الفصل الثاني

المشهد الأول١

(تدخل هرميون وماميليوس، وبعض الوصيفات.)٢
هرميون : خُذن الطفل الآن؛ أرهقني حتى ما عدت أطيق.

(تبتعد هرميون.)

الوصيفة ١ : هيا يا مولاي الأكرم، هل ألعب معك أنا؟
ماميليوس : كلا! لست أحب اللعب معك.
الوصيفة ١ : ولماذا يا مولاي المحبوب؟
ماميليوس :
قبلاتك لي حارَّة، وكلامك يفترض بأني ما زلت صغيرًا. (٥)
(إلى الوصيفة ٢) حُبي لكِ أكبر.
الوصيفة ٢ : ولماذا يا مولاي؟
ماميليوس :
ليس لأنَّ سواد الحاجب أفحم، حتى إن كان يقال بأنَّ
سواد الحاجب أجمل عند البعض إذا قلَّ الشَّعر به
وبدا كهلالٍ أو قوسٍ مرسومٍ بالقلم٣ وحسب. (١٠)
الوصيفة ٢ : من علَّمك إذن هذا؟
ماميليوس : تعلَّمته من وجوه النساء! ألا قُلتِ ما لون حاجب عينك؟
الوصيفة ١ : أزرق يا مولاي.
ماميليوس :
في هذا سخرية مني؛ إنَّي شاهدت أنوف نساء زُرقًا٤
لكني لم أشهد أيَّ حواجب زرقاء. (١٥)
الوصيفة ١ :
اسمع! ما أسرع ما يكبر طفلٌ آخر في بطن مليكتِنا أمك!
وقريبًا ننشغل ونفرح بأمير آخر نخدمه. فإذا وصل
ستطلب أن تلعب معنا إن نحن قبلنا ذلك.
الوصيفة ٢ :
بلغتْ آخر مرحلة للحمل، وفَّقها الله فأمتعها
في الوضع بكل سلامة. (٢٠)

(تقترب هرميون من الجميع.)

هرميون :
ماذا تحكين هنا عنه؟ أقدم يا طفلي! سأحادثك الآن.
أرجوك اجلس معنا واحكِ لنا بعض حكاية.
ماميليوس : مفرحة أم محزنة؟
هرميون : مفرحة ولأقصى حدٍّ.
ماميليوس :
بل لا يُناسب الشتاء خيرٌ من حكاية حزينة.٥ لديَّ قصة (٢٥)
عن الأرواح والعفاريت.
هرميون :
فقُصَّها علينا أيُّها الكريم. تعالَ واجلس ها هنا وابذل
قصارى جهدك كي تخيفني بأرواحك.٦ فأنت بارع في ذلك.
ماميليوس : «كان هناك رجل …»
هرميون : كلا! اجلس قبل القص. (٣٠)
ماميليوس : «ويقيم قريبًا من مدفن». أُخفِض صوتي حتى لا تسمعني الثرثارات.
هرميون : هيا إذن. واهمس بها في أذني.

(يدخل ليونتيس وأنتيجونوس وبعض اللوردات وغيرهم.)

ليونتيس : شُوهد في تلك البقعة؟ مع حاشيته؟ وكميلو معه؟٧
لورد ١ :
صادفتهم وراء غابة صنوبرية. وما شهدت في حياتي
من يفرُّ هاربًا بهذه السرعة. تابعتهم حتى استقلُّوا السفن. (٣٥)
ليونتيس :
لكم وُفِّقتُ في حُكمي الصحيح المُنصِف! وفي رأيي الحصيف
الصائب! وليت أنِّي ما عرفت كلَّ هذا!
وما أشدَّ ما أشقى بما أتى التوفيق به!٨
قد يشرب الإنسان من كأسٍ وفيها عنكبوتٌ سامة،
لكنَّه يبيتُ سالِمًا من دون أن ينال السُّم منه (٤٠)
إن كان لم يعرف بأنَّ العنكبوت فيها،
أمَّا إذا أراه ذلك الشيء الكريه رأي العين شخصٌ ما
مبيِّنًا له حقيقة الذي تجرَّعه،
فإنَّه سرعان ما ينشقُّ حلقُه بغصَّة وتعتريه في الجنبيْن
أهوال التهوُّع! ولقد شربتُ أنا كما رأيتُ العنكبوت بعدها! (٤٥)٩
وكان كميلو مساعدًا له في ذاك بل وقوَّاده!
هذا تآمُرٌ على حياتي بل وتاجي،
وصحَّ كُلُّ ما اشتبهتُ به. ذلك الوغد الخئون!
ذاك الذي استخدمتُه فإذ به مُعيَّن من قبل عنده!
أفشى الذي دبَّرته فجاءني بالويل والعذاب! (٥٠)
أجل! غدوتُ لعبة لهم يلهون حسبما شاءوا بها!١٠
كيف استطاع فتْح هذه المنافذ الخلفية السرية بهذه السهولة؟
اللورد ١ :
بما له من سلطة عظيمة تُضارع الأوامر التي
قد تصدرونها في مثل هذه الأحوال.
ليونتيس :
أعلم هذا خير العلم. (إلى هرميون) هاتي الطفل. يُسعِدُني (٥٥)
أن لم يرضع لبنك.١١ حتى إن كان به بعض مَشَابِه مني
فدماؤك تجري فيه١٢ إلى حدٍّ لا أقبله.
هرميون : ما هذا؟ هل هذا لهْوٌ؟
ليونتيس :
أخرجن الطفل الآن! أحظر أن تختلط به!
أخرجن الطفل أقول! وكفانا لهوًا ما تحمله في هذا البطن
فبوليكسنيس أبوه!

(يخرج ماميليوس مع إحدى الوصيفات.)

هرميون :
لكني أنكِر ذلك. بل أقسم: سوف تصدِّقني!
مهما كنت تميل إلى تكذيبي الآن.
ليونتيس :
لتنظروا إليها أيُّها اللوردات وافحصوها! ما إن تقولوا
إنَّها جميلة حتى يُضيف إنصاف القلوب في الصدور: (٦٥)
«لكنَّها ليست مع الأسف … عفيفة ولا جديرة بالشرف!»
فإن مِلتم إلى امتداح ما يبدو من الظاهر،
وإنَّه بالحق أهلٌ للثناء العاطر،
هبَّ التردُّد داخل النفوس فورًا،
وعندها تكون الهمهمات أو أصداء بعض الغمغمات (٧٠)
عند كلِّ وصمة يرمي بها المخرِّصون. لا!
لم أُحسِن التعبير بل يأتي بها الرحماء!
فإنَّما التخريص لا يُعفي الفضيلة نفسها قدحًا وذمًّا!
أما تردُّدُكم بُعيْدَ قولكم بأنَّها جميلة
فسوف يعترض السبيل باستدراككم وسط المديح (٧٥)
— من قبل أن تقولوا «إنَّها عفيفة!» لكن لتعلموا
ومن شِفاهِ من يسوءه أشدَّ من سِواه أن يكون
الاتهام حقًّا — إنَّها زانية.١٣
هرميون :
لو قال وغدٌ ذلك — حتى أشدُّ أوغاد الوجود خبثًا —
لزاد شرًّا مستطيرًا. لكنَّما أخطأتَ يا مولاي أنت. (٨٠)
ليونتيس :
بل إنَّكِ الخاطئة! إذ استعضت عن ليونتيس ببوليكسنيس!
أوَّاه يا امرأة! لا لن أجيء بالوصف الخليق بالنساء من أمثالك
كي لا أمثِّل «سابقة»! أعني لأصحاب البذاءة اللغوية،
من لا يميزون تمييزًا يليق بالدرجات،
ويستوي لديهم الشَّحَّاذ والأمير في الخطاب! (٨٥)
أقول إنَّها لزانية. كما ذكرت ها هنا شريكها!
لكنَّني أضيف الآن أنَّها خائنة،
كما يشاركها كميلو في التآمر؛
فهو العليم بالذي يُخجلها العلم به،
حتى وإن لم ينتبه إليه شخصٌ غيرها، (٩٠)
وغير أخبث الخبثاء خِدنها.
أي إنَّها قد دنَّست فراشها، ولا تقِلُّ سوءًا عن نساءٍ
يُطلِق العوام أحقر الصفات دائمًا عليهن،
كما تواطأت أخيرًا في فرار كلٍّ منهما.
هرميون :
كلا أقسم بحياتي إني لبريئة! لم أفعل شيئًا من هذا كله! (٩٥)
ولسوف تبوء بأقصى الأحزان وأعمقها،
حين تجيئك معرفة راسخة بحقيقة ما كان،
من بعد المفتريات المعلنة بحقي! يا مولاي الأكرم!
لن تتمكن إذ ذاك من الإنصاف الكامل لي
إلا إن قلت بأنَّك أخطأت وحسب. (١٠٠)
ليونتيس :
لو أنِّي أخطأتُ بأن سارعتُ بأن أبني فوق أساسٍ واهٍ ما صحَّ
المنطق، واعتبري أنَّ الأرض جميعًا ضيقة لا تتسع للعبة
تلميذ! فلتغرب عن وجهي، وليُلقَ بها في السجن! إن دافع١٤
عنها أحدٌ أصبح مشتركًا معها في الإثم بشكلٍ غير مباشر!
هرميون :
أحسُّ أنَّ من كواكب النحوس١٥ كوكبًا يسود هذه اللحظة! (١٠٥)
لا بد لي من الصبر الجميل حتى تسطع الكواكب المواتيات في السماء:
يا أيُّها الكرام يا لورداتنا: ليس البكاء مطلقًا من طبعي كما يَشِيعُ
بين غيري من بنات جنسي! أمَّا افتقاري للدموع الباطلة
فربَّما أدَّى إلى تجفيف منبع الإشفاق عندكم
لكنَّ في صدري لهيب أحزان الشرف (١١٠)
ونارها أشدُّ قوة من قدرة الإغراق في الدموع! أرجوكمو
يا سادتي جميعًا: لتهتدوا بأفكارٍ يسودها التوازن الدقيق
مثلما يسود دافع الإحسان١٦ فيكم عندما تحاكمونني،
لكنَّما مشيئة المليك نافذة.
ليونتيس (إلى الحراس) : ألن تُطيعوا ما أمرت به؟١٧ (١١٥)
هرميون :
ومن يرافقني؟ أرجوك صاحب السُّمُو أن
ترافقني وصيفاتي … لأنني كما ترى في حالة ابتلاء تطلبه.
اكفُفن يا حبيبات كريمات١٨ عن البكاء! لا شيء يستدعيه
وعندما ترين أنَّني — مولاتكن — أستحق السجن؛
فاذرفن الدموع هاطلات عندما أغادر المحبس. (١٢٠)
وغاية القضية التي أخوض فيها الآن
إثباتٌ لعفَّتي ورحمة من ربي.١٩ إلى اللقاء يا مولاي.
لم أرجُ في يومٍ من الأيام أن أراك نادمًا!٢٠ لكنَّني
سأرجو الآن ذاك قطعًا. هيَّا وصيفاتي فقد سمحوا لكُنَّ!
ليونتيس : لِتذهبي ونفِّذي أمري! لتذهبي! (١٢٥)

(تخرج الملكة مع الوصيفات وسط الحراس.)

لورد ١ : أتوسَّل يا مولاي إليك بأن تدعو الملكة للعودة.
أنتيجونوس :
مولاي، تيقَّنْ مما تفعل كيلا يتحوَّل عدلُك ظلمًا
فيكابده عظماء ثلاثة: أنت ومَلكَتُكَ وولدك.
لورد ١ :
أمَّا عن موقفها يا مولاي … فأنا راهنت بروحي
بل سوف أقدِّمها طوعًا يا مولاي إذا شئتَ تقبُّلها (١٣٠)
أنَّ الملكة طاهرة الذيل أمام الله،
بل هي مخلصة لك وحدك! أعني فيما ترميه بها من تُهمٍ!
أنتيجونوس :
لو لم يثبت أنَّ الملكة طاهرة فسأحبس زوجتي وأحرسها
في إصطبل الخيل!٢١ وسأربط يدها بيدي،
مثل الكلبين إذا رُبِطا٢٢ في مقودٍ! لن آمن إلا إنْ (١٣٥)
كنت أراها وأحس بها! لو كانت هذي الملكة خائنة
كانت كلُّ نساء الأرض وكلُّ خلايا جسد المرأة خائنة
ليونتيس : التزِما الصمت!
لورد ١ : لكن يا مولاي الأكرم …
أنتيجونوس :
بل ليس ما نقوله من أجلنا، وإنَّما من أجلك. (١٤٠)
لقد خُدِعت أيها المليك! ومِنْ وراء خدعتك
محرِّضٌ ملعون! يا ليتني أعرفه لكي أعاقبه
بأن أحيل دنياه جحيمًا!٢٣ لو لم تكن عفيفة؛
أقول إنَّ لي من البنات ثلاثًا … أعمارهن إحدى عشرة
وتسعة ونحو خمسة. إن صحَّ ما تقول سوف يدفعن الثمن! (١٤٥)
وسوف — أقسم بالشرف — أزيل أعضاء التناسل قبل أن
يبلغن أربع عشرة! كيلا يجئن بالأنغال من بطونهن!
وهكذا يرثنني جميعًا!٢٤ لكنَّني لأوثر الخصاء؛
صارمًا لنفسي … ولا أرى لهن أبناء سِفاح!
ليونتيس :
اسكت ولا تزِد؛ فأنت لا تحس هذه القضية (١٥٠)
إلا بحسٍّ بارد كأنف شخصٍ ميت.٢٥ لكنني
أرى الأمور رأي العين … بل إنني ألمسها كمثل ما تحسُّ
ملمسي هذا (يلمسه بيده) أحسُّها بحاسة اللمس المباشرة.
أنتيجونوس :
لو صحَّ هذا ما طلبنا أيَّ قبرٍ للعفاف؛٢٦
إذ لن نرى في الأرض ذرَّة من الشرف (١٥٥)
تعوِّض٢٧ الذي يكسو محيَّاها من الروث الكثير.
ليونتيس : ماذا؟ فهل فقدتُ مصداقيَّتي؟٢٨
أنتيجونوس :
ليتك تفقد مصداقيتك أيا مولاي، ولا أفقد مصداقيتي أنا
في هذا الأمر!٢٩ سيزيد رضائي إن أثبتُّ تحلِّيها
بالشرف على أي رضاء لي إن صحَّت رِيبَتُك بها (١٦٠)
مهما كنت مَلُومًا أو مسئولًا عن ذلك.
ليونتيس :
ولماذا نحتاج إلى أن نتباحث معك بهذا الأمر ولا
نتَّبع دوافعنا الجبَّارة؟ إن مزايانا الملكية لا تدعونا
لمشورتكم قط، لكن الخير المتأصل فينا بطبيعتنا
يُملي ذلك. وإن كنت غبيًّا في هذا الأمر، (١٦٥)
أو تتحايل بدهاء حتى يبدو أنَّك تعجز أو تعزف
عن إدراك الحق وتقدير الحق، كما نقدِر نحن عليه ونرغب فيه،
فاعلم أنَّا لا نحتاج إلى نُصْح آخر منك.
فبحق طبيعتنا الملكية نملك هذا الأمر جميعًا،
وبما فيه من تنظيم ومكاسب وخسارة.٣٠ (١٧٠)
أنتيجونوس :
أتمنى لو أنَّك يا مولاي درستَ الأمر هنا
في صمتٍ دون الإعلان على الملأ.
ليونتيس :
هل كان بإمكاني ذلك؟ إمَّا أنَّ الهَرَم أتاك بجهلٍ مطبق
أو أنَّك أحمق بالفطرة! فلديك فِرار كميلو
وأضِفه إلى ألفة٣١ زوجتِنا مع صاحبها علنًا! (١٧٥)
وهي دليل ملموس يكفينا كي نتثبَّت مما نحدسه
بل لم يك ينقص إلا أن نشهد بالأعين ما بينهما! كل أدلتنا
قائمة، باستثناء الرؤية لجماعهما، وتؤكد صدق قضيتنا،
وبذلك تكتمل الأركان! ذلك يفرض هذي الإجراءات علينا!٣٢
لكنَّا أحببنا أن نزداد وثوقًا — فأهمية هذا الحدث الكبرى تقضي (١٨٠)
ألا نتهوَّر٣٣ في إصدار الأحكام! — ولذلك أرسلتُ على عجلٍ
لجزيرة دِلفُوسَ٣٤ الربانية — وإلى معبد أبوللو فيها — رجلين هما
كِلْيُومِينيس ودَيُونْ، وهما من أكفأ لوردات المملكة كما تعرف؛
ولسوف يعودان من العرَّافة٣٥ بحقيقة هذا الأمر جميعًا.
ومشورتها الروحية قد تدفعني لمواصلة الإجراءات (١٨٥)
أو تُوقِفني، هل أحسنتُ بذلك صنعًا؟٣٦
أنتيجونوس : بل أحسنتَ أيَا مولاي.
ليونتيس :
إنِّي مقتنع — لا شك — بما أعتقد، ولا أحتاج إلى
أكثر مما أعرفه الآن، ولكَّن العرَّافة
سوف تجيء بالاطمئنان إلى سائر أذهان الغير (١٩٠)
مثل الرجل الجاهل،٣٧ إن حال الجهل لديه
دون التصديق بما هو حق! ولذلك فضَّلنا٣٨
أن نحبسها حتى نبقى عنها في مأمن!
خشية أن تتولى تنفيذ مهمة هذين الفارَّين، وما
رسماه من خطط خيانة!٣٩ هيَّا! امضوا في أعقابي (١٩٥)
فلقد قررنا أن نتحدث علنًا للجمهور؛٤٠
فهذا أمر سوف يثير الناس جميعًا.٤١
أنتيجونوس (جانبًا) : وإلى حدِّ الضحك كما أفهم … عند جلاء الحق الناصع.

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(السجن في صقلية. تدخل بولينا وأحد السادة وبعض الأتباع.)٤٢
بولينا (إلى الشريف) :
فلتدعُ حارس السجن!
عرِّفه بي ومن أكون.
(يخرج الشريف.)
(تخاطب الملكة كأنَّما تراها في داخل السجن.)
يا ذات الشرف! لن يرتفع لمنزلتك قصر ملكي في أوروبا٤٣
ماذا أدخلك السجن إذن؟
(يدخل حارس السجن.)
يا رجلًا أكرم هل تعرفني؟ (٥)
الحارس : أعرف رفعة منزلتك، وأُكنُّ لكِ التكريم البالغ.
بولينا : وإذن خذني لمقابلة الملكة أرجوك.
الحارس :
ممنوع أن أفعل ذلك يا سيدتي؛
فالأمر صريح يحظر ذلك.
بولينا :
هذا هو التعقيد!٤٤ ما منع كل زائر نبيل من زيارة الشريفة (١٠)
الأمينة الحبيسة؟ فهل من المشروع٤٥ لو سمحت أن أرى
وصيفات المليكة؟ أيُّ الوصيفات! إميليا؟!
الحارس :
تفضَّلي سيدتي بصرف أتباعك،
وسوف آتيك بإميليا هنا.
بولينا : أرجوك نادِها حالًا (إلى الأتباع) انصرفوا الآن! (١٥)

(يخرج الشريف وباقي الأتباع.)

الحارس : سيدتي! لا بد لي من الحضور أثناء المقابلة.
بولينا :
لا بأس، فليكن. أرجوك!
(يخرج الحارس.)
وشدة التعقيد تبتغي إلصاق وصمة بصفحة ناصعة،
تفوق في إتقانها مهارة الصَّبَّاغ.٤٦
(يعود الحارس مع إميليا.)
يا مرحبًا كريمة المحتد! ما حال ملكتنا العظيمة؟ (٢٠)
إميليا :
رابطة الجأش! بقدر ما يكون للعظيمة التي هوت بها الأقدار؛
إذ إنَّها من بعد أن تحمَّلت بواعث الخوف الشديد والأحزان
— بطاقة تفوق قدرة النساء المرهفات في يوم من الأيام —
وضعت لنا طفلًا … من قبل موعد الميلاد بعض الشيء.
بولينا : غلام؟ (٢٥)
إميليا :
بل فتاة ذات حُسن في أتمِّ عافية! ومن المرجَّح أن تعيش.٤٧
وتنشد المليكة السلوى بها قائلة: يا «صغيرتي السجينة!
إنِّي هنا بريئة٤٨ مثلك».
بولينا :
أقسمت إنَّه حصاد نوبات الجنون٤٩ عند الملك! فإنَّها لا تؤتمن!
تبًّا لها٥٠ من مصدرٍ للخطر! لا بد أن يُحاط علمًا بالذي حدث! (٣٠)
وسوف يَعْلَمُه! وإنني بذا كفيلة فذاك من مهام المرأة.
فإن نطقتُ بالمديح له،٥١ فليت ذلك اللسان يُبتلى بالمرض،
وأن يكفَّ بعدها عن أن يكون بوقًا٥٢ معلنًا عن غضبتي
الحمراء! أرجوكِ إميليا! فلتحملي مني السلام للمليكة …
وأصدق الطاعة! (٣٥)
فإن تكن تأمَنُني على رعاية الصغيرة،
فسوف أحملها إلى المليك كي يراها. وهاك عهدًا أقطعه
بأن يكون صوتي أجهر الأصوات في الدفاع عنها!٥٣
فما احتمال أن يلين جانبه … إذا رأى الصغيرة؟
لا نستطيع أن نعرف! لكنَّما يُقال إنَّ صمت٥٤ هاته البراءة النقيَّة (٤٠)
ذو قدرة على الإقناع حين تعجز الألفاظ!
إميليا :
أيتها الفاضلة السمحة! شرفك والخير الماثل فيك جليٌّ
واضح! وكريم تعهُّدك بهذا الأمر … لن يَعْجَز قطعًا
عن أن يأتي بثمارٍ٥٥ ناضجة! ليس على
وجه الأرض امرأة أنسب منك لتحقيق مهمتك الكبرى. (٤٥)
أرجوكِ انتظري في أقرب غرفة! ولَسَوف أحيط
الملكة عِلمًا بالعرض الأكرم فورًا! إذ كانت قد
فكَّرت اليوم طويلًا في هذا الأمر، ولكن لم تجرؤ
أن تطلب من أحدٍ من أصحاب الرتب العليا أن يتولاه
خشية أن يَرفُض ما تطلب. (٥٠)
بولينا :
إميليا! قولي لها بأنَّ لي لسانًا٥٦ قادرًا على الكلام!
فإن تدفقت ألفاظه الحكيمة المناسبة،
كما تدفَّق الإقدام في فؤادي … تأكد النجاح دون أدنى شك!
إميليا :
بوركتِ فيما تفعلينه! الآن أمضي للمليكة. تفضَّلي
بالانتظار ها هنا قريبًا. (٥٥)
الحارس :
مولاتي! إن تَبْغِ الملكة إرسال صغيرتها معك فلا
أدري كيف يكون عقابي إن أسمح بخروج الطفلة
من دون توافر إذن قانوني.
بولينا :
لا تخش شيئًا سيدي؛ فالطفلة التي كانت حبيسة الرحم
تحرَّرت بفضل قانون الطبيعة العظمى٥٧ وفضل إجراءاتها! (٦٠)
أي إنَّها طليقة٥٨ ولا يمَسُّها سُخط الملك!
أضف كذاك أنَّها بريئة من ذنب هذه المليكة،
حتى وإن كانت مليكتنا قد اقترفته.
الحارس : هذا الذي أعتقده.
بولينا :
بل لا تخف! إذ إنَّني أقسمت ها هنا بشرفي (٦٥)
بأن أحُول دون أن يمسَّك الخطر.

(يخرج الجميع.)

المشهد الثالث

(قصر ليونتيس وهو وحده على المسرح.)٥٩
ليونتيس :
لا! ليس في ليلي ولا نهاري راحة! لا شيء غير الوهن!
والعجز عن تحمُّل الهمِّ الثقيل! مجرد الوهن: لو كان من٦٠
أتى بالهمِّ في طيِّ العدم!٦١ طرف من الطرفين تلك الزانية!
أمَّا المليك الفاسق٦٢ … فلا تطوله ذراعي،
ولا يطوله فكري، وليس في مرمى سِهامي،٦٣ (٥)
في مأمنٍ من كل خطة لإيقاعه! لكنَّ في يدي الإيقاع
بالمرأة. لو أنَّها ذَهَبَت٦٤ … وأُلقيت في النار،٦٥
فربما استعدت نصف راحتي. (يدخل الخادم) مَنِ القادم؟
الخادم : مولاي
ليونتيس : ما حال الصبي؟ (١٠)
الخادم : نام الليل بطوله … ورجائي أن يَشفي ذلك مرضه.
ليونتيس :
انظر إلى نبل الغلام حين أدرك العار الذي
أصاب أمه! ما إن وعاه كاملًا
حتى ذَوَى، وإذ به ينهار شاعرًا بالعار في أعماقه
ومُلصِقًا٦٦ إيَّاه ثابتًا بذاته، وإذ به يَنْضُو شهيته (١٥)
ونومه وروحه، بل إنَّه تهاوى. فلتمضِ واتركني وحيدًا!
اذهب فقل لي كيف حاله.
(يخرج الخادم.)
تبًّا لذاك الخائن!
لن أشغل البال به … فإنَّما التفكير في انتقامي هكذا،
يرتد خاسئًا إلى صدري! فإنَّه ذو قوة جبارة في نفسه (٢٠)
كما يزيد قوة بمن يُظاهِره من الحلفاء!٦٧ فلننتظر حتى
تحين لحظة مواتية. وسوف ينصبُّ انتقامي الآن فوقها!
إنَّ كميلو وبوليكسنيس يضحكان مني: يجدان تسلية
بأحزاني! لو استطعت أن أطول أيًّا منهما لما تمكنا
من الضحك! كلا ولا تمكَّنَتْ من في نطاق سلطتي. (٢٥)
(تدخل بولينا حاملة طفلة رضيعة، مع أنتيجونوس وبعض اللوردات وخادم، وهم يحاولون منعها من الدخول.)٦٨
لورد ١ : لا تدخلي.
بولينا :
أولى بكم يا أيها الكرام من لورداتنا تدعيم مطلبي،
فهل يزيد خوفكم من سُخطه الطاغي … عن خوفكم على
حياة الملكة؟ روح بريئة٦٩ يزيد طهرها عن غيرته.
أنتيجونوس : هذا يكفي. (٣٠)
الخادم :
يا سيدتي! لم يغمض جفن للملك طوال الليل،
وقد أمر بألا يأتيه مخلوق.
بولينا :
خفِّف من غُلُوائك يا أكرم! ما جئت أنا إلا
كي آتيه هنا بالنوم. لم يُذهب من جفنيه النوم سوى أمثالك!
أشخاص تزحف كالأشباح٧٠ حواليه … أو تتأوَّه إن ندَّت (٣٥)
من صدر الملك بلا داعٍ آهة! إنِّي آتيه بكلمات صادقة تشفيه!
كلمات الحق القادرة على تطهير النفس،
من الخلل الجائش فيه وطارد نومه.

(ينتبه ليونتيس للضجة عند الباب، ويتقدم منهم.)

ليونتيس : ما هذا الصخب هنا؟
بولينا :
لا صخب أيا مولاي. تلك مناقشة لازمة (٤٠)
بخصوص أشابين مُعَيَّنة لجلالتكم!
ليونتيس :
عجبًا! أخرجوا المرأة الجسور! أنتيجونوس: أمرتُ أن
تحُول بيننا وبين زوجتك. وكنت أَدْرِي أنَّها ستأتي.
أنتيجونوس :
أمرتُها مولاي أن تكفَّ عن زيارتك،
هذا وإلا أَغْضَبَتْكَ مثلما تُغضبني. (٤٥)
ليونتيس : هل أنت عاجز عن منعها؟
بولينا :
عن ارتكاب كل ما يَشين. إلا إذا اختار الذي تختارونه٧١
يا صاحب الجلالة! أي أن يعاقبني بحبسي مثلها على الشرف!
لكنَّني فيما قصدتُ الآن — ثِق بما أقول — لن أطيعه.٧٢
أنتيجونوس :
أترى؟ ها قد سمعت: فإنَّها إن أمسكت زمامها (٥٠)
لا أصدها … لكنَّها لن تتعثَّر!
بولينا :
مولاي أيها الكريم إنني آتي — أرجوك أن تسمعني …
فإنني لخادمٌ مخلص … وإنني طبيبك … وإنني كذاك
مستشارك المطيع … حتى وإن جرؤت أن أبدو أقل في
تلك الصفات ممن يظهرونها بتشجيع الشرور في نفسك — (٥٥)
أقول إنني آتي إليك من مليكتك الشريفة.٧٣
ليونتيس : مليكتي الشريفة!
بولينا :
مليكة شريفة مولاي! أقول إنَّها مليكة شريفة! مليكة شريفة!
إنني لمستعدة لإثبات الحقيقة في مبارزة … وإن أكن أقلَّ منزلة
(لو أنني من الرجال)٧٤ من أحط أتباعك. (٦٠)
ليونتيس (إلى اللوردات) : اطردوها قسرًا!
بولينا :
لو كان بينكم هنا من يستخفُّ بالعينين في وجهه
عليه أن يمَسَّني قبل الجميع! فإنني سأمضي وقتما أشاء!٧٥
لكنَّني سأنجز المهمة التي أتيت أولًا من أجلها.
إنَّ المليكة الشريفة — فإنَّها حقًّا شريفة — أتتك بابنة، (٦٥)
وهذه هيه! (تضع الطفلة أمامه) وتطلب البركات منك!
ليونتيس : اخرجي! ساحرة من الذكور! اطردوها! جاسوسة قوادة!٧٦
بولينا :
لست كذلك! لا عِلم بهذا عندي أو عندك إذ أطلقتَ عليَّ
صفاتك! إخلاصي ليس يقلُّ هنا عن خَبَلِك وجنونك
ذلك يكفي في رأيي كي أثبت مقدار الصدق بقولي (٧٠)
وفق معايير الدنيا.٧٧
ليونتيس :
خونة! ألن يقوم بعضكم بدفعها قسرًا إلى الخارج؟ رُدُّوا لها
بنت السِّفاح! وأنت أنتيجونوس! يا أيها الهَرِم المخرِّف! يا من
تسيطر امرأة عليه! ديكٌ وأقصته الدجاجة٧٨ عن مكانته!
فلتحمل الطفلة قلت … وأعطِها لهذه العجوز. (٧٥)
بولينا :
ألا فلتدنَّس إلى أبد الآبدين يداك إذا لمست جسم هذي الأميرة،
وأنت تظن بها ما افتراه من الانحطاط!

(يتراجع أنتيجونوس.)

ليونتيس : يخاف زوجته!٧٩
بولينا : لو كنت تُجِلُّ امرأتك ما كنت شككت بأبنائك من صلبك!
ليونتيس : وكر من الخونة! (٨٠)
أنتيجونوس : لست خئونًا … أقسم بضياء الخير.٨٠
بولينا :
ولا أنا! وليس أي واحد هنا سواه! إذ إنَّه يخون ما
يزينه وزوجته … وطفله الذي بنى عليه آمالًا وطفلته …
من حلية الشرف المقدس بافتراءات وبهتان.
ولسعة البهتان ها هنا أشد حدة من ضربة بالسيف بل (٨٥)
وإنَّه ليرفض اقتلاع جذر فكرة بلغت عفونتها مدى
يناقض استواء دوحة من البلوط أو حجر من الأحجار.
فلقد غدت هذي القضية لعنة إذ لم يعُد في طوقنا
إرغامه بموجب القانون أن يعدل عنها.٨١
ليونتيس :
عاهرة بلسانٍ لا حدَّ لقذفه! حَصَرَت منذ قليل هذا الزوج (٩٠)
وتبغي الآن حِصاري!٨٢ الطفلة ليست من صُلبي
بل أنجبها بوليكسنيس! فلتغرب عن وجهي!
وارموها مع مَن ولدتها في النار!
بولينا :
بل بنتك! وإذا طبَّقنا المثل السائر٨٣ في هذي الحالة
قلنا إنَّ تماثلها بك جاء وبالًا! (٩٥)
فلتنظر أعينكم يا لوردات:
إنَّ الطبعة مهما صغرت نُسخت من والدها نسخًا!
في العين وفي الأنف وفي الشَّفة وكل غضون الجبهة
وجبين البنت البارز، بل في الوادي تحت الأنف!٨٤
في الغمازات الساحرة على الخدين وفي الذقن! في بسماته! (١٠٠)
في قالب هذي اليد وإطار اليد! في الظفر وكل أصابعها!
إني أدعو ربَّة فطرتنا ذات الخير٨٥ — من صاغتكِ
بهذا الشبه البالغ بالوالد — فأقول إذا كنت توليت كذلك
صوغ الذهن شبيهًا به … فاجتنبي من بين جميع الألوان
اللون الأصفر لون الغيرة حتى لا تشتبه بأنَّ بنيها (١٠٥)
ليسوا من صلب الزوج كما يشتبه الملك بها!
ليونتيس :
بذيئة شمطاء! وأنتَ أيها الحقير يا أنتيجونوس!
كم تستحق الشنق إذ عجزت عن إسكاتها!
أنتيجونوس (جانبًا) :
ولو شنقتم كل زوج عاجز عن مثل ذلك
الإنجاز ما تبقَّى من رعيَّتكم رجل! (١١٠)
ليونتيس : أقول مرة أخرى خذوها من هنا!
بولينا : ولا يزيد فعل أحقر الأزواج أو أحطِّهم عن ذلك!
ليونتيس : إذن لَسوف أصدر الأمر بإحراقك!٨٦
بولينا :
لا آبه! الزندقة الحقة نار الكفر … لا من تُحرَق في النار!٨٧
لن أصفك بالطاغية، وإن كانت قسوتك البالغة على الملكة٨٨ (١١٥)
— في عجزك أن تأتي بدليلٍ أقوى مما يبنيه خيالٌ
مختلٌّ — تُوحي لمذاق الطغيان! إنَّ الطغيان يحطُّ كثيرًا
من قدرك، بل يفضحك أمام العالم أجمع!
ليونتيس (إلى اللوردات) :
أمرتُكُم، بحق ما أقسمتمو عليه من ولاء،
أن تخرجوها من هنا … من غرفتي الخاصة! لو كنت طاغية، (١٢٠)
فهل كانت تظل في قيد الحياة؟ ولم تواتها لقول ذاك الجرأة
حتى ولو عرفت بأني طاغية! فلتخرجوها!
بولينا :
رجوتكم لا تدفعوني! سوف أمضي من هنا! فلترعَ يا مولاي
طفلتك … فإنَّها من صُلبك. إني لأدعو الرب «جوف» أن
يرزقها روحًا أرقَّ تهديها!٨٩ فلترفعوا تلك الأيادي عني!٩٠ (١٢٥)
وأنتمو يا من تسامحتم لهذا الحد في أخطائه:
لن يستفيد منكمو أبدًا! ولا من واحدٍ منكم! وهكذا إذن،
إلى اللقاء إننا ذهبنا!٩١

(تخرج بولينا.)

ليونتيس (إلى أنتيجونوس) :
وأنت يا خئون قد حرَّضت زوجتك، تقول طفلتي؟
بل لا أطيقها! ما دمت أنت ذا قلبٍ حنون مشفق عليها (١٣٠)
خذها وفورًا ألقِها في النار حتى تحترق.
وقُم بذاك أنت وحدك … بل أنت من دون الجميع.
وآتني في ساعتي بما يفيد إنجاز المهمة،
وأحضر الشهود الصادقين كي يؤكدوا إنجازها،
هذا وإلا سوف أعتقِلك … مصادِرًا جميع أملاكك.٩٢ (١٣٥)
إن كنت تنتوي العصيان قل هذا وواجِه غضبتي،
وعندها سأكسر الرأس الصغير لابنة السِّفاح،
هاشِمًا لمخها بهذه اليدين دون حاجة إليك.
اذْهَب إذن فألقِها في النار … إذ كنت من حرَّضت زوجتك.
أنتيجونوس :
بل لم أحرِّضها أيا مولاي … وربما تفضَّل اللوردات هؤلاء (١٤٠)
من أقراني النبلاء بالذي أرجوه من إثبات ظلم تُهمتي!
اللوردات :
نشهد يا مولانا الأكرم أنَّ الرجل بريء،
لا يُسأل عن مقدمها الآن.
ليونتيس : بل إنَّكم جميعًا كاذبون!
لورد ١ :
نتوسَّل لِسُمُوك أن تثق بنا ثقة أكبر. (١٤٥)
فلقد أخلصنا في خدمتك دوامًا، ولذا نتوسل
أن تولينا التقدير اللائق. إنا نركع كي نسألكم
(من باب مكافأة الخدمات السابقة جميعًا واللاحقة)
أن تعدِل عما تعتزمه. القتل بشاعته بالغة،
وبشاعته تقطع بوبالٍ يتلوه من لون ما. (١٥٠)
ها نحن جميعًا نركع يا مولاي أمامك!

(يركع اللوردات.)

ليونتيس :
أصبحت ريشة تطير في مهبِّ كل ريح:
فهل أعيش حتى أشهد النغيلة تنحني،
وتقول لي يا والدي؟ إني لأوثِر حرقها فورًا على
لعنِ الفتاة حينذاك. نعم، ولكن … فليكن! فلتعِش! (١٥٥)
كلا! أقول لن تعيش! (أنتيجونوس) تعالَ أنت هنا!
لقد بذلتَ كلَّ جهد مشفق حنون … وفي تعاون مع امرأتك
— تلك الدجاجة التي قامت مقام القابِلة٩٣ — كي تُنقِذا
حياة هذه النغيلة! فإنَّها نغيلة بحق شيب لحيتك.٩٤
فما الذي استعددت أن تخاطر الآن به … (١٦٠)
كي تُكتَب الحياة للشقية الصغيرة؟
أنتيجونوس :
مولاي أي شيء في حدود طاقتي وتفرضه نبالتي! أو فلأقل
على الأقل إنني سأرهن الذي تبقَّى من دمٍ في هذه العروق٩٥
كي أُحقِّق النجاة للبريئة الصغيرة! إن كان ذلك ممكنًا!
ليونتيس :
بل إنَّه سيغدو ممكنًا! أَقْسِم بهذا السيف (١٦٥)
أن تنفِّذ الذي أطلبه.
أنتيجونوس : أقسمتُ يا مولاي!
(يضع يده على مقبض السيف.)٩٦
ليونتيس :
انتبِه الآن ونفِّذ ما أطلب. هل تفهم؟ إنَّ تقاعُسك!
بأيَّة تفصيلات معناه هلاكٌ محتومٌ لا لك وحدك،
بل وكذلك لامرأتك — من جاءتنا بلسانٍ منفلتٍ أحمق، (١٧٠)
ولقد قررنا أن نعفو عنها هذي المرة —
نأمرك بحق الطاعة عندك لمليكك أن تأخذ هذي الأنثى
النغِلة من بين يدينا! وامضِ بها نحو مكانٍ مهجورٍ ناءٍ٩٧
خارج أي حدودٍ للمملكة هنا! واتركها
في تلك البقعة! لا تُبدِ مزيدًا من أيَّة رحمة! (١٧٥)
لن يحميها إلا قوَّتها وتعطُّف هذي الأجواء عليها.
فكما قضت الأقدار، وجاء بها أحد الأغراب٩٨ إلينا
آمرك بما يقضي العدل به أي أن تتركها في الغربة
بمكانٍ تخضع فيه لما تقضي الأقدار به ولكل مصادفة
ترعاها أو تقتلها. إن لم تفعل كان عقابك (١٨٠)
تعريض حياتك للخطر وتعذيب الجسد … احملها!٩٩
أنتيجونوس :
أقسم أن أفعل ذلك حتى إن يكن القتل العاجل١٠٠
أرحم! هيَّا يا بنتي المسكينة!
(يرفع الطفلة ويحملها في يديه.)
تخبرني روحٌ عُظمى أنَّ الحِدآن وغِربان الشجر سترعاكِ!
ولقد قيل بأنَّ الدببة وذئاب الغاب١٠١ (١٨٥)
تَنَحَّينَ عن الوحشية وفعلن فِعالًا تقطر بالشفقة من
هذا اللون! فلتهنأ بالعيش أيا مولاي هناءً يربو
عمَّا استحققتَ بهذا الفعل من السَّعد!
(إلى الطفلة.)
فلتتنزَّل بركات لمناصرتك دومًا وتحدِّيكِ لهذي القسوة
يا مسكينة يا من حُكِم عليها بالفقدان!١٠٢ (١٩٠)

(يخرج أنتيجونوس حاملًا الطفلة.)

ليونتيس : كلَّا! لن أنجب طفلًا آخر ما عِشت!

(يدخل خادم.)

الخادم :
من فضل سُمُوكمو! جاءت أنباء من ساعة …
عمَّن أرسلتم للعرافة في دلفوس!
إذ وصل دَيُون بصحبة كليومينيس بسلامة،
والاثنان الآن يحُثَّان السير إلى قصر جلالتكم. (١٩٥)
لورد ١ : يا مولانا! لم يسبق أن حقَّق أحد هذي السرعة قط! ١٠٣
ليونتيس :
وما غابا سوى عشرين يومًا١٠٤ … وثلاثة! بذا قد أسرعا حقًّا!
ويُنبئُنا التعجُّل أنَّ أبوللو العظيم
حريصٌ أن يوافينا بلا إبطاء بالحقيقة!
تهيَّأوا يا أيها اللوردات حتى تعلنوا عن عقد جلسة (٢٠٠)
لتوجيه اتهامنا بصورة رسمية لزوجتنا التي١٠٥
تمادت في خيانتنا! وما دمنا اتهمناها صراحة وعلنًا،
لا بد أن تمتاز هذه المحاكمة١٠٦ … بالعدل والإنصاف والعلن.
أمَّا إذا ظلَّت بقيْد هذه الحياة … فسوف يبقى القلب
ضاغطًا على صدري بأثقاله. فلتتركوني الآن. (٢٠٥)
حذار من تجاهل الذي طلبتُه.

(يخرج الجميع.)

١  المنظر: يجمع الشُّراح على أنَّ مكان الأحداث هنا يتسم بالخصوصية، وربما يكون غرفة نوم الملكة، أي «الكنف» الأموي الذي لم يتركه الصبي الصغير إلى الآن، أي إنَّ الصبي لم يبلغ بعد السن التي تسمح له بالانتقال إلى عالم الرجال والسلطة. والاقتحام الفظ لهذه الغرفة من جانب ليونتيس بعد السطر ٣٢ يدل على أنَّ الملك أصبح ذا نزق وتهور مثير للسخرية، وبِذا يتحول إلى ما «يثير الضحك» في آخر المشهد (١٩٨). ويقول ناقد محدث إنَّ السطور الأولى (١–١٥) تُصور ماميليوس باعتباره طفلًا يريد الاهتمام، وباقي المشهد يُصور ليونتيس وهو يُصر على أن يكون محور الاهتمام وفي مركز كل ما يدور، الأمر الذي يقيم توازيات دفينة بين الاثنين.
٢  الإرشاد المسرحي: من المحتمل كما يقول الشُّراح أنَّ إميليا إحدى الوصيفات في هذا المشهد.
٣  كانت الموضة آنذاك تشذيب حواجب النساء في القصر الملكي حتى تبدو كما لو كانت مرسومة بالقلم على شكل هلال أو قوس.
٤  «أنوف زرق» أي إما من البرد القارس أو بسبب المرض أو التقدم في السن.
٥  «بل لا يناسب الشتاء خير من حكاية حزينة …» هذه إشارة واضحة إلى أنَّ أحداث الفصول ١–٣ تقع في الشتاء (انظر الحاشية على ١ / ١ / ٥ أعلاه) وهو الوقت الذي كانت القصص فيه تمثِّل عنصرًا من عناصر التسلية، وكانت كل تسرية تافهة يُشار إليها بأنَّها «حكاية شتاء» أو «حكاية» للشتاء، انظر المقدمة.
٦  «كي تخيفنا بأرواحك» يقول شانزر في طبعته إنَّ العبارة فيها سخرية درامية ما دامت هرميون تطلب التخويف هزلًا، وسرعان ما تلقاه حقًّا وجِدًّا حين يقتحم ليونتيس الغرفة، حاملًا معه أشباح خيالاته المهلِكة.
٧  لاحِظ كيف يتكوَّن السطر من ثلاثة أسئلة قصيرة متوالية كان يمكن أن تشكِّل عبارة واحدة، ولكن اللغة مرآة حركة الفكر والمشاعر في باطنه.
٨  (٣٦–٣٨) لاحِظ كيف يتغير الإيقاع من العبارتين الأوليين إلى الثالثة وما بعدها.
٩  (٣٩–٤٥) صورة العنكبوت ودور الوعي نوقشت في المقدمة.
١٠  (٤٦–٥١) لاحِظ انتقال ليونتيس من اتهام هرميون ﺑ «الخيانة الزوجية» إلى اتهامها ﺑ «الخيانة العظمى» أي التآمر على قتل الملك، وإشراك كميلو في اتهامه.
١١  (٥٥-٥٦) «يسعدني أن لم يرضع لبنك» كان المعتقد أنَّ لبن الأم المرضعة يتحكَّم في تشكيل شخصية الطفل وتكوينه الأخلاقي، وليونتيس سعيد لأنَّ مراضع محترفات تولَّين إرضاع ابنه، جريًا على عادة الطبقة الأرستقراطية (انظر المقدمة). ولكن هرميون في السجن تتولى إرضاع برديتا (٣ /  ٢ / ٩٨-٩٩).
١٢  «فدماؤك تجري فيه» لأنَّ هرميون حملت الطفل في بطنها.
١٣  «أنَّها زانية» يقول فرانك كيرمود في تحليله لموقع هذه العبارة إنَّها تمثِّل صدمة بسبب طابعها الصريح الواضح بعد تلافيف العبارات السابقة، وأعتقد أنَّ الترجمة تُظهِر جانبًا من هذه التلافيف رغم حدبي على الوضوح.
١٤  (١٠١–١٠٣) الفكرة التي يبني عليها ليونتيس هذه السطور الثلاثة تنحصر في جواب الشرط في جملته الأولى وهي «ما صحَّ المنطق»، لكنه يفصِّل القول فيها فلا يجد دليلًا واحدًا، بل يقول إنَّ رأيه صحيح بداهة، «وإلا كان لنا أن نعتبر الأرض الرحيبة لا تتسع للعبة تلميذ»، كقول القائل «وليس يصح في الأذهان شيء/إذا احتاج النهار إلى دليل.»
١٥  «كوكب النحس»: انظر الحاشية على (١ / ٢ / ٢٠٠-٢٠١) عاليه.
١٦  (١١٢-١١٣) يقول الشُّراح: تقصد هرميون أن تطلب من القضاة التحلي «بالإحسان» أي كرم النفس الذي يأتي بالرحمة عند نظر قضيتها.
١٧  أي بأن تقتادوا هرميون إلى السجن.
١٨  «يا حبيبات كريمات» الأصل ألفاظ إعزاز مألوفة إلى الآن في اللغة الإنجليزية، وهما good fools الذي يوازي اليوم dear silly girls وعادة ما تدلل المرأة عاشقها إذا زاد في إبداء تولهه بها بأنه fool مضافًا إليها صفات متفاوتة حسب الموقف.
١٩  (١٢١-١٢٢) تقصد أنَّ «غاية» هذه القضية، أي المقصد الرباني من معاناتها، سواء بالسجن أو بالتعرض للاتهام، وما يتسبب فيه من عذابٍ، هو «تطهيرها» من الذنوب، وهو ما يقول كتاب الأمثال الذي يقتطفه بعض الشُّراح إنَّه في جوهره فكرة شائعة في المسيحية، ونحن نعرفها على المستوى الشعبي استنادًا إلى عقائد دينية، أي إنَّ كل عذاب يأتي المرء (مثل المرض أو الظلم) فيه تكفير عن ذنوبه، والمصطلح اللغوي الشائع في مصر «يكفِّر سيئات» شخص ما يعني يسبِّب له معاناة لا يستحقها. فإن كان هؤلاء الشُّراح على حق، كان شيكسبير يأتي بفكرة مسيحية في سياق أحداث تقع في جوٍّ وثني، ولكن شرَّاحًا آخرين يقولون إنَّ المقصود مما تقوله هرميون أنَّها تعتقد أنَّ معاناتها التي لا تستحقها سوف تزيدها شرفًا وعلوَّ قدرٍ. والجملة التي أثارت هذه المناظرات هي:
This action I now go on
Is for my better grace.
وقد ترجمتها حرفيًّا بحيث تسمح بالقراءتين المذكورتين أي «وغاية القضية التي أخوض فيها الآن إثبات لعفتي ورحمة من ربي» أي إنني أتيت بالدلالتين الشائعتين لكلمة grace العويصة.
٢٠  يقول الشُّراح إنَّ هرميون تبدو على درجة من القوة تتيح لها أن تتمنى لزوجها مكابدة عذاب الندم، وكلمة «قطعًا» الختامية في هذه العبارة تؤكد في رأيهم ثقتها في قدرة الطبيعة البشرية على أن تتولى عنها «تصحيح» الخطأ ودفعه إلى الندم.
٢١  «وأحرسها في إصطبل الخيل» أي مثل حبس إناث الخيل في مكان منفصل عن الفحول، ويقول كيرمود متسائلًا في حاشية له «هل يعني ذلك أنَّه سوف يبعد زوجته عن فحول الخيل في مكان منفصل؟» وهذا الإيحاء المضمر بأنَّ زوجته قد تضاجع حتى فحول الخيل غير مقنع على الإطلاق، فهو تخريج مبالغ فيه، وإن كان وصفه لهذه السطور بالفظاظة وبالغموض قائمًا على آراء سابقة، لكنني لم أجد في السطور غموضًا بعد قراءة جميع شروح الشُّراح والنقاد المتاحة.
٢٢  كان الخروج للصيد (والمقصود رياضة صيد الثعالب) يقتضي أحيانًا ربط كل كلبين في مقودٍ واحدٍ.
٢٣  «بأن أُحيل دنياه جحيمًا!» الأصل I would land-damn him ويشرحها المعجم الكبير (حيث لا يوجد شاهد غيرها) بأنَّها تعني «إنشاء جحيم فوق الأرض لشخص ما». ويتفنن الشُّراح في إيجاد معانٍ أخرى (مثل «بافورد» الذي يسهب في تحليل اشتقاقها واستعمالاتها ثم لا ينتهي إلى شيء قاطع) ولكنني مقتنع بما يقوله المعجم، وربما كانت الكلمة من اختراع شيكسبير كما يقول بيتشر.
٢٤  «وهكذا يرثنني جميعًا!» يقضي القانون الإنجليزي بعدم تطبيق قاعدة انفراد الابن الأكبر بالميراث (primogeniture) في حالة الإناث، وهكذا وما دام لم ينجب ذكورًا فمن حق البنات جميعًا أن يرثنه.
٢٥  نقلتُ الصورة حرفيًّا لأنها راسخة في اللغة الإنجليزية بسبب ولع الإنجليز بالكلاب وقدرتها الفائقة على شم أدق وأخفى الروائح، واللغة حافلة بالمصطلح المجازي الذي يدخل فيه الأنف. وأما في شيكسبير فإنَّ «اشتمام خطأ»، الصورة الواردة في الملك لير (١ / ١ / ١٤) يعني الاشتباه في ثمرة مضاجعة غير مشروعة، أي ولادة نغل، فالخطأ هنا التسبُّب في مولد أبناء سِفاح بسبب خيانة زوجته، كما هو الحال هنا في شكوك ليونتيس.
٢٦  أي ما دام العفاف قد مات نتيجة خيانتها المزعومة.
٢٧  «تعوض» أي توازن ما يكسو الأرض من روث، «بسبب ما تزعمه من خيانة»، وارتباط الروث بالأرض موجود في الكتاب المقدس (المزمور، ٨٣: ١٠)، وفي أنطونيو وكليوباترا يقول أنطونيو «وأرضنا التي يسودها الروث/تغذو البهائم مثلما تغذو البشر» (١ / ١ / ٣٥) انظر الترجمة العربية، القاهرة، ٢٠٠٧م.
٢٨  أي لماذا لا تصدقون ما أقول ما دمت ملكًا؟
٢٩  يستدرك أنتيجونوس ما قاله مؤكدًا أنَّه يتمنى أن يكون الملك غير صادق في هذا الأمر دون غيره، وبهذا يخفِّف أنتيجونوس من هجومه بالتمني وحصر «المصداقية» على هذا الأمر، ويزيد من تخفيفه بالجُمل الشرطية التالية.
٣٠  (١٦٢–١٧٠) يلتزم ليونتيس في هذا الحديث كله بضمير الجمع الملكي عند الإشارة إلى نفسه تأكيدًا لسلطته وأملًا في تخويف من يحادثهم. وأما المعنى فواضح والمقدمة تناقشه بالتفصيل.
٣١  الألفة (familiarity) المقصود بها الألفة الجسدية (أو حتى الجنسية).
٣٢  «يفرض هذي الإجراءات» الكلمة في الأصل proceeding وكنت ترجمتها أولًا بالمسلك، وذلك معناها العام، ثم ترددت إزاء ما يقوله النقَّاد عن تمهيد ليونتيس لمحاكمة زوجته، فرجعت إلى المعجم الكبير حيث وجدتها تعني بوضوح رفع قضية (مثل prosecute) (OED n. 2c) وعدت إلى حديث ليونتيس فوجدته يستخدم أولًا كلمة «قضية» (١٧٨) وقبلها كلمة «أدلة» (١٧٧) ومعها «أركان» (١٧٩)، ومن ثَمَّ وجدت أنَّ «الإجراءات» تشارك الكلمة الإنجليزية معناها العام، ويمكن إلماحها إلى «إجراءات المحاكمة» (مثل procedure) وخصوصًا لأنَّه يقول «الأحكام» (١٨١).
٣٣  يقول بعض الشُّراح إنَّ كلمة wild التي ترجمتها «بالتهور» قد تعني القسوة، لكنني أظن أنَّ تفسيري أقرب للدقة.
٣٤  جزيرة دلفوس (Delphos): هي الجزيرة اليونانية المطلة على البحر المتوسط، وتُسمَّى اليوم ديلوس (Delos) وكان اسمها دلفوس في زمن شيكسبير، وهي مقر معبد الرب أبوللو، رب الشمس. وكان هذا الرب يُبلِّغ نبوءاته وأحكامه من خلال عرافة (oracle) في ذلك المعبد، (السطر ١٨٤) كما كان يفعل أيام مدينة دلفي (Delphi) التي تتمتع بصيت أكبر، وهي في بلاد اليونان نفسها.
٣٥  «العرَّافة» (oracle) كانت كاهنة الرب أبوللو في دلفوس، وكان يُبَلِّغ الناس بما يقوله من خلالها (انظر الحاشية السابقة). وأما في ٣ /  ١ / ١٩-٢٠ وفي ٣ / ٢ / ١٢٥ فإنَّ «النبوءة» (ويشار إليها باللفظ نفسه أي oracle) مكتوبة في رسالة مطوية مختومة تتضمن ما قال به أبوللو. وسوف يتضح من السياق فيما بعد أنَّ هذه النبوءة في الحقيقة «حكم رباني» يفصل في أي نزاع.
٣٦  «هل أحسنت بذلك صنعًا؟» سؤال يرمي إلى طلب موافقة الحاضرين، ولا أظن أنَّه يوحي كما يقول بعض الشُّراح بالتشكك في صحة ما فعله، بل الأقرب للمنطق في هذا السياق أنَّه يريد إرغام الجميع على التسليم بحكمته، ونفي صفة «الطغيان» عنه (انظر المقدمة).
٣٧  «الرجل الجاهل» قد يقصد أنتيجونوس وقد لا يقصده. والجاهل تعني الأبله، كما تحمل بعض الظلال التي تحملها الكلمة في العربية التراثية.
٣٨  يتحوَّل ليونتيس إلى استخدام ضمير الجمع الملكي تأكيدًا لحقِّه في حبس هرميون.
٣٩  «خطط خيانة» ما يتصوره من مؤامرات حيكت لاغتياله (انظر ٤٧، ٨٧-٨٨ عاليه).
٤٠  يقصد بالجمهور (public) جمهور الحاضرين في قاعة المحكمة، وربما في مكان يتاح للجمهور بالمعنى المفهوم أن يشهده (فهذا المعنى الأخير هو الذي يورده عجم أوكسفورد الكبير، مقدمًا هذا الشاهد نفسه OED public B n. 1a).
٤١  يقصد ليونتيس بتعبير سوف «يثير الناس جميعًا» أنَّه سوف يجعلهم ينتبهون أو يهبُّون من رقادهم؛ إذ يشرح الشُّراح كلمة (raise) بأنَّها تعني (rouse) ولكن أنتيجونوس يلتقط الكلمة ويجد لها ألفاظًا أخرى تستكمل العبارة قائلًا إنَّه سوف يثيرنا «إلى حد الضحك» وذلك «عند جلاء الحق الناصع» أي the good truth. وبهذا يؤكد عنصر الهزل في الموقف الذي يهدد بمأساة، كما أوضحتُ في المقدمة.
٤٢  المنظر: السجن، ولكن في أيام شيكسبير كان السجناء من علية القوم، خصوصًا من في مرتبة هرميون، يُحبَسون في غرف تتضمن وسائل الراحة في برج لندن، مهما تكن جرائمهم خطيرة، وسواء كانت الاتهامات الموجهة إليهم صحيحة أو باطلة، وكان يمكن لأقربائهم ومعارفهم أن يزوروهم. وأما حارس السجن فهو الذي يشار إليه في قائمة الشخصيات بلقب السجان، وانظر حواشي الشخصيات (رقم ١١) حيث الحديث عنه. وأحد السادة هو، كما سبق أن أوضحت (a Gentleman)، وأما الأتباع فربما كانوا بعض خدم بولينا، وللمخرج حرية اختيار من يقومون بأدوارهم.
٤٣  «في أوروبا» أي في العالم المتحضر.
٤٤  «هذا هو التعقيد!» أي ما نسميه في مصر «الروتين» أو البيروقراطية، أو «التعقيدات المكتبية». و«نبيل» تعني أنَّ الزائر يحترم «الأصول» ولن يتسبَّب في أيَّة أضرار.
٤٥  «هل من المشروع» (lawful) أي هل هو حلال أو هو مسموح به وهو معنى يجيزه المعجم (OED 1b) والكلمة لا تخل بوزن الشعر، ولكنني رأيت في «المشروع» سخرية خاصة، نظرًا لطبع بولينا الذي سوف يتجلى لنا فيما بعد، كأنما تقول له «إنَّكم حرَّمتم الحلال».
٤٦  «تفوق في إتقانها مهارة الصباغ» أخذت بالمعنى الذي اتفق عليه الشًّراح قبل التأويل الذي قرأته لعبارة As passes colouring إذ يزعم بيتشر (وحده) أنَّ المعنى هو أنَّ ذلك أمر لا يُغتفَر، وينتهي من ذلك إلى تخريج آخر وهو إنَّ محاولة إلصاق هذه التهمة بالملكة محاولة من المُحال تبريرها. ورجعت إلى المعجم فوجدت في باب colour إلماحًا بهذا المعنى فعلًا؛ إذ يقول المعجم في مدخل colour (OED v. 3 a) إنَّ الفعل يصبغ (to colour) يفيد إلصاق لون مغاير للون الأصلي، فهو مدسوس عليه «ظالم» له، وإنَّ الفعل pass يفيد أنَّ الصبغة تثبت كأنَّما ليست صبغة مدسوسة إذا كان الصبَّاغ ماهرًا، ومن ثَمَّ وجدت سندًا لما يقول به الآخرون، وقررت — بعد الموازنة — الأخذ بتفسيرهم.
٤٧  «من المرجح أن تعيش» كانت وفيات الأطفال في تلك الأيام تكثر بصفة خاصة بين الرضع أو بين حديثي الولادة.
٤٨  «بريئة» براءة الأطفال مضرب الأمثال.
٤٩  «نوبات الجنون» الأصل lunes والكلمة مشتقة من اسم القمر باللاتينية luna، ويقول المعجم إنَّ هذا أول استعمال لها بمعنى fits of madness ولكن انظر «طرويلوس وكريسيدا» حيث ترد الكلمة نفسها، وإن كانت في ذلك السياق تعني «فورات الرجل الصاخبة» أي نوبات خبله المتفاوتة، (انظر الترجمة العربية، القاهرة، ٢٠١٠م، السطر ٢ / ٣ / ١٢٧) والمتفق عليه أنَّ «طرويلوس وكريسيدا» كُتِبت قبل «حكاية الشتاء» بسنوات طويلة.
٥٠  تبًّا لها (Beshrew them) سبق ذكر التعبير.
٥١  «فإن نطقت بالمديح له» في الأصل صورة ليست لدينا في الفصحى (المعاصرة أو التراثية) وهي honey-mouthed أي «إن تسكب الشِّفاه شُهدًا» ولكنْ لدينا في العامية مقابل هو «لسانه بيسقَّط عسل!» ووجدت من المتعذر تطويع التعبير العامي لنقل الصورة؛ إذ إنَّها مستقاة من مثل يورده كتاب الأمثال وهو «في لسانه شهد وفي حزامه شفرة موسى»، وقد نقبل المثل من باب الطرافة، ولكن السياق الجاد الذي تقسم فيه بولينا أن تكون لاذعة اللسان لا يجوز فيه هذا الطريف الظريف! ومذهبي يقول إذا كانت الصورة تقوم على مجازٍ ميت أي على مجاز لا يرسم للحواس صورة ملموسة، خصوصًا إذا كانت غريبة في «نغمتها» عن السياق كما هو الحال هنا، فللمترجم أن يأتي بالمعنى الذي يدركه السامع لها بلغتها الأصلية وحسب. وأما بقية الصور المرسومة لِلِّسان فقد أبقيت عليها في السطر نفسه، ما دامت مألوفة بالعربية، وليونتيس يعترض على أنَّ هرميون «معقودة اللسان» (١ / ٢ / ٢٧).
٥٢  صورة «البوق» من الصور الجديدة في الفصحى المعاصرة؛ إذ نقول اليوم إنَّ فلانًا بوق دعاية للحزب وما إلى ذلك، فهي مقبولة، ولذلك أبقيت عليها. وقِس على ذلك «غضبتي الحمراء» وإن كانت غير مألوفة، ولكن البت في مدى تقبُّل القارئ للصور الغريبة في يد المترجم الذي قد يعتمد على ذائقته الشخصية. فالذائقة تحدد له مدى ما يمكن أن يقبله القارئ دون إشعاره بالغربة، ما دام السامع أو القارئ للنص الأصلي لا يشعر بالغربة الشديدة إذا كان قد نشأ في كنف تلك اللغة، فكل ناطق بالإنجليزية يعرف أنَّ التعبير to see red يعني أن تثور ثائرة الشخص أو أن يغضب غضبًا شديدًا، ولدينا في العربية صورة مجازية تقوم على هذا اللون نفسه؛ إذ يقول شوقي:
وللحرية الحمراء بابٌ
بكل يدٍ مُضرَّجة يدق
٥٣  تتعهد بولينا بأن يكون صوتها أجهر الأصوات في الدفاع أي:
[I] undertake to be/Her advocate to the loudest.
والمجاز هنا مقبول في اللغتين يسير النقل.
٥٤  تعود صورة طاقة الصمت على التعبير في ٥ / ٢ / ١٤.
٥٥  (٤٣-٤٤) صورة الثمر بالعربية من المجاز المقبول.
٥٦  صورة اللسان شائعة مقبولة، وكذلك صورة «تدفق الألفاظ الحكيمة منه»(٥٢).
٥٧  «الطبيعة العظمى» (great nature) من المفاهيم الأساسية في المسرحية (انظر المقدمة).
٥٨  (٦١-٦٢) «تحرَّرت … أي إنَّها طليقة» التكرار يجاري التكرار في الأصل:
Freed and enfranchised.
ولدينا في العربية «حر طليق»، والجمع بين الكلمتين وسواهما مألوف في اللغتين، يقول الشاعر وردزورث في مستهل قصيدته الطويلة المقدمة (وفي سيرته الذاتية):
Now I am free, enfranchis’d and at large, The Prelude, 1805, 9.
والتعبيرات الثلاثة بمعنى واحد، ولذلك فعند مراجعة القصيدة قبل أن تُنشَر عام ١٨٥٠م، حذف الشاعر التكرار، وأتى بصورة تقليدية نعتبرها من قبيل الكليشيه وهي free as a bird. والمعروف أنَّ التكرار بشتى صوره من الأساليب البلاغية في كل اللغات.
٥٩  المنظر: غرفة أو قاعة داخلية في القصر كأن تكون قاعة العرش مثلًا، وقد يكون حديثا ليونتيس المنفردان (١–٩) و(١٨–٢٥) مونولوجيْن يلقيهما على المسرح، وقد يكونان من الأحاديث الجانبية التي يوجهها إلى الجمهور، والآخرون «أنتيجونوس واللوردات» يقفون على غير مسمع منه، في مكان قصي على المسرح. ويجب أن يلمح المشاهدون باب تلك القاعة حتى يروا بولينا عندما تحاول الدخول حاملة الرضيعة (وهي دمية مسرحية بطبيعة الحال) والرجال يحاولون منعها، وحتى يسمعوا الحوار الدائر حول ذلك.
٦٠  (١-٢) حاولت الحفاظ على بناء العبارات الاستهلالية، على الرغم من بسط معانيها لتيسير فهمها، فالبناء يتميز بالإيجاز الذي يمكن أن يتجلى في البناء العربي.
٦١  «في طي العدم» (not in being) وانظر «المقدمة» حيث أناقش أهمية «العدم» في خياله.
٦٢  (٤-٥) الصور المجازية في حديث ليونتيس مقبولة بالعربية.
٦٣  «المليك الفاسق» (the harlot king): الصفة تقتصر اليوم على الإناث وتستخدم اسمًا، ولكنها كانت أصلًا للجنسين.
٦٤  يستخدم ليونتيس للتعبير عن التمني بناءً طريفًا هو: (Say that she were gone). وهو يقابل بدقة «لو أنَّها ذهبت» والذهاب مجازًا يعني الموت في اللغتين، يقول أبو فراس الحمداني (لابنته وهو يحتضر):
بُنَيَّتي لا تجزعي
كل الأنام إلى ذهاب
٦٥  «وألقيت في النار» يتصور ليونتيس أنَّ هرميون ارتكبت جريمة الخيانة العظمى (high treason) ضده بصفته الملك بسبب توهمه أنَّها تآمرت على قتله، إلى جانب ما يسمى «الخيانة الصغرى» (petty treason) وهي الخيانة الزوجية (انظر ٣ / ٢ / ١٢–١٥) وكانت عقوبة مرتكب ذلك الإلقاء حيًّا في النار.
٦٦  «وملصقا إيَّاه ثابتًا بذاته» التكرار هنا بلاغي ومتعمد:
(Fastened and fixed … on’t in himself.)
٦٧  «الحلفاء» قد تعني الأقارب أيضًا.
٦٨  الإرشادات المسرحية: يدخل «خادم»: هذا خادم لا يترك جانب ليونتيس طول الليل (٣٠-٣١)، ويختلف عن الخادم الذي يسهر على رعاية ماميليوس (١٠-١١) وهو الذي خرج بعد السطر ١٧، وأما الخادم الملازم للملك فقد يبقى إلى جواره حتى يخرج في السطر ٢٠٦، أو يغادر المسرح مع بولينا عند السطر ١٢٨، وقد يكون نفسه الخادم الذي يدخل عند السطر ١٩١.
٦٩  «بريئة»: الأصل free وهذا معناه أنَّها بريئة من الذنوب ولا تغلها قيود المعصية.
٧٠  «كالأشباح» (like shadows) وعندما مرَّت الكلمة بي في «مكبث» ترجمتها «بالأطياف» (٤ / ١ / ١١٠) (الترجمة العربية، ٢٠٠٥م) وفق تعريف المعجم لها «المعنى السابع». ولكن لنا أن نحتفظ بمعناها الأول في المعجم أي الظلال، فالظل يتبع صاحبه، وهم يتبعون الملك في كل شيء، لكنني فضَّلت «الأشباح» بسبب الصورة التي تمثِّل سياق الكلمة.
٧١  العبارة الثانية من مجزوء الخفيف، ولم أحاول تعديلها ما دام تغيير النغمة استدعى تغيير الإيقاع بلا قصدٍ مني.
٧٢  يقول الشُّراح، استنادًا إلى معجم أبوت (Abbott) للظواهر النحوية في شيكسبير إنَّ تعبير «لن أطيعه» (shall) ينبغي أن يكون «ينبغي ألا أطيعه». ولكن معاجم شيكسبير الأخرى عندي لا تنص على ذلك ما دام الاستعمال لا يتضمن خروجًا على «النحو» المعتاد في الإنجليزية.
٧٣  «الشريفة»: في الأصل good وهذا معناها المتفق عليه في هذا السطر وما يليه.
٧٤  وضعت الجملة الاعتراضية بين قوسين، بدلًا من الفاصلتين في الأصل، حتى لا يُفسِد الاعتراضُ البناء النحوي للعبارة الرئيسية.
٧٥  (٦٢-٦٣) احتفظت بالبناء الأصلي في هذه الجملة لتبيان التركيب البلاغي لها؛ فالالتواء في التعبير من الحيل البلاغية التي يَحْسُنُ إظهارها ما دام المعنى واضحًا.
٧٦  عبارات الملك المقطعة مثل الطلقات، ولا بد من تتابعها على هذا النحو دون رابط داخلي.
٧٧  «وفق معايير الدنيا» تعبير يحاكي المثل الشائع «هذا حال الدنيا» ولكن المعنى مختلف، واستخدام ذلك المثل عندنا يقتصر على العزاء في فقد عزيز.
٧٨  نقلت الصورة المستمدة من عالم الطيور، وإن كانت الكلمات الإنجليزية توحي بالصقور ذكورًا وإناثًا لا بالدجاج، ولكنني أخذت صورة الدجاج من الإشارة إلى دجاجة في قصة «الثعلب رينارد»، والنص يشير إلى اسم تلك الدجاجة صراحة بتعبير السيدة بارتليت (Dame Partlet) وهي ترد في «حكايات كنتربري» التي كتبها تشوسر (Chaucer) (١٣٤٠–١٤٠٠م) باسم آخر هو بيرتيلوط (Pertelotte) في حكاية «كاهن الراهبة»، وبعدها صار الاسم علمًا على أي امرأة مسيطرة، انظر «الدجاجة» الأخرى في ١٥٨ أدناه.
٧٩  «يخاف زوجته» (He dreads his wife) أتصور أن يوجِّه الممثل الذي يقوم بدور ليونتيس هذه العبارة إلى الجمهور أيضًا، وهي من عناصر الكوميديا في هذا الفصل، خصوصًا لو قالها بالعامية المصرية «مرعوب من مراته!»
٨٠  «أقسم بضياء الخير!» يقول بعض الشُّراح إنَّ هذا القسم غير المغلظ ربما كان يستلهم الرب أبوللو رب الشمس، وهو الذي يلجأ إليه ليونتيس في ٢ / ١ / ١٨٠–١٨٧.
٨١  (٨٨-٨٩) «إذ لم يعد في طوقنا/إرغامه بموجب القانون أن يعدل عنها» أخذت هنا بالتفسير المقنع الذي يقدمه أورجيل، وتوافق عليه سوزان سنايدر (وهي من هي) وألخصه فيما يلي: نظرًا للظروف الراهنة، أي تمتُّع الملك بالسلطة المطلقة، فإنَّ الحقيقة الساطعة هي أنَّه من المحال إرغامه على تغيير رأيه لأنَّه لا توجد محكمة في الدولة يعلو حكمها على حكمه. ويقول أورجيل «لو لم يكن ليونتيس ملكًا، كان من حق هرميون رفع قضية عليه بموجب قوانين إنجلترا، فإنَّ «رَمْي محصنة» أي الطعن في شرف امرأة كان من القضايا التي تقبلها المحاكم المدنية والكنسية، فإذا كانت المرأة من العوام كانت القضية جنحة، ويمكن الحكم فيها بدفع غرامة مالية. وأما التشهير بسمعة امرأة أرستقراطية فكان أمرًا خطيرًا لأنَّه يمس الصالح العام [ويقتضي العدول عن ذلك السب أو القذف علنًا]. وفي أيام إليزابيث، كان التشهير بالملكة خيانة عظمى» وبيتشر يتجاهل هذا الشرح.
٨٢  (٩٠-٩١) «حَصَرَت منذ قليل هذا الزوج/وتبغي الآن حصاري» في الأصل تلاعبٌ لفظي بين كلمتي beat وbait وكان نطق الأولى يشبه نطق الثانية، فأتيت بكلمتين متقاربتي المعنى مثلهما ومتقاربتي الاشتقاق والصوت. فأما «حصرت» الأولى فتعني «ضيقت على زوجها فغلبته» (beat) وأما الثانية فتعني «الإحاطة بي لتغلبني» (bait) وهي الصورة المستمدة من ربط دبٍّ في عمود وإحاطته بكلاب تنبحه (وقد تنهشه). وقد رجعت إلى لسان العرب حتى استوثقت من الاختلاف الطفيف (والدقيق) بين اللفظين. وبيتشر يتجاهل هذا الإيضاح. ويقول بافورد إنَّ قدرة ليونتيس على التلاعب بالألفاظ حتى في ذروة غضبه من السمات التي ينفرد بها شيكسبير، ضاربًا أمثلة من مسرحيات أخرى.
٨٣  (٩٤-٩٥) المثل السائر هو «ما أسوأ أن يشبه ولد أحد والديه شبهًا كبيرًا» والولد في العربية للذكر والأنثى والمفرد والجمع.
٨٤  «في الوادي تحت الأنف» لا تشير بولينا إلى مكان الوادي المقصود، فأضفت ما يشرحه إيضاحًا للمعنى.
٨٥  «ربَّة فطرتنا ذات الخير» صورة الطبيعة باعتبارها ربَّة تشتهر بيننا بسبب حديث الملك لير الشهير «أيتها الطبيعة اسمعي! يا ربَّة عزيزة لتسمعي!» (١ / ٤ / ٢٦٠–٢٧٤) (الترجمة العربية، القاهرة، ١٩٩٦م) وقد نوقشت هذه الفكرة في المقدمة، بالقسم الخامس.
٨٦  هذه هي المرة الأولى التي يوجه ليونتيس فيها الخطاب مباشرة إلى بولينا، فحتى الآن كان يستخدم ضمير الغائب وها هو ذا يواجهها مستخدمًا ضمير المخاطب المفرد.
٨٧  تفهم بولينا أنَّ ليونتيس يهدد بإحراقها (في ١١٣) باعتبارها خائنة، ولكنها تتجاهل هذا المعنى وتتظاهر بأنَّه يتهم بإحراقها باعتبارها زنديقة، ومن ثم ترد على ذلك قائلة إنَّه هو الزنديق لأنَّه يضرم النار ليحرقها وهي المؤمنة الحقة ببراءة هرميون، أي بالحقيقة، وربما كانت تشبِّه نفسها من طرف خفي بالشهداء الدينيين. وأما مقصدها الأعم، فهو أنَّ ليونتيس يستطيع إحراقها مع هرميون، ولكن العقاب لا يُثْبِت وقوع جريمة ما.
٨٨  انظر تحليل البناء البلاغي لهذا السطر وما يليه في المقدمة، وفي هذه السطور تقترب بولينا إلى أقصى حدٍّ يمكنها من اتهامه بالطغيان وهي تواجهه، وإن كانت تقول ذلك مباشرة أمامه في ٣ / ٢ / ١٧٠. والمعروف أنَّ اتهام ملك بالاستبداد كان أخطر إهانة له، والتهمة التي تشغل باله وتزعجه، وسرعان ما يرد عليها في السطر ١٢٠ أدناه، كما ينكرها مباشرة في ٣ / ٢ / ٤ «إنَّا نبرئ نفسنا من تهمة الطغيان» ولكن أبوللو يؤكد أنَّه طاغية (٣ / ٢ / ١٣١).
٨٩  (١٢٤-١٢٥) «إني لأدعو الرب جوف أن يرزقها روحًا أرق تهديها» ولا تصرح بولينا بالمقصود بهذه الروح الهادية (guiding spirit)، والمعنى الأقرب هو شخص ذو نفس أرق ترعاها وتربيها، ولكن التعبير قد يعني أن يجعل روح الطفلة نفسها أرق من روح والدها، بعد أن ورثت منه صفاته الجسدية.
٩٠  «فلترفعوا الأيادي عني»: المفهوم أنَّ اللوردات يحاولون القبض على بولينا أو دفعها للخارج.
٩١  «إننا ذهبنا» يتفنن بعض الشُّراح في تفسير الجمع، فليس هذا جمع الضمير الملكي، وربما يشير إلى أنَّها سوف تخرج مع بعض أتباعها (الصامتين على المسرح وغير المنصوص على وجودهم) وربما كانت كلمة «ذهبنا» تفيد معنى بعيدًا وهو «ضِعنا». انظر الحاشية على السطر ٧ أعلاه.
٩٢  أي سوف أعاملك معاملة الخونة.
٩٣  «تلك الدجاجة التي قامت مقام القابلة» في الأصل:
With Lady Margery, your midwife there.
كان تعبير مارجري-بريتر (margery-prater) يُطلَق في دنيا المجرمين على الدجاجة، ومن ثَمَّ كان اسم مارجري يُستخدَم في إشارات التحقير للمرأة، خصوصًا إن كانت المرأة مشاكسة عنيدة (انظر الحاشية على ٧٤ أعلاه) كما كان الاسم شائعًا بين القابِلات (الدايات). وليونتيس يتصور خطأ أنَّ بولينا ساعدت هرميون في ولادتها ومن ثَمَّ فهي تعرف أنَّ الملك بوليكسنيس والد الطفلة؛ إذ كان القانون يلزم القابلة بمعرفة آباء المواليد.
٩٤  «بحق شيب لحيتك» من المحتمل أنَّ ليونتيس كان في الثلاثين في هذه اللحظة (انظر حواشي الشخصيات أعلاه) ولكن أنتيجونوس أكبر سنًّا بكثيرٍ (انظر ١٦٣)، وقد يشير ليونتيس على المسرح إلى لحية أنتيجونوس أو يلمسها.
٩٥  كان المعتقد أنَّ التقدم في العمر يؤدي إلى تقليل الدم الجاري في العروق.
٩٦  إرشاد مسرحي: يضع يده على مقبض السيف ويقسم: كان ذلك شائعًا لأنَّ شكل المقبض والنصل يشبه شكل الصليب.
٩٧  «مكان مهجور ناء» (remote and desert place) فالصفة الثانية في الإنجليزية تعني أنَّه مكان لا يسكنه أحد.
٩٨  أي إنَّ والدها أجنبي (غريب strange) ما دام ليونتيس يتصور أنَّ بوليكسنيس أبوها.
٩٩  (١٧٨–١٨١) أبدلتُ موقعي العبارتين، تقريبًا للفكرة من الأفهام.
١٠٠  أي القتل العاجل للرضيعة.
١٠١  «الدببة وذئاب الغاب» كانت تشيع قصص مشهورة عن رعاية هذه الحيوانات للرضع الذين يتخلى آباؤهم أو أمهاتهم عنهم، فاليتيمان الذائعان — التوءم رومولوس وريموس — (Romulus & Remus) اللذان تقول الأساطير إنَّهما أنشئا مدينة روما، قيل إنَّهما رضعا لبن ذئبة، والصيادة أطلانتا (Atalanta) التي تركها والدها في العراء، كُتِبت لها النجاة بأن أرضعتها دبة أول الأمر، ثم رباها الرعاة.
١٠٢  «يا من حُكِم عليها بالفقدان» (condemned to loss) لم يذكر الشُّراح أنَّ فكرة الفقدان هذه هي التي أتت لأنتيجونوس باسم برديتا (المفقودة)، وهو الاسم الذي يزعم أنتيجونوس أنَّ شبح هرميون أوحى به إليه (في ٣ /  ٣ / ٣٣) ما دام يتصور أنَّها زارته بعد موتها، أقول إنَّ هذه الفكرة نبتت هنا في عقله الواعي ويصرح بها إلينا.
١٠٣  «لم يسبق أحد أن حقق هذي السرعة قط»: يقول أورجيل إنَّ هذا معنى عبارة:
… their speed/Hath been beyond account.
ويوافقه فرانك كيرمود وسوزان سنايدر التي تقول إنَّ للعبارة معنى ثانويًّا، وهو أنَّه يصعب تفسير السرعة، ولكن بيتشر يقطع بأنَّ هذا المعنى الثاني هو الصحيح (لا الأول) ولما كان من المحال أن آتي بتعبيرٍ عربي يحتمل المعنيين، وجدت لزامًا عليَّ اختيار أحدهما فاخترت الأول، على الرغم من موافقة بربارا مووات على رأي بيتشر.
١٠٤  «ثلاثة وعشرين يومًا» في رواية «باندوستو» لروبرت جرين نجد أنَّ الرحلة إلى دلفوس تستغرق في الذهاب وحده ثلاثة أسابيع.
١٠٥  (٢٠٠-٢٠١) في القانون الإنجليزي تفريقٌ دقيقٌ يتجاهله الشُّراح بين accuse أو charge بمعنى يتهم أو تهمة وبين arraign بمعنى يقيم الدعوى المستندة قانونًا إلى هذه التهمة، ولما لم يكن الشعر المسرحي مجالًا للإتيان بمصطلحات معقدة، عبَّرت عن المعنى الأخير بعبارة «توجيه الاتهام بصورة رسمية» أي في المحكمة، وأما المعنى الأول فاكتفيت بكلمة «يتهم» للدلالة عليه.
١٠٦  «المحاكمة» يزعم ليونتيس أنَّ المحاكمة ستكون عادلة منصفة وعلنية، ولكنه أصدر على زوجته بالفعل حكمه، مما ينفي كل ما يزعمه في هذه السطور الأخيرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤