الفصل الرابع

حركات الشمس والسيَّارات ونسبة بعضها إلى بعض

قلنا فيما تقدم إن الأرض تدور على نفسها دورة كاملة كل يوم من الغرب إلى الشرق، ونحن لا نشعر بدورانها هذا بل نشعر كأنَّ الشمس والقمر والنجوم تدور من الشرق إلى الغرب كما أن السائر في سفينة من الغرب إلى الشرق محاذيًا للبرِّ لا يشعر بسير السفينة بل يشعر كأنَّ البر سائر من الشرق إلى الغرب؛ أي على ضد سير السفينة، وكذا السائر في قطار من الغرب إلى الشرق يرى أعمدة التلغراف الموازية لسكَّة الحديد تسير من الشرق إلى الغرب.

وهذا الدوران على المحور ليس خاصًّا بالأرض بل تشترك فيه الشمس والسيَّارات كلها كما عُلِمَ من رصدها، فالشمس تظهر كَلَفةٌ على طرف منها وبعد يوم تتقدَّم هذه الكلفة نحو الطرف المقابل إلى أن تبلغهُ بعد نحو ١٣ يومًا وتختفي وراءه ثم تظهر بعد ثلاثة عشر يومًا عند الطرف الذي ظهرت فيه أولًا لا لأن الكلفة سَبَحَت على وجه الشمس ودارت حولها؛ بل لأن الشمس دارت على نفسها دورة كاملة في ٢٦ يومًا فظهر كأنَّ الكلفة دارت حولها في هذه المدة وهذا شأن المرِّيخ والمشتري وزُحَل، فإن عليها علامات يظهر من انتقالها أن هذه السيارات تدور على نفسها كما تدور الأرض على محورها، فالمرِّيخ يدور على نفسه دورة كاملة كل نحو ٢٤ ساعة والمشتري وزُحَل يدوران دورة كاملة كل نحو عشر ساعات، ومن المرجَّح أنَّ كلًّا من أورانوس ونبتون يدور على نفسهِ في نحو عشر ساعات إلى اثنتَي عشرة ساعة، وأما عطارد والزهرة فالمظنون أنهما يدوران على محورَيهما في المدة التي يدوران فيها حول الشمس كما سيجيء.

والأرض والسيَّارات لا تكتفي بدورانها على محاورها؛ بل تدور كلُّها حول الشمس كما تقدَّم في أفلاك واسعة حسب بُعْدها عن الشمس، وأفلاكها إهليلجية؛ أي أنها تقرب من الشكل البيضوي، وتختلف المدد التي تُتمِّم فيها دوراتها حول الشمس باختلاف أبعادها، وهي كما في هذا الجدول:

عطارد يُتمِّم دورته حول الشمس في ٢٨ يومًا من أيامنا.
والزهرة تُتمِّم دورتها حول الشمس في ٢٢٦ يومًا من أيامنا.
والمرِّيخ يُتمِّم دورته حول الشمس في سنة و٣٢١ يومًا.
والأرض تُتمِّم دورتها حول الشمس في سنة.
والمشتري يُتمِّم دورته حول الشمس في ١١ سنة و٣١٣ يومًا.
وزُحَل يُتمِّم دورته حول الشمس في ٢٩ سنة و١٦٧ يومًا.
وأورانوس يُتمِّم دورته حول الشمس في ٤٨ سنة و٧ أيام.
ونبتون يُتمِّم دورته حول الشمس في ١٦٨ سنة و٢٨٤ يومًا.

وأفلاك هذه السيَّارات؛ أي مداراتها ليست متوازية تمامًا كالدوائر التي تُرْسَمُ على الورق حول مركز واحد بل بعضها مائل إلى البعض الآخر، وإيضاحًا لذلك: لنفترض أننا عبَّرنا عن هذه الأفلاك أو المدارات بإطارات أو عجلات مفرَّغة: إطار صغير منها لعطارد وإطار أكبر منه للزهرة وآخر أكبر منه للأرض وآخر أكبر منه للمريخ وهلمَّ جرًّا، وأتينا بكُرَة خفيفة تطفو على وجه الماء ووضعناها في بِرْكَةٍ ماؤها ساكن ووضعنا إطار عطارد حولها وإطار الزهرة حوله وإطار الأرض حول إطار الزهرة وهكذا إلى آخر الإطارات كلها، فهذه الإطارات أو المدارات أو الأفلاك هي في سطح واحد وليس كذلك أفلاك السيَّارات، ولكن إذا وضعنا يدنا على طرف الإطار الخارجي وضغطنا عليه قليلًا حتى غاص نصفه في الماء وارتفع النصف الآخر صار سطحه مائلًا على سطح الماء وعلى سطح الإطارات التي ضمنه، ويُقاس هذه الميل بمقدار الزاوية التي تصير بينه وبين الإطارات الباقية ملاصقة لوجه الماء، وكذا لو فعلنا بغيره من الإطارات وهذا شأن أفلاك السيَّارات كلها، فإنها ليست في سطحٍ واحد بل يقطع بعضها بعضًا؛ أي إنَّ بعضها مائل على البعض الآخر، وقد اصطلح علماء الفلك على حساب ميولها بالنسبة إلى فلك الأرض كأنَّ فلك الأرض أو مدارها حول الشمس هو الأساس وأفلاك سائر السيَّارات منسوبة إليه، والواقع أنها كلها مائلة على فلك الأرض قليلًا؛ فميل فلك عطارد على فلك الأرض ٧ درجات، وميل فلك الزهرة أكثر قليلًا من ٣ درجات، وميلُ فلك زُحَل درجتان ونصف درجة، وأما أفلاك نبتون والمشتري والمريح فميلها أقل من درجتين، وأكثر الأفلاك ميلًا فلك السيار الصغير أروس فإن ميله ١١ درجة.

وكما تدور السيَّارات حول الشمس تدور الأقمار حول سيَّاراتها وهي كروية الشكل كالسيَّارات أنفسها وكالشمس أم الجميع، وأفلاكها حول السيَّارات إهليلجية الشكل كأفلاك السيارات حول الشمس؛ أي قريبة من الاستدارة، وإذا كان للسيَّار أكثر من قمر واحد فأفلاك أقماره لا تكون في سطح واحد بل يميل بعضها على بعض. تختلف وسرعة دورانها حول السيار باختلاف بُعْدِها عنه؛ فأقربها إليه أسرعها، كما أن أقرب السيارات إلى الشمس أسرعها؛ فكلُّ سيَّار مع أقماره نظام قائم برأسه كالنظام الشمسي.

•••

قلنا في الفصل السابق أنَّ قُطْر الشمس نحو ٨٦٦٠٠٠ ميل وقُطر الأرض ٧٩١٧؛ أي إنَّ قُطْر الشمس أكبر من قُطْر الأرض نحو ١١٠ مرات، ومعلوم أنَّ مساحات الكرات ككعوب أقطارها فيكون حجم الشمس أكبر من حجم الأرض نحو مليون و٣٣١ ألف مرة؛ أي لو قسمت الشمس كرات كل كرة منها قدر كرة الأرض حجمًا لتكوَّن منها مليون و٣٣١ ألف كرة، ولكن كثافة الشمس نحو ربع كثافة الأرض؛ أي إذا كان وزن المتر المكعَّب من الأرض خمسة أطنان فوزن المتر المكعب من الشمس نحو طنٍّ وربع لا غير، والأرض أكثف السيَّارات كلها ومع ذلك فهي وكل السيَّارات لا توازن إلا جزءًا صغيرًا من الشمس، وإذا قيس جِرْم الشمس؛ أي مادَّتها بأجرام السيَّارات ظهر أنَّ أكبر السيارات وهو المشتري يبلغ جِرْمه أقل من جزء من ألف جزء من جِرْم الشمس، وأصغرها وهو عطارد لا يزيد جِرْمه على جزء من عشرة ملايين جزء من جِرْم الشمس كما ترى في الجدول التالي:

جِرْم الشمس أكبر من جِرْم عطارد ١٠٠٠٠٠٠٠ مرة
جرم الشمس أكبر من جِرْم الزهرة ٠٠٤٠٨٠٠٠ مرة
جرم الشمس أكبر من جِرْم الأرض ٠٠٣٣٣٤٣٠ مرة
جرم الشمس أكبر من جِرْم المرِّيخ ٠٣٠٩٣٥٠٠ مرة
جرم الشمس أكبر من جِرْم المشتري ٠١٠٤٧ مرة
جرم الشمس أكبر من جِرْم زُحَل ٠٣٥٠٠ مرة
جرم الشمس أكبر من جِرْم أورانوس ٢٢٨٦٩ مرة
جرم الشمس أكبر من جِرْم نبتون ١٩٣١٤ مرة

وعليه فجِرْمُ الشمس أكبر من مجموع أجرام السيَّارات كلها سبعمائة مرة؛ أي إنَّ الشمس أثقل من كلِّ السيَّارات التي تدور حولها نحو سبعمائة مرة إذا اعتبرنا الثقل موازنًا للجِرْم، وإذا أُضيفت أقمار السيَّارات إليها فجِرْمُ الشمس أكبر من جِرْم السيارات وأقمارها أكثر من ستمائة مرة؛ ولذلك لا عجب إذا جذبت الشمس سياراتها وأدارتها حولها هي وأقمارها بسهولة لكِبَرها بالنسبة إليها.

ونور الشمس ذاتي وسيأتي الكلام على كيفية تولُّده فيها، وأمَّا السيارات وأقمارها فنورها مستمدٌّ من الشمس،١ أي إنَّ نور الشمس المنتشر منها في الفضاء يصل بعضه إلى السيَّارات فيُنيرها ولكنه لا يُنيرها أكثر مما يُنير الأرض، فلو دنونا من السيَّارات حتى نصير على ميلين أو ثلاثة لَمَا وجدناها منيرة أكثر مما تظهر الأرض منيرة لمن يرتفع فوقها في طيَّارة، أما رؤيتنا السيارات مشرقة متلألئة كما نرى الزهرة مثلًا كأنَّ فيها مادَّة مُتَّقدة؛ فسببه أنه لا يصل إلينا منها إلا نور الشمس المنعكس عنها، أما النور المستطير؛ أي المتكسِّر والمتفرِّق فلا يصل إلينا، وإذا يكون الوقت ليلًا فلا يكون في جوِّ الأرض نور مستطير يمتزج بنور النجوم ويتغلَّب عليه فيبقى النور الآتي إلينا منها خالصًا كأنه منعكس عن مرآة، والعين إنما تشعر بالصورة التي يرسمها هذا النور على شبكيتها وهذه الصورة صغيرة جدًّا تكاد تكون نقطة واحدة لبُعْدِ النجم الشاسع فتراها العين منيرة لامعة.
١  يُظَنُّ أن بعض نور المشتري ذاتي، ولعل بعض النور في غيره ذاتي أيضًا من التفاعل الكيماوي فيه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤