المهمة المجهولة!

كانت هذه أول مرة يدخل الشياطين في مغامرة وقد تملكتهم الحيرة من أمرهم … فالمغامرة مجهولة المعالم، ولا يتصور أحدٌ منهم أن يكون له دورٌ في مثل هذه المغامرة، وحين أخذوا أماكنهم داخل قاعة الاجتماعات، كانوا ينظرون بعضهم إلى بعض في دهشة واستغراب، فليس أمامهم سوى قصاصات من ورق الجرائد والمجلات، وكانت المعلومات التي في هذه القصاصات لا تُنْبِئ عن مغامرة، وليس فيها شيء يجذب الانتباه، مجرد حكايات عن أشياء غريبة تحدث في قرية من القرى.

كلها حكايات عن الجن والسحر، وحرائق في بعض المنازل، وعَجْز بعض الأجهزة عن مواجهة هذه الظاهرة؛ ولذا لم يكن غريبًا أن يتساءلوا عن مصدر هذه القصاصات، ومَن الذي بادر بإحضارها؟ غير أن هذا الاستغراب وهذه الحيرة قد توقفت حين بدأت أقدام رقم «صفر» تقترب حتى توقف … ثم جاء صوته: مَرْحبًا أهلًا بكم في هذا الاجتماع الجديد.

ثم مضى يتكلم: أعرف ما يدور بأذهانكم جميعًا، والحيرة التي تملَّكت بعضكم، والاستغراب الذي سيطر عليكم. حقًّا هذه القصاصات لا تُنبئ عن شيء … لكن هذا هو موضوع المغامرة. هذه هي القصة التي لم تنتهِ … والكل ينتظر نهايتها … وأنتم ستضعون هذه النهاية.

يعتقد الناس في هذه القرية بوجود قبائل من الجن تحرق البيوت وتأخذ الأموال، وانتشر بين الناس كلام كثير يتردد أن الجن تريد أن تُخرج الناس من هذه القرية … فهي تحرق البيوت والمحلات بالليل والنهار، وقد عجزت بعض الجهات الحكومية عن المواجهة، الغريب أنها ادَّعت أن هذه الظواهر حقيقية، ويجب أن يُصدِّق الناس في ذلك، ويعترفوا بالأمر الواقع.

لكن الحقيقة أن خلف هذه الظواهر عصابةً محترفة، وبعض الجواسيس الذين يعملون لحسابهم؛ لبث الرعب ونشره في نفوس الناس. لا تتعجبوا … فهي تجارة مُربحة … فقد حصلوا خلال ستة شهور مضت على ثلاثة ملايين جنيه، ومشغولات وقطع ذهبية تُقدَّر بمليونَي جنيه. هذه العصابة تستخدم بعض الأجهزة الحديثة في نشاطها …

ومن المفترض أنها ستترك هذا المكان حين تحصل على كل شيء، وتنتقل إلى مكانٍ آخر.

والمهمة تتلخص في الآتي: الوصول إليهم في أسرع وقت ممكن … والتمكن من السيطرة على الأجهزة التي يستخدمونها، ووَقْف نشاطهم حتى لا ينقلوه إلى مكانٍ آخر. فهذه الأمور تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الرأي العام من ناحية الدين والفكر ومن ناحية الاقتصاد أيضًا.

أضاء رقم «صفر» خريطةً مثبتةً أمام الشياطين، كانت الخريطة لمصر، وانطلقت إشارة حمراء إلى مكان محدد على الخريطة، مشيرةً بذلك إلى مكان القرية على الخريطة، وهي قرية في إحدى محافظات الوجه البحري.

قال رقم «صفر»: هذه القرية لها مدخلان رئيسيان … وهذا ما ساعد العصابة على سرعة الاختفاء قبل وصول المسئولين إليها، وهناك احتمالان لتحديد مكان هذه العصابة ونشاطها.

الاحتمال الأول: أن تكون تحت الأرض … في مخبأ سري لا يعرفه أحد سوى أفراد العصابة وبعض الذين يتعاونون معهم.

الاحتمال الثاني: أن تكون فوق الأرض فعلًا، لكن تعيش مع بعض مَنْ يتعاونون معهم ولا يدري بهم أحد. وفي كلتا الحالتين الهدف واحد …

المعلومات التي بين أيدينا الآن قليلة جدًّا … لكن يجب ألَّا نتوقف عن العمل … بل سنبدأ بما لدينا ونسير على ضوئه … حتى تأتينا معلومات أخرى …

ويجب عليكم أن تقرءوا هذه الأوراق مرة أخرى … لأنها كل ما نملكه الآن من معلومات عن المغامرة، كما أرجو أن تفكروا جيدًا في أمر الحرائق التي تقع … وأسباب وقوعها … هذا أول الخيط الذي سيوصلنا إلى هذه العصابة، والمهمة لا تحتمل أكثر من ستة شياطين … يتجهزون حتى صباح الغد، وفي السابعة مساءً سيكون لنا لقاء آخر، فإلى اللقاء …

ظل الشياطين حائرين، فليس لديهم معلومات كاملة عن المهمة، والمحير في الأمر أن هذه المهمة غريبة.

قالت «زبيدة»: إنه لأمر غريب أن يكلفنا رقم «صفر» بمهمة كهذه!

قال «أحمد»: إن الزعيم رقم «صفر» يفكر بشكل جيد … ولا يمكن أن يكلفنا بشيء ليست له أهمية، إن في هذا الأمر سرًّا … وفي الوقت المناسب سيعلنه لنا.

مرت لحظات في صمت … ثم قام «بو عمير» وأخذ يمشي في القاعة ثم يعود إلى مكانه ويضع يده على ذقنه … ويفكر ولا يصل إلى شيء … ثم يقول: لَمْ أهتدِ إلى شيء … لا بد من وصفةٍ سحريةٍ تكشف لنا أول الخيوط.

قالت «إلهام» وهي تبتسم: عندي لك وصفةٌ سحريةٌ … استغرق في نومك جيدًا ربما ترى أثناء نومك أول الخيط.

ابتسم الجميع ثم قال «أحمد»: لا تجهدوا أنفسكم في التفكير … وحتى تحين الساعة السابعة يجب أن نجهز …

قال «عثمان»: نعم … فلنحدِّد أبطال المغامرة حتى نستطيع أن نجهز …

بو عمير: أرى أننا سنتعاون كلنا … لأن المهمة حتى الآن مجهولة وغامضة.

رد «أحمد»: لن نختلف … لكن طالما اقترح الزعيم رقم «صفر» ستة أشخاص، فلا بد أن يكون على علم بمهمتهم … ولا بد أن نحددهم، وفي نفس الوقت سنكون كلنا على أتم الاستعداد لمواجهة الموقف.

قال «مصباح»: هل عند أحدكم فكرة عن موضوع الجن هذا؟

قال «عثمان»: نعم … الجن حقيقة.

قال «مصباح»: أعرف أنه حقيقة … لكن كيف يعيش؟ أين يعيش؟ كيف يتعامل مع البشر؟

قال «أحمد»: يعيش كأي مخلوق في الكون … في أي مكان تجده … في البر والبحر والجو؛ لأنها مخلوقات غير كثيفة مثل الآدميين، ليس لها جسم وكثافة مثلنا … ولكنها أشبه ما تكون بالريح … فهي سريعة الحركة … سريعة النفاذ من الأشياء … ومنها المسلم وغير المسلم، ومنها المؤذي وغير المؤذي … لكن لماذا تسأل عنها؟

مصباح: لأعرف عدوِّي الذي سأتعامل معه!

ضحك «أحمد»: أنت صدَّقت أنك ستتعامل مع الجن فعلًا؟

نظر «مصباح» إلى قصاصات الورق وأشار إليها ثم قال: أليست هذه هي المعلومات؟ أليست كلها عن الجن؟

رد «أحمد»: نعم عن الجن … وأشرس أنواع الجن … الإنسان حين يتقمص شخصية الشيطان، فإنه يصبح أشد من الجن …

إنه يؤذي لمجرد الإيذاء … ويسرق ويدمر بهذه الرغبة الشيطانية، إنما الجن تستطيع أن تأمن جانبه، إذا لم تؤذه … ولا تفكر فيه، لكنك لا تستطيع أن تأمن جانب الإنسان إذا تشبَّه بالشيطان؛ لأنه حينذاك يكون أقوى من الشيطان نفسه، لأنه تتملكه رغبة الشيطان ويفكر بعقل الإنسان … فهو أشد من الشيطان نفسه …

لذا يجب أن تعرف أنك ستتعامل مع شياطين الإنس … فلنفكر جيدًا … حتى نتغلب عليهم ونقهرهم ونخلِّص الناس من شرهم … فإن مهمتنا هي شياطين الخير في مواجهة شياطين الشر …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤