الفصل الرابع

المشهد الأول

(يدخل الزمن، الذي يمثِّل الجوقة.)١
الزمن :
أنا الذي أَسُرُّ بعض الناس، لكن أبتلي٢ الجميع … بالرعب والهناء،
وخيرهم وشرهم سواء! أجيء بالأخطاء ثم أكشف الأخطاء،
وهكذا انبريتُ ها هنا باسم الزَّمان والدَّيمومة،
للطير بالجناح٣ عاليًا، ولكن لا تقولوا إنَّها جريمة
إذا قطعتُ من أعوامكم بذاك ستة وعشرًا … في قفزة سريعة (٥)
من دون ذكر أي شيء قد جرى … في الفجوة المريعة؛
إذ إنني لقادر أن أنقُض القانون٤ دائمًا بسلطاني
في ساعة، وأهدم الأعراف كي أُقيم غيرها بقانوني.
وسوف أمضي مثلما عهدتم قبل مولد النسق التليد،
وبعد مولد الذي قبِلتموه من هذا الجديد!٥ (١٠)
ومثلما شهدتُ مولد الذي يسود عصرنا،
سأشهد الميلاد الجديد سائدًا ما بيننا،
وأطفئ البريق في أحداث حاضرنا هنا،٦
كمثل ما يبدو لكم إذا تأمَّلتم حكايتي أنا،
فلتصبروا عليَّ إن قَلَبتُ ساعتي الرملية المحدودة؛٧ (١٥)
حتى أصوِّر الأحداث بعد هذي الفترة المديدة،
كأنَّما قضيتمو في هذه الأعوام نومة قريرة!
فلنترك الآن ليونتيس … ولننس غيرته المريرة،
من بعد أن يُضطرَّ، في أحزانه الشديدة الطويلة،
لحبس نفسه! تصوَّروا بأنَّ هذه بوهيميا الجميلة،(٢٠)
ولتذكروا يا أيها الكرام٨ ما ذكرته عن ابن ذلك المليك الثاني،
كان اسمه فلوريزيل٩ لكنِّي سأمضي في حكايتي ومن دون التواني؛
حتى أقول بأنَّ برديتا غدت فتَّانة للناظرين،
ويُدهش العيون سحرُها الباهي الرزين!
أمَّا الذي يجري من الأحداث ها هنا من بعدها لها، (٢٥)
فلن أُنبِّئكم به … بل يكشف الزمان ما يكون عندها؛
إذ شاع أنَّها بنتٌ لراعٍ … وتنتمي لبيته.
لكنَّ ما تلاه يكشف الزمان عنه في وقته،
ولتسمحوا بأن أرجو … ألا يكون ذلك الوقت الذي انقضى
في سرد هذا كله … من أسوأ الذي عليكمو مضى! (٣٠)
إن لم يكن، ولم يضِع ما فات من أوقاتكم سُدى،
فإنَّما يرجو الزمان مُخلِصًا ألَّا يكون هكذا أبدَا.١٠١١

(يخرج الزمن.)

المشهد الثاني

(بوهيميا، في قصر بوليكسنيس. يدخل بوليكسنيس وكاميلو.)

بوليكسنيس :
أرجوك يا كميلو الكريم كُفَّ عن إلحاحك. فرفض طلب
لك يصيبني بالمرض. وإجابتك إلى هذا الطلب تقتلني.
كميلو :
لم أشاهد بلادي منذ خمسة عشر عامًا.١٢ ورغم أنني عشت
معظم سنين حياتي خارج وطني، فإنني أرغب أن يكون بها (٥)
مثوى عظامي. أضف إلى ذلك أنَّ الملك التائب، سيدي، قد
أرسل يطلبني، وأرجو أن أنجح في التخفيف بعض الشيء
من أحزانه العميقة — إن لم أكن أبالغ في تصور قدرتي —
وهذا حافز آخر يدفعني إلى الرحيل.
بوليكسنيس :
ما دمت تحبني يا كميلو، فلا تَمْحُ سائر خدماتك لي بأن (١٠)
تتركني الآن. والحاجة التي أحسُّها إليك من خلق خيرك
نفسه، فرحيلك الآن يشق عليَّ أكثر من عدم قدومك أصلًا،
فلقد بدأت أنت مشروعات لا يستطيع النجاح في إدارتها
سواك، ولذلك عليك إمَّا أن تبقى لتنفيذها أو تصحب (١٥)
معك في رحيلك الخدمات نفسها التي أديتها لي. أمَّا إذا كنتُ
لم أكافئك عليها المكافأة الكافية، لأنَّ طاقتي محدودة، فسوف
أجتهد للإعراب عن المزيد من الشكر، آملًا أن أجني أنا من
ذلك تعميق صداقتنا. أمَّا ذلك البلد المهلك صقلية، (٢٠)
فأرجوك أن تكفَّ عن الحديث عنه! إنَّ مجرد ذكر اسمه
يعذبني بذكرى ذلك التائب١٣ — وفق وصفك له — وهو أخي
الملك الذي تصالحت معه، والذي علينا أن ننعي حتى الآن
فقدانه لزوجته النفيسة وولديه الغالييْن. قل لي: متى (٢٥)
شاهدت ابني فلوريزيل آخر مرة؟ فالملوك يشعرون
بالتعاسة عندما يعصيهم أبناؤهم، بل بتعاسة لا تقل عن
شقائهم بفقدان أبناء فضلاء.
كميلو :
يا سيدي! لم أشاهد الأمير منذ ثلاثة أيام. ويبدو أنَّ لديه
مشاغل أخرى تشغله أكثر من عمل الأمراء لكني أجهلها. (٣٠)
وإن كنتُ، للأسف، لاحظت أنَّه يغيب كثيرًا عن القصر،
ولا يمارس واجبات الأمير بالانتظام القديم نفسه.
بوليكسنيس :
لاحظت ذلك أيضًا يا كميلو، وهو ما أهمني بعض الشيء،
وهو ما دفعني إلى أن أبثَّ العيون لمراقبته أثناء غيابه. وقد (٣٥)
علمت منهم ما يلي: إنَّه لا يكاد يغادر منزل راعٍ متواضع
الحال إلى أبعد حدٍّ، وهو رجل كان، فيما يقولون مُعدمًا، وإذا
به قد اغتنى غِنى لا يوصف، وإلى حدٍّ يعجز خيال جيرانه عن
تصوره. (٤٠)
كميلو :
إني سمعت يا سيدي عن ذلك الرجل، ولديه ابنة ممتازة بل
ونادرة المثال. وتقدير الناس لها يقطع بأنَّها من المحال أن
تكون قد نشأت من هذه الأصول المتواضعة.
بوليكسنيس :
علمت بذلك أيضًا من الرقباء، لكنني أخشى أن تكون (٤٥)
الشَّصَّ الذي يجذب ولدنا إلى ذلك المكان، وعليك أن
تصاحبنا إليه، حيث نتنكَّرُ في أزياء مختلفة ونتجاذب معه
أطراف الحديث، ولا أظن أنَّه سيصعب علينا، بسبب
سذاجته، أن نعرف سبب اختلاف ابننا إلى بيته. أرجوك أن
تشاركني فورًا في هذا الأمر، وأن تُقصِي عن ذهنك التفكير (٥٠)
في صقلية.
كميلو : يسرني أن أطيع أمركم.
بوليكسنيس : هيا بنا يا كميلو الرائع! علينا الآن أن نتنكَّر. (٥٤)

(يخرجان.)

المشهد الثالث١٤

(يدخل أُتوليكوس وهو يغني.)١٥
أُتوليكوس (ينشد) :
إذا ابتدت زهرات نرجس صفراء في إطلالها،
صحبتُ من أُحبُّها بصيحة الأفراح في حقولها.
وعندها يأتي مدار العام بالعذب البديع،
كي يهزم الشحوب في الشتاء ذي الصقيع،
وينبض الدم القاني بقوة الربيع!
ملاءة منشورة على سياج الرَّوض ناصعة البياض،١٦ (٥)
صِح فرحة بها، واسمع طيور الصبح في غنائها الفيَّاض،
إنِّي سأسرقها١٧ فإنَّها لتدفعني إلى هذا السُّلوك،
كيما أفوز بالشَّراب دافقًا ووجبة تليق بالملوك!
اسْمَع غناءً بارعًا وساحرًا للقُبَّرَة
وصيحة الهزار والطُّيور الشاديات الآسرة (١٠)
فإنَّها أهازيج المصيف لي وعشيقتي١٨
إنِّي هنا في جنَّة العشَّاق حضن حبيبتي!١٩
لقد خدمت الأمير فلوريزيل، وعندما صلحت أحوالي كنت
ارتدي حلة من القطيفة الناعمة السميكة، لكنني الآن
عاطل عن العمل!٢٠
لكن تُراني باكيًا ونادمًا يا غرامي؟٢١ (١٥)
كلا ففي أضواء بدر الليل أبتغي مرامي،
ما دمت أستطيع الانتقال ما بين الحبيبات؛
أظل أخطو في الحياة أصوْبَ الخطوات.
فإن يكن للسمكري أن يعيش جوَّالًا،
وحاملًا حقيبة تضم ألوانًا وأشكالًا، (٢٠)
فإنني إذا اعتُقلت سوف أزعم ذلك،
وأحلف الغداة عند الحبس٢٢ إنني كذلك؛
أعيش على سرقة الملاءات وبيعها، فاحذروني مثلما تحذرون
الحدأة التي تسرق قطع الملابس الصغيرة.٢٣ أسماني والدي
أُتوليكوس؛ إذ كان مثلي مولودًا أثناء طلوع كوكب عطارد
المسمى باسم الرب ميركوري، وكان مثلي يسرق الأشياء (٢٥)
الصغيرة التي لا يلتفت إليها أصحابها. ومن طريق القمار٢٤
والعمل قوَّادًا اشتريت هذا اللباس الفاخر (يُشير إلى أسماله
البالية). ودخلي يعتمد على سرقة أشياء المغفلين! الشنق
والضرب٢٥ عقوبات أشد من أن أتحمَّلها لو سرت في الطرق
الرئيسية؛ فأنا أخاف أن أُضرب أو أُشنق! أمَّا الحياة الآخرة٢٦ (٣٠)
فلا أعمل لها حسابًا (يرى المهرج) هذا صيد سهل! صيد
سهل!٢٧

(يدخل المهرج.)

المهرج (يكلم نفسه) :
فلأنظر: جزُّ فراء أحد عشر خروفًا يأتي بحزمة من الصوف،٢٨
وكل حزمة تباع بجنيه واحد وشلن واحد. فإذا جززت
صوف ألف وخمسمائة، ما ثمن الصوف كله؟٢٩ (٣٥)
أُتوليكوس (جانبًا) : لو نجح الفخ وقع فيه الديك البَرِّيُّ المغفل.٣٠
المهرج :
لا أستطيع الحساب من دون عدَّاد. فلننظر: ماذا يجب عليَّ
شراؤه للاحتفال٣١ بجَزِّ الصوف؟ ثلاثة أرطال من السكر،
وخمسة أرطال من الزبيب الرومي،٣٢ والأرز!٣٣ ماذا ستفعل
أختي بالأرز؟ ولكن والدي كلَّفها بإعداد وليمة الحفل،
وهي تنفق بسخاء.٣٤ أعدَّت أربعًا وعشرين باقة من الزهور (٤٠)
لمن يجزون الصوف، وللمغنين في مجموعات ثلاثية،
وللجميع، وهم ممتازون، وإن كانت أصواتهم من الطبقات
المتوسطة والمنخفضة في معظمهم. ولكن بينهم شخصًا
بيوريتانيًّا٣٥ يغني الأناشيد الدينية على أنغام المزامير. لا بد أن
أشتري الزعفران لتلوين فطائر الكمثرى، ومسحوق جوزة (٤٥)
الطيب، والبلح (ينظر في القائمة) لا! هذا غير مسجل، ومن
جوزة الطيب نفسها سبع ثمرات. وبعض جذور الزنجبيل،
ولكنني أستطيع الحصول على هذا دون مقابل، فوق البيعة،
وأربعة أرطال من القراصيا، وأربعة أخرى من الزبيب
البناتي.
أُتوليكوس (يتلوى على الأرض ألمًا) : ليتني لم أولد قط! (٥٠)
المهرج : حلفت باسم اﻟ… باسمي!
أُتوليكوس :
ساعدني أرجوك! ساعدني! دعني أخلع هذه الأسمال
البالية … وأموت! أريد أن أموت!
المهرج :
وَا أسفًا أيها المسكين! أنت في حاجة إلى المزيد من الأسمال لا
إلى خلع هذه! (٥٥)
أُتوليكوس :
أُواه يا سيدي! بشاعة الذي حدث تؤلمني أكثر من الضربات
التي تلقيتها! وهي ضربات شديدة! وملايين!
المهرج :
مسكين أيها الرجل! رقم المليون … مليون ضربة … قد
تُشكِّل عددًا كبيرًا! (٦٠)
أُتوليكوس :
تعرضت للسرقة يا سيدي … وللضرب! أخذوا نقودي
وملابسي، وألبسوني هذه الأسمال الكريهة!
المهرج : هل كان من الفرسان أن المشاة؟
أُتوليكوس : من المشاة أيها الرجل الكريم … من المشاة! (٦٥)
المهرج :
فعلًا! لا بد أن يكون من المشاة والخدم، إذا حكمنا بمستوى
الملابس التي ألبسك إياها. ولو كانت هذه ملابس فارس
لكانت أفخم، إلا إذا كان قد خرج لتوِّه من القتال. أعطني
يدك. دعني أساعدك. هيا … أعطني يدك! (يساعد
أتوليكوس على النهوض).
أُتوليكوس : أرجوك أيها الكريم … ترفق! أُوه! (٧٠)
المهرج : واهًا لك أيها المسكين!
أُتوليكوس : سيدي الكريم … تلطف! أظن يا سيدي أنَّ كتفي مخلوع!٣٦
المهرج : واهًا لك يا مسكين! هل تستطيع الوقوف؟
أُتوليكوس :
تلطَّف يا سيدي الكريم … تلطَّف! (يسرق نقود المهرج من
جيبه) لقد أحسنت إليَّ إحسانًا عظيمًا!٣٧ (٧٥)
المهرج : هل تحتاج إلى أي نقود؟ أستطيع إعطاءك بعض المال.
أُتوليكوس :
لا يا سيدي الكريم العظيم لا! أتوسل إليك يا سيدي!
فلديَّ قريبٌ لا يبتعد منزله أكثر من ثلاثة أرباع ميل من هنا،
وكنت في طريقي إليه. سوف أحصل على المال هناك، أو أي (٨٠)
شيء أريده. أرجوك لا تقدم لي أي مال، بل أصر … إشفاقك
يحطم قلبي!
المهرج : ما نوع الشخص الذي سرق مالك؟
أُتوليكوس :
شخص أعرف يا سيدي أنَّه يصاحب العاهرات. وأعرف أنَّه (٨٥)
كان ذات يوم في خدمة الأمير. لا أعرف أي نوع من فضائله
كان السبب، ولكنَّه قطعًا عوقب بالجَلْد والطرد من القصر.
المهرج :
تقصد رذائله! فلا تؤدي أيُّ الفضائل إلى الطرد من القصر!
فإنَّهم يُجِلُّون الفضائل ويودون أن تبقى، وإن لم تبق إلا
بصعوبة. (٩٠)
أُتوليكوس :
قصدت أن أقول الرذائل فعلًا يا سيدي. أعرف هذا
الشخص خير المعرفة. فلقد عَمِلَ بعدها بمهنة «القرداتي»،٣٨
ثم عمل «محضرًا»٣٩ في المحكمة، ثم قام بجولة مسرحية
يعرض فيها تمثيلية «عودة الابن الضال».٤٠ ثم تزوج عاهرة٤١ لا
يبعد منزلها إلا ميلًا واحدًا عن أرضي ومقامي،٤٢ وبعد أن (٩٥)
تنقل في العديد من حِرَف النصب والاحتيال، استقر آخر
الأمر في وظيفة الوغد المحترف! ويسميه البعض
أُتوليكوس!
المهرج :
ألا بُعدًا له بُعدًا! إنَّه لص٤٣ وأقسم بحياتي لص! إنَّه يغشى
الحفلات الريفية والأسواق وملاعيب الدببة!٤٤ (١٠٠)
أُتوليكوس :
عين الصواب سيدي. إنَّه هو يا سيدي قطعًا! إنَّه الوغد
الذي ألبسني هذه الملابس.٤٥
المهرج :
لا يوجد في بوهيميا وغد يفوقه جبنًا. لو أنَّك تظاهرت
بالقوة والشجاعة وحسب وبصقت عليه لفرَّ هاربًا!
أُتوليكوس :
لا بد أن أعترف يا سيدي أنني لا أجيد القتال. فإنَّ قلبي (١٠٥)
جبان إن جَدَّ الجِد! وكان يعلم بذلك وأؤكد لك.
المهرج : وكيف حالك الآن؟
أُتوليكوس :
أيها السيد الكريم … أفضل كثيرًا مما كنت عليه. أستطيع الآن
أن أقف وأمشي. بل أستطيع أيضًا أن أستأذن في أن أمضي (١١٠)
وأسير بخطوات بطيئة إلى منزل قريبي.
المهرج : هل أصاحبك في الطريق؟
أُتوليكوس : لا يا ذا الوجه السمح!٤٦ لا يا سيدي الكريم!
المهرج :
إذن وداعًا! لا بد أن أمضي لشراء التوابل لحفل جَزِّ صوف
الأغنام. (١١٥)
أُتوليكوس :
أسعدك الله سيدي الكريم!
(يخرج المهرج.)
لا يتمتع كيس نقودك بالدفء الكافي لشراء توابلك.٤٧ سوف
أقابلك أيضًا في حفل جز الصوف. إن عجزت عن جعل
هذه الحيلة تأتي بحيل أخرى، وإثبات أنَّ جزَّازي الصوف هم
أنفسهم أغنام، فاشطبوا اسمي من دفتر٤٨ الأوغاد وسجلوه
في دفتر الفضيلة. (١٢٠)
(يغني.)
هروِل هروِل بمِدَقِّ الحقل لآخره،
وابلُغ مرحًا درج السُّور ومعبره،٤٩
ذو القلب الفرِح يسير طوال اليوم بلا ملل،
لكنَّ المحزون يصاب إذا أكمل ميلًا بالكلل.٥٠٥١ (١٢٥)

(يخرج.)

المشهد الرابع

(مزرعة الراعي في ريف بوهيميا، يدخل فلوريزيل متنكرًا في زي دوريكليس الفلاح، وتدخل معه برديتا مرتدية ثياب ملكة الحفل.)٥٢
فلوريزيل :
هذي الملابس الغريبة٥٣ التي لبِستِها تَبُثُّ روحًا نابضًا
بكل شبرٍ منك! فلم تعودي راعية …
بل أنت هكذا فلُورا٥٤ ربَّة الزهور
قد أطلَّت فوق جبهة الربيع!٥٥ فحفل جزِّ الصوف عندكم
لقاءٌ للصغار من أربابكم٥٦ وفوقهم فلورا الملكة!
برديتا :
يا سيدي ومولاي الكريم! قد لا يليق بي أن أُعاتبك (٥)
على مبالغاتك! أرجوك فاصفح إن أنا سمَّيتُها:
فذاتُك العليا٥٧ ومُلتقى عيون الناس قد
طمستها بزيِّ ذلك الرَّاعي! أمَّا أنا الفقيرة المسكينة
فقد رفعتها إلى مراتب الأرباب! لولا ميول ضيوفنا في الحفل
للغرائب الحمقاء … وميلهم لهضم ذاك كُلِّهُ وفي (١٠)
إطار أعراف احتفال الناس … لكنتَ قد شاهدت
حمرة الخجل التي ستصبغ وجنتيَّ إذا شهدت ملبسك
بل قد أبات مغشيًّا عليَّ إذا نظرتُ في المرآة.
فلوريزيل :
إني أُبارك لحظة جاءت بصقري الممتاز فاستقرَّ
هابطًا بأرض والدِكْ.٥٨ (١٥)
برديتا :
فليُبَرِّز جوف هذه المباركة! فإنني أخاف من
تفاوُت المراتِب بيننا! وإنَّما لديكَ من علاء المنزلة
ما يستحيل أن يأتيك فيه خوف! بل إنني لأرتعد
إذا ذكرتُ أنَّه لربما — وبالمصادفة — يمرُّ والدُكَ العظيم
من هنا كما مررتَ أنت دون قصد! فيا لَسخرية القَدَر! (٢٠)
ماذا عساه أن يظنَّ أن تأتَّى أن يرى ابنه النبيل
لابسًا هذي الملابس الحقيرة؟ ماذا عساه أن يقول؟
بل ما عساي أنا — بملبس التباهي المستعَار هذا —
أن أرى في وجهه الغَضُوب حين يأتي؟
فلوريزيل :
فلتنفِ كُلَّ خاطر لديكِ غير متعة الحفل! (٢٥)
فإنَّما الأرباب نفسها بدافع الغرام قد تنكَّرت
في صورة الحيوان خافِضة مكانتها!٥٩ والرب جوبيتر
قد غدا ثورًا له خُوار! وربُّ البحر نبتون العظيم
قد أحال نفسه كبشًا له ثغاء!٦٠ والرَّبُّ ذو الرِّداء النَّاري٦١
— أعني أبوللو الذهبي — قد استحال راعيًا فقيرًا بائسًا (٣٠)
ومثلما أبدو عليه في هذي الملابس! من دون أن يكون
ذلك التَّحوُّل العجيب٦٢ في سبيل غادة جمالُها يزيد عنكِ نُدرة
ولا تزيد عنكِ في العفاف ما دامتْ رغائبي
لا تسبق الشرف الذي يَزِينني، وشهوتي تقلُّ٦٣
في لهيبها عن صِدْق إخلاصي.٦٤ (٣٥)
برديتا :
لكنَّ عزمك سيدي لن يستطيع أن يظلَّ ثابتًا
عند التصادم المحتوم بالذي يقضي به المليك ذو السلطان!
لا بد أن يسود مسلكٌ من مسلكين:
إمَّا عُدُولُك عن زواجي أو عُدُولي عن حياتي!٦٥
فلوريزيل :
أرجوكِ برديتا ويا أعزَّ النَّاس عندي! لا تجعلي (٤٠)
هذي الخواطر التي دهمتكِ تفسد ابتهاج الحفل!
إمَّا أكون يا جميلتي مِلْك يمينك … أو أنبُذ الذي أنجبني
فلن أكون مالكًا لنفسي … أو أيَّ شيء عند أي شخص …
إن لم أكن مِلْك يمينك! وإنني لثابت على عهد الوفاء
حتى لو أبى القدر! فلتمرحي رقيقة المشاعر (٤٥)
ولتنبُذي أمثال هذه الخواطر! ولتستعيني ها هنا
بأي شيء قد تريْنَه أمامك. إنَّ الضيوف
عندكم على وشك الحضور: فلترتسم على
مُحيَّاك ابتسامة كأنَّما هذا النهار يوم حفلنا
بزفافنا … وهو الذي عليه أقسمنا (٥٠)
أنا وأنتِ واتفقنا سالفًا.
برديتا : يا ربَّة الأقدار واتِينا بما نرجو!
فلوريزيل :
ألا ترَيْن؟ الآن يقترب الضيوف … تهيَّئي حتى تلاقيهم ببِشْرٍ
وهناء! ولينبِض الدم القاني بوجهينا دليل المرح.
(يدخل الراعي، مع بوليكسنيس وكميلو وكل منهما
متنكر، ويتبعهم المهرج والفتاتان مُوبسا
ودوركاس، وبعض الرعاة من الجنسين.)
الراعي :
عيبٌ عليكِ يا ابنتي! فعندما كانت قرينتي العجوز حيَّة (٥٥)
كانت بهذا اليوم ساقية وطاهية وربَّة منزل.
كانت كذلك خادمًا تقوم بالترحيب بالجميع ثم تخدم الجميع …
وعندما يحين دورها تُغني ثم ترقص! تريْنها حينًا برأس
هذي المائدة … وبعدها في وسْطِها … وتميل فوق أكتاف
الضيوف بالصِّحاف من طعامها … ووجهها كالنار من (٦٠)
جُهدٍ، ومما تستعين به لإطفاء اللهيب عندما
تذوق قطرة منه بِنَخْبِ كل ضيف! فلتطرحي هذا التحفُّظ!
فلستِ مُحتَفَلًا بها بل أنتِ ها هنا المُضيفة!
أرجوكِ أن ترحِّبي بصِحابنا الذين لا نعرفهم٦٦
فإنَّ ذاك أسلوبٌ لتوطيد الصداقة وازدياد المعرفة. (٦٥)
تَعَالَيْ أطفئي نار الخجل! وعرِّفي الجميع
بالدور المنُوط بك! فأنت راعية لهذا الاحتفال!
هيا تعاليْ رحِّبي بضيوف حفل جزِّ صوف الغنم؛
حتى يجيء الخير للأغنام من يديك.
برديتا (إلى بوليكسنيس) :
يا مرحبًا يا سيدي بك! لقد أراد والدي لي أن (٧٥)
أكون مُضيفة الحفل. (إلى كميلو) يا مرحبًا بك يا سيدي!
فلتعطني هذي الزهور هناك يا دوركاس.
يا أيها المبجَّلان: تفضَّلا زهور إكليل الجبل،٦٧
وزهر عشب الفيجن!٦٨،٦٩ فهذه تظَلُّ طيلة الشتاء
دُون فقْد نُضرة الأوراق أو شذاها. (٧٥)
فلتغفر الأرباب ما جنيتما، وتكتب التذكار دائمًا!
ومرحبًا بكما هنا في حفل جزِّ الصوف.
بوليكسنيس :
إنَّكِ فاتنة يا راعية، وقد أحسنتِ بتقديم زهور شتاءٍ
تتفق وما نحن عليه بشتاء العمر!
برديتا :
قد مال هذا العام للشيخوخة! فالصيف ليس يُحْتَضَر (٨٠)
ولم يُولَد شتاء الزمهرير بعد! وأجمل الأزهار في الموسم
هي القرنفل والزهور الخارجات منه ذات الأشرطة.٧٠
وهي التي يقول بعض الناس إنَّها نغيلات الطبيعة أي بنات
سِفاح! ولستُ أزرع في حديقة ريفنا هذي الزهور!
ولا أحب أن آتي بشتلاتٍ صغيرة منها. (٨٥)
بوليكسنيس : ولماذا يا آنسة فاتنة تتجاهل يدُكِ زراعتها؟
برديتا :
لأنني سمعت أنَّ لونها٧١ يشارك الإنسان فيه بالصَّنعة …
مُهجِّنًا لها، منافسًا يد الطبيعة الخلَّاقة العظمى.
بوليكسنيس :
فليكن! لكنَّ أيَّ تحسين، لما صاغته هذه الطبيعة،
يكون بالصنائع التي أوحت بها الطبيعة! وهكذا فإنَّ هذه (٩٠)
الصَّنعة — وهي التي ذكرتِ أنَّها تضيف للطبيعة —
فنٌّ تُعلِّمنا مناهجه الطبيعة! وهكذا تَرَيْن يا فتاة رائعة
أنا نزوِّج دَوْحة برِّيَّة من غصن نبتٍ سامٍ٧٢
فإذ بها قد حمَلَتْ وأنبتت براعمًا رفيعة سامية.
وهكذا فإنَّ هذا الفن يصلح الطبيعة … لا بل يُغيِّرها — (٩٥)
لكنَّ هذا الفن نفسه من الطبيعة.
برديتا : هذا صحيح.
بوليكسنيس :
إذن لِتُثري يا فتاة حديقتك … بكل زهرٍ خارج من القرنفل،
ولا تقولي إنَّها نغيلات!
برديتا :
بل لن أشُقَّ الأرض كي أغرسها! وموقفي هذا يُماثل موقفي (١٠٠)
لو أنني لوَّنتُ بالأصباغ وجهي ثم قلت إنني أرجو رضاء
هذا الشاب٧٣ عنها … وإنَّه لولا وجود هذه الأصباغ
ما تزوَّجَني! هذي إذن بعض الزهور: هذي
خُزامَى العشق٧٤ والنعناع والصَّعتر٧٥ والعترة.
هذا أذريون٧٦ الجميل، وهو زهرٌ يُغلِق الجفون عندما تنام الشمس، (١٠٥)
ثم يصحو عندما تصحو وقد عَلَتهُ أدمعُ الندى! هذي
زهور وسط الصيف! وأظن أنَّها تُهدَى لمن في أوسط العمر!٧٧
أهلًا ومرحبًا بكما!٧٨

(تقدِّم الزهور إليهما.)

كميلو :
لو أنني من معجبيك لامتنعتُ عن تناول الطعام،
واكتفيتُ بالقُوت الذي ألقاه في مُحيَّاك الجميل. (١١٠)
برديتا :
بل لا تقل هذا، وإلا جاءك الهُزال حتى يعصف الشتاء بك!
(إلى فلوريزيل.)
والآن يا صديقي الوسيم! يا ليت عندي بعض أزهار
الربيع كي تناسب الشباب فيك. (إلى موبسا ودوركاس)
بل والشباب فيكِ وفيها! فأنتما لتحمِلان فوق
أفرع العذارى٧٩ من شعورِكما الشباب بل (١١٥)
وتزدادان عذرة وسحرًا! يا بروسربينا!٨٠ يا بنت ربَّة الزراعة!
يا من أخافها هجوم ديسٍ — رب موتانا — فأسقطت زهورها
من حِجْرِها على مركبته! من بينها زهور النرجس الأصفر
تلك التي تجيء قبلما نرى تَجَاسر الخُطَّاف٨١ عندنا على العودة،
وتأسرين بالجمال كلَّ ريح عاتية … في شهر مارس! (١٢٠)
منها البنفسج في تواضعه٨٢ وإن زادت محاسنه على
أجفان٨٣ ربَّة الأرباب جونو … وفاق عطره
أنفاس ربَّة الهوى فينوس!٨٤ منها زهور ربيعنا الحمراء٨٥
تلك التي تموت قبل زواجها، وقبل أن ترنو إلى الشمس التي
عَلَتْ واشتدَّ بأسُها! وتلك عِلةٌ تشيع ما بين العذارى! (١٢٥)
منها ورود ربيعنا الصفراء٨٦ … بكل تاج ملكي! من الزنابق من
جميع صنوفها والسوسن٨٧ الفتَّان منها! يا ليت عندي ما
أُشكِّل باقة منه لكي أُبعثِرها مرارًا فوق صاحبي الرقيق!
فلوريزيل : كمثل نثْر الزهر فوق جسم ميتٍ؟
برديتا :
لا بل كمِثْلِ ربوة يُطارح الغرام بعضُنا بعضًا عليها! (١٣٠)
لا مثل جسم٨٨ ميتٍ … إلا إذا ما لم يكن للدفن،
بل ليعود حيًّا نابضًا وفي أحضاني! هيَّا خذوا زهوركم!
أظن أنني أؤدي الدور مثلما رأيتهم في مهرجانات الرعاة،
كل عيد عنصَرَة!٨٩ لا شكَّ أنَّ هذا الثوب من فوقي
يُغيِّر من ميولي ومزاجي. (١٣٥)
فلوريزيل :
وكل شيء تفعلينه يفوق سابِقه! وعندما تُكلمينني حبيبتي
ودِدتُ لو كلَّمْتِنِي إلى الأبد! فإنَّما تنساب من شِفاهك الألحان
ليْتها تنساب دائمًا في البيع والشراء، في الإحسان والصدقة،
وفي الصلاة، بل في كلِّ تنظيمٍ لأحوالك.
وإن رقصتِ يا حبيبتي ودِدتُ لو أصبحتِ موجة (١٤٠)
في البحر حتى ترقصي على الدَّوام، بل لا تفعلي سِواه!
أي أن تظلِّي دائمًا تتقدمين٩٠ كالأمواج لا سِواها!
وكلُّ شيء تفعلينه فريدٌ نابه في كلِّ شيء.
وهكذا يُتَوَّج الذي قد تفعلينه في هذه اللحظة؛
بحيث يغدو كلُّ فعلٍ تفعلينه مَلِكة!٩١ (١٤٥)
برديتا :
لا يا دروكليس!٩٢ لقد مَدَحْتني مدحًا مبالغًا فيه!
لولا شبابك والدم الذي يُطلُّ بالإخلاص منه،
وهما يؤكدان في وضوحٍ أنَّكَ الراعي الشريف الطاهر،
لكنتُ قد أوجستُ خيفة بِحِكمتي أيا دروكلس الحبيب
مِن خَطْبِ ودِّي هكذا بمبالغات. (١٥٠)
فلوريزيل :
إني لأومن أنَّه لا شيء يدعو للمخاوف عندك.
وليس عندي أي شيء قد يثير مخاوفك.
لكنَّ رقصتنا تحِينُ الآن … هيَّا وأعطِنِي يدك.
هيَّا كما يتعاهد القُمْري٩٣ أن يظلَّ زوجاه بلا فراقٍ قط!
برديتا : أقْسمتُ هذا طبعُ ذاك الطائر الوفيِّ! (١٥٥)

(يبتعد فلوريزيل وبرديتا، ويقترب بوليكسنيس من كميلو وباقي الحاضرين في مقدمة المسرح.)

بوليكسنيس (إلى كميلو) :
هذي أجمل بنتٍ من أصلٍ ريفيٍّ تجري فوق الكلأ!
لا تفعل شيئًا أو يبدو منها شيء لا يُوحِي بمراتب أرفع منها،
بل أسمى من أن تسكن هذي البقعة!
كميلو :
قد ذَكَرَ لها شيئًا دفع الدَّم إلى خدَّيها! حقًّا هذي
ملكة لون اللبن الصافي والقشدة!٩٤ (١٦٠)
المهرج : هيَّا فليبدأ عزف الموسيقى!
دوركاس :
موبسا ستكون رفيقتك الآن! لكن فلتجعلها تأكل بعض
الثوم … حتى تحسُن رائحة القُبُلات!٩٥
موبسا : عَبَّرتِ أنتِ عن حقيقتك!٩٦
المهرج :
كُفَّا عن ذلك! بل لا تزيدا كلمة! إنا محافظون ها هنا (١٦٥)
على حُسن الخُلُق!٩٧ هيَّا اعزفوا الموسيقى.

(تبدأ الرقصة التي يشارك فيها الرعاة ذكورًا وإناثًا، ومن بينهم فلوريزيل وبرديتا، وتنتهي، ويخرج الرعاة الراقصون.)

بوليكسنيس :
أرجوكَ أيُّها الراعي الكريم قُل مَن ذلك الراعي الوسيم؟٩٨
أعني الذي يُشارك الرقصَ فتاتك.
الراعي :
يدعونه دروكليس. كما يقول في تفاخرٍ بأنَّه
لديه أرضٌ من مراعٍ شاسعة. لكن هذا ما يقوله (١٧٠)
وإنَّني أصدِّقه! والحق أنَّه يبدو عليه الصدق فعلًا!
يقول إنَّه يحب بنتي! وذاك ما أعتقده.
فلَمْ يحدِّق البدر المنير ليلة في ماء هذا البحر،
مثلما يقف الفتى ليقرأ الذي كُتِب — إن صحَّ تعبيري —
بعينيْ ابنتي! وإن أردتَ قولي الصريح واضحًا فإنني (١٧٥)
أقول إنني لا أستطيع أن أرى من منهما
يزيد حُبُّه ولو بِقُبْلة عن صاحبه!
بوليكسنيس : ما أكبر البراعة التي تَزِين رقصها!
الراعي :
بل إنَّ هذا شأنها في كل ما تفعل — حتى ولو
ذكرت ذاك أنا — فلا يليق بي امتداح بنتي!٩٩ (١٨٠)
إذا ما اختار الاقتران بها دروكليس
فسوف تأتيه بما لا يحلم الفتى به.١٠٠

(يدخل خادم.)

الخادم :
يا سيدي! لو قُدِّر لك وحسب أن تسمع البائع الجوال عند
الباب، فلن تعود للرقص مرة أخرى على أنغام الدف
والمزمار! كلَّا، ولن تثيرك موسيقى القِرَب! إنه يغني من (١٨٥)
الألحان مسرعًا بأكثر مما تستطيع عدَّ النقود! إنه ينطقها كأنما
ابتلع المواويل بلعًا! وآذانُ الجميع تستجيب إلى ألحانه!
المهرج :
لم يأت في لحظة أنسب من هذه! مُرْهُ أن يدخل! فإن حبي
للمواويل زائد لا يوصف، إن كان الموضوع محزنًا والكلمات
ذات لحن مرح، أو كان الموضوع بالغ المرح واللحن حزين (١٩٠)
شجي!١٠١
الخادم :
لديه أغانٍ للرجال والنساء من كل الألوان. ولن يفوقه
الخردواتي١٠٢ في انتقاء القفاز الذي يناسب أيدي زبائنه. لديه
أجمل أغاني العشق للعذارى، وتخلو تمامًا من البذاءة، وهو (١٩٥)
أمر غريب، ما دامت لديه أبيات لطيفة يردِّدها الجمهور بعد
كل مقطعٍ فيها الهُراء والهَذَرُ، مثل الطُمها واضرَبها، وهي
التي قد تدفع الأوغاد للصياح صيحات بذيئة وإدخال
فجوات قذرة في الموضوع، مما يذكِّرنا بالأغنية الشائعة التي
تغنيها العذارى إجابة عليه «لا تؤْذِني يا أيها الرجل (٢٠٠)
الكريم!» وهكذا يقاطِعنه، ويحتقِرنه، بقولهن «لا تؤذني يا
يا أيها الرجل الكريم!»
بوليكسنيس : هذا رجل رائع!١٠٣
المهرج :
صدقني! أنت تتحدث عن شخص عجيب مغرور! هل
لديه أية بضائع جديدة؟ (٢٠٥)
الخادم :
لديه شرائط زينة بجميع ألوان قوس قزح،١٠٤ وأربطة بعُقَدٍ لا
يستطيع جميع المحامين في بوهيميا أن يَحُلُّوها مهما تبحروا في
العلم، وإن كان يشتريها بالجملة! وأشرطة قطنية خشنة،
ولفائف من الخيش والكتان والقطن، والمنسوجات الريفية،
بل إنه يترنَّم بها كأنما كانت أربابًا أو ربات! حتى لتخال أنَّ (٢١٠)
القميص المطرز ملاك! وهو يتغنى بجمال أسورة كُمِّ
القميص والزركشة التي على الصدر!
المهرج : أرجوك أدخله إلينا … ولينشد شيئًا أثناء قدومه.
برديتا : حذِّره من استخدام أية كلمات بذيئة في أغانيه. (٢١٥)

(يخرج الخادم.)

المهرج :
بعض هؤلاء الباعة الجوالين لديهم أكثر مما تتصورين يا
أخت.
برديتا : نعم أيها الأخ الكريم! أو ما تكثرت بتصوره.

(يدخل أتوليكوس لابسًا لحية مستعارة وحاملًا جعبته ويغني.)

أُتوليكوس (يغني) :
لديَّ مناديل بيضاء في لون ثلج الشتاء (٢٢٠)
وأقمشة حالكات السَّواد كغربان هذا الفضاء
وقُفَّاز كل يدٍ ذو أريجٍ يفوح بروح الورود١٠٥
وأقنعة١٠٦ للوجوه وكلِّ الأنوف وكلِّ الخدود،
أساور محكمة من عقيق، قلائد من كهرمان،١٠٧
عطورٌ يَزِين شذاها الرهيف خدور الحِسان،١٠٨ (٢٢٥)
وأوشحة وُشِّيَت بالنضار، وأحزمة للخصور النحيلة
يقدِّمها العاشقون الشباب إلى كل بنت جميلة.
دبابيس أو قُضُب من حديد وصلب،١٠٩
فذلك عند العذارى شديد الطلب.
تعالوا اشتروا أقدموا أقدموا واشتروا (٢٣٠)
وإلا ستبكي أحِبَّتُكم يا شباب اشتروا.
المهرج :
لو لم أكن أُحبُّ موبسا ما اشتريتُ شيئًا فأخذت مني مالًا!
لكنها ما دامت تأسرني برباطٍ شديد، فسوف تربط لي بهذا
الرباط بعض الأشرطة والقفازات.١١٠
موبسا :
كنتَ وعدتني بشرائها لي قبل العيد! لكنني أقبلها الآن على (٢٣٥)
أية حال!
دوركاس : كان قد وعدك بأكثر من ذلك! وإلا كان محدثي كاذبًا!
موبسا :
لقد أعطاكِ كل ما وعدك. وربما أعطاكِ ما يزيد على ذلك
(في بطنك)! وسوف يجلب لك العار عندما (تلدينه)١١١
وتردينه إليه! (٢٤٠)
المهرج (غاضبًا) :
ألم تعد لدى هذه النساء أخلاق؟ وهل يكشفن عن
العورة مثل الوجه؟ ألا تختلين بأنفسكن قط للتهامس بهذه
الأسرار، وقت حليب الأبقار، أو قبل الذهاب إلى الفراش،
أو أمام أفران الخبيز، حتى تُرْغَمْنَ على الثرثرة بها أمام جميع (٢٤٥)
الضيوف؟ أحسنتْ النساء الآن بالتهامس! فلتمسك كلُّ
لسانها ولا تنطق بلفظ آخر!
موبسا :
أمسكتُ لساني! اسمع! كنتَ وعدتني بمنديل حريري
متعدد الألوان وقفاز جميل. (٢٥٠)
المهرج :
ألم أقل لك كيف تعرضتُ للخداع في الطريق وسرقة كل
نقودي؟
أُتوليكوس :
بالفعل يا سيدي، المحتالون منتشرون، ويجدر بالرجال إذن
أن يأخذوا حذرهم.
المهرج : لا تحش أنت شيئًا يا رجل، فلن يُسرَق منك شيء هنا. (٢٥٥)
أُتوليكوس : أرجو ذلك يا سيدي فمعي بضائع كثيرة ثمينة.
المهرج : ماذا لديك الآن؟ مواويل مطبوعة؟
موبسا :
أرجوك أن تشتري لي بعضها! فأنا أحب المواويل المطبوعة،
وأقسم بحياتي، فإننا نثق عندها في صدق ما تحكيه. (٢٦٠)
أُتوليكوس :
هذا موَّالٌ يحكي قصة وُضِعَت على لحن بالغ الحزن؛ إذ
يقصُّ كيف وَلَدت زوجة أحد المرابين١١٢ عشرين كيسًا من
النقود في بطن واحد، وكيف كانت تتوحم على أكل رءوس
ثعابين سامة وضفادع بشرية مُقطَّعة مشوية! (٢٦٥)
موبسا : وهل هذه قصة حقيقية في رأيك؟
أُتوليكوس : بل حقيقة فعلًا، ولم يمضِ عليها إلا شهر واحد.
دوركاس : لا قدَّر الله أن أتزوج مُرابيًا.
أُتوليكوس :
وها هو ذا اسم الداية المطبوع على الموَّال: السيدة ثرثارة
هانم،١١٣ إلى جانب أسماء خمس زوجات محترمات أو ست كُنَّ (٢٧٠)
حاضرات. ولماذا أتجول حاملًا أكاذيب؟
موبسا (إلى المهرج) : أرجوك أن تشتريها الآن؟
المهرج :
دعك من هذه الآن! ولنرَ المزيد من المواويل أولًا. سوف
نشتري الأشياء الأخرى حالًا.
أُتوليكوس :
هذا موَّال آخر يحكي قصة سمكة ظهرت يوم الأربعاء، في (٢٧٥)
اليوم الثمانين من شهر أبريل، على ارتفاع أربعين ألف قامة١١٤
فوق الماء، ويُنشد هذا الموَّال لانتقاد قسوة قلوب العذارى.
وكان يقال إنَّ هذه السمكة كانت امرأة ثم مُسِخَت سمكة
باردة١١٥ لأنَّها رفضت التجاوب جسديًّا مع عاشق لها. إن قصة (٢٨٠)
الموَّال مؤلمة جدًّا، وحقيقية.
دوركاس : حقيقية فعلًا في رأيك؟
أُتوليكوس :
أقرَّ بصدقها خمسة قضاة، ووقَّعوا على ذلك، إلى جانب عدد
من الشهود يزيد عمَّا تتسع له حقيبتي.
المهرج : دعك منها أيضًا. هات غيرها. (٢٨٥)
أُتوليكوس : هذا موَّال مرح، لكنه بالغ الجمال.
موبسا : أفضِّل المواويل المرحة.
أُتوليكوس :
ولكنَّ هذا ذو مرح فائق، ويُغنَّى على لحن الأغنية المعروفة،
عذراوان تنافستا في حب رجل. لا تكاد توجد عذراء في (٢٩٠)
غرب البلد لا تغنيها. إنَّها مطلوبة وأؤكد لكم.
موبسا :
نستطيع أن نغنيهما معًا، إذا غنيتما الدور الذي سوف أحدده
لكما، فهي تحتاج إلى ثلاثة أصوات.
دوركاس : قرأنا الأغنية وحفظنا لحنها منذ شهر. (٢٩٥)
أُتوليكوس : أستطيع تأدية دوري؛ فأنتما تعرفان أنَّها صنعتي، هيا! فلنبدأ.

(يغنون.)

أُتوليكوس :
ابتعدوا يلزمني أن أرحل؛
حيث يناسب كلًّا أن يجهل.
دوركاس : أين إذن؟ (٣٠٠)
موبسا : قل أين؟
دوركاس : أين إذن؟
موبسا :
من أجل وفائك بيمين الأبرار،١١٦
أفصح لي عن كلِّ الأسرار.
دوركاس : وأنا أيضًا دعني أمضي معكما. (٣٠٥)
موبسا :
لا تنزل عند الطاحون أو البيت المهجور؛
إن تنزل في هذا أو ذاك تُصِبْك شرور.
أُتوليكوس : لا هذا أو ذاك.
دوركاس : عجبًا! لا هذا أو ذاك.
أُتوليكوس : لا هذا أو ذاك. (٣١٠)
دوركاس : أقسمت بأنَّك أصبحت غرامي.
موبسا :
وحلفت على ذلك لي وأمامي،
وإذن أين ستمضي؟ قل أين؟
المهرج :
سوف نغني هذه الأغنية لآخرها بأنفسنا بعد قليلٍ؛ فوالدي
منهمك في حديث جاد مع الأستاذ، ولا نريد إزعاجهما. هيا! (٣١٥)
احمل حقيبتي واتبعني الآن. أيها الفتاتان سوف أشتري لكما
معًا بعض الأشياء. واسمح لنا أيها التاجر باختيار ما نريد،
أولًا. اتبعاني يا بنات!

(يخرج ومن خلفه دوركاس وموبسا.)

أُتوليكوس :
وسوف تدفع الثمن الكبير لها!
(يغني.)
هل تشترين شرائطًا لحُلَّتِك، (٣٢٠)
أو زركشات تطريز هنا لِبِزَّتك،
يا حُلوتي وبطَّتي الجميلة الخلَّابة؟
هل تشترين أي خيط أو حرير،
أو زينة لرأسك الحلو الصغير،
من أحدث الأصناف والرهائف الجذَّابة؟ (٣٢٥)
إذن إلى البيَّاع أقدِمِي هنا،
فإنَّه بالمال يأخذ الكثير عندنا،
ويستجيب كلُّ شيء للنقود أيَّما استجابة!

(يخرج أتوليكوس.)

(يدخل خادم.)

الخادم :
يا سيدي! وصل ثلاثة عربجية،١١٧ وثلاثة رعاة، وثلاثة رجال
من رعاة الأبقار ومثلهم من رعاة الخنازير، وقد لبسوا جميعًا (٣٣٠)
جلود الماعز الخرافي — الساتير — ذات الشعر الكث.
ويقولون إنَّهم بهلوانات،١١٨ وقد أدوا بعض الرقصات التي
تقول الفتيات إنَّها تتكوَّن من خليط الرقص والقفز! ربما
لأنهن لا يشتركن فيها! ولكنهم يعتقدون أنَّهم، إن لم تكن
حركاتهم زائدة الغِلظة عند من لم يعتادوا غير لعب الكرة (٣٣٥)
الهادئ، يستطيعون إمتاع المشاهدين كثيرًا.
الراعي :
مُرْهُم أن ينصرفوا! لن نشاهد أيًّا من ذلك. لقد رأينا ما
يكفي من التنطيط الأحمق! (إلى بوليكسنيس) أعلم يا سيدي
أننا أرهقناك.
بوليكسنيس :
بل أرهقتَ من يُمتِعُوننا. أرجوك! دعنا نشاهد المجموعات (٣٤٠)
الأربع من ثلاثيات الرعاة!
الخادم :
تقول إحدى المجموعات الثلاثية يا سيدي بلسانها إنَّ
أفرادها رقصوا أمام الملك،١١٩ ويقول أحد هؤلاء الثلاثة،
وليس أسوأهم، إنَّه وثب في الهواء إلى ارتفاع ثلاثة أمتار
وثمانين سنتيمترًا على وجه الدقة!
الراعي :
كف عن هذرك! ما دام يُسعد هؤلاء الكرام أن يشاهدوهم، (٣٤٥)
ادعهم للدخول، هيا وأسرع!
الخادم : إنَّهم بالباب ينتظرون … سيدي!

(يُدخل الخادم الراقصين الريفيين الاثني عشر، لابسين أردية الماعز الخرافي، ويرقصون على أنغام الموسيقى.)

(يخرج الخادم والراقصون.)

بوليكسنيس (إلى الراعي) :
يا والدي! لَسوف تعرف المزيد عن هذا بوقتٍ لاحقٍ.١٢٠
(إلى كميلو)
ألم يزِد هذا عن الحدِّ؟ بل حان أن ينفصلا.
إنِّي أرى الرَّاعي العجوز ساذجًا ويُفضي بالكثير! (٣٥٠)
(إلى فلوريزيل)
قل كيف حالك أيُّها الراعي الوسيم؟ القلب مشغولٌ لديكَ بما
يلهيكَ عن حفل الصِّحاب! بالحق في شبابي عندما
طارحتُ أحبابي الغرامَ مثلك كنت أُهدي للفتاة
جميع أصناف الحُلي التافهة. لو في مكانك كنتُ أنهب ما
لدى الجوَّال من كنزٍ حريري! ولَكنتُ أغدقه عليها؛ (٣٥٥)
كي أنال به رضاها. لقد تركته يمضي،
ودون شراء شيء منه. فإن أبَتْ حبيبتُك
إلا إساءة فهم إحجامك، أو فسَّرته بأنَّه
نقصٌ بحبك أو سخائك، فلَسوف تعجز عن
إجابتها بشيء مقنع، وعلى الأقلِّ إذا حَرَصتَ على (٣٦٠)
دوام سعادة المحبوب لك.
فلوريزيل :
إني لأعرف أيُّها الشيخ الكريم بأنَّها ليست ترى
لبضائع الجوَّال أيَّة قيمة. أما هداياها التي تطلبها
فإنَّها مكنونة في القلب. ولقد وهبته من قبل
إيَّاها، ولكن لم أسلِّمه إليها!١٢١ (٣٦٥)
(إلى برديتا)
أرجوك أن تُصغي إليَّ، وقد وعدتكِ بالوفاء مدى الحياة،
وأمام هذا الشيخ؛ إذ يبدو كذلك أنَّه عرف المحبَّة في صباه،
هاتي يدك! هذي تُضاهي في نعومتها وسحر بياضها١٢٢ زَغَبَ
الحمام … أو سِنَّ إثيوبي١٢٣ … أو الثلوج١٢٤ في مرابع الشَّمال
حيث صفَّتها الرياح العاصفات مرَّتين فزاد عُمق بياضها. (٣٧٠)
بوليكسنيس :
فما الذي يَتلو إذن هذا؟
(إلى كميلو)
ما أجمل البياض؛١٢٥ إذ يضفيه من جديد فوق هذه اليد البيضاء!
(إلى فلوريزيل)
لقد أفسدتُ تركيزك! لكن إلى الإفصاح عن هواك!
دَعني إذن أُصغي إلى إعلانك الرَّسمي.
فلوريزيل : اسمع وكن عليَّ شاهدًا! (٣٧٥)
بوليكسنيس : وهل لجاري أن يشاركني؟
فلوريزيل :
وغيره، وكلُّ من في الأرض والسماء أجمعين! لو أنني
كُلِّلتُ من فوق الملوك كلَّهم،١٢٦ وفزت بالسلطان والجبروت.
لو أنَّ لي وسامة تفوق كلَّ شخص يستطيع بَهْرَ الأعين،
لو أنَّ لي العلم الذي يصاحب الجبروت فوق كل رجل؛ (٣٨٠)
فلن أُعِزَّ ذاك كله من دون حبِّها! بل إنني أُسخِّر الهبات كلها
من أجل خدمتها! هذا وإلا فلتضِع جميعها مني!
بوليكسنيس : عرضٌ جميل!
كميلو : هذا يُظهِر عُمق العاطفة.
الراعي : لكن يا بنتي … أتقولين له هذا نفسه! (٣٨٥)
برديتا :
لا أقدِر أن أنطق شيئًا يتمتَّع بجمال كلامه … أو مقصده.
لكنِّي حدَّدت بمقياس خواطر نفسي مقدار نقاء خواطره.
الراعي :
تصافحا إذن على الصفقة … وأنتما … من أصدقاء لستُ
أعرفهم١٢٧ … كونا من الشهود ها هنا! إنِّي وهبت بنتي له!
وسوف أجعل ما تُزفُّ به مساويًا لما يقدِّمه من المهر! (٣٩٠)
فلوريزيل :
لا بد أن يكون ذاك ما يزينها من الفضيلة؛
فعندما يموت والدي سيربو ما يئول لي
عمَّا رأيت في المنام يومًا ما. وسوف يكفل اندهاشك!
لكنني أقول هيَّا! أعلِن بحضرة الشهود خطبتنا!١٢٨
الراعي : هات يدك! وهاتِ يا بنتي يدك! (٣٩٥)
بوليكسنيس : أرجوك يا شاب انتظر. فهل لديك والد؟
فلوريزيل : نعم، ولكن ما تريد منه؟
بوليكسنيس : هل له علم بهذا؟
فلوريزيل : لا يعلم، بل لن يعلم.
بوليكسنيس :
أعتقد بأنَّ الوالد أفضل ضيفٍ يغشى مأدبة زفاف ابنه! (٤٠٠)
أرجو وأكرر سؤلي: أفلم يدْهَم
والدَكَ العجزُ عن التفكير العقلاني؟
أفلم يصبح خرِفًا بتقدُّمه في السن
وأمراض نالت منه؟ هل يقدر أن يتكلم؟ أن يسمع؟
ويميز بين الأفراد؟ ويناقش أحواله؟ (٤٠٥)
أفلا يرقد بفراش العجز؟ ويكرر ما فعل بمهد طفولته؟
فلوريزيل :
لا يا مولاي الفاضل. فلديه من الصحة والقوة ما
يربو عن معظم من في عمره.
بوليكسنيس :
أقسمت بلحيتي البيضاء، إذا كان الأمر كذلك،
كنت تسيء إليه إساءة ولدٍ عاقٍّ لأبيه (٤١٠)
إلى حدٍّ ما.١٢٩ العقل يقول بأنَّ الولد له حقٌّ
في أن يختار له زوجة! لكنَّ العقل الراجح يقضي
أيضًا بمشاركة الوالد بمشورته في هذا الأمر … فالوالد لا
فرح له إلا أن يُنجِب أبناء صالحة.
فلوريزيل :
سلَّمت بصحة هذا كله. لكن لديَّ من الأسباب الأخرى (٤١٥)
يا مولاي الفاضل ما لا تجدر معرفتك به … وتبرِّرُ
إحجامي عن إطلاع أبي بالحقِّ على هذا الأمر.
بوليكسنيس : أخبره به.
فلوريزيل : بل لن يعرف.
بوليكسنيس : أرجوك بأن تخبره. (٤٢٠)
فلوريزيل : كلا؛ فالواجب ألا يعرف.١٣٠
بوليكسنيس : ولدي! أخبره فلن يحزن إن عرف عروسك.
فلوريزيل : الواجب ألا يعرف … هيا! اشهد عقد زواجي!

(بوليكسنيس يُزيل اللحية المستعارة وسائر مظاهر التنكُّر.)

بوليكسنيس :
تقصد عقد طلاقك يا شاب! يا من لا أجرؤ أن أدعوه
ولدي! إنَّك أحقر من أن أعترف هنا بك! هل ترث الملك (٤٢٥)
فتهوى راعية تحمل خطَّافًا؟١٣١
(إلى الراعي) يا شيخًا خائن! يؤسفني أنِّي
لن أفلح بالشنق سوى أن أُنقص من عمرك أسبوعًا!
(إلى برديتا)
يا ساحرة فائقة شابة! لا شكَّ بعلمِكِ أنَّ المأفون أمير!
الراعي : واهًا لك يا قلبي!
بوليكسنيس :
وغدًا سآمر أن يُشوَّه حُسنك الباهي لكي (٤٣٠)
يزداد حِطة عن موقعك!
(إلى فلوريزيل)
وأنت أيُّها الغلام الأحمق! لو أنَّني عرفت يومًا ما
بأي آهةٍ١٣٢ تندُّ منك بعد أن تفارق الصغيرة التافهة
— وذاك ما سأكفله — فسوف تُحرَم الميراث للعرش،
وسوف أنكر الأبوَّة … لا بل وكلَّ ألوان القرابة (٤٣٥)
كأنَّما ابتعدت عنَّا في الزمان أشد من نوح وطوفانه!١٣٣
فلتنتبِه لما أقول واتبعني إلى البلاط.
(إلى الراعي)
وأنت أيها الفلاح! نعفيك من عقوبة الإعدام هذه المرة،
برغم كل ما ملأتني به من استياء.
(إلى برديتا)
وأنتِ يا ذات الجمال الساحر! لا تجدُرِين إلا بالرعاة! (٤٤٠)
وبالذي — لولا دماؤه الملكية — ما كان يجدر بك!
إذا فتحتِ باب كوخكِ الريفي بعد الآن للأمير
وكذاك إن طوَّقتِ جسمه بهذه الأحضان يومًا ما؛
دبَّرتُ أسلوبًا لموتِكِ فيه أقصى قسوة
كيما يُجاري طبعكِ الحسَّاس للآلام. (٤٤٥)

(يخرج بوليكسنيس.)

برديتا :
دمار كل شيء جاء في لحظة! لم أخَف كثيرًا …
فإنني أوشكت مرة أو مرتين أن أقول في صراحة له:
شمس الصباح نفسها التي تزور قصره،
لا تحجب المحيَّا عن أقل كوخ!
أي إنَّها ليست تفرِّق بيننا! (٤٥٠)
(إلى فلوريزيل) هلَّا تفضَّل سيدي بأن يرحل؟
إني ذكرتُ ما يكون من هذي القضية لك. أرجوك أن
تُعنَى هنا بمكانتك. الآن قد صحوتُ من حُلمي،
ولن أعود ملكة على شيء! بل إنني سأحلب النعاج باكية.
كميلو (إلى الراعي) : ما حالك يا والدنا الآن؟ انطق قبل موافاة الأجل! (٤٥٥)
الراعي :
لا أقدر أن أتكلَّم أو أقدح فكري،
بل لا أجرؤ أن أعرف ما أعرف.
(إلى فلوريزيل)
يا سيد! حطَّمت لدينا شيخًا عاش ثلاثًا وثمانين سنة!
كنت أُمَنِّي النفس بأن أهبط للقبر بلا صخبٍ،
وأموت كذلك بفراشٍ مات الوالد فيه، (٤٦٠)
وأن أُدفَن بجوار عظام أبي الأشرف!
أما الآن فسوف يكفِّنني الجلَّاد ويدفنني بمكانٍ
لا كاهن فيه يهيل ترابًا فوق رُفاتي.
(إلى برديتا)
يا بائسة ملعونة! قد كنت على علمٍ أنَّ الشاب أميرٌ، لكنَّك
غامرتِ وبادلتِ الشاب عُهُود الحب. إنِّي دُمِّرت تمامًا! (٤٦٥)
لو مُتُّ بهذي الساعة فلقد عشتُ، وحين أردتُ أتاني الموت!

(يخرج الراعي.)

فلوريزيل :
لِمَ تنظر عيناكِ بهذا الأسلوب إليَّ؟ إنَّ بقلبي الآن
أسى لا خوفًا! فأنا أتأخر أو أتعطَّل لكني
لا أتغيَّر قط! قد كنت وما زلت كعهدك بي
بل زاد حماسي للإقدام بسبب مقاومة أبي!١٣٤ (٤٧٠)
أي إنِّي لا أمضي في الخطبة مضطرًّا!١٣٥
كميلو :
يا مولاي الفاضل! إنَّك تعرف طبع أبيك الحامي.
في هذه اللحظة لن يقبل منك كلامًا،
وأنا لا أتوقع منك حديثًا معه الآن،
وكذلك لن يقبل رؤيتك — مع الأسف — لوقت ما. (٤٧٥)
وإذن فاصبر حتى تنفثئ الغضبة فتقدم منه.
فلوريزيل : لا أنوي أي حديث معه الآن. أنت كميلو؟

(يرفع كميلو القناع.)

كميلو : فعلًا يا مولاي.
برديتا (إلى فلوريزيل) :
ما أكثر ما أخبرتك أنَّ الأمر يئول إلى هذا!
ما أكثر ما قلت بأنَّ الخطبة لأميرٍ ما تلبث أن تَحْبِط (٤٨٠)
حين يُذاع السر!
فلوريزيل :
بل لن يصيبها الإحباط إلا إذا حنثتُ باليمين. وعندها
فلتأتِ ربَّة الطبيعة … فتدكَّ أجناب البسيطة ثم تسحقها معًا،
ولتفسد البذور في باطنها!١٣٦ فلتنفرج حبيبتي أساريرك!
يا والدي احرمني من الميراث! فقد ورثتُ حبي.١٣٧ (٤٨٥)
كميلو : أرجوك أن تهتدي.
فلوريزيل :
أنا أهتدي فعلًا بحبي. إن استطاع عقلي الانصياع له
غدوت عاقلًا … أمَّا إذا عصاه … فلترحِّب الحواس كلها
بمقدم الجنون١٣٨ ولتُسرَّ به!
كميلو : هذا مسار اليأس سيدي. (٤٩٠)
فلوريزيل :
إذن فسمِّه كذلك. لكنَّه يفي بما أقسمت أن أفعل.
عقلي يقول حتمًا إنَّه الشَّرف. اسمع كميلو:
لن يستطيع مُلك بوهيميا — ولا الفخامة التي تُجنى
من الجلوس فوق عرشها، ولا جميع ما ترى الشموس،
أو يضمه الثَّرى في رحِمِه — بل ما تُخبئه البحار في (٤٩٥)
أغوارها السحيقة المجهولة — أن يؤدي بي إلى
حِنثِ اليمين للحبيبة الجميلة. وهكذا أرجوك
ما دُمتَ الصديق ذا التكريم دائمًا لوالدي
بأن تقوم حين أختفي عن بصره — فإنني بالحق أنتوي
ألَّا أراه بعد هذا اليوم أبدًا — بإسداء المشورة النصوح له، (٥٠٠)
حتى تخفَّ غضبته … ولتقصر النصح عليه! دعني أجالد
الأقدار في المستقبل القريب. دعني أقول الآن ما انتويته
وانقله من فمي إليه: إنِّي سأمضي للرحيل بحرًا
بصحبة التي عجزت أن أحوزها برًّا.
والحظُّ لبَّى حاجتي كخير ما يكون؛ إذ إنَّ لي (٥٠٥)
سفينة سريعة قريبة منَّا، لكنَّها كانت لغايةٍ أخرى.
أمَّا مسار سفينتي ومقصدها … فلن يفيدك العلم به،
ولا يهمُّني الإفصاح عنه الآن لك.١٣٩
كميلو :
أُوَّاه يا مولاي!
يا ليتَ روحك استجابت للنصيحة دون لأي (٥١٠)
أو تدعَّمت في وقت حاجتك.
فلوريزيل :
اسمعي برديتا! (يختلي بها جانبًا.)
(إلى كميلو) أُصغي إليكَ بعد لحظة
(فلوريزيل وبرديتا يتهامسان.)١٤٠
كميلو (جانبًا) :
لا يتزحزح! عَقَدَ العزم على أن يرحل. لو كنتُ سعيدًا برحيله
لغنِمتُ الفرصة في تحقيق مرامي! كم أتمنَّى أن أنقذه من (٥١٥)
هذي الأخطار، وأخدمه في حبٍّ وشرف، وأعود لرؤية
أرض صقلية بلادي المحبوبة والملك التاعس مولاي!
من أتعطَّش كلَّ العطش لرؤياه!
فلوريزيل :
اسمع يا كاميلو الأكرم! أعتذر لخرق قواعد كل مجاملة
بسلوكي هذا، لكنَّ همومي شغلتني عنك.
كميلو :
أعتقد بأنَّك يا مولاي سمعت بخدماتٍ مُتواضعة منيِّ (٥٢٠)
تغذوها روح الحب لوالدك؟
فلوريزيل :
قد استحققتَ كلَّ مدحٍ للمكارم الجليلة … ووالدي يسُرُّه
كل السرور١٤١ أن يشير للذي أسديته من الأفضال.
وإنَّه ليهتم اهتمامًا دائمًا بذكرها كما يُجازيك عليها.
كميلو :
اسمع إذن يا سيدي. إن كنت تستطيع أن ترى ودادي (٥٢٥)
للمليك وعبره لأشد أهل الأرض قُربًا له
— أي ذاتك الكريمة — فلتحتضِن مشورتي وحسب١٤٢
إن كان بالإمكان تعديل الذي رسمته
من المشاريع الحكيمة المؤكدة! إنِّي لأقسم بالشرف
إنِّي كفيلٌ أن أوجِّه مركبك (٥٣٠)
إلى مكان تستطيع أن تلقى به كلَّ الذي يليق
بالسمو في منزلتك، وحيث تستطيع أن تجد الهناء بالحبيبة.
ولا أرى إلا دوام الارتباط بينكما إلى الأبد،
ودون أن يحُول دون ذاك حائلٌ لا قدَّرت مشيئة السماء
غير أن تهلك. تزوجها هناك! (٥٣٥)
ولسوف أبذل كلَّ ما في طاقتي أثناء غيبتك؛
حتى أبرِّد نار غَضبة والدك،
وأسوقه إلى الرضا عليك.
فلوريزيل :
وكيف يا كميلو؟ أذاك ممكنٌ؟ يكاد أن يكون معجزة!
وعندها تكاد أن تكون ربًّا! وبعدها١٤٣ (٥٤٠)
أظلُّ واثقًا على الدَّوام بك.
كميلو : هل اخترتَ أين ستذهب فعلًا؟
فلوريزيل :
كلَّا، ولكن … ما دام حادث اكتشاف والدي لنا
— وهو الذي ما جال قط بخاطري — يرمي بنا في هذه الحيرة
فإننا نرى بأننا عبيدٌ للمصادفة … ذُبابٌ في مهب كل ريح. (٥٤٥)
كميلو :
أصغِ إليَّ إذن: إن لم تعدل عن عزمك أن ترحل فاذهب
صوب صقلية بلادي. واكشف للملك ليونتيس
عن نفسك وأميرتك الحسناء! وأنا أدعوها
باسم أميرتك لأنِّي أعلم أنَّك تتزوجها حتمًا!
وعليها أن تلبس ما يَجْمُلُ بشريكة مخدعك هناك! (٥٥٠)
وبعين خيالي أشهد مولاي ليونتيس
وإذا هو قد فتح ذراعيْ كرمه … وانخرط يُنَهْنِهُ
ترحيبًا بكما، وأراه يردد فلتصفح عني يا ولدي!
فكأنَّك أنت أبوك! ويُقبِّلُ أيدي زوجتك اليافعة الحسناء.
وإذا ألفاظ الملك قد انقسمت ما بين تذكُّر (٥٥٥)
قسوته في الماضي والعطف السابغ في الحاضر،
ويكرر ذاك مرارًا فيدين الظلم، ويُلقي
في النار به داعيًا العطف أن ينمو
بثباتٍ وبأسرع من لمْحِ الفكر وكرِّ الزمن.
فلوريزيل : وبأيَّة أسباب يا كاميلو الأكرم أتذرَّع لزيارته؟ (٥٦٠)
كميلو :
قل أرسلك الملك أبوك لإبلاغ سلامه،
ولتأكيد صداقته له. اسمع يا مولاي سأكتب لك ما
ما يجب عليك بأن تفعل وتقول له.
وبصفتك مبعوثًا من والدك إليه … وهي أمور
لا يعرفها غير ثلاثتنا … أقصد هذين الملكين ونفسي. (٥٦٥)
ولتسترشد يا مولاي بما أكتبه فيما يجب
عليك بكل مقابلة معه أن تتفوَّه به
حتى لا يدرك إلا أنَّك كاتم سر أبيك،
وتنطق بخبايا قلبه.
فلوريزيل : أنا ممنون لك، فالخطة قد تنجح فعلًا! (٥٧٠)
كميلو :
وتُبشِّرُ بالخير بأكثر ممَّا أن تنطلقا دون دليلٍ ببحارٍ
لم يرتدها بشرٌ، وسواحل لم تخطر بالأحلام،
وضروب معاناة لا شكَّ بها … من دون بوارق أمل
هادية … إذ ما إن يذهب همٌّ حتى يأتي همٌّ آخر،
لا مصدر لأمان إلا المرساة، وأفضل ما تأتي (٥٧٥)
المرساة به أن تُنجي المركب حين تُثبِّتها بمكان
أبغض من أن يطلب. وإلى جانب ذاك كما تعلم
إن واتاك نعيم الدنيا ربط الحب بقلبك،
وإذا حلَّ شقاءٌ ذهبت نضرة ماء الوجه وولَّى دفء القلب!
برديتا :
لا يَصدُقُ إلا نصف كلامك. فأنا أومن أنَّ شقاء الدنيا (٥٨٠)
قد يذهب برواء الخدين، ولكن لا يهزم ما في الروح.
كميلو :
حقًّا؟ أتقولين بهذا؟
(إلى فلوريزيل)
لن يولَد في منزل والدك نظيرٌ لفتاتك في
سنوات لا تُحصى.١٤٤
فلوريزيل :
يا كاميلو الأكرم! برديتا أعلى نفسًا مما نشأت فيه (٥٨٥)
وبمقدار عُلُوي بالمولد عنها.
كميلو :
لا يؤسفني أنَّ فتاتك لم تتعلم في مدرسة فلديها
في نظري ما يجعلها أستاذة معظم مَن يحترفون التعليم.١٤٥
برديتا : العفو يا مولاي! عبَّرتُ عن شكري بحمرة الخجل!
فلوريزيل :
أحسنتِ برديتا الجميلة! لكننا على أحرَّ من جمرٍ لننطلق! (٥٩٠)
أرجوك كاميلو! يا من نجا أبي بفضلِكَ … ونجوتُ ها هنا
بخيرك! ويا طبيب بيتنا قل: ما علينا الآن أن نفعل؟
وليس يُوحي ملبسي بأنني ابن ملك بوهيميا،
ولا يجوز أن أظلَّ هكذا بصقلية …
كميلو :
لا تخش يا مولاي من ذلك شيئًا! فأنت تدري (٥٩٥)
مبلغ الذي لديَّ من ثراءٍ في بلادي. وسوف أتَّخذُ
التدابير التي ستضمن ارتداء ما يليق بالملوك! كأنَّما
كنتَ أنا … من يلعب الدور المنوط بك. وخذ مثالًا،
وفي إطار إثباتي بأنَّك لن تكون في حاجة … كلمة في أُذُنك:

(يبتعد به ويتحدث معه على انفراد.)

(يدخل أتوليكوس.)

أتوليكوس :
ها ها! ما أحمق الأمانة!١٤٦ وأمَّا الثقةُ، أختها المؤكدة، فإنَّها (٦٠٠)
ساذجة مغفلة! لقد بعت جميع بضائعي التافهة البراقة! لم يبق
في بطن حقيبتي ما يسد جوعها! لم يبقَ حجر كريم زائف،
ولا شريط زينة، ولا مرآة، ولا توابل واقية، ولا دبوس
صدر، أو كراسة، أو موَّال مطبوع، أو مدية، أو شريطٌ رابط،
أو قفاز، أو رباط حذاء، أو أسورة، أو خاتم من قرن (٦٠٥)
الغزال. كانوا يتزاحمون ويتنافسون في أولوية الشراء، كأنَّما
كانت هذه التوافه مقدسة، وقادرة على مباركة المشتري.
وبهذه الوسيلة استطعت أن أرى صاحب كيس النقود
الأمثل، وما رأيته انتفعت به أيما انتفاع. وأما صاحبي المهرج،
الذي يفتقر إلى ما يجعله رجلًا عاقلًا، فقد وقع في غرام أغنيتي (٦١٠)
التي غنيتها للفتيات إلى الحد الذي جعله لا يتزحزح قبل أن
يحفظ اللحن والكلمات التي شدَّت باقي الجمهور إلى غنائي؛
حتى تحولت جميع حواسهم إلى آذان. وكان من الممكن دس
اليد في جيب امرأة وسرقة ما فيه بعد أن غاب الجمهور عن
الوعي. كان من اليسير شق كيس نقود من بين فخذي (٦١٥)
رجل. وكان بإمكاني قطع سلسلة المفاتيح المعلَّقة وسرقتها.
غاب الإحساس والإصغاء إلا إلى أغنية سيدي١٤٧ والإعجاب
بتفاهتها. وهكذا، في ذلك الوقت الذي جَمَدَت فيه الحركة،
شَقَقْتُ ونَشَلْتُ معظم أكياس نقودهم العامرة، ولو لم يكن
الرجل العجوز قد أتى بالضجة التي أثارها ضد ابنته وابن (٦٢٠)
الملك، فأخاف غرباني التي طارت تاركة التقاط الحبِّ، لما
تركت كيس نقودٍ واحدًا حيًّا في أفراد ذلك الجيش كله.

(يتقدم كميلو وفلوريزيل وبيرديتا وهم يتحدثون.)

كميلو :
لكن خطاباتي التي أرسلتها لا بدَّ أن تكون في أيديهمو
قبل وصولك! وهي التي تُزيل كلَّ شكِّ قائم. (٦٢٥)
فلوريزيل : وما الرسائل التي تريدها من المليك … ليونتيس؟
كميلو : رسائل يُرضي أباك ما بها.
برديتا : فلتهنأ ولتسعد! كل كلامك معقول.
كميلو (يشاهد أُتوليكوس) :
من ذاك هنا؟ فلنستثمر هذا. لن نتجاهل شيئًا
قد يأتينا بمساعدة. (٦٣٠)
أتوليكوس (جانبًا) : لو كانوا استرقوا السمع لكان الشَّنق مصيري!١٤٨
كميلو :
ما حالك يا رجلًا أكرم؟ ولماذا ترتعد على هذا النحو؟١٤٩
لا تُوجِس خيفة. لا نقصد إيذاءك.
أتوليكوس : إنِّي فقير سيِّدي.
كميلو :
ظل إذن في فقرك. لن يسرق أحد منك هنا هذا الفقر! أما (٦٣٥)
ملابس هذا الفقر فلا بد أن نستبدلها هنا. وإذن فاخلع
ملابسك فورًا،١٥٠ وتأكد أن لذلك ضرورة،١٥١ وتبادل ما تلبسه
مع ما يلبسه هذا السيد. وعلى الرغم من أنَّ الصفقة ستكون
خاسرة من جانبه فإننا نعطيك هذا! خذ هذه النقود «فوق
البيعة»!١٥٢ (٦٤٠)

(يعطيه بعض المال.)

أتوليكوس : أنا رجل فقير سيدي. (جانبًا) وأنا أعرفك خير المعرفة.١٥٣
كميلو :
هيا أرجوك! اخلع ملابسك! كاد السيد أن ينتهي من خلع
ملابسه. (٦٤٥)
أتوليكوس : هل أنت جاد سيدي؟ (جانبًا) أشتمُّ في ذلك حيلة.
فلوريزيل : نفِّذ ما نطلب أرجوك.
أتوليكوس : إني حقًّا نلت الأرباح، ولكن ضميري لا يسمح!١٥٤ (٦٥٠)
كميلو :
فك الأزرار! فك الأزرار!
(يتبادل فلوريزيل وأتوليكوس ملابسهما.)
(إلى برديتا)
يا آنسة مسعودة! فليتحقق ما أتنبأ من سعد لك به!
لا بد بأن تختبئي في بعض مخابئكم،
وخذي قبعة حبيبك فضعيها فوق جبينك،
ألقي فوق الوجه لِفاعًا، وأعيري نفسك أثوابًا (٦٥٥)
أخرى حتى تبتعدي قدْر الطاقة عمَّا يكشف عمَّن أنتِ هنا.١٥٥
والهدف ركوبك لسفينتنا متخفية فأنا أخشى
بعض عيون الملك المبثوثة.١٥٦
برديتا : أُدرك أنَّ التمثيلية تتطلَّب أن ألعب فيها دورًا.١٥٧
كميلو : ولا بديل عن ذلك. هل انتهيتَ أيها الأمير؟ (٦٦٠)
فلوريزيل : إن قابلتُ الآن أبي لن يدعوني يا ولدي.
كميلو :
لا! لن تلبس قبعتك أنت.
(يُعطي القبعة إلى برديتا.)
وتعاليْ يا مولاتي! ووداعًا يا صاحبنا!
أتوليكوس : ووداعًا لك يا سيد.

(يبتعد أتوليكوس.)

فلوريزيل : ماذا أغفلنا يا برديتا؟ هيا نتهامس نحن الاثنين.١٥٨ (٦٦٥)

(يبتعد الاثنان للتهامس بينهما.)

كميلو (جانبًا متقدمًا إلى أمام المسرح) :
وسوف يتلو ذاك إخباري المليك أنَّهما
فرَّا إلى صقلية! بذاك أرجو حَمْله — بصحبتي —
على الذهاب خلف من فرَّا! وعندها
أعود كي أرى بلادي التي أشتاق أن أراها
كحاملٍ توحَّمت على شيء تريد أكْلَه! (٦٧٠)
فلوريزيل :
فليبتسم الحظ لنا! وهكذا نمضي كميلو،
قاصدين شط البحر.
كميلو : وكلما أسرعتما زاد احتمال نجاحنا.

(يخرج فلوريزيل وبرديتا وكميلو.)

أتوليكوس :
أفهم الأمر، وأستمع إليه. فالتمتع بأذن مفتوحة، وعين
لمَّاحة، ويد خفيفة، صفات ضرورية للنشَّال الذي يشق (٦٧٥)
أكياس النقود. والأنف الحساس شرط أساسي أيضًا، فهو
الذي يشتم فرصة العمل للحواس الأخرى. أدرك أنَّ هذا
أوان إقبال الدنيا على الأشرار! ما أجمل هذه المبادلة حتى من
دون النقود! ما أجمل هذه النقود حتى من دون المبادلة! لا
شك أنَّ الأرباب هذا العام تغضُّ الطرف عنا! ولنا أن نرتجل (٦٨٠)
أي شيء نريده. والأمير نفسه سوف يرتكب إساءة معينة؛
إذ يمضي خلسة تاركًا أباه ومحتملًا القيد الخشبي في عقبيه١٥٩
المتمثل في الفتاة. لو كنت أرى أنَّ الأمانة تقضي بإطلاع
الملك على ما يجري ما فعلت ذلك. بل أعتقد أنَّ إخفاءه
يمثِّل خيانة أكبر، وبهذا أخلص لمبادئ حرفتي. (٦٨٥)
(يدخل المهرج والراعي حاملًا لفافة وصندوقًا.)
سأنتحي ناحية وأسترق السمع.١٦٠ تلوح فرصة أكبر هنا أمام
الذهن الوقاد. فالمجتهد يلمح العمل في كل قاع حارة، وفي
كل دكان، وفي كل كنيسة، وكل جلسة محكمة، وكل جمهور
يشهد شنق أحد الناس.
المهرج :
أترى أترى أي رجل أنت؟ ليس أمامك بديل عن إخبار (٦٩٠)
الملك بأنَّ البنت لقيطة تركتها الجنيات لنا، وليست من
لحمك ودمك.
الراعي : كلا، بل فاسمعني.
المهرج : كلا، بل فاسمعني.١٦١
الراعي : لا بأس إذن. (٦٩٥)
المهرج :
لأنَّها ليست من لحمك ودمك، فإنَّ لحمَك ودمَك لم يسيئا
إلى الملك، وعلى ذلك فلن يتعرض لحمك ودمك للعقاب
على أيدي الملك. أَطلِعه على هذه الأشياء التي وجدتها معها،
هذه الأشياء السرية، باستثناء ما تحتفظ هي به. فإن فَرَغْتَ
من ذلك فاطمئِن؛ إذ لن يستطيع القانون أن يَمَسَّك، وأؤكد (٧٠٠)
لك.
الراعي :
سوف أخبر الملك بكل شيء، بكل كلمة، بل بأحابيل ابنه
نفسه، وألاعيبه أيضًا، فليس — إن كان لي أن أقول ذلك —
بالرجل الشريف المحترم لا إزاء والده ولا إزائي، بمشروعه
في أن يجعلني صهرًا للملك. (٧٠٥)
المهرج :
حقًّا! ما أبعد ما يمكن أن تكونه مصاهرة الملك عنك، وإلا
ارتفعت قيمة دمك فأصبحت الأوقية تقدَّر بثمن لا أدري
مقداره!
أتوليكوس (جانبًا) : حكمة بالغة يا مُحدَثَيْ النعمة!
الراعي :
إذن لنذهب إلى الملك. في هذه اللفافة أشياء سوف تجعله (٧١٠)
يَحُكُّ لحيته مفكِّرًا!
أتوليكوس (جانبًا) :
لا أدري أيَّة عقبة ستضعها هذه الشكوى في طريق
فرار سيدي الذي كنت أخدمه.١٦٢
المهرج : ادعُ الرب مخلصًا أن يكون في قصره.
أتوليكوس (جانبًا) :
رغم أنني لست بطبيعتي شريفًا، فإنني أحيانًا أكون (٧١٥)
كذلك بمصادفة محضة! فلأخلع الآن لحية البائع الجوَّال
المستعارة (يخلع اللحية المستعارة ويتقدم من الراعي وابنه
ويصطنع نبرات النبلاء والعبارات القانونية) يا فلاحان أين
تقصدان؟
الراعي : إلى القصر لو سمحت يا صاحب المعالي.
أتوليكوس :
وشأنكما هناك؟ ماذا؟ ومع من؟ وما طبيعة هذه اللفافة؟ (٧٢٠)
وما محل إقامتكما؟ أسماؤكما؟ أعماركما؟ ماذا تملكان، وإلى من
تنتسبان؟ أفصحا عن كل ذلك، وكل ما ينبغي لي أن أعرفه!
تكلَّما!
المهرج : نحن من البسطاء وحسب يا سيدي! (٧٢٥)
أتوليكوس :
هذا كذب!١٦٣ أنتما غليظان أشعثا الشعر! لن أسمح بالكذب!
فالكذب لا يليق إلا بالتجار، وكثيرًا ما يخدعوننا نحن
الجنود بالكذب،١٦٤ لكننا نردُّ عليهم بدفع النقود لا بالطعن
بالسيف، ولذلك فهم لا يقدمون أكاذيب لنا! (٧٣٠)
المهرج :
كان من الممكن يا صاحب المعالي أن تقدم كذبة لنا لو لم
تتدارك الأمر في وقته.
الراعي : هل أنت من رجال القصر، لو تفضلت سيدي؟
أتوليكوس :
سواء تفضَّلت أو لم أتفضَّل فإنني من رجال القصر. ألا
تدرك جو القصر العاطر في هذه الملابس؟ أليس في مشيتي (٧٣٥)
الرشيقة إيحاءٌ بالرقص في القصر؟ ألا يتلقى أنفك شذا
القصر مني؟ أفلا أسطع على حقارتك بأشعة التعالي لرجال
القصر؟ هل تظن أنني ما دمت أريد الاطلاع على شئونك
بأسلوبي الملتوي؛ فلست من رجال القصر؟ إنني رجل قصر
من ناصية رأسي إلى أخمص قدمي، ولي من النفوذ ما أستطيع (٧٤٠)
به معاونتك فيما تطلبه هناك أو إعاقته. وعليه، آمرك بكشف
قضيتك.
الراعي : قضيتي يا سيدي مع الملك.
أتوليكوس : ومَن محاميك هناك؟
الراعي : لا أدري إذا تفضلتم!
المهرج (جانبًا إلى الراعي) :
تعبير المحامي في القصر الملكي يعني دفع (٧٤٥)
رشوة — من الإوز — قل إنَّك لا تحمل إوزًّا.
الراعي : لا شيء سيدي. لا أحمل إوزًّا، لا ذكرًا ولا أنثى.
أتوليكوس :
كم يُسعِد الصدور أنَّا غيرُ سُذَّج بُلهاء!
لكنَّما قد كان يُمكن للطبيعة خلقنا كهؤلاء؛
إذن فلن أُبدي احتقاري لهما!١٦٥ (٧٥٠)

(يبدأ تنظيف أسنانه وبعض الحركات الموحية.)

المهرج (جانبًا إلى الراعي) : لا شك أنَّ هذا من كبار رجال القصر.
الراعي (جانبًا إلى ابنه) : ملابسه غالية الثمن، ولكنَّه غير مهندم.
المهرج (جانبًا إلى الراعي) :
يبدو أنَّ نبله يزداد بسبب غرابة أطواره. رجل
عظيم لا شك في هذا. أستنبط هذا من تنظيفه خلال أسنانه.١٦٦ (٧٥٥)
أتوليكوس :
ما هذه اللفافة؟ ماذا فيها؟ وما سبب حملك الآن لهذا
الصندوق؟
الراعي :
يا سيدي! في هذه اللفافة وهذا الصندوق تكمن أسرار لا (٧٦٠)
ينبغي أن يطَّلع عليها أحد سوى الملك، ولسوف يعرفها في
غضون هذه الساعة، إذا سُمح لي بالحديث معه.
أتوليكوس : يا أيها العجوز خاب سعيك.
الراعي : لماذا يا سيدي؟ (٧٦٥)
أتوليكوس :
ليس الملك في القصر، بل ركب سفينة جديدة للتخفيف من
أحزانه والاستمتاع بالهواء الطلق،١٦٧ وأمَّا السبب — إذا كنت
قادرًا على تفهُّم الأمور المهمة — فاعلم أنَّ الملك مفعم
بالحزن والأسى.
الراعي :
ذلك ما يُقال يا سيدي، وبسبب ابنه الذي كان ينتوي
الزواج من بنت أحد الرعاة. (٧٧٠)
أتوليكوس :
إن لم يكن ذلك الراعي معتقلًا فينبغي له الفرار؛ إذ إنَّ
اللعنات التي سوف تصيبه، وضروب العذاب التي
سيكتوي بها، قادرة على أن تقصم ظهر الإنسان وتفتت قلب
الوحش.
الراعي : أتعتقد هذا يا سيدي؟ (٧٧٥)
أتوليكوس :
لن يكابد هو وحسب كل ما يستطيع الابتكار أن يجعله ثقيل
الوطأة، ويستطيع الانتقام جعله مريرًا، بل إنَّ كل أقربائه،
ولو كانت قرابتهم بعيدة خمسين مرة، سوف يُشنَقون جميعًا،
وهو أمر يدعو للأسف الشديد، لكنَّه ضروري. كيف يجرؤ
وغد عجوز يرعى الغنم ويسوق الكباش على تقديم ابنته (٧٨٠)
للزواج من أمير؟ يقول البعض إنَّه سوف يُرجَم، ولكن هذه
الميتة أرحم مما ينبغي له، في رأيي الشخصي. أيغري عرش
البلاد بالهبوط إلى حظيرة أغنام؟ مهما تعددت ضروب القتل
فهي قليلة، ومهما بلغت قسوتها فهي رحيمة! (٧٨٥)
المهرج :
وهل سمعت يا سيدي أنَّ للراعي العجوز ابنًا، إن تفضَّلت
يا سيدي؟
أتوليكوس :
لديه ابن، وسوف يُسلَخ حيًّا، ثم يُدهَن جسمه بالعسل،
ويوضع على رأس عش زنابير تلسعه، ثم يرغم على الوقوف
مرة أخرى حتى يموت ما يزيد على ثلاثة أرباع جسده، ثم (٧٩٠)
يُفيقه الجلادون بماء الحياة أو بعض المشروبات الحارة،
ويأتون به في أشد أيام السنة حرارة وفق الأرصاد الجوية،
ويلصقونه بجدارٍ من القرميد، حيث تطل عين الشمس من
جهة الجنوب عليه، وتشهَد جسمَه وقد تورم من عض
الذباب حتى يموت. ولكن لماذا نتحدث عن هذين (٧٩٥)
الوغدين الخائنين، وهما اللذان ينبغي التسلي بالفرجة على
ضروب شقائهما، ما دامت جرائمهما تستحق القتل؟ قولا لي
— إذ تبدوان لي من الأشراف الصرحاء — ما قضيتكما لدى
الملك؟ فإذا نظرتما إليَّ نظرة العطف إلى حدٍّ ما (يشير بيده إلى
ما يفيد الرشوة) فسوف آخذكما إلى الملك في مكانه على ظهر (٨٠٠)
السفينة، وأقدم شخصيكما إلى حضرته، وأهمس إليه همسة في
صالحكما، فإذا كان في الأرض رجل يمكنه — إلى جانب
الملك — أن يُحقق غايتكما، فإنني ذلك الرجل.
المهرج (جانبًا إلى الراعي) :
يبدو أنَّ له سلطة جبارة. فلنتفق معه، (٨٠٥)
دعنا نقدم له ذهبًا! فحتى لو كانت السلطة دُبًّا عنيدًا،١٦٨ فإنَّ
الذهب كثيرًا ما يجعله سلس القياد. أفرغ ما في باطن كيسك
في ظاهر يده،١٦٩ ولنتجنب نحن بذلك المزيد من الضجيج.
تذكر ما قاله عن «الرجم» وعن «السلخ حيًّا». (٨١٠)
الراعي :
لو تفضَّلت سيدي وقبلت أن تقوم بالمهمة لنا، فسوف نقدم
الذهب الذي أحمله. وسوف أضاعف المكافأة، وأترك هذا
اليافع رهينة لديك حتى آتيك بها.
أتوليكوس : بعد قيامي بما وعدت به؟ (٨١٥)
الراعي : نعم يا سيدي.
أتوليكوس :
إذن أعطني النصف. (إلى المهرج) هل أنت من أطراف هذه
القضية؟
الراعي :
إلى حدٍّ ما سيدي. ولكن رغم أنَّ حالتي تثير الأسى، أرجو
ألا أُسلَخ بسببها. (٨٢٠)
أتوليكوس :
لا! ذاك شأن ابن الراعي، عليه اللعنة. سوف يُنكَّل به
ويكون عبرة للآخرين.
المهرج (جانبًا إلى الراعي) :
اصبر وتشجع. لا بد أن نذهب إلى الملك (٨٢٥)
ونعرض غرائبنا عليه. لا بد أن يعرف أنَّها ليست ابنتك، ولا
أختي. هذا وإلَّا هلكنا. (إلى أتوليكوس) يا سيدي! لسوف
أعطيك مقدارًا يماثل ما تأخذه من هذا العجوز عند قضاء
المهمة، وسوف أبقى — كما يقول — رهينة عندك ريثما تنال
مكافأتك.
أتوليكوس :
سوف آتمنك على ذلك. اسبقاني أنتما إلى شاطئ البحر. (٧٣٠)
سيرًا على الجانب الأيمن. لن أغيب إلا ريثما أقف لأقضي
حاجة١٧٠ فوق ذلك السياج ثم أجِدُّ في أثركما.
المهرج (جانبًا للراعي) :
وافانا الحظ بهذا الرجل، بل إنَّه حظ من
السماء.
أتوليكوس : فلنسبقه كما طلب منا. لقد أرسلته الأرباب لخيرنا. (٨٣٥)

(يخرج الراعي مع المهرج.)

أتوليكوس (وحده على المسرح) :
إذا كنت قررت أن أكون شريفًا، فقد رأيت أنَّ ربة الأقدار لا
تسمح لي بذلك؛ إذ إنَّها تلقي بالمغانم في فمي. أمامي الآن
فرصتان ذهبيتان اجتمعتا معًا: الحصول على الذهب،
ووسيلة إسداء خدمة جليلة إلى سيدي الأمير، ومن يدري
كم تعود عليَّ هذه بالخير العميم؟ سوف أصطحب هذين (٨٤٠)
الخُلدَين١٧١ مكفوفيْ البصر إلى ظهر سفينته. فإذا رأى أن
يعيدهما إلى البر، وأنَّ الشكوى التي يحملانها إلى الملك لا
تهمه على الإطلاق، فليقل إنني وغد بسبب دس أنفي إلى
هذا الحد، فأنا محصَّن ضد التضرر من هذا اللقب، ومن أي
عار يشمله. لسوف أقدمهما إليه؛ فقد يكون للأمر بعض (٨٤٥)
الأهمية.

(يخرج أتوليكوس.)

١  المنظر: المسرح الخالي. يدخل الشخص العجوز الذي يمثِّل الزمن ويخاطب الجمهور، فيقوم بدور الجوقة في المسرحيات الكلاسيكية، وكانت في طبعات عصر النهضة تتضمن «جوقة» من شخص واحد أو أكثر، تقدم ما يسمى «الموضوع» (Argument) الذي يلخص «القصة». وكان الشخص الذي يلعب هذا الدور يشارك أحيانًا في حدث المسرحية.
٢  «أَبْتَلِي» أي أَخْتَبِرُ أو أَمْتَحِنُ. وكان الزمن كثيرًا ما يُصوَّر في صورة قاضٍ يجلد المذنب والبريء، انظر قول هاملت: «إذ من تراه قادرًا على تحمُّل السياط والإذلال من يد الزمان»(٣ / ١ / ٧٠) (الترجمة العربية، القاهرة، ٢٠٠٤م).
٣  «للطير بالجناح» المقصود الدلالة على أنَّ الزمن يمر بسرعة، وهو يقول ذلك صراحة في السطر ٥.
٤  «القانون» يقصد قوانين الطبيعة والكون، وكذلك القوانين التي وضعها البشر، ومن بينها «القواعد» الأرسطية الجديدة التي تنص على أنَّ المسرحية ينبغي أن تقوم على حدثٍ واحدٍ، وتستغرق أحداثُها وقتًا محددًا، وتقع في مكان واحد. ويقول الشُّراح إنَّ «حكاية الشتاء» لا تُرَاعِي أيًّا من هذه «القواعد».
٥  (٩-١٠) أي إنني أنا «الزمن» لا أتغيَّر على مرِّ العصور واختلاف أعرافها وأحوالها.
٦  (١٣-١٤) يسخر من أحداث المسرحية قائلًا إنَّ الزمن سيطفئ بريقها (يحوِّل طابعها؟ يحوِّلها من تراجيديا إلى كوميديا؟).
٧  «قلبت ساعتي الرملية المحدودة» أي إنَّ طول المسرحية ساعتان، كما كان يقال عن طول المسرحيات في العصر الإليزابيثي، ولكن العروض المسرحية كانت تستغرق في الواقع وقتًا أطول.
٨  «يا أيها الكرام» هذا هو المقصود بالصفة gentle ويقول بعض النقاد إنَّه ربما كان يداهن الجمهور، ولكن مخاطب الغريب بصفة الكريم أمر معتاد لدينا.
٩  (٢١-٢٢) يُذكِّر الزمن الجمهور بأنَّه كان قد حادثهم عن فلوريزيل الذي ذكره أبوه بوليكسنيس (في ١ / ٢ / ١٦٥–١٧٠)، أي إنَّ الزمن تحدث إلى الجمهور على لسان بوليكسنيس لا في دور «جوقة».
١٠  المونولوج: يتكوَّن من ١٦ مزدوجًا منظومًا مقفى، كل مزدوج فيه (أي كل سطرين تربط بينهما القافية) يمثِّل عامًا من الأعوام الستة عشر المنصرمة منذ انتهاء ٣ / ٣. وهذه هي السطور المقفاة فقط في المسرحية باستثناء الأغاني في ٤ / ٣ و٤ / ٤، وقد توجد قوافٍ عارضة وسط السطر، ربما لم يقصد إليها الشاعر.
١١  يرجو الزمان من المتفرجين ألا يعتبروا مشاهدة هذه المسرحية من أسوأ ما مرُّوا به في حياتهم من زمن! وهذا الخطاب معهود عند شيكسبير على لسان «الإيبلوج» الختامي.
١٢  «خمسة عشر عامًا» الصحيح ستة عشر، والخطأ من باب السهو، إما من شيكسبير أو عامل الطباعة.
١٣  (٢٢-٢٣) إما أنَّ بوليكسنيس يوافق على أنَّ وصف ليونتيس ﺑ «التائب» صحيح، وإما أنَّه يتساءل عن إمكان التوبة الحقة له، وقوله «تصالحت» معه لا يفيد أنَّ الود القديم قد عاد إلى ما كان عليه من قبل، وهو ما سوف يتضح لنا في الفصل الخامس (انظر ٥ / ١ / ١٣٣–١٣٦).
١٤  المنظر: ريف بوهيميا، وتحديدًا أحد الشوارع الخلفية (انظر ٢٩-٣٠) وعلى الرغم من الإشارة إلى النرجس الأصفر فليست هذه تباشير الربيع بل تجري الأحداث بُعيد جز صوف الأغنام أي في يونيو أو يوليو. انظر الحاشية على ١ / ١ / ٥.
١٥  الإرشادات المسرحية: يدخل أتوليكوس. انظر الحديث عنه في المقدمة، والأغنية التي يغنيها أولى أغاني المسرحية وأول إشارة من أي ضرب إلى الموسيقى.
١٦  سرقة الملاءات البيضاء المنشورة لتجف فوق السياج النباتي تعني السرقة العلنية كما يقول المعجم في مدخل hedge أي سياج نباتي (OED n. 6a) ويقول الشُّراح إنَّ كتب الأمثال تفيد أنَّ «سرقة الغسيل» كانت شائعة آنذاك حتى غدت مضرب الأمثال.
١٧  «سأسرقها» الكلمة المستخدمة pugging لا ترد في المعجم إلا مرة واحدة، ومن المحتمل أن يكون شيكسبير قد اشتقها من كلمة puggard وهي كلمة باللغة الدارجة لِلص، ويقول أحد الشراح إنها تمثِّل خطأ من جانب ناسخ النص؛ إذ كتبها بدلًا من كلمة prigging التي تعني السرقة، وهي الكلمة التي يأتي الاسم منها prig في السطر ٩٩ أدناه وأترجمها ﺑ «لص». والكلمة التي ترجمتها ﺑ «تدفعني» تعني حرفيًّا «تثيرني» أو تفتح شهيتي للسرقة. ولكن بعض الشُّراح المحدثين يفسرون الإثارة تفسيرًا جنسيًّا، وهو ما يستبعده التفسير «المعتمَد» للسطر كله أي للسياق، ولذلك لم آخذ به.
١٨  يشير أتوليكوس إلى عشيقته أو عشيقاته بتعبير aunts والمعنى الذي جئت به هو الوارد في معجم أوكسفورد الكبير (OED 3).
١٩  (١–١٢) الأغنية تشير إلى دورة فصول العام؛ إذ يعلن أتوليكوس أنَّه يحتفل بانتهاء الشتاء (١–٤) وعودة الحياة للطبيعة، وكيف يتجلى ذلك في بعث علاقاته الغرامية (١٢) والإصغاء إلى أهازيج الصيف (١١) وبعث رغبته في السرقة والشراب أو حتى مجرد التمتع بتغريد الطيور.
٢٠  «عاطل عن العمل» (out of service): كان يلح على ذهني التعبير العامي الذي يمثِّل المعنى بدقة وهو «عطلان» أو «خالي شغل» ولكنني أتيت بالصورة الفصحى له.
٢١  السؤال الإنكاري يتلو تركه لخدمة الأمير فلوريزيل، والضمير في «عليه» (for that) لا بد أن يعود على ذلك، ولكن بعض الشُّراح يقولون إنَّ الأغنية، تبدأ بنغمة عاشق يبكي هجران حبيبته كأنما يعود الضمير إلى «الحب» الضائع، وهذا ما لا يدعمه السياق؛ ولذلك لم آخذ به ما دمنا نعتبر أنَّ كلام أتوليكوس متصل الحلقات، وأنَّ السطرين المنثورين جزء لا يتجزأ من سياق الحديث الذي يقدم نفسه فيه إلى الجمهور.
٢٢  «عند الحبس» حرفيًّا يقول الأصل «عند الوضع في الحباسة الخشبية» (in the stocks) والحباسة الخشبية جهاز يقيد حركة الرأس والأطراف علنًا أي أمام الناس في الطريق العام، وكانت تلك عقوبة قديمة توفر للدولة مصاريف وضع المحبوس في سجن.
٢٣  «الحدأة … تسرق قطع الملابس الصغيرة» أي لتبني عشَّها، وهو لا يصرح بهذا المعنى، بل يعبِّر عنه تعبيرًا ملتويًا، فالنص يقول حرفيًّا «عندما تبني الحدأة عشها، عليكم أن تنتبهوا لقطع الملابس الصغيرة» فأتيت بالمعنى المراد مباشرة.
٢٤  (٢٦-٢٧) لا يقول أتوليكوس «القمار» بل «اللعب بالنرد» ولا يقول «قوادًا» بل «المومسات»، وأوضحت المراد في الترجمة. والحلة الفاخرة هي (caparison) وهي طبعًا تعبير ساخر ما دام أتوليكوس يلبس أسمالًا بالية.
٢٥  (٢٨-٢٩) «الشنق والضرب» كان الشنق عقاب النشالين، والضرب عقاب المتشردين، ولذلك — كما يقول — فهو يتجنَّب السير في الطرق الرئيسية.
٢٦  (٢٩-٣٠) يقول أتوليكوس إنَّه لا يخشى إلا الشنق والضرب من دون أن يعمل حسابًا للآخرة، وأما تعبير الآخرة (the life to come) فمقتبس، كما يقول شاهين (في الكتاب المشار إليه آنفًا، ص٧٢٧) من كتاب الصلوات العامة، وهو التعبير المستخدَم في الإشارة إلى العقيدة «الصحيحة» التي وضعها مجمع الكنائس في نيقية (Nicaea) ويشار إليها باسم «المذهب النيقي» (Nicene Creed). ولكن أحد الشُّراح المحدثين يقول إنَّ أتوليكوس قد يشير إلى مستقبل أيامه، والتعبير قد يوحي بذلك فعلًا، ولكن أعمال أتوليكوس في المسرحية وحدبه الشديد على العودة إلى خدمة الأمير فلوريزيل لا تساند هذا المعنى.
٢٧  «صيد سهل!» الصيحة بالإنجليزية هي A prize يكررها مرتين تمامًا مثل القراصنة حين يلمحون سفينة يسيرة المأخذ. والواقع أنَّ هذا هو أصل استعمال هذه الكلمة (في حالتها الاسمية) التي تمثِّل الهجاء الحديث لكلمة prise في الإنجليزية الوسطى، وهي مأخوذة من الفرنسية القديمة بمعنى «المأخذ» أو الشيء الذي يؤخذ، من الفعل prendre المشتق من اللاتينية prehendere ولدينا في الإنجليزية كلمات كثيرة مشتقة من هذا الجذر لا مجال لتعديدها، ونحن في العامية المصرية نطلق لفظ «البريزة» على «مأخذ» التيار الكهربائي أو الماء. المهم أنَّ أتوليكوس يرى نفسه في صورة قرصان سوف يستولي على سفينة تجارية! (وأما معنى «المكافأة» أو «الجزاء» فهو حديث).
٢٨  - «حزمة من الصوف» الأصح أن أقول «بالة» ولكنها أيضًا لا تعبِّر عن المقصود بدقة؛ فالكلمة في الأصل هي tod وهي التي لا تعني الآن إلا «وحدة واحدة» أو «وحدة مفردة»، ولكنها كانت في زمن شيكسبير من الموازين (أي مقياس ميزان) وتبلغ نحو ١٢.٧ كجم (٢٨ رطلًا)، وكان الأفصح أن أقول قنطارًا ولكن القنطار يزن مائة رطل، مثل نظيره في اللاتينية centenarius وهو ثلاثة أضعاف الوزن المقصود، إلا إذا استخدمت القنطار مجازًا، وهو ما لا يجوز في مسألة حسابية.
٢٩  «ما ثمن الصوف كله؟» هذا يتوقف على العدد الكلي للحزم (ما بين ١٣٦ و١٣٧) والإجابة المرجحة هي ١٤٣.١٨ جنيهًا إسترلينيًّا، (أو بالعملة القديمة ١٤٣ جنيهًا وثلاثة شلنات وسبعة بنسات) وكانت هذه تمثِّل مبلغًا هائلًا في الوقت الذي كُتِبت فيه «حكاية الشتاء».
٣٠  أضفت «المغفل» للدلالة على معنى «الديك البري» آنذاك (والآن!).
٣١  في موقع ما من هذا السطر يُخرج المهرج القائمة التي أعطتها له أخته برديتا حتى يراجع «طلباتها».
٣٢  «الزبيب الرومي» (currants) مثل الزبيب البناتي أي لا بذور له.
٣٣  كان الأرز يُستخدَم في إعداد الحلوى (مثل الأرز باللبن والمهلبية) بعد إضافة الزبيب والسكر.
٣٤  «تنفق بسخاء» ولكن ليس لحفل خطبتها بل لحفل جز الصوف؛ إذ كان القمح هو الذي يُستخدَم في حفلات الخطبة (في خبز الفطائر وألوان الحلوى التي يدخل فيها الدقيق).
٣٥  «بيوريتانيًّا» (puritan) كان البيوريتانيون في زمن شيكسبير من البروتستانتيين الذين يسعون إلى تبسيط وتنظيم أشكال العبادة في الكنيسة الإنجليزية، وكانوا يحثُّون الناس على الالتزام بشرعة أخلاقية صارمة، وأحيانًا يقولون إنَّ اللذة أو المتعة ضرب من الإثم (بما في ذلك متعة الاستماع إلى الموسيقى الدنيوية، أي غير الدينية). وكانوا كثيرًا ما يُتَّهمون باصطناع التقوى والورع، كما شاع القلق حين تولوا الحكم المحلي في عدد من بلدان إنجلترا، (بل إنَّهم استولوا على الحكم في إنجلترا كلها في الخمسينيات من القرن السابع عشر، ولمن يريد الاستزادة أن يرجع إلى مقدمة ترجمة «الفردوس المفقود»، القاهرة، ١٩٨٣م، ٢٠٠٢م، ٢٠١٠م). ولا يلقى البيوريتاني هنا أي اعتراض عليه ما دام شخصيًا مفردًا لا نصير له!
٣٦  قبل ستة عشر عامًا مزَّق الدب كتف أنتيجونوس (٣ / ٣ / ٩٣-٩٤).
٣٧  «أحسنت إليَّ إحسانًا عظيمًا» المعنى الذي يفهمه المهرج أنَّه قد أحسن إلى الرجل بمساعدته على النهوض وتطييب خاطره، فهذا عمل صالح يعبِّر عن المحبة المسيحية مثلما فعل السامري الصالح (وهذا هو المعنى الأول والثاني لكلمة Charity في المعجم) ولكن المعنى الآخر (التالي لذلك في المعجم) هو «منح المال للفقراء» وهو ما يفعله المهرج وهو لا يدري حين نشل أتوليكوس نقوده أمامنا! وهذه التورية الدرامية الساخرة تُحوِّل معنى «الصدقة» الكامن في «الإحسان» إلى معنى مغاير تمام المغايرة.
٣٨  «القرداتي» (ape-bearer) وذلك وفق تعريف المعجم، ومعنى الكلمة، كما هو معروف في مصر، الرجل الذي يعلِّم قردًا يصحبه أداء حركات معينة لتسلية الجمهور.
٣٩  «المحضر» أي المندوب الذي ترسله المحكمة بأوامرها وأحكامها إلى من صدرت بشأنهم، فهو الذي «يُحضِر» هذه الأوراق الرسمية إلى الشخص المعني. أتوليكوس يشير إليه أولًا بتعبير process-server ثم يتبعه بشرحٍ قائلًا «أي bailiff» ربما لأنَّ المهرج لم يفهم التعبير الأول.
٤٠  يشير أتوليكوس إلى المثل الذي يضربه المسيح في إنجيل لوقا، ١٥: ١١–٣١، ويبدو أنَّ إحدى المسرحيات التي كانت شائعة آنذاك تتناول هذا المثل الذي يعرفه الجميع، ولكن لاحظ أنَّ هذه المسرحية تدور أحداثها المفترضة في زمن وثني.
٤١  «تزوج عاهرة» في الأصل tinker’s wife أي زوجة سمكري جوَّال يطوف الأقاليم، وتمارس هي انحلالها بحرية، وكانت كناية شائعة عن العاهرات، ولمَّا كان من المحال الإتيان بالمقابل الثقافي اكتفيت بدلالة الكناية.
٤٢  «أرضي ومقامي» في هذا إيحاء بأنَّ أتوليكوس يملك أرضًا ويقيم فيها، أي إنَّه من ذوي الأملاك، وذلك حتى يزيد من خداع المهرج.
٤٣  «إنَّه لِص» كلمة اللص يشار إليها بالكلمة الدارجة بين اللصوص وحلقات المجرمين آنذاك وهي prig وفق تعريف معجم أوكسفورد الكبير (OED n. 2).
٤٤  ملاعيب الدببة: سبقت الإشارة إليها، وكانت اللعبة تنحصر في ربط دب إلى وتد وإطلاق الكلاب عليه تنبحه وربما تنهشه.
٤٥  (١٠١-١٠٢) «إنَّه الوغد الذي ألبسني هذه الملابس» أتوليكوس صادق! فهو الذي ألبس نفسه ما يلبس.
٤٦  «يا ذا الوجه السمح» المعنى هنا يقترب من التعبير العامي في مصر يا «راجل يا طيب!» أو «أنت على نياتك!» وتفصيل القول في شرح good-faced هي أنَّها تعني ذا الوجه المليح الوسيم الحليق الأبله! ويقول البعض إنَّ العنصر الأخير «البلاهة» موحى به في كلمة faced ﻓ «الطيبة» بمعناها العامي تدل على البلاهة أو الغفلة.
٤٧  «لا يتمتع كيس نقودك بالدفء الكافي لشراء توابلك» الأصل فيه طباق مضمر، وأصل تعبير «الدفء الكافي» عندي هو ليس حارًّا (أو حِرِّيفًا) بما فيه الكفاية (not hot enough) أي إنَّه «بارد» ولذلك لا يستطيع شراء التوابل «الحارة/الحريفة» اللازمة لطهي اللحوم! ولكن الطباق المضمر تعذَّر إخراجه في الترجمة.
٤٨  (١١٩-١٢٠) يقصد بدفتر (وهي كلمة يونانية الأصل) «سجل» الأوغاد/«سجل» الفضلاء، وفي ذلك صدى لتعبير «سجل الحياة» في سفر الرؤيا بالكتاب المقدس، ٣:  ٥، حيث يعني سجل الأحياء. ويتكرر ورد التعبير في السفر المذكور في ٢٠: ١٢.
٤٩  «درج السور ومعبره» أي درج معبر السور، فالسور الذي يحيط بالحقل كان له معبر له درج يصعده العابر.
٥٠  (١٢٤-١٢٥) الدعوة إلى المرح في نظر النقاد تأكيد للتحوُّل في نغمة المسرحية من الجِد إلى الهزل.
٥١  (٤٩–١٢٥) سبق لأتوليكوس أن ربح بعض المال من التشبُّه بالأمثلة التي ضربها المسيح (انظر الحاشية على ٩٤ أدناه) وهو هنا يتظاهر بأنَّ اللصوص جرحوه وجرَّدوه من ثيابه وماله، ويرجو من «السامري» الصالح أن ينقذه على نحو ما يُروى في إنجيل لوقا ١٠: ٣٠–٣٧، وهكذا نرى أنَّ خداع المهرج ونشل نقوده سلوك يمثِّل صورة ممسوخة لذلك المثل، وهي تثير الضحك بطبيعة الحال، وأظنها تمثِّل أول لمسة فكاهية تشيع روح المرح في المسرحية.
٥٢  مزرعة الراعي في ريف بوهيميا، بالقرب من الساحل، ولكن بعيدًا عن الطرق الرئيسية، وبعد ستة عشر عامًا نرى الراعي وقد ازدهرت أحواله فاشترى بذهب برديتا أراضي شاسعة مثل من يعلونه مكانة في المجتمع، والحدث يبدأ داخل منزل الراعي.
٥٣  «الملابس الغريبة»: قد يكون فلوريزيل (الأمير) قد أتاها بثيابٍ من قصر أبيه، وقد تكون ثيابًا عادية جعلتها الزهور تبدو غريبة.
٥٤  «فلورا» ربَّة الزهور والربيع، تقول الأسطورة إنَّ الفتاة خلوريس (Chloris) كانت حورية يعشقها زفيروس (Zephyrus) أي ريح الغرب، وإنَّها تحولت إلى فلورا ربَّة الزهور والربيع.
٥٥  «الربيع» في الأصل «أبريل» ولكن اسم الشهر في ذاته يعني الربيع؛ فأتيت في الترجمة بالمعنى، وصورة «أطلَّت فوق جبهة الربيع» تعني أنَّها تُبشِّر بمقدم الربيع لكنني أحببت نقل الصورة بدقة حتى يتذوق القارئ أسلوب فلوريزيل الحافل بالاستعارات والإحالات الكلاسيكية.
٥٦  «صغار الأرباب»: فلوريزيل يشير إلى «صغار الأرباب» الذين يشغلون مرتبة ثانوية أدنى من الأرباب الاثني عشر العليا، تحت رب الأرباب جوبيتر.
٥٧  «ذاتك العليا» (your high self) تقصد مكانتك الرفيعة.
٥٨  (١٤-١٥) كان استخدام الصقور في الصيد رياضة محبَّبة للملوك والنبلاء.
٥٩  (٢٧-٢٨) تقول الأسطورة إنَّ جوبيتر أحال نفسه إلى ثور فحمل الفتاة يوروبا (أوروبا) على ظهره وانطلق بها إلى جزيرة كريت (وكانت يوروبا ابنة ملك فينيقيا). وعندما وصل عاد إلى صورته الأصلية وضاجعها (وهو المسخ المشار إليه في «زوجتان مرحتان من وندسور» (٥ / ٥ / ٢–٤) وفي «ضجة فارغة» (٥ / ٤ / ٤٦-٤٧) انظر الترجمة العربية للأولى، القاهرة، ٢٠٠٨م، وللثانية، القاهرة، ٢٠٠٩م).
٦٠  (٢٨-٢٩) كان نبتون رب البحر، وكان يشار إليه بلون المياه «الخضراء» (green) ولكن «الخضراء» بالعربية كناية عن السماء، فأتيت بالبحر بديلًا كافيًا، فهذا هو المقصود، وقد حَوَّل نفسه إلى كبش حتى يضاجع ثيوفين (Theophane) إحدى أميرات تراقيا (Thrace) بعد أن حوَّلها إلى نعجة. و«الثغاء» هنا (٢٩) يشبه الثغاء في «زوجتان» (٥ / ٤ / ٥١) وهي لمسة يقول النقاد إنَّها فكاهية.
٦١  «ذو الرداء الناري» (fire-robed) كان أبوللو رب الشمس «فيبوس» (phoebus) ومن ثَمَّ فهو يرتدي نار الشمس، ولكنه عندما طُرِد من السماء عمل راعيًا، وصفة «الذهبي» تشير إلى ألوان الشفق.
٦٢  «التحول العجيب» قد يكون المقصود به «المسخ» (metamorphoses) وربما يشير إلى قصيدة أوفيد «مسخ الكائنات».
٦٣  (٣٣–٣٥) أي ما دمت لن أضاجعك قبل الزواج.
٦٤  «إخلاصي» في الأصل faith وهذا هو معنى الكلمة هنا، أي وفائي بعهد الزواج.
٦٥  نقلت التعبير كما هو على غموضه بسبب الاختلافات التي لا تنتهي بين الشُّراح حول معناه، أمَّا «عدوك عن زواجي» فواضح، وأمَّا «عدولي عن حياتي» فعليها خلاف، وها هو التعبير كاملًا في الأصل:
… You must change this purpose/
Or I my life.
في عام ١٩٦٣م قال بافورد إنَّ المعنى هو أن تفقد حياتها (أو تتعرض لمصير بالغ السوء كالسجن) وهو ما يتضح من رد فلوريزيل عليها في السطر ٤٠، كما قال فرانك كيرمود إنَّ المعنى هو أن تفقد حياتها، وفي عام ١٩٩٦م أبدت بربارا مووات موافقتها على رأي كيرمود، وقال أورجيل ما يلي: «السياق ولا شك يتضمن تعبيرًا جامعًا (zeugma) أي «إمَّا أن تعدل عمَّا قصدت إليه أو أعدل أنا عن حياتي»، ولكن الاتفاق الكاسح بين المحررين، باستثناء فيرنيس وحده تقريبًا، يفيد بأنَّها تتوقع حكم الإعدام، إذ قال دوفر ويلسون «إنَّ كلماتها، التي تحمل التوكيد والإطلاق في ختام حديثها لا بد أن تشير إلى الإعدام دون غيره»، ولكن الدليل الوحيد عليه يعتمد على معاملة الأمر المتوقع معاملة الحاضر (prolepsis) وانظر تهديدات بوليكسنيس في السطور ٤٣٠-٤٣١، ولا يوجد مبرر لتحاشي دلالات كلام برديتا»، وفي عام ٢٠٠٧م قالت سوزان سنايدر إنَّ المعنى هو «إمَّا أن يكون عليك أن تغيِّر مقصدك في الزواج مني، أو إن أصررت عليه فسأصبح مُلزمة بتغيير حياتي». وربما كانت برديتا تتوقع أن تُرغم قسرًا على الانفصال عن فلوريزيل بالسجن أو بالنفي. ولكن سوكول (Sokol) يقول عام (١٩٩٤م) إنَّ «تغيير حياتي» يعني أن أصبح خليلتك، وفي عام ٢٠١٠م قال بيتشر «إن المعنى هو إما أن تعدل عن خطتك (في الزواج مني) أو يكون من المحتوم تغيير حياتي أي أن يعاقبني أبوك عندما يكتشف أمرنا. والواضح من الترجمة أنني اقتنعت برأي أورجيل القائم على التحليل العلمي للعبارة، فبرديتا تستخدم فعلًا واحدًا هو change فهو الفعل الذي يأخذ المفعول به في الجملة الأولى والمفعول به في الجملة الثانية، أي إنَّ هذا الفعل «جامع» (zeugma) ينسحب تأثير «عمله» على أمرين مختلفين، الأول الرجوع عن الزواج والثاني ترك الحياة، وهذه هي الحيلة البلاغية التي احتفظت بها في الترجمة وإن كررت الفعل بالعربية «في صيغة المصدر الصريح» لأنَّ العربية تنفر مما يُسميه النحويون الإنجليز «فجوة» أو «ثغرة» (gap) ويعنون بها اللفظ المضمَر أو المُقدَّر، أي إنَّ العبارة الثانية تتضمن فعلًا مُقدَّرًا هو نفسه الفعل في العبارة الأولى، وأمَّا الدلالة الدقيقة لهذا الفعل في العبارة الثانية فلم أحددها حتى يدرك القارئ طبيعة هذه الظاهرة البلاغية.
٦٦  «الذين لا نعرفهم» يقصد بوليكسنيس وكميلو، ونعرف أنَّهما متنكران في ثياب مستعارة.
٦٧  «زهور إكليل الجبل» (rosemary).
٦٨  «زهر عشب الفَيْجَنِ» (rue).
٦٩  (٧٣-٧٤)«إكليل الجبل» و«عشب الفيجن» من زهور المناطق الباردة، ويندر أن يعرفها إلا المتخصص، ومعظم أسمائها معرَّب عن الفارسية أو غيرها من اللغات ذات التاريخ المشترك مع العربية، ولذلك تظل تنتمي إلى ثقافة غريبة، وتتعذر استجابة القارئ العربي لدلالتها. ولم يكن من الممكن تقريب هذه الزهور إلى مداركنا «أو تَدجِينُها» (domestication) بمعادلتها بزهورٍ مألوفة لدى العرب، ولهذا اضطررت اضطرارًا إلى الإتيان بأسمائها المعرَّبة، وأقصى ما تمكَّنت منه من أجل الإيضاح قرن أسمائها بصفة «الزهر» وهي لا نحتاجها في الإنجليزية. فأما نوعا الزهر المذكوران هنا فهما ينبتان في شجيرات قصيرة، وكانا يرمزان في الآداب الأوروبية إلى الإخلاص والذكرى، وإلى الحزن والندم (أو التوبة) على الترتيب. وكان المعتقَد أنَّ زهر «إكليل الجبل» يُحصِّنُ المرء ضد الإصابة بالطاعون، وأنَّه يُنشِّط الذاكرة، ويحافظ على ما تحتويه، ومن ثَمَّ أصبح رمزًا للإخلاص، وكان يقدَّم في حفلات الزفاف إلى العروسين، وأما عُشبُ الفيجن فكان عشبًا طعمه مرٌّ، وكان الأطباء يصفونه ترياقًا للسموم، ويتناوله الناس باعتباره حافظًا للعفة و«الشرف».
٧٠  «القرنفل والزهور الخارجات منه ذات الأشرطة» الأصل:
carnations and streaked gillyvors.
الكلمة الأخيرة تشير إلى نوع ما زلنا نسميه «القرنفل» أو «البمبة» (pinks) وهو نتيجة تهجين القرنفل بأنواع زهور أخرى، ولذلك فقد ترجمتها بالصورة الواردة في النص، وكانت فيها خطوط أو أشرطة نتيجة ذلك التهجين الطبيعي، أي الذي يجري من دون تدخل بشري، ولذلك كان يُطلَق عليها نغيلات الطبيعة، بل وقيل إنَّها زهور مزيفة، والطريف أنَّ المعجم يورد معنى التزييف من ضمن bastard (OED a. 2a, 4) وقد يكون هذا هو المعنى المُراد، لولا أنَّ برديتا تتوسع في الدلالة الأولى. وكانت هذه تُستعمَل في إعداد النبيذ، وفي إعداد طاقات الزهور الخاصة بالاحتفالات، وخصوصًا حفلات التتويج.
٧١  «لونها» تقصد لونها المتميز بالخطوط والأشرطة.
٧٢  أن نقوم بتطعيم الدوحة بغُصنٍ من أحد النباتات السامية، وهو إجراء مألوف وشائع لدينا في بساتين الفاكهة (وقد مارسته بنفسي في «حديقتنا» في رشيد) أقول إنَّ الهدف من ذلك هو أن يستفيد النبت السامي من قوة نمو الدوحة وثباتها وثراء عصارتها؛ فيتكاثر ثمر النبت السامي. والتطعيم هو grafting، أو ما يشير إليه بوليكسنيس باسم «التزويج».
٧٣  «هذا الشاب» أي فلوريزيل.
٧٤  «خُزَامَى العشق»: الخزامى (lavender) زهر معروف لدى العرب، يقول الأخطل الصغير (بشارة الخوري):
فلقد نام الندامَى والخزامَى
زَحَمَ الصبح الظَّلاما فإلاما
ونسميه بالعامية «لَوَنْضَهْ». ولما كان الخزامى مرتبطًا في الثقافة الإنجليزية بالحب، وخصوصًا بالصورة «الملتهبة» منه التي يشير إليها العرب بتعبير العشق، فإنَّ برديتا تشير إليه بهذه الصفة وهي Hot وهي الكلمة نفسها التي يصف بها ليونتيس ما يتصوره علاقة عشق بين زوجته وضيفه قائلًا Too hot وترجمتها هناك «شبق بالغ» (١ / ٢ / ١٠٩). ويورد بعض الشُّراح المحدثين تصنيفًا للزهور وفق نظرية الأخلاط أو الطبائع (humours) وهي النظرية التي تقول إنَّ للنبات أربعة طبائع: الحار والبارد والجاف والرطب، وإنَّ كل طبع يحدد البناء العضوي للنبات، وعلى هذا الأساس تكون للخزامى أربعة طبائع وفق نوع الخزامى، والنوع الذي تشير إليه برديتا ذو طبع حار ولذلك فهو خزامى العشق.
٧٥  «الصعتر» (savory) كان من الأعشاب التي تُستخدَم في الطهي، وكذلك «العتر» وهو (marjoram) وإن كان الناس عادة يسمونه oregano.
٧٦  «أَذَرْيُون» (marigold) واسمه اللاتيني (solsequium) وهي كلمة تعني «تابع الشمس» لأنَّ زهوره الصفراء الصغيرة تتفتَّح في الصباح وتُغلَق، أي تُطوى، في المساء، وهو يختلف تمام الاختلاف عن sunflower الذي نسميه عبَّاد الشمس، فالأخير له زهور كبيرة متفاوتة الألوان، وله بذور يُستخرَج منها الزيت.
٧٧  - برديتا تؤكد لبوليكسنيس وكميلو، اللذين يتظاهران بأنَّهما هَرِمان، أنَّها تراهما في منتصف العمر، وأما الفتاتان موبسا ودوركاس (مثل فلوريزيل) فهما في شرخ الشباب.
٧٨  (٧٣–١٠٨) تُشير برديتا إلى كثير من الزهور والنباتات في الحدائق والحقول الإليزابيثية، وهي تُقدم النباتات دائمة الخضرة (٧٤-٧٥)، وتُشير إلى القرنفل الذي يظهر في مطلع الخريف (٨٢)، كما تُقدِّم إليهما أعشاب وزهور الصيف (١٠٤-١٠٥)، وتتحدث عن زهور الربيع التي تتمنى أن تكون لها (١١٨–١٢٦).
٧٩  «أفرع العذارى» (virgin branches) والواضح أنَّها تشير إلى شعر الرأس، ومن الطريف أنَّ الفرع بالفصحى قد يعني الشعر أيضًا، يقول شوقي:
ودخلتُ في ليْليْن فرعِكِ والدُّجى
ولثمتُ كالصبح المنوَّر فاكِ
٨٠  (١١٦–١١٨) كانت بروسربينا (Proserpina)، في الأساطير الكلاسيكية، بنت كيريس (Ceres) ربَّة الزراعة، وقد اختطفها بلوتو «ديس» رب الموتى في عربته أثناء قيامها بجمع زهور الربيع، بما في ذلك البنفسج والزنابق. والنص يشير إلى ذلك الرب باسم ديس (Dis) فالتزمت به، ورغم أنَّه ممنوع من الصرف، فقد صرفته في الشعر، خصوصًا لأنَّ الديسَ في الفصحى تعني الشجاع الشديد البأس، والديسةُ مؤنثة!
٨١  الخُطَّاف (swallow) طائر مهاجر، لا يجرؤ على العود إلى مرابضه في الشمال إلا بعد اعتدال الجو في بداية الصيف.
٨٢  «البنفسج في تواضعه» الصفة في الأصل dim ومعناها الافتقار إلى الألوان البراقة «كالنرجس الأصفر» والتواضع موحًى به كذلك من انحناء زهور البنفسج على سيقانها كأنَّها رءوس خاشعة، وتكاد تختفي عن العين. يقول وردزورث:
A violet by a mossy stone,
Half-hidden from the eye;

هي كالبنفسَج جنْب صخر مُعشِبٍ،

يُخفي عن العين البهاء.

وهذا يسهم في جعل البنفسجة زهرة غير ظاهرة وغير براقة (dim).
٨٣  المقصود بالأجفان (lids) عيون جونو (Juno) ربة الأرباب (مجاز مرسل) وكانت شهيرة بجمالها، ويكثر الشعراء من التغزل في أجفانها.
٨٤  «فينوس» يشير الشاعر إليها باسمها الآخر وهو كيثيريا (Cytherea) فاخترت الاسم المألوف للقارئ العربي، وكانت كما هو معروف ربة الحب، والتي وُلِدَت في جزيرة كيثيريا (Cytherea). وموجز قول الشاعر إنَّ البنفسج على تواضع مظهره أجمل من جونو، وأشهى عطرًا من فينوس.
٨٥  «زهور ربيعنا الحمراء» (primroses) وهي زهور تتفتَّح في أوائل الربيع، ولكنَّها لا تبلغ مرحلة الثمر وإنبات البذور إلا عندما تُشاهِد رب الشمس «فيبوس» في مطلع الصيف، فإن لم تدركه ماتت، وهذا أصل الصورة الشعرية. فالعذراء التي تموت قبل الزواج كانت توصَف بأنَّها أصيبت بالمرض الأخضر (كلوروسيس Chlorosis) وهو حالة من حالات فقر الدم «الأنيميا» وهذه هي العلة التي تشير إليها برديتا في السطر ١٢٥، ولاحِظ أننا لا نعرف هذه الزهور هنا وإن تصادف أن أشار الشعراء إلى زهر الربيع فإنَّما يعنُون به كل أو أي الزهور. يقول محمد الأسمر:
زهر الربيع يُرى أم سادة نُجُب
وروضة أينعت أم حفلة عَجَب؟
٨٦  «ورود ربيعنا الصفراء» (oxlips) هذه زهرة مهجَّنة من زهر الربيع الأحمر، انظر الحاشية السابقة، وزهرة صفراء فاقع لونها تُسمى «شفة البقرة» (cowslip) وتوصف بأنَّ لها تاجًا ملكيًّا بسبب طول ساقها وقوته، وما يميز الزهرة من شكل تاجي.
٨٧  «السوسن» (lris) تشير إليها برديتا باسمها الآخر وهو fleur-de-lis التي تعني حرفيًّا زهر الزنبق، ولكن النص يكتبها flower-de-luce وفق نطقها آنذاك.
٨٨  كلمة جسد (corpus) باللاتينية تعني الجسم الحي أو الجثة. (OED n. 1) وتتلاعب برديتا بالألفاظ تأكيدًا لفطنتها الفطرية (ما دامت بنت ملك) وشتَّان ما نسمعه من الراعي وابنه، وما نسمعه من النبلاء والأمراء في المسرحية.
٨٩  «كل عيد عنصرة» عيد العنصرة (whitsun) أصله white sunday أو حتى whitsuntide وهو الاسم الإنجليزي للكلمة اليونانية (التي دخلت اللاتينية) pentecost أي الأحد السابع بعد عيد الفصح (أو عيد القيامة عند المسيحيين)، وكان ذلك بداية الاحتفالات بالربيع، والكلمة اليونانية تعني اليوم الخمسين (بعد عيد الفصح). وكانت احتفالات الربيع تتضمن ضروبًا منوَّعة من الرقصات، وعروضًا تمثيلية شعبية يتقمص فيها الفتيان والفتيات أدوار الملوك والملكات، ومن المحتمل أن برديتا تُشير إلى هذه العروض في السطر ١٣٣.
٩٠  «تظلي دائمًا تتقدمين» يحتفل الشُّراح بما يسمونه المفارقة بين «يظل» (أي يقف) ويتقدم بمعنى يتحرك، أي بين still وmove ولا مفارقة هنا، فالمعنى واضح واللغة تقبل هذا.
٩١  يقصد «بالملكة» أنَّها فوق الجميع وحسب.
٩٢  يا «دوركليس» – انظر حواشي الشخصيات رقم ٨.
٩٣  «القُمريُّ» طائر من فصيلة الحمام، يُهاجر من مواطنه في أوروبا في مطلع الخريف، ليقضي الشتاء في السودان، ويمرُّ بمصر، واسم القمرية turtle-dove ولكن شيكسبير يُشير إلى الطائر باسم turtle وحسب، وهي كلمة تعني السلحفاة البحرية، وكنت حائرًا في سبب تسمية هذا الطائر بهذا الاسم حتى عرفت أنَّ هذا الطائر من الفرائس المفضَّلة للسلحفاة البحرية؛ إذ غالبًا ما يخطب الذكر الأنثى (التي تظل معه مدى الحياة) على شاطئ البحر، حيث تختبئ السلاحف تحت الماء في موسم التزاوج، وتنقض على العشاق أثناء مناجاتهم!
٩٤  «لون اللبن الصافي والقشدة!» إن كانت برديتا راعية حقًّا فكان ينبغي، بسبب عملها خارج المنزل وتعرضها للشمس، أن تلفَّها الشمس وتكسوها بعض السمرة، وكانت هذه السمرة آنذاك علامة من علامات انخفاض المنزلة، ولكن بشرة برديتا بيضاء ناصعة مثل بشرة فتيات القصر الملكي؛ إذ يبدو الدم في خديها حين تشعر بالخجل. (١٥٩).
٩٥  أي إنَّ أنفاسها كريهة إلى الحد الذي يُحَسِّنُ الثوم نفسه من رائحتها!
٩٦  «عبرت أنت عن حقيقتك!» الأصل يقول ما معناه بالعامية «شوف مين اللي بتتكلم!» أو «بُصي لنفسك يا اختي!» أو «أما نكتة! بطَّلوا ده واسمعوا ده!»
٩٧  لاحِظ أنَّ المهرج هو الذي يلوم الفتاتين على البذاءة!
٩٨  (١٦٢–١٦٧) في شيكسبير، كقاعدة عامة، تتحدث الشخصيات الدنيا نثرًا، والشخصيات العليا نظمًا، وعندما يَرُدُّ هؤلاء على من هم أقل منزلة منهم يردُّون بالنثر أيضًا، ولكن هذه القاعدة لا تُراعى في بعض المواقع في هذا المشهد؛ إذ يتحدث الجميع بالنظم غير المقفَّى. وهذا هو ما نشهده في بعض السطور المبينة ١٦٢–١٦٧ فهي منظومة رغم كتابتها نثرًا في طبعة الفوليو. كما يتضمن النص المسرحي حالات أخرى للنظم شكليًّا (أي على الصفحة) وهو في حقيقته نثر، وقد اهتديت بآراء كبار النقَّاد والمحررين في التمييز بين هذا وذاك، واستنادًا بطبيعة الحال إلى ما أعرفه عن إيقاع هذا وذاك.
٩٩  «فلا يليق بي امتداح بنتي» الأصل «واللياقة تدعوني إلى الصمت» فأتيت بالمقصود.
١٠٠  أي سوف تدفع له «مهرًا ضخمًا» بفضل ثراء أبيها وثرائها شخصيًّا؛ فالعروس هنا هي التي تدفع المهر للعريس.
١٠١  (١٨٩-١٩٠) من المفترض أن تبدو ذائقة المهرج في المواويل «فظة» أو عجيبة وحسب، ما دام يحب سماع الموضوعات المحزنة مُلَحَّنة تلحينًا مرحًا والعكس، وهذا صحيح، ولكن الواقع التاريخي يقول إنَّ الموضوعات الدينية كانت تُلحَّن بألحان الأغاني الراقصة القديمة، وربما كان الهدف إثارة الدهشة لهذا التضاد أو التناقض.
١٠٢  «الخردواتي» (milliner) التي تعني اليوم مصمِّم وبائع القبعات النسائية، والمعنى الاشتقاقي للكلمة هو النسبة إلى بلدة ميلانو الإيطالية، وتطور هذا المعنى الذي يُفيد من يبيع الملابس والقبعات المصنوعة في ميلانو فأصبح يعني «الخردواتي» في عصر شيكسبير قبل أن يقتصر على ما يُفيده هذا اللفظ حاليًّا (OED n. 2a).
١٠٣  «هذا رجل رائع!» التعبير ساخر، وقد يُشير إلى الخادم أو إلى البائع الجوَّال.
١٠٤  «جميع ألوان قوس قزح» كان التعبير من الأمثال السائرة.
١٠٥  كانت القفازات في العادة معطَّرة.
١٠٦  كانت الأقنعة التي تُلبَس للزينة جديدة نسبيًّا في إنجلترا آنذاك.
١٠٧  «كهرمان» (amber) كان يُستخدَم في صناعة القلائد والعقود.
١٠٨  «خدور الحسان» هذا هو المقصود بتعبير lady’s chamber.
١٠٩  في هذا السطر تورية واضحة.
١١٠  (٢٣٣-٢٣٤) يتلاعب المهرج بكلمة «يربط» ومشتقاتها.
١١١  (٢٣٨–٢٤٠) استكملت المحذوف بوضع الكلمات بين أقواس.
١١٢  كان الرِّبا مسموحًا به قانونًا، وإن كان الرأي العام يستنكره، وبغض النظر عن استحالة ما يدعيه أتوليكوس، فإنَّ ولادة أكياس نقود كان يمكن أن تبدو عقابًا إلهيًّا خارقًا للمُرابي، وقد يمثِّل توحم زوجة المرابي بأكل أطعمة سامة جانبًا من هذا العقاب.
١١٣  (٢٦٩-٢٧٠) «السيدة ثرثارة هانم» الأصل Mistress Tale-porter أي ناقلة الحكايات (الغريبة) أو النمامة. والاسم فيه تورية بين tale وصوت نطقها الذي قد يعني tail وكانت له دلالة خارجة.
١١٤  «على ارتفاع أربعين ألف قامة» أي ٧٣ كيلومترًا في الهواء!
١١٥  (٢٧٩-٢٨٠) «سمكة باردة» كان هذا التعبير يُطلَق على المرأة التي تتسم بالبرود الجنسي، أو على أي شخص يفتقر إلى الإحساس.
١١٦  (٢٨٩–٣١٣) تقدم طبعة آردن النوتة الموسيقية لهذه الأغنية إلى جانب مقاطع أخرى منها في ملحق خاص، وتقول إنَّها عُثِر عليها في مخطوط محفوظ.
١١٧  «عربجية» لم أجد خيرًا من هذا اللفظ العامي ترجمة لكلمة carters، فهو يجمع إلى جانب الدلالة على الصنعة إيحاءً بالموقع الاجتماعي المنخفض.
١١٨  «بهلوانات» أي لاعبو أكروبات، والكلمة الإنجليزية (saultiers) مشتقة من الفرنسية (sauter) بمعنى يقفز. والخادم يخلط بينها وبين satyrs وقد أتيت بالدلالتين جميعًا، خصوصًا لأنَّ الإرشاد المسرحي بعد السطر ٣٤٧ ينص على الدلالة الثانية صراحة.
١١٩  «أمام الملك» أي أمام بوليكسنيس، وربما كانت في ذلك إشارة إلى رقصة الساتير في الماصك الذي كتبه جونسون بعنوان أوبرون وسبقت الإشارة إليه.
١٢٠  يظهر من آخر عبارات في هذه المحادثة أنَّ بوليكسنيس قد أطلع الراعي على هويته بعد استفسار الراعي أثناء رقص الراقصين.
١٢١  «لم أسلِّمه إليها» أي لم أخطبها رسميًّا بعد.
١٢٢  الغزل تقليدي، ولكنَّه يدعو للدهشة هنا؛ فأيدي الرعاة عادة لا تكون بالوصف الذي يصفه فلوريزيل.
١٢٣  «إثيوبي» المقصود أي بشرة سمراء، وخصوصًا من أفريقيا.
١٢٤  الثلوج التي تُصَفِّيها الرياح من أيَّة شوائب فتصبح بيضاء إلى أقصى حدٍّ ممكن.
١٢٥  أي إنَّ وصف فلوريزيل لبياض يَدَي برديتا زادهما بياضًا.
١٢٦  «كُلِّلتُ من فوق الملوك كلهم» الأصل most imperial monarch أي غدوت أفوق الملوك جميعًا في اتساع المملكة، وهذا ما سوف يحدث في النهاية حين يُكَلَّلُ فلوريزيل ملكًا على بوهيميا وصقلية معًا! وذلك طبعًا مع برديتا، حفيدة إمبراطور روسيا.
١٢٧  (٣٨٨-٣٨٩) «لست أعرفهم» يبدو أنَّ الراعي لم يدرك حقيقة هوية بوليكسنيس وكميلو، رغم ما قاله له الملك فيما يبدو (انظر الحاشية على ٣٤٨ أعلاه).
١٢٨  أعلن بحضرة الشهود خطبتنا» هذا إيذان بأنَّ طقوس الخطبة توشك أن تصل إلى ذروتها، ومن ثَمَّ يطلب الراعي الجمع بين الفتى والفتاة باعتبار ذلك دليلًا على عقد زواج صالح يُسمَّى عقد الحضور (de praesenti) إذا جرى في حضرة شهود، وهو عقد ملزم، يكفل القانون المدني صلاحيته للربط بين الزوجين حتى من دون احتفال رسمي بالزفاف في الكنيسة، ومن ثَمَّ فهو معترف به في القانون الفقهي، كما كان الحال في مصر في القرن التاسع عشر. وتبدأ الطقوس بأن يأخذ فلوريزيل يد برديتا للنطق بالعهد (وقد حدث هذا عند السطر ٣٦٥ و٣٦٨ عندما قال لها «هاتي يدك»!) وبعدها تعلن برديتا موافقتها (٣٨٦-٣٨٧) وكانا فعلًا يوشكان على إبرام العقد الرسمي بتشابك الأيدي (٣٨٨ و٣٩٥) لولا تدخل بوليكسنيس في اللحظة الحاسمة (٣٩٦). وإذن فإنَّ العهد الخاص أو الوعد بالزواج بصفة خاصة يمكن إبطاله وإلغاؤه على عكس «عقد الحضور» المشار إليه، وفي طوق بوليكسنيس التفريق بينهما استنادًا إلى التفاوت (الظاهر) في المكانة.
١٢٩  (٤١٠-٤١١)«إساءة ولد عاق لأبيه إلى حدٍّ ما» الأصل يقول:
… a wrong/something unfilial.
والكلمة الأخيرة من ابتكار شيكسبير، ولا يورد المعجم مثالًا سابقًا على هذا الاستخدام.
١٣٠  (٤١٨–٤٢١) في الترجمة العربية تبدو هذه سطورًا قصيرة، ولكن الأصل يضم السطر ١٨ إلى السطر ١٧، ويمكن قراءتهما معًا دون إخلال بالوزن، والأصل أيضًا يكتب السطور الثلاثة ١٩–٢١ كأنَّما تشكِّل سطرًا شعريًّا واحدًا، وللقارئ أن يقرأها معًا حتى يدرك ما أعني. والنظم في شيكسبير دَوَّارٌ إلى حدٍّ ما، وهو ما يتجلى في الترجمة العربية؛ إذ قد تتصل التفعيلة العربية بين سطرين مثلما تتصل العبارات في نظم شيكسبير ما بين عدة أسطر، وقد تنتهي في منتصف السطر، وإن كان هذا قد أصبح مألوفًا إلى حدٍّ ما في شعر التفعيلة العربي الحديث.
١٣١  «راعية تحمل خُطَّافًا» كان «الخطاف» رمز الراعية، ولكن الكلمة تفيد أيضًا الكُلَّاب الذي اصطادت به برديتا فلوريزيل.
١٣٢  «بأيَّ آهةٍ» يقصد آهات التألم لفراق المحبوبة، أو أنَّات العذاب، والأصل آهة (sigh) لا أنه (groan).
١٣٣  «أشد من نوح وطوفانه» الأصل يقول ديوكاليون (Deucalion) لا نوح، ولكن ديوكاليون كان المعادل الكلاسيكي لنوح عليه السلام؛ إذ تمكَّن من النجاة من طوفان غمر الدنيا كلها، وأعاد تعمير الأرض برجالٍ كانوا من الأحجار. والمثل يضرب للبُعد الزمني لا للدلالة الدينية، ولذلك أتيتُ بما يُفيد ذلك في ثقافتنا ويفهمه القارئ العربي الذي لن يجد لديوكاليون معنى، فنحن نقول «من أيام سيدنا نوح» دلالة على البُعد في الزمن.
١٣٤  «بل زاد حماسي للإقدام بسبب مقاومة أبي» يقول بعض الشُّراح إنَّ الصورة الأصلية صورة كلب يريد الانطلاق وصاحبه يمنعه بشد المقود، وقد يكون هذا صحيحًا ولكن صورة الكلب من عند الشارح لا من النص.
١٣٥  يقول أحد المعلقين إنَّ كميلو ينزع القناع في وقتٍ ما بين هذا السطر والسطر ٤٧٨، والمنطق يقول إنَّه ينزع القناع حالما يُسأَلُ عن هويته، أي بعد السطر ٤٧٧، ولذلك أضفت الإرشاد المسرحي المطلوب في مكانه المتوقع.
١٣٦  (٤٨٣-٤٨٤) كان المفكرون المسيحيون والوثنيون يقولون إنَّ للأرض بذورًا حقيقية (مثل بذور التفاح) إلى جانب صور من الجوهر غير المادي داخل المادة، ويقول أحد الشُّراح إنَّ اليمين التي يحلفها فلوريزيل، على ما تحمله من مشاعر عميقة تجاه برديتا، تشبه بصورة «غير مريحة» اللعنات والدعوات في مسرحية الملك لير:
يا أيها الرعد الذي يهز الكون هزًّا
فلتلطم الأرض المكوَّرة الغليظة وادحُها
بل دُكَّها دكًّا! كسِّر قوالب الطبيعة!
(٣ / ٢ / ٧–٩)
وفي مكبث
لا تحبِسن العلم ولو أطلقتُنَّ الريح …
وجعلتُنَّ بذور الكون جميعًا …
تنهار وتُطعِم فم كل دمار حتى التخمة!
(٤ / ١ / ٥١، ٥٦-٥٧)
١٣٧  «فقد ورثت حبي» (I/Am heir to my affection) ترجمت المعنى الواضح والظاهر، ولكن أحد الشُّراح يضيف إلى جانب هذا معنى آخر وهو «إنني ابن حبي الذي أنجبني من جديد» ولم أجد في النص إيحاء بهذا فلم آخذ به.
١٣٨  (٤٨٧–٤٨٩) من المعروف أنَّ كلمة fancy، وهي المرتبطة بكلمة fantasy، كانت تفيد خبرة الحب وكذلك القدرة على خلق صور ذهنية. وكان العقل Reason ملكة أسمى من fancy بالدلالتين جميعًا، وهكذا فإنَّ فلوريزيل يهدد بقلب مراتب مَلَكَات الذهن! والواضح أنَّ معنى fancy لديه يوازي قوة الوهم المدمرة التي يخاطبها ليونتيس في ١ / ٢ / ١٣٨، وانظر المقدمة حيث أشرح معنى affection في سياقها.
١٣٩  (٤٩١–٥٠٨) لاحِظ استواء أسلوب فلوريزيل في هذا الحديث الطويل.
١٤٠  اختلاء فلوريزيل بحبيبته برديتا ليس له مبرر وفق الحبكة المنطقية، ولكنه ضرب من «الحركة المسرحية» (stage business) اللازمة لإتاحة الفرصة لكميلو لكي يحادث الجمهور على انفرادٍ.
١٤١  (٥٢٢-٥٢٣)«ووالدي يسُرُّه كل السرور» الأصل It is my father’s music والصورة من قبيل المجاز الميت، كقولنا في هذه الأيام music to my ears تعبيرًا عن القبول والرضا الغامر، ولذلك اقتصرت في الترجمة على الدلالة.
١٤٢  «فلتحتضن مشورتي وحسب» الأصل يقول Embrace but my direction المعنى واضح أي ما عليك إلا أن تعمل بنصيحتي أو بتوجيهاتي، ولكن تعبير الاحتضان دخل العربية المعاصرة أخيرًا فلم أشأ أن أتجاهل ما فيه من مجاز طريف.
١٤٣  (٥٤٩-٥٥٠) يبرر كميلو إشارته إلى برديتا باسم الأميرة بأنَّه واثق أنَّ فلوريزيل سوف يتزوجها. ويقول أحد الشُّراح إنَّ التبرير اللاحق للتسمية قد يخفي إيمان كميلو الباطن أنَّها أميرة فعلًا. ولكن هذا التخريج لا يستند إلى ما يؤكده في النص.
١٤٤  «سنوات لا تُحصى» في الأصل «سبع سنين» وكان التعبير من الأمثلة السائرة على طول المدة تمامًا مثل «عشرين سنة» في الفصل الخامس، المشهد الثالث السطر ٧١ وانظر الحاشية.
١٤٥  «أستاذة معظم من يحترفون التعليم» الأصل:
a mistress/To most that teach.
وهذا هو المعنى الظاهر والمباشر الذي لا يماري فيه من الشُّراح إلا بربارا مووات التي تقول إنَّ to تتضمن حذفًا وتعني «بالمقارنة ﺑ» (in comparison to) وهذا المعنى يقوم على «اختصار» ممكن، ولكن غير واضح وضوح المعنى الذي أوردته، وللقارئ أن يجد مثال الاستخدام الذي تقول به مووات في «هاملت» ١ / ٢ / ١٣٨–١٤٠، في الترجمة العربية، القاهرة، ٢٠٠٤م.
١٤٦  «ما أحمق الأمانة!» في الأصل trumpery وهجاء الكلمة في طبعة الفوليو (Tromperie) يبين اشتقاق الكلمة من الأصل الفرنسي المطابق في الهجاء، والذي يعني الأكاذيب والخداع والدجل، وكان الناس في زمن شيكسبير يربطون بينها وبين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
١٤٧  «أغنية سيدي» أي الأغنية التي طلبها المهرج، وهو يسميه «سيده» من باب الاحتقار.
١٤٨  تقوم «الحركة المسرحية» هنا على براعة أتوليكوس في الحديث إلى الجمهور في المسرح بأسلوب يوحي بأنَّه ليس على مسمع من أحد آخر على خشبة المسرح. وسبق أن أوضحت أنَّ الشنق كان عقوبة السرقة، مهما تكن طفيفة.
١٤٩  (٦٣٢-٦٣٣) يستخدم كميلو النثر في مخاطبة أي شخص أدنى منزلة منه، ولكن هذين السطرين منظومان في طبعة الفوليو، ويلاحظ أنَّ ٦٣١ يمكن اعتباره منظومًا، وعلى هذا ترجمته.
١٥٠  (٦٣٦-٦٣٧) «اخلع ملابسك على الفور» والأصل يقول discase thee instantly وهذا الفعل غريب لم يرد بهذا المعنى إلا في «العاصفة»، انظر الترجمة العربية، القاهرة، ٢٠٠٤م، السطر ٥ / ١ / ٨٤-٨٥.
١٥١  «ضرورة» (necessity) يقول أحد الشُّراح إنَّ المعنى هو «لا مفر منه» و«محتوم»، ولا شك أنَّ الكلمة تعني هذا، ولكن كميلو لا يستطيع أن يفرض شيئًا على أتوليكوس، كما أنَّ الكلمة يسبقها حرف التنكير a ومعنى الحتم يستلزم الحرف of.
١٥٢  (٦٣٩-٦٤٠)«فوق البيعة» هذا التعبير العامي يقابل تمامًا اللفظة الإنجليزية boot وفق تعريف المعجم (OED boot n. 2).
١٥٣  «أعرفك خير المعرفة» كان التعبير المعهود عند التعرف على «الأشرار».
١٥٤  أتصور أن يضحك الجمهور من زعم أتوليكوس أنَّ ضميره لا يسمح!
١٥٥  (٦٥٥-٦٥٦) لا يعرف إلا الجمهور دلالة التورية الساخرة هنا، فهوية برديتا الحقيقية يخفيها الرداء الذي تتظاهر فيه بأنَّها ملكة، وكميلو يدعوها للتظاهر بأنَّها راعية فقيرة (موقنًا بأنَّ هذه الحقيقة) وهي كما نعرف نحن أميرة.
١٥٦  «بعض عيون الملك المبثوثة» (eyes over) المعنى «جواسيس الملك» والتعبير الإنجليزي يماثل التعبير العربي.
١٥٧  انظر في المقدمة دلالة الصورة الميتامسرحية.
١٥٨  «هيا نتهامس نحن الاثنين»: قد يكون لدى فلوريزيل ما يقوله فعلًا، وقد تكون «حركة مسرحية» الغرض منها إتاحة الفرصة لكميلو حتى يخاطب الجمهور مباشرة. انظر الحاشية على ٥١٢ أعلاه.
١٥٩  «القيد الخشبي في عقبيه» لا يكترث الشُّراح بشرح الألفاظ؛ فالمعنى واضح، ولكن الدلالة الثقافية تستلزم التعليق، ﻓ «القيد الخشبي» يشبه النير الذي يوضع في أعناق الأبقار، ولكن ذلك القيد كان يوضع حول أعقاب الحمير! والأصل كان يجري مجرى المثل وهو with his clog at his heels.
١٦٠  يختبئ أتوليكوس هنا حتى يسترق السمع، والراعي وابنه يتحادثان.
١٦١  المهرج يكرر عبارة والده حرفيًّا، وكان المفترض أن يضيف إليها «أنت».
١٦٢  «سيدي الذي كنت أخدمه» يقول النقاد إنَّ أتوليكوس ينتهز الفرصة لمحاولة استعادة عمله خادمًا عند فلوريزيل.
١٦٣  «هذا كذب!» اتهام المهرج بالكذب يُعتبَر بداية فكاهة حول مراسم المبارزة، وتبلغ ذروتها في الفصل الخامس عندما يقول المهرج لأتوليكوس «رفضت مبارزتي منذ يومين لأنني لم أولد سيدًا» (٥ / ٢ / ١٢٦-١٢٧) والفكاهة تكمن في أنَّ كليهما ليس من السادة إلى الحد الذي يسمح لهما بممارسة طقوس المبارزة ومراسمها (انظر الحاشية على ٧٢٧-٧٢٨ أدناه). وأما كلمة «غليظان» (rough) فتتضمن تلاعبًا من جانب أتوليكوس بمعاني كلمة «البسطاء» التي ذكرها المهرج في ٧٢٥ (plain) إذ تعني الكلمة أيضًا الناعم البريء من الغلظة والخشونة، وهكذا يقصد أنَّهما لا يتميزان بهذه الصفة، بل هما غير حليقي اللحية وأشعثا الشعر.
١٦٤  (٧٢٧-٧٢٨)«كثيرًا ما يخدعوننا نحن الجنود بالكذب» الأصل يقول:
they often give us soldiers the lie.
ويقصد بالكذب إما المبالغة في قيمة البضائع أو المغالطة في الحساب. والتعبير الإنجليزي to give the lie كان يعني أيضًا اتهام أحد السادة بالكذب، وكان ذلك مبررًا كافيًا للمنازلة أو لطعنه بالسيف على الفور (انظر عطيل، ٣ / ٤ / ٤-٥، الترجمة العربية، القاهرة، ٢٠٠٥م) وأتوليكوس يتهرب من المبارزة بأن يزعم أنَّه من رجال البلاط، ولا يليق به منازلة المهرج الذي يشغل مرتبة اجتماعية أدنى منه (انظر الحاشية على ٧٢٦ أعلاه).
١٦٥  (٧٤٨–٧٥٠) هذه السطور الثلاثة منظومة في جميع الطبعات عندي باستثناء طبعة آردن ٢٠١٠م، والحق أنَّ إيقاعها شعري منتظم وإن قلَّت تفعيلات السطر الأخير عن خمس، وهو جائز في الإنجليزية وشائع في شيكسبير، فترجمتها نظمًا. والإشارة هنا إلى المثل الآخر في إنجيل لوقا عن الفريسي وجابي الضرائب؛ إذ قال الفريسي «أشكرك يا رب لأني لست مثل باقي الناس الطماعين الظالمين الزناة …» (١٨ / ١١) والإشارة تتضمن تورية درامية ساخرة، فإنَّ كل هذه الرذائل قائمة في أتوليكوس، وترجمتها نظمًا يليق بجلال أسلوبها.
١٦٦  «تنظيف خلال أسنانه» كان رجال البلاط الإليزابيثي يستخدمون «خِلة» أو سواكًا من الذهب أو الفضة حتى يبهروا العيون، ولكن العادة كانت قد توقفت في الوقت الذي كتب شيكسبير فيه «حكاية الشتاء»، وربما كان ذلك دليلًا على جهل أتوليكوس بحياة البلاط الحقيقية.
١٦٧  (٧٦٦-٧٦٧) يكذب أتوليكوس على الرجلين حتى يمنعهما من الذهاب إلى القصر الملكي؛ فالذي ركب السفينة فلوريزيل لا بوليكسنيس، ومن بعدها يبدأ تحايله عليهما.
١٦٨  «دُبًّا عنيدًا» يقول أحد النقاد إنَّ الحدث في بوهيميا يشكِّله دب متوحش خارج المسرح في مطلعه (الإرشاد المسرحي في ٣ / ٣ / ٥٧) وصورة الدب الأليف الذي يسلس قياده في الختام، ولكن هذا القول مبالغ فيه؛ فالدب لا يزيد عن رمز ولا يشارك فعليًّا في الحدث إلا بالتهام أنتيجونوس، وكان يمكن أن يكون حيوانًا متوحشًا آخر.
١٦٩  «في ظاهر يده» (the outside of his hand) يقصد المهرج العكس، أي في باطن يده أو في راحة يده! ولكن الطباق بين باطن الكيس وظاهر اليد أدى إلى هذا التعبير.
١٧٠  (٨٣١-٨٣٢) «أقضي حاجة» كناية عن التبول، وهي في الأصل look upon فجئت بالكناية المقابلة، وإخراج الفلاحين من المسرح الآن يتيح له مخاطبة الجمهور مباشرة، كما أنَّ التبول فوق السياج يؤكد احتقاره لجميع الحدود التي يقيمها ملاك الأراضي (كالسياج النباتي حول العقار) واحتقاره للسلطة أيضًا.
١٧١  «الخلد» (mole) حيوان صغير يعيش تحت الأرض، ويتغذى على الجذور الدرنية للنباتات (فيفسدها)، وهو أعمى فهو لا يحتاج إلى البصر، وكان يُضرَب به المثل في العمى. وهو معروف لدارسي اللغة الإنجليزية في التعبير to make a mountain out of a mole hill أي يبالغ كثيرًا، أو كما نقول بالعامية «يعمل من الحبة قبة»، ذلك أنَّ الخلد حين يحفر الأرض يقذف التراب والطين خارجها فتصبح كومة صغيرة، يُستدَل منها على وجوده، ويقتله أصحاب الحدائق (والبساتين خصوصًا) بإطلاق النار عليه من بندقية بالخرطوش.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤