الفصل الثامن عشر

خيال

خلال الأيام الأولى من حبسها، لم تكن جورجيا متفائلة فحسب، وإنما مستبشرة أن يأتيها الغوث سريعًا. فقد بدا لها أن العنصر الشخصي في قصتها سيكون حتمًا واضحًا وضوح الشمس.

وقالت معتبرة بالأسباب: «يعلم هارفي أنني قد استنزفت كل أفكار الكتابة. كما أنني إذا كنت متزوجة من رجل ثري، فلن يكون بي حاجة لكسب المال. هذا لن يكون منطقيًّا.»

ظلت تتوقف عن عملها بين الفينة والأخرى، لتصعد إلى السطح المستوي المطل على المحيط إطلالةً واسعة. ولاعتقادها أن فرقة الإنقاذ ستأتي بالطائرة، فقد شخصت ببصرها، تحدِّق في السماء بعينَيها وقد ضيَّقتهما. تخيَّلت جورجيا فرحتها أول ما تراها، وهي تطنُّ مثل نحلةٍ وسط السماء، ثم وهي تكبر ليصيرَ شكلها مثل طائرٍ غريب.

كان ثمة عزاء عند تأمُّل أن القيمة الاستراتيجية لعزلتها يذللها سلاح السفر جوًّا. فالصعوبات التي ذكرها الكونت بشأن تحديد موقعها، لا تنطبق إلا على الزُّوار الذين تثنيهم العراقيل. أما مَن لديه حاجة ملحَّة لاكتشاف موقعها، فسوف يجوب السماء ويهبِط على كل جزيرة يلمح بها منزلًا صيفيًّا.

لم تشعر بخيبة أمل من التأخير؛ إذ أمكنها تقدير الصعوبات المبدئية. أولها أنها لم تعلم الموقف القانوني لتورش، وإن كانت على ثقة أنه سيتغلب على أي تفاصيل قانونية. كذلك بدا مؤكدًا أنه لا بد أن يستعين بمساعدةٍ إضافية، في حالة المقاومة.

لكن كان ثمة شيءٌ كانَت على يقينٍ منه. وهو أن أوزبرت سيكون أول المتطوعين، وأول مَن يهبط على الجزيرة، وأول مَن يعثر عليها.

وبينما هي في حالة الترقُّب والانتظار، واصلَت العمل في الدفعة الثانية من روايتها، على أملِ أن تأتيَها النجدة ويصير جهدها فيها مهدرًا. وقد ساعدت في خداع الكونت وكذلك خفَّفت من التوتر. جعلت مسألة المهلة الزمنية من الكتابة أمرًا أسهل؛ فإنها إذا تقاعست الآن، ثم وقع أسوأ ما في الحسبان، فستُضطر إلى استئناف العمل مع تحوُّل فطرة الإبداع إلى عملٍ شاقٍّ مرير جدًّا.

وفي ظروفها تلك، لم تُعِر وصولَ البريد من إنجلترا اهتمامًا كبيرًا. ومع أنها كانت متلهفة لرؤية خطِّ أمها، فقد أدركت أن ألم سماع أخبار الوطن سيكون شديدًا جدًّا.

كما أنها لم تتوقَّع أن يحتويَ خطاب تورش على أي معلومات هامة. لأنه إذا كان ربط بينها وبين بطلتها الشقية، فسيدرك أن الكونت سيقرأ بالضرورة كلَّ ما سيكتبه؛ ومن ثَم سيكون ردُّه عاديًّا ولا يزيد عن محض كلام عابر. وقد تضمن الخط العريض للحبكة هذه الرقابة بطبيعة الحال، بما أنه لا يمكن لامرأة حبيسة أن تُمنح امتياز المراسلات الخاصة.

بدأ الكونت وكلير رحلتهما إلى البر الرئيسي في وقتٍ مبكر جدًّا من الصباح. لم تحفل جورجيا بالدرجة الكافية حتى تترقب رجوعهما. ولاحقًا، بينما هي مستغرقة في عملها، وصل القارب البخاري إلى الميناء، من دون أن تلحظ. فقط حين نازعتها عاطفة الأمومة للاطمئنان على سلامة ابنتيها، ذهبت جورجيا إلى حمَّام السباحة، فرأت أثرًا للبريد الإنجليزي وسط كومة من الجرائد والمجلات الأسبوعية المصوَّرة، متناثرة على الفرش.

كانت الصغيرتان مستلقيتَين على مرافقهما وبطونهما، تدعمان رءوسهما بأياديهما المتسخة، وهما تتمعَّنان في المنازل المعروضة للإيجار أو البيع.

نظرت ميرل لأعلى، فكانت عيناها متألقتَين بالسعادة.

وصاحت قائلة: «الكثير والكثير من الصحف. هذا أسعد يومٍ في حياتي، وأنا أسعد إنسانة في العالم.»

ومع غَيرتها من استئثار شقيقتها بالسعادة، أبَت ميفيس أن تنافسها، لكونها الأعلى مكانة.

فقالت باعتداد: «أما أنا فلن أفرح أبدًا. فإنني هالكة. أعلم أنني لا بد أن أموت صغيرة، لأنني مثل أبي. وهو ميت.»

فقالت ميرل: «لكنني لن أموت صغيرة. فالموت حزين. وأنا لا أفكر في الأشياء الحزينة. حتى إنني أتوقَّع أن أسهوَ عن الموت حين يأتي ميعاده.»

هذه المحادثة، مع أنها كانت معتادَةً وكانت من قبيل منافسة بينهما في التباهي، جعلت عينَي جورجيا تكفهران من الألم.

فسألتهما سريعًا: «أي منزل اخترتما؟»

فأشارت ميرل قائلة: «هذا. فإنه مسكن فسيح، فخم الرياش، مزود بكل المرافق الحديثة. به من ثمانٍ لتسع حجرات نوم، ومياه ساخنة وباردة، وأربعة صالونات استقبال، وثلاثة حمامات، وأنابيب مجارٍ رئيسية …»

«إنه كبير جدًّا ولن تستطيعي إدارته يا ميرل. ابحثي عن شيء أصغر.»

تبادلت الصغيرتان النظرات بطريقةٍ عرفت منها جورجيا أنهما تنويان الحديث عن شيء أثار فضولهما.

سمحت ميرل لميفيس أن تكون هي مَن يمهِّد الطريق.

فقالت لأمها: «كنتِ مخطئة بشأن قاعدة الخادمين. فهذا أضخم بيت دخلته في حياتي، وليس لديهم طاقَم من الخدم. وإنما اثنان فقط … والبروفيسور. هل هو خادم؟ فإنه لا يتناول العشاء معنا.»

عندئذٍ اتخذت جورجيا قرارًا سريعًا.

وعلَّقت تقول: «إنه يعمل في غرفة التدفئة المركزية والحديقة. وأعتقد أنه يتقاضى أجرًا مقابل ذلك.»

«لكن لا يمكن أن يكون خادمًا؛ لأن السيدة فاندربانت سيدة ذات مقام رفيع جدًّا وهي مضيِّفتنا وتعاملنا بكرم بالغ.» حسبت ميرل أنه من الأمان أن تدخل الحوار وهي تكرِّر محاضرة أمها بعفوية. «لا يمكن لسيدةٍ بالغة الرقي أن تستقبل خادمًا في حجرتها، ليتحدَّث معها ويدخن، أليس كذلك؟»

عاودت جورجيا مشاعرُ الذعر التي انتابتها من قبل. فها هما تان الصغيرتان مرة أخرى تغترفان من البارود ملء أياديهما، وتلهوان به بلا مبالاة.

فسألَت ميرل بصرامة: «هل كنتِ تتنصَّتين على الأبواب يا ميرل؟»

«لا. لم أتنصت بالطبع. لكنني أسمع الأشياء رُغمًا عني. فأذناي أقوى من أذنَيكِ.»

فقالت جورجيا ترتجل: «لا بد إذن أن أطلعكما على سر. البروفيسور أحد أقاربهم الفقراء، لكنه معتز بنفسه ويحب أن يكسِب قوته. إياكما أن يعلم أنني أخبرتكما، وإلا جُرحت مشاعره وإياكما أن تتحدثا بالأمر إلى أي شخص.»

فقالت ميفيس: «لن نتحدث به.»

لم يرُق لجورجيا بريقُ الذكاء والفهم الذي لمع في عينيهما. كان كأنه يقول صراحةً إنهما اتفقتا أن تسايراها.

سألتهما جورجيا: «هل ثمة أعراس في المجتمع الراقي؟»

ولم تتركهما إلا وقد حوَّلت تيار أفكارهما من الألغاز الخطيرة إلى ملابس العرس. ثم راحت تجرجر قدمَيها؛ إذ جاهدت في صعود الطريق وسط أشجار الصنوبر قاصدة البيت.

وإذا بها تجد كلير وهي تصيح بها بوقاحة من الشرفة.

«مهلًا. يا أنتِ. يقول جوستاف إنكِ ربما تريدين قراءة خطاباتكِ.»

فقالت جورجيا ببرود: «ما دامت مكتوبة لي، فربما أريد ذلك. لا بد أنه عالِم بالغيب.»

«احتفظي بكلامكِ له. فسوف يروق له. إنه في حجرة المكتب.»

نظرت جورجيا إلى الشفتَين القاسيتَين والعينَين الجامدتَين وهي تمرُّ بالفتاة. فبدا لها أنه لا أملَ مطلقًا من توقُّع الرأفة منها. فانتابها ذلك الخَدر الذي دائمًا ما يصيبها بعد أي خطر يهدد سلامة طفلتيها.

وقبل أن تدخل البيت، حدَّقت بيأس في السماء الخالية.

على عكس القرصان الذي عاد إلى الديار بعروسه وسط رذاذ البحر، كان الكونت يرتدي بذلة صباحية وقبعة أنيقة من اللَّبَد من أجل رحلته للبر الرئيسي. وكان وجهه متهللًا وابتسامته صادقة، وهو يقلِّب مظروفَ أعمالٍ كبيرًا ومظروفًا صغيرًا.

حيث قال: «إنكِ رائعة يا عزيزتي. لقد أرسلتِ إليهم عينةً صغيرة جدًّا، لكنهم على استعداد لطلب سلسلة. هذا كله لصيتك الحسن. فإنهم يعلمون أن بإمكانهم الاعتماد عليكِ. تورش في غاية السعادة وأمكِ لم تتفاجأ مطلقًا من زواجنا السري. هل تودين قراءة الخطابات؟»

«إذا كنتَ انتهيت منها تمامًا.»

قبل أن تُخرِج جورجيا محتويات المظروف الكبير، دسَّت خطاب أمها في حقيبتها، لتقرأه على انفراد. ومما أثار استياءها أنها وجدت ورقةً مطبوعة بعنوان: «السيدة الأرستقراطية»، مشبوكة بتقرير تورش.

لقد أدركت بمجرد أن لمحتها أن الوكيل قد عدَّ قصتها محضَ خيال، وأنه يريد تقديم اتفاق. لم تكن حركةً للتضليل، فقد أرسل إليها بيانًا حقيقيًّا بالشروط والأحكام. وكان الدليل الإضافي على اهتمامه أنه طلب منها أن ترسل نسختها إلى الآنسة جونز مباشرةً لتطبعها، توفيرًا للوقت.

قال الكونت مغتبطًا: «مَن كان محقًّا؟»

«أنتَ بالطبع. أنت على حق دائمًا. وستظل كذلك دومًا، إلى أن تَزِلَّ الزلةَ التي سيكون فيها هلاكك … لكنك ستزِلُّ حتمًا.»

«وكيف سأزِلُّ؟»

«ربما ستثق بشخص يخدعك. أو ربما تحاول الإيقاعَ بشخص أذكى منك.»

«هل تقصدين كلير بالشخص الأول ونفسك بالشخص الثاني؟»

أربكها نفاذ بصيرته؛ إذ لم تكن معتادةً التعاملَ مع العقول الحادَّة الذكاء. لكنها واصلت الكلام، خاصة أنها شعرت أن التحدي آمَنُ من المعاناة في صمت.

«لا يمكنني الادِّعاء بأنني أذكى منك بعد ما حدث.»

فقال الكونت وهو يهزُّ كتفيه: «ما حدث؟ لم أفعل سوى أنني اغتنمت فرصةً سانحة. لقد لعِبت بالملك مع احتمال أن أخسر إذا وُضعت فوقه ورقة الآس. لم تكن الخطة مضمونةَ النجاح لكنني ألعب البوكر بمهارة شديدة.»

لم يكتفِ بانتصاره، إنما أراد كذلك أن تعجَب ضحيته برِباطة جأشه وجرأته. لكنها لم تتحمَّل غروره، فمضت نحو الباب، حتى أدركها بسؤال.

«هل التقيتِ بالآنسة جونز؟»

«نعم، عدة مرات. إنها معلِّمة ابنتيَّ.»

«آه، تذكرتُها. كانت ذات عينَين برَّاقتَين وصوت عذب، مثل العندليب. لكنها كانت صمَّاء ورثَّة الثياب. فتاة مسكينة، لكم رثيت لحالها. ليتني كنت أستطيع إسداء بعض المعروف إليها.»

«لقد فعلت. فقد رفضت السماح لها بأن تأتيَ إلى هذه الجزيرة.»

ضحِك الكونت ضحكةَ استحسان عند مغادرة جورجيا؛ إلا أن عينيه كانتا مستغرقتَين في التفكير؛ إذ راح يستعرض قائمة أعدائه. رغم احتمال خطورة القليل منهم، فإنه لم يخشَ أحدًا؛ لأن لديه قدرةً على استشعار الخطر ويعلم كيف يواجه كل المواقف.

إذا كان أغفل شخصًا واحدًا لم ينخدع بسحر بشخصيته؛ فهذا لأنها كانت أتفه من أن يقيم لها وزنًا، إلا بعَدِّها مثارًا للشفقة المختلطة بالازدراء.

حين خرجت جورجيا من باب حجرة المكتب، اصطدمت بكلير التي كانت جاثيةً على ركبتَيها خارجه، فقامَت دون أن يداخلها خجل.

فسألتها جورجيا: «أكنتِ تتلصصين علينا؟»

«إنني أتجسَّس بالطبع. لقد أسمَت البي بي سي مجلتها «ذا ليسنر» (مختلس السمع) تيمُّنًا بي … مَن هي الآنسة جونز هذه؟»

«مربية ابنتيَّ، هذه المرة الثانية التي أقول فيها ذلك.»

«نعم، سمعتكِ. كيف تبدو؟»

«لا يمكنني أن أشرحَ لكِ أو حتى أن أحاول. فإننا لا نتحدث اللغةَ نفسها. أشعر كأن زمنًا طويلًا قد مضى منذ قابلت أحدًا مثلها، مهذَّبًا ومحترمًا.»

صار وجه كلير متجهمًا.

وقالت: «لديَّ الرد على كلامكِ، لكنني لن أقدِم عليه؛ لأن الكاتبة الأليفة التي يأويها جوستاف لا بد أن نعاملَها برفقٍ ولينٍ وإلا توقَّفت عن الإنتاج … لكنني سأُعطيكِ نصيحةً أخرى. إن جاءت عزيزتكِ جونز هنا يومًا، فلن تعود أبدًا.»

«لسنا بحاجة للخوض في ذلك الأمر، ما دام ليس هناك أملٌ أن تعثر عليَّ.»

كانت جورجيا تعلم أنه ليس من الحكمة أن تُثير حَنَق هذه الفتاة، لكنها كانت شاعرة ببؤسٍ بالغٍ حتى إنها لم تأبه أن تستعدي أحدًا. فالنهاية واحدة في جميع الأحوال. ورغم دفاعها عن الآنسة جونز، فقد أحسَّت بأن أصدقاءها قد خانوها وتخلوا عنها. فلم يملك أحدٌ ممن يهتمون بأمرها الشفقة أو البصيرة ليدرك أنها كانت في حاجةٍ ماسةٍ للنجدة.

وحدَّثتها نفسها بأسًى: «لست إنسانة. لست سوى كاتبة روايات إثارة.»

لكن كان ثمة شخص واحد في إنجلترا لم يكن مقتنعًا بأن جورجيا تعيش في سعادة، وإن كانت تتخبط على غير هدًى. فعلى الرغم من الأدلة، ظلت الآنسة جونز مرتابة في الكونت، مع أنها لم تستطِع تصوُّر دافع خفي لزواجه منها. وخلال موجة شهر أغسطس الحارة، قضت وقتها في الحديقة، جالسة القرفصاء على مقعد في ظل الغصون المرتفعة لنبات الفاصوليا القرمزية بخضرتها الزاهية، أو واقفة وسط أُصَص الراوند، تشاهد بذهن شارد الدعاسيق وهي تزحف على يدها.

رغم أن السيدة جونز لم تشعر بتعاطف كبير وهي ترى اهتمامَ ابنتها بامرأة أخرى، فقد أدركت أن انهيار آمالها في الغناء الأوبرالي قد أحدث فراغًا في حياتها. وتمنَّت أن تملأه ابنتها في النهاية بزوج صالح، أو بمنظمة المرأة، أو بالبستنة، ليكن أي شيء يبقيها بعيدًا عن المطبخ الذي كان بمثابة مملكتها، والإبرشية التي كان يديرها زوجها.

وفي يومٍ قائظ الحر، بينما كانوا يتناولون عشاء يوم الأحد المكوَّن من لحم ضأن مشوي وفطيرة برقوق ساخنة، وضعت ليديا فجأةً الشوكةَ والسكين.

وقالت بانفعال: «إنني أحتقر الرجال. فها هو ذا أوزبرت تورش، يسعى بين الناس متباهيًا بنبل أخلاقه. والكل يعلم أنه كان يحب السيدة يو، وسيظل يحبها دائمًا، ورغم ذلك فقد استأصلها من حياتِه كما لو كانت ورمًا خبيثًا.»

فعلَّق القس قائلًا: «إنه ليس مثل بعض أبناء أبرشيتي. فهو يعلم أنني لست مَن وضع الوصية العاشرة التي تنهى عن اشتهاء امرأةِ رجل آخر.»

«لكنه من الممكن أن يحترم الوصية العاشرة، ويظل مع ذلك إنسانًا يا أبي. فلو كنت أنت وأمي على سفينة وتحطَّمت بكما، كنت سأجوب البحار السبعة حتى أعثر عليكما.»

«لكن ماذا لو كنا وجدنا متعةً كبيرة في صحبة آكلي لحوم البشر، ولم نُرِد العودةَ إلى ديارنا؟»

«كنت سأترككما تستمتعان بأواني الطهي. كلُّ ما هنالك أنني كنت سأودُّ التأكُّد من أنكما سعيدان وبخيرٍ.»

تذوَّقت السيدة جونز الكاسترد قبل أن تصبَّه على فطيرة البرقوق، وذكرت أن مذاقه يطغى عليه ورق الغار. ثم نظرت إلى وجه ابنتها الحزين ومنه إلى العشب الذي ازدهرت فيه زهور الأقحوان، وأحاطت به جدران كساها اللبلاب.

ثم قالت: «أعتقد أنكِ بحاجة إلى إجازة يا ليديا. لماذا لا تذهبين إلى السويد؟ ولعلكِ وأنتِ هناك تزورين السيدة يو وتتحدثان سويًّا حديثًا لطيفًا.»

فقالت ابنتها وهي تتنهَّد: «لكنني لا أعلم حتى مكانها.»

«أوه، يا عزيزتي، أليس لديكِ أيُّ قدرة على التصرُّف؟ أنا كلَّما اضطررت إلى زيارة أيِّ شخصٍ في لندن، كتبت له دائمًا أولًا لسؤاله عن رقم الحافلة. حسبكِ أن تخبريها أنكِ قادمة، واطلبي منها أن تعطيكِ إرشادات لأقرب مسار.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤