بيتٌ مسكون بالأشباح

(١٩٢١م)

أيًّا ما كانت الساعة التي تصحو فيها من نومك، كان ثَمة بابٌ يُصفَق. من غرفة إلى أخرى كانا يمشيان، يدًا في يد، يصعدان الدَّرَج ها هنا، يفتحان الأبواب ها هناك، ما يجعلُكَ موقنًا تمامًا — أن زوجًا من الأشباح لرجل وامرأة، له وجود.

قالت: «هنا كنَّا قد تركناه،». وأضاف هو، «يا إلهي! نعم، لكن هنا أيضًا!» تمتمَت: «إنه في الدور العُلوي،». قال هامسًا: «وفي الحديقة،». «بهدوووء!» قالا معًا، «وإلا فسوف نوقظهما.»

لكنَّ المشكلةَ ليست في أنكما قد أيقظتمانا. أوه، كلَّا. «إنهما يبحثان عنه؛ ها هما يسحبان الستارة،» قد يقول المرء هذا، ثم يستمر في قراءة صفحة أخرى أو صفحتين. «والآن ها هما قد وجداه،» قد يغدو المرء واثقًا من هذا، فيوقف القلم الرَّصاص فوق هامش الكتاب. وبعد ذلك، مُرهَقًا من القراءة، ربما يصعد المرء إلى الدور العُلوي لكي يرى بنفسه: البيتُ خالٍ تمامًا، الأبوابُ تنتصب مُشرَعةً، وحدها يماماتُ الأيك تُبَقبِق بصوتٍ يَزخرُ بالسعادة والرضا، كذا طنينُ ماكينات درس الحبوب يأتي مسموعًا جدًّا من ناحية المزرعة. «ما الذي أتى بي إلى هنا؟ ما الذي كنتُ أودُّ أن أكتشفه؟» يداي كانتا فارغتَين. «أمِنَ المحتمَلِ أن يكون في الدور العُلوي إذَن؟» التفاحات كانت في شرفة الطابق العُلوي. وها أنا ذا من جديد في الدور الأرضي، الحديقة ساكنة كعادتها، لا شيءَ سوى أن الكتاب كان قد انزلق داخل العشب.

لكنهما كانا قد عثرا عليه في قاعة الاستقبال. لم يكن ثَمة من يستطيع أن يراهما. زجاجُ النافذة يعكس صورةَ التفاحات، يعكس صورةَ الزهور؛ كلُّ ورقات الشجر كانت خضراء في صفحة الزجاج. لو كانا قد تحرَّكا في قاعة الاستقبال، لكانت التفاحةُ أدارت جانبها الأصفر ولا شيء أكثر. لكن، في اللحظة التالية، لو أن الباب كان قد انفتح، لكانا انبسطا فوق الأرضية، أو تعلَّقا فوق الجدران، أو تدلَّيا من السَّقف — ماذا؟ كانت يداي خاويتَين. ها هو ظلُّ طائر السُّمان يَعبُر فوق السَّجَّادة؛ ومن أعمقِ آبار الصمت تسحب يمامةُ الأيك بقبقةَ صوتها الذي يُشبه هديرَ الماء. «الخزينة، الخزينة، الخزينة،» نبضُ البيت يخفق بنعومة. «الكنز مدفون؛ الغرفة …» توقَّف النبضُ برهةً. يا إلهي! أكان ذلك هو الكنز المدفون؟

بعد لحظة كان الضوء قد راح يخبو. في الخارج حيث الحديقة إذَن؟ لكنَّ الأشجارَ كانت تغزل وتنسج رقعةً من الظلام لأجل شعاع من أشعَّة الشمس كان يتسكع. ظلمةٌ ناعمة جدًّا، نادرة جدًّا، بهدوءٍ أغرقَت تحت سطحها الشعاعَ الذي دائمًا ما شاهدته يشتعل وراء الزجاج. الموت كان في الزجاج؛ الموت كان بيننا؛ الموت يأتي المرأةَ أولًا، منذ مئاتِ السنين، تاركًا البيت، مُغلِّقًا بإحكامٍ كلَّ النوافذ؛ ليتركَ الغُرفَ وقد أعتمَت. ثم يترك البيت ويرحل، يترك المرأة ويرحل، ويذهب صوبَ الشمال، يذهب صوبَ الشرق، يشاهد النجوم وقد تحوَّلَت صوب السماء الجنوبية؛ ثم يبدأ في تلمُّس البيت، ها هو قد عثرَ عليه هابطًا تحت المنخفضات. «الخزينة، الخزينة، الخزينة،» نبضُ البيت يخفق بسعادة. «الكنز لك.»

الرياح تزأر عاليًا في الطريق المشجَّر. الأشجار تتقوَّس وتحني ظهورَها يمينًا ويسارًا. أشعةُ القمر تنتثر وتَسكبُ ضوءها بوحشية بين زخَّات المطر. لكنَّ أشعة المصباح تسقط مباشرةً من النافذة. والشمعة بثبات وحسمٍ تحترق. بينما الشَّبحانِ يجولان في البيت، يفتحان النوافذ، يتهامسان كي لا يوقظانا، يبحث الشَّبحان عن بهجتهما الخاصة.

تقول هي: «هنا كنَّا ننام،» ويضيف هو: «قبلات بلا عدد.» «التجوُّل في الصباح —» «الفضَّة التي بين الأشجار —» «في الطابق الأعلى —» «في الحديقة —» «حينما كان الصيف يأتي —» «وفي الشتاء عند موسم الجليد —» الباب ينغلق في البعيد، يدقُّ برهافة ورقَّة مثلما خفقات القلب.

إنهما يقتربان أكثر؛ يتوقفان عند فتحة الباب. الرياح تَسكن، قطراتُ المطر تنزلق مثل رقائقَ من الفضة على الزجاج. عيوننا بدأت تُعتِم؛ لم نعد نسمع أيةَ خطوات إلى جوارنا؛ لا نرى أيةَ سيدة تبسط عباءتَها الشَّبحية. يداه تحجبان الفانوس الزجاجي. «انظري،» قالها وهو يزفر. «يبدو أنهما نائمان. الحبُّ راقدٌ فوق شفاههما.»

ينحنيان، يحملان مصباحهما الفضيَّ فوقنا، طويلة جدًّا تحديقتُهما نحونا، وعميقة. توقَّفا طويلًا. الرياح تندفع على استقامتها؛ اللهب ينحني بنعومة. أشعةُ القمر متوحِّشة تخترق الأرض والحائط، ثم تتجمَّع لكي تصبغَ الوجهَين المنحنيين، الوجهين المتأملين؛ الوجهين اللذين يُفتشان عن الشخصين النائمين اللذين كانا يسعيان وراء سعادتهما الخبيئة.

«الخزينة، الخزينة، الخزينة،» قلبُ البيت ينبض في خُيَلاء. «سنواتٍ طوالًا —» يتنهد. «لقد عثرتَ عليَّ من جديد.» «هنا،» هي تُهمهِم، «نائمة؛ كنتُ أقرأ في الحديقة؛ أضحك، أُدحرِج التفاحاتِ في الشُّرفة العُلوية. ها هنا كنا قد تركنا كَنْزنا —» ينحنيان، الضوء الذي ينبعث منهما يرفع الجَفْنين عن عينيَّ. «الخزينة! الخزينة! الخزينة!» نبضُ القلب يخفق بشراسة. يصحوان، وأنا أهتف: «ربَّاه! أهذا هو كَنزُكما المخبَّأ؟ النور الذي في القلب.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤