الفصل الأول

المشهد الأول

(قصر الملك ليونتيس في صقلية.)

(يدخل كميلو وأرخيداموس.)١
أرخيداموس :
إنْ تصادف يا كميلو أن زُرتَ بوهيميا في مهمة كالمهمة التي
أقوم بها الآن لديكم هنا لأدركتَ الفرق الشاسع الذي أشير
إليه بين بلدنا بوهيميا وبلدكم صقلية.
كميلو :
أظن أنَّ ملك صقلية يعتزم في الصيف المقبل٢ أن يرُدَّ الزيارة (٥)
الواجبة التي يدين بها لملك بوهيميا.
أرخيداموس :
وعندها سوف نخجل من قصور ضيافتنا لكم، ولكن عمق
مودتنا سوف يعوِّض هذا القصور، فالواقع أننا …
كميلو : أرجوك … (١٠)
أرخيداموس :
بل هذا حق أقوله بصراحة بناءً على ما أعرف؛ إذ لن نستطيع
أن نُبدَى مثل هذه الحفاوة … وعلى هذا المستوى النادر المثال
من … لا أعرف ماذا أقول … لكننا سوف نسقيكم كئوسًا
تبعث الخدر في حواسكم فتلهيكم عن قصورنا، وعندها لن (١٥)
تعيبونا في شيء وإن لم تُثْنُوا علينا.
كميلو : لَشدَّ ما تبالغ في قيمة ما نقدمه عن طيب خاطر ودون جهد.
أرخيداموس :
صدقني، فأنا أنطق بما يمليه إدراكي، وما تدفعني الأمانة إلى
التعبير عنه. (٢٠)
كميلو :
مهما يفعل ملك صقلية فلن تزيد حفاوته أو كرمه عن
الواجب؛ فلقد ترعرع الاثنان معًا في الطفولة، وغُرِسَت
بينهما شجرة محبة٣ لا بد أن تنمو أغصانها اليوم. لكنهما منذ أن
بلغا النضج، وجلسا على العرش، اقتضت ظروف المُلك أن
يفترقا، وإن كانا يداومان لقاءاتهما، لا شخصيًّا بل من خلال (٢٥)
ما ينوب عن عرشيهما من الهدايا المتبادلة، ورسائل المودة،
فكأنما يلتقيان فعلًا، حاضريْن وغائبيْن معًا! وكأنما
يتصافحان عبر المسافات الشاسعة،٤ ويتعانقان — إن صح
التعبير — من وجهتين متعارضتين لهبوب الريح!٥ أدعو الله (٣٠)
أن يكتب الدوام لودادهما!٦
أرخيداموس :
لا أظن أنَّ في الدنيا خُبْثَ طوية أو أسسًا منطقية لتغيير
الحال، وأنتم تجدون راحة لا توصف في وجود أميركم
الصغير «ماميليوس»، فهو فتى يُبشِّر بأعظم خير شهدته في
حياتي. (٣٥)
كميلو :
أتفق كل الاتفاق معك فيما نعقده عليه من آمال؛ فهو طفل
فاضل، والرعية ترتاح إليه، ويعيد الشباب إلى قلوب
الكبار، ومن كان منهم يسير على عكازين قبل مولد الأمير
يتمنى أن يحيا حتى يبلغ الأمير مبلغ الرجال. (٤٠)
أرخيداموس (ضاحكًا) : وهل كانوا لولا وجود الأمير يستعذبون الموت؟
كميلو : نعم! لو لم يجدوا ذريعة أخرى تبرر الرغبة في البقاء!
أرخيداموس :
لو لم يكن للملك ابن، لتمنَّوا أن يعيشوا حتى يسيروا (٤٥)
بعكازين إلى أن ينجب ابنًا!

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(يدخل الملك ليونتيس وزوجته الملكة هرميون، وابنهما الطفل ماميليوس، والملك الضيف بوليكسنيس، وكميلو، وبعض أفراد الحاشية.)٧
بوليكسنيس :
منذ تركت العرش ببلدي دون مليكٍ مرَّت بحساب الراعي
للقمر٨ المتحكم في ماء البحر شهورٌ تسعة! وسأحتاج إلى
زمن يعدله كي أُعرب فيه أخي٩ عن شكري!
لكني أمضي وأنا أحمل ديْنًا يثقلني للأبد!
وإذن فأضاعف من شكري حتى إن كان يساوي صفرًا (٥)
ذلك أني أضع الصفر إلى يمنة رقم١٠
يجعله يتضاعف آلافًا أخرى.
ليونتيس : أجِّل شُكرك حتى يأتي موعد سفرك.
بوليكسنيس :
موعده في الغد. عندي بعض مخاوف تقلقني
مما قد يحدث أثناء غيابي، أو من هبَّة ريح (١٠)
غير مواتية١١ في وطني. ولذاك أقول بأني
أصدُقُك القول ولست أبالغ قط.١٢
ويضاف إلى ذلك أني أرهقتُ المَلك بطول مُقامي.
ليونتيس : نحن أخي أقوى من أيَّة أعباء من جانبكم.
بوليكسنيس : لن ألبث أن أمضي. (١٥)
ليونتيس : امْكُث أسبوعًا آخر.
بوليكسنيس : بل حقًّا أمضي في الغد.
ليونتيس : وإذن فلنتقاسم هذي المدة!١٣ لن أقبل أيَّة أعذارٍ للرفض.
بوليكسنيس :
لا تضغط أرجوك عليَّ بشدة.
لا يوجد في الدنيا أيُّ لسانٍ، أي لسان مهما كان،١٤ (٢٠)
يقدر أن يقنعني مثل لسانك. لو كان لمكْثي
أيُّ لزومٍ لأجبتُك، لكني مضطرٌّ للرفض.
إذ إنَّ شئوني ترغمني أن أرحل لبلادي،
وإذن فمكوثي إضرارٌ بي،١٥ حتى إن يكن الدافع حُبَّك.
في هذا أيضًا توفير للإجهاد وللتكلفة عليك.(٢٥)
وإذن فأودعك الآن أخي.
ليونتيس : معقودة اللسان زوجتي ومليكتي؟ تكلَّمي!
هرميون :
فضَّلت يا مولاي أن ألتزم الصمت؛
حتى يصيبك التوفيق في إلغاء عزمِه على الرحيل.
فإنَّما تحثُّه على البقاء في فُتُورٍ لا يليق! أعرب له (٣٠)
عن اليقين أنَّ بوهيميا بخيرٍ كلها؛ إذ جاءنا بالأمس
مرسالٌ يؤكد النبأ. أخبره ترغِمه على العدول.
ليونتيس : أحسنتِ هرميون.
هرميون :
إن قال إنَّه يتوق أن يرى ابنه لكان دافعًا قويًّا.
إذن عليه أن يقول هذا ثم يمضي. (٣٥)
لكن عليه إن أراد ذاك أن يؤكد الكلام بالأيْمان،
وعندها لن نكتفي بأن نرضى … بل إننا نحثُّه بكل مهماز.
مولاي إنني إذا اقترضتُ منك اليوم أسبوعًا لدينا في صقلية،
ردَّدتُه شهرًا إذا أتى مليكي عندكم ببوهيميا،
ورُمتَ أنتَ أن يقيم عندكم لمدة أطول. (٤٠)
والحق يا ليونتيس أنَّ حبي لا يقل ذرة صغيرة عن حبِّ
أيِّ زوجة تحب زوجها، فهل قبِلتَ بوليكسنيس أن تبقى؟١٦

(يبتعد ليونتيس ليحادث أحد أفراد الحاشية.)

بوليكسنيس : كلا مولاتي.
هرميون : لا! بل فَلْتَمكث!
بوليكسنيس : لا أقدر حقًّا! (٤٥)
هرميون :
«حقًّا»؟ تلك يمين غير مغلَّظة،١٧ لكنَّك حتى
لو أقسمت بأيْمان تقصد إخراج كواكبنا١٨
عن كل الأفلاك لأصررتُ على عدم رحيلك.
حقًّا لن ترحل! كلمة «حقًّا»
من فم سيدة ليست أضعف من حقًّا ينطقها سيِّد! (٥٠)
أتصرُّ على أن ترحل؟ إنَّك ترغمني أن أستبقيك
سجينًا١٩ لا ضيفًا! ويكون عليك بأن تدفع ما
يدفعه السجناء إذا أُفرج عنهم، وبذلك تدَّخر الشكر!٢٠
ماذا تختار؟ أسَجِيني أم ضيْفي؟ أقسم ذاك
القَسَمَ الأقوى٢١ عندك نفسه: حقًّا! لا مهرب من أحدهما! (٥٥)
بوليكسنيس :
وإذن ضيفُك يا مولاتي؛ فالسجن لديك يدُلُّ على
أني أذنبتُ بحقِّك، وسهولة أن أقترف الذنب
تزيد على إمكان عقابك لي من جرَّائه.
هرميون :
إذن فلن أكون هذه السَّجانة … بل المضيفة الحنون!
هيَّا أجِبني إن سألتُك عن أحابيل الصِّبا، (٦٠)
صِبَاكما معًا! هل كنتما من الصغار الباهرين حقًّا؟
بوليكسنيس :
هذا صحيح يا مليكتي الجميلة، فلم نكن نظن أنَّه
سيمضي بعدنا الزمان! بل الغد الذي يكون مثل اليوم!
كأنَّما نظل صبيانًا إلى الأبد!
هرميون : ألم يكن زوجي يزيد عنك في المشاغبات؟٢٢ (٦٥)
بوليكسنيس :
كنَّا كمثل توءمٍ من الحُملان لاهييْن قد تواثبا
في الشمس! ثغاء كلٍّ يُرجِع الصدى للآخر
وما تبادلنا سوى براءةٍ ببراءة٢٣
وما عرفنا قطُّ معنى الشر
كلا ولا حلمنا أنَّ غيرنا يعرفه (٧٠)
ولو ظللنا مثلما كنَّا ولم يقلِّل عنفوان نضجنا،
أو اشتداد بأسنا كذاك من براءة الطفولة،
لكان في مقدورنا أن نعلن الطُّهر العفيف للسماء،
كأنَّما برِئنا من وراثة الخطيئة الأولى.٢٤
هرميون : إذن زللتما٢٥ من بعد هذا حسبما يوحي كلامُك؟ (٧٥)
بوليكسنيس :
يا أنبل النساء قاطبة!٢٦ لقد تولَّدت في النفس،
منذ ذاك الحين، بعض المغريات! فزوجتي كانت
مجرد طفلة ولم يكن رأي محيَّاك الثمين واحد
من رفقة اللهو القديم في الصبا.
هرميون :
غفرانك اللهم!٢٧ حذارِ أن تواصل استخدام هذا المنطق!٢٨ (٨٠)
هذا وإلا قلتَ إنني وزوجتك … من الشياطين!
ولكن استمر … فإنَّنا سنقبل المساءلة،
إن كان أول الذي اقترفتماه من خطايا … معنا!
(يقترب ليونتيس ويُصغي لما يقال.)٢٩
ولا تزال عندنا تقوم هذه الخطيئة
من دون زلَّة أخرى بغيرنا. (٨٥)
ليونتيس : فهل نجحتِ في إقناعه؟
هرميون : لَسَوف يبقى سيدي.
ليونتيس :
لم يقبَل حين طلبتُ أنا. يا أقرب أهل الأرض إلى قلبي،
ما جاء كلامك بثمارٍ خيرًا من هذي قط!
هرميون : هل قلتَ يا مولاي «قط»؟ (٩٠)
ليونتيس : بل مرة أخرى وحسب!
هرميون :
لم أُحسِن الكلام إلا مرتين؟ ما المرة الأولى إذن؟ أرجوك قُل!
أغدِق علينا بالثناء! أنعم علينا بالطعام كالدواجن المسمَّنة!٣٠
إن مات فعلٌ صالحٌ من دون ذِكر … قُتِل المئات من أبنائه!
فأجْرُنا إطراؤنا! ونستطيع قطع ألف فرسخٍ٣١ بِقُبْلة، لكنَّنا
لا نستطيع قطع أمتارٍ٣٢ قليلة بالنَّخس والشِّدة. لكن إلى
موضوعنا: كان النجاح في رجائي للمليك بالبقاء آخر الذي
أنجزته من صالح الأعمال، فما الذي تُراه كان أولًا؟ (٩٥)
كانت له أخت كبيرة، إن لم يسُؤْ ظني، ليت اسمها نعمة!٣٣
لم أحرز النجاح سابقًا سوى في مرَّة أخرى؟ متى؟ (١٠٠)
أفصح إذن أرجوك … فإنني أتوق أن أعرف.
ليونتيس :
قد كان عندما ظللتُ صابرًا لأشهر ثلاثة مريرة حتَّى ظننتُ
أنَّني هلكتُ قبل توفيقي … فَتَحتِ أنت هذه اليد البيضاء،
وعندها صافحتِنِي … بادلتني عهدَ الوفاء ثم قلت لي
«أصبحت منذ الآن لك … إلى الأبد!» (١٠٥)
هرميون :
وتلك «نعمة»٣٤ مؤكَّدة! فانظر إذن: نجحتُ في الكلام مرتين:
ظفرتُ في الأولى بزوجٍ مَلَكي، ونجحتُ في الأخرى
بأن أبقيتُ صاحبًا٣٥ هنا لفترة قصيرة.

(تقدم يدها إلى بوليكسنيس.)

ليونتيس (جانبًا) :
شبق بالغ، شبق بالغ! الخُلطة إن زادت بين الأصحاب
أتت بالخُلطة في العشق! قلبي مضطرب الخفقان،٣٦ (١١٠)
قلبي يتواثب لكن ليس من الفرحة … ليس من الفرحة!
هذا الترحيب البالغ قد تكسو ظاهره براءة
بل قد يكتسب الحرية من فرط الودِّ وفرط الكرم وفرط سخاء
الصدر، وقد يُمتدَح الفاعل له! هذا قطْعًا جائز، لكنَّ تشابُك
هذي الأيدي الآن ودغدغة أصابعها … ما أشهده في هذي
اللحظة … والبسمات الصادقة العاكسة كمرآة ما في النفس!
واسمع ما يتلوها من أنَّات كتأوُّه ظبي ساعة موته!٣٧ (١١٥)
هذا ترحيب لا يرضاه الصدر ولا يرضاه جبيني «إذ
تنبت فيه قرون!»٣٨ ماميليوس! هل أنت ابني؟٣٩
ماميليوس : حقًّا يا مولاي الأكرم. (١٢٠)
ليونتيس :
حقًّا! هذا ولد ممتاز. عجبًا! هل لوَّثت هنا أنفك؟
قالوا يشبه أنفي شبهًا تامًّا. أقدِم يا سيد.
لا بد لنا من تنظيف! لكنَّ التنظيف٤٠ كذلك من شأن
صغار الماعز والثيران وكل عجول الأرض اليافعة!
(يمسح وجه ماميليوس.)٤١
(جانبًا) ما زالت تعزف تلك الألحان على راحة يده؟ (١٢٥)
(إلى ماميليوس)
ما حالك يا حَمَلي اللاهي؟ هل أنت إذن حَمَلي اللاهي؟
ماميليوس : نعم، إذا أردتَ يا مولاي.
ليونتيس :
تحتاج — إن أردت — نضجًا كاملًا مثلي لشعر أشعث
وفوقه القرنان مثلي. لكن يُقال إننا متشابهان
مثل بيضتين.٤٢ ذاك ما تقوله النساء، والنساء قد يقلن (١٣٠)
أي شيء. لكنَّهنَّ إن يكُنَّ مثل صبغة سوداء كاذبات٤٣
قُلَّبًا كأنَّهنَّ الريح أو كالماء،
ظالمات مثل نرْدٍ لا يقيم حدًّا فاصلًا بيني وبين صاحبي٤٤
فإنَّهن صادقات حين قُلْن إنَّ هذا الطفل يشبهني
تعالَ أيُّها الصغير الفائق! انظر إليَّ بالعيون الزُّرق كالسماء! (١٣٥)
يا أقرب الناس لقلبي! يا بضعة مني!٤٥
فهل يكون ذاك من أمك؟ هل ذاك ممكن٤٦
يا أيُّها الوهم المسيطر؟٤٧ لديك قوَّة نفَّاذة وتطعن القلوب
والدنيا تجعل المُحال ممكنًا كما تُجسِّد الأحلام
قل كيف يمكن أن يكون هذا؟ فأنت تربط الإنسان
بالمُحال في الأذهان والعدم.٤٨ إذن يجوز تصديق الذي فعلته (١٤٠)
بتحويل الخيال في أذهاننا إلى واقع!٤٩ وذاك ما وجدته
يا أيُّها الوهم! تجاوزًا لكلِّ ما يكون مشروعًا!
وهكذا سمَّمت مخي فتهاوى منطقي
ونما على الجبين قرنان.٥٠ (١٤٥)
بوليكسنيس : ماذا يعني ملك صقلية بهذا؟
هرميون : يبدو مضطربًا بعض الشيء.٥١
بوليكسنيس : ما حالك يا مولاي؟
ليونتيس : ماذا بك؟ ما حالك يا خير أخ لي؟٥٢
هرميون :
كأنَّما على الجبين آيات الشرود البالغ.
تراك يا مولاي غاضب؟ (١٥٠)
ليونتيس :
كلا حقيقة! وإنَّما مشاعر الأبوَّة الفطرية٥٣ التي تجتاحنا أحيانًا
بكل ما بها من رقَّة وحماقة تجعلنا أضحوكة أمام أصحاب
الصدور الصلبة! إذ إنني نظرت في ملامح ابني الصغير
فَخِلْت أنني طرحت أعوامًا من العمر! ثلاثة وعشرين!٥٤
وهكذا أبصرت نفسي في إزار أخضر من القطيفة (١٥٥)
من قبل أن يحين لي لُبسُ السراويل، وقد تدلىَّ من حزامي
خنجرٌ في غمده كيْلا يصيبني بجرحٍ … فربما تجيئنا الأخطار
من وسائل الزينة! وقلت في نفسي: ألا أشدَّ ما
أماثل الصَّبيَّ هذا! هذا النواة!٥٥ أو حبَّة البسلة الغضَّة!٥٦
كريمة المحتد!٥٧ قل يا فتاي ابن الشرف:
هل ترفض التحدي إن خُدِعت؟٥٨
ماميليوس : مولاي، كلا بل أقاتل!٥٩ (١٦٠)
ليونتيس :
حقًّا؟ إذن فليُكتَب الهناء لك! هل أنت يا أخي
محبٌّ لابنك الأمير حُبي لابني الأمير؟٦٠
بوليكسنيس :
إن كنتُ في بيتي أيا مولاي لازمته! فإنَّه لمحور الأفراح (١٦٥)
والمناقشات كلها! صديقي الوفي أحيانًا وخصمي العتيد
بعدها! مداهنًا لي٦١ أو مكافحًا كما يدبِّر الأمور كلها.
نهار يوليو في وجوده قصيرٌ مثل ديسمبر.٦٢
نوازع الأطفال عنده على اختلافها تطرد من ذهني
من الأفكار ما يغلِّظ القوام من دمي. (١٧٠)
ليونتيس :
وذاك موقفي تجاه ولدي.
لسوف أمشي الآن في صُحبته. وتاركًا إيَّاك يا مولاي
لكل أفكار جليلة في ذهنك!٦٣ يا هرميون!
أبدي إلى أخي الحفاوة التي تُعادل الذي لديكِ من حبٍّ لنا!
واسترخصي كل الذي يكون غاليًا من أجله لدينا في صقلية! (١٧٥)
فإنَّه — من بعد نفسي، وبعد «جوَّالي» الصغير —٦٤
وليُّ عهد قلبي.
هرميون : وإن طلبْتَنَا وجدتنا في داخل الحديقة، فهل توافينا بها؟
ليونتيس :
بل افعلا كلَّ الذي تهويان. ما دمتما من تحت قبة السماء
لن تتوها عنِّي. (جانبًا) إنَّي أصيد الآن!٦٥ (١٨٠)
أدليتُ هذا الشَّص … حتى إذا لم تُدرِكا الطُّعم به!
عار عليكما! عار عليكما!
فلتبصروا أسلوب ميل وجهها — منقارها — لوجهه!٦٦
تأملوا كيف استباحت أن يحيط هكذا بذراعها
استباحة القرينة التي تأبَّطت ذراع زوجها! راحا معًا! (١٨٥)
(يخرج بوليكسنيس وهرميون والأتباع.)
أدلة عميقة وصلبة وغامرة … على القرنين في رأسي!٦٧
اذهب غلامي والعب!٦٨ فإنَّ أمَّك تلعب! وأنا كذلك ألعب
لكن دوري٦٩ شائن وجالب للعار، وسوف يُفضي آخِرًا إلى
الصَّفير ساخرًا٧٠ منِّي ويقفوني إلى القبر! والاحتقار والتجريس
بي ناقوس موتي. اذهب غلامي والعب! العب إذن! قد كان (١٩٠)
قبل الآن ديُّوثون غيري — إن لم أكن ضللتُ كل ضلال —
بل بيننا الكثير منهمو، في اللحظة التي أقول فيها هذا،
وكلهم أحاط بالذراع زوجته … وليس فيهم من يرى
بأنَّ شخصًا قد أتى يصيد في غيابه بماء بِرْكَته،
وأنَّ جاره اللَّصيق يأخذ الأسماك من مائه (١٩٥)
فجاره اسمه «بسَّام»!٧١ في ذاك لي بعض العزاء … نعم!٧٢
وغيرُهُم لديه أبوابٌ وقد فُتِحت كَبَابي كَرْهًا.
ولو أصاب اليأس كلَّ من لديه زوجة تمرَّدت
لقام عُشْرُ من في الأرض من بشر … بشنق أنفسهم!
فإنَّه لداءٌ لا دواء له! وكوكبُ الفجور٧٣ إن طغى (٢٠٠)
تأثيره أصاب كلَّ من يكون طالعه! أدرك إذن جبروته
شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا! وموجز المقال أنَّه
لا يستطيع حِصنٌ حفظ عفَّة امرأة! اعْلَم وثِق في هذا
فمثل هذا الحصن يسمح للعدو بالدخول والخروج
بقضِّه وقضيضه!٧٤ وقد أصيبت الآلاف منَّا بالمرض (٢٠٥)
من دون أن ندري! ما الحال يا ولدي؟٧٥
ماميليوس : يُقال إنني شبيه بك.٧٦
ليونتيس : في ذاك بعض عزاء. عجبًا! فهل أتيتَ يا كميلو؟٧٧

(يتقدم كميلو منه.)

كميلو : أتيتُ مولاي الكريم.
ليونتيس :
اذهب لتلعب يا ماميليوس، فأنت صاحبٌ شريف.٧٨ (٢١٠)
(يخرج ماميليوس.)
اسمع كميلو! لَسَوف يبقى السيد العظيم مدة أطول.
كميلو :
بذلت أنت جهدًا خارقًا لتستقرَّ مرساتُه٧٩
وكلَّما ألقيتها عادت إليك …
ليونتيس : لاحظتَ ذلك؟
كميلو :
بل كان يرفض الرجاء منك بالبقاء. يقول إنَّ ما لديه (٢١٥)
من مشاغل أهم.
ليونتيس :
أدركت ذلك؟ (جانبًا) قد أدرك الناس الحقيقة! وها همو
يتهامسون «هاكم مليك صقلية! لقد غدا كذا … وكذا»٨٠
لا بد أنَّها حكاية قديمة … لأنني آخِرُ من يعلم!٨١
(إلى كميلو) وكيف قرَّر البقاء يا كميلو في النهاية؟ (٢٢٠)
كميلو : لقد توسَّلت إليه هذه المليكة الصَّالحة.
ليونتيس :
أصبت في «المليكة»، وكان ينبغي كذاك أن تصيب في «صالحة»
لكنَّما الواقع ينفيه، فهل يرى سواك ممن يفهمون رأيك؟
فذهنك الوقَّاد يُدرك الذي يغيب عن عيون العامة الغافلة
ألم يُلاحظ ذاك إلا الصفوة المُرهَفة؟ أعني القليل من (٢٢٥)
ذوي الرءوس الفذَّة؟ وربَّما تَعمَى٨٢ الجماهير الوضيعة
عن حقيقة القضية. أجِب!
كميلو :
مولاي، هل قلت القضية؟ أظنُّ أنَّ جُلَّ الناس يعرفون
بأنَّ ملك بوهيميا سيبقى فترة أطول.
ليونتيس : ماذا؟ (٢٣٠)
كميلو : سيبقى فترة أطول.
ليونتيس : حقًّا، ولكن ما السبب؟
كميلو : إرضاء لمعاليكم، وبفضل رجاء مليكتنا صاحبة العصمة.
ليونتيس :
إرضاء؟ ورجاء مليكتكم صاحبة العصمة؟ حتَّى يرضيها؟٨٣
يكفي ذاك إذن! إني أثق الثقة الكاملة كميلو بك (٢٣٥)
وأبوح إليك بمكنون فؤادي ودقائق أسراري
ولقد كنت تؤدي دور الكاهن فتُطهِّر صدري من آثامه
وأغادرك بثوب التائب بعد صلاح الحال
لكنِّي مخدوع فيما يبدو من صِدْق نزاهتك
ومخدوع في الحكم بما يبدو في الظاهر. (٢٤٠)
كميلو : لا قدَّر ربي ذلك يا مولاي
ليونتيس :
الإصرار على ذلك٨٤ يعني: إمَّا أنَّك لستَ شريفًا
أو أنَّك إن كنت تريد الشرف فأنت جبان! فالجبن
يشلُّ الشرف٨٥ ويمنعه أن يسلك مسلكه المطلوب.
أو قد تُعتبَر الخادم صاحب ثقتي الكاملة (٢٤٥)
ولكنَّك أهملتَ تولِّيها. أو أنَّك أحمق
إذ تشهد سيْر مباراة ذات خطر
وترى أنَّ الجائزة الكبرى٨٦ ذهبت للفائز
ثم تُعامِل ذاك معاملة اللهو أو الهزل.
كميلو :
يا سيدي الكريم! لربما أكون مهمِلًا وذا حُمقٍ جبانًا (٢٥٠)
فهذه الصفات عند كل الناس
كما أرى من المحتوم أن يَبِين الجُبن والإهمال والحماقة
يومًا من الأيام في غمار أحداثٍ بلا نهاية في هذه الدنيا
أمَّا إذا قصدت ما يخصُّ — يا مولاي — أمرك
فإنني إن كنت قد أهملت عمدًا ذات يوم (٢٥٥)
فإنَّما كانت حماقتي السبب: إن كنت جاهدًا لعبت دور الأحمق
فإنَّما قد كان إهمالي السبب؛ إذ لم أُوَفَّق
عند تقدير الذي يرمي إليه أمرٌ ما: إن كنت قد جَنُبْتُ عن
أداء فعل ما، من باب ريبتي، وكان هذا الفعل لازمًا
لا بد من أدائه، فإنَّما قد كان من ورائه خوفٌ (٢٦٠)
وليس ينجو منه أعقل العقلاء. وهذه مولاي كلها
نقاط ضعفٍ ليس يخلو من مغبَّتها الشرف.
لكنَّني أرجو معاليكم بأن تصارحني بما لديك
وأن تدلَّني على تجاوزي وتكشف الوجه الحقيقي له.
فإن أنا أنكرته كنت بريئًا منه. (٢٦٥)
ليونتيس :
أَوَلم تبصر يا كاميلو —
هذا لا شكَّ به فلقد أبصرت وإلا
كانت عدسات عيونك٨٧ أسمك من قرن الديوث —
أو لم تسمع — قطعًا إذ لن تسكت ألسنة الناس
إزاء وقائع واضحة وجلية — (٢٧٠)
أَوَما جال بفكرك — فالمعرفة هنا لا تأتي رجلًا لا فِكَر له —
أنَّ قرينتنا خائنة؟ فلتعترف الآن وإلا
أنكرت بكل وقاحة،
أنَّك تتمتع بعيون وبآذان وبفكر!
وإذن قل إنَّ قرينتنا عاهرة٨٨ ويحقُّ لنا (٢٧٥)
أن ننعتها بأحط الأوصاف
كالعاملة بغَزْل الكتَّان إذا سمحت بجماع قبل
العهد الرسمي بخطبتها. أفصح عن ذلك بل أثبِت صِدْقه!
كميلو :
لن أقف كمكتوف الأيدي كي أسمع من يتَّهم مليكتنا
هذي التُّهم الشنعاء ولا أثأر فورًا لكرامتها (٢٨٠)
أُقسم٨٩ إنَّك لم تتفوَّه بكلام يخفض من قدرك
أكثر من هذا! والقول به ذنب لا ينقص
في الوزر عن التهمة حتى لو صدقت.
ليونتيس :
أفلا يوجد شيء في الهمس الدائر بينهما؟
في ميل الخدِّ على الخد؟ وتلامس هذين الأنفين؟ والتقبيل (٢٨٥)
بداخل كل شفة؟ في إيقاف مسار الضحك بتنهيدة؟
لحنٌ لا يُخطئ لخيانة شرف المرء! في وضع القدم على
القدم؟ أن ينزويا في ركنٍ من تلك الأركان معًا؟
وتمنَّى أن يسرع عقرب تلك الساعة؟ وقضاء الساعات معًا
وتملِّي كل دقيقة؟ ظهرًا أو في منتصف الليل؟ وتمنِّي (٢٩٠)
أن تغشى كل عيون إلا عيناه وعيناها بغشاوة؟ وهما
من دون الناس؟ أفلا يُعتبَر تجاهل رؤية هذا خبثًا؟ هل
هذا عدمٌ؟ وإذن هذي الدنيا وجميع الأشياء بها عدم!
فسماء الكون عدم! بوليكسنيس عدم! وقرينتنا عدم!
والعدم إذن لا شيء به غير العدم!٩٠ (٢٩٥)
كميلو :
يا مولاي الأكرم، عالِج نفسك من هذا الرأي المعتل
وإلا فات الوقت فإنَّ به أخطارًا جمَّة.
ليونتيس : فلنفترض٩١ … لكنَّه صحيح.
كميلو : لا لا يا مولاي.
ليونتيس :
بل ذاك صحيح يا كاذب! كاذب! إنَّك تكذب يا كاميلو (٣٠٠)
وأنا أكرهُكَ! أعلن أنَّك فظٌّ أخرق! وحقير لا ذِهن له!
أو أنَّك نهَّاز للفرص وقُلَّب!٩٢ إذ تبصر بعيونك في هذي
الدنيا الخير، وتبصر فيها الشَّرَّ، ولكنَّك تنحاز لهذا ولذاك معًا
في آنٍ واحد! لو كانت كبد قرينتنا يكمن فيها المرض كمسلكها
لتُوُفِّيت المرأة قبل مرور الساعة! (٣٠٥)
كميلو : وما ذاك المرض؟
ليونتيس :
أمير بوهيميا الذي يلُفُّها كأنَّها قلادة من حول عُنُقه!
لو كان لي خدم يكنُّون الولاء لي،
ويدركون كم يفيدهم شرفي،
وبالعين المجردة، وأنَّهم سيكسبون لو صانوه … لما توانوا (٣١٠)
عن أداء فعلٍ يمنع التمادي في الخطيئة! وأنت يا ساقيه!
يا من رفعته من موقعٍ خفيضٍ مُضْفيًا عليه مرتبة الشرف
من يستطيع أن يرى ما كان واضحًا وضوح رؤية السماء للأرضين
ورؤية الأرضين للسماء … أعني مدى الذي أحسُّه من المرارة …
هل تستطيع أن تضيف للكأس التي يحين شُرْبُها (٣١٥)
بعض التَّوابل التي من شأنها إغلاق جفنيْ ذلك العدو لي
للأبد؟! مذاق تلك الكأس يشفيني ويرضيني!
كميلو :
سيدي! مولاي إني أستطيع ذلك! بغير كأسٍ ذات مفعولٍ
سريع بل مديد الأجل! من شأنه تحقيق ما يُرجى بلا عنف
ولا الإيحاء للدنيا بسوء القصد مثل السُّم! لكنني
لا أستطيع تصديق المثالب الدنيا بشأن مولاتي المهيبة (٣٢٠)
فإنَّها لذات مرتبة شريفة عُليا
وثِق بأنِّي أضمر الوداد لك.
ليونتيس :
إن تطرح في هذا الشَّكَّ استحققت القتل!
أتظن بأنِّي مختلط العقل ومضطرب النفس إلى حدٍّ
يدفعني أن ألقي نفسي عمدًا في غمرة هذي الآلام (٣٢٥)
فألوِّث طهر فراشي وبياض مُلَاءَاتِي الناصع؟
إنَّ حفاظي بالحق عليه هو النوم الهانئ والتلويث
يحيل فراشي أشواكًا وقتادًا وهراسًا
ويبثُّ حُمًى لزنابير لها لذعٌ لاسع
هل أجلب لدماء ابني هذا الفضح الشائن (٣٣٠)
وأنا أومن أنَّ ابني من صلبي وأكنُّ له حب الوالد
من دون ذرائع قاطعة تدفعني دفعًا؟ هل أقبل هذا
طوعًا؟ هل ينحرف المرء إلى هذا الحدِّ؟
كميلو :
لا بدَّ لي من التصديق سيدي. فعلًا. أمَّا مليك بوهيميا
ففي مقابل الذي أتاه سوف أنتهي من أمره.٩٣ بشرط أن تعود (٣٣٥)
بعد أن يمضي٩٤ لزوجتك، ومثلما كانت أثيرة لديك أولًا.
حتى ولو من أجل ولدك. في ذاك إخراس لمفتريات
ألسنة البلاط وكل من حالفتهم وعرفتهم
في غير هذي المملكة.
ليونتيس :
تتفق مشورتك تمامًا مع ما قررت من الإجراءات (٣٤٠)
لن أدمغ شرف امرأتي بنقائص عارٍ قط.
كميلو :
وإذن فاذهب يا مولاي الآن، وخالط٩٥ مالك بوهيميا
وبوجهٍ صافٍ كوجوه الأصحاب إذا اجتمعوا في مأدبة ما
وكذلك زوجتك الملكة! إني ساقيه،
فإذا كان سيلقى من هذي اليد أيَّ شرابٍ فيه الصحة (٣٤٥)
لا تعتبرني مِن خَدَمِك.٩٦
ليونتيس :
أنهينا الأمر. افعل ما قلت تنل نصف فؤادي
أما إن أحجمت فسوف تشُقُّ فؤادك أنت.٩٧
كميلو : سأفعل المراد يا مولاي.
ليونتيس : سأرسم الوداد في وجهي كما أشرت. (٣٥٠)

(يخرج ليونتيس.)

كميلو :
أوَّاه ما أشقاكِ يا امرأة! أمَّا أنا
فما تُرَى يكون موقفي؟ لا بدَّ أن أظلَّ في إسار خير
بوليكسنيس! ودافعي على ارتكاب هذه الفعلة
طاعتي لسيدٍ مخاصم ومنكر لذاته الحقة،
لكنَّه يريد من أتباعه جميعًا فعل ما يفعل. (٣٥٥)
إذا فعلتُها كان التَّرقي من نصيبي. حتَّى إذا وجدت أمثلة
لآلاف قضوْا على ملوك من ذوي الحق الإلهي،
ثم أقبلت عليهم الدنيا فلن أفعلها!
لكنَّه ما دام هذا الفعل لا يؤيده
تذكار لوح من نحاس أو حجر، كلا ولا كتابة تمتدحه، (٣٦٠)
فسوف يحنث الخبث الأثيم نفُه بالقسم!٩٨ علىَّ أن
أغادر البلاط! فإنَّ فِعلها والامتناع عنه سِيان! كلاهما
يدق عنقي! ابزغ إذن يا نجم سعدي!٩٩ لقد أتى ملك بوهيميا

(يدخل بوليكسنيس.)

بوليكسنيس :
هذا غريب. إخال أنَّ الاحتفال بي هنا ينكمش!
ألا أخاطبه؟ عِمْ صباحًا يا كميلو! (٣٦٥)
كميلو : يا مرحبًا يا أعظم الملوك!
بوليكسنيس : وما الأنباء في البلاط؟
كميلو : ما جدَّ يا مولاي شيء غير مألوف.
بوليكسنيس :
وجه المليك مهمومٌ كأنَّما ضاعت مقاطعة من المملكة
أو ضاع إقليم يحبُّه كحبِّه لنفسه. قابلته لِتوِّي (٣٧٠)
بكل ما اعتدنا من الترحاب، فإذا به يُشيح بالعينين عني
ويقلب الشفاه قلبَ من يُكنُّ كل الاحتقار لي،
وإذ به بسرعة يتركني … نهبًا لهمي
في تأمُّل الذي جرى وما عسى
أن يحدث التغيُّر الجديد في سلوكه. (٣٧٥)
كميلو : لا أجسر أن أعرف يا مولاي.
بوليكسنيس :
ما معنى لا تجسر؟ لا تعرف؟ هل تعرف لكن لا تجسر أن
تخبرني؟ أوضِح ما تعني،١٠٠ فهو يقارب هذا. لا بد من الإقرار
بأنَّك تعرف ما تعرف، لا الزعم بأنَّك لا تجسر أن تعرفه!
اسمع يا كميلو الأكرم! تغيير التعبير على وجهك مرآة (٣٨٥)
تعكس لي تغيير التعبير على وجهي. لا بدَّ بأنَّي أسهمت،
وأُسهم في هذا التغيير لديك وإياه؛
إذ أجد بأني أتغيَّر تبعًا لتغيُّر حالكما.
كميلو :
قد حلَّ بنا مرض ولَّد في بعضٍ منَّا كربًا بالغ
لكني لا أقدر أن أذكر ذاك المرض (٣٨٥)
ومصدره أنت وإن كنت بخيرٍ وعافية.
بوليكسنيس :
كيف أكون المصدر! لا ترسمني في صورة وحشٍ،
إن نظر إلى المرء قضى نحبه!١٠١ فلقد ألقيتُ النظر على آلافٍ
من قبل فصلحت أحوالهمو! لكنِّي لم أقتل أحدًا
اسمع يا كميلو! إنَّك قطعًا من أبناء الصفوة١٠٢ (٣٩٠)
ولديك إلى جانب ذلك تعليمٌ وثقافة؛
إذ يزدان اسمك بالعِلم، كما يزدان اسمي بالحسب الأشرف،
من حيث وَرِثْنا رفعة هذي المنزلة. أتوسل لك
إن كنت تُحيط بشيء يجدر بي أن أعرفه أن تطلعني
بالحق عليه! لا تُخفِ الأمر فتحبسني في جهلي.١٠٣ (٣٩٥)
كميلو : بل ليس من حقي الإجابة.
بوليكسنيس :
مرض أنا مصدره وأنا لستُ مريضًا؟
لا بدَّ بأن أحظى بإجابة. هل تسمعني يا كميلو؟
إني لأحُثك مستندًا لدواعي الواجب
وإلى كل خصال تسهم في شرف الإنسان (٤٠٠)
— وما طلبي هذا إلا أدنى ما يفرضه الواجب —
أن تفصح لي عن أيَّة أحداث قد تأتيني
فأُصاب بضرٍّ منها في نظرك.
كم تقترب وكم تبتعد عني؟ ما أسلوب تلافيها إن
أمكن ذلك، فإذا لم يمكن ما أفضل أسلوب لتحمُّلها؟ (٤٠٥)
كميلو :
يا سيدي، سأخبرك! ما دمت قد أمرتني بحق شرفي، وآمِري
شريفٌ في اعتقادي. فلتنتبه إذن لما أسديه من مشورة
واعمل بها بالسرعة التي أقولها بها. هذا وإلا صِحتَ أنت
معي: ضِعنا معًا وليلة طيبة!١٠٤
بوليكسنيس : قُل يا كميلو الأكرم. (٤١٠)
كميلو : إني مكلَّف بأن أغتالك.
بوليكسنيس : من كلَّفك؟!
كميلو : الملك.
بوليكسنيس : لماذا؟
كميلو :
يظن أنَّك قد مسست في الحرام زوجته (٤١٥)
لا بل ويحلف الأيْمان واثقًا كأنَّما قد شاهد الفعلة
أو كان نفسه الوسيلة التي دفعتك لارتكاب الفاحشة.١٠٥
بوليكسنيس :
لو حدث دعوتُ الله بأن يمسخ دمي الطاهر بعض هلامٍ
مسمومٍ! وليُقرن اسمي باسم يهوذا — من خان الأفضل
طُرًّا!١٠٦ وليُمسَخ صيتي النَّابه عفنًا حتى يُزِكم أبلد أنفٍ (٤٢٠)
وبذا يتجنَّبني الناس بأي مكان أغشاه! بل حتى أصبح
أبغض من أسوأ طاعون١٠٧ سمِع الخلْق به أو قرءوا عنه!
كميلو :
لن تنجح في الإنكار البتَّة مهما أقسمتَ على ما ضلَّل فِكَره!
أو حاولت بأيْمانٍ بجميع نجوم سماء الكون
وما تُحدثه من تأثير في الناس (٤٢٥)
والأيسر أن تأمر مدَّ البحر بأن يعصي سلطان القمر!
لن يفلح قسمٌ أو يفلح صِدق مشورة
في زعزعة بناء حماقته القائم فوق عقيدة
بل لن تتخلخل ما دام له جسدٌ يحيا!
بوليكسنيس : ما منشأ هذا؟ (٤٣٠)
كميلو :
لا أدري. لكني أوقن أنَّ تجنُّب ما
نشأ حيالك أسلم من أن تسأل كيف نشأ.
وإذن إن كان لديك من الجرأة ما يكفي
الثقة بإخلاصي النصح إليك، وهو المكنون
بداخل ذاتي — وعليك بأن تحملها معك إذن رهنًا وضمانًا — (٤٣٥)١٠٨
فارحل هذي الليلة، أمَّا أتباعك فسأهمس بالسِّرِّ لهم كيما
أصحبهم زُمرًا — كلٌّ اثنين معًا أو كل ثلاثة — حتى ينفلتوا
من أبوابٍ متفرقة خلفية … حتى خارج أسوار صقلية.
أمَّا عن نفسي، فأنا أضع مصيري رهن إشارتكم:
إن أمكث زهقت روحي ما دمت كشفت السِّرَّ لكم (٤٤٠)
لا تسترب البتَّة فيما أخبرتك به! أقسم وبشرف الآباء
إني قلت الحق لكم. أمَّا إن شئتَ تحرِّي صِدْقي
برجوعك للملك فلن أجرؤ أن أعترف بهذا قط.
بل إنَّك لن تلقى غير مصير المحكوم عليه بالإعدام
وإصرار الملك على تنفيذ الحكم.١٠٩ (٤٤٥)
بوليكسنيس :
إنَّي أُصدِّقك. شاهدتُ قلبَه في وجهه.
فلتعطني يدك،١١٠ وكُن دليلي في الطريق.
وسوف يبقى الموقع الذي ظللتَ تشغله
مجاورًا لموقعي في القصر. سفائني جاهزة
والناس عندي قد توقَّعوا رحيلي من هنا (٤٥٠)
من قبل يومين. ذي غيرة على مخلوقة نفيسة:
بقدر نُدرة النظير للمرأة … يكون عُمق الغيرة.
وقدْر ما للشخص من جبروت … يكون عُنف غيرته،
وخاصة لأنَّه توهَّم انْئِلام شرفه
من جانب امرئ هنا لطالما أفصح عن إخلاصه في حبِّه، (٤٥٥)
بل إنَّ ثأره لا بد أن يزداد شدة ومرارة.
إنِّي لَتَغشاني المخاوف!١١١ وربما يكون في التعجيل بالرحيل
إنقاذٌ لنا … وربما يكون فيه أيضًا راحة لهذه المليكة الكريمة١١٢
— لا شكَّ أنَّه يريد الثأر منها أيضًا … وإن تكن
بريئة من الشكوك الباطلة — هيا إذن كميلو! (٤٦٠)
سأُكنُّ إجلالًا إليك كوالدي،
إن استطعت إنقاذ حياتي. هيا. هيا بنا نذهب!
كميلو :
لديَّ تفويض بفتح سائر الأبواب والمنافذ الخلفية،
أرجو سُمُوَّك أن تعجِّل بالرحيل الساعة.
هيا إذن يا سيدي، هيا بنا نذهب. (٤٦٥)

(يخرجان.)

١  المكان: لا تنص طبعة الفوليو على «المنظر» الذي يجري فيه الحوار، ولكن المحرر لويس تيبولد يقول في طبعته لأعمال شيكسبير (١٧٣٣م) إنَّ المشهد يجري — على الأرجح — في غرفة داخلية من غرف قصر ليونتيس، والمحدثون يميلون إلى الأخذ بهذا، قائلين بأنَّه كان قريب العهد بنظم المراسم في البلاط الملكي، ويعرف من ثَمَّ نظم «العمل» في قصر الملك. ومعنى «داخلية» أنَّ الغرفة ليست جزءًا من القاعة الرسمية التي يستقبل فيها الزوار. والحوار تتجلى فيه لغة الدبلوماسية والوعي الشديد بالمناصب الرسمية؛ فالمتحدثان يستخدمان حيلة بلاغية شهيرة هي «المبالغة» بصورة توحي بتنافسهما في تأكيد موقعيهما في «الدولة». وبطبيعة الحال فالنثر الذي يتحدثان به «محسوب» بدقة، وفق ما تقضي الدبلوماسية به، ولهذا التزمت في الصوغ بما يقرب من الحرفية.
٢  «في الصيف المقبل»: يقول الشرَّاح إنَّ العبارة قد تفيد أنَّ الفصول الثلاثة الأولى تجري في الشتاء.
٣  «محبة»: الكلمة الإنجليزية ترِد هنا بالمعنى المعاصر (affection) ولكن «انظر المقدمة» حيث أناقش معانيها الأخرى.
٤  «المسافات الشاسعة»: الأصل يورد الصفة فقط (vast) والموصوف واضح من السياق، كما هو الحال في «بيركليس» (٣ / ١ / ١) و«لعاصفة» (١ / ٢ / ٣٢٧) و«هاملت» (١ / ٢ / ١٩٧).
٥  «من وجهتين متعارضتين لهبوب الريح»: كانت الخرائط المعاصرة تصور ملائكة «تنفخ» الرياح للدلالة على اتجاه هبوبها، وكانت صورة مصدر الريح في جهة معينة صورة شائعة في أدب العصر، وكانت العادة تصوير هبوب الريح من الأركان «الأربعة» المتخيلة للبسيطة.
٦  لم تُستَجَب دعوة كميلو؛ إذ شجر خلاف عكَّر صفو وداد الملكين!
٧  المنظر: قد يجري هذا المشهد في فناء مفتوح، أو قاعة شبه عامة (لاستقبال الزوار) في القصر، والاختيار في يد مخرج المسرحية، ويُستنبَط من الحوار الحافل بالتلاعب اللفظي بين هرميون وبوليكسنيس (والملاعبة أيضًا») أنَّ المشهد يجري في قاعة خاصة ليس فيها خدم، ما دامت طبعة الفوليو لا تنص على وجود خدم، وكميلو يبتعد مؤقتًا أثناء محادثة الملكيْن والملكة.
٨  (١-٢) يشير بوليكسنيس إلى القمر بكناية وهي «النجم المائي» (watery star) والمقصود «المتحكم في مد البحر وجزره» وهي الكناية الأخرى في «حلم ليلة صيف» (governess of floods) (٢ / ١ / ١٠٣) ولما كانت الكناية غير مألوفة لقارئ العربية أتيتُ باسم ذلك الكوكب وأردفته بالكناية للحفاظ على البناء البلاغي، كما عكست بناء الجملة تأكيدًا للعبارة الرئيسية، كما غيرت كناية أخرى لم يجد النقَّاد لها دلالة خاصة (without a burden) أي «دون مليك» بل لا معنى لأن يكون وجود الملك على العرش «عبئًا» على العرش (أو ثقلًا).
٩  «أخي»: كان الملوك في عصر النهضة يخاطبون بعضهم بعضًا بهذا التعبير.
١٠  (٥-٦) المعنى واضح وإن كان التعبير ملتويًا، وقد احتفظت بهذا «الالتواء» تأكيدًا لولع ملك بوهيميا باللف والدوران في الحديث، وإظهار ذلك في بداية المسرحية مهم لأنَّه يكشف عن طبيعة الشخصية الدرامية.
١١  (١٠-١١)«من هبة ريح غير مواتية» الأصل (sneaping winds) أي باردة عاتية وهي كناية أخرى عن قلاقل في المملكة بسبب مؤامرات مثلًا أو مظاهر تمرد على حكمه، وقد اتبعت في تفسير الكلمة غير المألوفة شرح معجم أوكسفورد الكبير، الذي يشير إلى ورودها أولًا في «خاب سعي العشاق».
١٢  حار النقَّاد في تفسير عبارة (This is put forth too truly).
وجمهور الشراح يفسرها بأنَّ بوليكسنيس يريد أن يؤكد أنَّه يصدُق صاحبه القول، ولكن وجود (too) جعلني أفضِّل ترجمة العبارة على النحو الموجود في النص أي:

إنَّي أصدقك القول ولست أبالغ قط.

وأما التأويل الذي يشير إليه بيتشر فلا شيء في العبارة ولا في البناء الإنجليزي يوحي به؛ فهو يقول «يمكن أن تعني العبارة أنَّه وثق في رعاياه إلى حدٍّ أكبر مما ينبغي»، ولذلك لم آخذ به.
١٣  «فلنتقاسم هذه المدة» أي يمكن لك أن تبقى ثلاثة أيام أو أربعة بدلًا من أسبوع، ولكنني أتيت بالتعبير الأصلي لإظهار ولع الملكيْن بالتعبيرات الملتوية.
١٤  انظر تحليل الحيلة البلاغية في هذه العبارة في «المقدمة».
١٥  «وإذن فمكوثي إضرار بي»: الخبر في هذه العبارة هو (whip) والمعنى الحرفي هو «السوط»، أو «الجلد» ويفسره بيتشر بأنَّه «تعذيب»، ولكن الشُّراح الآخرين يقولون بما أخذتُ به، وأما (in your love) فالمعنى المتفق عليه هو ما أخذتُ به أي «حتى إن يكن الدافع حبك لي»، ومن العجيب أن يقول بافورد إنَّ المقصود هو «إن صفحت عني لقولي هذا»، ولم يقبل أحد تفسيره.
١٦  (٢١–٤٢) أي إنَّها سوف تسمح لزوجها بالبقاء بعيدًا عنها على الرغم من حبها الشديد له، أو، إن شئنا الحرفية: على الرغم من أنَّ حبها له لا يقل عن حب أي زوجة أخرى لزوجها بمقدار دقة واحدة من دقات الساعة، بل إن شئنا المزيد من الحرفية قلنا إنَّه لا يقل «تكة» واحدة من تكات أو تكتكات الساعة، وهي لا تعبِّر عن التكة بالكلمة المألوفة (tick) بل بكلمة أخرى وهي (jar) التي تعني في صورتها الاسمية الهزة أو الرجة أو الصدمة! ولكنها في صورتها الفعلية تعني «يُصرُّ صريرًا» أي يصدر صوت الصَّرير أو صوتًا يخدش السمع، ولكن الكلمة اسم هنا ولا تفيد هذا المعنى، ومع ذلك يجد بيتشر فيه دلالة على تعبير هرميون عن عدم احتمال قضاء «ثانية» واحدة بعيدًا عن زوجها! وكان الأحرى به — نظرًا لأنَّ الكلمة اسم، وما دام مُصرًّا على التأويل — أن يقول إنَّ هرميون تعني أنَّها تجد في سير الزمن (الذي تمثِّله تكات أو تكتكات الساعة) صدمات تخدش سمعها! ولكنَّ تجاهل جميع الشُّراح والنقَّاد، على اختلافهم وحدبهم على استنباط أغرب المعاني وأبعدها من النص، لهذه العبارة، أقنعني أن أكتفي بنقل الصورة بصورة عربية مفهومة (مقابلة) وهي التي أتيتُ بها في النص أي «ذرة صغيرة».
١٧  «يمين غير مغلظة» الأصل (limber vow) ومعنى الكلمة هنا طريٌّ أو لدِن ومن ثَمَّ ضعيف.
١٨  (٤٧-٤٨) الإشارة إلى الكواكب باسم النجوم شائع في شيكسبير؛ إذ يشير بوليكسنيس في مستهل حديثه إلى القمر باسم النجم (star)، والمقصود هو الإشارة إلى أن الكواكب والنجوم تسير في أفلاك — وفق علم الفلك الذي وضعه بطليموس — حول الأرض التي كانت تمثِّل المركز.
١٩  (٥٢-٥٣) المعروف أنَّ السجناء في العصر الإليزابيثي كانوا يدفعون تكاليف إقامتهم وطعامهم في السجن عند الإفراج عنهم، والنقَّاد يقولون إنَّ في ذكر السجن هنا (٥٢–٥٩) إلماحًا من طرفٍ خفي إلى السجن الذي سوف تُلقى فيه هرميون في الفصل الثاني.
٢٠  «وبذلك تدخر الشكر» أي تدخر المبلغ الذي كنت ستدفعه وفق حسابك (في ٣–٩) من «مقدار الشكر» ما دمت لن تكون ضيفًا.
٢١  «القسم الأقوى عندك»: هرميون تسخر من القَسَم الذي أقسمه بوليكسنيس.
٢٢  «يزيد عنك في المشاغبات»: تستخدم هرميون في الإشارة إلى الصبي المشاغب كلمة (wag) التي نعني بها في صورتها الاسمية «الظريف أو المضحِك أو المزَّاح» (إلى جانب معانيها الأخرى) ولكن معجم أوكسفورد الكبير يورد من بين معانيها الأولى معنى العفريت الصغير المشاغب، ثم يردفه (OED n:1) قائلًا إنَّها لقب إعزاز للغلام الصغير أو الرضيع. وقد يكون لنا أن نستبدل الكلمة العامية «العَفْرَتة» بالمشاغبات هنا، إن شئنا الدقة.
٢٣  المعروف أنَّ الحَمَلَ رمز البراءة.
٢٤  (٧٣-٧٤) «الخطيئة الأولى» هي الخطيئة «الأصلية» إذ تقول العقيدة المسيحية إنَّ كل فرد يولد وارثًا وزر آدم الذي عصى الله (التكوين، ٣: ١–٢٤؛ والرسالة إلى مؤمني روما، ٥: ١٢) ويعني الملك بهذا أنَّ الله عندما يحاسب البشر يوم القيامة على أعمالهم فإنَّ بوليكسنيس وليونتيس — لو كانا قد ظلَّا أطفالًا — يمكنهما إعلان طهرهما وعفتهما «للسماء»، وفي هذا مزج واضح بين العقيدة المسيحية والعقائد الوثنية التي يُفترض أنَّ المسرحية تدور أحداثها في زمانها. وفكرة «الحساب» والخطيئة تلمِّح من طرف خفي إلى محاكمة هرميون أو محاسبتها في الفصل الثاني.
٢٥  «زللتما»: الفعل المستخدم في الأصل هو (tripped) أي — حرفيًّا — تعثَّرتما، والمعنى المقصود هو المجازي الذي أخذتُ به.
٢٦  «يا أنبل النساء قاطبة» الأصل الإنجليزي هو: (most sacred lady) واستخدام صفة القداسة هنا قد تشير إلى نبل النفس (حسبما فهمتُ الكلمة) أو إلى أنَّها ملكة تتمتع بالحق «الإلهي» في الحكم، ولكن صيغة أفعل التفضيل أشد إيحاءً بالمعنى الأول، لأنَّ صفة «الملكية» لا تكاد تقبل صيغة المقارنة — فهي إما ملكة أو غير ملكة — وأمَّا النُّبل فتتفاوت فيه نفوس الناس.
٢٧  «غفرانك اللهم» تبدي هرميون اعتراضها على ما يقوله بوليكسنيس من أنَّ الزوج يمثِّل خطيئة باستعمال المصطلح الديني (أي الدين السماوي) لا الوثني، في كلمة (Grace) التي تعني الرحمة أو الغفران وهما من النعم الإلهية. ويتوسع بعض الشُّراح في معاني هذه الكلمة في هذه المسرحية على وجه الخصوص لأنَّها ترِد مرات كثيرة في سياقات متعددة، ونذكر كلًّا في سياقه.
٢٨  «حذار أن تواصل استخدام هذا المنطق!» المعنى الحرفي للعبارة الأصلية «لا تواصل هذا القياس كي تصل إلى النتيجة التالية …» وبقية العبارة في السطر التالي، وهي: «هذا وإلا قلت إنني وزوجتك … من الشياطين» (٨١) وهذا هو المقصود.
٢٩  الإرشاد المسرحي هنا مضاف بناء على شرح الشُّراح ونقد النقَّاد، وهو المستمد في معظمه من إخراج المسرحية عبر العصور، وإن لم يكن منصوصًا عليه في طبعة الفوليو، ذلك أنَّ اقتراب ليونتيس واستماعه إلى السطرين:
ولا تزال عندنا تقوم هذه الخطيئة
من دون زلَّة أخرى بغيرنا.
(٨٤-٨٥)
يؤكد الشك الذي يراوده واشتباهه في علاقة محرمة بين زوجته وبين صديقه الملك، خصوصًا لأنَّ ضمير الجمع يمكن أن يُفسَّر على أنَّه يشير إليهما معًا أو، على الأرجح، على أنَّه يشير إليها هي بضمير الجمع الملكي، خصوصًا في السطر الثاني، فمعظم المخرجين لا يوافقون كولريدج على ما رآه من أنَّ ليونتيس يغار — دون أدنى مبرر للغيرة — وفق مذهب «الجوهرية» أي القول بوجود خصائص جوهرية تمثِّل الكيان «الجوهري» للشيء أو الفرد، سواء كانت هذه الخصائص مادية أو روحية، وهو المذهب الذي اتَّبعه بعض الروائيين وبعض كُتَّاب المسرح مثل بن جونسون المعاصر لشيكسبير والذي كان يجعل طبعًا معينًا (Humour) في الفرد يهيمن على الشخصية، ولا حيلة للفرد في تغييره، فالطبع يغلب التطبُّع كما قيل، وهي المقابلة الشهيرة أيام شيكسبير وجونسون بينهما (nature Vs nurture)، ويستند مَن ينكرون أنَّ ليونتيس غيور بالطبع أي بالفطرة إلى أنَّه يتغير ويقلع عن غيرته فيما بعد (انظر المقدمة).
٣٠  «كالدواجن المسمنة»: المقصود جميع الحيوانات التي تُربَّى من أجل لحمها (أو لبنها أو صوفها) والداجن في الأصل تعني كل ما ألف البيوت وأقام فيها من طير أو حيوان «للمؤنث والمذكر» وفق ما يقوله المعجم، وقد يعني التعبير الحيوانات الأليفة، ولكن ورود صفة «السمنة» جعلني أفضِّل المعنى المشار إليه، ولو أنَّ الدواجن في مصر شاع استخدامها في الإشارة إلى الطيور!
٣١  الفرسخ (furlong): مقياس قديم للمسافات يوازي ثُمْن ميل (٢٠١ متر).
٣٢  أمتار قليلة (acre): المقصود مسافة لا يزيد كلٌّ من طولها وعرضها على فرسخ واحد، أي إنَّ المساحة الكلية لا تزيد إلا زيادة طفيفة عن الفدان لدينا (٤٠٤١ م٢ في مقابل ٤٠٠٤ م٢).
٣٣  (٩٧–٩٩) في السطرين إشارة إلى المناقشات البروتستانتية المعاصرة لشيكسبير حول إمكان الفوز بالخلاص من خلال صالح الأعمال في مقابل الإيمان وحده، وإلى «رحمة» الله (grace) باعتبارها نعمة من لدنه ينعم بها على من يشاء من عباده، وفي السطر ٩٩ تتلاعب بالصورة؛ فتشير إلى آخر ما قدمت من «الباقيات الصالحات» باسم «نعمة» (Grace) أيضًا! والتورية في العربية مماثلة للتورية بالإنجليزية، فالاسم مستخدم بل وشائع.
٣٤  تعود إلى التلاعب بلفظ «نعمة».
٣٥  الصاحب (friend): قد تعني العشيق، أو الخليل، والمعنى موجود في العربية خصوصًا عند تأنيث اللفظ، يقول القرآن: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيه (١١–١٣ المعارج) ويقول: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٤–٣٦ عبس)، ويقول بعض الشُّراح إنَّ المعنى قريب من التعبير الحديث «بوي فرند»، ولكن الأهم من هذا ما يتلو هذا السطر من إرشاد مسرحي وهو «تقدم يدها إلى بوليكسنيس» إذ يقول النقَّاد إنَّ ذلك يذكِّر ليونتيس باليوم الذي أعطته هرميون يدها فيه.
٣٦  «مضطرب الخفقان»: الأصل هو التعبير الطبي اللاتيني (tremor cordis) أي عدم انتظام ضربات القلب.
٣٧  «من أنات كتأوه ظبي ساعة موته»: كانت الصور الرمزية المعاصرة تعتبر الظبي الذي أصابه سهم قاتل رمزًا للحب الذي لا شفاء منه. وصورة السهم الذي ينفذ إلى القلب لدينا في العربية رمز للحب، ولو أنَّ صورة الظبي عندنا أصبحت الظبية كما هو شائع في الشعر العربي. ويقول بعض الشُّراح إنَّ صورة الموت تقترن بلحظة الذروة في الجماع مثلما كان شائعًا في زمن الشاعر.
٣٨  «إذ تنبت فيه قرون»: أضفتُ هذه العبارة بين قوسين لاستكمال المعنى الذي يعبِّر عنه الممثل بالحركة الجسدية، وهو المعنى الذي يُجمع عليه الشُّراح، أي إنَّ المعنى لا يكتمل إلا بهذه العبارة، ومن ثَمَّ فهي مضمرة تلزم إضافتها لتوصيل المراد.
٣٩  «هل أنت ابني؟» النغمة شبه هازلة لكن القصد جاد؛ إذ قد يضمر ليونتيس الشك في نسب ابنه، أو يضمر تحديًا غير مباشر لابنه بالانحياز إلى صفِّه ضد هرميون.
٤٠  «لكن التنظيف …»: هذا استدراك معناه أنَّ الكلمة المستخدَمة تُستعمَل في الإشارة إلى هذه الحيوانات ذوات القرون، وهو يشعر بأنَّ له «قرنين» أي ديوث.
٤١  الإرشاد المسرحي مضاف إلى النص، وكان أول من أضافه المحرر هانمر (Hanmer) في طبعته لأعمال شيكسبير عام ١٧٤٣-١٧٤٤م (في مجلدين)، وتأخذ به طبعة آردن ٢٠١٠م.
٤٢  «متشابهان … مثل بيضتين» كان ذلك من الأمثال السائرة، ويقابل المثل العامي «فولة وانقسمت نصين» لكنني آثرت أن آتي بالمثل الأصلي فهو مفهوم.
٤٣  لاحِظ الجملة الطويلة التي تبدأ هنا وتنتهي في السطر ١٣٤.
٤٤  «ظالمات مثل نرد لا يقيم حدًّا فاصلًا بيني وبين صاحبي» أي مثل النرد المغشوش الذي لا يفرق بين ما ينتمي إليَّ وما ينتمي لصاحبي، ما دُمْنَ لا يستطعن التمييز بين ما أملكه وما يملكه صاحبي، والمعنى الذي يستند إلى التلاعب بالتعبير القانوني (اللاتيني) (meum et tuum) أي مالي ومالك، يفيد أنَّ بوليكسنيس قد جار على زوجتي مثل النرد المغشوش من دون أن تدرك النساء ذلك، لاحظ أنَّ هذه بداية «الخلط» في الأبنية اللغوية التي يستخدمها ليونتيس وتدل على تفكيره المشوش.
٤٥  «بضعة مني» الأصل هو (collop) وتعني من دمي ولحمي أو ما نشير إليه بالعربية بتعبير فلذة كبدي، أي من صلبي، وهو المعنى الذي يورده المعجم الكبير (OED 2b)، ويضيف الشراح أنَّ المثل السائر في عصر شيكسبير الذي يشير إلى البنوة هو «قطعة من لحمي».
٤٦  هنا تبدأ السطور التي أثارت خلافات حادة بين الشُّراح بسبب غموض أبنيتها وهو ما شرحته بالتفصيل في المقدمة.
٤٧  (١٣٧-١٣٨) السؤال الأول واضح وهو (Can thy dam?) وقد أضفت «ذاك» استكمالًا للمعنى بالعربية، وإن كان النص الإنجليزي يضمر اسم الإشارة، وأمَّا بقية السطر فيمكن أن يعني «وهل يكون ذاك وهمًا غالِبًا؟» وهذا ما يقول به بعض الشُّراح (مثل بيتشر) ولكن المشكلة هنا أنَّ جملة النداء التالية ينقصها المنادى، ولن يكون للعبارات التالية معنى، ولذلك أخذت بقراءة الذين قالوا إنَّ المنادى هو الوهم المسيطر، وإن كان من الممكن الأخذ بقراءة من يقولون بأنَّ (affection) كلمة تعني غير ذلك، وكل تلك قراءات ضعيفة، واستنادًا إلى فهمي للنص، وإن كان خلافيًّا، ترجمت باقي الحديث؛ وللقارئ الذي يريد الاستزادة، الرجوع إلى المقدمة.
٤٨  (١٤٠-١٤١) «فأنت تربط الإنسان/بالمحال في الأذهان والعدم»: المعنى الحرفي «إنَّك تتضافر مع (thou coactive art) المحال في الأذهان ومع العدم (nothing) والعبارة تبين أنَّ ليونتيس يخاطب الوهم على الأرجح، لا أي معنى آخر من معاني (affection).
٤٩  «واقع» في الأصل (something): ويتفق الشُّراح على أنَّ المقصود هو «الموجود في الحقيقة» ولهذا ترجمتُ الكلمة على هذا النحو.
٥٠  «ونما على الجبين قرنان»: الأصل يفيد هذا المعنى تمامًا وهو:
And hardening of my brows.
ذلك أنَّ المعتقد آنذاك أنَّ الديوث ينمو له قرنان خفيَّان في جبينه، وفي الواقع على جانبي جبهته، أي في موضع القرن من رأس الإنسان، ويقول البعض إنَّهما صغيران.
٥١  (١٤٦-١٤٧) غموض الفقرة يدفع بوليكسنيس وهرميون إلى التساؤل عما يعينه ليونتيس.
٥٢  (١٤٨-١٤٩) «ماذا بك؟ ما حالك يا خير أخ لي؟» هذا السطر يقوله ليونتيس في طبعة الفوليو ويشرحه الشُّراح بأنَّ ليونتيس يرد على سؤال بوليكسنيس «ما حالك يا مولاي؟» بسؤالين كي يصدَّ أي إدراك من صديقه لما كان يفكر فيه، فالمفترض، كما يقول بيتشر، أنَّ بوليكسنيس لم يسمع ما قاله ليونتيس، ولكن كثيرًا من المحررين ينسبون السطر إلى بوليكسنيس استكمالًا لسؤال الموجز، اتباعًا للمحرر هانمر، لكنني أخذت بطبعة الفوليو التي تأخذ بها كل الطبعات الحديثة عندي، باستثناء طبعة آردن ١٩٦٣م.
٥٣  «مشاعر الأبوة الفطرية»: في الأصل كلمة واحدة هي الفطرة أو الطبيعة (nature) وكل ما أتيت به هو معنى الكلمة آنذاك، ومعناها في هذا السياق قطعًا، وأنا أترجم المعنى لا اللفظ المفرد.
٥٤  «ثلاثة وعشرين (عامًا)»: أي إلى الوقت الذي كان ليونتيس فيه في السابعة مثل ماميليوس، وهو الآن في الثلاثين كما سبق أن بينت.
٥٥  «النواة» في الأصل (kernel): ولكن بعض الشُّراح يقولون إنَّه يعني «البذرة»، وأما ما يقوله بيتشر من أنَّ الكلمة توحي بتورية لأنَّ سامعها يمكن أن يتصور أنَّها (colonel) فمردود عليه بما يقوله معجم أوكسفورد الكبير من أنَّ نطق الكلمتين كان يختلف اختلافًا شاسعًا آنذاك.
٥٦  «حبة البسلة الغضة»: هي في الأصل (squash) انظر (OED n. 1a) ويقول المعجم إنَّ الكلمة كانت تُستخدَم تعبيرًا عن الإعزاز.
٥٧  كريم المحتد (gentleman): يتوسَّع الشُّراح في دلالات ذلك لكنني أكتفي بالمعنى الأول.
٥٨  «هل ترفض التحدي إن خدعت؟» في الأصل صورة من المحال فهمها من دون الرجوع إلى ثقافة العصر الذي نبتت منه وفيه، فالسؤال يقول حرفيًّا: «هل تقبل البيض بدلًا من المال؟» وكان قبول البيض بدلًا من المال في ذلك العصر مثلًا يُضرَب لمن يتعرض للخداع، ولما كان ليونتيس يرى أنَّه خُدع حين تزوج هرميون (ما دام يتصور أنَّها خانته) فإنَّه يرى أنَّ ذلك بمثابة تحدٍّ له، وماميليوس يتمتع بالذكاء؛ إذ لمح المقصود فورًا وأجاب بأنَّه يرفض أن يُخدع ويقبل ما في ذلك من تحدٍّ له! وإذن فإنَّ فهم السؤال يقتضي أن يُقرن بالرد عليه، وتلك من معضلات التفسير التي يواجهها المترجم ما دامت ترجمة ظاهر الألفاظ أو المعنى السطحي للعبارة لا تُظهر المقصود، ونحن في الترجمة نترجم المعنى «المراد» وهو ما نحدده في ضوء السياق، والسياق هنا يقتضي التغيير الذي قمت به بعد بحث مطول.
٥٩  (١٥٣–١٦٠) سبق لي أن شرحت عادة ذلك العصر في أن يرتدي أبناء الطبقة الراقية الصغار ملبسًا موحَّدًا للبنين والبنات، حتى سن معين، وبعدها يلبس الذكور سراويل، إلخ.
٦٠  «محب لابنك الأمير»: المقصود الأمير فلوريزيل الذي يبلغ عمر ماميليوس نفسه تقريبًا.
٦١  «مداهنًا لي»: في الأصل (parasite) وكانت الكلمة تُطلَق على المداهنين من رجال القصر.
٦٢  «مثل ديسمبر»: أي مثل يوم من أيام ديسمبر (ويقصد أنَّ النهار في ديسمبر قصير) وحافظت على إيجاز الحذف في تعبير بوليكسنيس لأنَّه حيلة بلاغية أحببت إظهارها.
٦٣  «لكل أفكار جليلة في ذهنك»: في الأصل كناية تفيد هذا المعنى وهي (graver steps) ومعناها الحرفي «حديثك الحافل بالأفكار الجليلة أثناء السير» والشعر يقتضي الإيجاز فأتيت بالمراد وأوجزته. وأما صيغة أفعل التفضيل في الأصل فتفيد التضاد مع روح المرح التي كانا يتحدثان بها عن طفليهما، واكتفيت بأنَّ العبارة واضحة إلى حدٍّ بعيدٍ، خصوصًا لأنَّه ذكر اعتزامه السير مع ابنه، والتضاد إذن موحًى به في السياق؛ إذ يعود إلى ذكر المشي حين يشير إلى ماميليوس بأنَّه جوَّال في ١٧٦.
٦٤  (١٧٥–١٧٧) يقول بعض النقَّاد إنَّ هذه العبارة تتضمن تورية؛ إذ تلمح من طرف خفي إلى أنَّ هرميون سوف تسترخص «الغالي» (أي شرفها أو عفَّتها) وبذلك تبيَّن ضآلة حبها لزوجها. ولكن هذا المعنى «البعيد» قد لا يظهر في القراءة، وقطعًا عند التمثيل على المسرح.
٦٥  (١٧٩-١٨٠) يقول أحد النقَّاد إنَّ في هذه العبارة إشارة إلى عجز آدم وحواء عن إخفاء معصيتهما لله عنه في جنة عدن، ويستشهد بنصوص من سفر التكوين في الكتاب المقدس، ولكنها لا تثبت ذلك، ويصعب الإيحاء به على المسرح.
٦٦  تشبيه الوجه بالمنقار غريب، ولكن التشبيه كان شائعًا في حالتي التقبيل والمداعبات؛ إذ كان يشار إليهما «بلف المنقارين والهديل»، (وهي الصورة المستعارة من الحمام) يقول شوقي:
مُنى النفس ليلى قَرِّبي فاكِ من فمي
كما لفَّ منقاريهما غَرِدَانِ
٦٧  هذا السطر يتضمن عددًا من الصور غير المترابطة ولا يربط بينها إلا المعنى، وهي تبدأ بالصلابة وهي في الأصل inch-thick أي ما سُمكُه بوصة، وكان يوصف بها اللوح الخشبي ذو الصلابة، ومن ثم أتيت بالدلالة بدلًا من الصورة التي لا محل لها بالعربية، وكذلك ما يتلوها وهي العمق في الأصل Knee-deep الصفة التي يُوصف بها السيل إذا وصل عمق مائه للركبة، وتوازي ما نقوله بالعامية المصرية «للرُّكَبْ» فاكتفيت بالعمق، خصوصًا بسبب ما يتلوها وهو الغمر الكامل أو الانغماس وهي في الأصل o’er head and ears، والواضح — كما يدل عليه هذا المثل السائر — أنَّها صورة تمثِّل درجة أكبر من عمق الماء مثلًا، وإن كان المثل يُستخدَم مجازيًّا للانغماس في الحب أو في الشر، ولذلك اكتفيت بصفة الغمر، ويقول الشُّراح إنَّ ليونتيس يشير إلى نفسه قائلًا إنَّه أصبح — قطعًا وبكل تأكيد ومن دون أدنى شك — ديوثًا، ولكنني لم آت بالمعنى مجردًا بل أتيت بصور مجازية تُجاري الأصل، فجعلت الصفات الثلاث المذكورة تنعت الأدلة، كما حافظت على الصورة التي تأتي في آخر السطر وهي a forked one أي على رأسي قرنان. وقد اقتضى النظم أن أبدأ بالعمق قبل الصلابة، وهذا هو التغيير الوحيد في ترتيب عناصر السياق، ولم أجد للترتيب أهمية كبرى ما دامت الصور الثلاث لا تشترك في رسم إطار «منظور» موحد؛ إذ لا علاقة لسُمْك لوح الخشب وصلابته بعمق الماء، وللقارئ الذي يدهش من تفكك صور ليونتيس أن يرجع إلى «المقدمة» حيث آراء النقَّاد في هذا التفكك خصوصًا في القسم الأول من المسرحية.
٦٨  سبقت مناقشة اختلاف دلالة اللعب في كل حالة بالتفصيل في «المقدمة».
٦٩  لاحِظ الإشارة إلى «الدور» الذي يلعبه وعلاقته بالصور الميتامسرحية (انظر «المقدمة»، القسم ٩).
٧٠  «الصفير الساخر»: كان يمثِّل رد فعل جمهور المسرح، إزاء العمل الفني القبيح أو الممثل الذي لم يلق الإعجاب، وهي صورة ميتامسرحية كذلك.
٧١  «فجاره اسمه بسام»: في الأصل Sir Smile, his neighbour ولما كانت الكلمة المقابلة التي تُستخدم اسمًا لدينا في العربية «بسمة» أو«ابتسام» لا يُسمَّى بها الذكور اضطررت إلى التغيير، والمعنى واضح فالبسمة هنا «قناع»، ومن ثَمَّ فإنَّ «البسام» يخفي الحقيقة بقناع البسمات.
٧٢  انظر دلالة هذه السطور في قسم «المسرح والميتامسرح» بالمقدمة.
٧٣  (٢٠٠-٢٠١) المقصود بكوكب الفجور فينوس، ربَّة الحب (والشهوة) التي أُطلق اسمها على الكوكب الذي نسميه الزُّهرة بالعربية، وأحيانًا ما يُسمَّى كوكب المساء أو كوكب الصباح لأنَّه يُشاهد في السماء بعد الغروب أو قبل الشروق، وفق مداره الذي يختلف من وقتٍ لوقت. ومعنى «طغيان» الكوكب (predominance) أن يكون الكوكب المشرق وحده (on the ascendant) بين كواكب المجموعة الشمسية، وذلك في مواعيد محددة، والذين يولدون في هذه المواعيد كان يقال إنَّ هذا الكوكب «طالعهم» (وكلمة «طالع» تعني حرفيًّا ascendant) وكان يقال إنَّهم يتميزون بخصائص معينة في شخصيتهم. ولا يزال «المنجمون»، (أو من يُسمَّون الفلكيين) يمارسون هذا النشاط أي اكتشاف «حظوظ» المرء بدراسة الكوكب الذي كان «طالعًا» وقت مولده، ولا يزال الإيمان بالأبراج وما إليها منتشرًا. وقد التزمت بترجمة الكلمة التي يستخدمها ليونتيس وهي (predominant) ثم أردفتها بما يفسرها في السطر التالي لأنَّ هذا شعر ويلقى على المسرح ولا بد أن يكون واضحًا للسامع مباشرة.
٧٤  «بقضِّه وقضيضه»: في الأصل with bag and baggage.
٧٥  (١٩٧–٢٠٦) بقية المونولوج الموجَّه للجمهور تؤكد الميتامسرح أي وعي الممثل أنَّه يمثل، أو وعي المسرح بأنَّه مسرح، فهو يكسر الحائط الرابع ويخاطب الجمهور في هذه السطور بانتظام.
٧٦  ربما يلتفت ليونتيس خلفه فيلحظ وجود كميلو (في أقصى خلفية المسرح) وابنه ماميليوس، وهما يتقدمان منه، وتقول سوزان سنايدر إنَّ المخرجين يتفنَّنون في شغل وقت المونولوج بما يفعله كميلو مع ماميليوس في الخلفية حتى يحين وقت تقدمهما من ليونتيس.
٧٧  ينتبه ليونتيس إلى وجود كميلو لكنه يسأله «هل أتيت؟» وكميلو لا يعارض الملك ويوافقه قائلًا «أتيت مولاي الكريم!» (٢٠٩) والواضح أنَّ ليونتيس يريد الانفراد بكميلو حتى يطلب منه تدبير «هلاك» بوليكسنيس، ولذلك يصرف ابنه.
٧٨  شريف (honest): يقول بعض الشُّراح إنَّ الكلمة قد تعني الشرف بمعناه العام (honourable) وقد تعني أنَّه ابن شرعي، أي إنَّ المقابلة قد تكون بينه وبين بوليكسنيس أو بينه وبين من يظن أنَّها نغيلة (في بطن زوجته).
٧٩  (٢١٢-٢١٣) الصورة بحرية، أي إنَّك حاولت مساعدته بكل طاقتك على أن تستقر مرساة سفينته في قاع البحر (أي إقناعه بالبقاء) لكنها كانت تعود إليك كلما ألقيتها.
٨٠  «كذا … كذا» ليونتيس يتجنَّب التصريح بلفظ «ديوث». والتعبير المستعمَل في الأصل a so-forth ولا يورد المعجم إلا هذا الشاهد، ونحن نقول اليوم: (a so-and-so).
٨١  «لا بد أنَّها حكاية قديمة … لأنني آخر من يعلم» ليونتيس يبني حجة منطقية في الظاهر، فاسدة في الواقع ما دام يفترض أنَّ «خيانة» زوجته أمر يعرفه كميلو.
٨٢  «تعمى»: في الأصل (purblind) أي تغشى، ولكنني اخترت الكلمة الشائعة الأقرب إلى الأفهام.
٨٣  «يرضيها»: يتعمد ليونتيس تحويل معنى الرضا النفسي إلى إرضاء جنسي!
٨٤  «الإصرار على ذلك» (To bide upon’t) الفاعل المضمر هنا هو «أنت»، أي إنَّ العبارة تعني «إن أصررت على ذلك» ولكنني أحببت نقل الصيغة الأصلية (المصدر الصريح). وشريف هنا honest لا تعني إلا honourable.
٨٥  (٢٤٣-٢٤٤) «فالجبن/يشل الشرف»: الفعل في الأصل هو hoxes وهو فعل مهجور كان يعني «يُعرقِب» أي يقطع عرقوب الدابة فيمنعها من الحركة، وابتغاء الوضوح أتيت بالمعنى نفسه بكلمة أقرب إلى الأفهام.
٨٦  «الجائزة الكبرى» المقصود إما هرميون أو مضاجعتها. والمباراة في السطر السابق قد تكون لعبة من لعب الميسر (حسبما يقول شارح حديث) ولكنني التزمت بالمعنى الأقرب لكلمة game والذي يقبله جمهور الشُّراح.
٨٧  «عدسات عيونك» (eye-glass): المقصود المادة الزجاجية أو الرطوبة الزجاجية في العين، أو القرنية (cornea). وأما النظارات الطبية («العوينات» خارج مصر) فلا يورد المعجم ذكرًا لها قبل القرن الثامن عشر (OED n. 3a) ونشير إليها بالتعبير الإنجليزي نفسه. والصفة «أسمك» (thicker) تعني أشد إعتامًا. والسياق يوحي، كما يبين الشُّراح، أنَّ ليونتيس يشير إلى ما نسميه اليوم «المياه البيضاء» أو كتراكت، وكان يشار إليه آنذاك بتعبير pin and web فأما pin فتعني وجود نقطة في العين في حجم رأس الدبوس، وأما web فتعني وجود غشاء فوق المقلة.
٨٨  «عاهرة»: في الأصل hobby-horse وكان المصطلح يشير (فيما يشير إليه من معانٍ مألوفة) إلى الأغبياء والمنحلات والمومسات. ولكن ارتباط الكلمة بالهيكل الخشبي الذي كان يستخدمه الراقصون، ويلهو به الأطفال، يوحي من طرف خفي باللهو والعلن.
٨٩  «أقسم»: في الأصل Shrew my heart والمقصود Beshrew أي «عليَّ اللعنة» وهو قَسم شائع وغير مغلظ.
٩٠  (٢٨٤–٢٩٥) يستخدم ليونتيس في هذه السطور حيلة بلاغية تُسمَّى التفنيد (apodiosis) كما يقول ناقد معاصر شارحًا إياها بأنَّها الرفض الغاضب لحجة ما بتفنيدها، ولكن المصطلح الأجنبي المذكور يعني في الواقع «جواب الشرط»، وإذن فالأصح إذا أردنا «التفنيد» الذي يتضمن صيغة السؤال أن نَصِفَه بأنه (apodioxis) كما يبيِّن مجدي وهبة في معجمه الشهير لمصطلحات الأدب، ١٩٧٤م، والذي أُشير إليه دومًا باسم مؤلفه وحسب. وانظر «المقدمة» للمزيد من الإيضاح لهذه السطور.
٩١  «فلنفترض»: أي فلنفترض أنَّه خطر، لكنه، كما يزعم، صحيح!
٩٢  «نهَّاز للفرص وقُلَّب»: الأصل hovering temporizer يعبِّر عن انتهاز الفرص بصورة الطائر الجارح الذي يحوم مُحلِّقًا انتظارًا لفرصة يغتنمها على الأرض، والقُلَّب مَن يكثر التقلب وفقًا للظروف المتغيرة. ونحن نعرف المصطلح «حُوَّل قُلَّب»، والطريف أننا نستخدم الصفة نفسها (كما استخدمها معاوية بن أبي سفيان) بدلًا من المصطلح الثقيل على اللسان «حُوَّليٌّ قُلَّبي» أي البصير بتقليب الأمور ومن يتمتع بسعة الحيلة.
٩٣  «فسوف أنتهي من أمره» التعبير يعتمد على المراوغة في التعبير (equivocation) انظر «المقدمة» أي إمكان الدلالة على معنى ومعنى مضاد له، وهو نوع من أنواع التورية؛ فالملك يفهم من «ينتهي» (fetch off) أنَّه يُفيد القتل، وكميلو يقصد في نفسه أن يفيد تسوية الأمر و«الانتهاء منه».
٩٤  «بعد أن يمضي» تتضمن المراوغة السابقة؛ إذ يعتزم كميلو مساعدة بوليكسنيس على الهرب والنجاة، والملك يفهم من «يمضي» معنى الوفاة (ويعادلها كلمة «يذهب»).
٩٥  «خالط» الأصل Keep with أي قم بدور الصديق الذي لا يكنُّ غير الود الصافي وصاحِبْهُ كما كان عهدكما.
٩٦  (٣٤٥–٣٤٦) يقول بعض الشُّراح إنَّ هذين السطرين يتضمنان مراوغة في التعبير كذلك، فالمعنى الأول هو أنني سوف أضع له السم في شرابه كي أثبت ولائي لك، والثاني إني أوثر ألا أكون خادمًا لك على أن أضع سُمًّا له في شرابه، وإن كان المعنى الثاني عسير الإدراك بعض الشيء.
٩٧  «سوف تشق فؤادك أنت»: المعنى الذي يتبادر إلى الذهن هو أنَّك سوف تنقسم على نفسك ما بين ولائك لي وحبك له؛ إذا انشطر الفؤاد نصفين، ولكن المعنى الآخر هو التهديد بالقتل، وقد يكون للتعبير معنى ثالث وهو إنَّك ستكون جبانًا أو غير مخلص.
٩٨  (٣٥٦–٣٦١) المعنى العام واضح، ولكن في السطور إشارة مضمرة إلى القاعدة السياسية المعتمدة التي يوردها نصيب شاهين في كتابه «الإشارات إلى الكتاب المقدس في مسرحيات شيكسبير، ١٩٩٩م» والتي تقول إنَّ قاتل الملك لا تُقبِل عليه الدنيا ولا يسعد قط، ويورد شاهين تدليلًا عليها «الموعظة المناهضة للعصيان والتمرد» والتي كانت شائعة في عصر حكام أسرة تيودور، وتقول: «اقرءوا تاريخ جميع الأمم، وافحصوا حوليات بلدكم نفسه، واذكروا أحداث التمرد البالغة الكثرة في العصور الغابرة … ولن تجدوا أنَّ الله كتب الهناء لأي تمرد على الأمير الطبيعي والشرعي للناس» (شاهين، ص٧٢٤، مقتطف في بيتشر ص١٧٩).
٩٩  «ابزغ إذن يا نجم سعدي» الأصل Happy star reign now! ولكن المعنى المضمر هو «يا ليت نجمي يكتب التوفيق لي في هذه اللحظة.» وأما إذا طلب القارئ مزيدًا من الحرفية فله أن يزيد «الآن» في التعبير الأول أي «ابزغ الآن إذن يا نجم سعدي!» (وهو الذي يحول السطر الشعري إلى بحر الرمل) ولو أنَّ الحرفية المعنوية لا اللفظية متوافرة في التعبير الأول ففعل الأمر يفيد حاليَّة الرجاء أو الدعاء. وأما معنى reign فقد عالجته في الحاشية السابقة على (٢٠٠-٢٠١) أعلاه.
١٠٠  «أوضح ما تعني» الأصل Be intelligent to me والطريف أنَّ معجم أوكسفورد الكبير يورد هذا المعنى صراحة وينص عليه (a. 4) وكنت أظنه مقصورًا على intelligible الحديثة بمعنى المفهوم الواضح.
١٠١  (٣٨٧-٣٨٨) «لا ترسمني في صورة وحش/إن نظر إليَّ المرء قضى نحبه!» الأصل هو:
Make me not sighted like the basilisk.
وأنا آتي بالأصل بغرض إطلاع القارئ، الذي يهتم بدقائق صنعة الترجمة على مذهبي الخاص وهو الدقة والوضوح في نقل المعنى، بغض النظر عن نهج الإيضاح. فالإشارة إلى «الباسيليسك» ذلك الأفعوان الخرافي، ويُشار إليه أحيانًا باسم كوكاتريس (cockatrice) موجهة إلى سامع أو قارئ يعرف ذلك الوحش، وشاهد صوره التي رسمها الرسامون والنقوش التي تمثله على الجدران، ويعرف صورته منها، أي إنَّه كائن شائه يجمع بين شكل الديك وشكل أحد الزواحف، والكثير من أفراد الجمهور يعرفون الأسطورة المرتبطة به وتقول إنَّه يقتل بمجرد النظر، بل إنَّ معظمهم سمعها (أو قرأها) في «حكايات الشتاء» التي كان الأوروبيون يتناقلونها جيلًا بعد جيل شفاهة وكتابة، وبصورٍ مختلفة، مثلما نعرف نحن «أمنا الغولة» وأقاصيص العفاريت الزرق والحمر. ولكن هذه الصورة الأجنبية تُقدَّم إلى قارئ العربية أو مُشاهِد المسرحية المترجمة، ولا بد له أن يفهم دلالتها حتى يتذوق الصورة الشعرية، وليس من المهم للقارئ العربي إذن أن يعرف اسم الباسيليسك أو الكوكاتريس، ولكنه لا بد أن يعرف معنى هذا الاسم، لأن الاسم أو أي لفظ وسيلة توصيل معنى ما فإن عجز عن القيام بهذه المهمة فشل وأصبح أصواتًا مبهمة، أقول لا بد له أن يعرف المعنى المقصود حتى يدرك دلالة بقية حديث بوليكسنيس، فالجملة التالية تقول: «فلقد ألقيتُ النظر على آلافٍ/من قبل فصلحت أحوالهمو! لكني لم أقتل أحدًا» (٨٨-٨٩).
(I have looked on thousands who have sped the better
By my regard, but killed none so.)
هذه الجملة دلالتها كاملة عند المتفرج الغربي، أما القارئ العربي فلا بد له من تقديم المقصود لا الاسم، وأحاول أنا أن أجعل النص شارحًا موضحًا ما يمكن أن يكتنفه من غموض، من دون الحاجة للرجوع إلى الهوامش؛ ولذلك أخصص الحواشي لا لشرح النص فقط بل للتعليق على كل ما يحتاج إلى تعليق فيه أيضًا. والحاشية إذن تختلف اختلافًا طفيفًا عن الهامش، فهي، وإن كانت أصلًا تُكتَب في الهامش ويمكن اعتبارها هامشًا، فإن تراثنا العربي يزخر بالحواشي التي تكاد تبلغ المتون في أهميتها، وإن كان هذا الاختلاف الطفيف في المعنى يوشك أن ينطمس بسبب ميل عصرنا إلى اعتبار التعليقات والآراء «هوامش» فإنني أفضِّل الاحتفاظ به فله دلالته.
١٠٢  «من أبناء الصفوة» (a gentleman) أي كريم المحتد، وهذا هو المعنى المعتاد للكلمة التي أترجمها أحيانًا «بأبناء السادة»، والإشارة هنا إلى واقع تاريخي أجنبي يمكن تقريبه، ولو بصعوبة، بهذه الألفاظ إلى القارئ العربي. وفي السياق نفسه حين ترد كلمة gentle (٣٩٣) ترجمتها «برفعة المنزلة»، واللغة تتميز بالتعميم لأننا ليس لدينا المقابل الدقيق، وربما كان تعبير «أولاد الذوات» الذي عرفناه في العهد الملكي قادرًا على تقريب المعنى، فهؤلاء أولاد أُسرات «ذوات أملاك» تمكِّنهم من العيش الرغد وتلقي التعليم بأعلى مستوياته، ومن ثَمَّ يُعتبَرون «صفوة» أو «رفيعي المنزلة»، أو «سادة». والمقصود عمومًا هو الطبقات الراقية أو العليا، وأمَّا الجديد — فيما يقوله شيكسبير على لسان الملك — فهو الإشارة إلى أن التعليم (أو الثقافة) قادر على رفع المرء إلى «طبقة» اجتماعية أرفع، وهو ما كان من الأفكار الشائعة في عصر النهضة الأوروبية، بل كان الكتَّاب يوازون بين أهمية التعليم وأهمية «الأصول» الاجتماعية.
١٠٣  «لا تُخفِ الأمر فتحبسني في جهلي» الأصل هو:
Imprison’t not/In ignorant concealment.
وقد أتيت بالأصل لإظهار تلافيف التعبير الإنجليزي الذي يتضمن حيلًا بلاغية، منها إيجاز الحذف (ellipsis) (مجدي وهبة) ومنها الصفة المنقولة (transferred epithet) وهو بناء يجعل محاكاته شبه مستحيلة، لأنَّ ترجمة الألفاظ ترجمة حرفية لا تفي بالمعنى (مثل: لا تحبس الأمر في إخفاء كالسجن) ولن أزيد عن ذلك.
١٠٤  «هذا وإلا صحت أنت معي/ضعنا معًا وليلة طيبة!» الأصل هو:
or both yourself and me
cry lost, and so good night!
قد يرى القارئ أنَّ الترجمة تميل إلى الحرفية، ولكن صورة تحية الليل التي يقولها المرء قبل الرقاد مهمة لأنَّها تتضمن صورة النوم باعتباره صنو الموت، وأسلوب كميلو يكشف عن شخصيته، كما شعرت بأنَّ القارئ العربي يستطيع إدراكها وتذوقها بسهولة فأتيت بها حَرْفيًّا.
١٠٥  (٤١٥–٤١٧) عَدَّلتُ بناء الجملة فأتيت بخبر «أنَّ» أولًا أي: «مسستَ في الحرام زوجته» (you have touched his queen forbiddenly) وأردفته بالجملة الاعتراضية المركبة منتهيًا بكلمة تحفظ للختام قوة «الحرام» التي يختتم بها الجملة، وهي «الفاحشة» (vice في الأصل).
١٠٦  (٤١٩-٤٢٠) «من خان الأفضل طُرًّا» لما كان من المعروف أنَّ يهوذا خان المسيح، رأيت أنَّ الصياغة الأصلية لا تستلزم أي تعديل، وإن كنت صرحت باسم «يهوذا» المضمر في رد بوليكسنيس.
١٠٧  يتفق الشُّراح على أنَّ المقصود بتعبير infection هو الطاعون (pestilence).
١٠٨  (٤٣٤–٤٣٥) «وهو المكنون بداخل ذاتي» (enclosed in this trunk) يُشَبِّه كميلو نفسه بصندوقٍ مغلقٍ ما دام يكتم السر، ثم يطور الصورة طالبًا من بوليكسنيس أن يحمل هذا الصندوق معه، أي كميلو نفسه، رهنًا وضمانًا لصدقه.
١٠٩  (٤٤٤-٤٤٥) يقول شارح محدث إنَّ كميلو يعني أنَّ الذي سيحكم الملك بإعدامه هرميون نفسها، ولكن هذا غير مصرح به في ظاهر النص، وأنا ملتزم به.
١١٠  «فلتعطني يدك» أي «فلنتصافح» دليلًا على صدق العهد.
١١١  «إنَّي لتغشاني المخاوف» في الأصل (Fear o’ershades me) وقد فضَّلت هذا الفعل على غيره (مثل «تعروني» بمعنى تصيبني أو تلم بي) لأنَّ الفعل «غشى» يجمع بين الظلمة والإخفاء «والليل إذا يغشى» والأصل يتضمن الدلالتين. والظل الملقى على الملك يفيد الظلمة ويوحي بالإخفاء معًا، فهو خائف من الظهور كيلا يُنتقَم منه ظلمًا ولذلك يريد الاختفاء (وسوف يختفي ست عشرة سنة) وهو من الخوف في ظلمة المجهول.
١١٢  يقول ناقد حديث إنَّ أقوال بوليكسنيس الأخيرة لا ترسم له صورة كريمة، فهو يريد أن ينجو بنفسه تاركًا هرميون لمصيرها المخيف، فلا يُتوقَّع من ذلك الملك الغاضب إلا التنكيل بها ظلمًا، ولو كان غيره مكانه لدافع عن نفسه وعنها، ولكن هذا القول يتجاهل ما قاله له كميلو عن الخبل الذي أصاب الملك ولا علاج له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤