الوسطية والحوار الوطني

تنجح الوسطية في التقريب بين المذاهب مثل الشيعة والسنة، وبخاصة بين العقائد، بعدم الدخول فيها على الإطلاق؛ إذ لا يمكن أي مذهب التنازل عن جزء من مذهبه أو حتى يأخذ جانب الاعتدال فيه. فالعقيدة هي لبُّ التيار. ويمكن أخذ الجانب الوسطي فيما يتعلق بالجانب العملي، المصالح العامة التي قد تتقارب ولا تتباعد في مواجهة الأعداء المشتركين، إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وتجتمع مصر وإيران وتركيا حول مصالح واحدة بدلًا من تركِ مخططِ التجزئة والتفتيت العِرقي والطائفي يَسْري في عضد الأمة؛ وإيقاف هذا المخطط، الذي بدأ بلبنان والعراق والصومال وإريتريا والسودان واليمن والبحرين وسوريا، وهو كلُّه حتى تكون إسرائيل هي أقوى دولة في المنطقة وسط دويلات عِرْقية، عربية وكردية وتركمانية وتركية أو طائفية، سنة وشيعة وعلوية وزيدية، حتى تأخذ إسرائيل شرعية جديدة بأنها دولة يهودية تجمع بين العِرق والطائفة؛ فاليهودية دين وعِرق، تملأ الفراغ بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتكون أداة للتحديث للمنطقة ومركزًا لمواصلاتها وتنميتها. وعكسها الحدية التي تعبِّر عن موقف حدِّي للنفس. والموقف الحدي نتيجة لعدم التكيف الاجتماعي الذي ينتج منه الرفض والإقصاء والإبعاد والانغلاق على الذات، وعدم الحاجة إلى الآخرين.

التطرف موقف كما أن التوسط موقف، موقف ضد موقف صراعًا على السلطة. ويهم القوى الغربية انتشار الحدية حتى تتجزأ المنطقة إلى طوائف ومذاهب وأعراق. ويهمُّ القوى الوطنية انتشار الوسطية من أجلِ لمِّ الشمل وتقريب المذاهب والطوائف وكل ما يؤدي إلى وقف التجزئة.

والفكر العربي الإسلامي الوسطي لا مرجعية له؛ لا مرشدًا عامًّا كما هو الحال عند الإخوان المسلمين، ولا شيخًا للأزهر أو مفتيًا للديار كما هو الحال في مصر، ولا المرشد الأعلى كما هو الحال في إيران، ولا أمير المؤمنين ولا خليفة المسلمين. وما أكثر الألقاب التي تم استعمالها في التاريخ الإسلامي ونظم الحكم فيه. فالمرجعية سلطة تُطاع، لا تنازل عن جزء منها كي تقتربَ من غيرها، وبخاصة إذا تحوَّلَت عقيدة المرشد العام أو المرشد الأعلى إلى أعلى عقيدة، سلطة يؤخذ عليها العهد وتكفر بالخروج عليها. وتتم لها البيعة والولاء. وكلاهما يتمَّان عن طريق أخذ العهد الذي يعدُّ نقضُه كفرًا، والكفر يُبيح القتل، ويتم تقبيل يد الرئيس الذي ينتمي إلى هذه الجماعة. وهو قريب من عقائد الشيعة في الإمام المعصوم. ومن العصمة إلى القداسة، ومن القداسة إلى الألوهية، ومن الألوهية إلى الاستبداد السياسي؛ فالمرجعية ليست الشخص. الشخص يُخطئ ويُصيب مثل كلِّ الأشخاص تُخطئ وتُصيب. هي عقيدة الإمام المعصوم عند الشيعة أو الباب الأعظم في الكاثوليكية مهما ثبت في التاريخ أنه أخطأ واستقال أو أُقيل. وإطلاق العصمة لله نوعٌ من إطلاق المشكلة وإخراجها من حيز الزمان والمكان. المرجعية هي اجتهاد العالم، أي العلم الموضوعي الذي يحتكم إليه الجميع. وللمخطئ أجرٌ وللمصيب أجران. وهو مصدر من مصادر التشريع مثل القرآن والسنة والإجماع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤