الحبيب المجهول!

مَن هو؟! لم أكن أدري أين هو! وهل كنت أدري؟ مصيبتي هي جهلي به، ولو أني كشفت عن حقيقته في الوقت المناسب لما كان قد حدث لي الذي حدث!

القصة بسيطة، تقع لكل إنسان في كل حين؛ سيارة يقودها صديق، يمر بك في الطريق، فيقف ويدعوك مُتفضِّلًا إلى الركوب، ليُوصلك إلى حيث تريد، ماذا في هذا من غريب أو مريب؟ لا شيء بالتأكيد، وهذا ما وقع لي بالضبط.

كنت أسير ذات عصر في طريقي إلى منزلي، أمشي الهُوَينى بمفردي، أتأمَّل الأشياء حولي في رضًا، فالسير على الأقدام متعة وفائدة، وإذا سيارة فخمة تقف على مقربة مني، ويطل منها صديق يُشير إليَّ ويدعوني أن أركب، فأردت الاعتذار إيثارًا لرياضة المشي، فألحَّ وأصرَّ، وفتح باب السيارة ونزل ليأخذ بيدي ويُجلسني في مقعده، فلمَّا دنوت ونظرت، بهتُّ؛ ذلك أن السائق كان غادة لم تقع عيني على أجمل منها، وكان المقعد الذي دُعِيت إلى الجلوس فيه إلى جوارها، فلم أرَ من سلامة الذَّوق أن أتراجع، بل إني لم أفطن إلى نفسي إلَّا وأنا راكب، والسيارة تنهب بنا الأرض، والصديق في المقعد الخلفي يسألني عن وجهتي، وأنا لا أدري بماذا أُجيب. هنالك نوع من الجمال يُعمي البصيرة، كما يُعمي مصباحُ السيارة البصر، فلا بُدَّ من وقت تفرك فيه عينيك لترى، ولا بُدَّ من فترة تسترجع فيها فطنتك لتدرك، وعندما مرَّت الفترة ذهبت السَّكرة، كان منزلي قد اختفى شبحه وراءنا، وزال أثره، فأفقت صائحًا فيها: بیتي! بیتي!

فأوقفت السائقة الجميلة السيارة في الحال، وأرادت أن تدور بها لتعود بنا أدراجها، وإذا سيارة أخرى كانت آتية من خلف قد اعترضتنا، ووقفت، ونزل منها رجل يتفجَّر غضبًا، وأقبل نحونا مسرعًا، ورأيته قد دنا مني، وأمسك بمقبض الباب ليفتحه عنوةً، وخُيِّل إليَّ — من شرر عينيه — أنه يُريد بي شرًّا، وهنا سمعت صديقي الجالس خلفي يلفظ صيحة: ضبطك! انطلقي بالسيارة إلى آخر سرعة!

وإذا بالغادة، وقد لمحت وجهها قد امتُقع، وأمسى — حتى في شحوبه جميلًا كالوردة البيضاء المُشرَّبة بالصُّفرة — قد اندفعت بالسيارة، فإذا هي تُسابق الريح، تاركةً الرجل وقد تنحَّى عن طريقها خشية أن يُصدم أو يُداس.

مرقت سيارتنا كالسهم في طريق الجيزة، ولكن الجميلة نظرت في مرآة السيارة العاكسة، وصاحت: إنه يتبعنا.

وضاعفت سرعتها، فنظرت خلفي فإذا سيارة الرجل منطلقة خلفنا حقيقةً بسرعة زائدة، فقلت للراكبين معي: ما الذي حصل؟

فارتبكت المرأة، وتردَّد صديقي قليلًا، ثُم قال: يظهر أننا ونحن ندور بالسيارة قد ارتكبنا مخالفة!

فصدَّقت، وسكتُّ، واجتازت السيارة الجيزة واندفعت في طريق الهرم، ونظرت الحسناء في المرآة العاكسة، وصاحت: إنه أخذ يقترب منَّا.

فصاح بها صدیقي: ضاعفي السرعة! أسرعي! أسرعي! إذا لحق بنا فقد هلكنا.

فأسرعت الجميلة! ونظرتُ خلفي فإذا الرجل يسرع في أثرنا هو الآخر، فلم أتمالك، وقلت: عجبًا! ماذا يريد منا هذا الرجل؟ لو كُنَّا صادمناه على الأقل أو ألحقنا به ضررًا ظاهرًا، لكان له بعض العذر، ولكن مخالفة بسيطة يُطاردنا من أجلها هذه المطاردة، ويرغمنا على هذه السرعة الخطرة، ويُعكِّر علينا صفونا، ويُكدِّر علينا مزاجنا؟ لعنة الله على هذا السخيف!

فخُيِّل إليَّ أن صديقي يقول في نبرة مرتجفة: حقًّا إنه سخيف.

وكنت قد أغرقت في شرود وسهو، ولم أفكر إلَّا في هذه المجازفة بأرواحنا بهذا الإسراع المُهلك بغير ضرورة، وقلت في نفسي: أيبلغ بنا الجبن إلى هذا الحد، فلا يخطر في بالنا أن نُواجه الرجل ونناقشه بالحسنى، فربما اقتنع بالمعروف؟!

وصارحتهما بهذه الفكرة، فابتسما ولم يُحيرا جوابًا، وأمعنا في الصمت والقلق، كما أمعنت السيارة في ذلك السباق المُخيف، وكانت سيارة الرجل المُطارِد في تلك اللحظة قد أوشكت على اللَّحاق بنا، فصاح صديقي بالحسناء: خير حلٍّ أن تعرجي بسرعة يسارًا وتأخذي طريق العودة، وهو ما لم يُفكِّر في أننا سنفعله، وبذلك يتعذَّر عليه أن يلحق بنا.

وأدارت الجميلة عجلة القيادة فجأةً، فتحوَّلت السيارة يسارًا، وما كادت تمرق في طريق العودة حتى وجدنا سيارة الرجل المُطارِد قد عرجت هي الأخرى يسارًا، لا من الممرِّ المُعَدِّ لذلك، بل مقتحمةً الرصيف، واعترضتنا وسدَّت علينا الطريق، وعندئذٍ بادر صدیقي صارخًا بالسائقة: اقتحمي الرصيف أنتِ أيضًا خلفه، وامرقي سريعًا.

وهنا نفد صبري، ففتحت باب السيارة قائلًا: هذه تصرفات أطفال، أنزلوني وأنا أتفاهم مع هذا الرجل.

فصاحا بي، وهما يجذبان كُمِّي: تتفاهم؟ مستحيل! مستحيل! الزم مكانك، إنا سننطلق، لا بُدَّ من الهرب.

فأنقذت ذراعي منهما، ونزلت وأنا أقول لهما: إذا أردتما العبث فأنا لست في سنِّ العبث، ولا يليق بي هذا الكرُّ والفرُّ، اذهبا أنتما واتركاني أُحادث الرجل في أمر هذه المخالفة البسيطة، وأُسوِّي الموضوع معه باللُّطف واللِّين.

وكان الرجل قد نزل من سيارته، وأقبل يشتدُّ نحوي، فلمَّا رأت السائقة الجميلة وصديقي ذلك لاذا بالفرار، واخترقا بالسيارة الرصيف، والرجل يُشيِّعها ببصره حتى اختفت عن الأنظار، فاستأنف سيره نحوي إلى أن بلغني، فابتدرني قائلًا: وقعت في يدي أخيرًا يا مُجرم!

فنظرت إليه بعتاب، وقلت بتسامح وهدوء: مجرم؟ أنا لست بسائق السيارة، ولم أسُق قطُّ سيارة في حياتي، ولا أعرف كيف تسير ولا كيف تُدار!

– طبعًا هي التي كانت تسوق وتقود، وكنت أنت بجوارها تنظر في عيونها السُّود.

– آه! لا تُذكِّرني بعيونها، إني والله من بهرتي لم أدرِ ما لون عيونها! أسُودٌ هي أم رماديَّة أم عسليَّة، وإني لمندهش لرجل مُهذَّب مثلك، كله ذوق ونظر، كيف يتصرَّف هكذا مع فاتنة كهذه! هبها يا سيدي خالفت وأخطأت، ألا يحسُن بك أنتَ أن تتساهل؟

– أتساهل يا سافل! مَن تحسبني حتى أتساهل في هذه الأمور؟ ولكنِّي سأُريك أن الذي أمامك هو رجل.

وأخرج في الحال من جيبه مسدسًا صغيرًا، ما إن لمحته في يده حتى هرب دمي، ولكنِّي تجلَّدت، واعتصمت بالهدوء وتكلَّفت الابتسام، وقلت ملاطفًا: اللهم عفوك ورضاك! أتريد قتلي يا سيدي لمسألة بسيطة كهذه؟

– بسيطة! بسيطة يا وغد؟ تُسمِّي هذه المسألة بسيطة؟!

– أقصد، وأنت الصادق، أنها لا تحتاج إلى غضبك هذا كله، إنها مِمَّا يقع في كل يوم، خصوصًا من سيدة جميلة كهذه يُغتفر لها كل شيء.

– يُغتفر لها كل شيء إلَّا سوء سيرها!

– سيرها والله كان بمنتهى الحذر، لولا ظهورك أنت المفاجئ، ولعل هذا هو الذي أوقعها في الارتباك.

– طبعًا ظهوري المفاجئ لا بُدَّ أن يربككما ويوقعكما في الحرج والضيق!

– أكثر من ذلك يا سيدي، وأنت الصادق، لقد حُلت بيننا وبين المُتعة بتلك النُّزهة اللطيفة، ولو كنتَ تكرَّمت علينا وتفضَّلت فأغضيت عن الموضوع ومررت مرَّ الكرام وتركتنا نُواصل سيرنا ونُزهتنا ومُتعتنا، لكنت ظفرت منَّا بألسنة تلهج بشكرك، والدعاء لك، والثناء عليك!

– ما شاء الله! إني لم أرَ في حياتي أصفق منك وجهًا، إني أقسم أن في استطاعتي الآن أن أُريق دمك برصاصة وأنا مرتاح الضمير.

ولمعت عيناه بأشعَّة أرعبتني، فتوسَّلت إليه أن يُبعد المسدَّس عني، وجعلت أستعطفه وأقول له: مهلًا یا سیدي مهلًا هدئ أعصابك الثائرة مهما يكن من أمر، فما ذنبي في الموضوع؟ ولماذا تُحمِّلني أنا مسئوليَّة الحادث، وما أنا في الواقع غير واسطة خير نزلت كي أتفاهم معك، وأُزيل من نفسك كل أثر سيئ.

– عجبًا! وهل تصوَّرت أني أقبل أن تكون أنت واسطة خير ورسول صُلح بيني وبينها؟!

– وما المانع؟

– أنت الذي تُصلح بيني وبين شريكتك؟ وهل أرضى هذا الوضع؟ وهل هذا معقول يا … يا بارد!

– كنت أحسبه تصرفًا سليمًا!

– هذا تصرف في منتهى الجرأة والوقاحة!

– لا حول ولا قوة إلا بالله! أعترف بأني عجزت عن إرضائك، وفقدت الأمل في فهمك أو فهم ما تريد، فاقتلني إذا شئت، ولكنِّي أرجو منك وأنا ألفظ الروح أن تفهمني على الأقل: لماذا أنا مُت؟ لو أني تسبَّبت، لا سمح الله، في خرق «فردة كوتش» لكان هذا سببًا معقولًا لقتلي، ولكن أموت يا ناس من أجل مسألة تافهة؟!

– تافهة؟ يا نذل! في أيِّ عصر نعيش حتى نرى هذا التبجُّح الغريب، والاستهانة بهذا الجرم الخطير!

– بل في أيِّ عصر نعيش يا سيدي حتى نرى نفسًا حرَّم الله قتلها تذهب في مخالفةٍ الحكم فيها لا يزيد عن ١٥ قرشًا؟

– مخالفة؟ هذه جناية!

– أؤكد لك أنها مخالفة، إني رجل أعرف القانون.

– اخرس! أنت رجل مُستهتر.

– وأنت رجل مُتشدِّد زيادة عن اللزوم.

– يا للصفاقة! ألا تُريد مني أن أتشدَّد دفاعًا عن حقوقي الشرعية!

– حقوقك يا سيدي محفوظة، ولو كان حصل لك أو حصل لها أيُّ ضرر.

– ألم يحصل ضرر؟ ألا تُريد أيضًا أن ترى الضرر الذي لحقني؟!

– لا أقصد ذلك يا سيدي، وأنا مُعترف أن حُكمي في هذا لا يُعتَمد عليه، وأنا مستعد لإجراء معاينة أو فحص بمعرفة خبير يكشف عليها.

– يكشف عليها! اخرس يا بذيء!

– أنا والله لم أعد أدري كيف أرضيك؟

– لا يُرضيني شيء سوى قتلك والشرب من دمك، وغسل عاري بهذا الدم النجس!

لماذا يا سيدي المحترم؟ ماذا صنعت في دنيايَ حتى أستحقَّ هذا؟

– هذا هو الجزاء الوحيد لذلك الأثيم الذي يعتدي على أعراض الأُسَر؟

– أعراض الأُسَر؟ وما دخل أعراض الأُسَر فيما نحن فيه؟

– وبماذا تصف علاقتك الشائنة بزوجتي؟

– زوجتك؟ وهل حصل لي الشرف بمعرفة زوجتك؟!

ألا تعرفها؟

– ولم أرَها في حياتي، وأقسم لك …

– ومَن عشيقتك إذَن؟

– عشيقتي؟ لا يا سيدي الفاضل، لا تجرح شعوري، أنا رجل مستقيم لا صلة لي بامرأة، ولم أعرف امرأة.

– والتي كانت إلى جوارك في السيارة، أهي امرأة أم؟

– آه، لك حق، ولكن القصَّة على وجهها الصحيح هي أني كنت أسير في طريقي إلى منزلي، كما يحدث لكل إنسان، وإذا سيارة تقف على مقربة مني، فأصعد، وإذا بجواري امرأة.

– كما يحدث في كل «أتوبيس»!

– بالضبط.

– وهل تعرف هذه المرأة؟

– أبدًا.

– والتقطتك هكذا من الطريق بدون سابق معرفة؟

– هذا والله الذي حصل.

– ذلك شيء مُشرِّف جدًّا لهذه المرأة؛ أن تُصبح هكذا كالسيارة العامة، تلمُّ من الشوارع مَن تعرف ومَن لا تعرف.

– لا تظلمها يا سيدي، الموضوع له أصل.

وهممت أن أقصَّ عليه حقيقة ما حدث بالصراحة والصدق والتفصيل، ولكن توقَّفت في الحال، وأدركت أن ذلك مستحيل؛ إذ لا بُدَّ دون ذلك من أن أذكر له وجود صديقي الذي دعاني، والزوج من غير شك لا يلمحه؛ لأن هذا الصديق كان في المقعد الخلفيِّ من السيارة المغلقة، ولم يكن التفات الزوج مُوجَّهًا إلَّا للجالس بجوار زوجته في مقعد القيادة، وهو أنا ولا فخر، فإفشاء أمر صديقي المجهول، لن يُغيِّر من الموقف كثيرًا، فالزوجة مُتَّهمة في الحالين، ومن يُدريني أن الزوج سیُصدِّقني إذا حاولت نقل عبء الجريمة عن كاهلي إلى كاهل آخر لم يرَه، وألَّا أخرج من المحاولة إلَّا بخسة النذالة والجبن والاغتياب والنميمة؟ ثُم إني قد «لبَّخت» في أوَّل حديثي، ونوَّهت بعيون «الزوجة» وفتنتها وموقع سحرها من نفسي، ومُتعة النُّزهة معها التي عكَّر صفوها الزوج بظهوره، أنا إذَن متلبِّس بالتُّهمة لآذاني بأقوالي وأفعالي، ولا توجد قوة ولا حُجَّة في مقدورها تبرئتي، ولا فائدة في إنكار ولا جدوى في دفاع، فلأُسلِّم الأمر لله، وليعتقد الرجل ما يعتقد، وليكن ما يكون.

ورأى الزوج صمتي وإطراقي، فاستحثَّني قائلًا: تكلَّم! ماذا في استطاعتك أن تقول؟ بماذا تُعلِّل وجودك إلى جوار زوجتي في السيارة؟ وبماذا تُبرِّر هروبكما مني، وأنا أتبعكما من مصر إلى الجيزة، إلى الهرم؟

فلم أجد في رأسي ردًّا نافعًا، فلا الحقيقة تصلح أن تُقال، ولا الصِّدق بمُنجٍ في مثل هذه الحال، فاكتفيت بأن قُلت: عُقدة العُقَد يا سيدي هي في إيجاد هذا التعليل المُقنع.

– اعترف إذَن، وما دمنا وصلنا إلى هذه النتيجة، فلا بُدَّ من تصفية الموقف الآن بكل عقل وحكمة وهدوء، كما يليق برجُلَين مهذَّبَين، أجبني أوَّلًا بكل صراحة، أنت تُحبها طبعًا!

فلم أرَ داعيًا للاهتمام بالجواب الصحيح، فالمسألة بلغت حدًّا أصبح فيه الكذب مساويًا للصدق، وربما كانت الأكاذيب في هذا الظرف أقرب إلى التَّصديق من الحقيقة، وما دُمنا لم نعد نستطيع قول الحقيقة فلنُجرِّب الكذب، فقد يُنجينا من هذا الحرج الذي لا مخرج منه، فقلت له: تسألني هل أحبها؟ أحبها بجنون، ولا أنام الليالي.

– وهي تحبك طبعًا!

– حب العبادة، ولا تنام الليل.

فكظم غيظه، وتكلَّف الهدوء، وقال: ومنذ متى يعرف أحدكما الآخر؟

– منذ نصف ساعة.

فحملق في وجهي، وقال: ما هذا الخلط؟ أهذا معقول؟ أجبني بصراحة قلت لك!

– إني أُجيبك بما أرى، فاستخرج أنت الصحيح من الزائف.

– إجابتك الأخيرة ظاهرة الكذب، فقل الحقيقة من فضلك.

– تلك هي الكذبة الوحيدة في كل ما أجبت به، اغفرها لي!

– مِمَّا لا شكَّ فيه أن معرفتكما لا بُدَّ أن تكون قديمة.

– فلأقُل الصِّدق إذَن: حقًّا إننا تقابلنا، وتعرَّفنا منذ عام، وكانت العلاقات بيننا دائمًا طول هذه المُدَّة على ما يُرام.

– عظيم جدًّا! اسمع الآن ما استقرَّ عليه عزمي، إني سأطلقها، وعليك أنت أن تتزوجها، ولا تأمل أن يكون للمسألة حلٌّ آخر غير هذا.

فبلعت ريقي، وكتمت ما بي، وتكلَّفت الابتسام، وأظهرت الرضا؛ ذلك أن المهم فيما أنا فيه هو الخروج من اللحظة الحاضرة، والخلاص من المأزق الحالي، وإلى أن أعود إلى داري قد يأتي الله بالفرج، وإلى أن أمثُل بين يدَي المأذون لعقد ذلك الزواج، أكون قد قابلت صديقي وصفعته وأقنعته بأن يحُلَّ محلِّي وأن يُخلي سبيلي.

واتفقنا على ذلك أنا والزوج، وتصافحنا وأركبني سيارته، وأوصلني إلى بيتي الذي لم يُقدَّر لي أن أصل إليه في سيارة زوجته، وانتظرت، وها أنا ذا أنتظر إلى اليوم، فلا الزوج قد ظهر، ولا الزوجة، ولا الصديق، ولا طلاق حصل، ولا زواج طلبوني إليه، أين اختفى عنِّي أبطال تلك القصة؟ وماذا تمَّ في أمرهم؟ وما علاقة بعضهم ببعض الآن؟ أسرار لا أدري عنها شيئًا، ولا أريد أن أدري، كل ما أعرف هو أني صرت أجفل وأرتعد من كل سيارة تقف بقربي وتقودها امرأة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤