تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد.

هذا طرز من نقد كتاب «في الشعر الجاهلي» طريف، سيألفه الناس لهذا العهد، وسيألفه أبناء الأجيال القابلة من بعد، وأكاد أثق بأن الدكتور طه حسين سيلقاه ساخطًا عليه، وبأن فريقًا من أشياعه سيزْوَرُّون عنه ازورارًا، ولكني على الرغم من سخط ذاك وازورار هؤلاء، أريد أن أذيع هذا النقد؛ فرِضا الحقيقة خير من رضا الناكب عنها، وإقبال مريدها أجلّ من إقبال المظاهر عليها.

وقع تحت نظري هذا الكتاب، وكنت على خبرة من حذق مؤلفه في فن التهكم ولو بالقمر إذا اتسق، والتشكيك ولو في مطلع الشمس الضاربة بأشعتها في كل واد، فأخذت أقرؤه بنظر يزيح القشر عن لبابه، وينفذ من صريح اللفظ إلى لحن خطابه، وما نفضت يدي من مطالعة فصوله، حتى رأيتها شديدة الحاجة إلى قلم ينبه على علاتها، ويرد كل بضاعة على مستحقها. وما هو إلا أن ندبت القلم لقضاء هذا المأرب وسداد هذا العوز فلم يتعاص عليَّ.

وقد ارتأيت ألا أنقد فقرة أو فقرات إلا بعد أن أنقلها بحروفها، وأحكيها كما صدرت من منشئها، وإن كان موضع البحث يتوقف على جمل سلفت ولم نتعرض لمناقشتها، أتينا بها في تلخيص ضابط للمعنى الذي لا يتهيأ فهم المناقشة إلا به، حتى يكون كتابنا هذا قائمًا بنفسه، ويستقيم للقارئ أن يدخل في البحث وهو على استبانة من أمره.

يحتوي الكتاب المعروض للنقد ثلاثة كتب، ويحتوي كل كتاب طائفة من الفصول. وقد أبقينا كتبه وفصوله على نسقها، فنضع الكتاب والفصل بموضعه ثم نأخذ في فحص ما يدخل تحت عنوانه من فقرات.

وإنا لا نغمض لذلك الكتاب في مقال ينهبه، أو غمز في الإسلام يستعذبه؛ فإن وجدتنا نحاوره في نهب أو غمز فإنا لم نخرج عن دائرة نقده، ولم نتجاوز حد الباحث عن مقتضيات لفظه؛ فإن كان في فمك ملام فمُجَّه في سمعه، فهو الذي ألقى على سمعك نحوًا من حديث قوم لا يتدبرون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤