تمهيد: بأيِّ كامو نَحْتفي؟

اليوم، يُعَد ألبير كامو أحد أشهر الفلاسفة الفرنسيين — رغم أنه لم يكن يعتبر نفسه فيلسوفًا — ولربما كان أكثر الروائيين الفرنسيين المقروء لهم في العالم. فقد ألهمت أعماله العديد من الأفلام، وحتى موسيقى البوب، وعادةً ما يقتبس رجالاتُ الدولة في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية منها ما يؤيد آراءهم.

ولكن بأي كامو نحتفي؟ هل هو المراسِل الشجاع الذي استقصى دون كللٍ الأوضاعَ الفظيعة للسكان الأصليين لمنطقة القبائل الجزائرية، التي احتلتها فرنسا في ثلاثينيات القرن العشرين؟ أم الرجل الذي كتبَ أن العلاج الوحيد لفرنسا هو أن تبقى «قوة عربية»؟ أنحتفي بالكاتِب الذي نشرَ مقالاتٍ في صحف المقاومة السرية أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا؟ أليس هو الكاتِب الطموح الذي وافق على حذف الفصل الخاص بكافكا في أطروحته الفلسفية ليضمن موافقة الرقابة النازية على نشره؟ هل ثناؤنا محفوظٌ للمؤلِّف الذي انتقدَ الزواج والحداد والحراك الاجتماعي في روايته الأكثر شهرةً، «الغريب»، أم الرجل الذي لا يورد اسمًا لأي شخصية عربية في العمل نفسه؟ عندما نتحدَّث عن كامو، هل نتحدَّث عن المقاوِم الذي كان مؤيدًا لعقوبة الإعدام، أم الفيلسوف الذي أدانها لاحقًا؟

كان كامو متناقِضًا إلى أقصى حَدٍّ. كان مؤمنًا إيمانًا صارمًا بمبادئ المساواة التي ظهرت في فرنسا خلال عصر التنوير، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى دعم الدولة الفرنسية له على نحو فعَّال بعدما فقدَ والدَه في الحرب العالمية الأولى، ووفَّرت له من خلال التعليم وسائل انتشال نفسه من الفقر الذي عايشه منذ الصغر. مع ذلك، فإن الصعوبات التي عايشها في تلك الفترة ونشأته في الجزائر المستعمرة فرنسيًّا جعلتاه يعي على نحو متزايد أن الضيم الذي تُوقِعه فرنسا على العرب والبربر متناقِض مع مبادئ المساواة. وعلى مدار حياته وأعماله، تأرجحَ كامو بين تجنُّب هذا التناقض ومواجهته. انتهى به الأمر إلى أن تكون تلك الازدواجية هي هُويته. تلك الدوافع المتضاربة بين كَبْت هذا الإدراك والتصالح معه وجَّهَت كتاباته بطرق مختلفة في أوقات مختلفة.

من شأن هذا الكتاب القصير أن يزوِّد القارئ بملخَّص لحياة كامو وأعماله، وسيتصدَّى بجرأة أيضًا إلى أوجه الغموض في مواقف كامو؛ لأنها عنصرٌ أساسي للتوصل إلى فهم واضح اليوم لكلٍّ من أعماله الكبرى وشعبيته المتجدِّدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤