتصارع بمرح مع سيريل — بدفع قدمه الصغيرة على صدر أخيه، فسُمع صوت كسر! لقد كسر الحَمَل الوديع زجاج ثاني أفضل ساعة مفضَّلة لدى والده من نوع «ووتربيري»، والتي كان سيريل قد استعارها منه دون إذن.

قال سيريل بمرارة: «يكبَر في يوم من الأيام!» وألقى الحَمَل على العشب، ثم أردف قائلًا: «يمكنني القول إنه سيكبر عندما لا يريده أحدٌ أن يفعل، أتمنى من الله أن …»

صرخت أنثيا هلعًا: «أوه، احذر!» ولكن كان قد فات الأوان، خرجت كلماتها وكلمات سيريل معًا وكأنها أغنية تُرافق موسيقاها؛ أنثيا بقولها: «أوه، احذر!» وسيريل بقوله: «يكبر الآن!»

كان عفريت الرمال المخلص قد أوفى بوعده، وهناك، أمام أعين أخوَيه وأختَيه الفزعين، كبر الحَمَل فجأةً وبقوة، كانت تلك اللحظة الأكثر فظاعة. لم يكن التغيير سريعًا بشدةٍ كما كانت العادة. بل تغيَّر وجه الطفل أولًا. لقد أصبح أنحف وأكبر، وارتسمَت الخطوط في الجبهة، وأصبحت العينان أكثر عمقًا وأغمق لونًا، والفم أطولَ وأنحف؛ الأمر الأكثر فظاعةً هو ظهور شارب غامق قليلًا على شفة من لا يزال — باستثناء الوجه — طفلًا يبلغ من العمر عامَيْن في سترة من الكتان وزوجين من جوارب بيضاء مُزيَّنة.

«أوه، أتمنى ألَّا يكبر! أوه، أتمنى ألَّا يكبر! يمكنكم أن تتمنوا مثل أمنيتي.» وبالفعل اجتهدوا في تمنيهم، لأن المنظر كان كافيًا لإثارة الفزع، لقد تمنَّوْا جميعًا بشدة — في الواقع — لدرجة أنهم شعروا بالدوار الشديد وكادوا يفقدون الوعي؛ لكن أمنياتهم ذهبت أدراج الرياح؛ لأنه عندما توقفت الغابة عن الدوران، كانت عيونهم مثبتة بانبهارٍ في الحال بمرأى شابٍّ جميل المظهر يرتدي ثيابًا من الصوف وقبعة من القش وله الشارب الأسود الخفيف نفسه الذي رأوه ينمو بالفعل على شفة الطفل. هذا، إذن، كان الحَمَل، لقد كَبر حَمَلُهم! لقد كانت لحظة مروعة. تحرَّك الحَمَل الضخم برشاقةٍ على العشب واستقر أمام جذع الكستناء الحلو. وضع قبعة القش على عينيه. وكان من الواضح أنه مرهق. كان ينوي النوم، فالحَمَل؛ الحَمَل الأصلي المحبوب، صغيرهم المُتْعَب، غالبًا ما كان يخلد إلى النوم في أوقاتٍ غريبةٍ وفي أماكن غير متوقعة. هل كان هذا الحَمَل الجديد الذي يرتدي ثيابًا رمادية من الصوف وربطة عنق خضراء باهتة مثل الحَمَل الآخر؟ أم هل كَبُر عقله مع جسده؟

كان هذا هو السؤال الذي طرحه أخواه وأختاه — في اجتماعٍ عاجل عُقِدَ فوق أجمَّةِ سرخسٍ أصفرَ على بُعد أمتارٍ قليلةٍ من الحَمَل النائم.

قالت أنثيا: «مهما كان الأمر، فسيكون مروَّعًا. فإذا كان عقله قد نما أيضًا، فلن يطيق اعتناءنا به؛ وإذا كان لا يزال طفلًا بداخله، فكيف بالله يمكن أن نُقنعه بفعل أي شيء؟ وسيصحو لتناول الغداء في غضون دقيقة.» قالت جين: «وليس معنا أي جوز.»

قال روبرت: «دعكِ من الجوز الآن! ما يهم هو الغداء؛ فأنا لم أتناول وجبة غداءٍ كافية إطلاقًا بالأمس. ألا يمكننا أن نربطه بالشجرة ونعود إلى المنزل لتناول الغداء والعودة بعد ذلك؟»

قال سيريل بنبرةٍ بائسةٍ تنطوي على شيءٍ من الامتعاض: «بالتأكيد سوف نحصل على كمية كبيرة من الغداء إذا ذهبنا دون الحَمَل، وسيكون الأمر نفسه إذا اصطحبناه معنا في الوضع الذي هو فيه الآن. أعترف أنني السبب؛ فلا داعي لتوبيخي! كما أعلم أنني شخصٌ حقير، ولا أستحق الحياة؛ يمكنكم أن تعتقدوا ذلك أيضًا، وهذا ما أتفهَّمه تمامًا. السؤال الآن هو، ماذا سنفعل؟»

قال روبرت: «دعنا نوقظه الآن، ونأخذه إلى روتشستر أو ميدستون ونُحضر بعض الطعام من محل الفطائر والمعجنات.»

كرر سيريل: «نأخذه؟ نعم، فلنفعل! كل ذلك هو خطئي — أنا لا أنكر ذلك — ولكن سيشق عليك الأمر إذا حاولت اصطحاب هذا الشاب إلى أي مكان. لقد كان الحَمَل دائمًا مدللًا على نحو مفرط، ولكن بما أنه كَبِر الآن، فقد أصبح شيطانًا، هذا كل ما هنالك. أستطيع رؤية ذلك. انظروا إلى فمه.»

قال روبرت: «حسنًا، إذن، هيا نوقظه ونرى ماذا سيفعل. ربما سيأخذنا إلى ميدستون ويدفع الحساب من أجلنا. فلا بد أن لديه الكثيرَ من المال في جيوب تلك الحقائب الاستثنائية. ينبغي علينا أن نتناول الغداء، على أي حال.»

وقد اقترعوا بفتات نبات السرخس، فوقع على عاتق جين مهمة إيقاظ الحَمَل الضخم.

فعلت ذلك بلطف إذ دغدغت أنفه بغُصَيْن من زهر العسل البري. وقال: «تبًّا للذباب!» مرتين، ثم فتح عينيه.

قال بصوتٍ خامل: «أهلًا يا صغار، هل ما زلتم هنا؟ كم هي الساعة المسببة للدوار؟ سوف تتأخَّرون على تناول طعامكم!»

قال روبرت بمرارة: «أعلم أن ذلك سيحدث.»

قال الحَمَل الضخم: «إذن فلتعودوا بسرعة إلى المنزل.»

سألت جين: «ولكن ماذا عن طعامك أنت؟»

«أوه، كم تبعد المسافة إلى المحطة في اعتقادكم؟ أفكر في أن أتوجَّه مسرعًا إلى المدينة وأتناول الغداء في النادي.»

خيَّم على الأربعة الشعور بالبؤس الشديد، فسوف يذهب الحَمَل — وحده — دون مراقبة — إلى المدينة ويتناول الغداء في نادٍ! وربما تناول الشاي هناك أيضًا. وربما يحلُّ عليه الغروب وهو وسط الأرضية الفخمة اللامعة للنادي، وسيجد نفسه طفلًا ناعسًا عاجزًا، وحيدًا وسط نوادل غير متعاطفين، وسيبكي ببؤسٍ طالبًا أنثيا من عُمق الكرسي ذي الذراعَين بالنادي. حملت هذه الصورة أنثيا على البكاء.

قالت وهي تبكي دون اكتراث: «أوه لا، حَمَلي الحبيب، يجب ألَّا تفعل ذلك.»

عبس الحَمَل وقال: «عزيزتي أنثيا كم مرة أخبرتك بأن اسمي هيلاري أو سانت مور أو ديفيرو؟ — أي من أسماء المعمودية الخاصة بي متاحة لشقيقيَّ وأختيَّ الصغار، ولكن ليس «الحَمَل»، فهو أثرٌ من آثار طفولةٍ حمقاء وبعيدة.»

كان هذا مروعًا، فقد كان شقيقهم الأكبر الآن، أليس كذلك؟ حسنًا، بالطبع كان كذلك، إذا كان كبيرًا وهم ليسوا كذلك. هكذا، تهامس روبرت وأنثيا.

لكن المغامرات شبه اليومية الناتجة عن الأمنيات التي حقَّقها عفريت الرمال كانت تجعل من الأطفال أكثرَ حكمة مما توحي به أعمارهم.

قالت أنثيا: «عزيزي هيلاري» — بينما غصَّ الآخرون بالاسم في حلوقهم — «أنت تعلم أن أبانا لم يكن ليرغب في ذَهابك إلى لندن؛ لأنه لا يريدنا أن نُترك وحدنا دون أن تعتنيَ بنا.» ثم أضافت واصفة نفسها: «أوه، يا لي من حقيرةٍ مخادعة!»

قال سيريل: «انظر، إذا كنت شقيقنا الأكبر، فلماذا لا تتصرَّف على هذا النحو وتتوجَّه بنا إلى ميدستون وتمنحنا نزهة جيدة، ونذهب إلى النهر بعد ذلك؟»

قال الحَمَل بلطف: «أنا ملتزم برعايتكم رعاية غير محدودة، لكنني أُفضِّل العزلة، عودوا إلى المنزل لتناوُل طعامكم: أعني غدائكم. وربما ألحق بكم في وقت الشاي أو قد لا أصل المنزل إلا بعد أن تكونوا خلدتم إلى النوم.»

النوم! جالت نظراتٌ مليئة بالكلام بين الأربعة التعساء. فسيكون هناك متَّسَع أكبر للنوم إذا هم ذهبوا إلى المنزل دون الحَمَل.

قالت جين قبل أن يتمكن الآخرون من إيقافها: «وعدنا أمَّنا بألا تغيب عن بصرنا إذا أخرجناك.»

قال الحَمَل الكبير وقد وضع يديه في جيوبه خافضًا رأسه لينظر إلى جين: «انظري يا جين، يجب على الصغيرات أن يُرَين ولا يُسمعن، يجب أن تتعلموا أيُّها الأطفال ألا تجعلوا أنفسكم مصدر إزعاج. اركضوا إلى المنزل الآن — وربما إذا تصرَّفتم بلياقة — فسأعطي كل واحدٍ منكم بنسًا في الغد.»

قال سيريل في أفضل نبرة «رجل لرجل» لديه: «إلى أين أنت ذاهب، أيُّها الشاب الكبير؟ هل تسمح لي وروبرت بأن نأتيَ معك، حتى لو كنت لا تريد مرافقة الفتاتين.»

لقد كان هذا حقًّا تصرفًا نبيلًا من سيريل؛ لأنه لم يهتم أبدًا بأن يُشاهَد علنًا مع الحَمَل، والذي بالطبع بعد غروب الشمس سيعود طفلًا مرة أخرى.

نجحت نبرة «رجل لرجل.»

قال الحَمَل الجديد ببهجةٍ شديدةٍ وهو يمسُّ شاربه الخفيف بأصابعه: «سأسرع إلى ميدستون على دراجتي، يمكنني تناول الغداء في مطعم «ذا كراون»، وربما سآخذ مجرى النهر؛ لكنني لا أستطيع أخذكما جميعًا على الدراجة، أليس كذلك؟ اركضوا إلى البيت شأنكم شأن الأطفال المهذبين.»

كان الموقف بلا أمل. تبادَل روبرت نظرة يائسة مع سيريل. ونزعت أنثيا دبوسًا من حزام خصرها، وهو دبوس ترك انسحابه فجوة كبيرة بين التنورة والصدار، وسلمتها إلى روبرت بتقطيبة وجه حالكة وعميقة المعنى. تسلَّل روبرت إلى الطريق، وهناك بالطبع، كانت تقف دراجة هوائية مريحة وجميلة وجديدة، فهم روبرت بالطبع في الحال أنه إذا كبر الحَمَل فلا بد أن يكون لديه دراجة هوائية، كان هذا دائمًا أحد أسباب روبرت الخاصة التي ترغِّبه في أن يكبر ويصير شخصًا بالغًا، وبدأ على عجل في استخدام الدبوس؛ لقد أحدث أحد عشر ثقبًا في الإطار الخلفي، وسبعة في الإطار الأمامي، كان يرغب في جعل المجموع اثنين وعشرين لولا خشخشة أوراق أشجار البندق الصفراء، التي حذَّرته من قدوم الآخرين. كان يميل بسرعة على كل إطار، وجعله هذا يسمع حفيف ما تبقى من الهواء وهو يخرج من خلال الثمانية عشر ثقبًا.

قال روبرت، متسائلًا في نفسه كيف استطاع أن يتعلَّم الخداع في وقتٍ قصير هكذا: «إن دراجتك بها خللٌ ما.»

قال سيريل: «نعم إنها كذلك.»

قالت أنثيا وهي تنحني وتعتدل مرةً أخرى حاملةً شوكة كانت قد أعدتها لهذا الغرض: «إنها مثقوبة، انظر هنا.»

أخرج الحَمَل الكبير (أو هيلاري، كما أظن أن علينا أن ندعوه الآن) المضخة ونفخ الإطار. سرعان ما تبيَّن أنه مثقوب بالفعل.

قال الحَمَل: «أعتقد أن هناك كوخًا في مكان قريب، حيث يمكن للمرء الحصول على سطل من الماء.»

كان هناك كوخٌ بالفعل؛ وعندما أصبح عدد الثقوب معلومًا، أنعم عليهم مَنْ بالكوخ نعمة خاصة فقدَّم «أكوابًا من الشاي لراكبي الدراجات»، لقد قدَّموا وجبة غريبة تشتمل على الشاي ولحم الخنزير من أجل الحَمَل وإخوته. دُفِع هذا المبلغ من أصل الخمسة عشر شلنًا التي حصل عليها روبرت عندما كان عملاقًا؛ على ما يبدو، لم يكن لدى الحَمَل، للأسف، أي أموال. كانت هذه خيبة أمل كبيرة للباقين؛ لكن هذا شيء يحدث، حتى بالنسبة إلى أكبرنا سنًّا. ومع ذلك، كان لدى روبرت ما يكفي ليتناوله، وكان هذا شيئًا جيدًا. بهدوء ولكن بثبات تناوب الأربعة البائسون محاولة إقناع الحَمَل (أو سانت مور) بأن يقضي بقية اليوم في الغابة. لم يكن قد تبقى الكثير من اليوم عندما فرغ من إصلاح الثقب الثامن عشر. نظر إلى أعلى بعدما أنجز العمل متنهدًا بارتياح، وعدَّل فجأة ربطة عنقه.

قال في لهفةٍ: «هناك سيدة قادمة، حبًّا بالله، ابتعدوا عن الطريق، عودوا إلى المنزل — اختبئوا — تلاشوا بطريقة أو بأخرى! ينبغي ألا تراني مع مجموعة من الأطفال المتسخين.» لقد كان إخوته في الواقع متسخين تمامًا؛ لأنه في وقتٍ مبكر من اليوم، رشَّ الحَمَل، عندما كان لا يزال طفلًا، قدرًا كبيرًا من تراب الحديقة عليهم. كان صوت الحَمَل الضخم يُشبه صوت طاغية، كما قالت جين بعد ذلك، لدرجة أنهم تراجعوا بالفعل إلى الحديقة الخلفية، وتركوه مع شاربه الصغير وبدلته الصوفية لمقابلة السيدة الشابة، التي وصلت الآن إلى الحديقة الأمامية تقود دراجة.

خرجت امرأة من المنزل، وتحدثت إلى السيدة الشابة — رفع الحَمَل قبعته عندما مرت عليه — ولم يتمكن الأطفال من سماع ما قالته، على الرغم من أن أعناقهم قد اشرأبَّت لسماعِ ما يُقال وهم مختبئون بجانب دلو الخنازير ويسترقون السمع على مقربة منهما، لقد شعروا أن ما فعلوه كان «عادلًا تمامًا» — كما قال روبرت — مع الحَمَل البائس في تلك الحالة.

وعندما تحدث الحَمَل بصوتٍ متمهل ومتأدب، تمكنوا من سماع ما يكفي.

قال: «ثقب؟ ألا يمكنني أن أمدَّ يد المساعدة؟ إذا سمحتِ لي؟»

انطلقت الضحكات المكتومة من وراء دلو الخنازير — فالتفت الحَمَل الضخم «أو ديفيرو في هذه الحالة» ورمقهم بنظرةٍ غاضبة.

قالت السيدة وهي تنظر إلى الحَمَل: «أنت لطيف للغاية.» بدا عليها شيء من الخجل، لكن، كما قال الصبيان، كانت صادقة فيما تقول على ما يبدو.

همس سيريل من وراء دلو الخنازير: «ولكن يا إلهي! كان علي أن آخذ في الاعتبار أن الحَمَل قد نال كفايته من إصلاح الدراجات ليوم واحد. كم تمنيتُ لو أنها علمت أنه لا يعدو كونه طفلًا صغيرًا مدللًا كثير التذمر!»

غمغمت أنثيا بغضب: «إنه ليس كذلك، إنه رائع، فقط إذا تركه الناس وشأنه. إنه لا يزال حَمَلُنا الثمين، مهما كان ما يُحوِّله إليه البلهاء السخيفون — أليس كذلك يا جين؟»

شاركتها جين هذا الاعتقاد لكن بشيء من التشكك.

والآن، كان الحَمَل — الذي يجب أن أحاولَ أن أتذكَّر أن أدعوَه بسانت مور — يفحص دراجة السيدة ويتحدث معها بطريقة ناضجة للغاية بالفعل. ولم يكن يستطيع أحد أن يظن، بمجرد رؤيته وسماعه، أنه في صباح ذلك اليوم نفسه كان طفلًا ممتلئًا ابن عامين يكسر ساعات «ووتربيري» الخاصة بالآخرين. أخرج ديفيرو (كما يجب أن يُدعى في المستقبل) ساعة ذهبية عندما كان يصلح دراجة السيدة، فقال جميع الناظرين من وراء دلو الخنازير: «يا إلهي!» لأنه بدا لهم أنه من غير العدل تمامًا أن يروا الطفل — الذي كان قد أفسد هذا الصباح ساعتين رخيصتين ولكن مضبوطتين — وهو يحصل الآن، في حالة النضج الذي تسبَّب سيريل في رفعه إليها، على ساعة ذهبية حقيقية، بسلسلة وأختام!

ألقى هيلاري (كما سأطلق عليه الآن) نظرةً ذابلة إلى إخوته، ثم قال للسيدة التي بدا معها ودودًا للغاية:

«إذا سمحتِ لي، فسوف أذهب معك بعيدًا حتى تقاطع الطرق؛ أصبح الوقت متأخرًا، وأمامكِ رحلة طويلة.»

لن يعرف أحد أبدًا الإجابة التي كانت تنوي السيدة الشابة الردَّ بها على هذا العرض المُهذَّب، فما إن سمعته أنثيا حتى هرعت إلى الخارج، دافعة دلو الخنازير، الذي تعكر جراء الدفعة، وأمسكت بالحَمَل (أظنني يجب أن أقول هيلاري) من الذراع. وتبعها الآخرون، وفي الحال، كان الأطفال الأربعة المتسخون مرئيين، وظاهرين.

قالت أنثيا للسيدة ببالغ الجدية: «لا تسمحي له، إنه لا يصلح للذهاب مع أي شخص!»

قال سانت مور (كما سنسميه الآن) بصوتٍ مروِّع: «اذهبي بعيدًا، أيتها الفتاة الصغيرة! اذهبي إلى المنزل في الحال!»

مضت أنثيا المتهورة الآن في حديثها: «من الأفضل كثيرًا لكِ ألا تفعلي معه أي شيء، فهو لا يعرف من هو، إنه شخص مختلف تمامًا عما تعتقدين أنه هو.»

سألت السيدة تلقائيًّا: «ماذا تعنين؟» بينما حاول ديفيرو (كما يجب أن أذكر مصطلح الحَمَل الضخم) عبثًا أن يدفعَ أنثيا بعيدًا، ساعدها الآخرون، ووقفت صلبة كالصخرة.

قالت أنثيا: «إذا سمحت له بالذهاب معكِ، فسترين قريبًا ما أقصده، هل تريدين أن ترَيْ فجأةً طفلًا صغيرًا مسكينًا عاجزًا يتدحرج على طول المنحدر بجانبكِ وقدماه لأعلى من دراجة هوائية خرجت عن السيطرة؟»

صار وجه السيدة شاحبًا نوعًا ما.

سألت الحَمَل الضخم (والذي سنُسمِّيه أحيانًا باسم سانت مور في هذه الصفحات): «مَنْ هم هؤلاء الأطفال المتسخون؟»

كذب بيأس قائلًا: «أنا لا أعرف.»

صرخت جين: «أوه، أيُّها الحَمَل كيف يمكنك أن تقول ذلك بينما تعرف جيدًا أنك أخونا الأصغر الذي نحبه كثيرًا.» ثم قالت موضحة للسيدة التي أمسكت بيديها الدراجة ووجَّهَتها تجاه البوابة: «نحن إخوته الكبار، وعلينا أن نعتنيَ به. وأن نعيدَه إلى المنزل قبل غروب الشمس، وإذا لم نفعل ذلك، فلا أعرف ماذا سيحدث لنا. كما ترين، إنه مسحورٌ بدرجة أو بأخرى كما لو كان تحت تأثير تعويذة ما، أنت تعرفين ماذا أقصد!»

مرارًا وتكرارًا، حاول الحَمَل (أعني ديفيرو) إيقاف جين عن الاسترسال في التوضيح، لكن كلًّا من روبرت وسيريل أمسك بإحدى ساقي الحَمَل، ولم يكن هناك أي تفسيرٍ مناسب. ركبت السيدة الدراجة وسارعت في مغادرة المكان، وأثارَت اهتمام أقاربها في الغداء بإخبارهم عن هروبها من عائلة مجنونة خطيرة قائلة: «كانت عينا الفتاة الصغيرة عينَيْ شخصٍ مجنون، ولا يمكنني أن أفهم لماذا تركوها طليقة!»

وبعدما انطلقت دراجتها على الطريق المنحدر، وتلاشى صوتها، تحدَّث سيريل بجدية.

قال: «هيلاري، أيُّها الفتى الكبير، لا بد أنك تعرضتَ لضربة شمس أو شيء ما، وإلا فما تلك الأشياء التي قلتها لتلك السيدة. لو أخبرناك بالأشياء التي قلتها عندما تعود إلى ذاتك الحقيقية من جديد في صباح الغد مثلًا، فلن تفهمها ناهيك عن أن تصدقها! ثق بي، أيُّها الفتى، ولنعد إلى المنزل الآن، وإذا لم ترجع إلى ما كنت عليه في الصباح، فسوف نطلب من بائع الحليب أن يطلب من الطبيب القدوم.»

بدا الحَمَل الكبير المسكين (كان سانت مور في الحقيقة أحد أسمائه المسيحية) في حيرةٍ تمنعه من المقاومة.

قال بمرارة: «بما أنكم جميعًا تبدون كمجموعةٍ من المجانين، فأرى أنه من الأفضل أن آخذَكم إلى المنزل، لكن لا تظنُّوا أنني سأترك هذا يمر مرور الكرام، فسيكون لديَّ ما أقوله لكم في صباح الغد.»

قالت أنثيا هامسة: «نعم، ستفعل، يا حَمَلي، لكن لن يظل ما تعتزم قوله لنا على حاله مطلقًا.»

في قرارة نفسها، كان بإمكانها سماع صوت الحَمَل، ذلك الطفل الوديع الجميل — الذي يختلف صوته تمامًا عن النبرات المتكلفة للحَمَل الضخم البغيض (الذي كان من أسمائه ديفيرو) — وكأنها كانت تسمعه يقول: «أنا أحبُّ أنثيا، أريد أن آتي لأنثيا.»

قالت: «أوه، هيا بنا إلى المنزل، حبًّا بالله، وستقول ما تريد في الصباح — وأضافت بصوتٍ هامس — إذا استطعت.»

عادت الصحبة الواجمة إلى المنزل خلال المساء الهادئ. وأثناء حديث أنثيا عبث روبرت مرة أخرى بالدبوس في إطار الدراجة، والحَمَل (الذي كان عليهم أن يدعوه سانت مور أو ديفيرو أو هيلاري) بدا حقًّا أنه قد نال كفايته من إصلاح الدراجة؛ لذلك جرَّها ووضعها جانبًا.

كانت الشمس على وشك الغروب عندما وصلوا إلى منزلهم الأبيض، وكان الأطفال الأربعة الأكبر سنًّا يودُّون أن يتلكَّئوا في الطريق الضيق إلى أن يحوِّل اكتمال غروب الشمس الحَمَل الناضج (الذي لن أجهدكم بتكرار أسمائه المسيحية أكثر من ذلك) إلى أخيهم العزيز المزعج، لكنه أصرَّ، في طور نضوجه، على المضيِّ قدمًا، ومن ثمَّ استقبلتْه مارثا في الحديقة الأمامية.

الآن تذكرون أنه — وكمعروف خاص — كان قد اتفق عفريت الرمال معهم على ألَّا يلحظ الخدم في المنزل أي تغييرات ناجمة عن أمنيات الأطفال؛ لذلك، لم ترَ مارثا سوى المجموعة المعتادة بصحبة الحَمَل الرضيع الذي كانت قلقةً بشدةٍ عليه طوال فترةِ ما بعد الظهر والذي كان يسير بجانب أنثيا على ساقيه السمينتين، بينما كان الأطفال — بالطبع — لا يزالون يرونه حملًا ناضجًا (ولا عليكم من أسمائه التي كان مُعمَّدًا بها)، فهرعت مارثا إليه وأمسكت به بين يديها، وهتفت قائلة:

«تعالَ إلى مارثتك الآن، يا حبيبي الغالي!»

قاوم الحَمَل الضخم (الذي ستُطوى أسماؤه في غياهب النسيان) بشراسة، كان على وجهه تعبيرٌ عن الرعب الشديد والانزعاج، لكن مارثا كانت أقوى منه، فرفعته وحملته إلى المنزل. لن ينسى أي من الأطفال ذلك المشهد، مشهد الشاب المُهندَّم الذي يرتدي ثيابًا صوفية رمادية اللون مع ربطة عنق خضراء ولديه شارب أسود صغير — لحسن الحظ كان نحيل البنية قليلًا ولم يكن طويل القامة — وهو يناضل بين ذراعي مارثا القويتين، والتي حملتْه بعيدًا بلا حولٍ منه ولا قوة، متوسلة إليه — وهي في طريقها — أن يكون طفلًا مهذبًا، ويدخل ويتناول وجبته اللذيذة من الخبز والحليب! لحسن الحظ، غربت الشمس عند وصولهم إلى عتبة الباب، واختفت الدراجة، وشُوهِدت مارثا تحمل إلى المنزل ذلك الرضيع الحقيقي المحبوب الذي كان يبلغ من العمر عامين والذي كان نائمًا. لقد ذهب الحَمَل الضخم (بدون اسم من الآن فصاعدًا) إلى غير رجعة.

قال سيريل: «إلى غير رجعة؛ لأنه في أقرب فرصة سيكبر الحَمَل بحيث لن يتأتى لنا التنمر عليه، وعلينا أن نبدأ التنمر عليه، من أجل مصلحته، حتى لا يكبر ويصبح على هذا الحال.»

قالت أنثيا بغِلظة: «لن أسمحَ لك بالتنمر عليه، لن تفعل ما دمتُ قادرةً على ردعك.»

قالت جين: «ينبغي أن نُقوِّم سلوكَه بلطف.»

قال روبرت: «انظروا، إذا كبر بالطريقة المعتادة، فسيكون هناك متسعُ من الوقت لتقويمه وهو يكبَر. كان الشيء الفظيع اليوم أنه كبِر فجأة. فلم يكن هناك وقتٌ لتقويمه على الإطلاق.»

قالت أنثيا: «إنه لا يحتاج أيَّ تقويم.» بينما كان صوت الحَمَل يصل إليهم عبر الباب المفتوح، تمامًا كما سمعته في أعماق قلبها بعد ظهيرة ذلك اليوم وهو يقول:

«أنا أحبُّ أنثيا، أريد أن آتي لأنثيا!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤