الفصل الخامس

انقضى يومان ولما يأتِ خطاب «سنية» المنتظر، فبدأ القلق يدب في نفس «محسن» وجعل يمضي أكثر يومه على المصطبة، ينتظر مواعيد البريد، ويستذكر «سنية» وما جرى له معها وآخر مرة رآها، وتلك القبلة التي منحته إياها، ودموعه تنهمل … ما ذكر هذا حتى اختلج قلبه، وخُيل إليه أن هذا كان حلمًا، وعجب كيف أنه بتلك السهولة حظي بتلك السعادة، ولم يقل شيئًا، ولم يفعل شيئًا، أتراه كان غافلًا ذاهلًا؟ أو أنه كان نائمًا؟ … مرة أخرى مرت به السعادة، فلم يعرفها في حينها، ولم يفطن إليها إلا بعد فواتها، إنها قبلته، وما زال يحس وقع تلك القبلة على خده، فاضطرب فؤاده ورفع يده بغير شعور منه إلى خده فمسه؛ كأنما يتفقَّدها، أو كأنما يستوثق من خلود هذا الطابع، غير مصدق أن القبلة طابع من الهواء تطير معه … لا … إن هذه القبلة لها عنده أعظم معنًى، إنها تحبه، وهو لم يدرك أيضًا في حينه معنى الحب … نعم هي تحبه، وإلا فما الذي حملها، وهي الفتاة المصرية الخجول على بدئه بالتقبيل ولم يقبلها؟ ثم أليست هي التي اقترحت على عمته «زنوبة» كتابة خطاب إليه؟ إذن ممَّ يخاف؟ ولماذا يقلق؟ لعل الذنب ذنب «زنوبة» التي أبطأت في إخبارها برسالة وصوله؟ فلينتظر قليلًا؛ فلا محل للقلق والاستعجال، وأخلق به بدل القلق أن ينطلق إلى الحقول، بصدر منشرح، يستنشق الحب في هذا الهواء النقي الطاهر، ويراه في كل ما يحيط به من مخلوقات بريئة طاهرة.

هكذا سُرِّي عنه، وأطاع إيحاء نفسه، فانطلق يجري هنا وهناك، في الأرجاء الواسعة يهش للقُبَّرة الطائرة، وينصب إلى الماء الجاري تحت ظل الجميزة الضخمة، ويبدو له فيقفز إلى «النورج» الملقى في ركن من الجرن، أو إلى «الساقية» الدائرة فيتأمل الثورين يجرَّانها، وقد وُضعت على أعينهما حجبٌ كي لا ترى سوى العمل.

غير أن كل هذا ما أثر في نفسه، مثلما أثر فيها منظر دور الفلاحين، عندما ذهب يجوس خلال حاراتهم الضيقة، في شيء من الحيطة والتلصص؛ خشية إزعاجهم، وصادفه باب مفتوح فأطل برأسه داخله، فلم يجد به أحدًا فعلم أن أصحابه قد «سرحوا» في الغيط.

فدخل مترددًا وجعل ينظر إلى المكان، فرأى رحبة صغيرة مغطًّى نصفها بسقف من حطب القطن والأذرة الجاف، ثم قاعة صغيرة، وكان باب القاعة مفتوحًا كذلك، فألقى «محسن» عينيه على ما بها فألفى منظرًا لن ينساه؛ رأى أن تلك القاعة إنما هي قاعة النوم لأصحاب الدار. إذ بها فرن وفوق الفرن حصير وأغطية، إلا أنه رأى كذلك في ركن منها بقرة أمامها حمل برسيم، وبين رجليها الخلفيتين عجل رضيع يشب إلى ضرعها.

غير أن ما أدهش «محسن» أنه شاهد بجانب هذا العجل الرضيع طفلًا رضيعًا أيضًا — لعله ابن أصحاب الدار — وهو يزاحم العجل ويدفعه على ضرع البقرة، والبقرة ساكنة هادئة لا تمنع هذا ولا ذاك؛ وكأنها لا تفضل أحدهما على الآخر؛ كأنما العجل والطفل كلاهما ولداها … ما أجمله منظرًا، وما أروع معناه!

ونظر محسن إلى العجل الرضيع في طهارته وبراءته، وهو يئن أنين الراضي القانع، ثم نظر إلى الطفل الرضيع وهو يصيح في طهارة وبراءة صيحة السرور والرضا، فبدا له كأن الاثنين متفاهمان، وكأن بينهما صلة وكأنهما لا يدركان قط ما بينهما من اختلاف.

أعجب «محسن» بهذا المنظر وأحس إحساسات عميقة عظيمة.

غير أن عقله لا يستطيع أن يزيد على مجرد الإحساس العميق شيئًا. والإحساس هو علم الملائكة؛ كما أن المنطق العقلي علم الآدميين؛ لذلك لو أريد ترجمة ما شعر به «محسن» إلى لغة العقل والمنطق، لظهر أنه كان يعجب في نفسه لذلك الاتحاد بين مخلوقين مختلفين، وصل بينهما الطهر والبراءة.

ولكن للأسف غدًا يكبر الطفل، وتكبر معه الآدمية، وتتضاءل الملائكية فيحل محل شعور الاتحاد العام بينه وبين مخلوقات الكون الأخرى، شعور بمطامع ورغائب تجعله يحتقر ويزدري كل ما هو غيره، وتجعله يعمى عن كل ما هو سواه؛ لهذا يذهب عنه نور الملائكة الممثل في الطهارة والبراءة والشعور بالاتحاد وروح الجماعة؛ ليحل محله عمى الرجل الممثل في المطامع والشهوات والشعور بالأنانية والفردية.

وإن الشعور بوحدة الكون لهو الشعور بالله؛ لهذا كانت الملائكة والأطفال أقرب إلى الله من الرجل، كل ذلك وإن جهله «محسن» بعقله الناشئ؛ عقل طالب الكفاءة، فإنه كان يدركه بقلبه وبصيرته بغير أن يعلم.

ألم يقل «دستوفسكي»: «إن الإنسان يعلم أشياء كثيرة بدون أن يعلم»؟ غير أن «محسن» استطاع أن يدرك بعقله شيئًا واحدًا، والفضل فيه لدرس التاريخ المصري القديم. ذكَّره هذا المنظر فجأة دون أن تكون هناك مناسبة قوية بما طالعه عن عبادة قدماء المصريين للحيوانات، أو على الأقل لرمزهم للإله الواحد برموز من الحيوانات المختلفة.

لماذا؟

لم يستطع «محسن» علم السبب على التحقيق. وهنا أيضًا أدرك بشعوره إدراكًا مبهمًا ما ترجمته عقليًّا: أليس أن المصريين القدماء كانوا يعلمون تلك الوحدة الكونية وذلك الاتحاد العام بين خلقات المخلوقات المختلفة؟ وأن رمزهم للإله بتمثال نصفه إنسان ونصفه حيوان، أليس دليل إدراكهم أن الكون إن هو إلا اتحاد؟ إنهم لم يزدروا الحيوان كما أن هذا الطفل لم يزدرِ العجل، فكما أنهم جعلوا الإله على صورة الرجل؛ فقد جعلوه أيضًا على صورة الحيوان والطير والحشرات … أليست كل تلك المخلوقات من عمل الله؟ أوَليس كل فعل ينم عن فاعله، وكل صناعة هي صورة لصانعها، فلمَ لا يكون الحيوان أيضًا صورة للخالق أو إحدى صور الخالق كما أن الرجل كذلك؟

الشعور بالاندماج في الكون؛ أي بالاندماج في الله: هو شعور ذلك الطفل وذلك العجل الرضيعين، هو شعور الملائكة، وهو أيضًا شعور ذلك الشعب العريق المصري القديم.

لكن أليس فلاحو مصر الآن يمجدون الحيوان بقلوبهم، ولا يأنفون العيش معه في مسكن واحد، والنوم معه في قاعة واحدة؟

أليس أن مصر الملائكية ذات القلب الطاهر ما برحت مصر؟ وأنها ورثت — على ممر الأجيال — عاطفة الاتحاد بدون أن تعلم؟

•••

غادر «محسن» دار الفلاح بهذا الشعور النوراني، وسار ممتلئ النفس بفرح لا يدرك كنهه؛ وكأن الله شاء أن يعجل ثمن هذا الفرح كدرًا، أو أن يتم على «محسن» صورة ما ارتسم في نفسه، فإذا اختفى يسمع في «الجرن» صياحًا وعويلًا، ونسوة يلطمن وجوههن، فسارع يسأل عن الخبر. فرأى جماعة الفلاحين آتين من قلب غيط البرسيم، وهم يحملون جاموسة تحتضر، والنساء خلفها يبكين، وظن «محسن» بادئ الأمر أن هذا الصخب والعويل، ولا شك، على أحد مات أو حدثت له مصيبة، فلما رأى الجاموسة محمولة لم يفهم أيضًا ما يرى، واقترب الجمع منه فسألهم، فقالوا له: إنها جاموسة دار «عرجاوي»، ظهرت عليها أعراض التسمم الآن، فعالجوها بالذبح، وهم يعزون صاحبها فيها، وبدا على الجميع حزن وكآبة كأنما الميت إنسان، عجب «محسن» بعد أن اطمأن قليلًا، وقال في سره مرددًا: جاموسة! جاموسة!

وأراد أن يمضي مازحًا ساخرًا بهؤلاء الفلاحين، الذين يصنعون كل هذا من أجل جاموسة، فما هم صانعون لو مات صاحبها؟ ومرت به إحدى الفلاحات باكية، فقال لها: كل ده علشان جاموسة؟

فحدجته بنظرة مؤلمة، وقالت: يا ريت كان واحد من عياله ولا هيه.

ثم سارت في طريقها، لا تلوي على شيء.

وخجل «محسن» قليلًا؛ إذ ظهر له أنه مهما كان من أمره فلا يزال بعيدًا عن فهم مشاعر هؤلاء القوم، ولعل حياة البندر والعواصم أفسدت قلبه … فاختفت في الحال سخريته؛ كما اختفى عقله ومنطقه، وعاد إليه شعوره، فإذا هو يرثي لهؤلاء الفلاحين ويعجب بهم. وسمع صوت وتدٍ يُدق، فنظر فوجد على مقربة منه بعض «الأنفار» ينصبون عمودًا من الخشب وسط الجرن، ثم جيء بالجاموسة فعلقوها به وأخذوا يسلخونها واجتمع أهل «العزبة» بعد قليل إلا صاحب الجاموسة؛ فقد ذهب، ولا شك، إلى داره توًّا يبكي مصيبته في تلك التي لن يراها بعد اليوم تحت سقفه، ولن يشاركها هواء القاعة وأديمها … ثم لما تم سلخها وجزرها، جعل أحد أصدقاء المعزي يقطع من لحمها ويبيعه للفلاحين، الكل يُقبل على الشراء بغير مساومة ولا مماطلة، كأنما يرون واجبهم ليس فقط في التعزية الكلامية؛ بل في تهوين الخطب على صاحبها بجمع ثمنها وإعطائه إياه تعويضًا له عن فقدها. وأخبر أحد الفلاحين «محسن» أن هذه هي الطريقة المتبعة والعرف الجاري كلما فجع أحدهم في ماشية له.

إنهم ليسوا كأهل البندر قوم كلام، والمشاركة في الحزن ليست محض عبارات تقال؛ بل المشاركة الفعلية؛ تخفيف الخطب بأن يضحي كل منهم بجزء من ماله في سبيل الآخر.

صمت «محسن» وذهل، وعاد إلى نفسه ذلك الفرح النوراني. الذي لا يدرك كنهه، عاد إليه هذه المرة من الحزن كما تعود الحياة من الموت، ما أعجبهم قومًا هؤلاء الفلاحون، أيوجد بعد في هذه الدنيا تضامن جميل كهذا التضامن، وعاطفة اتحاد كعاطفة الاتحاد هذه؟

فتح «محسن» عينيه في فجر اليوم التالي على زقزقة العصافير، ورأى بوادر الصباح والشمس تشرق وكل ما حوله ينتعش في هدوء، فأشرقت نفسه وانشرح صدره، ونهض إلى النافذة ففتحها على مصراعيها، فإذا الحقل الأخضر والسماء الزرقاء، والطيور والنور، كلها تبتسم في سكون. فأحس في أعماقه لأول مرة جمال الحياة، وأدرك لأول مرة ذلك الروي المنتظم لمخلوقات الطبيعة وكائناتها الهادئة، وتولَّد عنده شعور مبهم خفي بأن الخلود إن هو إلا امتداد لحظة كهذه اللحظة.

ولقد صدق شعور «محسن» الخفي هذا، ولو أنه أوتي مقدارًا من العلم بتاريخ هذا الوادي لعلم أن سكانه الغابرين ما كانوا يعتقدون بجنة أخرى غير جنتهم تلك، ولا بخلود آخر، وأن معنى الخلود بعد الموت عندهم إن هو إلا العودة إلى هذه الأرض ذاتها، ثم الموت، ثم البعث إليها مرة أخرى، وهكذا دواليك؛ لأن الله لم يخلق جنة غير مصر.

ولبس الفتى ملابسه بسرعة وخرج إلى الحقول وتوغل فيها، وهو يفتح رئتيه لذلك الهواء الدسم العجيب، هواء مشبع برائحة الحياة والخلق، كذلك الماء والطمي في الجداول والقنوات يحمل الحياة والخلق أيضًا.

شعر «محسن» بقوة ونشاط في بدنه، وبِشر بالحياة، وتقبُّل لها، وابتهاج. كما شعر بالحب في قلبه ينتعش أيضًا انتعاش ذلك النبت الصحيح القوي تحت حرارة الشمس المباركة، ولم لا وكل شيء حوله قوي صحيح منتعش؟

ما أجمل الحياة!

وبلغ مسمعه عندئذٍ صوت غناء لذيذ فالتفت، فإذا الفلاحون عن كثب مجتمعون، والمناجل بأيديهم يحصدون المحصول. وإذا أكوام منه مصفوفة، وهم ينشدون جميعًا نشيدًا يبدأ به أحدهم وهم يعقبون، ويحمل النسيم صوتهم إلى آذان «محسن»، والشمس قد ارتفعت عن الأفق بقليل، ولا يزال الشفق أحمر داميًا عقب ميلادها … أي صوت وأي نشيد؟ أتراهم يرتلون نشيد الصباح احتفالًا بولادة الشمس كما كان يفعل أجدادهم في الهياكل؟ أم أنهم يرتلونه ابتهاجًا بالمحصول، معبودهم اليوم الذي قدموا له قربانًا من العمل والكد والجوع والبرد طول السنة؟ نعم إنهم ضحوا بكل ما يستطيعون من أجل هذا المعبود، فليرأف بهم، وليكثر لهم، وليملأ دورهم رخاء.

وسار «محسن» إليهم حتى صار بينهم وهم دائبون على العمل والغناء، وجعل ينظر إليهم، وإلى وجوههم، وهو يعجب، إن ملامحهم وما يرتسم على وجوههم من معانٍ، إنما كان شيئًا واحدًا؛ كأنما هم جميعًا على اختلافهم شخص واحد: العمل والأمل.

ونظر إليهم وكلٌّ يحمل ما حصد ويزيد به الكوم، فإذا هم ينظرون إلى المحصول المجموع باهتمام وحب؛ وكأنما يقولون له: «لا يهم التعب، ولا يهم الشقاء في سبيلك أيها المعبود».

•••

وانقضى النهار وعاد «محسن» إلى البيت وقد ترك كل ما رأى أثرًا في نفسه يحسه ولا يفهمه، وإذا «العدوى» تجعله يفكر هو أيضًا في «معبوده»، ولكنه استوى فجأة وقد مرت بخاطره فكرة ارتجف لها: هل يستطيع هو أيضًا أن يضحي في سبيل «سنية»؟

وأن يقذف بنفسه في الألم والشقاء من أجلها؟ أم أنه ليس من دم ذلك «الفلاح»؟

•••

وجاء الليل وانتشر في الجو صدى نقيق الضفادع، وسكن الطير والحيوان وطلع القمر وثقل الهواء، وامتنع النوم على «محسن»، وهاج ساكن نفسه جمال الليل، فظل لحظة ينظر إلى القمر، ويقول له: «ترى هل تنظر هي إليك أيضًا هذه الساعة»؟

ثم خرج إلى الجرن متقد القلب، عسى أن يجد ما يلهيه، وإذا هو يرى الفلاحين وقد اجتمعوا في دائرة تحت نور الكوكب الجميل، وقد وضعوا وسطهم «عدة الشاي».

والشاي عند الفلاح الآن معبود آخر، أدخله البدو الرحل، وعلموه الفلاح، فتعلق به، بينما سلاه البدو؛ شأنهم في كل شيء، لا يستقرون على عمل ولا حب ولا على موطن إقامة.

ولكن الفلاحين أنزلوه من أنفسهم منزلة الاهتمام، فأصبحوا لا يطيقون الامتناع عنه، وهم يشربونه جماعةً كصلاة الجماعة، بعد أن يفرغوا من عمل النهار الشاق، وقد صنعوا «للبكرج» كرسيًّا صغيرًا من الخشب يوضع فوقه، ويحيطون هم به كأنه تمثال إله فوق قاعدة؛ ويتولى أحدهم إدارة الفناجين عليهم؛ غير أن هذا الشراب يكلفهم أحيانًا ما لا يطيقون، وكم من موسر فيهم افتقر في سبيله؛ مما يغالون فيه من طريقة صنعه، وفي كيفية شربه والعزومة على الإخوان هو وعهد مجالس الشاي.

وذهب «محسن» إليهم حتى داناهم، ورآه شيخ العزبة، فنهض إليه وعزم عليه بالشراب، وقدم له فنجانًا فلم يمانع «محسن» تأدبًا وتواضعًا، وجلس بينهم بجوار «الشيخ حسن» الذي أفسح له محلًّا بعد أن فرشه بقش الدريس الجاف، وسُرَّ الفتى بذلك، واستحى الفلاحون منه قليلًا بادئ الأمر، لكنه شجعهم في لطف على الكلام، فمضوا يتحدثون بأحاديثهم الساذجة، كلما فرغ أحدهم من فنجان تقدم به إلى «البكرج»، واستبطأ «الشيخ حسن» شرب «محسن» فأراد له فنجانًا آخر، فابتسم الفتى وأراه داخل فنجانه، فإذا هو لم يشرب سوى جرعة واحدة، فقال أحدهم في بساطة: البيه مش عاجبه شاي الفلاحين؟!

فأجابهم «محسن» بأن هذا ليس السبب، إنما هو غير معتاد صنعه بهذه الطريقة: ليه بتعملوه كده؟ دا أسود زي الحبر، ومر زي الحنضل.

فإذا بصوت فلاح يعلو من بين الجميع، قائلًا: إيه يا بيه؟! دا حتى الليلة خفيف زي «مية» الطلمبة!

فقهقه «محسن» ضاحكًا، وسُرَّ الفلاحون إذ أمكنهم إضحاك البك الصغير، وإدخال السرور عليه، ثم انتقل الحديث إلى الشاي وحب الفلاحين له، وكيف أن صنعه وتهيئته بهذه الطريقة يتطلب من السكر والشاي مقدارًا جسيمًا، ومع ذلك فلم يحجم الفلاحون عن التضحية في سبيله، ومضاعفة التعب والكد للحصول على ثمنه، غير أن منهم من بلغ به الولع أن ضحى بثروته كلها أو بعضها، وما وصل الحديث إلى هذا الحد حتى التفت أحد الفلاحين إلى «محسن» وأشار له بيده إلى فم «البكرج»، المستطيل وقال: تصدج بالله؟ عشرين ناجة وعجلين خرجوا من دي «البزبوز».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤